بقلم :
هاشم المكي (مصطفي حامد)
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world
لم تخل جعبة الشعب الأفغاني من المكاسب السياسية بعد أربعة عشر عاماً من قتاله ضد الشيوعية , وإن كان يعيش الآن بلا حكومة في دولة مهددة بالتمزق , وفي ظل حرب أهلية تدمرالعاصمة وتحصد أرواح الآلاف ولكنه على الأقل يعيش الآن بلا نظام شيوعي. كشعب حرومحتفظ بإسلامه .. ويشعر بالعزة والفخر لكونه حقق إنجازاً غير مسبوق في تاريخالعالم المعاصر .
ولكن ما هو الحال بالنسبة للعرب الذين شاركوا في جهادأفغانستان ؟
لقد شارك مسلمون من شتى بقاع الأرض في الحالة الجهادية الأفغانيةوأثروا فيها وتأثروا بها , ولكن المشاركة العربية اكتسبت طابعاً خاصاً .. وقيمة مخالفة لكافة المشاركات الأخرى حتى أنها- في لحظات محدودة – خطفت الأبصار فعلاً حتىعن الدور الجهادي الأفغاني نفسه .
لقد عاد العرب في أفغانستان إلي السلاحفي ساحات الصراع العسكري العنيف وتحت راية الجهاد وهتافات ” الله أكبر ” . وقدأحيا ذلك الالتحام ذكريات الصدر الأول والريادة العربية للإسلام , دعوة وجهاداً , وكان الأفغان في شوق لهذا الدور .. ولم يكن العرب أقل شوقاً .. ولكنهم كانوا أبعدما يمكن عن القدرة على ممارسته بالشكل اللائق , ومع ذلك كان دوراً تاريخياً مشرقاً .. على وجه العموم . افتقد العرب في أفغانستان إلي ما يفتقده الأفغانأنفسهم من مقومات العمل الجهادي الناجح .. افتقدوا القيادة وافتقدوا التنظم . وظهروا في ذلك الجانب في صورة أشد تخلفاً عن صورتهم في حرب فلسطين , فلم تشهدأفغانستان حسن البنا ولا شهدت الإخوان المسلمين .
وخسر بذلك التواجد العربي والجهاد الأفغاني عنصراً ذو قيمة إستراتيجية فائقة ., وكان ذلك بالتحديد جزء منصفقة إخوان العصر الحالي ” الدوليون ” مع الأنظمة المحلية في مصر وباكستان وجزءمن الاتفاق الضمني مع الولايات المتحدة ,لقد قالها الإخوان المعاصرون صراحة : وداعاً للسلاح .
لقد جاهد الإخوان المعاصرون بتوزيع الأحذية والبطانيات علىالأفغان وتركوا خنادق القتال لغيرهم .. لقد مارسوا دور ( الخدمات الثابتة ) الذييؤخذ إليه المعاقون والعاجزون عن القتال والمشكوك في ولائهم في الجيوش النظامية .. وكل هذا إرضاءً للحكومات العميلة .. ( إذا وافقت الحكومة إننا نقاتل يبقى نقاتل!!! (..
كما قال كبيرهم عند زيارته اليتيمة لبيشاور .
رحم الله حسن البنا فقدقرعت أجراس الكنائس احتفالا بقتله لأنه أخذ مبادئه معه إلى القبر …
لقدتعمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب والباكستانيون إغراق الجهاد الأفغاني فيدوامة عاتية من الفوضى . واهتموا بشكل خاص بإغراق التواجد العربي في نفس المستنقعوحرصوا على :
ألا يستفيد العرب عسكرياً, ألا يستفيد العرب تنظيماً, ألا يفهمالعرب أبعاد الصراع سياسياً, ألا يكون دور المجاهدين العرب مؤثراً فى نتائجالقتال.. وإن ظهر لهم دور مؤثر فى بعض الأحيان فيجب طمس هذا الدور والتعتيم عليه. وللأسف كان القادة الأفغان مشاركين فى هذه المؤامرة.
– وظل التدريب العسكري شبهمحظور على العرب المجاهدين لعدة سنوات, ثم بدأ رمزياً لسنوات أخرى – ثم اتخذ شيئاًمن الجدية في العامين الأخيرين.
– أما تنظيمياً فقد شكلت أجهزت المخابراتالعربية, خاصة السعودية , أوعيه العمل العربي ووسائله وأشخاصه ومؤسساته . ثم وجهتهفي دهاليز مجدبة عقيمة , لا تفيد المجاهدين لا عرباُ ولا أفغاناًُ.
من الناحيةالفكرية لم تشهد حركة مماثلة في العالم حالة من الإجداب الفكري كما شهده الجهادالأفغاني. فلم يصدر كتاب واحد ذو قيمة إبداعية في أي منحى. وذلك بالنسبة للأفغان والعرب على حد سواء . كما شمل ذلك الجانب العسكري أيضاً . فلم تظهر كتابات عسكريةذات قيمه طوال هذه الحرب رغم مئات المعارك الهامة.
و رغم تلك الإحتياطات استطاعالتواجد العربي في أفغانستان أن يخترق طوق الحصار المفروض حوله.. ولو جزئياًفاستطاع بعضهم أن يتعلموا الكثير بمجهوداتهم الفردية, وشاركوا جماعياُ فى معارككانوا فيها نجوماُ لامعة واستطاعوا – بدون أن يدركوا ذلك – أن يفسدوا بعض المخططاتالدولية التي تآمرت في ساحات القتال.
1 – فقد لعبوا دور البطولة المطلقة فيمعركة جاجى 1987م التي كانت المعركة التي اصطدم فيها العرب مع الروس مباشرة لأولوآخر مرة.
2- وكانوا العنصر الأهم فى معارك جلال آباد منذ أن اندلعت في مارس 1989م وحتى فتح كابول في إبريل 1992م وأفسد ذلك التواجد – بدون أن يدروا – المخططالمرسوم لتلك المعركة , التي كان من المفروض أن تكون هزيمة عسكرية يعقبها انهيارسياسي تواطأت فيه قيادات الأحزاب الجهادية في بيشاور مع أجهزة مخابرات دوليةوإقليمية . لقد منع العرب فى جلال آباد أن يتحول الموقف إلى كارثة مدوية.
3 – وشارك التواجد العربي بجدارة في معارك خوست قبل وبعد فتح المدينة في مارس 1991 ثممعارك جارديز التي تلتها في أكتوبر من نفس العام.
هذه أبرز المشاركات العربيةعسكرياً حيث قاتلوا بأعداد كبيرة نسبياً .وأثبتوا حضوراً بارزاً فى الميدانالقتالي . مع هذا فقد قاتل العرب إما فرادى أو في مجموعات صغيرة في كل أنحاءأفغانستان تقريباً. وفقد الشباب العربي ما يقارب الخمسمائة شهيد طويل سنواتمشاركتهم الجهادية في أفغانستان.
* كما أن تسمية الجهاد الذي تم في أفغانستانباسم (الجهاد الأفغاني) كان وسيلة أمريكية ناجحة للحديث عن جرائم الشيوعية, ومآسىالشعب الأفغاني, ودور الأمم المتحدة وأمريكا في مساعدته, ولإبرازهم فرسان بيشاوروصناديدها من قادة الأحزاب الأفغانية, وفى نفس الوقت إخفاء البطولات القتالية, التيأظهرها المجاهدون العرب أفراداً ومجموعات, ودورهم الكبير جداً في الحفاظ على الروحالمعنوية للأفغان أنفسهم الذين أهتزت معنوياتهم كثيراً لما رأوه من فساد أهلبيشاور, والمتاجرة بدماء المقاتلين. إن هذه الأمور لم يسمع بها أحد ولم يعرفها إلاالذين عانوها بأنفسهم فقط.
ويأتى السؤال .. وماذا كسب العرب سياسياً منمشاركتهم القتالية:
والجواب: لا شئ بل أنهم خسروا.. وما زالوا.
– وفى لحظةفتح كابول أدرك المجاهدون العرب أنهم هزموا سياسياً, فالهدف الذي جاءوا لأجله قدتبخر مثل السراب.
لقد حضروا لإقامة دولة الخلافة.. وتخيلوا شخصية الخليفة فىواحد من أثنين من (القادة الأصوليين) من جناج الإخوان.
لكنهم فوجنوا بانغماسهؤلاء في الحرب الأهلية والتحالفات المشينة مع الشيوعيين في سباق مجنون نحوالسلطة.
انسحب معظم العرب من كابول بعد أيام من الفتح وبقى أخرون يقاتلون فى صفهذا أو ذاك ممن كانوا يحلمون بهم في أدوار “سيدي الخليفة”. ذلك الاستمرار القتالييعود لأسباب نفسية بحته – وإن اكتسى بصبغة دينية هشة- لقد رفضوا تصديق الكارثة.. فظلوا يتخيلون الوهم ويقاتلون الطواحين في كابول.. ويقتلون الأبرياء تحت وهم إحياءالخلافة.
واستغل طواغيت بيشاور وفى كابول الوضع وعزموا على القتال حتى آخر عربيفي حوزتهم.
* انكمش عدد من العرب في معسكراتهم المشتتة فى منطقه جلال آباد. ولكنالوالي ورئيس مجلس الشورى ومعظم الأعضاء بدأوا مزاداً دولياُ لبيعهم للنظام الدوليالجديد. وقبضوا الملايين من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والسعودية. لقد بدأتحملة دولية ضد “الإرهابيين العرب” في بيشاور وأفغانستان.
وشاركت حكومات عربيةبضراوة لاستئصال العرب وإبادة ذلك التجمع. وضغطت حكومات مصر وتونس والجزائر لتسليمرعاياها من العرب لإعدامهم. ودفعت الملايين لوالى جلال آباد ومجلس الشورى هناكلطرد العرب أو تسليمهم أو .. قتلهم هناك.. ونجحوا أخيراً في التضييق والتصفية. وترك العرب خلفهم ثلاثمائة جثة لشهدائهم في تراب جلال آباد ومداخلها. لم يستطعالعرب أن يكتسبوا موطيء قدم في أفغانستان. وفقدوا جلال آباد التي شهدت أكبر تواجدلهم وأعظم خسائر بشرية منوا بها فى تلك الحرب.
وفقد معظمهم الثقة في الأفغان.. بل والأعاجم.. وأعاد بعضهم حساباته الإسلامية من الأساس.
كانت حسابات العربالسياسية خاطئة منذ البداية وظلت كذلك حتى النهاية – وحرمهم ذلك حتى من الحصول علىمكسب سياسي جزئي كإخوانهم المجاهدين الأفغان. لقد كان ممكناً لهم – وما زال – اتخاذموطئ قدم قوى على أرض أفغانستان وبين قبائلها بشرط التواجد الجماعي المنظم. وبدونموطئ قدم ومأوى في أفغانستان المحررة بدماء مليوني شهيد سيقع التجمع العربي فيبراثن النظام الدولي وزبانيته الإقليميين.
لقد انفجرت مجازر الشيوعيين فىطاجيكستان . وأفتقد الشعب الطاجيكى المسلم مساندة العرب المعنوية والقتالية كمافقدوا دعم الأفغان وامكاناتهم القتالية الرائعة.
* كان يمكن للعرب الحصول علىموطى قدم ثابت وقوى فى أفغانستان يمارسون فيه دورهم الريادي إسلامياًُ فى وسط أسيابشكل خاص ثم جنوبها ثم المنطقة العربية عامة, ولكنهم أخطأوا تقييم الأحداث وتقييمالشعب الأفغاني.. ومعطيات الواقع السياسي. وفوق ذلك افتقدوا القيادة الموحدةوالتنظيم الجامع فلم يكن للعرب في أفغانستان لا حسن البنا ولا الإخوان المسلمين .
فنحن أمام حالة من فقدان القيادة.. وضياع التنظيم . وجماعات بهذا الشكل تمارسالجهاد المسلح مع غياب كامل عن الفهم السياسي والممارسة السياسية.. مهددة إما أنتصبح مجرد “أحصنه” ( أو بغال تحميل حسب بعض التوصيفات(.
فى اللعبة الدولية.. تقوم البغال بحمل الأثقال الصعبة.. وعندما تنتهي الفائدة منها يطلقون على رؤوسهارصاصات الرحمة.
فهل ما يحدث للعرب في بيشاور الآن – أو العرب الأفغان – كماأطلقوا عليهم في أجهزة القمع الغربية – هي رصاصات من هذا النوع؟ وهل يحاولالنظام الدولي الجديد استباق الزمن ويذبح المجاهدين العرب قبل أن يتحولوا إلى طرفكامل الأهلية يتعامل سياسياً بنفس براعته في القتال..و يومها ستتغير حتماً الكثيرمن المعادلات.؟
لقد اعتقل مقاتلوا الإخوان المسلمون فى فلسطين وأسلحتهم ما زالتفى أيديهم. وحاول اليهود إجراء نفس المؤامرة على ” العرب الأفغان” في بيشاوروأفغانستان ولكن المحاولة فشلت عدة مرات لأسباب مختلفة. فهل ينجحون في تصفية الزخمالجهادى الإسلامي الذي تولد عن القضية الأفغانية كما نجحوا مع نظيرة فيفلسطين؟
لقد اغتالوا حسن البنا فى أعقاب حرب فلسطين واغتالوا معه تنظيم الإخوانالمسلمين الذي استشهد هو الآخر فى نفس اللحظة مع المرشد العام.
لقد استعصتالظاهرة العربية فى أفغانستان على الاغتيال, فلم يكن الدكتور عبد الله عزام هو “بنا” هذه الحركة. ولم يكن ثمة تنظيم يمكن إغتياله مع الدكتور عبد الله عزام ..ولم يظهر هذا التنظيم بعد.
إلى حد ما كانت للهلامية العربية فى بيشاوروأفغانستان فوائدها. ولكنها تبدو وقد استنزفت تلك الفوائد وأعطت ما يكفى منالسلبيات التى تهدد الظاهرة الجهادية بأكملها بالضياع الجماعي . فلم يعد يمكنهاالاستمرار بغير عبور الحاجز الصعب وتحقيق المستحيلات الثلاث: القيادة.. والتنظيم.. والسياسة.
ولا يستطيع أشد الناس حماساً أن يدعى بأن تلك الحركة قادرة حالياًُعلى تحقيق المستحيل.
بيشاور
فى رمضان 1413هـ_مارس 1993م
ولكن ما هو الحال بالنسبة للعرب الذين شاركوا في جهادأفغانستان ؟
لقد شارك مسلمون من شتى بقاع الأرض في الحالة الجهادية الأفغانيةوأثروا فيها وتأثروا بها , ولكن المشاركة العربية اكتسبت طابعاً خاصاً .. وقيمة مخالفة لكافة المشاركات الأخرى حتى أنها- في لحظات محدودة – خطفت الأبصار فعلاً حتىعن الدور الجهادي الأفغاني نفسه .
لقد عاد العرب في أفغانستان إلي السلاحفي ساحات الصراع العسكري العنيف وتحت راية الجهاد وهتافات ” الله أكبر ” . وقدأحيا ذلك الالتحام ذكريات الصدر الأول والريادة العربية للإسلام , دعوة وجهاداً , وكان الأفغان في شوق لهذا الدور .. ولم يكن العرب أقل شوقاً .. ولكنهم كانوا أبعدما يمكن عن القدرة على ممارسته بالشكل اللائق , ومع ذلك كان دوراً تاريخياً مشرقاً .. على وجه العموم . افتقد العرب في أفغانستان إلي ما يفتقده الأفغانأنفسهم من مقومات العمل الجهادي الناجح .. افتقدوا القيادة وافتقدوا التنظم . وظهروا في ذلك الجانب في صورة أشد تخلفاً عن صورتهم في حرب فلسطين , فلم تشهدأفغانستان حسن البنا ولا شهدت الإخوان المسلمين .
وخسر بذلك التواجد العربي والجهاد الأفغاني عنصراً ذو قيمة إستراتيجية فائقة ., وكان ذلك بالتحديد جزء منصفقة إخوان العصر الحالي ” الدوليون ” مع الأنظمة المحلية في مصر وباكستان وجزءمن الاتفاق الضمني مع الولايات المتحدة ,لقد قالها الإخوان المعاصرون صراحة : وداعاً للسلاح .
لقد جاهد الإخوان المعاصرون بتوزيع الأحذية والبطانيات علىالأفغان وتركوا خنادق القتال لغيرهم .. لقد مارسوا دور ( الخدمات الثابتة ) الذييؤخذ إليه المعاقون والعاجزون عن القتال والمشكوك في ولائهم في الجيوش النظامية .. وكل هذا إرضاءً للحكومات العميلة .. ( إذا وافقت الحكومة إننا نقاتل يبقى نقاتل!!! (..
كما قال كبيرهم عند زيارته اليتيمة لبيشاور .
رحم الله حسن البنا فقدقرعت أجراس الكنائس احتفالا بقتله لأنه أخذ مبادئه معه إلى القبر …
لقدتعمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب والباكستانيون إغراق الجهاد الأفغاني فيدوامة عاتية من الفوضى . واهتموا بشكل خاص بإغراق التواجد العربي في نفس المستنقعوحرصوا على :
ألا يستفيد العرب عسكرياً, ألا يستفيد العرب تنظيماً, ألا يفهمالعرب أبعاد الصراع سياسياً, ألا يكون دور المجاهدين العرب مؤثراً فى نتائجالقتال.. وإن ظهر لهم دور مؤثر فى بعض الأحيان فيجب طمس هذا الدور والتعتيم عليه. وللأسف كان القادة الأفغان مشاركين فى هذه المؤامرة.
– وظل التدريب العسكري شبهمحظور على العرب المجاهدين لعدة سنوات, ثم بدأ رمزياً لسنوات أخرى – ثم اتخذ شيئاًمن الجدية في العامين الأخيرين.
– أما تنظيمياً فقد شكلت أجهزت المخابراتالعربية, خاصة السعودية , أوعيه العمل العربي ووسائله وأشخاصه ومؤسساته . ثم وجهتهفي دهاليز مجدبة عقيمة , لا تفيد المجاهدين لا عرباُ ولا أفغاناًُ.
من الناحيةالفكرية لم تشهد حركة مماثلة في العالم حالة من الإجداب الفكري كما شهده الجهادالأفغاني. فلم يصدر كتاب واحد ذو قيمة إبداعية في أي منحى. وذلك بالنسبة للأفغان والعرب على حد سواء . كما شمل ذلك الجانب العسكري أيضاً . فلم تظهر كتابات عسكريةذات قيمه طوال هذه الحرب رغم مئات المعارك الهامة.
و رغم تلك الإحتياطات استطاعالتواجد العربي في أفغانستان أن يخترق طوق الحصار المفروض حوله.. ولو جزئياًفاستطاع بعضهم أن يتعلموا الكثير بمجهوداتهم الفردية, وشاركوا جماعياُ فى معارككانوا فيها نجوماُ لامعة واستطاعوا – بدون أن يدركوا ذلك – أن يفسدوا بعض المخططاتالدولية التي تآمرت في ساحات القتال.
1 – فقد لعبوا دور البطولة المطلقة فيمعركة جاجى 1987م التي كانت المعركة التي اصطدم فيها العرب مع الروس مباشرة لأولوآخر مرة.
2- وكانوا العنصر الأهم فى معارك جلال آباد منذ أن اندلعت في مارس 1989م وحتى فتح كابول في إبريل 1992م وأفسد ذلك التواجد – بدون أن يدروا – المخططالمرسوم لتلك المعركة , التي كان من المفروض أن تكون هزيمة عسكرية يعقبها انهيارسياسي تواطأت فيه قيادات الأحزاب الجهادية في بيشاور مع أجهزة مخابرات دوليةوإقليمية . لقد منع العرب فى جلال آباد أن يتحول الموقف إلى كارثة مدوية.
3 – وشارك التواجد العربي بجدارة في معارك خوست قبل وبعد فتح المدينة في مارس 1991 ثممعارك جارديز التي تلتها في أكتوبر من نفس العام.
هذه أبرز المشاركات العربيةعسكرياً حيث قاتلوا بأعداد كبيرة نسبياً .وأثبتوا حضوراً بارزاً فى الميدانالقتالي . مع هذا فقد قاتل العرب إما فرادى أو في مجموعات صغيرة في كل أنحاءأفغانستان تقريباً. وفقد الشباب العربي ما يقارب الخمسمائة شهيد طويل سنواتمشاركتهم الجهادية في أفغانستان.
* كما أن تسمية الجهاد الذي تم في أفغانستانباسم (الجهاد الأفغاني) كان وسيلة أمريكية ناجحة للحديث عن جرائم الشيوعية, ومآسىالشعب الأفغاني, ودور الأمم المتحدة وأمريكا في مساعدته, ولإبرازهم فرسان بيشاوروصناديدها من قادة الأحزاب الأفغانية, وفى نفس الوقت إخفاء البطولات القتالية, التيأظهرها المجاهدون العرب أفراداً ومجموعات, ودورهم الكبير جداً في الحفاظ على الروحالمعنوية للأفغان أنفسهم الذين أهتزت معنوياتهم كثيراً لما رأوه من فساد أهلبيشاور, والمتاجرة بدماء المقاتلين. إن هذه الأمور لم يسمع بها أحد ولم يعرفها إلاالذين عانوها بأنفسهم فقط.
ويأتى السؤال .. وماذا كسب العرب سياسياً منمشاركتهم القتالية:
والجواب: لا شئ بل أنهم خسروا.. وما زالوا.
– وفى لحظةفتح كابول أدرك المجاهدون العرب أنهم هزموا سياسياً, فالهدف الذي جاءوا لأجله قدتبخر مثل السراب.
لقد حضروا لإقامة دولة الخلافة.. وتخيلوا شخصية الخليفة فىواحد من أثنين من (القادة الأصوليين) من جناج الإخوان.
لكنهم فوجنوا بانغماسهؤلاء في الحرب الأهلية والتحالفات المشينة مع الشيوعيين في سباق مجنون نحوالسلطة.
انسحب معظم العرب من كابول بعد أيام من الفتح وبقى أخرون يقاتلون فى صفهذا أو ذاك ممن كانوا يحلمون بهم في أدوار “سيدي الخليفة”. ذلك الاستمرار القتالييعود لأسباب نفسية بحته – وإن اكتسى بصبغة دينية هشة- لقد رفضوا تصديق الكارثة.. فظلوا يتخيلون الوهم ويقاتلون الطواحين في كابول.. ويقتلون الأبرياء تحت وهم إحياءالخلافة.
واستغل طواغيت بيشاور وفى كابول الوضع وعزموا على القتال حتى آخر عربيفي حوزتهم.
* انكمش عدد من العرب في معسكراتهم المشتتة فى منطقه جلال آباد. ولكنالوالي ورئيس مجلس الشورى ومعظم الأعضاء بدأوا مزاداً دولياُ لبيعهم للنظام الدوليالجديد. وقبضوا الملايين من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والسعودية. لقد بدأتحملة دولية ضد “الإرهابيين العرب” في بيشاور وأفغانستان.
وشاركت حكومات عربيةبضراوة لاستئصال العرب وإبادة ذلك التجمع. وضغطت حكومات مصر وتونس والجزائر لتسليمرعاياها من العرب لإعدامهم. ودفعت الملايين لوالى جلال آباد ومجلس الشورى هناكلطرد العرب أو تسليمهم أو .. قتلهم هناك.. ونجحوا أخيراً في التضييق والتصفية. وترك العرب خلفهم ثلاثمائة جثة لشهدائهم في تراب جلال آباد ومداخلها. لم يستطعالعرب أن يكتسبوا موطيء قدم في أفغانستان. وفقدوا جلال آباد التي شهدت أكبر تواجدلهم وأعظم خسائر بشرية منوا بها فى تلك الحرب.
وفقد معظمهم الثقة في الأفغان.. بل والأعاجم.. وأعاد بعضهم حساباته الإسلامية من الأساس.
كانت حسابات العربالسياسية خاطئة منذ البداية وظلت كذلك حتى النهاية – وحرمهم ذلك حتى من الحصول علىمكسب سياسي جزئي كإخوانهم المجاهدين الأفغان. لقد كان ممكناً لهم – وما زال – اتخاذموطئ قدم قوى على أرض أفغانستان وبين قبائلها بشرط التواجد الجماعي المنظم. وبدونموطئ قدم ومأوى في أفغانستان المحررة بدماء مليوني شهيد سيقع التجمع العربي فيبراثن النظام الدولي وزبانيته الإقليميين.
لقد انفجرت مجازر الشيوعيين فىطاجيكستان . وأفتقد الشعب الطاجيكى المسلم مساندة العرب المعنوية والقتالية كمافقدوا دعم الأفغان وامكاناتهم القتالية الرائعة.
* كان يمكن للعرب الحصول علىموطى قدم ثابت وقوى فى أفغانستان يمارسون فيه دورهم الريادي إسلامياًُ فى وسط أسيابشكل خاص ثم جنوبها ثم المنطقة العربية عامة, ولكنهم أخطأوا تقييم الأحداث وتقييمالشعب الأفغاني.. ومعطيات الواقع السياسي. وفوق ذلك افتقدوا القيادة الموحدةوالتنظيم الجامع فلم يكن للعرب في أفغانستان لا حسن البنا ولا الإخوان المسلمين .
فنحن أمام حالة من فقدان القيادة.. وضياع التنظيم . وجماعات بهذا الشكل تمارسالجهاد المسلح مع غياب كامل عن الفهم السياسي والممارسة السياسية.. مهددة إما أنتصبح مجرد “أحصنه” ( أو بغال تحميل حسب بعض التوصيفات(.
فى اللعبة الدولية.. تقوم البغال بحمل الأثقال الصعبة.. وعندما تنتهي الفائدة منها يطلقون على رؤوسهارصاصات الرحمة.
فهل ما يحدث للعرب في بيشاور الآن – أو العرب الأفغان – كماأطلقوا عليهم في أجهزة القمع الغربية – هي رصاصات من هذا النوع؟ وهل يحاولالنظام الدولي الجديد استباق الزمن ويذبح المجاهدين العرب قبل أن يتحولوا إلى طرفكامل الأهلية يتعامل سياسياً بنفس براعته في القتال..و يومها ستتغير حتماً الكثيرمن المعادلات.؟
لقد اعتقل مقاتلوا الإخوان المسلمون فى فلسطين وأسلحتهم ما زالتفى أيديهم. وحاول اليهود إجراء نفس المؤامرة على ” العرب الأفغان” في بيشاوروأفغانستان ولكن المحاولة فشلت عدة مرات لأسباب مختلفة. فهل ينجحون في تصفية الزخمالجهادى الإسلامي الذي تولد عن القضية الأفغانية كما نجحوا مع نظيرة فيفلسطين؟
لقد اغتالوا حسن البنا فى أعقاب حرب فلسطين واغتالوا معه تنظيم الإخوانالمسلمين الذي استشهد هو الآخر فى نفس اللحظة مع المرشد العام.
لقد استعصتالظاهرة العربية فى أفغانستان على الاغتيال, فلم يكن الدكتور عبد الله عزام هو “بنا” هذه الحركة. ولم يكن ثمة تنظيم يمكن إغتياله مع الدكتور عبد الله عزام ..ولم يظهر هذا التنظيم بعد.
إلى حد ما كانت للهلامية العربية فى بيشاوروأفغانستان فوائدها. ولكنها تبدو وقد استنزفت تلك الفوائد وأعطت ما يكفى منالسلبيات التى تهدد الظاهرة الجهادية بأكملها بالضياع الجماعي . فلم يعد يمكنهاالاستمرار بغير عبور الحاجز الصعب وتحقيق المستحيلات الثلاث: القيادة.. والتنظيم.. والسياسة.
ولا يستطيع أشد الناس حماساً أن يدعى بأن تلك الحركة قادرة حالياًُعلى تحقيق المستحيل.
بيشاور
فى رمضان 1413هـ_مارس 1993م
بقلم :
هاشم المكي (مصطفي حامد)
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world