قصة غلاف كتاب التاريخ لا يفيد
أحمد بيك أمين هو ذلك المملوك الشجاع الذي قفز بحصانة من فوف سور قلعة الجبل. وذلك حدث مشهور في تاريخ مصر رغم أنه لم يكن الحادث الوحيد من نوعه ولا الأكبر، ولكن لأنه جاء في مفصل تاريخي هام فأصبح مشهورا كآخر حادث في مصر يتعلق بالمماليك. واشتهر بإسم “مذبحة القلعة” التي دبرها محمد علي باشا ليأمن شرهم .
وقد كانو يتولون الإدارة الداخلية في مصر حسب الاتفاق بينهم وبين الأحتلال التركي الذي يعين الحاكم الأعلى لمصر (الباشا) ويستلم منه كل عام ما يترتب علي المصريين من ضرائب يتكفل بها المماليك وفق قانون الإلتزام. حيث يقوم الملتزم بدفع ما يترتب علي منطقتة مقدماً من جيبه الخاص ثم يقضي باقي العام في تجميع ضرائب من الفلاحين بأى مقدار يشاء وبأي وسيلة يمكنه استخدامها ولنا أن نتخيل الحال.
البيك أحمد أمين بصفته مملوك أبن مملوك من سلاله مماليك لم يكن يخفي عليه طبيعة من يجلسون علي دست الحكم في قلعة الجبل.
ولا تخفي عليه أساليبهم في الوصول إلي الحكم ومعاملة من حولهم ومعالجة الإنقلاب بانقلاب وقائي مضاد، ومعالحة المؤامرة بمؤامرة أسرع منها وأكثر إحكاما. يقال أن أحمد بيك أمين (أو المملوك الشارد كما صار يعرف في دنيا الأدب بعد أن عاش مشردا لسنوات طوال هو وذريته في بلاد الشام). نصحته زوجته في صباح الوليمة المشئومة بألا يذهب، فقلبها يشعر أن في الأمر مكيدة. هو أيضا بحكم الخبرة التاريخية المتوارثة عن الأجداد كان يشعر بذلك. ولكن لأن “التاريخ لا يفيد” فقد قرر الذهاب رغم دروس أجداده الأقدمين وخبرتهم مع قلعة الجبل و الوحش الرابض فيها علي الدوام.
خالف أحمد بيك أمين إحساسه التاريخي ونصيحة زوجته وركب حصانه مرتديا كافة زخارفه. وتوكل علي الله وذهب إلي القلعة وهو طول الوقت ينظر نحو الأطراف بعينيه ويدرس ما حوله، يحسب ويتوقع من أين ستأتي الكارثة حتى بدأ انهمار الرصاص علي موكب الأمراء الساعين نحو وليمة الموت عند الباشا محمد على. كان “أحمد بيك” سريع البديهة والحركة فاستطاع التملص والوصول إلي حصانه وأسرع به صوب سور القلعة ليقفزا ويسقطا بالقرب من الخندق المحيط بها في جهة ميدان الرميلة. سقط بحصانة المسكين الذي تلقي وكزة قوية في بطنه من قدم البيك المذهول.
أتصور أن أحمد بيك أمين وهو يهوي بالحصان من سور القلعة نحو أرض الرميلة كان يصيح بأعلي صوتة ليُسْمِع سكان القاهرة ومصر المحروسة رسالته الأخيرة للشعب وللتاريخ : أيها الناس إن التاريخ لا يفيد.
وكلما رأيت صورته هذه التي تحولت إلى غلاف لهذا الكتاب رددت معه نفس العبارة بأن التاريخ لا يفيد .
إهداء إلي حصان أحمد بيك أمين :
ذلك الحيوان النبيل الذي كان يحمل فوق ظهره من يصنعون التاريخ بدون أن يسأل أو يهتم بما كانوا يفعلون. فرأسه الفارغ الجميل لم يكن يتسع لمثل تلك الثرثرة التي لا يري منها سوي الركض والدماء والأشلاء المتناثرة لصانعي التاريخ .
يكفيه التفكير في أمر “العليق” ومشكلات التكاثر في ظل أزمة الاسطبلات وكثرة استيراد الخيول. هو ببساطة لا يهتم بالتاريخ ولا يريد أن يهتم رغم أنه يشارك فيما يجري بسببه ويتعرض لكافة الأخطار.
وفي الأخير دفع حياتة في قفزةٍ أخيرة من فوق سور قلعة الجبل. مع صاحبه “أحمد بك أمين” إبن صانعي التاريخ والجالس فوق جبل من الخبرات.
ولكن ما الفائدة ؟؟.. لقد غفل “البيك” للحظة عن أحد دروس التاريخ فكاد أن يفقد حياته وقضي عمره مشردا. بعد أن فقد حصانه شريكة في معارك التاريخ الذي لم يكن يهتم به أصلا، ويعيش بلا تاريخ كما ينبغي أن يفعل أي حصان..أو حمار أو أى حيوان داجن لايعي حقيقة أنه يعيش حياته داخل التاريخ ويشارك رغم أنفه في صناعته. فالتاريخ هو المستقبل قبل أن يكون الماضي.
و في نفس اللحظة .. ارتطم بالأرض الصلبة نقيضان شريكان، أحدهما سليل صانعي التاريخ، والآخر سليل من ركبهم صانعو التاريخ ومع ذلك لم يهتموا بمعرفته.
كلاهما ارتطم بأرض الحقيقة الصلبة في ميدان الرميلة. واكتشفاها سويا في نفس اللحظة. وفي لغة يمكننا فهمها وإن لم نسمعها منه مباشرة . صاح أحمد بيك أمين :
أيها الناس : إن التاريخ لا يفيد … [ المغفلين!!!ٍ ]
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )