حوار مع أحد زملاء الحرب القدامى (3 من 3)
وادى النيل .. والقرن الأفريقي .
– السودان ستتغير تركيبته السكانية. فالشركات ستديره كمزارع كبرى، و سوف تستورد عمال من غير العرب وغير المسلمين، يأتون كعمال ثم كمواطنين، لنكون أمام مجموعة دول غير عربية وغير إسلامية تعمل في زراعة أرض “السودان السليب”.
– الأجدر أن نسأل أنفسنا أين حقيقة التوحيد في حياتنا ؟؟. وهل لدينا كجماعات إسلامية شيء أكثر من التعصب الديني واستغلاله لاكتساب الشهرة والمال؟.
– للعالم العربي عمقان مهمان في العالم الإسلامي :
الأول: جبهة الطوق الآسيوي ــ الثاني: جبهة الطوق الأفريقي.
– الوعي : معضلة تعرقل العمل الإسلامي.
– الاستراتيجية: تَقَرُّبْ غير مباشر من موضوع صعب .
– كثرة المتغيرات وتلاحُقُها، أفقد الاستراتيجية ثباتها التقليدي ، وتكاد أن تصبح “محصولا موسميا”!! ـ
– توجد مبادئ ثابتة تدخل في ثنايا التخطيط الاستراتيجي ــ وذلك خبر جيد ــ أما الخبر السيء فهو أن الإستراتيجية نفسها أصبحت موضوعا متغيرا أكثر من اللازم .
– كلام فى الإستراتيجية التي تمنحنا التفوق .
– أعمدة في البنيان الاستراتيجي ــ
– الإستراتيجية : تعويم ـ إخفاء ـ خصوصية ـ
– الجهاد معجزة أفغانية ، وكلمة السر :[العلماء] و [ حركة طالبان].
– العالم المجاهد .. والعالم الشهير .
– إسرائيل والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوربي وحلف الناتو والأنظمة العربية ، جميعها أهداف يمكن تفتيتها من الداخل.
– لا يمكن وضع استراتيجية إسلامية بدون حل مشكلة الإسلاميين مع شعوبهم ، وعدائهم مع (المذاهب) الإسلامية.
– يلزمنا وعي صحيح بالتاريخ، الذى هو وعاء التجارب وصياغة الشخصية الإسلامية. فالتاريخ مادة للعظة والعبرة، وليس لبعث وقائعه من جديد ، أو استئناف ما كان فيه من أزمات مضت.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
[ مقدمة الجزء الثالث من الحوار ]
وفيه يقول زملاء من زمن الجهاد القديم :
{ هذه بعض الأسئلة التي تسير من التشخيص إلى العلاج. وربما تفتح لك مجال أسئلة أخرى كان أفضل أن تُطْرَح بدلًا منها، فنرجو أن تكتب الأسئلة التي تتبادر إلى ذهنك أولًا، وبالتالي فضيلتكم في مأزق الإجابة عن هذه الأسئلة وعن تلك التي لم تطرح، نرجو أن تعطي الموضوع حقه من الوقت ولا داعي للاختصار. فالوقت رغم قلته إلا أن البركة دائمًا في القليل. نرجو أن تكتب بالتفصيل قدر الاستطاعة، فالحقيقة تكمن في التفاصيل .. أعانك الله.}
ويُصَوَّب أحد الزملاء صَلْيَة من الأسئلة، كمقدمة:
س) 1 و 2 :
– ما هي أهمية هذا الإقليم بالنسبة لليهود والغرب؟.
– ما هي مخططاتهم المتوقعة للمنطقة؟.
… ولماذا الآن؟.
ج) 1 و 2 :
إن كان المقصود هو إقليم “الشرق الأوسط” فإن أهميته بالنسبة لليهود قد أوضحها بشيء من التفصيل الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، في كتابه الشهير “الشرق الأوسط الجديد”، الذي أوضح فيه أهمية المنطقة العربية والتي أسماها الشرق الأوسط . وذكر بعض المخططات لتجميع المنطقة في كيان اقتصادي وسياسي تحت قيادة إسرائيل، وربط ذلك الإقليم مع أوربا بشبكة من الطرق البرية والبحرية والجوية. وجعل السياحة محوراً اقتصادياً أساسياً يفتح مناطق المقدسات الإسلامية أمام اليهود، وتحويلها إلي مواقع سياحية أكثر منها مراكز دينية. (كما فعلوا الآن في مكة والمدينة) .
تلك الرؤية تخدم أيضا مصالح الغرب حيث أن إسرائيل جزء من الحضارة الغربية. غير أن الغرب يتراجع حضاريا بينما يتقدم اليهود لتولي قيادة العالم كله بادئين بالمنطقة العربية .
وقد تحقق لليهود السيطرة علي المسيحية والإسلام معا، سواء الأماكن المقدسة لدي الطرفين في فلسطين والحجاز. أو بالتحكم في مراكز الفكر الإسلامي، و قادته الكبار من مشايخ ومعاهد علمية تسيطر عليها الحكومات وتُرَوِّضُها علي التبعية لليهود.
الإقليم العربي(الشرق الأوسط) يعتبره اليهود مهد الإسلام ومصدر خطر إذا عاد إليه الإسلام من جديد . لذا فإن أهم واجبات اليهود هي منع عودة الإسلام إلى بلاد العرب، وإبقاء الحال علي ما هو عليه أو أسوأ . فقد انحسرت حقيقة الإسلام عن المنطقة العربية وتًبَقَّي منه التعصب المذهبي الذي يشعله اليهود من جميع السبل.
( بدأ في الأساس كصراع سني شيعي . وأصبح صراع “سُني سُني” تكون الوهابية الطرف العدواني في جميع معاركه ضد الصوفيّة والأحناف، وضد المجاهدين الإسلاميين “السُنّة” المناوئين لإسرائيل والمعارضين للانسياق خلف الغرب).
أهمية إضافيىة لوادي النيل والقرن الأفريقي:
– أما إذا كان المقصود (بالإقليم) هو وادي النيل والقرن الأفريقي، فقد ذكرنا في الجزء الأول من الحوار، جانبا من تلك الأهمية وأهداف إسرائيل هناك. ونضيف هنا هدف لإسرائيل والغرب عموماً بعزل العرب والمسلمين في أفريقيا عن باقي سكان القارة، بقطع الارتباط الجغرافي الذي كان يحققه السودان قبل أن يتم تمزيقه بفصل جنوب السودان عن شماله. وسوف يتأكد ذلك الفصل بتجزئة الشمال نفسه إلي دويلات أو مزارع إسرائيلية كبري لزراعة القمح والقطن ومحاصيل إستراتيجية أخرى . وتلك هي الغاية من حرب (عساكر الخراب السريع) الدائرة حاليا في شوارع الخرطوم . ومن المرشح أن تتسع كثيرا بعد ذلك إذا توفر لطرفيها التمويل والتسليح الكافيين. وتلك مسئولية مجلس التعاون الخليجي ومصانع السلاح الأمريكي.
وقد تسأل: وماذا بعد في السودان؟ .. فأقول:
ان السودان ستتغير تركيبته السكانية التقليدية. فالشركات اليهودية التي ستديره كمزارع كبري، سوف تستورد عمال من غير العرب وغير المسلمين، يأتون كعمال ثم كمواطنين، لنكون أمام مجموعة دول غير عربية وغير إسلامية تعمل لصالح اليهود في الزراعة علي أرض “السودان السليب” ــ على خطى فلسطين، و معزوفة الخروج أندلسي، لأمة عربية منزوعة الوجدان. تُنْتَزَع منها أوطانها بالتدريج، ليدفن اليهود شعوب العرب في صحارى “الشرق الأوسط الجديد !!” أو مياه البحر الأبيض ،كشهداء فرار من أداء واجبهم الجهادي كرجال، هربا إلى الفردوس الأوربي في قوارب المهاجرين غير الشرعيين .
ولنقل ذلك بطريقة شاعرية قليلاً: [ نحن في بدايات رحيل سوداني حزين. سوف نصل اليه عبر بحار من الدم يسفكها جيش السودان للخراب المستعجل بقيادة البرهان وحمدتي، ومن يأتي بعدهما من رفاق الدرب الصهيوني ] .
لا أحد يدري أين سيذهب سكان السودان( 50 مليون في بعض الأقوال) ذهب منهم حوالي مليون إلي مصر. والأغلب أنها بداية لفصل أقصي جنوب مصر في دولة تضم السد العالي وخزان أسوان(آخر رباط للمصريين مع مخزونات مياه النيل ) .
قد يقيم السودانيون هناك مملكة أو جمهورية خاصة بالنوبة، لتستوعب/ مع جزء من صحراء شمال السودان/ باقي الخمسين مليون سوداني لتكون امبراطورية صحراوية تمتلك مخزونا لا بأس به من المياه في بحيرة ناصر المرشحة للجفاف عندما يبدأ بيع مياه النيل من ميناء بورسودان .
فصل النوبة عن مصر سيكون بداية لمجموعة عمليات انفصال وتكوين دويلات مصرية علي أسس دينية (مسلمون ومسيحيون )، وأسس عرقية (فلاحون مصريون ـ نوبيون ـ عرب ـ بدو سيناءـ وبدو غرب مصر ).
س) 3 : لماذا الآن ؟
ج) 3 : لأن الحضارة الغربية انكمشت وتتآكل، وسوف تتحول إلي صراع داخلي في أوربا والولايات المتحدة ، بينما اليهود يتقدمون لرفع راية الحضارة الغربية ولكن بوجه يهودي صريح وليس مستتر كما كان في القرون الخمس الماضية. والشعار الديني هو الذي يجمع اليهود الذين ينتمون إلي جنسيات ولغات شتي. والنبوءات لديهم واضحة وموضع اتفاق الأغلبية. وتتلخص في الصعود الكبير علي قمة البشرية. سيعقبه حسب نصوصهم الدينية انهيار كبير يقترب من الإبادة الشاملة علي أيدي أعدائهم .
س) 4 : ولماذا إعادة التقسيم والتطبيع في القمة، وكل الساسة بين أيديهم، والإنسان العربي يتم مسخه كل ساعة؟.
ج) 4: هدف اليهود والولايات المتحدة من الترويج الهائل لاصطلاح التطبيع هو غسل مخ العرب والمسلمين بخصوص العلاقة مع إسرائيل . وأن قضية فلسطين لم تعد مطروحة كمشكلة مع اليهود. ولكنها مجرد خلاف بين اليهود وبعض الفلسطينيين السيئين الذين يستغلون القضية لمصالحهم الخاصة. وأن ما يحدث بين الدول العربية وإسرائيل هو(تطبيع)، أي علاقات طبيعية بين الدول.
بينما هو في الحقيقة ليس كذلك ، إنما هو استسلام كامل لإسرائيل وتسليم كافة مقدرات العرب لها . وإطلاق يدها في مقدسات المسلمين وتحديداً في مكة والمدينة والقدس.
وتسليم الاقتصاد العربي كله لليهود. وتغيير مفاهيم الدين الإسلامي لصالح رؤية إسرائيل وطبقاً لخططهاً. ثم في النتيجة النهائية تجفيف منابع الإسلام في المنطقة العربية وتغيير المعتقدات والمفاهيم والثقافة وحتي التاريخ الإسلامي، لصالح إسرائيل .
لا داعي للتذكير بما يعرفه الجميع من أن اليهود قد لاقوا نجاحاً كبيرا فى تحقيق تلك الأهداف ، وأن المقاومة الإسلامية مازالت أضعف كثيرا مما ينبغي. وأن ارتباط العرب بالإسلام في ضعف وهبوط متواصل، بينما الجماعات الإسلامية بشتي اتجاهاتها إما تائهة أو تدور بلا وعي في فَلَك المشروع اليهودي ، وبعضهم جزء فاعل ضمن مكوناته.
س) 5: هل هناك نبوءات تجعل من المنطقة محور اهتمامهم؟، وهل هذا يعني أن الحرب هي أصلًا دينية وسيعودون لدعاوى الحرب المقدسة؟ وهل بقي من الدين شيء عند اليهود؟ أم أنه استغلال للتعصب الديني؟ ما هو الشيء الذي غفلنا عنه ويجعل من إقليم الشرق الأوسط في نظرهم محل نزاع مسعور بهذا الشكل؟.
ج) 5: بالطبع توجد نبوءات هامة جداً لدي اليهود تتعلق بفلسطين تحديداً وحرب اليهود مع “شعوب شريرة” تأتي من المشرق، حيث تدور معركة (هرمجدون). والنبوءات تشير إلي نهاية بني إسرائيل في فلسطين. وحربهم ضد المسلمين هي حرب دينية. وهي جزء من تحدي ابليس القائم منذ بداية الخليقة بأنه سوف يضل بني آدم ويخرجهم عن الصراط المستقيم. وتلك وظيفة بني إسرائيل في حال ضلالهم. فوَثّـقوا تحالفهم مع إبليس، وجعلوا من ذلك ديناً يتعصبون له. [ التحالف اتخذ طورا مؤسسيا. ودول كبرى مثل أمريكا أقامت أقساما للأبحاث العلمية والعملية للارتباط بقوى “ما وراء الطبيعة” وقيل أنهم حصلوا على نتائج!!] .
– مما انتبه إليه اليهود وغفل عنه المسلمون هو أن المنطقة العربية هي مهد الديانات السماوية الثلاث، حيث مقدسات الجميع موجودة في نفس المنطقة. ومن هنا فأي صراع في المنطقة العربية يجد لنفسه سبيلاً في المعتقدات الدينية. وليس مصادفة أنه بعد حرب(1948) والحكام العرب وأنظمتهم الخاوية يبذلون أقصي جهد لتحويل فلسطين من قضية دينية إلي قضية قومية. حتى ظهرت منظمة فتح والمنظمات الفلسطينية الأخرى، وعلي رأسهم منظمة التحرير، لتجعل فلسطين قضية وطنية لا دخل للإسلام فيها، وحتى باقي العرب هم مجرد ضيوف شرف في قضية” وطنية” اسمها قضية فلسطين.
وكانت تلك خطوة كبري اتخذوها عن علم أو عن جهل ، فوضعوا رقابهم تحت الحذاء الإسرائيلي وعقدوا مع اليهود سلام (أوسلو).
والآن إسرائيل تسير بالتدريج صوب طرد جميع الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية لإعلان إسرائيل دولة يهودية خالصة .
– من الملفت قولك: ( وهل بقي من الدين شيء عند اليهود ؟ أم أنه استغلال للتعصب الديني؟ ) .
وكان من الأجدر أن نوجه لأنفسنا نفس السؤال ، فنقول: (وماذا تَبَقَّي عندنا من الدين؟ ). حيث بالكاد يرتبط معظمنا بالإسلام عبر (كلمة التوحيد)، والحمد لله علي ذلك. والأجدر أن نسأل أنفسنا أين حقيقة التوحيد في حياتنا كمسلمين؟. وهل لدينا كجماعات إسلامية نَشِطَة في الدعوة أو الجهاد، شيء أكثر من التعصب المذهبي واستغلاله في أجواء من الجهل لاكتساب الشهرة والمال؟.
إن الشيء الذي انتبه اليه اليهود ولم ننتبه إليه نحن كمسلمين، هو أن الحجاز والجزيرة واليمن والقرن الأفريقي ووادي النيل والمغرب العربي، جميعها أراضي إسلامية وجزء من قضية إسلامية كبري .
– قال(شيمون بيريز) عن منطقتنا العربية أنها “شرق أوسط جديد”. وفي الحقيقة أنها أرض إسلامية قديمة، وهي مهد الإسلام، وشعوبها المَيِّتَة في انتظار انبعاث إسلامي أكيد قد يكون قريبا .
لهذا فإن اليهود، ومعهم محور الرِدَّة والنفاق، يطاردون الإسلام بكل وحشية، رغم حالة الموات الظاهر بين المسلمين في الإقليم العربي. ولكن هناك جيل قادم، وذلك حتمي بحكم النصوص الإسلامية نفسها.(وسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ،( ويوم إذن يفرح المؤمنون بنصر الله ) .
س) 6: وماذا بعد؛ من طرف البقية الباقية من العالم الإسلامي؟ هل يمكنهم مواجهة هذه الحملة الشرسة؟.. وكيف؟.
ج) 6: أن المنطقة العربية ساقطة استراتيجيا في يد إسرائيل (من المحيط إلى الخليج). ولكن ليس بنفس الدرجة. إذ يمكن تقسيم هذا السقوط إلي درجات. ووضع استثناءات، ورصد حالات مقاومة تنقسم إلي درجات. فعلي قمة المقاومة لحالة السقوط والخذلان العربي تقف المقاومة الفلسطينية بجهادها البطولي ضد اليهود في فلسطين. وإليهم يرجع الفضل في تأخير إزالة المسجد الأقصى علي يد اليهود، وتأخير طرد الفلسطينيين نهائياً من جميع أراضي فلسطين التاريخية .
– الجبهة الأخرى المقاومة لليهود هم الشعب اليمني الذي يحارب ضد إسرائيل وطلائعها من عملاء السعودية والإمارات وجنجويد السودان ومرتزقة آخرون. وجزء كبير من التوقعات المستقبلية المتفائلة والمتعلقة بالصراع الإسلامي اليهودي متوقفة على انتصار شعب اليمن.
– الجبهة الثالثة المقاومة للتوغل اليهودي في المنطقة العربية هم(حزب الله لبنان) الذي يمثل قوة نوعية متطورة، تشكل خطراً كبيراً علي إسرائيل نتيجة القرب الجغرافي والتطور النوعي للأسلحة والخبرات القتالية الناجحة والتي تراكمت منذ عدة عقود.
– الجبهة الرابعة هم التركيبة البشرية للمغرب العربي، والذي يبدأ من ليبيا وصولا إلي مراكش عبوراً بأراضي تونس والجزائر .
ومن غير الممكن ذكر أي تنظيمات شعبية يمكن التعويل عليها هناك. ولكن الطبيعة البشرية لسكان تلك المنطقة هي التي تصنع لهم أهمية كبرى في الصراع الإسلامي ضد اليهود.
فالطبيعة البشرية لسكان المغرب تختلف كثيراً عن طبيعة سكان المشرق العربي. فهم أكثر ثورية واعتزازاً بشخصيتهم وحريتهم الفردية. وهم ذوي روح قتالية متوثبة. وتاريخهم القتالي القريب والبعيد يعتبر ثروة إسلامية نادرة. وثقافتهم الدينية والدنيوية مرتفعة كثيرا إذا ما قورنت مع باقي العرب.
– وللتَذْكِرَة : فإن جانب كبير من الفضل، في فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي(1191 م) يعود إلي مقاتلي المغرب العربي، وما زالت آثارهم في القدس إلي الآن، إذ أصر عليهم صلاح الدين البقاء في المدينة للدفاع عنها. فاستوطنوا فيها. ويشاركهم الفضل في تحرير القدس مقاتلو اليمن الذين أبقاهم صلاح الدين لنفس الغرض. ولأجل هذا تحتاط إسرائيل كثيرا خوفا من مجاهدي المغرب العربي واليمن. وتجتهد لإزاحة هذين العنصرين، خوفا من تكرار تجربة فتح القدس مرة أخرى .{{ ولعل اليهود نسوا أن فرعون احتاط كثيرا من مواليد بنى إسرائيل حتى لا يزول ملكه على يد أحدهم، كما حَذَّرَه السحرة . ولكن نبي الله موسى نشأ وتربى في قصر فرعون نفسه. فمن يعلم من أين سياتي ذلك البطل الذى سيحرر القدس ويبيد يهود إسرائيل ؟؟}}.
– فاليمن يتعرض لحرب إبادة حقيقية علي يد إسرائيل والسعودية و مُرْتَّدِي الخليج.
– أما المغرب العربي فله برنامج يهودي متشعب لتحييد دوره ومنع وصوله إلي فلسطين مستقبلاً . فإلى جانب إشعال الخلاف الحاد بين المغرب والجزائر، والحرب الأهلية الجنونية في ليبيا، والعزلة المصطنعة في تونس علي يد المتفرنسين(نسبة إلي فرنسا) . ثم حقنوا الجسد الإسلامي في المغرب بفيروس الوهابية السعودية. وأفْقَرُوا المغرب عموماً وخَرَّبوا النخب السياسية فيه .
كل ذلك مجرد جزء من المجهود الإسرائيلي لإبعاد الخطر المغربي.
وآخر خطوط الدفاع التي أنشأتها إسرائيل للوقاية منه، هو الحاجز المصري . إذا تحولت مصر إلي مقبرة عظمي لشعب انتهي دوره التاريخي والحضاري والديني. واستسلم بكامل الذل تحت “البيادة” (الحذاء العسكري الثقيل) .
مائة مليون جثة بشرية لا هدف لها، ومجهولة المصير، تعيش في أتون المشكلات التي نسجها اليهود، ويستحيل حلها بغير ثورة علي الذات (أي أن يثور المصريون علي أنفسهم وعلي النخب الدينية والسياسية والعصابة الحاكمة من الجنرالات الصهاينة ) .
مصر مقبرة فرعونية ضخمة ، سيقاتل جيشها وأمنها الوطني ضد أي محاولة لمسلمي المغرب للتقدم برياً صوب فلسطين .
– وبتعبير شاعري نقول :[ لقد حَوَّل اليهود مصر إلي مقبرة من الموتى الأحياء، لتمنع الزحف الإسلامي المغربي من الوصول إلي فلسطين المحتلة] .
– نعود مرة أخري إلي سؤالك:
وماذا بعد؟. فيما يخص البقية الباقية من العالم الإسلامي.
فنقول ، وبالله التوفيق:
إن للعالم العربي عمقان إسلاميان مهمان .. هما :
أولا ــ جبهة الطوق الآسيوي .. (شرقاً).
وهو العمق الموجود في قارة آسيا. وهو الأهم في ظروفنا الحالية. وهو الأكثر عدداً والأكبر من حيث المساحة والإمكانات الاقتصادية والعسكرية والبشرية . والعمق الأسيوي يتكون من تركيا وإيران كجوار مباشر، ومن خلفهما تأتي باكستان وأفغانستان .
تلك إذن أربع دول، اثنتان منهما في حالة مواجهة فعلية مع أمريكا وإسرائيل. والأخريان تقفان في نفس الخندق مع إسرائيل وأمريكا (ويمكن اعتبار تركيا وباكستان عضوان مصابان بالشلل في ذلك الطوق الشرقي).
فلدينا إيران وأفغانستان في حالة حرب فعلية مع إسرائيل والولايات المتحدة. وهي حرب غير معلنة، وأن كانت خطيرة وشرسة. وذات طبيعة جديدة تماماً يطلق عليها البعض الحروب الهجينة أو الحروب المعقدة . ويمكن القول أنها حروب سرية، حيث أن معظم وقائعها غير معلنة أو مرئية إعلاميا.
تهدف إسرائيل في حربها المزدوجة علي إيران وأفغانستان إلي فصل الشعب عن التوجه الإسلامي للنظام . وتصوير أحكام الشريعة وكأنها في تَعارُض مع الحرية الشخصية كما يحددها اليهود والغرب، فيما يتعلق “بحقوق” المرأة و الإنسان.
والهدف الثاني هو تصوير النظام الإسلامي وكأنه في مواجهة مع حقوق الأقليات. وإشعال مواجهات مذهبية بين السنة والشيعة، ومواجهات بين المجموعات الاثنية. وتصوير النظام علي أنه نظام عنصري إثني، ومتطرف مذهبيا، ومعادي للتوجهات الحضارية للغرب، وما تشمله من حقوق إنسان ونساء وشواذ. وأنه نظام معارض على أسس دينية لتعميم الشذوذ كثقافة إنسانية شاملة، بل و يعاقب بشدة علي ذلك .
للمجموعات الإرهابية دور كبير جداً في تلك الحروب. وهي أيضا تنقسم إلي أنواع أكثرها ارتزاقي صرف، وبعضها يصنع لنفسه غطاءً دينيا أو عرقيا بهدف التوسع في تجنيد الأفراد وجذب الممولين. وتلك المجموعات تعمل ضمن إدارة مركزية للحرب تديرها أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية بتعاون مع أجهزة عربية و أوربية .
وتلك الحرب تتميز بتقنية عالية جدا في الأسلحة والاتصالات والتجسس. وتستخدم الأقمار الصناعية بشكل مكثف في ميدان الصراع ، خاصة فوق أفغانستان وإيران .
كما يستخدمون الطائرات بدون طيار، من أجيالها المتطورة جداً. ومن أخطر أفرع تلك الحرب هي الحروب النفسية والدعائية، و استخدام وسائل الاتصال الحديثة وأجهزة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي وجيوش ضخمة من المرجفين (الذباب الألكتروني) .
ورغم ذلك يخوض الأفغان والإيرانيون معاركهم ببراعة وعزيمة ومعنويات دينية و اعتزاز قومي كبير . وحققوا نجاحات أهم شواهدها أنهم باقون ومتقدمون، رغم الحصار الاقتصادي المميت المفروض عليهم والذي ضَرَبَ في الصميم معيشة المواطن العادي، خاصة في إيران المرتبطة أكثر بالاقتصاد الدولي وحركة البنوك العالمية . بعكس أفغانستان حيث المواطن الأفغاني يعيش حياة الشظف والحرب منذ عشرات السنين .
– لسنا في حاجة إلي شرح موقف باكستان وتركيا وتعاونهما مع أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو. فذلك من طبيعة الأنظمة الحاكمة وليست الحكومات التي تروح وتأتي بانتخابات (ديمقراطية) يستحيل فيها الفوز بدون الحصول علي موافقة أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو .
– مستقبلنا في العالم العربي يتوقف كثيرا علي نجاح الإيرانيين والأفغان في تلك المواجهة الإسلامية المصيرية. فنحن كعرب أكثر المتأثرين سلباً أو إيجابا لما يدور على محيط “عالمنا” الإسرائيلي الجديد ، لأن قدرتنا علي الفعل متدنية جداً، في ما عدا مناطق النشاط الإسلامي التي ذكرناها سابقاً .
– ذكرتم في سياق أسئلتكم ـ في الجمرات الهادئة ـ تلك الفقرة الهامة: (إن أفغانستان قد أشعلت جذوة الدين في صدور المسلمين وعطلت عملية المسخ الشامل للمسلمين وللبشرية ، وألهمتهم بالنصر علي أكبر قوتين علي سطح الأرض وخلال أربعة عقود فقط ).
– فأقول : أن الحرب الدائرة في إيران وأفغانستان ستساعدنا بشكل مباشر في مرحلة قادمة ضد إسرائيل والحضارة الغربية . وتلك مساهمة هامة جدا، يقدمها لنا الجناح الشرقي للعالم العربي.
قدمتم خلال أسئلتكم ، أجوبة جيدة وكافية على بعض النقاط . إذ قلتم: (أن أفغانستان تَعَلَّم منها المسلمون التوكل على الله وحمل السلاح. وقبل ذلك ألهمتهم إصلاح الوضع الداخلي وإحكام الالتصاق بالشعب. وهو ما لم تصل إليه حركة من حركات التغيير السياسي التي يكاد يصل عمرها مائة عام اليوم) .
– مهمة الإيحاء والتعليم والتأثير، قادمة إلينا من أطراف عالمنا العربي في الشرق. تلك الأطراف سنجدها / ذات يوم/ في قلب معركة المقدسات في الحجاز وفلسطين .
فلن يسكت المسلمون طويلا على تفريطنا نحن العرب في مقدساتنا الإسلامية. لأنهم مالك أصلي لتلك المقدسات مثلنا تماماً . وتقصيرنا يعتبر خيانة للإسلام. فأصبح الجهاد لأجل تحرير أراضي ومقدسات المسلمين فرض عين علي الأطراف الإسلامية، سواء في الطوق الآسيوي، أو في الطوق الأفريقي ..كما سنتكلم الآن.
ثانيا ــ جبهة الطوق الأفريقي للعالم العربي.
يتشكل ذلك الطوق من بلدان القرن الأفريقي، وعلى رأسها الصومال. حيث أن الحركة الجهادية في الصومال في طريقها إلى اكتساب أهمية معنوية وعملية ودينية تضاهي مكانة حركة طالبان في مناطق وسط آسيا وجنوبها.
ثم يأتي باقي مسلمي شرق أفريقيا ومنهم مسلمي أرتيريا، إذا استيقظوا مرة أخرى . ومسلمي الحبشة إذا ربطوا جسورهم مع مسلمي الصومال والقرن الأفريقي. ودول وادي النيل (مصر والسودان) لأنهم جزء من تلك الجبهة وإن كانوا الجزء المصاب بالشلل كما هي (تركيا وباكستان) المصابتان بالشلل في جبهة الطوق الأسيوي.
تلك أوضاع قابلة للتغير بمرور الزمن . وتكلمنا عن أن الطوق الأفريقي المتشكل من الصومال والقرن الأفريقي يعتبر سنداً ورديفاً لمجاهدي اليمن ومجاهدي جزيرة العرب. ويمكن أن يتحول ذلك الطوق إلي خط أمامي للمعسكر الإسلامي كله في حال تحركت جيوش أبرهة التي هي جيوش النظام الحبشي وعسكر نظام الخرطوم (جيوش خراب السودان السريع : “البرهان/ حمدتي “). .
الوعى : معضلة تعرقل العمل الإسلامي.
س) 7: الحديث دائما يكون عن رفع الوعي؛ فأي وعي؟ هل هو الوعي السياسي أم الوعي الديني أم الوعي الوطني أم الوعي القومي أم الوعي الإثني أم الوعي العسكري؟ أم أن هناك وعيًا يجمع كل ذلك؟ .
ج) 7: يمكن أن نتفق على أن معنى الوعي هو “الاطلاع مع الفهم” على أي موضوع نتصدى له . وذلك شيء مطلوب في جميع الأحوال. وأشد أنواع الوعي التي يفتقدها المسلمون هو الوعي الديني، ويليه الوعي السياسي، وبالتالي الوعي الحركي سواء كانت الحركة دعوية أو جهادية، حسب ما تمليه الظروف .
ويركز العدو كثيرا علي مسألة الوعي والسيطرة عليه. أي تضليل المسلمين وحرف مسارهم ، فإذا كان الوعي زائفاً وخاطئاً فإن باقي نشاط للإنسان سيكون تالفاً وضاراً .
لهذا ينفق العدو أموالاً طائلة في معركة الوعي، لشراء أدوات تشكيل الوعي من إعلام ، وخبراء ومختصين، إلي أن نصل إلي أسفل الدرجات حيث يوجد الذباب الألكتروني والمرجفون على شبكات الإنترنت.
– وأخطر ما نفتقده في معركة الوعي هو تكوين وعي ديني صحيح، حيث تمكن العدو من السيطرة على العلماء والمعاهد الدينية ونجوم المجتمع الديني، والجماعات الناشطة، حتي الجماعات الجهادية التي تمكن من تحويلها إلى أدوات ضمن استراتيجيته في عدة مناسبات تاريخية وأماكن حيوية مثل أفغانستان أيام الجهاد ضد السوفييت. ومثل والعراق وسوريا وصولا إلي اليمن وليبيا.
نجح العدو في تحويل شباب المسلمين إلي مجرد بغال تحميل ينفذون سياسته في تلك الأماكن، بفضل “علماء البنتاجون” الذين يخدمون السلطان ويفتون بما يتوافق مع مصالح البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية). وإلى الآن لا تستطيع الجماعات الإسلامية أن تتخذ لنفسها خطاً فكرياً مستقلاً نابع من مجهود بحثي أصيل . فهي تعتمد علي تمويل ومباركة شيوخ النفط و”علماء البنتاجون” في الخليج . لأجل هذا فإن وعي الجماعات الإسلامية الجهادي منها والدعوي مرتبط بقضية التمويل النفطي ، أي مرتبط بعلماء البنتاجون وسلاطين النفط العاملين تحت إمرة إسرائيل والولايات المتحدة .
– في مثل هذه الأوضاع التي يعيش فيها العمل الإسلامي نجد أنه يبني الوعي بجميع أفرعه الديني والسياسي والعسكري والثقافي تحت تأثير الممولين النفطيين وعلماء البنتاغون وتلاميذهم من( طلاب العلم الديني النفطي) المنبثين في أرجاء العمل الجهادى في العالم العربي، يعملون في صفوفه كقضاة ومرشدين دينيين وعقائديين. وأيضا تحت تأثير الحروب النفسية التي يشنها الغرب علينا والتي وصلت إلى درجة عالية من التأثير.
فلأجل الوصول إلى وعي صحيح في عالم معقد، ملئ بالخداع والمتغيرات، لابد من مواصلة المتابعة بجهد ومثابرة وسعة صدر والقبول بإمكانية الوقوع في الخطأ أو الخديعة. (قال رئيس وزراء بريطانيا في منتصف القرن الماضي: إن الحقيقة غالية جدا، ولهذا تسير في حراسة جيش من الأكاذيب ) . وهذا القول يوضح صعوبة الوصول إلى ما ينبغي علينا معرفته .
الاستراتيجية: تَقَرُّبْ غير مباشر من موضوع صعب.
س) 8: نتحدث عن المواجهة مع العدو؛ كيف تكون المواجهة مع هذا الضعف؟ . ما هي الاستراتيجية التي تمنحنا التفوق عليه أو تمنحنا فرصة لإضعافه ومن ثم تأهيله للنهاية؟، وهل هناك استراتيجية تمكننا من تفتيته وإهلاكه من داخله، دون أن نتحمل تكاليف ذلك؟.
ج) 8: من الصعب الإجابة على هذا السؤال. ولكن على سبيل المحاولة نقترب من أطراف الموضوع بدون التصدي المباشر للإجابة عن تحديد ماهية “الإستراتيجية التي تمكننا من هزيمة العدو ونحن علي هذا الضعف “.
فأقول وبالله التوفيق :
1ـ هناك قاعدة وضعها خبراء الحروب قديماً .. تقول: (أن الحرب نكسبها في دور العبادة قبل أن نكسبها في ميدان المعركة) .
تشير الدلائل إلى صحة هذا الكلام، من واقع تجاربنا ومن تاريخ الشعوب. لهذا فنحن في أشد الحاجة إلي بناء وعي ديني صحيح . وما دام كثيرون منا يتبعون علماء يعملون لصالح البنتاجون وليس لصالح الإسلام ، فهذا يدل على أننا سائرون في الطريق الخطأ.
فما بالك ونحن نري الآن علماء البنتاجون يتحولون إلى “علماء للكنيست الإسرائيلي”، ويسيرون في مقدمة الغزو اليهودي لجزيرة العرب؟؟ .
فى الإستراتيجية التي تمنحنا التفوق :
– من ملاحظة تجاربنا الإسلامية خلال العقود الخمسة الأخيرة ، نجد أن الاستراتيجية لم تعد نسخة واحدة لجميع شعوبنا، في جميع الأماكن والأوقات. فكثرة المتغيرات وتلاحقها، مع عمقها وجذريتها، جعل الاستراتيجية تفقد ثباتها التقليدي القديم ، فتكاد أن تصبح “محصولاً موسمياً”!!.
– مازلنا نلاحظ وجود مبادئ ثابتة تدخل في ثنايا التخطيط الاستراتيجي ــ وذلك خبر جيد ــ أما الخبر السيء فهو أن الإستراتيجية نفسها أصبحت موضوعا متغيرا أكثر من اللازم. (وذلك خطير جدا، واحتمالات الخطأ فيه كبيرة ).
أعمدة في البنيان الاستراتيجي :
ورغم كل شيء، فهناك ثوابت يجب المحافظة عليها ـ ويمكن تسميتها أعمدة البنيان الاستراتيجي . أما باقي المخطط الاستراتيجي فقد يتعرض لتعديلات خلال العمل ( وقديما كان ذلك خطيئة كبرى عقابها الهزيمة). ولكن الآن، فالتعديلات قد تكون حتمية تفاديا لهزيمة مؤكدة. لكن بشرط الإبقاء على الأعمدة الأساسية للمخطط الاستراتيجي كما هي . وإلا أضعنا ميزة امتلاك استراتيجية، وصرنا نعمل في هُلام ، لا هو تكتيك ولا هو استراتيجية، فاقدين بذلك مزايا المجالين معا.
(من خطايا العمل الجهادى العربي أنه تعامل دوما في هذين المجالين على أنهما مجال واحد ، فأضاع الطريق إلى الانتصار) .
الإستراتيجية : تعويم ـ إخفاء ـ خصوصية ـ
بمتابعة الحروب المشتعلة حاليا في أفغانستان وإيران وأوكرانيا، نرى حقيقة تعويم الاستراتيجية مع الحفاظ على أعمدتها الحديدية ثابتة في مكانها ، فذلك أصبح جزءا من التخطيط الاستراتيجي الحديث ـ في عصر الحروب الهجينة والسرية ــ
– يحتفظ العدو بمعظم ما يتعلق بعملة الاستراتيجي النظري والعملي طَي الكتمان، مُطْلِقاً سحب أكاذيب كثيفة لإخفاء خططه الحقيقية ونواياه.
– التخطيط الاستراتيجي عمل ذو خصوصية فريدة. فهو يعتمد على عوامل كثيرة، معظمها يتعلق بشعب معين، وأرضي ذات خصائص جغرافية معينة، وقيادة زمنية تصادف وجودها في وقت مناسب تاريخياً. إضافة إلي أوضاع محيطة بالدولة ذات العلاقة (ولنقل أنها أفغانستان مثلاً أو اليمن أو فلسطين ). والأهم هو الظروف الدولية السائدة في العالم خلال وقت مُعَيَّن . حيث أن العنصر الدولي أصبح له تأثير كبير جدا على العنصر المحلي أو الإقليمي ، وبالتالي على العمل الاستراتيجي أثناء الإعداد أو التطبيق الميداني.
– والاستراتيجية الصحيحة “هي التي تمنحنا التفوق علي العدو أو تمنحنا فرصة لإضعافه و تأهيله للنهاية” حسب قولكم. وفى ذلك وصف لما حدث في أفغانستان خلال الغزو الأمريكي عام2001 .
لكن التجربة الأفغانية نادرة للغاية. حيث أن الظروف غير المواتية كانت هي الغالبة عند بداية الجهاد. فالوضع الدولي كان على كلمة واحدة ضد المجاهدين الأفغان. وكذلك الوضع الإقليمي حول أفغانستان كان بالكامل ضد جهاد شعب أفغانستان.
ليس هذا فقط ، بل أن النخب الأفغانية جميعها ،الإسلامي منها والعلماني. والملكي، والشيوعيون السابقون، جميعهم وضعوا أنفسهم في خدمة الاحتلال الأمريكي الأوربي. النظرة السطحية كانت تقول وبكل تأكيد أن النصر مستحيل، بل أن مجرد بداية الجهاد غير ممكنة.
فكيف انقلبت الصورة رأساً علي عقب، وتحول المستحيل الإستراتيجي إلي ظرف تاريخي مناسب لتحقيق الانتصار؟؟ . ذلك يحتاج إلي بحث مُطَوَّل. ولكن يمكننا الإشارة إلي نقاط سريعة تساعدنا عند البحث .
الجهاد معجزة أفغانية وكلمة السر : [ العلماء ] و [ حركة طالبان ].
1ـ كلمة سر الانتصار كانت هي “حركة طالبان” وما تتمتع به من مزايا دينية وأخلاقية وسابقة تاريخية تمتد مع تاريخ الإسلام في أفغانستان وليس من العصور الأخيرة فقط .
وأول مزايا حركة طالبان هي :
أنها ليست تنظيما منفصلا، تم فرضه من الخارج علي الشعب، أو أنه يحمل مبادئ دينية مخالفة لما عليه شعب أفغانستان منذ انتظامه تحت راية الإسلام. فالحركة لم تتحول إلي السلفية السعودية بحثاً عن أموال الخليج النفطي . كما أن أساليب عملها، السرية والعلنية ،كانت متطابقة مع التراث التاريخي لشعب أفغانستان. فهي لم تُصَبْ بأمراض الأحزاب الغربية التي أصابت العمل الإسلامي العربي، الذي تحول إلي الحزبية البغيضة، والتنافس الشخصي المريض ، والذي يؤدي إلي الانصراف عن الأهداف الأساسية للجهاد إلي أهداف صغيرة بحجم قيادات تافهة.
– نقول أن تلك المزايا الأفغانية هي التي ساعدت علي تكوين استراتيجية للجهاد في أفغانستان، مكنت المسلمين من هزيمة أقوي تحالف عسكري في تاريخ البشرية، وهو التحالف الأمريكي/ الأوربي / الإسرائيلي .
– مسألة جوهرية أخري ساعدت علي رسم إستراتيجية ناجحة في أفغانستان، وكلمة السر فيها كانت “العلماء” وهُمْ جوهرة المجتمع الأفغاني بلا جدال. وذلك بالإجماع الشعبي التاريخي. لكونهم لم يتخرجوا من مدارس حكومية تسيطر عليها الدولة، بل تعلموا في المدارس البعيدة عن السلطات ، في الجبال والصحاري، وذهبوا إلي الهند المجاورة(أو باكستان فيما بعد) للتعلم في المدارس الإسلامية التي أنشاءها علماء مجاهدون، كانوا موضع إجماع الشعب المسلم في الهند.
لهذا كان علماء أفغانستان هم القيادة الحقيقية لأي تحرك في مواجهة التحديات الوجودية التي تهدد الدين والشعب والوطن .
ولم تسع حركة طالبان بأي شكل إلي تهميش العلماء أو تخطيهم كما فعلت الحركات العربية التي أصبح من النادر (أو المستحيل) وجود عَالِم في صفوف قيادتها العليا .
بل أن وجود عالم دين في العالم العربي يعتبر مسألة افتراضية بحتة. لأن المستوي العلمي (والمعنوي !!) السائد في المدارس والجامعات الدينية، وكذلك التدخل الحكومي والأجنبي في صفوف تلك الجامعات وخريجيها، جعل من ظهور عالم دين مسألة مستحيلة فعلاً، إلا إذا كان هناك من تابع التعليم الشرعي خارج الإطار الرسمي، والمحيط الاجتماعي المارق ، السائد في بلاد العرب .
العالم المجاهد .. والعالم الشهير .
العالم المجاهد (كما في أفغانستان ) هو الذي يقود شعبه في ميادين المعارك ، في مواجهة الأخطار التي تهدد الدين والناس .
– والعالم الشهير ( كما في بلاد العرب) هو الذي يحظى بدعم حكومي يتمثل في إسناد دعائي من محطة فضائية أو أكثر ـ إضافة إلي جيش من الذباب الألكتروني ومنصات (الطبل خانة) الدعائية في عواصم وثيقة الصلة بإسرائيل والناتو.
فالعالم الشهير صوته ينتقل رخوا وخاويا عبر الميكروفون ، بينما العالم المجاهد ينتقل صوته عبر المدافع، فيسطع منه ضوء الحق في ظلمات الليل .
سيخرج العالم العربي من عنق الزجاجة إذا وجد عالماً حقيقياً واحداً .
وقبل ذلك لن نحظى بعمل إسلامي صحيح ، ولكن سنحظى بالكثير من العمالة، وعلماء البنتاجون والكنيست .
– وتسألون: وهل هناك إستراتيجية تمكننا من تفتيت العدو وإهلاكه من داخله دون أن نتحمل تكاليف ذلك ؟.
وعلى ذلك أقول وبالله التوفيق :
ليس هناك ربح بدون تكاليف . ولكن التكاليف تختلف. فهناك تكاليف يمكن احتمالها، وهناك تكاليف تجعل الانتصار لا معني له.
أما عن الاستراتيجية التي تمكننا من تفتيت العدو من الداخل فهي مُمْكِنَه بشكل أكبر مما نتصور ، بحيث يمكن اعتمادها كمبدأ في أي إستراتيجية قادمة .
(شيوع المادية ، والانسلاخ عن الدين، وضياع الإيمان بغير قيم الحضارة الشيطانية الحديثة ، جعل الجبهة الداخلية للأنظمة والمجتمعات مكشوفة ومتهالكة على الفساد ، لذا من السهل القضاء علبها في أي حرب).
فإسرائيل والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوربي وحلف الناتو(والأنظمة العربية جميعها)، أهداف يمكن تفتيتها من الداخل، أو إضعافها إلى درجة كبيرة جداً .
وذلك يستدعي معرفة تفصيلية بهندسة بناء تلك القوى حتي نرسم خريطة صحيحة للتقدم من داخلها لتوجيه الضربات. (كما قال أحد فلاسفة الحرب القدماء: اعرف نفسك.. و اعرف عدوك) .
ونحن بلا فخر لا نكاد نعرف أنفسنا ولا عدونا. لأننا نعيش بوعي مزيف. وقد تحدثنا عن موضوع الوعي في فقرة سابقة . عقولنا يملؤها الغير نيابة عنا. ومسيرتنا لا نحددها نحن، بل يحددها من يسيطرون على عقولنا ، ويتحكمون في موارد معيشتنا ومصادر ثقافتنا ومعلوماتنا.
– إلى جانب الضربات العسكرية الساحقة ، حقق المجاهدين الأفغان انتصارهم التاريخي علي أمريكا وحلف الناتو بالتسلل داخل النظام الحاكم، وهدمه من داخله. بل وتمكنوا من التسلل إلي منظومات المرتزقة العاملين مع العدو. فكان نصرا جهادياً نادراً في تاريخ أفغانستان والمسلمين .
– مبدأ التسلل إلى صفوف العدو وضربه من الداخل كانت إستراتيجية أفغانية ناجحة. وهو مبدأ يمكن تكراره.
ولكن من الذي يمكنه تطبيقه عملياً ، وفي أي مكان يمكننا ذلك؟.
– ثم تسألون : كيف تكون المواجهة مع هذا الضعف؟ .
أقول وبالله التوفيق :
هناك عناصر لا يمكن الاستغناء عنها حتي نحقق الانتصار . وغيابها هو الذي يسبب لنا هذا الضعف المخزي. تلك العناصر هي :
1ـ غياب العلم الديني الصحيح (نمتلك وعي شرعي مزيف، يقوم علي التعصب المذهبي الأعمى، وليس علي المعرفة الدينية المتعمقة والصحيحة) .
2ـ لا يوجد بيننا علماء دين حقيقيون. وحتي أشباه العلماء الحاليون (المشهورون وليس المجاهدون) يتجنبون الصدام مع العدو، بل ويعملون معه ، مانحين الشرعية الدينية لخطواته في محو الإسلام . فلننظر إلى ما يحدث في جزيرة العرب/ خاصة مكة والمدينة/ وموقف علمائنا منه.
3ـ كانت الوهابية السعودية هي آلة الدمار الرئيسية للحركة الإسلامية في العالم العربي. فهي التي جعلت الجهاد الإسلامي أداة لتحطيم المسلمين من الداخل ، بتزكية الخلافات المذهبية الفرعية وتضخيمها إلي مستوى قضايا جوهرية شرعية وتاريخية، لا يمكن التفاهم حولها، بل لا بد من المضي في القتال الداخلي، حتي يبيد الطرفان بعضهما البعض .
4ـ لا تمتلك الحركة الإسلامية القدرة علي التفكير الحر المستقل. حيث يأتي إليها “الدولار” و”الوعي”، في سلة واحدة، من منابع النفط الخليجي .
وبالتالي تتحول الحركة إلي مجرد مستودع لبغال التحميل، في خدمة أهداف البنتاجون. والآن يخدمون التحالف مع إسرائيل ضمن ما تطلق عليه (حلف الناتو الإسرائيلي الإسلامي) المُوَجَّه ضد الشيعة وإيران والسُنَّة المعادين لإسرائيل .
5ـ بما أننا نجهل أنفسنا كما نجهل عدونا، فنحن محكومون بالهزيمة طبقاً لسنن الخالق في حروب البشر .(وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟).
6ـ الجغرافيا هي المادة الخام للاستراتيجية ، كما يقول الخبراء. والجغرافيا تبدأ من الأرض التي نقف عليها ، حتى نصل إلي أقصي الأرض التي تهب علينا منها الأعاصير المعادية أو النسائم الصديقة .
كل ذلك ينبغي معرفته علي أفضل قدر من الوضوح . واضعين في الاعتبار ذلك الارتباط الوثيق بين الجغرافيا والاقتصاد والسياسة، و تأثير الجغرافيا على الحرب في كل مراحل اشتعالها .
7ـ الشعب هو سيد الحرب، وهو الذي يكسبها. و يدفع فواتير النصر أو الخسارة كاملة . قال خبراء: {الجنرالات يكسبون المعارك .أما الشعوب فهي التي تكسب الحروب}.
وتنظيماتنا الجهادية في حرب(باردة وأحيانا ساخنة) مع شعوبها، أو قطيعة وسوء ظن وشكوك متبادلة . وقد جاءت للشعوب بديانة وهابية جديدة، وسلوكيات خشنة وتصرفات متعالية .. ثم هزائم لا تتوقف.
لا يمكن وضع إستراتيجية جهادية إسلامية بدون حل مشكلة الإسلاميين المعاصرين مع شعوبهم ، وخصومتهم معها ، والعداء مع المدارس الدينية (المذاهب) الموجودة فيها منذ قرون .
– ويلزمنا وعي صحيح بالتاريخ. فهو وعاء التجارب وصياغة الشخصية الإسلامية للأمة. فالتاريخ وعاء للعظة والعبرة، وليس لبعث وقائعه من جديد ، أو استئناف ما كان فيه من أزمات مضت مع ملابساتها ، تاركة المجال للحياة كي تمضى وتتطور إلى غاية حددها الخالق سبحانه.
– ما سبق هو قواعد عامة للإستراتيجية الناجحة. أما وضع إستراتيجية شاملة لجميع الأماكن، ولو في نفس التوقيت الزمني، فلا أظن أنه ممكن .. والله أعلم .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )