بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة الثامنة عشر – العدد (208) | شوال 1444 هـ / يونيو 2023 م.
01-06-2023
مشكلة الغرب في أفغانستان: الإسلام وليس حقوق المرأة
– مشكلة أمريكا والغرب ليست حقوق المرأة في أفغانستان، بل مشكلتهم هي الإسلام في أفغانستان.
– إسرائيل وأمريكا تريدان استبدال الشريعة الإسلامية بشريعة أخرى تحت اسم الشريعة الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
– عمل المرأة الأفغانية في مكاتب الأمم المتحدة.. لماذا؟
هل الدوافع إنسانية؟ أم سياسية؟ أم أمنية؟ أم دينية ؟ فعدد من أجهزة التجسس الدولية منغمسة حتى أذنيها في تلك المشكلة. وكذلك المنظمات الكَنَسِيَّة وشبكات التنصير التي أنشأتها وأدارتها (رولا غنى) زوجة الرئيس السابق.
– عدد المعتقلات اللاتي أفرجت عنهن حركة طالبان من سجون الاحتلال يزيد كثيراً عن عدد النساء العاملات في مكاتب الأمم المتحدة. فلماذا لم تتكلم الأمم المتحدة عن حقوقهن، وتعوضهن عما حدث لهن خلال فترات الاعتقال؟
– قضية المرأة التي تثيرها الأمم المتحدة، دافعها الأول ديني وليس حقوقي أو إنساني. وأزمة تعليم المرأة هي جزء من أزمة التعليم التي خلقها الاحتلال الأمريكي.
– هدف الغرب: استعباد المرأة وتهميش دور الرجل في الأسرة.
– في الإسلام الرجل صاحب قوامة[قيادة] في البيت، بصفته مسؤولاً عن نفقات الأسرة بما فيها الزوجة والأولاد والأبَوَيْن إن كانا على قيد الحياة. والأخوات إن كن بدون عائل، كما يحدث كثيراً في الحروب.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت برعونة مُبالَغ فيها المنظمة الدولية للأمم المتحدة، بهدف الإضرار بأفغانستان وزيادة عزلة الإمارة الإسلامية، وتشويه صورتها. فاستخدمت أمريكا الأمم المتحدة كأداة للضغط السياسي وتهديد أمن الأفغان. واستخدمت “المعونات الإنسانية” التي تقدمها الأمم المتحدة استخداماً غير إنساني لإخضاع الشعوب ومصادرة حقها في تقرير مصيرها. فتحاول تغيير الثقافات وإعادة تشكيل الأديان خاصة الدين الإسلامي، بما يتوافق مع الرؤية اليهودية.
وكأن الأمم المتحدة تقول لشعب أفغانستان: إما أن تطيع أمريكا أو أن نقطع عنك المعونات الإنسانية. ومشاكلك الداخلية حتى وإن كانت من أشد المشاكل خصوصية وارتباطا بالمعتقدات الدينية فإنها لا تساوي عند الغرب شيئا. وليس من حقك أن تعارض أمريكا إن هي أمرتك بما لا يرضيك. بل يجب عليك السمع والطاعة.
“الشرعية الدولية” في مواجهة “الشريعة الدينية”
فما تريده إسرائيل تمليه على أمريكا، وتلك بدورها تفرضه على الأمم المتحدة، لتحوله إلى تهديد وربما إلى قرارات دولية بالتدخل المسلح وشن الحروب لإرغام الشعوب على تغيير معتقداتها وثقافتها.
كما هو الحال في قوانين الأسرة والتي تنظمها شريعة مقدسة لدى المسلمين. ولكن إسرائيل وأمريكا تريدان استبدال الشريعة الإسلامية بشريعة أخرى تحت اسم الشريعة الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وهي قرارات قد تتحول إلى حروب وحصار اقتصادي وعزلة دولية يفرضونها على شعوب كاملة ترفض الانصياع للمشيئة الإسرائيلية والقرارات الأمريكية، أو قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
إن مشكلة أمريكا والغرب عموماً، تحت توجيه يهودي، ليست حقوق المرأة في أفغانستان، بل مشكلتهم هي الإسلام في أفغانستان. وذلك ما قالوه بأنفسهم عدة مرات على لسان عدد من كبار المسئولين في الغرب.
إنهم لا يريدون إسلاما في أفغانستان مثل ذلك الإسلام الذي تسعى إليه الإمارة الإسلامية، أي إسلام يمتلك شروطاً أهمها:
1- تطبيق حقيقي لشرائع الإسلام وروح الشريعة الإسلامية.
2- إقامة دولة إسلامية حقيقية وقوية، تستخدم جميع الطاقات البشرية والثروات الطبيعية في بناء دولة لصالح جميع سكانها بل وجميع المسلمين في العالم.
فما تريده إسرائيل وأمريكا والغرب هو عكس ذلك تماما. لأجل هذا لن تكون هناك أي علاقات للغرب مع الإمارة الإسلامية خارج نطاق التوتر والتهديد باستخدام القوة المسلحة، والتآمر والحصار الاقتصادي والعزلة السياسية.
إسرائيل والولايات المتحدة تستخدمان المنظمة الدولية كأداة لدفع الإمارة الإسلامية إلى الخلف للتراجع عن مشروعها الإسلامي. وأن تبدأ ذلك بخطوة واحدة كبيرة في مجال الأسرة. خطوة تسلخ المرأة عن الأسرة وعن المجتمع. لتصبح المرأة أداة في يد منظمات اليهودية الدولية لتحطيم غِيْرَة المجتمع الأفغاني على دينه وتقاليده، وغيرته على المرأة والأسرة والقبيلة والوطن.
إذا تراجعت الإمارة خطوة واحدة في هذا المجال، فلن ينتهي هذا التراجع إلا بتفريع المشروع الإسلامي كله من محتواه. لتكون أفغانستان مجرد كيان شكلي لا يحمل من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدولة إلا مظهرها الخارجي. فذلك هو النموذج الذي ترحب به وتتعامل معه أمريكا كصديق و”حليف استراتيجي” تتباهى به أمام الأمم، وتكيل له المديح وتزوده بقشور الحضارة الخارجية من بهارج وإعلام، ثم تزوده بقواعد وأحلاف عسكرية لحمايته من شعبه ولتثبيت كرسي الحكم القائم في الفراغ.
ذلك هو النموذج الإسلامي الذي يعشقه الغرب وعملاء اليهود الذين يرتمون تحت أقدام الصهيونية مسبحين ومهللين ومطبعين. والأدهى من ذلك أنهم يصفون أنفسهم بأنهم دُوَلاً إسلامية.
أمريكا واليهود يستهدفون المرأة الأفغانية
لتوضيح ذلك يلزم تسليط الأضواء على عدة محاور أهمها:
1- عمل المرأة الأفغانية في مكاتب الأمم المتحدة.. لماذا؟
هل الدوافع إلى ذلك إنسانية ؟ أم سياسية؟ أم أمنية؟ أم دينية؟
2- أزمة تعليم المرأة في أفغانستان وارتباطها بأزمة التعليم التي خلقها الاحتلال الأمريكي لذلك البلد. فإصلاح التعليم جزء أساسي من التحديات التي تواجه الإمارة الإسلامية. فاستراتيجية الإمارة هي ربط التعليم بالإسلام أولاً، ثم ربط التعليم بالاحتياجات الفعلية للمجتمع ثانياً.
3- تحديد نوعية الاحتياجات التعليمية السريعة، والاحتياجات التعليمية طويلة المدى، واحتياجات أفغانستان من التعليم الفني والأكاديمي، للشباب من الأولاد والبنات.
نعود إلى بعض التفصيلات حول تلك النقاط:
أولاًــ عمل المرأة الأفغانية في مكاتب الأمم المتحدة:
أثارت الأمم المتحدة ضجة كبرى حول قضية منع تشغيل المرأة في مكاتبها في أفغانستان. وراء ذلك أسرار كبرى غير معلنة، فالموضوع له أفرع تمتد إلى المسائل الدينية والسياسية والأخلاقية والأمنية. فعدد من أهم أجهزة التجسس الدولية منغمسة حتى أذنيها في تلك المشكلة. وكذلك المنظمات الكنسية وشبكات التنصير التي أنشأتها وأدارتها (رولا غنى) زوجة الرئيس السابق.
أجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية تحاول توريط النساء الأفغانيات من خلال مكاتب الأمم المتحدة في نشاطات مخالفة للدين والأعراف ومصالح الوطن. لأن النساء يتمتعن باحترام وحصانة في المجتمع الأفغاني.
وتوجد العديد من الملفات متعلقة بتفاصيل لا تسمح الظروف الحالية بنشرها. وهي ليست مقصورة على أفغانستان، بل تمتد إلى دول أخرى.
اللافت للنظر أن الأمم المتحدة ومشغليها اليهود والأمريكان لم يذكروا ولو لمرة واحدة عدد النساء الأفغانيات العاملات في مكاتب الأمم المتحدة، وذلك رغم التهويل المبالغ فيه حول خطورة “المشكلة” وهَوْل تأثيراتها على أفغانستان. وكيف أن العالم لا يكاد ينام من فرط انشغاله على تلك الشرذمة من العاملات في المكاتب الدولية في أفغانستان.
قد يصل عددهن إلى عدة مئات. والمؤكد هو أن عدد المعتقلات اللاتي أفرجت عنهن الإمارة الإسلامية في أيام الفتح الأولى من سجون الاحتلال يزيد كثيراً عن عدد النساء العاملات في مكاتب الأمم المتحدة.
والسؤال هو: لماذا لم تتكلم الأمم المتحدة أو دول الغرب عن النسوة المعتقلات وعن حقوقهن، وتُعَوِّضْهن عما حدث لهن خلال فترات الاعتقال؟ وما حدث لعائلاتهن من قتل وتشريد؟
في الحقيقة أن تعريف المرأة عند الأمم المتحدة مقصور على فئة معينة من النساء، طبقاً لمعايير غربية وليست إسلامية أو أفغانية، أو حتى إنسانية.
المرأة والمخدّرات في ظلال الاحتلال الأمريكي:
صورة أخرى عن المرأة الأفغانية ومعاناتها التي سببها الاحتلال الأمريكي والأوربي، وهو تَحَوُّل عدة ملايين من النساء والأطفال إلى إدمان المخدرات خلال فترة الاحتلال. (يقدر العدد من ثلاث إلى خمسة ملايين امرأة وطفل، حسب ما أفاد به مولوي عبد السلام حنفي المعاون الثاني لرئيس الوزراء في حكومة الإمارة الإسلامية).
وحدث ذلك تحت نظر أمريكا وحلف الناتو ومكاتب الأمم المتحدة. بدون أن يتحرك أياً منهم، سوى في تظاهرات دعائية لا تقدم شيئا لضحايا الاحتلال من المدمنات أو الأطفال المدمنين.
لا نتوقع أن تفعل أمريكا أو حلف الناتو، أو ذلك الكيان عديم القيمة المسمى الأمم المتحدة، أن يفعلوا شيئاً للأطفال والنسوة في أفغانستان، الذين دمّرَت حياتهم الحرب التي شنتها عليهم أمريكا وحلف الناتو لمدة عشرين عاماً.
حتى أنه لا توجد إحصائيات يمكن الاعتماد عليها لتحديد عدد الذين قتلوا في تلك الحرب، وأعداد المصابين، والخسائر التي أصابت الريف الأفغاني وبنيته التحتية نتيجة القصف الجوي والضربات الإشعاعية والجرثومية.
كل ذلك لا يهم الغرب الذي كان جنوده يعتبرون أنفسهم في رحلة رياضية لصيد البشر (كما فهم العالم من تصريحات الأمير هاري في مذكراته كطيار في أفغانستان ضمن سلاح الجو البريطاني).
بقرار هجين: مؤتمر دولي في قاعة مغلقة
ولكن ما يهم أمريكا وإسرائيل ومنظمة التزوير الدولي “الأمم المتحدة”، هو عدة عشرات من النساء لهن أهمية خاصة لدى الدوائر الاستعمارية التي حكمت البلاد قبل انتصار المجاهدين.
فمن أجل هؤلاء النسوة يتحرك مجلس الأمن بالإجماع ضد الإمارة الإسلامية بقرار دولي تَوَلَّد عن اقتراح هجين.
تلاه مؤتمر دولي عُقِدْ في قاعة مغلقة، حضره مندوبون عن 25 حكومة يعترف بعضها ببعض. وترأس المحفل سكرتير الأمم المتحدة، بهدف الضغط على الإمارة الإسلامية من أجل خاطر عدد من النسوة يقل عددهن عن عدد من حضروا المؤتمر من مندوبي دول وصحفيين.
لقد توهموا أن الإمارة قد تتراجع أمام هذا الغثاء الذي لا وزن له ولا قيمة، وهي العملاق الذي انتصر على ضعف هذا العدد من الدول في حرب ضروس استمرت عشرين عاماً، استخدمت جيوش الغرب فيها كافة ما لديها من أسلحة، بما فيها السلاح النووي التكتيكي.
ومع ذلك لم يكن مؤتمر “الخُشُبْ المُسَنَّدَة” على رأي واحد. فالعديد من الدول خالفت ولو جزئيا ذلك الاستهتار الأمريكي، واستخدامها المتعسف للأمم المتحدة، بشكل يُخَرِّب ما تبقي للمنظمة من سمعة لدى البعض. ولأجل هذا عقدت جلسات المؤتمر خلف أبواب مغلقة. ذلك أن من نظموا المؤتمر أدركوا أنه عمل قبيح وخارج عن الأعراف الإنسانية. وفضلوا ستره عن الرأي العام ليكونوا هم الطرف الوحيد الذي يتكلم بعد انتهاء الفضيحة “المؤتمر”.
وبالفعل خرجوا علينا بشروط وتهديدات.
التهديد صَدَعَتْ به نائبة قسم آسيا في منظمة حقوق الإنسان. وكانت تهدد أفغانستان، باعتبار منظمة حقوق الإنسان أداة باطشة في يد السياسة الأمريكية.
قالت تلك السيدة: (إذا لم تلغ الإمارة قرار منع النساء من العمل في مكاتب الأمم المتحدة فإن الأمم المتحدة ستقرر حتما الانسحاب من أفغانستان).
السيدة الغافلة لا تدري أنها تبشر الأفغان بعيد تحريرهم الثاني بعد انسحاب جيوش الغزو العسكري. فالأمم المتحدة هي كتيبة غزو متنكرة في شكل آدمي.
ذلك الابتزاز النسائي عديم الحياء، يفترض أنّ الشعب الأفغاني يتسول المعونات من الأمم المتحدة. بينما التقدم الاقتصادي السريع الذي حققته الإمارة خلال أقل من عامين من تحريرها قد أثبت تفوقاً صدم الدوائر الاستعمارية في الغرب، خاصة الثلاثي الشيطاني (إسرائيل والولايات المتحدة وحلف الناتو). فكان ذلك النجاح الاقتصادي السريع سببا في التعجيل بتنفيذ برنامجهم العدواني ضد الإمارة الإسلامية. فمن المنتظر وعلى هذه الشاكلة من التقدم الاقتصادي أن أفغانستان خلال سنوات قليلة، لن تزيد عن خمس سنوات، قد تتحول إلى دولة مكتفية ذاتيا، بل ومانحة للمعونات. هذا إذا لم تتعجل أمريكا بشن حرب واسعة في المنطقة بواسطة عملائها من المجموعات الإرهابية، وجيشها السري، والدول العميلة التي تستضيف القواعد الجوية الأمريكية.
في ختام مهزلة المؤتمر المغلق، قال الأمين العام لمنظمة التزوير العالمي “الأمم المتحدة” للإعلام أنه يوجه رسالة واضحة إلى الإمارة بأنه لن يتم الاعتراف بحكومة الإمارة الإسلامية إلا إذا أتمت استيفاء الشروط التالية: (حقوق الإنسان والمرأة، وعدم وجود صلة مع الإرهابيين العالميين، وضبط الاتّجار بالمخدرات وتشكيل حكومة شاملة).
وتعليقا على تلك الشروط نقول أن الإمارة الإسلامية لا تقبل شروطاً من أحد خاصة عملاء جيوش الغزو والاحتلال الغربي. لا أمم متحدة ولا مؤتمر مغلق يعقد في صحراء مفتوحة للطيور والطائرات.
لن تتمكن أي دولة أو عدة دول من إملاء شروطها على شعب أفغانستان وإمارته الإسلامية. والتاريخ خير شاهد. وجثث الإمبراطوريات التي تحطمت في أفغانستان وذهبت إلى مزبلة التاريخ تشهد على ذلك أيضا. وأمريكا ليست استثناء من ذلك، فهي إمبراطورية تحاول تأخير سقوطها قليلا بعد هزيمتها في أفغانستان.
فسقوط أمريكا بات قريباً، وكذلك فشل اليهود في تحقيق أحلامهم بحكم العالم منفردين، وأن يركبوا مليارات البشر كما يركبون الحمير المستأنسة.
ومع هذا لم يكن المؤتمر كله على قلب رجلٍ واحد، بل كان هناك معارضون بدرجة أو أخرى، كما كان للإمارة أصدقاء حضروا لمجرد متابعة المهزلة عن قرب، وهم يعلمون أن الشعب الأفغاني لا يمكن إخضاعه بالتهديد أو القوة.
تدرك الإمارة الإسلامية كما يدرك المتابعون أن مشكلة المرأة ما هي إلا الخطوة الأولى لدفع الإمارة إلى التراجع عن طريق الإسلام التي تسير فيه. وهي لن تتراجع عن أساسين لشرعيتها، ومبررين لوجودها:
الأول هو: تطبيق حقيقي للشريعة الإسلامية.
والثاني هو: إقامة دولة إسلامية حقيقية وقوية.
وأي إخلال بأحد هذين البندين سيكون معناه انهيار الإمارة الإسلامية وفقدان شرعيتها.
تريد أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو أن تتراجع الإمارة الإسلامية عن مشروعها الإسلامي. وأن يكون بداية ذلك إطلاق يد الغرب واليهود في التحكم بالمرأة الأفغانية. وذلك هو المستحيل بعينه.
فالعالم كله يعرف أن الأفغان هم الأفغان وسيظلون كذلك إلى الأبد. وأن قضية المرأة التي تثيرها الأمم المتحدة دافعها الأول ديني وليس حقوقي ولا إنساني.
ثانيا: أزمة تعليم المرأة في أفغانستان هي جزء من أزمة التعليم التي خلقها الاحتلال الأمريكي.
إن إصلاح التعليم هو جزء أساسي من رسالة الإمارة الإسلامية. وأهم التحديات التي تواجه النهوض بالتعليم هي ربط التعليم بالإسلام أولا. ثم ربط التعليم بالاحتياجات الفعلية للمجتمع ثانيا.
نظام التعليم الذي تركه الاحتلال الأمريكي بعد عشرين عاما، كان خاويا ولا يخدم أفغانستان، بل يضر شبابها عقائديا ودينيا.
ولا يؤهل الشباب للقيام بمسؤوليات فعلية لبناء المجتمع كعناصر منتجة. فالتعليم الحالي غايته تخريج شباب يحمل شهادات عالية، بدون امتلاك القدرة على العمل الحقيقي، أو المشاركة في الإنتاج، أو القيام بأعمالهم الخاصة بعيدا عن الوظائف الحكومية.
هم فقط مؤهلون للعمل كموظفين حكوميين أو لخدمة شركات أجنبية أو هيئات دولية تستفيد منهم لتمرير أهدافها في أفغانستان. وتلك بوجه عام سياسة الاستعمار الأوربي في كافة البلدان التي احتلها حول العالم.
والاستثناء من تلك القاعدة نادر للغاية، ويخضع فقط لاحتياجات المستعمر وليس البلد الواقع تحت سيطرته. أهم واجبات التعليم الغربي هي فصل الشباب عن الدين وربطهم بالثقافة الغربية المنحلة ليسهل التحكم فيهم. وكان ذلك واضحاً في بلاد المسلمين بشكل خاص. حيث تولت الحكم نيابة عن المستعمر فئات تلقت تعليما متغربا في مدارس الاحتلال.
وعلى هذا فإن الإمارة الإسلامية تجهز لجهاد تعليمي لتغيير فلسفة التعليم الحالي ومحتواه. ليكون للتعليم في الإمارة ركيزتان هما: – أولا – ربط التعليم بالدين وعدم الإنفصال عنه في أي مرحلة من مراحله؛ منذ بداية التحاق الأطفال بالمدارس، وصولاً إلى تخرجهم من الجامعات والمعاهد العليا. في جميع المراحل يكون التعليم الديني معهم خطوة بخطوة.
ومن ناحية المحتوى التعليمي فإن المناهج ينبغي أن تلبي احتياجات بناء الدولة في كافة المجالات العلمية والصناعية والبحثية.
ويراعي في جميع مراحل التعليم حذف المواد غير الضرورية والتي تعتبر حشواً يهدر وقت وأعمار الطلاب فيما لا طائل منه ولا فائدة فيه. وبهذا نحصل على خريجين أصغر سناً وأكثر علماً.
من المعلوم أن التعليم الذي تركه الاحتلال الأمريكي في أفغانستان يضر كثيراً بالطلاب ولا يحقق غايات المجتمع الدينية والدنيوية. فالإمارة تهدف إلى تثبيت قواعد الدين وتأسيس ركائز قوية لاقتصاد الدولة الإسلامية.
لأجل هذا يدافع الغرب باستماتة من أجل استمرار التعليم الذي تركه خلفه في أفغانستان. وأن تنخرط فيه المرأة بهدف إفسادها وإتلاف المجتمع كله.
“ خليل زاد ”
أحد كبار مستشاري الاحتلال الأمريكي ويدعى (خليل زاد) وهو من أشد المدافعين عن قضية تعليم الإناث في أفغانستان وصولا إلى المراحل الجامعية والتحاقهن بالعمل في مكاتب الأمم المتحدة والهيئات الدولية.
“خليل زاد” يفتي ويقول مستنكرا، وكأنه عالم حقيقي حافظ لشرائع الإسلام : أين في الشريعة الإسلامية ما يقول بأن التعليم الثانوي والجامعي للإناث محظور؟ يجب فتح المدارس الثانوية والكليات على الفور للفتيات والنساء الأفغانيات. (ثم ينصح أمير المؤمنين الملا هبة الله بأن يستمع إلى تلك المشورة الحكيمة).
وكأن “حليل زاد” مستشار الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، قد صار متبحراً في أحكام الشريعة، أكثر من أمير المؤمنين مولوي هبة الله القاضي وعالم الحديث.
لن يكون “خليل زاد” الموظف لدى قادة الحروب الصلبية، أكثر عِلْماً بالإسلام من قضاة الإسلام والعلماء المجاهدين، مهما حاول الاختباء خلف عباء ة عرائسه الخشبية.
لقد اعترف سادة خليل زاد بحقيقة نواياهم. إذ صرح قائد حلف الناتو ويسلي كلارك ذات مرة قائلا: “من يظن أننا ذهبنا إلى أفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر فليصحح خطأه، بل ذهبنا لقضية أخطر هي الإسلام، نحن نُقَرِّر ما هو الإسلام”.
إن أمثال خليل زاد ومعه سكرتير الأمم المتحدة (جوتيريش) هم على المنهج الاستعماري القائل: (علينا أن نصنع لهم إسلاماً يناسبنا). وذلك حسب قول مدير سابق للمخابرات الأمريكية.
ثالثاً: الاحتياجات التعليمية السريعة، والاحتياجات التعليمية طويلة المدى، والتعليم الفني والأكاديمي للشباب من الأولاد والبنات، وربط جميع ذلك بالرؤية الدينية ومستلزمات بناء الدولة القوية، ومراعاة العادات الاجتماعية السائدة والحقوق العامة والخاصة كما حددتها الشريعة الإسلامية وليس شياطين الحضارة الغربية الزائلة، التي مسخت الإنسان المعاصر، وجعلته في مرتبة أدنى من الحيوان الوحشي؛ ذلك هو المسار الطبيعي لتعليم الأولاد والبنات في الإمارة الإسلامية. ولن تُتْرَك تلك المهمة الحساسة لأي قوة أجنبية مهما كانت مسمياتها.
التطوير السريع للاقتصاد في الإمارة الإسلامية يستدعي نوعًا من البعثات المركزة والسريعة في تخصصات معينة من الصناعات الحديثة والمشاريع الإنشائية ومشاريع الري والزراعة والسدود.
واتجاه تلك البعثات يكون صوب دول صديقة تحددها الإمارة الإسلامية. وهناك بعثات أخرى طويلة المدى تستغرق فترات زمنية تقدر بسنوات في تخصصات حديثة وحيوية بالنسبة لنهضة الإمارة في مجالات الطب والتصنيع المدني والعسكري.
نوع ثالث من الاحتياجات التعليمية هو إعداد الفنيين رفيعي المستوى للعمل في المشاريع الحديثة مثل تصنيع أشباه الموَّصِّلات والمشاريع النووية المدنية.
جهاد التعليم الطبي
وفي مجال الطب هناك التخصصات الحديثة، والأهم بالنسبة للإمارة هو إحياء الطب التقليدي وتطويره إلى أقصى حد ممكن، نظراً لفاعليته ورخص تكاليفه. كما أنه يوفر الكثير من النفقات على الأدوية التي تصنع في الغرب، والتي يبالغون كثيراً في أسعارها ولا يراعون المواصفات الطبية الصحيحة عند تصديرها إلى الدول الأخرى خاصة البلاد الإسلامية.
ويعتبر الجهاد الطبي أحد الأفرع الهامة التي تنبثق من الجهاد التعليمي الذي تخوضه الإمارة لبناء المجتمع والدولة.
دول الغرب، ولأهداف سياسية مضادة لشعب أفغانستان وإمارته الإسلامية، جعلت من تعليم المرأة أزمة عالمية بهدف التدخل والتأثير والسيطرة على البلاد، ونهب ثرواتها وإذلال شعبها.
والمفروض أن يتلقى كل فرد في المجتمع التعليم الذي يناسبه. وأن يتلقى الأولاد والبنات ما يناسب تركيبهم الطبيعي وقدرتهم البدنية.
هناك ضوابط شرعية للتعامل بين الجنسين، وذلك محل إجماع. ولكن النقاش هو في منع استغلال الجنسين لصالح فئة من أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يهمهم سوى مضاعفة أرباحهم، بتخفيض أجور العاملين لديهم في المصانع وشبكات التوزيع.
الغرب استخدم المرأة لصالح أصحاب الثروات مالكي المصانع. فعندما نشبت الحروب العظمى وقَلَّ عدد الرجال دفعوا بالنساء إلى المصانع ليعملن بأرخص الأسعار ولساعات أطول وبلا حقوق. ثم تغير الوضع ببطء شديد مع الزمن. ولكن ظل الهدف هو استغلال المرأة وضرب سوق العمل لدى الرجال. ثم استغلوا المهاجرين لضرب سوق عمل الرجال والنساء معاً بواسطة أيدي عاملة من المهاجرين الذين لا يجرؤون على طلب أي حقوق. وهم دوما مهددون بالسجن والطرد من البلاد. ومازال هذا الوضع قائما على حساب المهاجرين من أفريقيا وآسيا. وتعتبر الحروب مصدرا لتوفير أيدي عاملة رخيصة لأصحاب الصناعات الكبرى. لهذا يحرصون على إبقاء الحروب مشتعلة في العالم حتى تتزايد الأيدي العاملة الرخيصة فى الغرب.
من المفروض ألا يحدث تزاحم في سوق العمل بين الرجل والمرأة، لأن ذلك ليس في مصلحة الأثنين بل يضرهما. كما أن المرأة يجب أن يكون لها مجال من الأعمال الذي يمكنها التوسع فيه أو حتى التخصص بلا منافسة من الرجال.
كما يجب أن يتوفر للرجال العمل في مجالات أصعب أو أخطر. ومن ناحية اجتماعية ودينية من المفروض ألا يستغل رجال الأعمال المرأة للضغط على الرجل لتخفيض أجره وزيادة ساعات عمله، أو حتى طرده من العمل لصالح استخدام النساء في نفس الوظائف بأجور أقل وتحت شروط غير إنسانية وأحيانا غير أخلاقية. كل ذلك من المفروض ألا يكون موجوداً في المجتمع المسلم.
الرجل بشكل عام قد يتمتع بقدر أكثر -من الناحية العددية- بالوظائف المتاحة في المجتمع والتي تستخدم أعدادا كبيرة من العاملين، خاصة في الزراعة والمناجم والصناعات غير المتطورة أو الحرف اليدوية مثل صناعة المنسوجات والسيارات والنقل العام واحتراف العمل العسكري في الوحدات القتالية أو اللوجستية، وفي المشاريع الزراعية.
هدف الغرب: استعباد المرأة وتهميش دور الرجل في الأسرة
المعيار الأساسي هو نظرة الإسلام إلى الرجل كصاحب قوامة [قيادة] في البيت بصفته مسؤولاً عن نفقات الأسرة بما فيها الزوجة والأولاد، والأبوين إن كانا على قيد الحياة، وأحياناً الأخوات إن كن بدون زوج أو عائل كما يحدث كثيراً في الحروب. كل تلك المسؤوليات المالية والأدبية يقوم بها الرجل الأفغاني عن طيب خاطر. والمفروض على كل رجل مسلم أن يتحمل نفس المسؤولية إذا كان بالفعل رجلاً ومسلماً. والغرب يحارب بكل قوته ضد نظرية قوامة الرجل في الأسرة. وليس في ذلك شيء من تحرير المرأة من سيطرة الرجل كما يَدَّعون. بل لديهم رغبة في استعباد المرأة ماليا وجنسيا، مع تخلي الرجل عن مسؤولياته في الأسرة، ليعيش حرا كما يعيش أي حيوان بين إناث فصيلته في الغابة.
إذا اتّبعنا الغرب وجعلنا من المرأة منافسا للرجل يقتنص منه فرص العمل، ويجعله عاطلاً يجلس على المقهى أو الرصيف، فذلك يسبب كارثة في المجتمع، وعلى وجه الخصوص كارثة للمرأة التي عليها أن تتحمل المسؤوليات التي كان يتحملها الرجل، مع ما سوف يواجهها من مشاق ومخاطر.
إن الوضع الصحيح للرجل والمرأة داخل الأسرة ينبني عليه الوضع الصحيح بين النساء والرجال في المجتمع. وتقوم عليه سلامة المجتمع أخلاقيا واقتصاديا. فلا تتحول المرأة إلى سلعة مبتذلة ومستهلكة، ويتحول الرجل إلى شبه زوج في أسرة مفككة [بلا قوامة] ومجتمع ينخره الانحلال [حرية من الطراز الغربي].
إن التعليم ليس عملية منفصلة بذاتها، بل هو طاقة دافعة تسري في بناء اجتماعي شامل. فالتعليم رسالته إعداد كل فرد لدوره المستقبلي، في المجتمع الكبير، وفي الدولة الإسلامية التي تحمي وتوجه الفرد والمجتمع.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )