بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة الثامنة عشر – العدد (206) | شعبان 1444 هـ / مارس 2023 م .
26-03-2023
(الحلقة الأولى)
جهاد الشعب الأفغاني ضد الفساد
الفساد حضارة عالمية، ومنظومة استعمارية للحكم
– ماذا يعنيه الغرب بالحديث عن مكافحة الفساد، طالما أن الديمقراطية الغربية هي مادة فاسدة جملة وتفصيلا؟
– “مكافحة الفساد” كما يفهمها الغرب تعني تنظيم العمل المشترك بين “كتل الفساد” وجعل التنافس بينها أقل خشونة.
– ترابط الفساد السياسي بالاجتماعي والنسوي.
– “صناعة الدعارة” هي صناعة استعمارية مرتبطة ببرامج تحرير المرأة وتمكينها من كل شيء.
– الخطوة الأساسية للاحتلال الأمريكي لأفغانستان، كانت تحويل الفساد إلى عمود فقري لجميع نشاطات الحكومة.
– النتيجة الخطيرة لتأصيل الفساد محلياً، هي تحول مسار النضال الشعبي من (جهاد ضد المحتل الكافر)، ليصبح نضالا سياسيا ومطلبيا وقانونيا مع عصابات الفساد المحلي.
– في مفاوضات الدوحة أرادت أمريكا تثبيت صيغة الصراع الداخلي بين الأفغان. وأن تسعى لحل ذلك الصراع تحت رعايتها وهي تتَقَمَّص دور (حمامة السلام) وليس (الاحتلال الكافر لبلاد المسلمين).
– الديموقراطية نظام قائم في أساسه على التزوير، وهو إما تزوير أنيق ومتقن، كما في الأنظمة الغربية، أو تزوير فج مقرف، كما في أنظمة العالم المتخلف.
– تصويت الشعب في الانتخابات يقرر طراز المافيات التي سوف تتصدر الفساد في السنوات الأربع أو الخمس التالية.
– الفرق بين قيمة المرأة وقيمة الرجل في عالم الفساد، كالفرق في عالم المال بين الدولار الذهبي (المرأة) وبين الدولار الورقي (الرجل).
– تساهم منظمات الارتزاق النسائي في عمليات التحول الاجتماعي والثقافي، من الإسلام إلى الإلحاد والعلمانية، فى حركة واسعة جدا تدور في عدد من البلدان الإسلامية.
– هناك كفالة اجتماعية من الأسرة والقبيلة والإمارة. وجميعها تتكفل بالحماية وتقديم العون للمرأة، باعتبارها أشد قطاعات المجتمع احترامًا وقدسية.
بقلم: مصطفى حامد – أبو الوليد المصري
حاول الغرب إيهام الشعوب بأن الفساد مرض طارئ في الغرب الديمقراطي، لأن الديمقراطية بطبيعتها تطرد الفساد من الدولة. كما يحاول الغرب إيهامنا بأن الفساد صفة متأصلة في شعوب العالم الثالث غير المتحضر، وأن العلاج هو تطبيق الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية. بينما التمعن في تجارب العالم، وتحديداً في العالم الثالث، حيث طُبِّقَت الديمقراطية إما بالحرب والغزو الخارجي (كما في أفغانستان والعراق) أو طبقت بواسطة ثورة مزجت أحيانا بانقلاب عسكري (كما في مصر وتونس).
وحيثما وجدت الديمقراطية في الغرب أو في غيره من الدول، نجد أن الديمقراطية ليست فقط ممتزجة بالفساد، بل أن الفساد مٌكَوِّن أساسي في بنيانها، وأحد الوسائل الحضارية لتقاسم الغنائم بين (حيتان الفساد الكبرى).
عاشت أفغانستان تجربة مع الديمقراطية التي طبقها الاحتلال فوق رقاب الشعب الأفغاني، لمدة عشرين عامًا، برهن فيها على أن الفساد هو نظام عالمي تسهر الدول الغربية (بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل وعضوية أوربا وحلف الناتو) على نشرها على مستوى العالم، ولكن تحت اسم نشر الديموقراطية.
منظمة الشفافية.. للتستر على الفساد الدولي
“منظمة الشفافية الدولية لمنطقة آسيا والمحيط” خرجت بتقرير يبشر (وربما يحذر) من نجاح أفغانستان في مكافحة الفساد، بتَقَدُّمِها 14 نقطة على لائحة المنظمة.
ظنّ البعض أن تلك خطوة إيجابية من المنظمة. واعتقد آخرون أنه عمل للتمويه على حقيقة دور هذه المنظمة في التعتيم على حقيقة الفساد ودوره في النظام العالمي والحضارة الغربية بمعتقداتها وأخلاقيتها اليهودية.
عاشت أفغانستان لمدة عشرين عامًا تحت الاحتلال الأمريكي، الذي طبّق الديموقراطية بالحديد والنار وشتى فنون تدمير الحضارات.
وثبت أنّ الديمقراطية لها حقيقة لا يمكن أن يستوعبها إلا من عاش تجربتها المريرة، التي فرضها المحتل على حساب المعتقدات والحقوق الإنسانية الطبيعية، فدخول أفغانستان إلى حضارة الفساد الدولي، واتخاذ الفساد كمنظومة للبناء الداخلي، هو شرط أساسي لا يحيد عنه الغرب حتي يعتبر أفغانستان عضوا في (الأسرة الدولية)، ويفك عزلتها السياسية والاقتصادية. وما زال هذا هو الشرط الوحيد لعودة أفغانستان إلى (المجتمع الدولي). وهو شرط يعني أن تتنازل أفغانستان عن الارتباط بالشريعة الإسلامية، و التقاليد التاريخية والقبلية.
ترابط الفساد السياسي بالاجتماعي والنسوي:
سوف نقوم بجولة خلال هذا البحث حول فرض الديمقراطية على الشعب الأفغاني، وما يعنيه الغرب (بمصطلح الفساد). وماذا يعنيه بالحديث عن مكافحة الفساد، طالما أنّ الديمقراطية الغربية هي مادة فاسدة جملة وتفصيلا. فهذا ما ثبت في أفغانستان، وسوف نرى أمثلة عليه.
ومن ضمن ما سوف نراه في هذا البحث أنّ “مكافحة الفساد” كما يفهمها الغرب تعني تنظيم العمل المشترك بين “كتل الفساد” في الدولة، وجعل التنافس بينها أقل خشونة، وأن تتفق تكتّلات ومافيات الفساد على دستور لتقاسم الغنائم بعيدًا عن العنف، معتمدين على تبادل السلطة من خلال الانتخابات. فتتناوب تلك المجموعات على تولي مركز الصدارة في السلطة السياسية عبر مرشحيها للرئاسة والمجالس النيابية. وبالتالي تفوز بحصة أكبر من الموارد المالية للفساد الاقتصادي، والانحراف الاجتماعي والأخلاقي، مثل ترويج المخدرات، و”صناعة الدعارة” وهي صناعة استعمارية مرتبطة ببرامج تحرير المرأة وتمكينها من كل شيء. وهي الصناعة الأكبر والأكثر تنظيماً، وهي متعددة المهام، فتشمل نشاطات مثل “صناعة التجسس” وتوزيع المخدرات، وعمليات اغتيال وتخريب، واختطاف أطفال وبيع أعضاء بشرية.
تهديم الشريعة وبناء منظومة الفساد
حركة الاحتلال الأمريكي الإسرائيلي في أفغانستان مَزَجَت المتناقضين: الهدم والبناء. هذين العنصرين متلازمين في المسيرة الحضارية. فلا تحدث الحركة البشرية بدون تلازم حركتي الهدم والبناء معا. حتى حركة العقائد يلزمها الهدم والبناء لتنبعث فيها الحياة: {لا إله ــ إلا الله}، فتحطيم الأصنام والطواغيت هو السبيل إلى بناء التوحيد.
– ولأنّ أمريكا وإسرائيل تقودان العالم إلى الارتكاس والسقوط في هاوية الحيوانية، فإنهما يهدمان ما هو أفضل ويبنيان ما هو أسوأ. يهدمان الحق والشريعة والدين، وفي المقابل يبنيان الظلم والفساد. ويطلقون على ذلك اسم التحضر والديمقراطية.
– يبذل الغرب غاية جهده لإخفاء الحقائق وقلب المفاهيم. فهو يسمي الفساد باسم الحرية. فإن حدث الفساد في المجال الاقتصادي أسموه الاقتصاد الحر(الليبرالي).
وإنْ كان الإفساد يستهدف فطرة الإنسان ونشر الرذيلة والفوضى داخل المجتمع، أسموه (حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات… إلى آخره). والفساد في المجال الاعتقادي يسمونه حرية الاعتقاد بمعنى الحض على الإلحاد وتحقير الأديان. وإن كان مجهود الفساد يغطي الكرة الأرضية كلها، أسموه “النظام الدولي”، وأطلقوا على أدواته اسم “المؤسسات الدولية”. وإن كان الفساد مخصصا للمجال الاجتماعي أسموا أدواته “مؤسسات المجتمع المدني”.
– نشر الفساد والظلم والتخريب يغطيها الغرب بأوراق من الأناقة اللفظية. فيتلاعبون بالمعاني، ويغيرون المفاهيم بمجرد استبدال الكلمات، وسباكة المصطلحات المدهشة، وفرضها على الناس بالتكرار الذي لا يمل، وأبواق بشرية من كل نوع، تكتسب الشهرة بتكرار ما تنتجه مصانع التشويه الفكري في الغرب.
التغطية على الفساد الحقيقي:
أنشأ الغرب منظمات دولية ادعى زورًا أنّ مهمّتها مكافحة الفساد. ولكن دورها الأساسي هو التغطية على حقيقة أنّ الفساد هو العمود الفقري للحضارة الغربية وللأنظمة الموالية لها.
والفساد الدولي في الاقتصاد: قائم على النظام الربوي الذي ينزح ثروات الشعوب إلى خزائن البنوك الكبرى، لتصبح ثروة العالم في يد أقلية تمتلك تلك البنوك، ولها ديانتها الخاصة القائمة على السحر والشعوذة والقرابين البشرية وسفك دماء البشر بلا حساب لتحقيق أعلى الأرباح.
والفساد في السياسة الداخلية: هو أن تستولي الأقلية التي تمتلك معظم ثروة المجتمع على القرار السياسي بواسطة مجموعات من المافيات الموزعة في ثنايا الدولة. وتتكون من عناصر محلية تقوم بالأعمال القذرة لصالح الأقلية المتحكمة في الداخل، والتي هي جزء من حضارة الفساد الغربي التي تسيطر على العالم.
– المساحة المحلية من الفساد، حيث مليشيات المجرمين والقتلة وأبطال الأعمال القذرة بكافة أنواعها، تتوجه إليها اهتمامات الدوائر العالمية والمحلية المختصة بمكافحة الفساد، بمعنى تنظيمه وتقنينه، وإخفاء و حشيته عن عيون الشعب، حرصًا على أن لا تُكتَشَف الحقيقة الكبرى.
فتلك المشاهد من الفساد الداخلي هي أدنى درجات الفساد. وهي جزء صغير من مشهد دولي مرعب لحضارة قائمة على الفساد الشامل، بما فيه من كذب ونفاق وعنف ودموية، وحرب على الأديان، وحرب على الإنسان، واستعباد الرجل والمرأة والطفل، وهلاك الحرث والنسل.
أدنى درجات الفساد هي أعلى درجات الاهتمام الدولي:
ما يشاهده المواطن من ظواهر الفساد، هو تلك الدرجة السفلى منه، أي القوى المحلية العاملة في أسفل درجات الفساد. ومجالها هو المعاملات المباشرة التي تمس مصالح الجمهور، وبالتالي يشعر بها ويتكلم عنها الناس. وتشير إليها الهيئات الدولية التي تتستر على الفساد الحقيقي، وهي تدعي كشفه.
– تلك الطبقة المحلية السفلى في سلم الفساد، هي أول ما يحتك به الشخص القادم إلى أفغانستان للتجارة وتبادل المنافع. عندها يشتكي من الفساد رغم أنه لم يشاهد الشرائح الأعلى. ولكن على مستوى التعاملات الاقتصادية الكبرى يصطدم كل مستثمر بشريحة من شرائح الفساد الأقوى. ولكنه يفضل إبقاء الأمر طيّ الكتمان، وحل مشاكله بالطرق المعتادة، فيتبادل المنافع مع المفسدين الذين هم في حقيقة الأمر الوجه الفعلي للدولة. لأن الكبار في الداخل والخارج يعرفون أن الفساد هو الدولة والدولة هي الفساد. وأن المفسدين الكبار هم قادة الدولة وشاغلي أكبر المناصب فيها. ومن لهم مصالح في أفغانستان يعرفون أن نظام الحكم في كابل إنما يدار بيد جيش الاحتلال والحكومة الأمريكية.
وأن المشاكل الفعلية التي تقابل الدول الأخرى وكبار المستثمرين وأصحاب المصالح، يدركون أنه يجب حلها في واشنطن أولاً قبل حلها في كابل.
تحويل مسار النضال الوطني
الخطوة الأساسية الأولى للاحتلال الأمريكي لأفغانستان كان تحويل الفساد إلى عمود فقري للدولة، تتشعب منه جميع النشاطات الأخرى للحكومة. وحتى النشاطات الاجتماعية والثقافية والدينية، كلها تتحول إلى منظومات فساد تديرها مافيات تتجمع خيوطها في يد الاحتلال.
فيشعر المواطن الأفغاني أنّ الفساد هو عملية محلية يصطدم بها في كل مكان وفي كل مجال، بينما المحتل الأجنبي بعيد تمامًا عن ناظريه، كونه يقبع في الدرجة العليا من سُلَّم الفساد التي لا يصل إليها المواطن العادي ولا يتعامل معها.
النتيجة الخطيرة لتأصيل الفساد محليًا، هي تحوّل مسار النضال الشعبي من (جهاد ضد المحتل الكافر)، ليصبح نضالًا سياسيًا ومطلبيًا وقانونيًا مع عصابات الفساد المحلي. وهنا يجد الاحتلال مخرجًا للبقاء سالمًا غانمًا ليدير الصراع بين السكان المحلين أنفسهم.
– في مفاوضات الدوحة أرادت أمريكا تثبيت صيغة الصراع الداخلي بين الأفغان أنفسهم. وأنها تسعى لحل ذلك الصراع بإيجاد حل ديمقراطي يشرك طالبان في الحكم لتقليل الاحتقان والتخفيف عن المواطنين. كل ذلك تحت رعاية أمنية واقتصادية من الاحتلال الذي يتَقَمَّص دور (حمامة السلام) وليس (الاحتلال الكافر لبلاد المسلمين). وتلك الصيغة الأمريكية ناضل من أجلها (زلمي خليل زاد) مستشار الاحتلال الأمريكي والمفاوض الرئيسي لقوات الاحتلال أمام الإمارة الإسلامية في الدوحة. وقد فشلت المؤامرة الأمريكية فشلا ذريعاً بفضل صلابة مفاوضي طالبان والتوجيهات الرشيدة من الإمارة الإسلامية.
ملاحظة جانبية:
يمكن القول أنّ نضال شعوب العالم الإسلامي ضد الحكومات الفاسدة وأجهزتها، هو صدام قاصر كونه لا يصل إلى صلب المشكلة، التي هي الصدام مع المنظومة الدولية التي تديرها أمريكا وإسرائيل لفرض الفساد كحضارة على العالم كله عبر أنظمة محلية مُسْتأجرة. فمن حيث الفساد فإن المحلي والدولي هما وجهان لعملة واحدة. والمعركة ضدهما واحدة. ومن الخطأ تجزئتها، أو اعتبارهما معركتين منفصلتين. والمعركة ضد أحدهما هي بالضرورة معركة مع الآخر. وأي حركة مقاومة تفصل بين المعركة مع الفساد المحلي وبين المحتل الخارجي (المتواجد مباشرة أو بالوكالة على أرض الوطن) إنما تسعى عن تعمد أو جهل لهزيمة شعبها واستمرار عبوديته للطغيان الكافر.
الشعوب لا يمكنها أن تصل في التعامل المباشر إلى رأس شبكات للفساد. فالتركيب الاجتماعي وما تسمح به تجربتها العملية، يسمح لها فقط بفهم أن الفساد يتوقف عند رأس الدولة، والذي هو رئيس منتخب ديمقراطيًا في أغلب الأحوال، حتى ولو كانت عملية الانتخابات مزوّرة، ولكنها ديمقراطية على أي حال.(الديموقراطية نظام قائم في أساسه على التزوير، وهو إما تزوير أنيق ومتقن، كما في الأنظمة الغربية، أو تزوير فج مقرف كما في دول العالم المتخلف).
حركات المعارضة -وهي مصطنعة وعميلة في معظم أحوالها- في تلك الدول المحتلة أو شبه المحتلة، تتواطأ مع دولة الاحتلال لجعل الرؤية الشعبية لا تمتد إلى ما هو أبعد من قمة النظام السياسي القائم. والاعتقاد بأنه السبب الوحيد للفساد، وما يتفرع عنه من مشاكل معيشية و اجتماعية.
ذلك أن حركات المعارضة تريد أن تأخذ دورها ومكانها على قمة منظومة الفساد. أي أنها تتصارع مع النظام للسيطرة على (قمة الفساد) وليس على (مبدأ الفساد). المعارضة تريد رئيسًا من عندها يتناسب مع قدرتها الانتخابية. وأن تنغمس في الفساد بحيث تكون دوامته أقل عنفا، وقابلة للاستمرار بأقل قدر من الاستفزاز المتبادل (يسمون ذلك بالتداول السلمي للسلطة!).
وتريد المعارضة إذا كانت شريفة جدًا، أن تكون العملية الانتخابية أقل فسادًا وتسمح بتداول سلمي للمواقع المتقدمة في الفساد. بحيث يشهد الفساد حراكًا اجتماعيًا، صعودًا وهبوطا، لمافيات مختلفة الانتماء، تتاح لها فرصة الارتقاء في أعقاب كل فترة انتخابية، اعتمادًا على الاختيار الحر للشعب، وليس الرصاصات والقنابل، كما هو مشهور في الأنظمة الأقل ديمقراطية أو منعدمة الديمقراطية.
ومعنى الديمقراطية هنا ليس حرية الشعب في اختيار من يحكمه، فتلك من المستحيلات الخارجة عن النقاش، ولكن معناه تصويت الشعب في الانتخابات ليقرر طراز المافيات التي سوف تتصدر سلم الفساد في السنوات الأربع أو الخمس القادمة. فالحاكم الحقيقي هو تحالف مافيات الفساد التي تمثلها أحزاب تلعب بالسياسة وتدخل الانتخابات لتكون ستارًا لتكتلات الفساد وعصاباتها المنظمة (التي تأخذ أحيانًا شكل أجهزة دولة مختصة قانونًا بممارسة العنف المسلّح، مثل أجهزة الأمن والجيش).
المرأة عملة ذهبية للفساد
يؤمن الغرب بالمساواة بين الجنسين، مع احتفاظه بحق احتقار المرأة المتأصل ثقافيًا والمتجذر في معتقدات اليهود.
في عالم الفساد تحظى المرأة والرجل ظاهريًا بحقوق متساوية. ولكن في الحقيقة تحظى المرأة بأهمية أكبر. والفرق بين قيمة المرأة وقيمة الرجل في عالم الفساد، كالفرق في عالم المال بين الدولار الذهبي (المرأة) وبين الدولار الورقي (الرجل). فالدولار الورقي بالكاد يساوي ثمن ما يحتويه من ورق وأحبار، فهو ذو قيمة افتراضية وليست حقيقية. ويدَّعي المُزَيِّفون الذين طبعوه في البنك الفيدرالي أنه يستند إلى قوة الاقتصاد الأمريكي. وهي كلمة عائمة بلا وزن حقيقي. أما الدولار الذهبي فقيمته حقيقية ومختزنة في مادته الذهبية نفسها.
الرجل في عالم الفساد يستمد قيمته من قوة العصابة المنتمي إليها، فتحميه وتوفر له البقاء. بعكس المرأة التي هي الدولار الذهبي في دنيا الفساد، وقيمتها في ذاتها، لكونها امرأة.
ويدرك الغرب أهمية الذهب النسائي في دنيا الفساد. ويصر على إتاحة الفرصة كاملة لكل امرأة كي تمتلك مؤهلات الفساد، وتشق طريقها في ذلك العالم المدهش. فتحقق طموحها، وفائدة للمافيات التي تنتمي إليها. ويسمون ذلك حرية المرأة ويقاتلون لأجلها. حتى إنّ الرئيس الأمريكي بوش ادعى أنه ذهب إلى حرب أفغانستان والعراق من أجل تحرير المرأة!!
– أمريكا منخرطة في تصنيع ثورة ملونة في إيران، وأخرى في أفغانستان، تحت ادعاء تحرير المرأة ومنحها كافة الحقوق، وفتح مجال التعليم والتوظيف. فمن المعلوم أنّ الرجل الأقوى جسمانيا و المؤهل علميا إلى درجة عالية، يقدم خدمات أكبر لمنظومة الفساد التي ينتمي إليها. وبالتالي يحصل على عائد أكبر لنفسه، ويزيد منظومة الفساد أرباحا وقوة. بينما الشخص الجاهل أو الضعيف جسمانياً، لا يكاد يكون له قيمة أو وزن، وبالتالي لا يستمر طويلا.
تنطبق نفس المعايير على أهمية المرأة في عالم الفساد. فكلما زادت قدراتها الجسمانية والعقلية، كما ارتقت وكانت ذات فائدة أكبر. ومعلوم أن (فائض القيمة) الذي تحققه المرأة لمنظومة الفساد، أكبر بكثير من نظيره الذي يوفره الرجل. كما أنه أكثر ثباتا واعتمادية، وهو مطلوب على الدوام في كل مكان (مثل الدولار الذهبي)، ولا يمكن رفض التعامل به. على عكس الرجل (الدولار الورقي) الذي لا قيمة له في ذاته، بل هو وحش من ورق، ووهم متحرك يتوقع الجميع سقوطه في أي لحظة.
من هنا جاء إصرار الغرب على التعليم الغربي المرأة حتى يتحقق منها أكبر عائد في عملية الفساد، وتحقيق أعلى ربح خلال التشغيل في ميادينه. و يرى الغرب أن تعليم المرأة وفق منظوره مطلب حيوي وعالمي للحضارة الغربية. وأيضا مطلب حيوي لمنظومة الفساد المحلي للدول التي يهتم بشأنها. إلى درجة أن ظهرت منظمات (وشركات) خاصة بالنساء، تعمل في مجال الارتزاق المرتبط بالحروب وحركة المرتزقة المقاتلين، لتقديم “الخدمات” لهم.
– تساهم منظمات الارتزاق النسائي في عمليات التحول الاجتماعي والثقافي، من الإسلام إلى الإلحاد والعلمانية. وهى حركة واسعة جدا تدور في عدد من البلدان الإسلامية. (بعض تلك المنظمات النسوية الارتزاقية تعمل في بعض البلدان تحت إشراف الحكومات، وبعضها يعمل تحت حماية قوى الثورة المضادة والملونة، كما في إيران وأفغانستان).
أي تعليم يريدون للمرأة؟
التعليم الذي يريده الغرب للمرأة ليس هو التعليم الذي يخلق منها إنساناً سويا، بل تعليم يهيئ المرأة لما هو مطلوب منها في دنيا الفساد الغربي. بعض تلك العلوم مفيد للتعامل مع المستويات المعرفية العليا في العلوم والتكنلوجيا التي يستخدمها العالم السفلي للمفسدين. والهدف الأساسي للتعليم الغربي هو فصل المرأة عن الدين والأخلاق والمجتمع، وتكريس الفردية والأنانية والانحلال الأخلاقي، والقسوة والرغبة في الصراع والتخريب والعنف، وانتزاع العطف الفطري الذي يميز المرأة كأم وراعي للأسرة.
وهنا يكمن الخلاف الأساسي، بين موقف الإمارة الإسلامية في أفغانستان وموقف الحضارة الغربية الذي تقوده الولايات المتحدة. فالتعليم الذي أوجده الاحتلال الأمريكي للمرأة في أفغانستان لا يناسب دور المرأة الذي يريده لها الإسلام وتريده الإمارة الإسلامية وشعب أفغانستان. كما أن دور المرأة الذي يريده الإسلام للمرأة يختلف تمامًا عما يريده الغرب لها.
الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة احترام، بل وتقديس (الجنة تحت أقدام الأمهات)، ويقاوم أي نظرة أو تصرف يهين المرأة أو يحط من كرامتها، ويجعلها عملة ذهبية في دنيا الفساد.
أما في دنيا العمل، فإن دخول المرأة إلى سوق العمل يجب أن يتم بعناية فائقة، لحمايتها من كافة أنواع الاستغلال أو الحط من كرامتها أو استغلال حاجتها إلى المال. فهناك كفالة اجتماعية من الأسرة والقبيلة والإمارة. وجميعها تتكفل بالحماية وتقديم العون للمرأة، باعتبارها أشد قطاعات المجتمع احترامًا وقدسية. فهي عماد الأسرة والمجتمع، حاضرًا ومستقبلا، وعلى الدوام.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )