نقلا عن مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير
سلوك طالبان لتشكيل الدولة الجديدة
مقابلة مع الأستاذ مصطفى حامد
بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ثمة تساؤلات كثيرة تطرح على وسائل الإعلام غالبًا عن شكل الحكم الأفغاني الجديد وكيف ستتعامل طالبان مع قضايا شائكة من مخلفات الاحتلال الأمريكي، مثل الاقتصاد المدمر والتحديات الأمنية، وتنوع المكونات، وتحديات الانتماءات القبلية وغيرها. للحصول على صورة أوضح لهذه الأجوبة، أجرى مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير مقابلة مع الأستاذ مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) وهو كاتب صحفي يتميّز بعلاقات واسعة مع حركة طالبان وله مجموعة من الكتب ويشرف على موقع مافا السياسي.
تحدث الأستاذ مصطفى حامد عن مجموعة من القضايا المهمة فيما يتعلق بالأدوار القبلية والداخلية الجديدة في أفغانستان، أما المسألة البالغة الأهمية فهي الأدوار الإقليمية، وخاصة دور باكستان الذي تحدّث عنه الأستاذ مصطفى بأنه يتمحور حول إثارة الفتن بين القبائل والمذاهب الأفغانية، ودورها اللوجستي في انتقال قوات داعش إلى أفغانستان. وكذلك دور قلب الدين حكمتيار في استخدام داعش. أما عن الدور الإسرائيلي، فقد تحدّث الأستاذ عن تنسيق جاري بينها وبين تركيا وروسيا وباكستان فيما يتعلق بأطماعها في أفغانستان. كل هذه الأدوار تحتاج إلى المزيد من التدقيق وتسليط الضوء عليها، بالإضافة إلى تقييم لتجربة الإمارة الإسلامية (1996 -2001) في تعامل طالبان مع القوميات الأخرى، سنجادلها في مقابلات أخرى إن شاء الله.
وفيما يلي نص المقابلة:
سؤال: بحسب تقرير نشره معهد بروكينغ للدراسات فإن نحو 90% من الشعب الأفغاني يعاني من الفقر، و30% يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إلى ذلك فقد اعتمد اقتصاد أفغانستان في العقدين الماضيين على المساعدات بشكل كبير، توقفت قبيل سيطرة طالبان على كابل، خاصة بعد حجز أموال للحكومة. ما هو شكل الاقتصاد الذي تركته الولايات المتحدة للشعب الأفغاني؟
ثلاث إشارات هامة، تقود الطريق إلى فهم أفضل لما يحدث في أفغانستان منذ الغزو الأمريكي وحتى اليوم. إشارتان منهما أطلقهما الرئيس “بايدن”، قال في الأولى: “نحن لم نذهب إلى أفغانستان من أجل بناء أمة”. وفي إشارة أخرى قال “إن أفغانستان لن تتوحد ولن تُبنى”.
إشارة ثالثة أُعطيت قبلهما بعدة سنوات عندما اشتكت مصادر روسية من أنه “بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان تضاعف إنتاج الهيروين فيها أربعين ضعفاً”. وفيما يشبه الرد قال الأمريكيون “نحن لم نذهب إلى أفغانستان من أجل مكافحة المخدرات”.
واضح أن أمريكا ذهبت إلى غزو أفغانستان لتحقيق ما تأكد خلال سنوات الاحتلال، وهو:
ــ تدمير الأمة الأفغانية (ماديا ـ اجتماعيًا ـ ثقافيًا ـ دينيًا).
ــ تجزئة أفغانستان، وتخريب بنيان كافة المكونات المجزأة.
ــ احتكار تجارة الهيروين دوليًا (بدخل لا يقل عن ترليون دولار سنويا).
ولأجل تحقيق تلك الأهداف الإستراتيجية للغزو سارت أمريكا على عدة محاور:
أولا ـ تخريب الاقتصاد الوطني بحيث يعجز تماما عن الإيفاء بأبسط متطلبات الدولة. فتظل في حاجة دائمة إلى مساعدات اقتصادية من الاحتلال وأصدقائه الأوروبيين والخليجيين. هذا رغم أن أفغانستان واحدة من أغنى دول العالم بالمعادن النادرة، والخامات الاستراتيجية اللازمة للصناعة مثل النحاس والحديد والفحم والنفط والغاز.
لم يترك الاحتلال للاقتصاد الأفغاني ركيزة يُعتَد بها، فلا زراعة ولا صناعة ولا تجارة ذات وزن سوى تجارة الأفيون، وهي لا تمر بقنوات رسمية ولا تصب عائداتها في ميزانية الدولة، وهذا هو أيضاً حال أمريكا مع تجارة الهيروين، فلا تظهر عائداتها في أرقام الميزانية. ودخل حكومة كابل هو من ضرائب على الفلاحين زارعي الخشخاش. وهو مبلغ تافه للغاية ولكنه يمثل نسبة محترمة من ميزانية الحكومة.
الرشاوى التي يدفعها الاحتلال للسياسيين وقادة الميليشيات والقبائل تمثل أرقاما هائلة لكنها أيضا لا تظهر أيضاً في أرقام الميزانية. كما أن معظمها يذهب إلى البنوك الخارجية ـ أما في الداخل فيشترون بها أراضي الدولة، لتشييد البنايات الفخمة والأسواق الاستفزازية (البوتيكات).
ثانيا ـ تخريب العلاقات بين القوميات، وشق القبائل من داخلها، وإضعاف الكتلة القبلية البشتونية بالتعاون مع باكستان ـ والتمهيد لتقسيم البلد على أسس عرقية خاصة في الشمال الأفغاني.
وتسعير الصراع الطائفي بين السنة والشيعة بتعاون باكستان ونظام كابول وتركيا المهيمنة على الدواعش والتحرك السلفي الجهادي.
ثالثا ـ ضرب الثقافة التقليدية في أفغانستان وإضعاف الإسلام، وخنق التعليم الديني التقليدي بالإجراءات الإدارية وبضربات الطيران، والغارات بالقوات المنقولة جوا والغارات على القرى النائية التي تعتبر حاضنة للإسلام التقليدي
وترويج الثقافة الوافدة التي جلبها الاحتلال، عبر نشاط إعلامي هائل مكون من عشرات الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيون. ونشر أجهزة الإنترنت والهواتف المحمولة وبرامجها المضادة للدين والعادات الأفغانية.
رابعا ـ التعليم الذي أتى به الاحتلال، يقوم بأهم الأدوار في تدمير أفغانستان ثقافيًا واجتماعيًا. هدف ذلك التعليم نشر الثقافة الغربية، وضرب المفاهيم الإسلامية في كل النواحي، سواء فى الاعتقاد أو الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الجنسين.
تنزيل ملف المقابلة PDF (اضغط هنا)
سؤال: كيف سيتم التعامل مع هذا الاقتصاد الذي خلّفته الإدارة الأمريكية؟
لا يمكن أن يكون هناك حلّ جذري للمعضلة الاقتصادية إلا عندما تدور عجلة طريق الحرير بمشاريعها المتنوعة، التي ستخلق فرص عمل كثيرة جدا، وبالتالي تؤدي إلى تحسن اقتصادي كبير.
وانفتاح الاقتصاد الأفغاني على اقتصاديات الجيران في الصين وإيران، مع إمكانية حركته الواسعة قارياً، من بحر الصين إلى خليج فارس.
يبدو أن هذا الانتقال الإستراتيجي يحظى بأغلبية أصوات مجلس الشورى. ولكنه في حاجة إلى المزيد من دعم عناصر في الشورى ما زالت مترددة أو حتى معارضة. ولكن أغلبية الشورى تسير نحو التغيير الجذري المطروح مع طريق الحرير.
هناك عدد من الإجراءات المباشرة لعلاج الأزمة الاقتصادية، وجميعها مؤقت ولا تخرج عن الاستمرار في اقتصاد متهافت، يتسوّل معونات الغرب. لأن الإمارة في مرحلتها الحالية (الثانية) تواجه صعوبات لم تكن موجودة في مرحلة حكمها الأولى. فالإمارة الأولى لم يكن لديها إلا موروث قليل للغاية من أجهزة النظام السابق، وبالتالي نفقات إدارية قليلة. وتمكّن الدعم القبلي من ضبط الأزمات الاقتصادية في حدود قدرة تحمل رجال القبائل الأشداء المتقشفين.
مع ملاحظة تأثير الاحتلال في نشر أنماط استهلاك جديدة وسلع لم تكن معروفة سابقاً، مع تأثير إعلامي أكبر للخارج على الداخل. ولا ننسى طبقة المتغربين الجدد وقدرتهم الشرائية العالية وإقبالهم النَهِم على سلع الرفاهية الجديدة وإسرافهم الاستهلاكي. فمحاولات الشباب من الجنسين تقليد تلك الطبقة، خلق مشاكل أخلاقية وتدهور أمنى لم يكن معهودا قبل الاحتلال.
وهناك معضلة الجهاز الإداري المتضخم الفاسد وقليل الفائدة والذي تحفظ به الإمارة حرجاً من التشنيع الدولي. وبالمثل جزء من أجهزة القمع التي بقيت على صدر الإمارة بلا فائدة بل مع مخاطر كامنة من تآمرها مع أسيادها السابقين.
يحتاج الأمر إلى قرارات ثورية في مجال الإدارة. أما في الجانب الاقتصادي فهناك إجراءات يمكن أن تؤدى إلى تحسن جزئي، مثل مصادرة فورية للمناجم، خاصة اليورانيوم والأحجار الكريمة والتي مشكلتها أعقد، كونها ملكية لأفراد من القبائل داخل جبالهم. بعكس اليورانيوم الموجود على أراضي الدولة.
ومصادرة الثروات الحرام التي كدسها كثيرون في عهد الاحتلال كأموال سائلة ـ ومعظمها تم تهريبه إلى الخارج ـ ولكن هناك كمية كبيرة من الأصول على هيئة عقارات يمتلكها مجرمون ومهربون وخونة.
ومن غير المعروف ما سوف تفعله الإمارة بغنائم تقدر بعشرات المليارات في الأسلحة والمعدات. وأسرار حربية واستخبارية كلها قابلة للبيع بمليارات كثيرة. ثم أسرى حرب من أصناف حساسة.
وهنا نعود مرة أخرى إلى حتمية الاعتماد على الدعم القبلي إلى أن يبدأ الوضع الاقتصادي في التعافي. لهذا فإن مطالب القبائل هي الأعلى على المطالبات الصاخبة المسنودة دوليا لتلك الطبقة المتغربة، والتي كلها مطالب حقوقية وثقافية ولا تمس الاقتصاد، حيث أن الوضع الاقتصادي الاحتلالي هو الضامن لوجود المتغربين. وهو الذي مكنهم من اكتناز وتهريب المليارات.
سؤال: هل صحيح أن هناك استثمارات صينية بقيمة 100 مليون دولار كانت قائمة منذ أيام الاحتلال؟
كان هناك استثمارات صينية بملايين الدولارات (غير معلوم حقيقة عددها). ولكن الأمريكان خدعوا الصينيين، وبالأحرى خانوهم وأخلفوا وعودهم. فقد منحوهم امتيازات اقتصادية كبيرة للغاية، بحيث أقنعت الصينيين بقبول الوضع الخطير للاحتلال الأمريكي في أفغانستان، والذي من ضمن معانيه استيلاء أمريكا على أكبر كنوز الخامات النادرة، التي تتحكم في التكنولوجيا المتطورة.
ثم أطلق الأمريكان قطعان من الدواعش والمجرمين المحليين، بإسناد عسكري من الاحتلال والدولة، لضرب مواقع عمل الشركات الصينية، حتى هربوا جميعا تاركين خلفهم كافة الرشاوى التي دفعها لهم الأمريكيون. وخسر الصينيون كل شيء.
سؤال: هل من المعقول أن الأمريكان لم يسرقوا شيئا من المعادن الأفغانية؟
بالطبع غير معقول. فقد كانوا يسرقونها قبل الاحتلال فما بالك والبلد كلها تحت سيطرتهم، ولكن الأمريكان يتميزون بالمرونة وسرعة التكيف مع المتغيرات وباعتمادهم الكبير على القطاع الخاص في كل شيء، من الحرب وصولًا إلى المناجم. فمعظم سرقات المعادن تقوم بها شركات ومغامرون أفراد. فمنذ وقت الجهاد ضد السوفييت كانت هناك شبكات من اللصوص الدوليين ينهبون مناجم الماس والأحجار الكريمة والذهب، بالاحتيال على رجال القبائل البسطاء، لقاء مبالغ تافهة للغاية. وكان التجار اليهود في بيشاور يتلقون البضائع ويشترونها فورا بأسعار أفضل، ولكنها رخيصة جدا بالنسبة للسعر الحقيقي.
الإنجليز تعاملوا مع مناجم اليورانيوم في ولاية هلمند كغنيمة حرب، وهبها لهم الأمريكان مقابل تنازلات إنجليزية مؤلمة من حصتهم في الأفيون (هلمند عاصمة إنتاجه في العالم). الجيش البريطاني وضع اليورانيوم تحت سيطرته وجلب المعدات اللازمة. ويقول الأهالي أن الإنجليز ضغطوا خام اليورانيوم على شكل مكعبات، ثم نقلوها إلى بلادهم جوا من قاعدتهم الجوية في (شورآب) في هلمند.
سؤال: لا تزال توقعات الحرب الأهلية في أفغانستان تتصدر التحليلات الخاصة بمستقبل البلاد، حيث الاقتتال بين الأفغانيين بسبب الانتماء القبلي يزيد من حدته الفراغ السياسي، والإرادات الدولية التي تتعارض مع طموحات القبائل، والأذرع الخارجية، هل ستتمكن طالبان من إدارة هذه الصراعات وتخطيها لبناء الدولة؟
لدينا الآن عدة ملايين من خريجي التعليم الاحتلالي، يشكلون طبقة شبه قائمة بذاتها ومرتبطة بالاحتلال ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا. ولم يكد يذكر أحد أن الصراع الأساسي في أفغانستان ليس صراع القبائل والقوميات والمذاهب، وقد يدهش البعض أن يعلموا بقدرة الأفغان على تخطى تلك المشكلات بسهولة نسبية.
ويعلم الاحتلال إن لحركة طالبان قدرة استثنائية على الاتصال بالقبائل وحل مشاكلها واكتساب تأييدها. فكانت القبائل هي سندهم الأكبر في أسقاط حكم (رباني) وحكومة المجاهدين التي شكلتها السعودية بيد مدير مخابراتها تركي الفيصل (ودفتر شيكاته) كما قال ذات يوم. وكذلك هزيمة الاحتلال الأمريكي ومن قبله السوفيتي. فالقبائل هي القوة الأفغانية الرادعة.
الخلاصة هي أن الصراع الأخطر في أفغانستان سيكون بين الإسلام التقليدي وثقافته الضاربة في جذور المجتمع الأفغاني (بجميع قومياته ومذاهبه)، وبين (الطبقة الجديدة) المميزة اقتصاديًا، وثقافتها الغربية، والأقرب نفسياً إلى الحركة التبشيرية. وبينهم من ارتدوا إلى المسيحية جهراً واحتفلت بهم الدوائر الغربية علناً. بدون أرقام محددة لأن نشاط التنصر كان سريًا.
وقادت حركة التنصير السيدة اللبنانية (رولا غنى) / الرئيس الواقعي لأفغانستان/ وهي زوجة أشرف غنى الرئيس الرسمي. “رولا” هي الرجل الأول للموساد في أفغانستان قبل اختفائها الغامض مع دخول طالبان إلى كابل، وربما قبله بقليل.
الطبقة الجديدة أعلنت عن نفسها بشكل درامي في مطار كابول، بهدف الفرار على متن الطائرات الأمريكية التي تحمل قوات ومدنيين غربيين وجواسيس أفغان. فتعلقوا بأذيال الطائرات وعجلاتها. ليس خوفا من طالبان، الذين لم يمسوهم بأذى حتى ذلك الوقت. ولكن الطبقة الجديدة (من المتغربين الأفغان) لم يتصوروا حياتهم بدون الاحتلال الذي خلقهم كطبقة، ورباهم ورزقهم من الدولارات، وأنشأ لهم ” المجتمع المدني” وهي تجمعات من هؤلاء المتغربين هدفها صياغة قوالب اجتماعية جديدة موالية للاحتلال وبعيدة عن الإسلام، وتكون بديلا عن الهياكل القبلية عميقة الجذور ثابتة التقاليد المندمجة بالإسلام. ومع ذلك فبعيدا عن القشور الحديثة داخل المدن ـ فلا وجود لهذا المجتمع المدني المُزَوَّرـ بل يوجد فقط المجتمع القبلي.
ونشير هنا إلى أن الطبقة الجديدة من المتغربين كانوا الأداة المحلية الأساسية للاحتلال، في الإدارة كما في القمع العسكري والأمني. فمنهم كبار ضباط الجيش والاستخبارات. وبعضهم انضم إلى تشكيلات الجيش السري الأمريكي في أفغانستان، ومجموعات التخريب والاغتيال التي دربها وأدارها ضباط من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
من المتوقع أن يكون للمتغربين الأفغان دور كبير في أحداث مستقبلية. بعضها خارج أفغانستان خاصة في منطقة الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، باعتبار تدريبهم وخبراتهم القتالية خلال فترة الاحتلال، وارتباط الكثير منهم بشكل ثابت بأجهزة استخبارات تلك البلاد. والكثير منهم سيعاد تصديرهم مرة أخرى إلى أفغانستان. على خطى سياسة أمريكا مع مجاهدي خلق في إيران. والمعتقد أن بعضهم يعمل بالفعل ضد إيران بإشراف إسرائيل والخليج.
سؤال: إذن هو صراع القبائل ضد المتغربين؟
هناك مشاكل قبلية ـ كبيرة وصغيرة ـ ولكن حلها دوما في حدود الإمكان على يد علماء الدين وكبراء القوم، وشباب المجاهدين. أي بواسطة حركة طالبان، فهؤلاء هم مكوناتها.
المشكلة التي تواجه تمرد المتغربين هي عدم وجود أرضية لهم لا في القبيلة ولا في الفهم المشترك للدين، ولا في احترام التقاليد التي تحتم الاستماع إلى كبار السن والعلماء، وتقدير المجاهدين أبناء القبائل.
لهذا فإن أفراد تلك الطبقة لن يقاتلوا ضد نظام طالبان ضمن الأطر القبلية، فقد أثبتوا فشلا في خداع قبائلهم كما حدث في بنشير مع أحمد مسعود، وحدث مع أبناء دووستم في الشمال، وهم من الأوزبك. وحدث مع ابن عطا محمد من الطاجيك. وغيرهم من البشتون أيضاً.
طبقة المتغربين ستقاتل ضمن الأطر التنظيمية للمجموعات السرية التي أنشأتها مخابرات الاحتلال الأمريكي/ الإسرائيلي، أي المجموعات التي من أهدافها تأليب القبائل على بعضها البعض، وضرب السنة والشيعة ببعضهما، ثم القول بأنها حرب أهلية قبلية ومذهبية، لتفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية، فيتحقق وعد “بايدن” “بـأفغانستان غير موحدة يسودها الخراب والتخلف الاقتصادي”.
يلاحظ أن الدواعش الذين استقدمتهم تركيا يعملون ضمن ذات الأطر ولنفس الأهداف.
سؤال: ماذا عن العلاقة بين القبائل والدولة؟
العلاقة بين القبائل والدولة هي من المعضلات في أفغانستان، وما حولها من دول.
فالقبائل في وسط آسيا ـ تحطمت أو ضعفت كثيرا ـ عندما نمت الدول المحيطة بها وتحولت إلى إمبراطوريات قوية. وعانت القبائل الأفغانية من نفس المأساة، إذ وقعت بين إمبراطوريتين قويتين هما روسيا القيصرية (ثم الماركسية) في الشمال، والإمبراطورية البريطانية (ثم الأمريكية) في الجنوب. القبائل الأفغانية تماسكت إلى حد كبير قياساً إلى باقي القبائل في شمالها، أو البشتون في جنوبها الذين ضم الإنجليز أراضيهم إلى الهند (باكستان حاليا). فقد أدركت قبائل أفغانستان أن بقاءها مرهون بوحدتها.
لهذا لم يطحنهم هجوم الروس، ولم تطحنهم الحملة الأمريكية. العلاقة بين (التنظيمات الجهادية) والقبائل كانت تجمع بين الصراع والتعاون. وأدت أحياناً إلى دمار كبير للطرفين. فتجارب القبائل اختلفت باختلاف قدرات التنظيمات الجهادية، في حماقتها أو حكمتها. وفى النهاية انتصروا معاً على السوفييت رغم اختلاف النتائج من قبيلة إلى أخرى. وحدث هذا أيضاً في الجهاد ضد الأمريكان. فكانت القبلية هي الحاضنة الوحيدة للجهاد، بعكس حالة الجهاد ضد السوفييت الذي كثرت فيه التدخلات الخارجية.
الواقع أن تجربة القبائل مع الإمارة الإسلامية الأولى {1996 ـ 2001} كانت تجربة فريدة لم يهتم بها أحد. وأظنها ستكون منطلقاً للتجربة القادمة بين القبائل وإمارتهم العائدة من جديد. والتي كانت تمازجا بين القبلية القوية، وبين مشروع الدولة المبتدئة (الإمارة الأولى)، فنتج عنهما كيانا وقف صلباً أمام تسلل العدوان من الخارج إلى الداخل. ولولا الحرب العالمية التي شنتها أمريكا عليهم، لتطورت التجربة لتنتج نموذجًا إنسانياً فريداً (للدولة الجامعة للقبائل) أو القبائل المتكتلة حول مشروعها الخاص للدولة.
والذي لاحظ تلك التجربة عن قرب يدرك أن الإمارة ستواصل تجربتها السابقة، ولن يكون هناك فراغ سياسي، أو معاناة من ضعف أجهزة الدولة ـ وأجهزتها السيادية في الدفاع والأمن ـ حيث يمكن للقبلية سد الثغرات بدون أزمات وبأقل قدر من التكاليف المالية أو الخبرات الإدارية المستوردة من مجتمعات غير قبلية. كما فعلت/ بدون نجاح يذكر/ دولة الشيوعين الروس، ثم دولة المحتلين الأمريكيين.
لا نتحدث عن مجتمع ملائكي أو خالٍ من المشكلات والاختراقات والأحقاد والمنافسة التي تستقوى بالقبلية أو بالمذهب. سيكون كل ذلك، ولكن في حدود الاحتمال والقابلية للحل. لكن التدخلات الخارجية تجعل الأثمان المدفوعة من أجل الاستقرار أكثر فداحة.
تنزيل ملف المقابلة PDF (اضغط هنا)
سؤال: ما هي ملامح هذه التجربة أي تجربة القبائل مع الإمارة الإسلامية الأولى؟
مثلًا، ربما تجرى قبيلة معينة شورى منفصلة، لبحث مشكلة مع الإمارة أو مسؤوليها التنفيذيين، وتسفر الشورى عن موقف موحد، يذهب به وفد من القبيلة لمفاوضة الإمارة حوله والتوصل معها إلى قرار. ولم يحدث لمرة واحدة أن تدخلت الإمارة للتأثير على قرارات شورى القبائل.
كما لم يحدث أن أدى خلاف معها إلى صدام مسلح. إلا إذا كان قرار القبيلة مخالف لمصلحة باقي القبائل مثل المساس بوحدة الدولة. أو تجاوز القبيلة على أحد الأحكام الشرعية في مسائل مثل قطع الطريق أو القتل أو حقوق المرأة.
وحدث أن منعت قبيلة كبرى قوات طالبان من المرور بأراضيها، لوقوع تجاوزات بحق بعض قادة المجاهدين في القبيلة. تشاورت القبيلة عدة أيام حتى استقر الأمر على مقترحات قبلتها الامارة وانتهت المشكلة وفتحوا الطريق.
هناك اتفاق ثابت بين الامارة والقبائل على عدم إيواء المجرمين أو المحكومين بأحكام شرعية في القصاص أو السرقة. وتعهدت القبائل بمساندة الإمارة في إجبار القبيلة المخالفة على الانصياع، ولو باستخدام القوة ضدها. وكان لذلك أثراً هائلا في إقرار الأمن في مناطق لم تكن تعرف معنى الأمان.
من ضمن الاتفاقات كان تطبيق قرارات المحاكم الشرعية بالنسبة للتجاوزات على الحقوق الشرعية للنساء في الميراث والزواج والملكية وغيرها. وذلك لأول مرة في معظم المناطق القبلية التي تمكنت النساء فيها من الاستعانة بالقضاء. فإن الإمارة ـ والقبائل ـ وقفت جميعًا خلف تحقيق العدالة لهن طبقا لأحكام القضاء الشرعي.
كما أن القبائل تحمل الإمارة فوق الأكتاف، إذ لم يكن لدى الامارة في فترة حكمها الأولى القدرة على دفع رواتب لموظفيها، كباراً وصغاراً. فكانت القبائل تتكفل بالإسناد المالي لأبنائها المتطوعين للعمل المجاني مع الإمارة في أي مجال كان باعتبار ذلك واجب ديني.
أهم مظاهر الدعم القبلي كان إمداد الإمارة بالمقاتلين بأسلحتهم الفردية ورواتبهم. وكل قرية ترسل عددًا من أبنائها للقتال إلى جانب الإمارة التي كانت تتكفل بنقلهم وإطعامهم وإمدادهم بالذخائر والأسلحة الثقيلة. فلم تكن هناك رواتب ثابتة ولا تجنيد إجباري.
كما قبلت القبائل قرار العلماء بعدم توزيع الغنائم على المقاتلين وتركها للإمارة حتى تتمكن من إدارة الحرب وشؤون الدولة. وذلك أمر عسير جدًا على رجال القبائل، ولكنها الطاعة لأوامر الشريعة عندما تأتي من قنواتها المعترف بها، خاصة من منصب مثل (أمير المؤمنين) الذي يحظى برهبة واحترام.
سؤال: ماذا عن بقايا الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، من شخصيات سياسية وازنة وقبائل كانت موالية، ورأسماليين أفغانيين بالإضافة إلى المجتمع المدني، إلى أي مدى يمكن أن يؤثر هؤلاء على التعاطي السياسي لطالبان وكيف ستتعاطى طالبان معهم؟
تحدثنا أن كل ما يتعلق بالقبائل، سوف يظل ضمن قوانين التعامل القبلي وتحت السيطرة، خاصة إذا اعتمدت أكثرية القبائل صيغة التعاون السلمي تحت راية الإسلام والأعراف القبلية الراسخة. أما السياسيون والرأسماليون، فسيظل هؤلاء يعملون عبر الحدود بإرسال الأموال واستئجار عناصر مقاتلة. سيكون ذلك مقلقاً للاستقرار، ولكن في نطاق جغرافي محدود ولفترات مؤقتة.
سؤال: ماذا عن الملايين من المتغربين الذين تحدثت عنهم؟
المتغربون هم من تلقوا تعليمًا في مدارس الغرب أو عادوا يحملون جنسيات الدول الغربية التي هاجروا إليها سابقًا، إضافة إلى الذين تنصروا، والذين عملوا في الهيئات الغربية من سفارات وشركات وهيئات إغاثية، أو عملوا في الإعلام الحكومي، أو قدموا خدمات لجيوش الاحتلال. وأخطرهم من عملوا كجواسيس من المستوى الحقير، أو انضموا إلى الميليشيات رفيعة المستوى تعليميًا وتدريبيًا، التي أسسها الموساد والمخابرات الأمريكية.
بعض التقديرات تقول إن تعداد تلك الطبقة المتغربة المرتبطة بالاحتلال اقتصاديًا وثقافيًا يتراوح بين 2 إلى 4 مليون شخص. لكن من حمل السلاح وقاتل من بين هؤلاء المثقفين المتغربين قد يصل إلى نصف مليون خلال عشرين عامًا من الاحتلال. وأكثر الباقين سواء بقوا في أفغانستان أو غادروها ليس لديهم دافع يكفي لحمل السلاح والتعرض للقتل.
أما عن المجرمين العاديين، ومن عملوا في أجهزة الميليشيات الحكومية والقبَليَّة فأعدادهم أكبر بكثير ويمكن أن يعودوا إلى حمل السلاح إذا تلقوا عائدا ماليا مناسباً، وقدر أقل من المخاطر.
سؤال: ماذا عن دور داعش؟
لتحفيز عملاء الاحتلال على القتال (سواء متغربين أو ميلشيات سابقين أو جواسيس) كانت أمريكا ترسل لهم عناصر خارجية منظمة لإشعال مناطق هامة (بدأت من جلال آباد شرق البلاد). ولأجل المعنويات يكون للدواعش العقائديين أهمية خاصة. وهؤلاء انقرضوا تقريبا، فأصبح اسم داعش يمنح كوسام إجرامي لنوعين من المقاتلين: نوع قادم من باكستان، خاصة معسكر شمشتو التابع للزعيم الإسلامي الإخواني قلب الدين حكمتيار، الذي كان ضمن جماعة صغيرة خاصة، تدير الدواعش من كابل. ونوع آخر من الدواعش تحضره الطائرات التركية من سوريا وتركيا، وتهبط بهم في باكستان أو أوزبكستان. وكانت تهبط بهم في مطار جلال آباد شرق أفغانستان قبل رحيل الأمريكان عنها. بل كان للدواعش إذاعة تعمل من داخل القاعدة الجوية الأمريكية في المطار، تحت اسم “صوت الشريعة”.
سؤال: في أغسطس آب الماضي صرح قائد في حركة طالبان بأنه “من السابق لأوانه التحدث عن كيفية تولي الحركة الحكم في أفغانستان”، هل ثمة رؤية ومنطلقات فكرية (شرعية أو مدنية) واضحة في صنع القرارات السياسية؟
هناك بالطبع رؤية ومنطلقات شرعية وأخرى مدنية لصنع القرار داخل حركة طالبان. وتحديدًا داخل الإمارة الإسلامية وهي تمارس الحكم.
من واقع تجربها الأولى {1996 ـ 2001} التزمت الإمارة بمبدأ الشورى، داخل مجلس الشورى القيادي، والمكون من12 ـ 15 عضو من المؤسسين وجميعهم من قدامى المجاهدين، ومعظمهم أصيب في الحرب السوفيتية إصابات جسيمة.
وفى حالة وقوع أحداث خطيرة في منطقة أو ولاية معينة، تُلزِم الإمارة نفسها بالتشاور مع القبائل المعنية ـ وبغير ذلك قد لا تكون أي قرارات ملزمة لهم. فمن أساسيات العلاقة بين الإمارة والقبائل هو الالتزام بالشورى فى المسائل الهامة.
إذا كانت المشكلة كبيرة ـ على مستوى عدة ولايات أو حتى الدولة كلها ـ تتسع قاعدة الشورى حسب اتساع القضية موضع التشاور.
على سبيل المثال: عند فتح كابل وهروب الأمريكيين، عقد قائد الإمارة مولوي هبة الله “أمير المؤمنين”، جلسة شورى موسعة في قندهار، ضمت مئات من قادة القبائل والقادة العسكريين الميدانيين. وكانت القضايا المطروحة على أعلى درجات الأهمية ـ ولم تكن مقصوره على تشكيل الحكومة. فتلك نتيجة ثانوية لمشاورات أوسع، شملت جوهر النظام وطريقة الحكم، والشورى، وتشكيل الحكومة، والعلاقات الخارجية المعقدة والمتضادة، وضغوط معسكر الاحتلال بقيادة أمريكا وأتباعها في أوروبا وتركيا ودول الخليج وباكستان، والموقف من معضلة الاقتصاد، وطريق الحرير والعلاقات مع الصين وإيران، والموقف من الطبقة المتغربة، ومن الإدارة القديمة وقياداتها ومسألة العفو عنهم أو محاسبتهم.. الخ.
حتى جاء تشكيل الحكومة بخلاصة آراء متعارضة بين مبدأ التقاسم بين القوميات والمناطق والقبائل، وبين مبدأ الالتزام بالخدمة الدينية والاجتماعية وليس تقاسم المناصب في الحكومة.
في هذا الطيف الواسع من المشكلات الشائكة ـ والطيف الواسع من المشاورين لا تكون المشورة سهلة ولا سريعة. لهذا ما زالت مستمرة، وبعض القضايا معلقة. لهذا أطلق مولوي هبة الله عليها حكومة مؤقته. حيث لابد من وجود حكومة رغم عدم الاتفاق الكامل على جميع القضايا.
ومن الطبيعي أن الكثير من القضايا سيتم اعتماد حلول لها بأغلبية الأصوات وليس بالإجماع. لهذا قد تتعدد التصريحات بالنسبة للموضوع الواحد. والاعتبار يكون للتصريح الرسمي وليس التصريح الشخصي، حتى لو صدر عن شخص مسؤول في الحكومة.
ومن القضايا المطروحة إنشاء مؤسسات لنظام الحكم وتحديد علاقاتها ببعضها، وكيفية اختيار أعضاء الشورى، وكيفية اختيار الحاكم (أمير المؤمنين) طبقا لضوابط تمنع توارث المنصب، ولا تؤدى إلى صراعات، وتمنع النفوذ الأجنبي.
سؤال: قال المتحدث باسم حركة طالبان، سهيل شاهين، إن الحركة تجري محادثات بهدف تشكيل حكومة شاملة ومنفتحة في أفغانستان. ماذا يقصد بالشاملة والمنفتحة؟ وهل تستطيع طالبان إدارة حكومة تعددية؟
بالنسبة للسيد سهيل شاهين، كان ناطقًا رسميًا للمكتب السياسي للإمارة المقيم في الدوحة. وله الكثير من الآراء والتصريحات المثيرة للجدل والدهشة. ومن الأفضل دوما التغاضي عن معظمها لعدم تأثيرها على سياقات العمل السياسي أو العسكري للإمارة. فهو يخاطب في الأساس الرأي الرسمي للحكومة القطرية، ولإثارة إعجاب الإعلام الدولي.
الرأي الثابت للإمارة هو أن حركة طالبان هي الممثل الواقعي والشرعي لشعبها طوال 20 عامًا من الجهاد. وفيها اندمجت كافة القبائل والمذاهب، من السنة والشيعة ـ وحتى مواطنين من السيخ تعاونوا مع المجاهدين.
سؤال: أين ستقف طالبان من تجاذبات روسيا والصين اللتين تملكان مصالح متوافقة أحيانًا ومتضاربة أحيانًا في أفغانستان، ومن المعروف أيضًا أن لدى إيران والهند وباكستان نفوذ على الجبهات الأفغانية، ومن المتوقع أن تدخل تركيا أيضًا، ولكل منهم آليات ووسائل للتأثير على سير الأوضاع في هذا البلد؟
روسيا والصين، من الدول الهامة جدًا والمؤثرة في المنطقة. وقد تحركت الصين بقوة وجرأة صوب أفغانستان (الإمارة الإسلامية)، وفى اتجاه إيران (الجمهورية الإسلامية)، في ظروف حرجة ومخاطر تفرضها أمريكا على الجميع.
وفى نفس الوقت يجرى تقارب كبير بين (الإمارة) السنية ـ و(الجمهورية) الشيعة ـ فأثار ذلك رعب الروس وتخيلوا اجتياحا إسلاميا لآسيا الوسطى بنوع جديد من الإسلام يتخطى معضلات خلقها الغرب على مدى قرون.
فتكوَّن اتحاد مضاد للإمارة، حركته إسرائيل، وجمعت فيه الروس والأتراك لمقاومة زحف إسلامي تخيلوه قادمًا من أفغانستان تجاه آسيا الوسطى.
ذلك الاتحاد يمتد إلى الشرق الأوسط ـ خاصة سوريا وفلسطين ـ روسيا تبدو فيه الطرف الأضعف لعدة أسباب منها قدرة إسرائيل على (تدميرها) في سوق الطاقة، بعد أن استحوذت على مشيخات الخليج ومواردها للطاقة، بما سيجعلها المُصَدِّر الأول للغاز في العالم عبر ميناء حيفا. وابتلعت جزءً كبيراً من غاز شرق المتوسط على حساب مصر وقبرص واليونان وربما ليبيا أيضا.
روسيا ستوقع نفسها في ورطة تاريخية إذا أشعلت صراعًا مع المسلمين، وتعاونت مع إسرائيل في مشاريع اغتصاب الأنهار الإسلامية في آسيا الوسطى (سيحون وجيحون) وصولا إلى نهر النيل. وتُعَوِّل إسرائيل عليها في تمرير خط أنابيب السلام الذي ينقل مياه سيحون وجيحون، ونقلها من تركيا عبر سوريا إلى إسرائيل. وحراسة منابع مياه النهرين لصالح إسرائيل في آسيا الوسطى، على حساب نصيب أفغانستان من المياه.
إيران لا مشكلة لديها مع الإمارة الإسلامية، فهي في نفس الجبهة مع الأفغان والصين.
تركيا لها تأثير خطير في أفغانستان خاصة في تحريك قوى الانفصال لدى الأوزبك الأفغان، مع سهولة حركتها في جمهوريات آسيا الوسطى بالاتفاق مع موسكو وبوساطة أمريكية وإسرائيلية. وتركيا قادرة على جلب الدواعش إلى أفغانستان بما فيهم الدواعش الإيجور.
الهند لها نفوذ أضعفه رحيل الاحتلال الأمريكي، والافتقار إلى اتصال أرضي مع أفغانستان. وهي تبذل مجهود لترتيب أوراقها من جديد مع الطالبان. بينما روسيا تجتهد في حرق أوراقها معهم بسفه بالغ.
أما باكستان فهي أشد الأخطار وأقرب الأضرار على أفغانستان وإمارتها الإسلامية. ليس الآن فقط بل منذ استيلاء طالبان على كابل عام 1996. وقد يكون ذلك مفاجئا لكثيرين، نظراً لشيوع الأكاذيب الأمريكية /الباكستانية.
فالباكستانيون خائفون من عودة الإمارة الإسلامية ونموذجها الإسلامي غير الأمريكي. لهذا نفذوا بمشورة الإسرائيليين بناء سياج حديدي مزدوج على حدودهم مع أفغانستان وإيران.
إنهم في إسلام آباد خائفون، على قدر الخوف الموجود في موسكو من طالبان.
تريد أمريكا احتلال أفغانستان بالاقتصاد بديلا عن الجيوش. اعتمادًا على عدم وجود اقتصاد يقوم عليه البلد، وحاجتها الدائمة إلى معونات خارجية.
الفشل الاقتصادي أهم أدوات أمريكا لإفشال تجربة طالبان والإمارة الإسلامية. وضمان مبدأ (بايدن) بعدم السماح لأفغانستان بالاتحاد أو بناء نفسها. كما أعدت لها برامج للحروب الداخلية والحركات الانفصالية.
ناهيك عن حاجة أفغانستان العاجلة إلى طعام، فهي على وشك المجاعة التي رتبها الأمريكان لتبدأ مع خروجهم من البلد، وتنفجر مع فصل الشتاء. وتدعم ذلك بمقاطعة دولية وتجميد أرصدة أفغانستان في الخارج، مع حملة عداء دولية لتشويه السمعة وإثارة الشكوك وعزل طالبان وكأنهم وباء أو خطر داهم يهدد العالم.
وتتوقع أمريكا أن الاحتلال بالاقتصاد لن يقابله جهاد مسلح، وسيقود إلى التفكك والتقسيم. أي احتلال أبدى لأفغانستان وتحويلها إلى ساحة دائمة للفوضى والبؤس وزراعة الأفيون، ومستقراً ثابتاً للمخابرات الأمريكية / الإسرائيلية، للقفز منها والعبث بالأمن داخل إيران والصين.
طالبان بدأت بالفعل في تفجير قنبلة إستراتيجية كبرى في المنطقة بالانضمام إلى مبادرة الصين لبناء طريق الحرير الجديد (مبادرة حزام واحد وطريق واحد). يربط بالطرق البرية وسكك الحديد وخطوط نقل الطاقة، والمشاريع الاقتصادية بين الدول الثلاث أفغانستان وإيران والصين.
وهو ليس مجرد طريق، بل زلزال جيواستراتيجى في المنطقة والعالم. يترتب عليه تغيير كامل في مكانة أفغانستان الجيوسياسية، ومَعْلَم غاية الأهمية لنظام عالمي قادم. تحارب أمريكا وعالمها كله من أجل منع قيامه.
تنزيل ملف المقابلة PDF (اضغط هنا)
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
– مافا السياسي ( ادب المطاريد )
المصدر:
مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير
https://ufeed.site/public_post.php?id=122059