آخر تحديث : 19/03/2021
” أخرجوا المشركين من جزيرة العرب “
أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة
أصدره بن لادن من جبال “تورا بورا” فى أفغانستان
تحميل PDF (أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة) كامل .. اضغط هنا
الفهرس :
الفصل الأول :
صدام بين مشروعين :
بن لادن : فى مشروع تحرير جزيرة العرب .
شيمون بيريز: فى مشروع الشرق الأوسط الجديد .
– أسباب إغتيال بن لادن.
– عوامل فشل مشروع بن لادن.
– حوارات وملاحظات حول بيان (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
– إقتراحات تنظيمية أعقبت البيان .
الفصل الثانى :
الجهاد : الغاية .. الإستراتيجية .
قضايا عملية وجوهرية أخرى .
– تحرير المقدسات الإسلامية غاية جهادية جامعة للمسلمين .
– لماذا لم ننجح فى الإستفادة من تجاربنا الإسلامية الكبرى ؟؟ .
– حركة جهادية فى سبيل من ؟؟.. ولماذا ؟؟.
الفصل الثالث :
توحيد الهدف الشرعى للجهاد .
وتوحيد الإستراتيجيات نحو تحرير المقدسات .
– أولا ـ مجهود دعوى موجه للمسلمين.
– ثانيا ـ العمل السياسى فى المرحلة الأولى.
– ثالثا ـ الإستراتيجية العسكرية للمرحلة الأولى .
– تطورات هامة فى الحروب الإستعمارية ضد الشعوب .
التطور الأهم : حرب تديرها أجهزة المخابرات. ص
سمات التطور فى أساليب الحرب كما تديرها المخابرات:
— التطور الأول ـ الطائرات بدون طيار .
— التطورالثانى ـ المخابرات تقاتل بالمرتزقة .
— التطورالثالث ـ الإغتيال نشاط أساسي فى مقاومة حروب العصابات .
— التطورالرابع ـ فرق الموت قوة ملازمة لحرب الإستخبارات .
— التطورالخامس ـ صدمة الرؤية الليلية .
— التطور السادس ــ صدمة التنصت والرصد والمتابعة والإنقضاض.
الفصل الرابع :
طالبان كيف واجهوا تحديات حرب الإستخبارات ضد الحركة الجهادية ؟؟ .
– الفشل فى وضع استراتيجية عربية للجهاد .
– كيف عثر المجاهدون الأفغان على استراتيجية للحرب ضد السوفييت ؟؟ .
– كيف عثر مجاهدو طالبان على إستراتيجية للحرب ضد الامريكيين؟؟ .
أساليب مواجهة طالبان لتحديات الطيران والحصار الإستراتيجى ؟؟ :
1ـ التسلل كبديل عن الإقتحام .
2ـ إستيطان المدن كبديل عن حصارها .
3ـ القوات الخاصة كبديل عن القوات كبيرة العدد .
4 ـ جهاز الدعوة والإرشاد .
5ـ قوات التوابين .
6ـ التطوير التكنولوجى.
– السيادة الوطنية والسيادة الإسلامية.
– الجندى المسلم يقاتل تحت راية العدو الصائل.
الفصل الخامس :
نص بيان أسامة بن لادن: [ أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ] .
بقلم : مصطفي حامد (ابوالوليد المصري)
الفصل الأول
صدام بين مشروعين :
بن لادن ــ فى مشروع تحرير جزيرة العرب .
شيمون بيريز ــ فى مشروع الشرق الأوسط الجديد .
أهم بيان أصدره أسامة بن لادن فى حياته الجهادية الحافلة والعاصفة ، رغم قصر مدتها . بيان بعنوان”أخرجوا المشركين من جزيرة العرب”. وصفه بن لادن فى السطر الأول بأنه “رسالة من أسامة محمد بن لادن إلى إخوانه المسلمين فى العالم كافة وجزيرة العرب خاصة ” .
ولعله أحد أهم البيانات التى صدرت عن الحركة الجهادية الحديثة ، أو أنه أهمها على الإطلاق، فهو البيان الذى قتل صاحبه . بمعنى أن إغتيال بن لادن (أو إختطافه) فى أول مايو2011 كان بسبب ذلك البيان أكثر من كونه”عقابا” على ما قام به من أعمال ضد الولايات المتحدة ، وهى :
– عملية ضرب سفاراتى أمريكا فى نيروبى ودار السلام 1998 .
– عملية ضرب السفينة العسكرية الأمريكية ( يو إس إس كول) فى مياه عدن (2000).
– عملية منهاتن ضد مبنى التجارة العالمى (2001).
– الملفت فى البيان أنه لم يقتصر كما جرت عادة بيانات الجماعات السلفية ، بأن تؤكد كفر الحاكم لعدم تطبيقه الشريعة . ولكن البيان توسع فى شرح المخالفات الشرعية وفساد سياسة النظام فى مختلف الشئون الإقتصادية ، وحالة الإعلام المكرسة لعبادة الفرد ، وحالة الجيش وما كشفته أزمة الخليج من ضعفه (وقلة أفراده وعجز قواده، رغم ما أنفق على الجيش من أرقام فلكية لا تعقل !! ولا تخفى)،كما جاء فى البيان.
ثم سياسة القمع الأمنى وإستيراد كبار المجرمين من دول عربية كمشاورين أمنيين للوزير الداخلية الأمير نايف . ثم يتساءل البيان (هل يريد النظام أن يضرب الشعب من المدنيين والعسكريين بعضهم ببعض كما حصلت فى بلدان مجاورة ؟؟) .
– أهم النقاط فى البيان هى التحديد الدقيق للعدو الذى يواجه الأمة الإسلامية وهو التحالف الأمريكى الإسرائيلى . ثم يحدد أخطر الضربات وأكثرها إيلاما والتى وجهها ذلك العدو للمسلمين وهى { إحتلال بلاد الحرمين” عقر دار الإسلام ومهبط الوحى ومنبع الرسالة. وبها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين ـ وذلك من قبل جيوش النصارى من الأمريكيين وحلفائهم}.
ثم يدعم بن لادن موقفه من وحده المسلمين بالأدلة الشرعية المتوفرة بين يديه فيقول:
{الصواب فى مثل الحالة التى نعيشها هو كما قرره أهل العلم، ومن ذلك ماذكره شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله، وهو تكاتف جميع أهل الإسلام للعمل على دفع الكفر الأكبر الذى يسيطر على بلاد العالم الاسلامى، مع تحمل الضرر الأدنى فى سبيل دفع الضرر الأكبر ألا وهو الكفر الأكبر ، وإذا تزاحمت الواجبات قدم آكدها . ولا يخفى أن دفع هذا العدو الأمريكى المحتل هو أوجب الواجبات بعد الإيمان ، فلا يقدم عليه شئ كما قرر ذلك أهل العلم } .
أسباب إغتيال بن لادن :
1 ـ قَوْلُه بوحدة الأمة
2 ـ لإفساح الطريق للحركة الداعشية
3 ـ لإبعاد تأثيره عن الربيع العربى.
4 ـ لإستفراد عقيدة بيريز بالحركة الإسلامية.
5 ـ لتصعيد قيادات إسلامية بلا تاريخ ولا مؤهلات.
إلتزم بن لادن فى بيانه بمخاطبة الأمة الإسلامية كوحدة واحدة ، على عكس ما هو شائع حاليا من خطاب طائفى إستئصالى . فبظهور إصطلاح” أهل السنة والجماعة” كمصطلح سياسى بديلا عن الإسلام كدين ، وكتعبير وحيد عن الإسلام ، إنحصر فهم ونشاط الحركة الإسلامية ـ فيما بعد بن لادن ـ على موضوع الفتنة الطائفية والقتال الداخلى قبل كل شئ . إصطلاح” أهل السنة والجماعة” لم يستخدمه بن لادن فى بيانه هذا ولا مرة واحدة. فقد إستخدم إصطلاح” الأمة” أو أنه خاطب “إخوانه المسلمين” فى العالم كافة . فلم يكن طائفياً ، ناهيك أن يكون إستئصالياً.
– بيان (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) كان مشروعاً جهادياً خطيرالأثر، لو أن بن لادن أحسن قيادته . ولكن وكما سنرى فإن البيان حمل عوامل الفشل والسقوط حتى قبل إطلاق أول رصاصة.
– صدر بيان (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) عام 1996، أى بعد ثلاث سنوات من إطلاق شيمون بيريز ـ رئيس وزراء إسرائيل ـ لمشروعه”الشرق الأوسط الجديد”عام 1993 ـ الذى هو أخطر المشاريع التى ضربت المسلمين ، بعد إحتلال اليهود لفلسطين والقدس.
لن نقارن “بيان بن لادن” مع كتاب شيمون بيريز، من حيث عمق الإعداد ودقته. حيث بيريز يحكم دولة مسنودة بأكبر القوى فى العالم . والأغلب أن مراكز الأبحاث اليهودية التى هى التى أعدت المشروع الذى وضع بيريز إسمه عليه .
ليس ذلك ما يعنينا ، ولكن الأهم هو ملاحظة الآتى :
1 ـ الصدام جوهرى بين المشروع الإسلامى الذى يحملة بيان بن لادن، والمشروع اليهودى الذى يحمله كتاب” الشرق الأوسط الجديد” لشمعون بيريز.
فبينما بن لادن يرى المسلمين كتلة واحده فى العالم . يراهم بيريز كتلتين متناقضين متصارعتين حتى الموت ، وهما كتلة “سنية” وكتلة أخرى “شيعية” .
2 ـ “بيريز” يرى فى الكتلة السنية حليفاً عسكرياً لإسرائيل فى صراعها مع الشيعة وإيران . وبن لادن يرى المسلمين أمة واحدة تعمل ضد التحالف الأمريكى الصهيونى .
3 ـ يرى بيريز مجالات عظمى “للتعاون” بين إسرائيل والعرب”السنة” بأن يعطيه العرب أموالهم ، لتقوم إسرائيل بإستثمارها فى مشاريع تديرها لتقيم دولة يهودية عظمى تحكم العالم.
ويرى بن لادن أن المسلمين ـ كأمة واحدة ـ عليهم الجهاد بالنفس والمال لطرد أمريكا وإسرائيل من بلاد الحرمين الشريفين ، ومن فلسطين وتحرير المقدسات الإسلامية.
– لهذه الأسباب تحتم على الأعداء التخلص من بن لادن ، وإخلاء الساحة منه بالقتل (أو الإختطاف) لأن وجوده سيشكل عقبة صعبة جدا أمام مشروع الصهيونى للشرق الأوسط .
على رأس المستفيدين من إقصاء بن لادن يجئ الإخوان المسلمين. وذلك واضح فى مسار الأحداث منذ صدور المشروعين: الإسلامى لأسامة بن لادن، والصهيونى لشمعون بيريز. فبعد بيريز وقبل بن لادن، جاء إجتماع التنظيم العالمى للإخوان المسلمين فى عَمَّان لإطلاق مشروع “تحرير إيران”وإدخال أهلها إلى المذهب السنى.
وهو تطبيق أساسي لمشروع بيريز، تتابعت بعده مشاريع كثيرة ليس فقط من الإخوان بل من جماعات كثيرة تبنت “المذهبية المتوحشة” كبديل عن الإسلام الذى جاء رحمة للعالمين . وعلى القمة يأتى بلا جدال تنظيم داعش الذى حظى بدعم (اليهود والنصارى). وأيضا الإخوان المسلمين الذين أداروا أعماله فى أفغانستان ضد المجاهدين والشعب الأفغانى بتوجيه الزعيم الإخوانى حكمتيار . وعملوا على إستخدامه فى سوريا ضمن منظومة غزو سوريا لصالح مشروع بيريز لعبور سوريا وربط إسرائيل مع تركيا بخطوط أنابيب وطرق سريعة.
بن لادن دعم الزرقاوى عند ظهوره فى العراق . بناء على معرفة سابقة فى أفغانستان لم تكن عميقة ، ولكن كافية لتصور وجود أرضية مشتركة من فهم الإسلام كدين للرحمة ، وأمة الإسلام كأمة واحدة كالبنيان المرصوص . فلما تبين له حقيقة التيارالجديد المتلبس(بالسلفية الجهادية) والذى أغرق فى (الوحشية المذهبية) سحب تأييده للزرقاوى . ولم ينساق بن لادن المُحاصَر فى(آبوت آباد) فى باكستان لإغراء التيار الكاسح الجديد لتخريب الإسلام بالمذهبية المتوحشة التى لا تُقَسِّم الأمة فقط ، بل تفصل بينها بأنهار من دماء وخنادق من نيران.
[[ السلفية الجهادية ، فى معظمها، تبنت إنحراف “المذهبية المتوحشة”. وبصرف النظر عمن بدأ أولا، فإن العراق تحول إلى ساحة صراع مذهبى مجنون بين المنحرفين فى السنة والشيعة، وظهور دواعش من بين الشيعة المتطرفين . وكأن الهدف لم يعد الجهاد فى سبيل الله لطرد العدو الصائل ، بل تحول إلى سباق بين فئات منزوعة العقل والوجدان، حول من سيكون الأسبق إلى تدمير الأمة المسلمة، والإبقاء على العراق محتلا ]].
– كان لابد من قتل بن لادن ، إضافة للأسباب السابقة ، لأنه تمتع بأعلى مصداقية فى الوسط الجهادى ، وبأعلى درجة من الجاذبية القيادية (كاريزما).
– ثم إنه إحتفظ بسلسلة تمويل خاصة به ، رغم أنه فقد كل أمواله، مابين أموال مُصَادَرَة فى السعودية ، وأموال سَطا عليها نظام البشير فى السودان مستغلا إبعاد بن لادن ـ بلا عودة ـ من السودان إلى أفغانستان .( يلاحظ أن المسيرة التى بدأت بإخراج بن لادن من السودان أدت إلى دخول إسرائيل ذلك البلد عبر عملائه من عسكر الجنجويد).
وجود زعيم جهادى بهذه المواصفات كان سيمنع ظهورـ أو سيشكل تحديا خطيراً ـ لظهور زعمات باهتة لا تتمتع بأى موهبة أو سابقة جهادية أو”كاريزما”، من أمثال من ظهروا مع رواج “المذهبية الدموية” وبعد إختفاء بن لادن قسريا .. بالقتل أو بالإختطاف.
– زاد من حوافز الأمريكيين حذف بن لادن من المسرح الإسلامى ، ماكشفت عنه أوراق فى مقره فى أبوت آباد ، من أنه كان ينوى أن يرمى بثقله فى أحداث الربيع العربى متصورا أنها ثورات شعبية تبحث عن حلول لمشاكل لا يمكن تحقيقها إلا بإقامة نظام إسلامى حقيقى . ولو نفذ بن لادن شيئا من ذلك لفسدت المؤامرة الأمريكية بتحويل بوادر الثورات الشعبية العربية إلى مجرد فتن طائفية تحرق العرب وتزرع الفتنة بين المسلمين إلى الأبد ، لتنجح إسرائل فى بناء “شرقها الأوسطي الجديد” على أنقاض الإسلام والوجود العربى فى المنطقة.
– إصطلاح أهل السنة والجماعة لم يعد إصطلاحاً علميا للبحث الفقهى ، بل صار شعاراً لمرحلة دشنها شيمون بيريز بدعم من جماعات إسلامية تاريخية لتفتيت الأمة ، وبذر الشقاق والفتنة والقتال فيما بينها ، لإفساح الطريق للمشاريع التى تؤسس لإمبراطورية يهودية فى كامل الوطن العربى تحت إسم “الشرق الأوسط الجديد”. وهذا مناقض ومتصادم جذريا مع تصورات بن لادن فى بيان {أخرجوا المشركين من جزيرة العرب}، وقبل ذلك متصادم مع الإسلام ورسالته.
عوامل فشل مشروع بن لادن :
بذور الفشل حملها مشروع بن لادن لإخراج المشركين من جزيرة العرب. نقطتان إحتوى عليهما نفس البيان وهما :
1 ـ الموقف من أجهزة قمع الدولة “جيش وشرطة” معتبراً إياهم جزءً من قوى الشعب .
2 ـ إستبعاد النفط من معركة تحرير جزيرة العرب .
السبب الثالث للفشل وكان تنظيميا ولم يجئ ذكره فى البيان وهو :
3 ـ الإحتفاظ بتنظيم القاعدة كأداة لتنفيذ مشروع من المفروض أنه مشروع أمة تحتوى عددا لا حصر له من أساليب وتنظيمات العمل .
وفيما يلى نستعرض دور تلك العوامل الثلاث فى إفشال مشروع بن لادن لتحرير جزيرة العرب من الإحتلال الأمريكى / الصهيونى .
الموقف من أجهزة ” قمع الدولة” :
يرى بن لادن أن عناصر أجهزة القمع لدى النظام هم جزء من أبناء الشعب المسلم، ويَنْهَى المسلمين عن الدخول فى قتال داخلى بين أبناء الأمة المسلمة .
ناسيا أن أكثر القتال ضد السوفييت والنظام الشيوعى فى أفغانستان كان ضد أجهزة الدولة من (أبناء الشعب الأفغانى) الذين دربهم ويديرهم الشيوعيون لقمع باقى الشعب وفرض الشيوعية عليه . فكيف ما كان جهادا وفريضة فى أفغانستان يتحول إلى محظور فى السعودية؟؟ ، بل ويظهر أن له نتائج وخيمة يذكرها البيان . ويعدد تلك النتائج كالتالى حسب نص البيان :
1 ـ إستنزاف الطاقات البشرية حيث أن معظم الإصابات والضحايا ستكون من أبناء الشعب المسلم .
2 ـ إستنزاف الطاقات المالية .
3 ـ تدمير البنية التحتية للدولة .
4ـ تفكك المجتمع .
5 ـ تدمير الصناعات النفطية حيث أن تواجد القوات العسكرية الصليبية والأمريكية فى دول “الخليج الإسلامى” براً وبحراً وجواً هو الخطر الأعظم والضرر الأضخم الذى يهدد أكبر إحتياطى بترولى فى العالم . { ويُلاحَظ أنه لم يصف الخليج بأنه عربى أو فارسى، بل وصفه بالخليج الإسلامى }.
6 ـ { تقسيم بلاد الحرمين وإستيلاء إسرائيل على الجزء الشمالى منها ، حيث تقسيم بلاد الحرمين يعتبر مطلباً ملحاً للتحالف اليهودى الصليبى لأن وجود دولة بهذا الحجم وهذه الطاقات تحت حكم إسلامى صحيح ـ قادم بإذن الله ـ يمثل خطورة على الكيان اليهودى فى فلسطين ، حيث أن بلاد الحرمين تمثل رمزاً لوحدة العالم الاسلامى نظرا لوجود الكعبة المشرفة قبلة المسلمين جميعا} حسب ما جاء فى البيان.
للتعليق على مخاوف تقسيم جزيرة العرب نقول :
أن هذا التردد وتلك الإزدواجية كانت من أسباب الدمار الذاتى للنداء التاريخى بإخراج المشركين من جزيرة العرب . فما كان فريضة وجهادا فى أفغانستان (ثم فى سوريا والعراق، بعد بن لادن/ من عام 2011 حتى اليوم فى 2021 / ما أن يقترب من السعودية حتى تتبدل المعايير وتنعكس.
فتقسيم بلاد الحرمين نتيجة “الجهاد المسلح ضد الغزاة المحتلين” كما يقول البيان كان خطراً ماثلا، كما كان تقسيم أفغانستان خطرا ماثلا عند الجهاد ضد السوفييت.
وبالمثل عند قيام الإمارة الإسلامية عام 1996 قام شيوعيين فى الشمال وعملاء للغرب، بمحاولة إنفصال ، قضت عليها الإمارة الإسلامية .
والآن فى جهاد الإمارة ضد الإحتلال الامريكى ، تعمل إسرائيل وتركيا ودوستم وعملاء آخرين، لفصل كامل شمال أفغانستان من أقصاه الشرقى إلى أقصاه الغربى . ومع ذلك فالقتال ضد الإحتلال (أمريكا /الناتو/ إسرائيل/ تركيا) مستمر وسوف يندثر مشروع إنفصال الشمال ، بل أن القتال ضده دائر منذ سنوات.
فلماذا السعودية ؟؟ لماذا يتوقف الجهاد حتى لا ينفصل الشمال الذى قد تأخذه إسرائيل (وقد أخذت إسرائيل السعودية كلها الآن بدون قتال ، وخاصة الشمال الذى تضع السعودية فيه المليارات لتأسيس منشآت إسرائيلية بدعاوى إنها للإقتصاد والحضارة والبيئة ، فى مشروع تبنيه المملكة لصالح مضاعفة مساحة إسرائيل بإسم مشروع نيوم فى شمال غرب المملكة.ألم يكن أولى أن يبدأ الجهاد بلا مخاوف لا أساس لها ؟؟. وقد دفعنا أضعاف تكاليف الجهاد نتيجة التردد فالتقاعس فالإستسلام فالتسابق صوب الخضوع الذليل لليهود والنصارى الذين يديرون الآن ليس المملكة فحسب، بل ويديرون مواسم الحج والعمرة، كما يديرون أنشطة تخالف أبسط تعاليم الدين فى مكة والمدينة ـ وسائر المملكة المستسلمة ـ وسائر جزيرة العرب التى يطبق فيها بهدؤ مبدأ إخراج المسلمين من جزيرة العرب وليس إخراج المشركين.
للتعليق على مسألة تحييد النفط فى المعركة نقول :
إن موقف بن لادن من أجهزة قمع الدولة ، ومن قضية النفط كان هادِماً لمشروعه بالكامل ، ومانعا لأى فرصة نجاح . لهذا تغاضى العدو بتمرير بدائل “عسكرية” بعيدة عن أرض الصراع ، تضمن سلامة هذين الهدفين الحيويين بالنسبة للإحتلال الأمريكى وللنظام السعودى (أى النفط وأجهزة قمع الدولة التى تحمى النفط وتحمى النظام).
ودفع العمل العسكرى إلى خارج جزيرة العرب (موضع الصراع الرئيسى). ولأول مرة فى التاريخ البشرى يدور الصراع من أجل تحرير دولة غنية وحساسة إستراتيجيا ودينيا ، أن يدور خارج حدود تلك الدولة ، وبعيدا عنها بآلاف الأميال . البدائل كانت الضربات الثلاثة : ضربة مزدوجة لسفارات أمريكية فى أفريقيا ــ وضرب المدمرة الأمريكية فى ميناء عدن ــ ثم غزوة منهاتن التى كانت نهائية فى القضاء ـ على بن لادن والقاعدة وأفغانستان والعراق ، والعالم العربى فى أحداث”الربيع”، وقيام إمبراطورية إسرائيل التى أسموها (الشرق الأوسط الجديد) .
دعوة بن لادن كانت رائعة مبدئيا، ولكن نتيجة (الخطأ) الإستراتيجى التى صاحبها فى نفس البيان ، إنتهت على ما يعرفه الجميع ، بما هو أكبر من فشل ، بل أكبر من مجرد كارثة .
– كان بن لادن يمتلك ثروة معرفية كبيرة فيما يتعلق بشئون النفط فى المملكة، وإطلاع كبير على أوضاع الإقتصاد وأحوال التجار والمقاولين .
ولكن يأتى الحرمين الشريفين فى صدارة مطلقة فى سلم الأولويات لما هو موجود فى المملكة. والنفط هو التالى فى الأهمية ليس فقط للمملكة وشعبها وللمسلمين ، ولكن أيضا للإقتصاد الأمريكى والغربى .
كانت جزيرة العرب عظيمة وهامة للمسلمين بدون نفط . واستعادة قيمتها الإسلامية بتحرير المقدسات وطرد المشركين إذا كان يستلزم التضحية بالنفط ، فذلك خيار مقبول .. وبلا مناقشة. فلا يمكن مقارنة الدين بأى شئ آخر، حتى ولو كان النفط . ولا يمكن تصور معركة أساسية لتحرير جزيرة العرب ولا يكون النفط موضوعها الأساسى ، وفى صدارة موضوعات الحرب.
النفط العربى هو ثروة أمريكية فى الأساس، فهو أبعد من أن يكون ثروة إسلامية “كما هو المفترض دينيا” ولا هو ثروة عربية . والفُتات الذى قذفوا به للعرب ضاع معظمه فى نزوات الحكام والأمراء ، وصَفْوَة المتملقين وقادة أجهزة القمع والدعاية والوعظ والإرشاد إلى المنكرات ، والترويج للفقه السعودى على أنه الإسلام الحقيقى الصحيح. وقد أنفقوا على تلك الكذبة عشرات المليارات من الدولارات بشهادة سادتهم فى الغرب الصليبى.
النهب الأمريكى : نفط هنا .. وأفيون هناك .
لقد جاءت الجيوش الأمريكية ـ وحلفاؤها الغربيون ـ إلى جزيرة العرب للإستحوازعلى النفط ـ كما ذهبوا إلى أفغانستان للإستحواز على كنوز الأفيون التى هى أضعاف كثيرة من ثروات النفط . بل أن عائدات تجارة المخدرات فى العالم والتى تسيطر عليها أمريكا وإسرائيل، تزيد عن مجموع عائدات تجارة النفط والأسلحة والذهب مجتمعين. وربما هى الآن أكثر من ذلك.
وجاهد الشعب الأفغانى مدركاً تلك الحقيقة .. وكان المجاهدون أمام خيارات :
1ـ حرق الأفيون أو منع زراعته مطلقا . وذلك عمليا غير ممكن لعوامل جغرافية وقبلية وإقتصادية .
2ـ ضرب إمكانية العدو فى الوصول إلى حقول الخشخاش (بتحريرالأراضى)، وضرب مواصلاته البرية التى تربطه بتلك المناطق .
3ـ منع السكان من التعاون مع العدو فى ذلك المجال . وتهديد التجار من تغليب مصالحهم المالية على واجباتهم الدينية والوطنية .
4 ـ ضرب معامل تصنيع الهيروين بالهجوم على القواعد الجوية للعدو حيث توجد المعامل. وعرقلة النقل الجوى من وإلى تلك القواعد حسب قدرات الدفاع الجوى لدى المجاهدين .
5ـ تحَمُّل ضربات العدو الجرثومية والبيولوجية ضد الحقول والقرى غير المتعاونة .
– تلك ملامح إستراتيجية المجاهدين الأفغان إزاء الأفيون، الموضوع الإقتصادى الأشد أهمية و الدافع الأول لنشوب الحرب . فماذا كانت إستراتيجية بن لادن بالنسبة لموضوع النفط الذى له مكانة شبيهه بذلك فى حرب تحرير جزيرة العرب؟؟ .
لا شئ سوى النهى .. والتشديد فى النهى عن المساس بالثروة النفطية .
وحسب قول البيان :
{ إن إنتشار القتال فى تلك الأماكن يعرض البترول لمخاطرالإحتراق، مما يؤدى للإضرار بالمصالح الإقتصادية لدول الخليج ولبلاد الحرمين بل وأضرار جسيمة للإقتصاد العالمى . ونقف هنا وقفة ونهيب بإخواننا أبناء الشعب المجاهدين بأن يحافظوا على هذه الثروة وبأن لا يقحموها فى المعركة لكونها ثروة إسلامية عظمى وقوة إقتصادية كبرى هامة لدولة الإسلام القادمة بإذن الله}.
ليس هذا فقط بل أن بن لادن فى بيانه التاريخى يحذر الأمريكيين ، ويدعوهم للحفاظ على ثروة النفط /التى هى فى الأساس ثروة الأمريكيين وعماد قوتهم الصناعية والإقتصادية ومكانتهم الدولية/ فيخاطبهم قائلا :
{كما نحذر وبشدة الولايات المتحدة الأمريكية المعتدية من إحراق هذه الثروة الإسلامية فى نهاية الحرب خوفاً من سقوط هذه الثروة فى أيدى أصحابها الشرعيين ، وإضرارا بمنافسيها الإقتصاديين فى أوروبا والشرق الأقصى وبخاصة اليابان المستهلك الرئيسى لبترول المنطقة }.
أى أن على الولايات المتحدة الحفاظ على النفط لصالح السعوديين ، وصالح منافسيها الإقتصاديين فى الشرق الأقصى واليابان(!!) .
هذا تأكيد لا رجعة فيه على تحييد النفط وتأمينه خارج المعركة. فماذا تبَقَّى من أهداف تُرغِم العدو على الإنسحاب؟؟ . لم يذكر البيان شيئا .
ولكن توجيهات لاحقة أكدت على المجاهدين بعدم مقاومة رجال الأمن أو الجيش إذا ما تعرضوا لهم بالإعتقال ، لأن رجال الأمن مسلمون وجزء من الشعب المسلم .
وهل لم يكونوا كذلك فى أفغانستان وقد قاتلهم بن لادن والمتطوعون العرب بكافة السبل وبكل فدائية؟؟. فماذا حصل فى السعودية ؟؟. النفط له حرمة وعصمة، وكذلك الطواغيت النفطيين من شرطة وجيش وكل أجهزة القمع .. فأى جهاد وأى تحرير بعد الإستسلام للأمن وتجَنُب أهم الأهداف الإستراتيجة فى الحرب وهو النفط ؟؟ .(هذا أقرب إلى المثل العربى عن بخيل قَدَّم خبزا لجائع، ثم طلب منه ألا يأكل من الرغيف المكسور، ولا يكسر الرغيف السليم . فبقي الجائع كما هو جائعا).
لم يتبق أمام الشباب غير بعض الصدامات فى أسواق وشوارع ضد مدنيين ذوى بشرة بيضاء ، قضى عليها الأمن بسهولة (وأمن) . وإنتهت بذلك قضية إخراج المشركين من جزيرة العرب.
– ولكن قصة الجهاد الخارجى لتحطيم قوة أمريكا إستمرت مع الضربات الثلاث المذكورة . ثم عمليات أكثر من شكلية فى سنوات تالية . وبعد إختفاء بن لادن دخلت القاعدة فى الموجة الغالبة لجهاد الفتنة تحت رعاية وإرشاد ورثة شيمون بيروز للجهاد الطائفى والإستئصال المذهبى بين المسلمين، لتمكين الإمبراطورية اليهودية فى بلاد العرب .. والعالم الإسلامى .
وهكذا ضاع سُدَى نداء أسامة بن لادن فى نهاية البيان : { إن إجتماعكم من أجل تحرير مقدسات الإسلام هو خطوة صحيحة نحو توحيد كلمة الأمة تحت راية كلمة التوحيد} .
حوارات وملاحظات حول بيان { أخرجوا المشركين من جزيرة العرب }.
حوالى ثلاثة أشهر إستغرقها الحوار حول مجرد فكرة إصدار بيان يدعو المسلمين إلى الجهاد من أجل تحرير جزيرة العرب من المشركين .
كانت الجلسات تعقد فى جبال تورا بورا بهوائها المنعش وتحت أشجار الصنوبر بينما مدينة جلال آباد القريبة غارقة فى الرطوبة وتخنقها حرارة الصيف .
صياغة البيان إستغرقت أكثر من نصف تلك المدة، نتيجة حرص بن لادن الشديد على كل حرف فى البيان ، ومراجعة الإستشهادات الشرعية والأدبية. كان صبوراً غاية الصبر ، حتى يئس مَن حوله ـ أو كادوا ـ من أن يصدر بيان ما .
وأخيرا تمت كتابة البيان، وأرسل بن لادن شخصا لينشره من باكستان حسب خطة توزيع متفق عليها . وقبل أن يصل الرجل إلى المنفذ الحدودى فى تورخم، أدركه رجل آخر أرسله بن لادن يطلب منه العودة . كان هناك تعديل طفيف فى أحد تعبيرات البيان . بعد إجراء التعديل أعيدت الكَرَّة فى اليوم التالى ، وخرج الرجل ومعه البيان من بوابة العبور إلى باكستان. ولكن فى نفس اليوم جاء الخبر من كابول أن طالبان قد إستولوا على العاصمة أى أن البلاد أصبح لها حكومة شرعية. فظهر على الفور إقتراح فى “تورابورا” بأن هذا التغير الكبير فى الوضع السياسى للبلاد يستدعى إعادة النظر فى موضوع خطير كذلك الذى يحتوى عليه البيان ، بإعلان الجهاد على الولايات المتحدة الأمريكية ـ ومن حولها من حلفاء ـ لإخراجها من جزيرة العرب .
وأن تنفيذ البيان سيأتى بإنعكاسات شديدة على أفغانستان ستتحملها الحكومة الإسلامية الجديدة . وفى ذلك ظلم لها وتوريط غير لائق قد يؤدى إلى فساد العلاقة بين العرب والحكم الجديد .
كان الوقت قد تأخر على ذلك الإعتراض . ولكن ما تلى من أحداث خاصة العمليات الخارجية (خارج جزيرة العرب) ضد أمريكا لإرغامها على الخروج من جزيرة العرب ـ لم تسفر عن شئ يؤيد ذلك الإتجاه، ولكنها راكمت نذر الخطر على العرب فى أفغانستان ، وعلى الإمارة الإسلامية التى لم تتراجع أمام الضغوط والتهديد ورفضت تسليم بن لادن أو طرد العرب من أراضيها.
إعتراضات مبكرة
أهم الإعتراضات المبكرة على البيان جاءت من الجماعات الإسلامية المستوطنة فى لندن وبعض دول أوروبا . أكثرها جدية إعتراضان هما :
1 ـ الإعتراض على تحييد أدوات القمع السعودية . وما تلى ذلك من توجيهات من بن لادن بعدم مقاومة عمليات الإعتقال .
دعم هؤلاء إعتراضهم بالفتاوى المتداولة آنذاك فى لندن والمخصصة لدعم الجماعة الإسلامية الجزائرية فى وقتها ، وهى الفتاوى القائلة بتكفير الحاكم وجميع أعوانه، وعلى وجه الخصوص الجيش والأجهزة الأمنية .
بِغَضْ النظر عن الفتاوى والفتاوى المضادة، فان موقف البيان فى هذه النقطة تحديدا وإعتباره أجهزة قمع الدولة جزءا من الشعب المسلم ولا يجب مجابهتها ، كانت خطوة أولى وحاسمة للهزيمة فى المعركة. بل وعدم إمكان نشوبها بشكل حقيقى، سوى محاولات عديمة الجدوى.
2 ـ المحظور الآخر الذى فرضه البيان على حركة المجاهدين كان حظر إستهداف النفط والتشدد فى ذلك. وبالتالى لم يعد هناك أهداف حساسة يمكن الوصول إليها . سوى أفراد متناثرين قد يظهرون على صورة مدنيين فى المدن ـ وهو هدف غير كاف لتشكيل ضغط حقيقى ـ كما أن رجال الأمن مستعدين لتلك العمليات بسرعة وعنف .
كان علماء المملكة قد وضعوا ثقلهم الشرعى كله لحظر الجهاد عموما، لأنه يحتاج إلى إذن ولي الأمر ـ الملك ـ وكانوا أشد تأكيدا على حظر إستهداف النفط لأنه عماد حياة الدولة والمواطنين وقال أحدهم فى تصريح تاريخى : لولا النفط لم يستطع أحد ، حتى نحن العلماء ، من إستلام رواتبهم !! .
حرصا وخوفا على النفط والرواتب . وحرصا على حياة الإخْوَّة المسلمين فى أجهزة القمع فى الجيش والأمن وإدارات السجون والتعذيب ، لم يكن هناك من منفذ سوى الخروج بالجهاد خارج جزيرة العرب ـ لتحرير جزيرة العرب !! .
أول عملية خارجية كانت ضرب السفارات الأمريكية فى نيروبى ودار السلام . ثم أعقبها إنتقام أمريكى بصواريخ “كروز” على معسكرات العرب وبعض أهداف أفغانية .
حتى علق أحد العرب بمرارة قائلا : يبدو أن القاعدة تريد تحرير جزيرة العرب بدماء الأفغان .
الآن وبعد ربع قرن من تلك الجدالات : حارب الأفغان لمدة عشرين سنة لإخراج الأمريكان من أفغانستان . بينما غاصت جزيرة العرب بمقدساتها تحت وطأة الإحتلال الأمريكى الإسرائيلى . وسيطراليهود مباشرة على المقدسات الإسلامية فى جزيرة العرب ـ فى مكة والمدينة، إضافة إلى القدس التى نسيها العرب وتناساها المسلمون .
إقتراحات تنظيمية أعقبت بيان (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب):
أهم المقترحات التنظيمية التى تلت إصدار البيان ، كان مصدرها عرب أفغانستان وليس عرب لندن أصحاب الفتاوى النارية .
كان عرب أفغانستان القريبون من بن لادن على قدر من الدراية بطبيعة بن لادن فى القيادة . وطبيعة علاقته بتنظيم القاعدة .
1 ـ فالرجل كان يميل إلى قيادة شديدة المركزية خاصة فى المسائل التى يراها هامة فيتحول جميع من حوله إلى مُتَلقِّين للأوامر .
2 ـ نظرته إلى تنظيم القاعدة على أنه تنظيمه الخاص ـ ويؤكد ذلك بإصراره على أن يكون المنفق الوحيد على التنظيم. وبالتالى إنعدمت المعارضة على جوانب الإنفاق، لأنها حق الأمير فى التصرف فى ماله الخاص ، إذ لا يوجد مال عام فى التنظيم . لهذا تمحورت المقترحات التنظيمية للمرحلة الجديدة على هاتين النقطتين تحديدا(أى المركزية الشديدة فى القيادة ، وخصوصية الإنفاق على التنظيم).
وكان أشهر تلك الملاحظات هو ما إحتوت عليه مذكرة قدمت إلى بن لادن تحت عنوان(النصائح الوردية فى المسألة الإستراتيجية ) وهى مذكرة يصعب الحصول عليها حاليا . ولم تنشر رغم وجودها ضمن وثائق (أبوت آباد) التى حصل عليها الأمريكيون من منزل أسامة بن لادن عند الهجوم عليه فى أول مايو 2011 ــ وسبب عدم نشرها مجهول ــ وكانت مرسلة بإسم كاتبها (مصطفى بن حامد آل حامد ).
– من أهم ما جاء فى (النصائح الوردية) كان ما يلى :
أولا : ضرورة حل تنظيم القاعدة، أو أن يتنازل بن لادن عنه لصالح أحد كبار معاونيه . فمن الخطورة بمكان أن يصبح مشروعاً بهذه الضخامة مشروعاً لتنظيم محدود العدد والقدرات. فإخراج المشركين من جزيرة العرب هو مشروع الأمة الإسلامية جميعا ، ويتخطى كثيراً إمكانات سكان جزيرة العرب أنفسهم . فإذا جاءت دعوة الحشد من تنظيم معين فسوف تقف باقى التنظيمات ـ أو أغلبها ـ على الحياد وبعضها سيكون عدوانياً ومُعَرْقِلاً، ويعتبرونها محاولة من بن لادن والقاعدة لإحتواء تنظيماتهم وسحب الأفراد منها.
وبالفعل بدأت بوادر ذلك منذ اللحظة الأولى من نشر البيان .
ثانيا: إقتراح بأن يدير بن لادن دعوة (إخراج المشركين من جزيرة العرب) كمشروع للأمة الإسلامية جميعا وليس العرب فقط أو تنظيم محدد . ويدير بن لادن أعماله التنظيمية بواسطة جهاز من المساعدين من أصحاب التخصصات المطلوبة فى الإدارة وشتى نواحى العمل المطلوب للمشروع الجهادى للإمة الإسلامية .
ثالثا : بصفته قائد لأهم مشروع جهادى للأمة ، تكون من مهامة توزيع الواجبات على الجميع وبحيث لا يستثنى أحدا ، وحسب قدرات كل جهة مشاركة .
وقال مثالا على ذلك : أن هناك من تصل مساهمتة إلى الإستعداد للعمل الإستشهادى . وهناك من يمكنه الدعم الإعلامى والثقافى ، وهناك من يمكنه أن يدعم ماليا حسب قدرته .
ثم هناك أكثرية لا يمكنها أن تقدم غير الدعاء . وهذا لايقل أهمية ـ بل ربما تزيد أهميته ـ عن كل ماسواه من مساهمات .
والتوجيهات لكافة الفئات فى شتى المناطق تكون إجمالية وليست تفصيلية بمعنى أن رسم الإستراتيجيات لكل منطقة تقع ضمن مهام القيادة العامة (بن لادن) .
رابعا : تمويل مشروع بهذه الضخامة ليس فى إمكان بن لادن وليس ذلك مطلوبا منه، ولكن يمكنه القيام بدور أمين”بيت المال” الذى يتلقى أموال التبراعات والزكاة الشرعية من الأمة، لتمويل تلك المعركة العظمى على إمتدادها الجغرافي الكبير .
تحميل PDF (أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة) كامل .. اضغط هنا
الفصل الثانى :
مشاكل الحركة الجهادية العربية
الجهاد : الغاية .. والإستراتيجية.
وقضايا عملية وجوهرية أخرى
يشعر المخلصون المنخرطون فى العمل الجهادى العربى أنه وصل إلى مأزق يجب البحث عن مخرج منه . فتعددت الإجتهادات بحثا عن أسباب الأزمة وسبل الخروج منها . وفيما يلى بعض نماذج البحث ومحاولات تحديد أسباب الفشل واقتراحات للخروج من الأزمة.
يقول أحد القادة الجهاديين :
1 ـ تنقَّلَتْ التجارب الجهادية بين الخطأ والصواب.
2 ـ أغلب الكتابات أكتفت بالنقد السلبى دون أن تتوسع فى العلاج .
3 ـ العدو لا يترك فرصة لقيادة شابة تمثل مخرجاً إلا إغتالها أو أفسدها .
4 ـ فى اليمن كانت التجربة الجهادية أكثر نضجا ووعياً ورحمة بالمجتمع ، وحظيت بمباركة داخلية من قبائل اليمن . وحققوا نجاحات طيبة فى ممارساتهم الشرعية والإجتماعية والسياسية أحرجت المحيط الإقليمى والدولى . فتحالفوا على إخراجهم من المُكَلّا عسكريا ، وأرهقوهم بأعداد غير معقولة من الجواسيس . وهذا دلالة على وجود خطأ كبير فى البناء الداخلى .
5 ـ مطلوب كتابة (إرشادات مرورية) لمسيرة الشباب تدلهم على المسار المناسب لكل بيداء يخطون .. فى العراق وسوريا واليمن .. وأيضا للشباب فى الصومال وتركستان والمغرب ومالى وشبه القارة الهندية وفلسطين .أعتقد ان الشباب يفتقدون الطبيب الحكيم الماهر فى التشخيص ، والحاذق فى كتابة وصفات العلاج وحجم جرعاتها وتوقيتها لكل مريض .
أحد الشباب من كوادر الحركة الجهادية ،
يذكر بعض أسباب عدم نجاح الحركة الجهادية إلى اليوم ، منها :
1 ـ غياب العالِم عن القيادة بحيث يضبط الممارسة الشرعية والسياسية ويُحْكِم الفتوى .
2 ـ ضبابية الأهداف وإتساعها .
3 ـ عدم وجود مخططين أصحاب تجربة فى التخطيط ووضع الإستراتيجيات ، وترتيب مراحل تنفيذها .
4 ـ البناء الداخلى لهذه التنظيمات لم يكن محكماً فقد ضمت المخلصين ، وغيرهم خاصة جواسيس السعودية من طلبة العلم المزعومين ـ (حدث فى العراق وسوريا) ـ حيث شطحت تجربتهم بسبب الغلو فى الممارسة الشرعية ، والتيه السياسى ، وإنعدام الإستراتيجية ، وفساد البنية الداخلية .
وفى سوريا أضافوا لما سبق : الأنانية الشخصية وسرقة إنجازات غيرهم ، وإنقلبوا لقتال شركائهم فخسروا كل شئ تقريبا .
5 ـ العائدون من أفغانستان إلى تلك الميادين (سوريا ـ العراق) نقلوا خبرتهم القتاليه فقط ، بعيدا عن الفهم السياسى والإجتماعى .
تحرير المقدسات الإسلامية
غاية جهادية جامعة للمسلمين
فى محاولة للمشاركة فى إستكشاف الوضع المتأزم الحالى وسبل الخروج منه ، نقول :
تحديد الغاية من الجهاد :
الخطوة الأولى لضبط مسيرة العمل الجهادى هى توحيد الغاية من ذلك الجهاد. والإتفاق عليها بين معظم العاملين. والغاية الآن واضحة ولا يكاد يوجد خلاف حولها ، وهى تحرير المقدسات الثلاث مكة والمدينة والمسجد الأقصى . بما يعنى تحديدا :
إخراج المشركين من جزيرة العرب ، وإخراج اليهود من فلسطين.
– تحرير مكة والمدينة لا يتم إلا بإخراج المشركين من جزيرة العرب ، وتحديدا إخراج الجيوش الصليبية والإسرائيلية وقطعان الإستخبارات من كامل أراضى الجزيرة، الممتدة من اليمن وحتى حدود العراق والشام ، ومن شواطئ الخليج “الإسلامى” إلى شواطئ البحر الأحمر . وتلك هى حدود جزيرة العرب .
– وتحرير المسجد الأقصى لا يتم إلا بتحرير أرض فلسطين بالكامل ( من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ).
وبما أن القاعدة الفقهية تقول أن ما لايتم الوجب إلا به فهو واجب . فإن إزالة أى عقبة تعترض عمليات التحرير ، يكون من الواجب إزالتها.
غنى عن القول أننا بصدد عمل جهادى طويل المدى عظيم التكاليف والتضحيات . بحيث يستلزم تقسيم العمل فيه إلى مراحل إستراتيجية متتابعة :
1 ـ صراع مع القوى الأعظم فى العالم عسكريا وإقتصاديا وعلميا .
2 ـ صراع مفتوح فى الزمان والمكان إلى أن يشاء الله بالنصر .
3 ـ طاقات العرب لا تكفى، فالمعركة إسلامية شاملة لأن أكبر وأقوى الأمم قد إتحدت فى إغتصاب فلسطين، وفى إحتلال جزيرة العرب بجميع وسائل الحرب والإقتصاد والدعاية والحرب النفسية والإعتقادية.
– فوحدة المسلمين هى السلاح الأهم للنصر ، كونها مطلب شرعى أولا، ثم أن حشد القوى هو مبدأ إستراتيجى فى جميع الصراعات الكبيرة والصغيرة .
وحدة المسلمين هى المطلب الإستراتيجى الأهم فى كل تلك المعركة . ولا نتكلم عن وحدة منظمات وجماعات بقدر الحديث عن توحيد قلوب وعقول المسلمين خلف أهداف هذه المعركة.
– فى الحروب الحديثة لم يعد للمسافات أهميتها القديمة ـ رغم أنها مازالت مهمة ـ وفى هذه المعركة لن يكون هناك شعب مسلم بعيد عن ساحة الصراع الأساسية (جزيرة العرب وفلسطين)، فالجميع قريب بالمجهود والمشاعر والوعى . ولكن المسئولية الأكبر ملقاة على عاتق سكان تلك الساحات ثم الأقرب فالأقرب .
– ومن ناحية جغرافية يكون المسلمون فى تركيا وإيران ( وهما أهم قوتين إسلاميتين على حدود بلاد العرب ) كلاهما أقرب جغرافيا لساحة الصراع حتى من بعض دول المغرب العربى. وكلاهما يختزن طاقات وإمكانات هائلة لاغنى عنها فى معركة المقدسات.
– حشد طاقة المسلمين فى داخل المنطقة العربية وفى جوارها القريب (تركيا ، وإيران)، وفى المجال الإسلامى العميق الواصل إلى أندونيسيا وغرب أفريقيا. يحتاج ذلك الحشد إلى مجهود هائل فى مجال العمل الدعوى الدينى ، وفى مجال العمل السياسى.
الفشل هو أفضل مدرسة لتعليم النجاح . لهذا يجب علينا أن سأل أنفسنا السؤال التالى :
لماذا لم ننجح فى الإستفادة من تجاربنا الكبرى؟؟
من أسباب فشل الجهاديين العرب فى الإستفادة من التجربة الجهادية الأولى (ضد السوفييت) كان عجزهم عن إستيعاب الجانب السياسى العالمى للحرب . وما أدركوه كان قشرة لا فائدة فيها وتغلب عليها الحماسة وقصر النظر ـ كالعادة فى معظم الأعمال .
أما الجانب السياسى الداخلى فقد كان غائبا عن إدراكهم بالكامل ، سوى ما حاولة بعض الإخوان المسلمين من تصوير قادة الإخوان فى أفغانستان على أنهم محورالسياسة والعمل الجهادى. دعمهم فى ذلك القدرة الإخوانية فى الإعلام سواء الجهادى فى بيشاور أو باكستان والعديد من الدول العربية ـ وكان التنظيم الدولى وقتها يحظى برضا وتمويل سعودى كبير من أجل دعم جهاد أفغانستان، ولكن فى الإتجاه الخاطئ الذى يحفظ مصالح أمريكا ويستر نواياها الخفية فى إحتلال افغانستان بعد رحيل السوفييت عنها .
2 ـ لم يدرك الجهاديون العرب حقيقة أن الحرب تكسبها الشعوب ، قبل أن تكسبها الجيوش. وأن الحرب فى الأساس هى صراع إجتماعى قبل أن تكون صراع عسكرى .
طبعا الكتل الاجتماعية المتصارعة تُحَرِّكُها المعتقدات، كما تحركها المصالح الإقتصادية والمطامع السياسية، والحقوق الإجتماعية فى العدالة والمساواة والكرامة .
ولكن العرب الأفغان لم يفهموا سوى أن الحرب عبارة تنظيمات(أوجماعات) وأسلحة ، وتمويل ، وقيادة ، وشعارات نارية مهما بعدت عن الواقع وكانت غريبة عن المجتمع وإهتماماته (مثل شعار تطبيق الشريعة فى بلاد العرب ، أو إقامة دولة لأهل السنة والجماعة ، أو الجهاد العالمى بمعنى القتال فى كل مكان ممكن فى أى وقت متاح).
مفاهيم مؤثرة فى الجانب الإجتماعى من الحرب :
1 ـ معتقدات المجتمع ، لابد من إحترامها والمحافظة عليها . على الأقل عدم تحقيرها أو المطالبة بتغيرات جوهرية فيها إلا فى حدود تصحيح الممارسات اليومية طبقاً للمبادئ العامة التى لاخلاف عليها بين علماء الدين . وتفعيل القاعدة التى ذكرها الإمام النووى فى شرح صحيح مسلم : (إجتمعت كلمة أهل العلم على أن المُخْتَلَفْ فيه لا إنكار فيه) .
لكن المجاهدين العرب دخلوا المجتمعات التى جاءوا لدعم جهادها ، كما لو أنهم فتحوا بلاد الكفار . فدخلوها دخول المتوحشين المستكبرين ، الجاهلين بالحالة الدينية والإعتقادية التى جعلوها هدفاً ، وخلقوا منها حربا موازية للحرب الأولى مع الإحتلال ـ إن كان هناك إحتلال ـ حربا إستحدثوها ضد الشعب الذى لا يستجيب لهمجيتهم الجديدة. وكما يتضح لنا الآن ـ فإن الإنتصار فى مثل هذه الحالة هو المستحيل بعينه. والهزيمة نتيجة منطقية بدون الحاجة لشماعات لتعليق الحجج الواهية ، مثل كثرة الجواسيس، أو الإفتقار إلى إستراتيجية ،أو إتهام العدو بالوحشية لأنه إنتصر على الغزاة العرب، الذين هزموا أنفسهم برعونتهم وجهلهم قبل أن يهزمهم أحد.
من القواعد الإجتماعية لحرب الأنصار :
قوات الأنصار التى تدخل أرض المعركة لمساعدة الجهاد المحلى عليها الإنتباه إلى ما يلى :
– أن لا تسعى إلى أن تكون هي قيادة الجهاد . فقادة الأنصار يبقون على الدوام قادة قوات دعم. أما قادة الجهاد فهم من المجتمع المحلى ، إختارهم الناس لإسباب عديدة بعضها إجتماعى أى لإصولهم الإجتماعية ، أو لمكانتهم الدينية ، أو لسجاياهم الأخلاقية مثل الشجاعة والكرم .
– محاولة تحميل شخصيات محلية غير كفؤه على ظهر الحركة الجهادية ، سيجعل الشعب يعادى الحركة ، وينظر إليها كدخيل أجنبى أو محتل إضافى .
فالشخصيات المحلية الضعيفة إذا إختارها الأنصار ستكون معتمدة على الدعم الخارجى ، ولا تضع وزناً لشعبها ، بل مستعدة للعمل ضده من أجل الحفاظ على مكاسبها ومكانتها الجديدة كقيادة شهيرة على النطاق المحلى وربما الدولى أيضا .
إذا نظر الشعب إلى قيادته”الجهادية” على أنها مصنوعة من الخارج بالمال والسلاح والعون السياسى . فسوف يصبح الإرتزاق خُلُقاً عاماً وممارسة شعبية رائجة وتنتشر عمليات التجسس لصالح أعداء الجهاد . فيلجأ الشباب إلى العمل فى الميليشيات الحكومية أو الإستعمارية للحصول على(فرصتهم) فى المال الحرام، أو حتى فرصة لمجرد العيش .
لا ننسى أن الحركة الجهادية العربية ـ قد وقعت منذ وقت مبكر جدا ـ تحت سيطرة الممولين النفطيين، فجلب لها ذلك توجها سياسيا مضادا لمصالح الأمة الإسلامية. فحاولوا التغطية على ذلك بالمبالغة فى الصراخ الحماسي ليس للإسلام ولكن للفقه النفطى ـ للحصول على شعبية سهلة لا تحتاج إلى تعليم أو إيضاح ، بل تحتاج إلى مجرد الصراخ بالأكاذيب، وإستئجار الرعاع فى الشوارع ، الذين حل محلهم الآن رعاع مواقع التواصل الإجتماعى.
كانت حركة الإخوان المسلمين ـ كعادتها دوما ـ رائدة فى ذلك الإنحراف الذى منبعة الحاجة إلى المال . وتشتد الحاجة إلى المال مع توَرُّم الجماعة وتَضَخُم عدد أتباعها وتحولها إلى مؤسسة إعالة إجتماعية للمتعطلين . وحاجتها إلى أجهزة دعائية ـ وليست دعوية ـ عالية الصوت.
بالعقيدة النفطية الجديدة ـ وسياسة “الإسلام النفطي” أصبحت الجماعة جزء من طابور الإحتلال الأوروبى ـ أو جزء من الإحتلال اليهودى لبلاد العرب تحت مسمى”الشرق الأوسط الجديد”.
لم يكن حال التنظيمات الجهادية أفضل حالا ، بل كانت أقل شهرة ووضوحاً . ولكنها تابعة تماما للمسيرة الإخوانية رغم العديد من المشاحنات التى تظهر من وقت إلى آخر .
ساهم الإخوان كثيرا فى حشد التيار الجهادى العربى لحرب أفغانستان ضد السوفييت. ثم حجبوا الجهاديين عن حرب أمريكا فى أفغانستان ، ماعدا حالات ضئيلة من التفلت الشخصى .
وقادة الإخوان المسلمين الأفغان هم نجوم بارزون فى نظام الإحتلال الأمريكى لأفغانستان ، وهو الإحتلال الذى من أعمدته الأساسية إسرائيل وتركيا “الحليف الرئيسى للإخوان المسلمين”.
وكما قامت حركة الإخوان بدور البطولة فى الحشد للحرب فى سوريا ، بدعم كامل من قطر والسعودية وتركيا وإسرائيل ، تحت دعوة هستيرية لإقامة دولة قائمة على الإستئصال المذهبى، نسبوها إلى أهل السنة والجماعة. والسبب الحقيقى للحرب هو أن النظام فى سوريا يمثل خندقا ومانعا إستراتيجياً يفصل تركيا عن إسرائيل . وكان المطلوب ردم هذا الخندق بإقامة نظام يغير دور سوريا إلى جسر إستراتيجى بين تركيا وإسرائيل حتى تعبر عليه المشاريع التى حددتها إسرائيل منذ عقود ، والخاصة بالماء والغاز، والطرق البرية بين إسرائيل وأوروبا عبر تركيا. وفوق كل ذلك أن يتم تحويل إتجاه الحرب مع إسرائيل لتصبح حربا بين أشلاء أمة ممزقة طائفيا إلى سنة وشيعة ، بينما إسرائيل طرف منحاز للسنة ضد الشيعة . فأى خيانات تلك ؟؟. ثم يتكلمون عن فشل الحركات الجهادية العربية وهزائمها !!. حتى كاد أن يتلاشى الفارق بين الفشل والخيانة.
حركة جهادية فى سبيل من ؟؟.. ولماذ؟؟ :
الإجابة على ذلك توضح جذور الفشل الحالى ، وجذور أى فشل قادم إذا إستمرت المسيرة العمياء على نفس النهج تحت قيادة عملاء اليهود .. ولو كانوا بأسماء وشعارات إسلامية .
تلك الفوضى الدامية التى غرقت فيها سوريا جذبت إليها كل دولة شعرت بالتهديد على نفسها أو مصالحها. فجذبت حرب سوريا كل من إيران وروسيا ، ثم حزب الله الذى هو مرتبط مصيريا وجغرافيا مع سوريا . بل أن لبنان كلها مرتبطة بمصير سوريا، فهى أحد المكونات الجغرافية لسوريا الكبرى قبل الإحتلال الفرنسى/البريطانى للمشرق العربى ، طبقا لإتفاقية سايكس بيكو .
– تجاهل التعقيد والتداخل الشديد فى الواقع الإجتماعى والدينى والمذهبى والسياسى فى بلاد الشام الكبير(سوريا / لبنان/ الأردن/ فلسطين) كان من أسباب الفشل المأساوى للجماعات الجهادية هناك . خاصة الأنصار الجهاديين العرب ـ وغير العرب ـ الذين تدفقوا إلى سوريا بشعارات مغلوطة للمعركة ، لكنها رائجة بقدر قوة الإعلام التى روجها، والدول التى ساندتها بالمال والسلاح والسياسة والإعلام .
كل ذلك لم يجعل من الباطل حقاً . فكان الفساد ، وإنفصال العمل الجهادى عن الشعب ، وتعفن التنظيمات الجهادية المحلية والوافدة . وكثرة الأيادى العابثة فيها ما بين تركيا إلى مشيخات النفط ، وحتى إسرائيل عبر أذرعها العربية أو مستعربيها فى أجهزة الإستخبارات .
إختصارا.. كان جهاد سوريا دخيلا على مطالب ورؤية الشعب، الذى حاول التعلق بأوهام الربيع العربى فى الحرية والكرامة الشخصية ولقمة الخبز. ولكن الحركة الجهادية المحلية والوافدة سارت فى مسار مخالف تماما لم يخطر فى بال الشعب ولا ضمن قائمة إهتماماته . وأدخلته فى حرب أهلية لم يكن يريدها بأى حال . كل ذلك بفعل (الأنصارالجهاديين)، ثم يتساءلون بكل براءة ” لماذا لم ننجح” ؟؟ .
تحميل PDF (أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة) كامل .. اضغط هنا
الفصل الثالث :
توحيد الهدف الشرعى للجهاد ، وتوحيد الإستراتيجيات نحو تحرير المقدسات .
المرحلة الإستراتيجية الأولى :
أولا ــ مجهود دعوى مُوَّجَّه للمسلمين ــ
الواجب الإستراتيجى الأول هو توحيد صفوف المسلمين.وكما قلنا أنها مهمة دعوية وسياسية. ومن أهم خطواتها :
1 ـ إلغاء الإتجاه نحو “المذهبية المتوحشة” والتصدى لعقيدة شيمون بيريز التى تسللت إلى الحركة الإسلامية ـ الدعوية والجهادية ـ وقد عملت إسرائيل وأمريكا ودول أوروبا على تأكيد تلك العقيدة بين المسلمين . بحيث تحرق الأمة نفسها بدون الحاجة إلى مجهود كبير من تلك الجهات ( اليهودية /الصليبية ) .
ترى عقيدة بيريز أن إسرائيل كيان طبيعى فى المنطقة العربية وأن العداء الحقيقى هو بين السنة والشيعة ـ وبين العرب وإيران . وهذا يجعل من إسرائيل حليفا “لأهل السنة والجماعة” ضد الشيعة وإيران . وأيضا ضد التطرف الدينى عند بعض السنة (أى من يرفضون عقيدة بيريز) .
2ـ أساس التحالف بين جماعات المسلمين الدعوية والجهادية هو العمل من أجل تحرير المقدسات الإسلامية الثلاث ، وإخراج المشركين من جزيرة العرب .
3 ـ الوقف الفورى لجميع الإشتباكات بالسلاح أو الكلام على أساس الوحشية المذهبية الناتجة عن تطبيق عقيدة بيريز فى الوسط الإسلامى .
4 ـ إعادة ترتيب التحالفات الداخلية والخارجية على أساس شرعى واحد وهو تحرير المقدسات وتحرير جزيرة العرب من المشركين .
وعدم إنتهاج أى سبيل للعنف والإكراه فى سبيل إقناع الآخرين . ولكن من يعمل ميدانيا ، بإخلاص ونشاط لتثبيت عقيدة بيريز بين المسلمين، فهو بلا شك هدف معادى ومحارب .
5 ـ تنصرف عقيدة الولاء والبراء ـ على دليل عملى أكبر هو تحرير المقدسات الإسلامية وجزيرة العرب من المشركين. فلا موالاة على أساس المذهب أو القبيلة يمكن أن تتقدم الموالاة على ذلك الهدف الأعظم لكل مسلم صحيح الإسلام .
ويجب ان يرتقى ذلك الهدف إلى درجة الخيار بين الحياة والموت . فلم يسبق لأمة الإسلام منذ أن إستقام أمرها، أن عاشت وكعبتها فى قبضة الكافرين. بل ومسجد نبيها ومسجدها الأقصى .
فأى مسلمين نحن ؟ .. وأى زمان هذا الذى يتحمل وزر حياتنا فيه ؟ .
ثانيا ــ العمل السياسى فى المرحلة الإستراتيجية الأولى :
المجهود السياسى داخل المنطقة العربية والموجه لغير المسلمين .
وهدفه تأكيد إنتمائهم إلى المنطقة ، وأن تحرير مقدسات المسلمين يعنى أيضا تحريرمقدسات المسيحيين فى فلسطين . ويعنى إستفادتهم من نتائج تحرير البلاد من السيطرة الإقتصادية والسياسية للمستعمرين وعملائهم . وأنهم غير مكلفين بخوض المعركة ميدانيا ، ولكن مساعداتهم أيا كانت ستكون موضع تقدير وامتنان. وأن جميع حقوقهم الدينية والسياسية والإقتصادية ستكون مكفولة ومدعومة بكامل طاقة المسلمين .
أما غير أهل الكتاب من سكان المنطقة فيجرى التأكيد لهم أن من حقهم الحفاظ على عقائدهم طبقا للمبدأ الإسلامى ( لا إكراه فى الدين). وأن لهم حقوق مثل باقى المواطنين فى بلاد المسلمين.
المجهود السياسى مع الدول غير الإسلامية :
توضيح أن المسلمين يعملون لإستعادة حقوقهم الدينية داخل أراضيهم . ولم يعتدوا على أحد خارج تلك الحدود . بل ويعتبرون أنفسهم فى حالة صداقة أو تحالف مع أى قوى غير إسلامية تكون فى حالة إشتباك مع نفس الجهات التى يقاتلها المسلمون . ويؤيدون كل الشعوب التى تسعى لإستعادة حقوقها السياسية والإقتصادية والمعنوية من هؤلاء الطواغيت والمتجبرين ، وسيقدمون لهم أى دعم يكون فى مدى قدراتهم .
ثالثا ــ الإستراتيجية العسكرية للمرحلة الأولى :
التفاصيل ستكون معقدة وتفصيلية ولا يمكن نشر معظمها . فمسارح العمليات فى المنطقة العربية التى هى النطاق المباشر فى ذلك الجهاد ، كل بلد منها سيكون له إستراتيجية عمل عسكرى تنقسم إلى أفرع حسب تنوع الطبيعة السكانية والجغرافية والسياسية من منطقة إلى أخرى فى البلد الواحد . فهى إذن على درجة من التشعب فى البلد الواحد ناهيك عن تلك الساحة العربية الشاسعة. وبالتدريج تنضم بلدان وشعوب أخرى تحمل إستراتيجيات العمل فيها قدرا ملموسا من التشعب والتعقيد . رغم أن جوهر العمل الإستراتيجى فى حد ذاته يجب أن يتجنب التعقيد ويتوخى البساطة ، ولكن التعقيد الذى نقصده يرجع إلى الإتساع الجغرافى والسكانى وتنوعه الشديد، ويرجع التعقيد أيضا إلى إختلاف الأهداف المعادية المتاحة فى كل ميدان وطرق التعامل معها.
ومن الملاحظات الهامة :
أن المراكز السكانية والحضارية الأساسية فى العالم العربى تحيط بفلسطين. تلك المراكز هى سوريا الكبرى (ومن ضمنها لبنان والأردن) والعراق ومصر. تلك المراكز أيضا تلامس جزيرة العرب. ومعها الجيران البحريين لجزيرة العرب فى السودان و الصومال وأرتيريا. ثم الورقة الكبرى وهى اليمن، صمام أمان جزيرة العرب وخزانه البشرى وحارسه العسكرى.
نلاحظ أن إسرائيل قد أحرقت بالحروب المذهبية أهم قواعد الدعم العسكري لجزيرة العرب وفلسطين ، وهى اليمن والعراق وسوريا. ثم غزت مصر والسودان وحكمتهما بواسطة القوات المسلحة المحلية ، التى إستوطن فيها عملاء إسرائيل ويهود مستترون . لهذا فإن العمل الإسلامى عامة والجهادى على الخصوص، تجمعة كارثة واحدة تدفعه دفعا صوب الإتجاه العقائدى والإستراتيجى الموحد للأمة الإسلامية. وهو إتجاه توحيد / كل العرب وكل المسلمين/ وحشد جميع القوى المتاحة، من أجل تحرير المقدسات الإسلامية جميعا : مكة والمدينة والقدس.
ستكون أى إستراتيجية لتحرير المقدسات متأثرة بالدروس المستفادة من الحركة الجهادية فى أفغانستان ، وما شهدته من تطويرات غاية الأهمية فى العمل العسكرى للأعداء ، وفى المقابل التطويرات التى أدخلتها الإمارة الإسلامية وحركة طالبان على عملهم العسكرى لمواجهة تلك التطورات المعادية ، ثم التغلب عليها فى نهاية المطاف. ومن الضرورى دراسة كل ذلك بإهتمام وعمق لأخذ الدروس والإستعداد لمعارك كبرى قادمة.
تطورات هامة فى الحروب الإستعمارية ضد الشعوب :
قبل الشروع فى العمل السياسى . وتطبيق المرحلة الأولى لحرب تحرير المقدسات ينبغى أولا(محاولة تخمين) القوى والإمكانات المتاحة قبل دخول تلك المرحلة . وذلك فى ظل أقسى ظروف الرقابة الأمنية . وتطورها التكنولوجى البعيد عن تصور كثيرين ، إضافة إلى الخبرات الأمنية المكتسبة ، والقوى الأمنية المنخرطة فى محاربة المسلمين ، خاصة فى مثل ذلك المشروع الحيوى والمصيرى .
الحركة الجهادية العربية لم تكد تستوعب شيئا عن الظروف السياسية التى أحاطت بجهاد أفغانستان ضد السوفييت فى ثمانينات القرن الماضى .
ولم تستوعب أيضا طبيعة الحرب التقليدية للجيش السوفيتى وقتها ، وما أدخله فى تطوير للحروب الإستعمارية المضادة لحركات التحرير الشعبية ، أو الجهادية الإسلامية .
قبل إقتحامهم حرب أفغانستان إستفاد السوفييت إلى أقصى حد من التجارب والدروس المكتسبة من حرب الولايات المتحدة ضد شعب فيتنام .
– وبالمثل إستفاد الأمريكيون فى كل الدروس المكتسبة من تجربة السوفييت فى حرب أفغانستان فى نواحى التسليح والتكتيكات والتطور التكنولوجى . والأهم من كل ذلك توظيف البيئة السياسية الإستراتيجة لخدمة مشروعهم الإستعمارى . يشمل ذلك البيئة المحلية الأفغانية ، والبيئة السياسية فى دول الجوار ، والبيئة السياسية فى الدول الإسلامية عموما.. ثم البيئة الدولية جميعاً .
هذا ما تفعله الدول الكبرى . وهو ما يجب ان يفعله المجاهدون على قدر طاقتهم وقدراتهم. (واتقوا الله ويعلمكم الله)، لقد كان ما حصل عليه المجاهدون من علم فى خنادق القتال شيئا يفوق الخيال ، ويزيد من إيمان المؤمنين بإنتصارهم إن هم جاهدوا فى الله حق جهادة.
فلدى المجاهدين قدرات هائلة فى التأثير السياسى لو أنهم فهموا الخريطة السياسية الداخلية جيدا ، ثم ما لدى الجيران والعالم من إمكانات فى السياسة والإقتصاد والأخطارالإستراتيجية المشتركة ، وفى ذلك دعم غير محدود لدفع قضية المجاهدين قدما حتى فى مجالهم القتالى .
من المنطق، العمل فى مساحات الاتفاق والمصالح المشتركة مع جميع الأطراف إن أمكن . وقبل كل شئ ـ وكما قال “صن تزو” (إعرف نفسك .. وإعرف عدوك .. ولا تخشى من ألف معركة). ولا داعى لتكرار الحقيقة البائسة وهى أن المجاهدين العرب قد جهلوا أنفسهم وجهلوا عدوهم .. ثم يُهزَمون فى المعركة الواحدة ألف مرة !! .
فلا تلوموا أحداً .. ولوموا أنفسكم !!.
التطور الأهم : حرب حديثة تديرها أجهزة المخابرات وليس الجيوش .
وهى آخر أشكال الحروب الإستعمارية وحروب مكافحة الإسلام وقمع الحركات الشعبية الجهادية . إنها حرب تقودها أجهزة المخابرات وليس جنرالات الجيوش . فالجيش يأتى ضمن المشهد الخلفى كقوة طوارئ وإسناد أو تصعيد جوى فوق العادة ، أو إنقاذ عاجل لقوات “صديقة” محاصرة . أو بلدة تحت الحصار أو جرى إقتحامها بما يفوق القدرتها على الدفاع.
ولكن تظل المخابرات هى من يدير الحرب على الأرض وفى الجو .
سمات التطور فى أساليب الحرب كما تديرها المخابرات :
التطور الأول ـ الطائرات بدون طيار :
أصبحت هى النجم الأهم فى حروب الإستخبارات ـ وحتى حروب الجيوش النظامية ـ وفى محاربة قوات المجاهدين أصبحت طائرات(درون) هى السلاح الأهم، وتستخدم لتنفيذ مهام كثيرة من الإستطلاع إلى الإغتيال والقصف الصاروخى .
وهى سلاح يصعب رصده ومقاومتة .. وبالتالى يصعب الوقاية منه إلا بعد إكتساب خبرات ميدانية .. وإلا بعد الحصول على وسائل مقاومة لذلك السلاح . بل يكاد يكون من الضرورى الحصول على سلاح مشابه وإستخدامه ضد العدو ، ليحدث قدرا من التوازن .
وغنى عن القول أن الجهاز السياسى للمجاهدين تقع على عاتقه مسئولية توفير وسائل مقاومة ونظائر جوية لذلك السلاح الخطير . وقد سبق القول بأن شركة أمازون للتسويق الألكترونى ليست هى العنوان المناسب لتوفير مثل تلك الإحتياجات.
إذن فمشكلة الدرون هى مشكلة عسكرية ـ سياسية ـ أمنية ـ إقتصادية . إلى هذا الحد وصل الترابط والتنوع فى العمل الجهادى المطلوب . ومفروغ منه القول بأن الصراع مع أجهزة أمنية ذات قدرات عالمية خلال القيام بمهام متشابكة كهذه، هو عمل يدل على مدى الدقة المطلوبة ، ومدى التطور التنظيمى المطلوب فى الحركات الجهادية الشعبية .
وهذا يعنى أن التنظيمات الجهادية بتركيباتها الحالية يجب إحالتها إلى الإستيداع ، لتصبح من الآثار التاريخية التى عفا عليها الزمن، وكانت حليفة للفشل على الدوام ، وخادماً للأعداء فى صورة (بغال تحميل). يجب بناء حركة جهادية حديثة ، حتى لا يكون المستقبل مجرد تكرار مأساوى للماضى الجهادى الفاشل للسلفية الجهادية العربية.
التطور الثاني ــ الإستخبارات تحارب بالمرتزقة :
على الأرض تقاتل أجهزة الإستخبارات بمجموعات المرتزقة . وهى مجموعات شديدة التنوع والمهام . وأهم قوات المرتزقة المستخدمة فى حرب أفغانستان هى :
1 ـ قوات الشركات الدولية للمرتزقة:
مقرها الرسمى فى أبوظبى وهى مِلْكِيَّة مشتركة بين أبوظبى وإسرائيل . وقد أسسها {أريك برنس} مؤسس شركة “بلاك ووتر” للمرتزقة ، وهى ذات سمعة دولية سيئة للغاية رغم أن هناك شركات كثيرة فى العالم أكثر وحشية. لكنها أبعد عن الرصد الإعلامى وتعمل فى بلاد أشد هامشية من بلادنا .
الجيش الأمريكى يستخدم المرتزقة فى إدارة العديد من أعماله، وفى أداء الكثير من المهام العسكرية ـ وذلك إتجاه يتوسع فى العالم تدريجيا حتى يبلغ غاية مداه بتحويل الجيوش إلى شركات خاصة تبحث عن الربح ، بدلا عن الجيوش الوطنية الحالية ، التى تحمى الحدود والأمن القومى للدول الوطنية . حتى أن الدول الوطنية نفسها مستهدفة بالإزالة من جانب البنوك اليهودية التى تدفع نحو خصخصة العالم ، أى جعله ملكية خاصة للشركات اليهودية. وتتحول الدول الحالية إلى مجرد “ساحات إقتصادية”، مفتوحة لنشاط الشركات العظمى والبنوك اليهودية العالمية.
2 ـ كتائب المرتزقة شبه النظاميين :
مكونة من عناصر محلية تدربها المخابرات التى تدير الحرب الأفغانية(إتحاد من الموساد وCIA) ويطلقون على تلك الكتائب أسماء غامضة أو مجرد أرقام تبدأ برقم صفرـ على خطى “جيمس بوند” ـ تناسب ثقافة هليوود السينمائية لرفع معنويات الجنود ، وإخافة المدنيين (وهى لم تنجح فى أى منهما ) .
ـ أصعب مهام تلك القوات الخاصة هو الإشتباك مع قوات المجاهدين المحتشدة . لهذا تتفادى ذلك المأزق ما أمكن . وتلجأ إلى الأسهل وهو مهاجمة الأهداف المدنية فى القرى والأسواق والطرق العامة . وتشارك فى الغارات الليلية على القرى ، وهو أسلوب يزعج القرى كثيراً ، ويستفز ردود فعل أشد عنفاً يشنها مجاهدو طالبان على مراكز تلك القوات وقواعدها العسكرية .. وأيضا إغتيال قادة تلك المجموعات خلال ممارستهم الحياة المدنية فى كابول والعواصم الإقليمية. وسنتحدث عن (الإغتيال) كسياسة عسكرية هامة ومحورية فى تلك الحرب.
3 ـ تشكيلات المرتزقة المحليين (الأربكية) :
وهم مرتزقة محليون من السفلة مطاريد القبائل وأصحاب النشاط الإجرامى فى القتل والسرقة وفرض الإتاوات. هؤلاء يدربهم خبراء الناتو ، وشبكات الإستخبارات الدولية ، وضباط من الجيش النظامى . ويتلقون رواتب منتظمة من الإحتلال عن طريق الحكومة المحلية ، وكذلك الإمداد بالأسلحة والذخائر. وهم ميليشيات محلية مقيمة بشكل دائم فى مناطقها.
ويساندون العمليات ضد المجاهدين عند الضرورة . ومهامهم الثابتة إرعارب السكان لزجرهم عن مساعدة مجاهدى طالبان.
4 ـ مجموعات الإغتيال والتجسس :
لأهمية عمليات الإغتيال فى تلك الحرب ، تقوم بها طائرات(درون) من الجو كما تقوم بها مجموعات أرضية . وكلاهما مرتبط بالمجهود الإستخبارى لجمع المعلومات . وهو مجهود جوى وأرضى أيضا . أى بطائرات “درون”، والجواسيس على الأرض ـ كما تشترك فيه الأقمار الصناعية وبرامج التجسس على الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر.
التجسس من أهم النشاطات الحربية منذ قديم الأزل . وتناوله الكثير من المؤرخين العسكريين وجنرالات الحرب . وماكتبه فليسوف الحرب الصينى”صن تزو” عن التجسس ، مازال يعتبر مرجعاً تقليديا فى ذلك النشاط الخَطِرْ، الذى لا غنى عنه فى الحرب أو السلم .
التطور الثالث ـــ الإغتيال نشاط أساسى فى مقاومة حروب العصابات :
الإغتيال هو سلاح تاريخى لمقاومة الدعوات الدينية والإصلاحية . وقد وصف القرآن نشاط اليهود فى مجال الإغتيالات :(إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ) آل عمران ـ21 .
– نشر الدعارة مجهود إستعمارى ، لتخريب الأخلاق والإلتزام الدينى ، وأيضا وسيلة لجمع المعلومات عن الجميع، العدو والصديق ، وترويج الإشاعات وتجنيد الجواسيس.وبشكل غير مباشر تعتبر سندا لعمليات الإغتيال .
التطور الرابع ــ فرق الموت ، قوة ملازمة لحروب الإستخبارات :
وهم مجموعات حكومية ، مهمتهم إرتكاب مجازر جماعية لمجرد نشر الفزع بين السكان. ويستهدفون مناطق مشكوك فى ولائها للإحتلال، فيقتلون الشباب وشيوخ المساجد وطلاب العلم الشرعى والأطباء والممرضين والتجار . وتفجير العيادات الطبية ومخازن الطعام والمحاصيل الغذائية والمساجد والمدارس وإهانة كبار السن، وإختطاف أسرى من السكان الأبرياء .
ويستخدم هؤلاء طائرات الهيلوكبتر لمداهمة القرى ليلا . أوأثناء النهار تحت حراسة جوية مكثفة من طائرات بدون طيار ومروحيات. وأحيانا بعد إنتهاء فرق الموت من غارتهم تكمل مدفعية الجيش دك القرية بالصواريخ والمدافع.
كل ذلك لتحطيم معنويات السكان ودفعهم إلى الهجرة من مناطقهم، إما إلى المدن أو إلى خارج البلاد ، أو إجبارهم على التعاون مع الإحتلال كميليشيات أو جواسيس .
التطور الخامس ـ صدمة الرؤية الليلية :
إكتسب العدو قدرة غير محدودة على الرؤية الليلية بإستخدام أجهزة خاصة للأفراد والمعدات والطائرات ، فكانت صدمة تكتيكية كبيرة للمجاهدين . وقلبت مفاهيم ثابتة فى حرب العصابات كون الليل صديق للثوار للسيطرة ليلا على الأرض التى يسيطر عليها العدو نهاراً .
الآن أصبح العدو قادرا على السيطرة الأرضية ليلا ونهاراً . والأسوأ حسب ما شهدناه فى بداية الحرب ، كان إستخدام الهليوكبتر فى الليالى المظلمة لأسلحتها بدقة متناهية ، بينما يعجز المجاهدون حتى عن مجرد تحديد مكانها . وزاد الطين بِلَّة إستخدام الطائرات درون صواريخها من بعد كبير، وارتفاعات كبيرة ، بحيث لا يتمكن المجاهدين من سماع صوتها. فضاع من المجاهدين ميزتين كبيرتين:
– خسارة ميزة إستخدام الليل كصديق يستر تحركاتهم ، فصار الليل مناسباً للعدو أكثر من مناسبته للمجاهدين .
– خسارة الإستكشاف الصوتى للطائرات المسيرة (درون).
تأثير الخسارتين يقترب من كونه تغييراً فى إستراتيجية حروب العصابات الكلاسيكية ـ وترجيحا
لدخول المجاهدين إستراتيجية الإقتراب اللصيق بالعدو، وإستخدام قاعدتين سيأتى ذكرهما عن (التسلل بدلا من الإقتحام ) وقاعدة (إستيطان المدن بدلا عن حصارها) .
ثم الدخول فى مواجهة تحديات (التطويرالتكنولوجى) . فكما إقتحم المجاهدون مجال حروب طائرات الدرون، ثم الصواريخ، إقتحموا كذلك مجال الرؤية الليلية . وفى هذه المرة حصلوا عليها بطرق :
1 ـ الغنائم .
2 ـ الشراء المباشر من العدو .
3 ـ بالتسلل داخل الوحدات المسلحة للعدو.
4 ـ الشراء من السوق السوداء الخارجية.
سنأتى بشئ من التفصيل فيما بعد ،على وسائل المجاهدين فى مواجهة التحديات المستحدثة .
التطور السادس ــ صدمة : التنصت والرصد والمتابعة والإنقضاض.
إستخدام أجهزة الإتصال الحديثة خاصة أجهزة (الموبايل) تتيح للعدو أفضل فرصة للتنصت على محادثات المجاهدين وكشف أسرارهم ـ ورصد أماكنهم وتحركات قيادتهم وقواتهم وقوافلهم ـ ومتابعة ذلك كله إلى أن تحين لحظة الإنقضاض والقتل والتدمير، والتى غالباً ما تتم بالطائرات بدون طيار ـ أو غيرها من وسائل الإنقضاض السريع .
وأكثر الأمثلة مأساوية فى هذا الصدد كان إغتيال الملا منصور(أمير المؤمنين) .
إجراءات المواجهة :
ـ إشراك قسم التطوير الفنى فى إيجاد وسائل فنية للمواجهة .
ـ التحريك الدائم للوحدات المقاتلة / مع تقليل حجمها إلى أقصى حد/ وتوزيعها على مساحة واسعة/ وبحيث يمكن إعادة تجميعها عند الضرورة فى أقصر وقت ممكن .
ـ التوسع فى برنامج الحفريات مع تعدد المداخل والمخارج قدرالإستطاعة. فى المناطق المنبسطة وفى الأرياف، وحتى الجبال .
ـ تقليل إستخدام وسائل الإتصال إلى أدنى حد . وتغيير مناطق إستخدامها بعد كل مرة .
ـ استخدام شيفرات خاصة للكلام بين الوحدات برموز غير معلومة لمن هو خارجها .
تحميل PDF (أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة) كامل .. اضغط هنا
الفصل الرابع :
طالبان كيف واجهوا تحديات “حرب الإستخبارات” ضد الحركة الجهادية؟؟
يشتكى جهاديون عرب من الحاجة إلى واضعى إستراتيجية للحرب و تقسيمها إلى مراحل. والشكوى فى غير محلها، فالشعوب تنهض للدفاع عن نفسها ، فى إتجاه فطرى ضد مصادر الخطر. وتلك مسألة لا تحتاج إلى أخصائيين . ثم يظهر القادة العسكريين وتتبلور معهم إستراتيجية العمل ، حتى ولو لم يكونوا خبراء إستراتيجيين .
وأبسط قواعد وضع الإستراتيجية وأكثرها عملية هى : (إذا كنت لا تعرف لنفسك إستراتيجية ، فتحرك فى عكس إتجاه إستراتيجية العدو ، تحصل على إستراتيجية ناجحة لعملك ).
فى وقت الجهاد ضد السوفييت توصل الكثير من القادة الميدانيين الأفغان إلى تحديد إستراتيجية عمل ناجحة لمناطقهم . لكن التدخل الخارجى منع وحدة المجاهدين كما منع تبلور رؤية إستراتيجية شاملة لأفغانستان كلها ، وأكثر من عرقل ذلك هى باكستان وجهاز إستخباراتها ISI الذى إستخدم قدراته على التمويل والإمداد بالسلاح ، ثم بإغتيال مناوئيه من قادة الداخل، والوقيعة بينهم، لإفشال أى مشروع لا يناسب مصالح باكستان .
ومع ذلك فإن التصورات الإستراتيجية التى وضعها ونفذها قادة جهاديون ميدانيون كان لها القول الفصل فى رحيل الجيش الأحمر عن أفغانستان .
الفشل فى وضع إستراتيجية عربية للجهاد:
أسباب فشل الجهاديين العرب فى وضع إستراتيجية عسكرية للمعارك التى شاركوا فيها يرجع إلى أسباب هامة منها :
1 ـ أنهم كانوا وافدين على تلك الميادين ، وقدراتهم محصورة فى الأعمال التكتيكية الميدانية .
2 ـ الميادين التى شاركوا فيها(سوريا /العراق/ اليمن) كان العدو قد حدد مسارها الإستراتيجى العسكرى والسياسى ، وفرضه على المقاتلين المحليين والوافدين ، كما فعلت المخابرات الباكستانية فى أفغانستان وقت الحرب ضد السوفييت .
3 ـ حتى إنتفاضات “الربيع العربى” كان العدو متحكما فى مسارها، فمنعها من الوصول إلى مرحلة الثورة الحقيقية . فبقيت مجرد إضطرابات أضرت الوضع الداخلى وزادت من جرعات القمع والفقر وضياع كرامة الشعب ، على عكس ما كانت تطمح إليه الشعوب عند إنطلاق خديعة “الربيع العربى” .
4 ـ مسارح العمليات التى تم حشد الحركة الجهادية فيها كانت تحت سيطرة الولايات المتحدة وعملائها النفطيين، وبمشاركة إسرائيل وتوجيه إستراتيجى وضعه شيمون بيريز ضمن رؤيتة المسماة “الشرق الاوسط الجديد”. فلا مجال لأى إجتهاد إستراتيجى داخل قفص حديدى محكم دخله “الجهاديون” لأداء مهمة محددة لهم سلفاً، وهى الحرب الطائفية وإشاعة أجواء الفتنة والصراع المسلح بين المسلمين لتوفير مناخ عمل آمن لمشروع بيريز.
5 ـ الجهاديون بدورهم كانت رؤيتهم الإستراتيجية فى جميع مسارح العمليات ثابتة لم تغيير وهى ما حددته لهم عقيدة بيريز من الحروب الطائفية . ولكنهم عندما صادفوا الفشل والهزيمة بحثوا عن شماعات لتعليق الفشل ، فكانت شماعة الإفتقاد إلى إستراتيجية وإلى قيادة وإلى تنظيم محكم وهى عناصر هامة ولكنها فى حاجة إلى إرادة مستقلة قبل أى شئ . وهذا غير متوفر فى الحركة الجهادية السلفية.[[ هناك إستثناءات قليلة فى عدة أماكن، منها مجموعات صغيرة تابعة للقاعدة فى اليمن. ومجموعات أخرى فى الصومال. كانوا تحت قيادات هى أقرب إلى فكر بن لادن الذى جاء فى بيانه سابق الذكر. تلك المجموعات رفضت طريق الفتنة ورسمت طريقها الخاص، ثم سارت فيه بدرجات متواضعة من النجاح، كونها تعرضت للحصار وتجفيف المنابع والتشنيع ثم الهجوم الميدانى ، حتى من إخوة الأمس ]].
ولكن إذا فقد المقاتلون تعاطف وتجاوب الوسط الإجتماعى فلا فائدة فى أى شئ آخر . وإلا فإن جيوش الإحتلال الأمريكى لأفغانستان لم يكن ينقصها أى عنصر للنجاح سوى تجاوب الشعب معها . لهذا فشلت رغم حرب تخطت العشرين عاما.
كيف عثر المجاهدون الأفغان على إستراتيجية للحرب ضد السوفييت ؟؟
أدرك المجاهدون الأفغان بسرعة أن سبب تدخل الجيش الأحمر كان لتثبيت أركان النظام الإنقلابى الشيوعى فى كابول ، والذى فشل فى توفير حد أدنى من إمكانات البقاء نتيجة للتناقض التام بين المبادئ الشيوعية وعقائد الإسلام الراسخة فى أفغانستان، ثم لجوء الإنقلاب الشيوعى إلى إستخدام عنف عسكرى مفرط ضد المحتجين ضده . فظهرت حالات الجهاد فى الجبال تحت قيادة علماء وشخصيات إسلامية .
توقع الكرملين أن سقوط نظام كابول الشيوعى بهذه الطريقة سيكون فاتحة لسقوط باقى أحجار الدمينو فى الكتلة الشرقية . فتدخل للحفاظ على نظام كابول معتبراً إياها مسألة حياة أو موت للإشتراكية كنظام عالمى يسيطر على مساحة واسعة من العالم ومئات الملايين من البشر.
لم يكن هناك أى هدف إقتصادى واضح للغزو الأحمر . وإن كان السوفييت قد نهبوا الغاز الطبيعى فى الشمال . ولكنه لم يكن عائدا إقتصاديا متعادلاً مع تكاليف غزو كبير بذلك الشكل .
كانت الإستراتيجية المناسبة للمجاهدين ـ وقد حدثت تلقائيا ـ هى إنتشار المقاومة المسلحة فى كل مكان بحيث يعجر النظام الشيوعى من حكم البلد ، وتعجز قوات الجيش الأحمر عن جلب الإستقرار بالقوة المسلحة على كامل المساحات الكبيرة الثائرة .
– الإستراتيجية السوفيتية المعاكسة لإخماد أعمال الجهاد المسلح كانت إغلاق منافذ الحدود لمنع تهريب السلاح والذخائر إلى مراكز المجاهدين . كان معلوماً أن باكستان هى مصدر تلك الأسلحة وأن منافذ عبور الأسلحة محدودة ومعروفة .
وأهمها كان موجودا فى محافظة باكتيا ويمر منها حوالى 60% من الإمدادات أو أكثر . فتحولت باكتيا إلى بؤرة الصراع والمنطقة الأولى فى تلك الحرب . ومنها بدأ الحسم العسكرى وسقوط النظام رغما عن أنف السوفييت والأمريكيين معاً .
وفيها سقطت مدينة خوست الحدودية وهى واحدة من أهم مدن البلاد ـ ثم تبعتها مدينة جرديز التى تصدعت دفاعاتها بقوة هجمات المجاهدين ـ وبعدها بحوالى أسبوع سقطت العاصمة وقد سبقتها معظم المدن الهامة فى البلاد .
ذلك أن سقوط المدن هو إيذان بسقوط النظام الذى يعتبر الحفاظ عليها ورقة قوة لإرغام المجاهدين على إقتسام السلطة معه ، وعدم الإستفراد بحكم البلاد وفرض نظام إسلامى علها .
وهكذا عمل المجاهدون عكس إستراتيجية العدو فى عدة نقاط :
1 ـ إبقاء المقاومة مشتعلة على أوسع نطاق .
2ـ الإبقاء على ممرات محافظة باكتيا مفتوحة أمام قوافل الإمداد .
3ـ إفشال نظرية أمن النظام بالحفاظ على وجوده وشرعيته بالحفاظ على المدن فى قبضته .
كيف عثر مجاهدو طالبان على إستراتيجية للحرب ضد الأمريكيين ؟؟
هدف الغزو الأمريكى لأفغانستان كان إقتصاديا بحتاً، وهو إعادة زراعة الأفيون الذى أوقفته الإمارة الإسلامية . كان مؤسس الإمارة (الملا محمد عمر) على علم بتلك النوايا قبل حوالى عامين . ولكن أكثر المسئولين فى الإمارة وأغلبية الشعب ظنوا أن حادث 11سبتمبر هو السبب. وساعد على رواج ذلك الإدعاء هَوْل الحملة الإعلامية التى رافقت الحادث والصور التلفزيونية المبهرة لحادث إصطدام الطائرتين بالبرجين العملاقين فى مانهاتن . ولكن فى أقل من عام أدرك معظم الشعب الأفغانى السبب الحقيقى للغزو الأمريكى لبلادهم عندما شاهدوا عودة طاغية لزراعة نبات الخشخاش الذى كان قد إختفى من الأرياف ، ليقفز إنتاج الأفيون من185 طن فى آخر عام من حكم الإمارة، إلى أكثر من ثلاثة آلاف طن فى الموسم الأول فى ظل الإحتلال .
وإكتشف العالم خدعة 11سبتمبر عندما تصايح المختصون بأن إنتاج الهيروين قفز أربعين ضعفاً مرة واحدة فى ظل الإحتلال !! .
وعلى الفور تحددت الملامح الإستراتيجية للمعركة بإعتبارها حرب أفيون فى الأساس .فأصبحت منطقة المركز هى ولايات الجنوب، وعلى قمتها ولاية هلمند التى كانت تنتج 80% من محصول الخشخاش، تليها جلال آباد فى الشرق بنسبة15% تقريبا . ثم نسبة قليلة متناثره فى الغرب والوسط . بالطبع النسب تغيرت مع سنوات الإحتلال لكن هلمند ظلت فى المقدمة .
وإنتاج مسحوق الهيروين أخذ مكاناً هاماً فى القواعد الجوية، خاصة قاعدة بجرام شمال كابول التى طار منها الهيروين إلى العالم. والعاصمة كابل أخذت موقعها الإقتصادى فى عملية غسيل الأموال عبر مطار العاصمة وبنك الدولة.
– الإستراتيجية العسكرية للمجاهدين كانت تلقائيا إنتزاع غنيمة الحرب من بين فكى جيوش الإحتلال . فكانت الخيارات هى :
1 ـ تحرير حقول زراعة الخشخاش من سيطرة الإحتلال وأعوانه .
2 ـ قطع طرق نقل الأفيون من المزارع إلى القواعد الجوية (براً وجواً) .
3 ـ منع التجار من التعاون مع الإحتلال أو بيع المحصول له .
4 ـ العمل ضد القواعد الجوية بالقصف الصاروخى والعمليات الإستشهادية .
ظل ذلك هو هيكل إستراتيجية المجاهدين العسكرية . مع توسعات إستدعتها طبيعة الإنتصارات وتوسع السيطرة على الأرض . وإدخال أساليب قتال جديد وقوات مقاتلة جديدة .
– من المفيد مقارنة تلك الإستراتيجية العسكرية الدامية لمنع الإحتلال من تحقيق مكاسب مادية من الحرب ، وقطع سبل إستغلاله لتلك الثروة . وبين إستراتيجية بن لادن لإبعاد الضغط العسكرى عن النفط ، الذى هو السبب الأساسى لوجود القوات الأمريكية فى بلاد الحرمين الشريفين ـ إضافة للأسباب الدينية المعروفة ـ التى إتيحت لهم وللصهاينة عندما إستسلم شعب جزيرة العرب/ وكأن أمر الحرمين لا يعنيه بشئ ، ولا حتى أمر جزيرة العرب/ معتمدا على مدخراته المالية التى سيحملها على كاهله ويرحل، حيث العيش الرغيد أينما تيسر ، ربما فى أمريكا نفسها .
ويمكن هنا القول أن بن لادن حدد الغاية من الحرب بشكل صحيح، ولكنه أخطأ فى رسم طريقة الوصول إلى هدفه (أى الإستراتيجية) .
وننظر الآن كيف واجه مجاهدو حركة طالبان التغييرات التى أدخلها العدو فى أسلحة الحرب وتكتيكات القتال . وكيف غير المجاهدون أساليب قتالهم وتشكيلاتهم القتالية عما كان معمولا به فى حربهم ضد السوفييت.
سوف نمر على أهم التطورات العسكرية المجاهدين فيما يلى من موضوعات :
1 ـ حرب الجبال.
2 ـ حرب الأرياف.
3 ـ حرب المدن.
4 ـ القوات الخاصة.
5 ـ سلاح الدعوة والإرشاد.
6 ـ مجموعات التوابين (المجموعات السرية المضادة لقوانين الدولة ) .
7 ـ أقسام التطوير التكنولوجى .
التسلسل التقليدى فى حروب العصابات وتدرجها من تحرير الجبال إلى تحرير الأرياف والقرى وفى الأخير تحرير المدن . ذلك التسلسل لم يعد إلزاميا أو حتى ممكناً . وذلك لأسباب إتضحت فى جهاد شعب أفغانستان ضد الإحتلال الأمريكى .
– فى العادة كانت تبدأ حرب العصابات من مناطق الجبال المجاورة لدولة صديقة للعصابات بحيث يسهل عبورهم لنقل الإمدادات والأفراد ونقل الجرحى .
ولكن فى الحرب ضد الإحتلال الأمريكى وجدت حركة طالبان نفسها واقعة فى حصار إقليمى محكم وعدائى . وهو جزء من حالة دولية معادية لها بسبب الخوف من الأمريكيين الذين إنخرطوا فى عمليات عقاب يمكن تطال أى دولة فى العالم وتسبب لها أذى إقتصادياً ، إن هى لم تؤيد غزو أفغانستان ، طبقا لشعار بوش فى حملته تلك (من ليس معنا فهو ضدنا ومع الإرهاب).
فكانت الحركة الجهادية مستقلة فى جميع شئونها الحربية والسياسية والإدارية . وعلاقتها مع شعبها قوية بحيث يستحيل الفصل بين المجاهدين (طالبان) وبين الشعب .
إستخدم العدو كامل طاقته لإحباط الجهاد والسيطرة على الشعب وإخضاعه . وقابله المجاهدون بالمثل ، فبقاء الجهاد وإستمراره ثم نجاحه يتوقف على سيطرة المجاهدين على العدو بشتى السبل لإنتزاع وسائل القوة من بين يديه (سلاح ـ إمدادات ـ أموال) وإستخدمها ضده لإرغامه على الفرار والرحيل .
– تأثيرات سلاح الجو الأمريكى أملت العديد من التغييرات فى سلوك المجاهدين وخططهم العملياتيه والإستراتيجية .
لم يكن طيران العدو فقط ضخم العدد ومتنوع ، قادر على العمل فى جميع الأجواء ، مطلق الحرية لعدم وجود وسائل لمقاومته ، أو إعتراضات إقليمية أو دولية . بل كان كل ما يفعله بالأفغان مبرراً بـحادث سبتمبر . بحيث لم يجد أحد غضاضة فى تقديم العون للمعتدى.
منذ الأيام الأولى أدرك الأفغان أنهم أمام سلاح طيران مختلف تماما عما ألفوه فى الحرب السوفيتية . وإحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية هو الهدف الأول لطيران أمريكا وحلفائها. وتكرار القصف على نفس الهدف بفاصل عشرة دقائق لقتل من تجمعوا لإنقاذ الضحايا . وضرب وسائل النقل على الطرقات . وإستهداف الأفراح بشكل خاص وتحويلها إلى مجازر . ولم يستثنوا تجمعات العزاء ، أو التجمعات القبلية .واستخدام الذخائر الثقيلة التى تحدث زلازل ويسمع صداها من بُعْد عشرات الكيلومترات، ناهيك عن القذائف المصنوعة من اليورانيوم المنضب أو النَشِط.
كان الطيران سلاحاً للقتل الشامل للبشر ، وليس لتحقيق أى هدف عسكرى قد يأتى ضمنا كأثر ثانوى . سلاح طيران العدو كان أساسيا فى ضبط المسيرة القتالية للمجاهدين من حركة طالبان. وحتى الأهالى منذ أيام الحرب الأولى ـ ورغم تعاطفهم مع أبنائهم الطالبان ـ طالبوهم بأحد إختيارين : إما حمايتهم من الطيران الأمريكى ، أوالعمل بعيداً عن قراهم .
وبين هذين الخيارين تعاملت حركة طالبان مع التهديد الجوى . وعمليات التحرير التى كانت متاحة على الأرض ، سواء فى الجبال أو الأرياف، كانت تنفذ ولكن بشروط يجرى ذكرها .
بوجه عام إنتقلت مواجهة الطيران إلى الأرض بدلا من الفضاء، بأن تُقْصَف القواعد الجوية بالصواريخ . وبإغتيال الطيارين فى شوارع العاصمة، أو أينما ساروا على الأرض . وبهجمات نوعية داخل القواعد الجوية نفسها، أو بعناصر إستشهادية من القوات الخاصة، الذين مناسبات عديدة أحدثوا خسائر هائلة فى الطيران (قاعدة شورآب الجوية فى هلمند، ومطار جلال آباد ، وقاعدة بجرام ، وهى عمليات تكررت عدة مرات).
– سلاح الجو المعادى ـ إضافة إلى الحصار المحكم الذى تعيش فيه الحركة الجهادية لطالبان . جعل الهجمات الكبيرة وعمليات التحرير الواسع ، محدودة ومحسوبة بدقة . ومع الوقت أخلى الإحتلال مناطق كثيرة من تواجده المباشر ، وكذلك فعل الجيش العميل ، ومن الطبيعى أن تملأ حركة طالبان الفراغ الحادث ، وأن تقضى بالقوة على أى تواجد عسكرى أو إدارى حكومى فى تلك المناطق .
مواجهة (طالبان) لتحديات الطيران والحصار الإستراتيجى :
إتخذت حركة طالبان عدة إجراءات لمواجهة الظروف والتحديات الإستثنائية التى تقابل حركتها الجهادية وهى تحديات (سلاح الطيران الأمريكى) و(الحصار الإستراتيجى على المجاهدين). تلك الإجراءات على بساطتها الظاهرة إلا أن تأثيرها كان عميقا على مسار الحرب ورجحان كفة المجاهدين على كتلة اعدائهم ،الأقوى فى العالم عسكريا وإستخباريا. وجبهتهم بقيادة الولايات المتحدة تضم ـ إسرائيل وحلف الناتو الحلف العسكرى الأوحد والأكبر فى العالم ومن البقايا غير المنقرضة لمرحلة الحرب الباردة (1945 ـ 1990) .
التطويرات التى أدخلها مجاهدو طالبان :
1 ـ إستخدم أسلوب التسلل كبديل لعمليات الإقتحام .
2 ـ إستيطان المدن .. كبديل عن حصارها.
3 ـ إستخدم القوات النوعية (القوات الخاصة) .. كبديل عن المجموعات كبيرة العدد .
4 ـ إستخدام جهاز الدعوة والإرشاد ، كسلاح معنوى فعال فى أوساط الشعب وأوساط الأعداء المحليين .
5 ـ إستخدام طاقة ( وحدات التوابين ) الذين يطاردهم النظام ، فى العمل ضد الإحتلال وأعوانه.
6 ـ التطوير التكنولوجى للذخائر والمعدات والأسلحة.
وبقليل من التوضيح نقول :
1 ـ التسلل .. بديلا عن الإقتحام :
هذه الطريقة أحدثت تأثيرا مدمرا فى العدو ، خاصة فى معسكرات التدريب ، والوحدات المقاتلة ، وقوات الشرطة والأمن . ومن أهم تأثيراتها ضياع الثقة داخل تلك التشكيلات المسلحة . وبشكل خاص الثقة بين المدربين الأجانب والمتدربين الأفغان . فانسحبت العديد من الدول من برامج التدريب أو قللتها كثيرا بعد خسائر عالية جدا من أرواح ضباطها ومدربيها على يد متسللين أفغان سواء من حركة طالبان أو من المواطنين الغيارى على دينهم ووطنهم .
تمكن المتسللون من تنفيذ عمليات إغتيال هامة خلال عملهم كحراس أمنيين . بعض العمليات كانت إستشهادية وبعضها الآخر تمكن منفذوها من الإلتحاق بوحدات طالبان القريبة إلى أماكنهم. وأحيانا وفَّرَ المجاهدون تغطية وحماية لتلك العمليات، وكانت ضمن مخطط هجومى أكبر .
الهجمات على مدن هامة ــ والإستيلاء عليها لعدة أيام ــ تمت بعمليات تسلل وليس عمليات إقتحام بالقوة لنطاقاتها الدفاعية فكان سقوطها مفاجئا ومذهلا وقليل الضحايا من الطرفين. ولولا تدخل الطيران الأمريكى الذى قصف المدنيين وأحياء التجار والأسواق ، لبقيت مدن هامة محررة إلى الآن ، خاصة مدينتى قندز وغزنى ، وبمعنى أصح : لكان النظام قد سقط منذ سنوات.
وبمعنى أوضح لقد راهن الأمريكيين أن على منعهم طالبان من الإستيلاء على المدن وبالتالى إسقاط النظام، سوف يدفع طالبان إلى الرضا بتقاسم السلطة فى ظل الإحتلال وبشروطه. ولكن إطالة أمد الحرب فاقم تأثيرات الحرب السيئة على الوضع الداخلى الأمريكى، الذى تفسخ وفشلت طقوسه الديموقراطية ، ويقف الآن على شفا حرب أهلية مدمرة إنقسم فيها الشعب إلى قسمين متعادلين عدديا ومسلحين حتى الأسنان.
والجميع يعلم أن زمن أمريكا كقوة عظمى قد مضى إلى غير رجعة . والسؤال الآن هو : متى تسقط الولايات المتحدة كما سقط الإتحاد السوفيتى؟؟ .
2 ـ إستيطان المدن .. بديلا عن حصارها :
تجديد عبقرى آخر يناسب ظروف التفوق الجوى وتطور سلاح الطائرات المسيرة “بدون طيار”. كان حصار المدن فى الحرب السوفيتية يستمر لسنوات ويكلف معارك لا حصر لها ضد الأطواق الدفاعية. إستلزم ذلك عددا كبيرا من المجاهدين لسنوات طويلة، وذخائر يتحكم المنافقون فى إمداد المجاهدين بها ، غالبا لمنع إقتحامهم المدن، لأن الهدف الدولى كان الوصول إلى تفاهم أمريكى / سوفيتى ، وليس تحرير أفغانستان أو أن يحكمها الإسلام .
والآن نفوذ طالبان داخل المدن الهامة يزيد بالفعل عن نفوذ النظام الحاكم . وأتاح تواجدهم فى المدن إمكانية القيام بأعمال لا حصر لها لسد إحتياجات المجاهدين.
وفى داخل المدينة إكتسبوا خبرات إستخبارية لا تقدر بثمن، لأنهم فى حالة صراع مسلح دائم مع الأجهزة الإستخبارية للعدو .
لا تنقطع عمليات طالبان داخل المدن ، حتى وصلت إلى تطهير مواقع إستخبارية للأعداء وإبادة من فيها . وتسيير دوريات لهم فى العاصمة ، فيظهرون بشكل إستفزازى فى أحياء رئيسية وهم مسلحون ، ويشتبكون أحيانا مع الجيش فى شوارع العاصمة ، حتى قال أحد الجنرالات مندهشا: إنهم يطلقون علينا راجمات الصواريخ من داخل الحوارى الضيقة !! .
3 ـ القوات الخاصة .. كبديل عن القوات كبيرة العدد .
لا يعنى ذلك إلغاء القوات الجهادية كثيفة العدد . ولكن توفير تلك القوات وتجنيبها الضربات الجوية . وإستخدامها بحساب ودقة . القوات الخاصة أسهل فى التسلل إلى أى هدف عسكرى سواء كان قواعد عسكرية كبيرة ، أو مراكز أمنية وإدارية للعدو داخل المدن .
المدن بهذه الصورة أصبحت ساحة واسعة لتعويض الكثير من الأنشطة الجهادية التى قيَّدتها ظروف الحرب الحديثة . فعمليات الإغتيال أتاحت ضرب سلاح الطيران بشكل غير مباشر عبر إغتيال الطيارين والفنيين الجويين . وإغتيال جنرالات وضباط كبار فى الجيش فى المدن. وإختراق الدوائر الحكومية حتى أرفع مستوياتها ، وكذلك القيادات العسكرية والأمنية . وعقد صفقات لشراء أسلحة مع كبار الضباط والعاملين فى القواعد العسكرية . إلى آخر نشاطات لا حصر لها ، أتاحها التسلل إلى المدن بديلا عن سياسة الحصار التى كانت متبعة فى الحرب السوفيتية .
ونتيجة لهذا فإن الإستيلاء طالبان على المدن الكبرى ـ خاصة العاصمة ـ لا يمثل بالنسبة لهم مشكلة عسكرية كبيرة فى حد ذاته . ولكن حساباته السياسية معقدة نظراً لإرتباطه بأوضاع داخلية وخارجية متشابكة ومعقدة .
4 ـ جهاز الدعوة والإرشاد :
سلاح معنوى فعال للغاية . لهداية الأفغان وإعادتهم إلى سبيل الرشاد بعيدا عن غواية العدو وتهديدات النظام .
أعداد متزايدة من الجنود، وتدفق مستمر للعاملين فى صفوف الأعداء عادوا إلى شعبهم ومجاهديهم ، نتيجة (إدراكهم الحقائق) حسب تعبير جهاز الدعوة والإرشاد. المئات شهريا فى مختلف الجبهات ، ومن مختلف فئات العاملين فى النظام أو فى صفوف العدو يغيرون موقفهم بفضل مجهودات ذلك الجهاز الذى صار أداة حقيقية فعالة فى الحرب الجهادية فى أفغانستان .
العائدون إلى دينهم ووطنهم ، عادوا ومعهم بعضاً من قوة النظام ، على هيئة سلاح أو عتاد ، أو معلومات وأموال .. أو ..أسرار عليا للدولة .
5 ـ قوات التوابين { المجموعات السرية المضادة للدولة وقوانينها } :
وهى أحدى ثمار مجهودات جهاز الدعوة والإرشاد . وأيضا مجهودات المجاهدين وشجاعتهم وتضحياتهم التى تأسر قلوب الفتيان الجسورين المتمردين .
عاد هؤلاء إلى خدمة دينهم وشعبهم . وكانوا لسنوات فى صراع مع النظام والإحتلال ولكن على طريقتهم الخاصة . وبشكلٍ ما ، كانوا عصابات تهدم نظام الإحتلال بكافة السبل التى تمكنوا منها ، بلا قيود تردعهم عن التنكيل بأعدائهم . فاستطاعوا بطرقهم الخاصة تجريد “الكبار من أموالهم” وسحب الأسلحة من مخازن أشد القواعد العسكرية حراسة .
فى عملياتهم العسكرية ما بين كر وفر ، لم يكن للحدود الدولية أى إعتبار، غير القدرة على الإستفادة منها، وليس إحتجازهم أو الحجرعلى”حريتهم”. تَحْمِلَهُم رياح غدوها شهر ورواحها شهر، لايخشون شيئا، ويخشاهم كل شئ .
قدموا كل ما كان فى طاقتهم إلى المجاهدين ، من الأسلحة إلى المعلومات ، إلى المعدات القتالية الحساسة والممنوعة فى كل قانون ، والمحجوبة عن كل أسواق السلاح . فعلوا ذلك بسهولة وطيبة خاطر وتضحيات هائلة تُدْخِل السرور والأمل فى قلوبهم ولكن لا تردعهم . وكانوا أدرى من غيرهم بالمسارات السرية للعدو ، التى يحصل من خلالها على المعلومات ، أو يمارس تهريب المخدرات ، أو يرتب لعمليات الإغتيال والتجسس والإفساد الداخلى وشق الصفوف .
إختصاراً ــ كانوا “قوات خاصة للغاية” فى جميع المجالات ــ وعوناً مباشراً وغير مباشر لمعظم النشاطات الجهادية . ويشكلون للإحتلال وحكومته مشكلة متفاقمة لاحل لها ، وأحد التجديدات الثورية فى الحروب غير التقليدية نفسها.
6 ـ التطوير التكنولوجى :
كانت طائرات الدرون هى التحدى الأكبر للمجاهدين . فدخلوا مجال الحصول عليها ثم مجال تصنيعها ، وتوصلوا إلى أساليب للسيطرة الألكترونية على بعضها والإستيلاء عليها سليمة .
ثم صنعوا طائرات(درون) خاصة بهم ، ويستخدمونها فى نفس المجالات التى يستخدمها فيها العدو. فى الهجوم الجوى والإستطلاع وجمع المعلومات والإغتيال. والآن يضربون المثل قائلين أن رئيس الدولة لا يستطيع أن يسير فى حديقة القصر الجمهورى خوفا من (درون) طالبان.
ثم عملوا بإجتهاد لصناعة صواريخ أرض أرض ـ وتتحسن صواريخهم سريعا . ويفخرون بها رغم عدم دقتها. ويقولون أنها فعالة جدا، ويمكن أن تصيب الأهداف الكبيرة جدا فى حجم القواعد الجوية . ويقولون أنهم يقللون مسافة الخطأ ـ ويتقدمون بإضطراد، وقد تقدموا كثيرا جدا بالنسبة إلى بدايتهم ، حيث كانت صواريخهم الأولية تطير ، ولكنها تعود سريعاً لتسقط فوق منصة الإطلاق .. .. وسبحان مُغَيِّر الأحوال .
السيادة الوطنية والسيادة الإسلامية :
إنقلبت الموازين فى البلاد الإسلامية بتأثير الفترة الطويلة من الإستعمار الأوروبى ، والغزو الثقافى الذى مازال عاصفاً بسبب سيطرة اليهود على إعلام العالم، وتغذيتهم للتيارات الفكرية والسياسية سعيا إلى “العولمة”، أى محو الثقافات جميعا ماعدا الثقافة اليهودية .
– فى مشروع بن لادن تجلى التحيز الوطنى على حساب المعيار الإسلامى عند مواجهة جيوش الظالمين . فهم معصوموا الدم إذا كانوا من السعوديين ، ومستباحون إن كانوا من جنسية أخرى.
– طواغيت السعودية إستخدموا النزعة الوطنية لتبرير تصرف الحاكم السعودى المنحرف بالمقدسات الإسلامية ، على أنها من قضايا “السيادة الوطنية”. وقبلاً صادروا النفط لصالح العائلة الحاكمة بحجة سلطة دينية خاصة للملك بصفته (ولي الأمر واجب الطاعة) بما يتيح له نهب أموال المسلمن والإستيلاء على الثروات العامة للأمة.
– إذا عادت الأمة إلى جهادها فإن السيادة الحقيقية ستكون لله ورسوله والمؤمنين . أما الوطن والمواطن والشعب فسيادتهم مكفولة فى إطار تلك السياده العليا لله ورسوله . وأى تجاوز خارج ذلك الإطار السيادى هو طغيان يستوجب إعادته إلى القانون الإسلامى بالسبل الممكنة. فلا يجوز التعدى على حقوق فئة من المسلمين لصالح فئة أخرى باغية تتسلح بدعاوى جاهلية عن تفوق عرقى أو تكاثر عددى ، لكى تصادر بالعدوان والغلبة حقوق الآخرين التى يضمنها لهم الشرع فى الثروات العامة والمياه والأراضى.
فالثروات الإسلامية مثل موارد الطاقة والمناجم هى ملك للأمة الإسلامية عامة، وليست خاضعة للسيادة الوطنية المزيفة . فلا يجوزالتصرف فيها بما يضر مصالح الأمة الإسلامية أو يهضم حقوق المستضعفين من الناس. وجميع المذاهب فيها ما يكفى من الضوابط لأوجه إستفادة الأمة وشكل ملكيتها لتلك الثروات . فإذا تعذر تصرف جماعى للأمة فى ثرواتها لعدم وجود كيان سياسى موحد للأمة (دولة إسلامية جامعة)، فأقل تقدير هو عدم تسليم تلك الثروات للعدو ليبنى قوته منها كما يحدث الآن مع النفط والغاز والمناجم . فهذا عدوان على الأمة ، والتصدى له فريضة تشمل الأمة كلها لمنعه، بلا أى إعتبار(لسيادة وطنية) هى غطاء للنهب الإستعمارى.
– وتحديدا فإن التصدى للنهب الإستعمارى لثروات النفط والغاز، هو فريضة متفرعة من فريضة الدفاع عن المقدسات الإسلامية التى يقف وراءها العدوان الغربى والصهيونى.
ــ سيادة الأمة تشمل شرائعها كما تشمل مقدساتها ، وتشمل ثرواتها الطبيعية ، وأراضيها وأجوائها وبحارها . وهى سيادة معيارها الشريعة الإسلامية ، وليست حقوقا منفصلة عن الشريعة أو تقف فى مواجهتها كمُتَحَدٍ أو منافس.
الجندى المسلم يقاتل تحت راية العدو الصائل :
يتفرع من الموضوع السابق مسألة الحكم الشرعى فى الجندى (المسلم) الذى يقاتل تحت راية الغزاة الكافرين . كما حدث فى أفغانستان خلال الحملات الإستعمارية. وحدث للمسلمين فى أوقات الحروب الصليبية والحملات المغولية ، حيث ضمت جيوش الغزاة أعداداً كبيرة من المسلمين وحتى من الأمراء والقضاة . لذا حفل فقه تلك المرحلة بالإحكام الشرعية حول تترس الجيوش الغازية بالأسرى والسكان المسلمين . وحكم مهاجمة المدن المحصنة التى يحتلها العدو ويدافع عنها ضد جيوش المسلمين .
وملخص تلك الأحكام :
– أن الجندى يأخذ حكم الراية التى يقاتل تحتها ، وليس حكم ديانته الرسمية.
– أن التصدى لقوات العدو الصائل ، لا يمنعه تترس العدو بالمسلمين أو بمدنهم المحتلة.
[ والتفاصيل متوفرة فى كتب الفقه المعتبرة لدى السنة والشيعة ].
تحميل PDF (أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة) كامل .. اضغط هنا
الفصل الخامس : (النص الكامل)
بيان إعلان الجهاد
( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب )
رسالة من أسامة بن محمد بن لادن إلى إخوانه المسلمين في العالم كافة وجزيرة العرب خاصة ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
الحمد لله القائل {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}. [هود: 88].
الحمد لله القائل: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. [آل عمران: 110].
والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه).[رواه أبو داود والترمذي والنسائي].
أما بعد :-
فلا يخفى عليكم ما أصاب أهل الإسلام من ظلمٍ وبغيٍ وعدوانٍ من تحالف اليهودِ والنصارى وأعوانهم، حتى أصبحت دماء المسلمين أرخص الدماء، وأموالهم وثرواتهم نهباً للأعداء، فها هي دماؤهم قد سُفِكَت فلسطين، والعراق، وما زالت الصور الفظيعة لمجزرة قانا في لبنان عالقة بالأذهان، وكذلك المجازر في طاجكستان، وبورما، وكشمير، وآسام، والفلبين، وفطاني، والأوجادين، والصومال، وإريتريا، والشيشان، وفي البوسنة والهرسك، حيث جرت مذابح للمسلمين هناك تقشعرُ لها الأبدان، ويهتز من هولها الوجدان، وذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع، بل وبتآمر واضح من أمريكا وحلفائها بمنعهم السلاح عن المستضعفين هناك تحت ستار الأمم المتحدة الظالمة، فانتبه أهل الإسلام إلى أنهم الهدف الرئيسي لعدوان التحالف اليهودي الصليبي، وزالت كل تلك الدعايات الكاذبة عن حقوق الإنسان تحت الضربات والمجازر التي ارتُكِبْت ضد المسلمين في كل مكان.
وكان آخر هذه الاعتداءات أن أُصيبَ المسلمون بمصيبة من أعظم المصائب التي أُصيبوا بها منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهي احتلال بلاد الحرمين – عقر دار الإسلام، ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وبها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين- وذلك من قبل جيوش النصارى من الأمريكيين وحلفائهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
في ظلال هذا الواقع الذي نعيشه، وفي ظل الصحوة المباركة العارمة التي شملت بقاع العالم، والعالم الإسلامي خاصة، ألتقي اليوم معكم بعد طول غياب فرضته الحملة الصليبية الظالمة التي تتزعمها أمريكا على علماء الإسلام ودعاته خشية أن يحرضوا الأمة الإسلامية ضد أعدائها تأسياً بعلماء السلف رحمهم الله كابن تيمية والعز بن عبد السلام. وهكذا قام هذا التحالف الصليبي اليهودي بقتل واعتقال رموز العلماء الصادقين والدعاة العاملين – ولا نزكي على الله أحداً- فقام بقتل الشيخ المجاهد/ عبد الله عزام، واعتقال الشيخ المجاهد/ أحمد ياسين. في مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، والشيخ المجاهد/ عمر عبد الرحمن في أمريكا، كما اعتقل بإيعازٍ من أمريكا عددٌ كبيرٌ جداً من العلماء والدعاة والشباب في بلاد الحرمين من أبرزهم الشيخ/ سلمان العودة والشيخ/ سفر الحوالي وإخوانهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد أصابنا بعض ذلك الظلم بمنعنا من الحديث مع المسلمين، ومطاردتنا في باكستان والسودان وأفغانستان؛ مما أدى إلى هذا الغياب الطويل، ولكن بفضل الله تيسر وجود قاعدة آمنة في خُرسان، فوق ذرى الهندوكوش، تلك الذرى التي تحطمت عليها – بفضل الله – أكبر قوة عسكرية ملحدة في الأرض، وتلاشت عليها أسطورة القوى الكبرى أمام صيحات المجاهدين – الله أكبر- واليوم من فوق نفس الذرى من أفغانستان نعمل على رفع الظلم الذي وقع على الأمة من التحالف اليهودي الصليبي، وخاصة بعد احتلاله مسرى النبي عليه الصلاة والسلام واستباحته بلاد الحرمين، ونرجو الله أن يمن علينا بالنصر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وها نحن اليوم نبدأ منها الحديث والعمل والتذاكر لبحث سبل الإصلاح لما حل بالعالم الإسلامي عامة، وببلاد الحرمين خاصة، ونريد أن نتدارس السبل التي يمكن بسلوكها إعادة الأمور إلى نصابها، والحقوق إلى أصحابها، بعد أن أصاب الناس ما أصابهم من خطب عظيم وضرر جسيم في أمور دينهم ودنياهم، أصاب الناس بجميع فئاتهم، أصاب المدنيين كما أصاب العسكريين ورجال الأمن، أصاب الموظفين كما أصاب التجار، وأصاب الصغار والكبار، أصاب طلاب المدارس والجامعات كما أصاب المتخرجين من الجامعات العاطلين عن العمل، وهم بمئات الألوف، بل أصبحوا يشكلون شريحة عريضة في المجتمع.
أصاب أهل الصناعة كما أصاب أهل الزراعة، وأصاب أهل الحضر والمدر، كما أصاب أهل البادية والوبر، والكل يشتكي من كل شيء تقريباً، وبات الوضع في بلاد الحرمين أشبه ببركان هائل يكاد أن ينفجر فيقضي على الكفر والفساد مهما كانت مصادره، وما انفجارا الرياض والخبر إلا نذر لهذا السيل الهادر الذي تولد عن المعاناة والكبت المرير، والقهر، والظلم الفادح والبغي المذل والفقر.
وقد شُغل الناس بأمور معاشهم شغلاً عظيماً، الحديث عن التردي الاقتصادي وغلاء الأسعار وكثرة الديون وامتلاء السجون هو حديث الجميع فحدث عنه ولا حرج، فهؤلاء موظفون من ذوي الدخل المحدود يحدثونك عن ديونهم بعشرات ومئات الألوف من الريالات، ويشتكون من التدني الهائل والمستمر لقيمة الريال الشرائية مقابل معظم العملات الرئيسية، بينما يحدثك كبار التجار والمقاولين عن ديونهم بمئات وآلاف الملايين من الريالات على الدولة، وقد بلغت الديون الداخلية للمواطنين على الدولة أكثر من ثلاثمائة وأربعين ألف مليون من الريالات تزداد يومياً بسبب الفوائد الربوية ناهيك عن ديونها الخارجية، والناس يتساءلون أحقاً نحن أكبر دولة مصدرة للنفط، بل ويشعرون أن هذا عذاب من الله على هم لأنهم سكتوا عن ظلم النظام وتصرفاته غير الشرعية ومن أبرزها عدم التحاكم إلى شرع الله، ومصادرة حقوق العباد الشرعية، وإباحة بلاد الحرمين للمحتلين الأمريكيين، وإيداع العلماء الصادقين ورثة الأنبياء السجون ظلماً وعدواناً. هذا المصاب العظيم قد تنبه له أهل الفضل والخير من المختصين في أمور الدين، كالدعاة والعلماء، وكذلك من المختصين في أمور الدنيا كالتجار والاقتصاديين والوجهاء، فبذلت كل فئة جهدها للتحرك السريع لتدارك الموقف. والجميع مجمعٌ على أن البلاد تسير نحو هوة سحيقة ومصيبة فظيعة لا يعلم مداها إلا الله، وعلى حد تعبير كبار التجار [إن الملك يقود البلاد إلى ستين داهية]، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كما أن العديد من الأمراء يشاركون الشعب همومه ويعبرون في مجالسهم الخاصة عن اعتراضهم على ما يجري في البلاد من إرهاب وقمع وفساد. وإن تنافس الأمراء المتنفذين على المصالح الشخصية قد دمر البلاد، وأن النظام قد مزق شرعيته بيده بأعمال كثيرة أهمها:
1- تعطيله لأحكام الشريعة الإسلامية، واستبدالها بالقوانين الوضعية، مع دخوله في مواجهة دامية مع العلماء الصادقين والشباب الصالحين, ولا نزكي على الله أحداً.
2- عجزه عن حماية البلاد وإباحتها السنين الطوال لأعداء الأمة من القوات الصليبية الأمريكية التي أصبحت السبب الرئيسي في نكبتنا بجميع نواحيها وبخاصة الاقتصادية نتيجة الإنفاق الثقيل عليها بغير حق، ونتيجة للسياسات التي تفرضها على البلاد وخاصة السياسة النفطية حيث تحدد الكمية المنتجة من البترول والسعر بما يحقق مصالحهم الاقتصادية ويهمل مصالح البلاد الاقتصادية، ونتيجة لصفقات الأسلحة باهظة التكاليف التي تفرض على النظام حتى أصبح الناس يتساءلون: ما فائدة وجود النظام إذاً؟.
فبذلت كل فئة جهدها للتحرك السريع لتدارك الموقف، وتلافي الخطر، فنصحوا سراً وجهراً، ونثراً وشعراً، زرافات ووحدانا، وأرسلوا العرائض تتلوها العرائض، والمذكرات تتبعها المذكرات، وما تركوا سبيلاً إلا ولجوه ولا رجلاً مؤثراً إلا وأدخلوه معهم في تحركهم الإصلاحي، وقد كانوا متوخين في كتاباتهم أسلوب الرفق واللين بالحكمة والموعظة الحسنة داعين إلى الإصلاح والتوبة من المنكرات العظام والمفاسد الجسام التي شمل فيها التجاوز مُحْكَمَات الدين القطعية وحقوق المواطنين الشرعية.
ولكن – للأسف الشديد- لم يجدوا من النظام إلا الصدود والإعراض، بل والسخرية والاستهزاء، ولم يقف الأمر عند حد تسفيههم فقط، بل تعززت المخالفات السابقة بمنكرات لاحقة أكبر وأكثر، كل ذلك في بلاد الحرمين!! فلم يعد السكوت مستساغاً، ولا التغاضي مقبولا.
ولما بلغ التجاوز ما بلغ، وتعدى حدود الكبائر والموبقات، إلى نواقض الإسلام الجليات، قامت مجموعة من العلماء والدعاة الذين ضاقت صدورهم ذرعاً بما أصم آذانهم من أصوات الضلال، وغشي أبصارهم من حجب الظلم، وأزكم أنوفهم من رائحة الفساد.
فانبعثت نذر الرفض، وارتفعت أصوات الإصلاح داعية لتدارك الموقف، وتلافي الوضع، وانضم إليهم في ذلك المئات من المثقفين، والوجهاء، والتجار، والمسؤولين السابقين، فرفعوا إلى الملك العرائض والمذكرات المتضمنة المطالبة بالإصلاح، ففي سنة 1411 هـ إبّان حرب الخليج رفعت إلى الملك عريضة وقعها حوالي أربعمائة شخصية من هؤلاء تدعوه لإصلاح أوضاع البلاد، ورفع الظلم عن العباد، غير أنه تجاهل النصح، واستهزأ بالناصحين، وظلت الأوضاع تزداد سوءاً على سوء .
وحينئذٍ أعاد هؤلاء الناصحون الكرة من جديد بمذكرات وعرائض أخرى كان من أهمها مذكرة النصيحة التي سُلِمَتْ للملك في محرم 1413 هـ والتي شَخَّصت الداء ووصفت الدواء، في تأصيل شرعي قويم، وعرض علمي سليم، فتناولت بذلك الفجوات الكبرى في فلسفة النظام، ومواضع الخلل الرئيسية في دعائم الحكم، فبينت ما يعانيه رموز المجتمع وقياداته الداعية للإصلاح – كالعلماء والدعاة وشيوخ القبائل والتجار والوجهاء وأساتذة الجامعات- من تهميشٍ وتحييد، بل ومن ملاحقة وتضييق.
وأوضحت حالة الأنظمة واللوائح في البلاد، وما تضمنته من مخالفات شملت التحريم والتحليل تشريعاً من دون الله.
وتعرضت لوضع الإعلام في البلاد الذي أصبح وسيلة لتقديس الأشخاص والذوات، وأداة لطمس الحقائق، وتزييف الوقائع والتشهير بأهل الحق، والتباكي على قضايا الأمة لتضليل الناس دون عمل جاد، وتنفيذ خطط الأعداء لإفساد الناس وإبعادهم عن دينهم، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، قال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور، آية: 19].
وتطرقت إلى حقوق العباد الشرعية المهدورة والمصادرة في هذه البلاد.
وتناولت الوضع الإداري، وما يحكمه من عجز، ويشيع فيه من فساد.
وأبانت حالة الوضع المالي والاقتصادي للدولة، والمصير المخيف المرعب الذي ينتظره في ظل الديون الربوية التي قصمت ظهر الدولة، والتبذير الذي يبدد أموال الأمة إشباعاً للنزوات الشخصية الخاصة !! ثم تُفرض الضرائب والرسوم والمكوس و غير ذلك على الشعب ؟!!! وقد قال صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي زنت وتابت وأقام عليها الحد: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكسٍ لغُفِرَ له( [رواه أحمد].مما يبين عظَمَ ذنبِ صاحب المكس، بينما لا زال بعض الناس يدعون على المنابر لصاحب المكس، المجاهر بكبيرة الربا المشرّع لها، وذلك كفرٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكشفت عن حالة المرافق الاجتماعية المزرية داخل البلاد، والتي استفحلت بعد المذكرة وتفاقمت، وبخاصة خدمات المياه أهم مقومات الحياة.
وعرضت حالة الجيش وما كشفته أزمة الخليج، من قلة أفراده، وضعف إعداده، وعجز قائد قوَّاده، رغم ما أنفق عليه من أرقام فلكية لا تعقل!! ولا تخفى؟.
وعلى مستوى القضاء والمحاكم بينت المذكرة تعطيل العديد من الأحكام الشرعية واستبدالها بالقوانين الوضعية.
وعلى صعيد سياسة الدولة الخارجية كشفت المذكرة ما تميزت به هذه السياسة من خذلان وتجاهل قضايا المسلمين، بل ومن مناصرة ومؤازرة الأعداء ضدهم وليست [غزة – أريحا ] والشيوعيون في جنوب اليمن عنا ببعيد، وغيرهما كثير.
ولا يخفى على أحد أن تحكيم القوانين الوضعية، ومناصرة الكافر على المسلم معدودة في نواقض الإسلام العشرة، كما قرر ذلك أهل العلم، وقد قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]، وقال تعالى أيضاً {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء: 65].
ومع أن المذكرة عرضت كل ذلك بلين عبارة، ولطف إشارة، مذكرة بالله، واعظة بالحسنى، في أسلوب رقيق ومضمون صادق ورغم أهمية النصيحة في الإسلام، وضرورتها لمن تولى أمر الناس، ورغم عدد ومكانة الموقعين على هذه المذكرة، والمتعاطفين معها، فإن ذلك لم يشفع لها، إذ قوبل مضمونها بالصد والرد، ومُوقْعُوها والمتعاطفون معها بالتسفيه والعقاب والسجن.
وهكذا ظهر بكل وضوح حرص الدعاة والمصلحين على سلوك سبل الإصلاح السلمية حرصاً على وحدة البلاد، وحقناً لدماء العباد. فلماذا يوصد النظام جميع سبل الإصلاح السلمية ويدفع الناس دفعاً نحو العمل المسلح ؟!!! وهو الباب الوحيد الذي بقي أمام الناس لرفع الظلم وإقامة الحق والعدل. ولمصلحة من يقحم الأمير سلطان والأمير نايف البلاد والعباد في حرب داخلية تأكل الأخضر واليابس، ويستعين ويستشير من أشعل الفتن الداخلية في بلاده، وجيّش أبناء الشعب من الشرطة لإجهاض الحركة الإصلاحية هناك، وضرب أبناء الشعب بعضهم ببعض، وبقي العدو الرئيسي في المنطقة وهو التحالف اليهودي الأمريكي في أمن وأمان، بعد أن وجد أمثال هؤلاء الخائنين لأمتهم ينفذون سياساته لاستنزاف طاقات الأمة البشرية والمالية داخلياً.
وهذا الذي يستشيره وزير الداخلية الأمير نايف لم يتحمله الشعب في بلده لشدة قذارته وبغيه على شعبه، فأقيل من منصبه هناك، ولكنه جاء ليجد صدراً رحباً لدى الأمير نايف!!! للتعاون على الإثم والعدوان، فملأ السجون بخيرة أبناء الأمة، وذرفت لذلك العيون، عيون الأمهات اللواتي سُجِنَ أبناؤهنّ بغير حق ظلماً وزوراً وبهتاناً، فهل يريد النظام أن يضرب الشعب من المدنيين والعسكريين بعضهم ببعض كما حصل في بعض البلدان المجاورة ؟!!! لا شك أن هذه سياسة العدو التحالفي الإسرائيلي الأمريكي وهو المستفيد الأول من ذلك. ولكن بفضل الله فإن الغالبية العظمى من الشعب من مدنيين وعسكريين متنبهون لهذا المخطط الخبيث، ويربؤون بأنفسهم أن يكونوا أداة لضرب بعضهم بعضاً، تنفيذاً لسياسة العدو الرئيسي التحالف الأمريكي الإسرائيلي عبر وكيله في البلاد النظام السعودي.
ولذا اتفق الجميع على أنه [لا يستقيم الظل والعود أعوج] فلا بد من التركيز على ضرب العدو الرئيسي الذي أدخل الأمة في دوامات ومتاهات منذ بضعة عقود بعد أن قسمها إلى دول ودويلات، وكلما برزت حركة إصلاحية في الدول الإسلامية دفع هذا التحالف اليهودي الصليبي وكلاءه في المنطقة من الحكام لاستنزاف وإجهاض هذه الحركة الإصلاحية بطرق شتى وبما يتناسب معها، فأحيانا يجهضها بجرها إلى الصدام المسلح محدداً الزمان والمكان لهذه المعركة فيقضي عليها في مهدها.
وأحياناً يطلق عليها رجاله من وزارة الداخلية والذين تخرجوا من كليات شرعية ليشوشوا على المسيرة الإصلاحية وليشتتوا الأمة والشعب عن هذه المسيرة، وأحيانا يستزلون أقدام بعض الصالحين للدخول في حرب كلامية مع علماء ورموز الحركة الإصلاحية ليستنزف طاقة الجميع ويبقى الكفر الأكبر مسيطراً على الأمة مظللاً لها، وتستمر المناقشات في الفروع بينما توحيد الله بالعبادة والتحاكم إلى شريعته مغيب عن الواقع، وفي ظل هذه المناقشات والردود يلتبس الحق بالباطل وكثيراً ما تنتهي إلى عداوات شخصية يتحزب الناس مع هذا أو ذاك مما يزيد الأمة انقساماً وضعفاً إلى ضعفها، وتغيب الأولويات في العمل الإسلامي، فينبغي التنبه إلى هذه الحيل الشيطانية وأمثالها التي تنفذها وزارة الداخلية. والصواب في مثل هذه الحالة التي نعيشها هو كما قرره أهل العلم، ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو تكاتف جميع أهل الإسلام للعمل على دفع الكفر الأكبر الذي يسيطر على بلاد العالم الإسلامي، مع تحمل الضرر الأدنى في سبيل دفع الضرر الأكبر ألا وهو الكفر الأكبر. وإذا تزاحمت الواجبات قدم آكدها، ولا يخفى أن دفع هذا العدو الأمريكي المحتل هو أوجب الواجبات بعد الإيمان، فلا يٌقَدَمُ عليه شيء كما قرر ذلك أهل العلم، ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: “وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين،ن فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يُشترط له شرط، بل يُدفع بحسب الإمكان”. [كتاب الاختيارات العلمية، ملحق بالفتاوى الكبرى: 4/608]، فإذا تعذر دفع هذا العدو الصائل إلا باجتماع المسلمين بقض هم وقضيضهم وغثهم وسمينهم، كان ذلك واجباً في حقهم مع التغاضي عن بعض القضايا الخلافية والتي ضَرَر التغاضي عنها في هذه المرحلة أقل من ضرر بقاء الكفر الأكبر جاثماً على بلاد المسلمين، ولذا قال شيخ الإسلام مبيناً هذه المسألة منبهاً على أصل عظيم ينبغي مراعاته وهو العمل على دفع أعظم الضررين بالتزام أدناهما واصفاً حالة المجاهدين والمسلمين وإن كان فيهم عسكر كثير الفجور، فإنه لا يعفى من ترك الجهاد ضد العدو الصائل.
فقال رحمه الله بعد أن ذكر شيئاً من أحوال التتار وما هم عليه من تبديل شرائع الله؛ فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية في رضوان الله وإعزاز كلمته وإقامة دينه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان فيهم من فيه فجور وفساد نية بأن يكون يقاتل على الرياسة أو يتعدى عليهم في بعض الأمور وكانت مفسدة ترك قتالهم أعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه، كان الواجب أيضاً قتالهم دفعاً لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما، فإن هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها، ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور فإنه لا بد من أحد أمرين إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام، وإن لم يمكن إقامة جميعها، فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه”. [مجموع الفتاوى 28/506].
وبرغم أن المفاسد العظام قد فشت، والمنكرات الجسام قد طغت، ولا ينكر وجودها أعمى أو أصم ناهيك عن أن ينكرها سميع بصير حتى وصلت إلى الظلم العظيم وهو الشرك بالله ومشاركة الله في تشريعه للناس، قال تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمُ عظيمٌ} [لقمان: 13]، فشرعت التشريعات الوضعية تبيح ما حرم الله كالربا وغيره حتى في البلد الحرام عند المسجد الحرام، حيث إن بنوك الربا تزاحم الحرمين مجاهرة لله بالحرب معاندة لأمر الله القائل: {وأحل الله البيع وحرم الربا…} الآية [البقرة275 ]وقد توعد الله سبحانه وتعالى صاحب كبيرة الربا في كتابه الكريم بوعيد لم يتوعده أحداً من المسلمين في كتابه فقال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله…} الآية [البقرة: 278- 279].هذا للمسلم المرابي، فكيف لمن جعل من نفسه نداً لله وشريكاً يشرع ويحلل لعباد الله ما حرم ربهم عليهم، برغم ذلك كله نرى الدولة تستزل أقدام بعض الصالحين من العلماء والدعاة، وتجرهم بعيداً عن إنكار المنكر الأعظم والكفر الأكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والذي ينبغي في مثل هذه الحالة أن يبذل الجميع قصارى الجهد في تحريض وتعبئة الأمة ضد العدو الصائل والكفر الأكبر المخيم على البلاد والذي يفسد الدين والدنيا ولا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، ألا وهو التحالف الإسرائيلي الأمريكي المحتل لبلاد الحرمين ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وتذكير المسلمين بتجنب الدخول في قتال داخلي بين أبناء الأمة المسلمة؛ وذلك لما له من نتائج وخيمة، من أهمها:
1- استنزاف الطاقات البشرية حيث إن معظم الإصابات والضحايا ستكون من أبناء الشعب المسلم.
2- استنزاف الطاقات المالية.
3- تدمير البنية التحتية للدولة.
4- تفكك المجتمع.
5- تدمير الصناعات النفطية حيث إن تواجد القوات العسكرية الصليبية والأمريكية في دول الخليج الإسلامي براً وجواً وبحراً هو الخطر الأعظم والضرر الأضخم الذي يهدد أكبر احتياطي بترولي في العالم، حيث أن هذا التواجد يستفز أهل البلاد ويعتدي على دينهم ومشاعرهم وعزتهم وقد دفعهم نحو الجهاد المسلح ضد الغزاة المحتلين وإن انتشار القتال في تلك الأماكن يعرض البترول لمخاطر الاحتراق مما يؤدي للإضرار بالمصالح الاقتصادية لدول الخليج ولبلاد الحرمين بل وأضرار جسيمة للاقتصاد العالمي. ونقف هنا وقفة ونهيب بإخواننا أبناء الشعب المجاهدين بأن يحافظوا على هذه الثروة وبأن لا يقحموها في المعركة لكونها ثروة إسلامية عظمى وقوة اقتصادية كبرى هامة لدولة الإسلام القادمة بإذن الله، كما نحذر وبشدة الولايات المتحدة الأمريكية المعتدية من إحراق هذه الثروة الإسلامية في نهاية الحرب خوفاً من سقوط هذه الثروة في أيدي أصحابها الشرعيين وإضراراً منها بمنافسيها الاقتصاديين في أوروبا والشرق الأقصى، وبخاصة اليابان الذي يعتبر المستهلك الرئيسي لبترول المنطقة.
6- تقسيم بلاد الحرمين واستيلاء إسرائيل على الجزء الشمالي منها، حيث إن تقسيم بلاد الحرمين يعتبر مطلباً ملحاً للتحالف اليهودي الصليبي؛ لأن وجود دولة بهذا الحجم وهذه الطاقات تحت حكم إسلامي صحيح قادم بإذن الله يمثل خطورة على الكيان اليهودي في فلسطين، حيث إن بلاد الحرمين تمثل رمزاً لوحدة العالم الإسلامي نظراً لوجود الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين، وكذلك فإن بلاد الحرمين تمثل قوةً اقتصاديةً هامةً في العالم الإسلامي؛ لوجود أكبر احتياطي بترول في العالم فيها، كما أن أبناء الحرمين يرتبطون بسيرة أجدادهم من الصحابة رضوان الله عليهم ويعتبرونها قدوة لهم ومثلاً في إعادة مجد الأمة، وإعلاء كلمة الله من جديد، بالإضافة إلى وجود عمق استراتيجي ومدد بكثافة بشرية مقاتلة في سبيل الله في اليمن السعيد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم)[رواه أحمد بسندٍ صحيح] مما يسبب خطورة على تواجد التحالف اليهودي الصليبي في المنطقة.
7- وإن أي قتال داخلي مهما تكن مبرراته مع وجود قوات الاحتلال الأمريكي يشكل خطأ كبيراً حيث إن هذه القوات ستعمل على حسم المعركة لصالح الكفر العالمي.
إخواننا في القوات المسلحة والحرس الوطني والأمن حفظكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين:
يا حماة التوحيد وحراس العقيدة، يا خلف أولئك السلف الذين حملوا نور الهداية ونشرَوهُ على العالمين، يا أحفاد سعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثة الشيباني والقعقاع بن عمرو التميمي، ومن جاهد معهم من الصحابة الأخيار. لقد تسابقتم للانضمام إلى الجيش والحرس رغبة في الجهاد في سبيل الله “لتكون كلمة الله هي العليا” ولتذودوا عن حياض الإسلام وبلاد الحرمين ضد الغزاة والمحتلين وذلك ذروة سنام الدين، إلا أن النظام قلب الموازين، وعكس المفاهيم، وأذل الأمة وعصى الملة، ففي الوقت الذي لم تسترجع الأمة بعد قبلتها الأولى، ومسرى نبيها عليه الصلاة والسلام بعد الوعود التي قطعها الحكام منذ ما يقرب من نصف قرن باسترجاعها حتى ذهب ذلك الجيل، وجاء جيل جديد تبدلت معه الوعود وسُلِمَ الأقصى لليهود، ولا زالت جراحات الأمة تنزف دماً هناك منذ ذلك الوقت، رغم هذا كله، إذ بالنظام السعودي يفجع الأمة بما تبقى لها من مقدسات مكة المكرمة والمسجد النبوي بأن جلب نساء جيوش النصارى للدفاع عنه، وأباح بلاد الحرمين للصليبيين – ولا عجب في ذلك بعد أن لبس الملك الصليب – وفتحها بطولها وعرضها لهم، فامتلأت بقواعد جيوش أمريكا وحلفائها؛ لأنه أصبح عاجزاً أن يقف بدون مساعدتهم، وأنتم أعلم الناس بهذا التواجد وحجمه وأهدافه وخطورته، فخان بذلك الأمة، ووالى الكفّار وناصرهم وظاهرهم على المسلمين، ولا يخفى أن ذلك معدود في نواقض الإسلام العشرة، وقد خالف بإباحته الجزيرة العربية للصليبيين الوصية التي أوصى بها رسول الله أمته وهو على فراش الموت حيث قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).[رواه البخاري].وقد قال أيضاً: (لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) [صحيح الجامع الصغير].
وإن الادعاء بأن تواجد القوات الصليبية على أرض الحرمين ضرورة ملحة ومسألة مؤقتة للدفاع عنها قضية قد تجاوزها الزمن، وخاصة بعد تدمير العراق تدميراً وحشياً أصاب البنية العسكرية والمدنية، وأظهر مدى الحقد الصليبي اليهودي على المسلمين وأطفالهم، وبعد الإصرار على عدم استبدال تلك القوات الصليبية بقوات إسلامية من أبناء البلاد وغيرهم، ثم إن هذا الادعاء أُزيل من أساسه وهُدِمَت أركانه بعد التصريحات المتتالية لأئمة الكفر في أمريكا، وكان آخرها تصريح وزير الدفاع الأمريكي وليام بيري بعد انفجار الخبر للجنود الأمريكيين هناك بأن وجودهم في بلاد الحرمين إنما هو لحماية المصالح الأمريكية، وقد ألف الشيخ سفر الحوالي – فرج الله عنه- كتاباً من سبعين صفحة، ساق فيه الأدلة والبراهين على أن تواجد الأمريكيين في الجزيرة العربية هو احتلالّ عسكريّ مخططّ له من قبل. وإن هذا الإدعاء هو خدعة أخرى يريد النظام أن تنطلي على المسلمين كما انطلت خدعته الأولى على المجاهدين الفلسطينيين وكانت سبباً في ذهاب المسجد الأقصى، وذلك أنه لما هب الشعب المسلم في فلسطين في جهاده الكبير ضد الاحتلال البريطاني عام 1354 هـ الموافق لعام 1936 م، عجزت بريطانيا أن تقف أمام المجاهدين أو أن توقف جهادهم، ثم أوحى إليهم شيطانهم أنه لا سبيل إلى إيقاف الجهاد المسلح في فلسطين إلا بواسطة الملك عبد العزيز والذي في استطاعته خداع المجاهدين، وقد قام الملك عبد العزيز بمهمته تلك حيث أرسل ابنيه فالتقيا مع قادة المجاهدين في فلسطين وأبلغاهم بتعهد الملك عبد العزيز بضمان وعود الحكومة البريطانية بأنها ستخرج إذا أوقفوا الجهاد وستلبي مطالبهم، وهكذا تسبب الملك عبد العزيز في ضياع القبلة الأولى للمسلمين، ووالى النصارى ضد المسلمين، وخذل المجاهدين بدلاً من تبني قضية المسجد الأقصى، ونصرة المجاهدين في سبيل الله لتحريره، واليوم يحاول ابنه الملك فهد أن تنطلي الخدعة الثانية على المسلمين، ليذهب ما تبقى لنا من مقدسات، فَكَذَب على العلماء الذين أفتوا بدخول الأمريكان، وكذلك على الجمع العظيم من علماء وقيادات العالم الإسلامي في مؤتمر الرابطة في مكة المكرمة بعد أن استنكر العالم الإسلامي دخول القوات الصليبية بلاد الحرمين بحجة الدفاع عنها، حيث قال لهم إن الأمر يسير، وأن القوات الأمريكية وقوات التحالف سوف تخرج بعد بضعة أشهر، وها نحن اليوم ندخل في السنة السابعة بعد مجيئهم، والنظام عاجز عن إخراجهم، ولا يريد أن يعترف لشعبه بعجزه، فاستمر يكذب على الناس، ويدعي أن الأمريكيين سيخرجون، وهيهات هيهات، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والسعيد من اتعظ بغيره.
وبدلاً من أن يدفع النظام الجيش والحرس ورجال الأمن لمواجهة المحتلين، جعلهم حماة لهم، إمعاناً في الإذلال ومبالغة في الإهانة والخيانة ولا حول ولا قوة إلا الله، ونذكر أولئك النفر القليل من الجيش والشرطة والحرس والأمن الذين يستزلهم النظام، ويضغط عليهم ليعتدوا على حقوق المسلمين ودمائهم بقوله تعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب( [رواه البخاري]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني، فيقول الله له: لم قتلته، فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجلُ آخذاً بيد الرجل، فيقول: أي ربِ إن هذا قتلني، فيقول الله: لم قتلته، فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه (رواه النسائي بسندٍ صحيح]، وفي لفظٍ عن النسائي أيضاً: ( يجيء المقتول يوم القيامة متعلقاً بقاتله،ن فيقول الله، فيمَ قتلت هذا، فيقول: في ملك فلان).
واليوم قد بدأ إخوانكم وأبناؤكم من أبناء الحرمين الجهاد في سبيل الله لإخراج العدو المحتل من بلاد الحرمين، ولا شك أنكم ترغبون في القيام بهذه المهمة لإعادة العزة للأمة وتحرير مقدساتها المحتلة، غير أنه لا يخفى عليكم أن المرحلة تستدعي اتباع أساليب قتالية مناسبة نظراً لعدم التوازن بين قواتنا النظامية المسلحة وقوات العدو، وذلك بواسطة قوات خفيفة سريعة الحركة، تعمل في سرية تامة، وبعبارة أخرى شن حرب عصابات يشارك فيها أبناء الشعب من غير القوات المسلحة. وتعلمون أنه من الحكمة في هذه المرحلة تجنيب قوات الجيش المسلحة الدخول في قتال تقليدي مع قوات العدو الصليبي، ويستثنى من ذلك العمليات القوية الجريئة التي يقوم بها أفراد من القوات المسلحة بصورة فردية، أي بدون تحريك قوات نظامية بتشكيلاتها التقليدية، بحيث لا تنعكس ردود الأفعال بشكل قوي على الجيش ما لم تكن هناك مصلحة كبيرة راجحة، ونكاية عظيمة فادحة في العدو، تحطم أركانه وتزلزل بنيانه، وتعين على إخراجه مهزوماً مدحوراً مقهوراً، مع الحذر الشديد من أن تُسْفَكَ في ذلك دماء مسلمة.
والذي يرجوه إخوانكم وأبناؤكم المجاهدون منكم في هذه المرحلة هو تقديم كل عون ممكن من المعلومات والمواد والأسلحة اللازمة لعملهم، ويرجون من رجال الأمن خاصة التستر عليهم، وتخذيل العدو عنهم، والإرجاف في صفوفه، وكل ما من شأنه إعانة المجاهدين على العدو المحتل.
وننبهكم إلى أن النظام قد يلجأ إلى افتعال أعمالٍ ضد أفراد القوات المسلحة أو الحرس أو الأمن، ويحاول نسبتها للمجاهدين؛ للوقيعة بينهم وبينكم، فينبغي تفويت هذه الفرصة عليه.
وفي الوقت الذي نعلم أن النظام يتحمل المسؤولية كاملة في ما أصاب البلاد وأرهق العباد، إلا أن أساس الداء ورأس البلاء هو العدو الأمريكي المحتل، فينبغي تركيز الجهود على قتله وقتاله وتدميره ودحره والتربص به والترصد له حتى يُهْزَمَ بإذن الله تعالى. وستأتي المرحلة – بإذن الله – التي تقومون فيها بدوركم بحسم الأمور لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، والضرب بيد من حديد على المعتدين، وإعادة الأمور إلى نصابها، والحقوق إلى أصحابها، والقيام بواجبكم الإسلامي الصحيح، وسوف يكون لنا حديث مستقل بإذن الله حول هذه القضايا.
أخي المسلم في كل مكان وفي جزيرة العرب خاصة:
إن الأموال التي تدفعها ثمناً للبضائع الأمريكية تتحول إلى رصاصات في صدور إخواننا في فلسطين، وغداً في صدور أبناء بلاد الحرمين.
إننا بشراء بضائعهم نقوي اقتصادهم، بينما نزداد نحن فقراً وضنكاً.
أخي المسلم في بلاد الحرمين:
هل يُعقل أن تكون بلادنا أكبر مُشتري للسلاح في العالم من أمريكا، كما أنها أكبر شريك تجاري للأمريكان في المنطقة، الذين يحتلون بلاد الحرمين، ويساندون بالمال والسلاح والرجال إخوانهم اليهود في احتلال فلسطين، وقتل وتشريد المسلمين هناك؟!!!.
إن حرمان هؤلاء المحتلين من العوائد الضخمة لتجارتهم معنا، إنما هو مساعدة هامة جداً في الجهاد ضدهم، وهو تعبيرٌ معنويٌ هام في إظهار غضبنا عليهم وكرهنا لهم، ونكون بذلك قد ساهمنا في تطهير مقدساتنا من اليهود والنصارى، وأرغمناهم على مغادرة أراضينا مهزومين مدحورين، مخذولين بإذن الله.
وننتظر من النساء في بلاد الحرمين وغيرها أن يقمن بدورهنّ في ذلك بمقاطعة البضائع الأمريكية.
وإذا تضافرت المقاطعة الاقتصادية مع الضربات العسكرية للمجاهدين، فإن هزيمة العدو تكون قريبة بإذن الله، والعكس صحيح.. فإذا لم يتعاون المسلمون مع إخوانهم المجاهدين ويشدوا من أزرهم بقطع التعامل الاقتصادي مع العدو الأمريكي، فإنهم بذلك يدفعون إليه بالأموال التي هي عماد الحرب وحياة الجيوش، وبذلك يطول أمد الحرب، وتشتد الوطأة على المسلمين.
إن كل أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم لا يمكنها أن ترغم مواطناً على شراء بضائع أعدائه.
فالمقاطعة الاقتصادية لبضائع العدو الأمريكي هي سلاح فعّال للغاية لإضعاف العدو والإضرار به، ومع ذلك فهو سلاح لا يقع تحت طائلة أجهزة القمع.
وقبل الختام لنا حديثٌ هامٌ، وهامٌ جداً مع شباب الإسلام، رجال المستقبل المشرق لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، حديثنا مع الشباب عن واجبهم في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا، هذه المرحلة التي لم يتقدم فيها لأداء الواجبات في جميع الاتجاهات إلا الشباب حفظهم الله، فبعد أن تردد بعض الذين يُشار إليهم بالبنان عن أداء الواجب للذود عن الإسلام، ولإنقاذ أنفسهم وأموالهم من الظلم والبغي والقمع والإرهاب الذي تمارسه الدولة، مع استخدام الإعلام لتغييب وعي الأمة، تقدم الشباب حفظهم الله لرفع راية الجهاد عالية خفاقة ضد التحالف الأمريكي اليهودي الذي احتل مقدسات الإسلام – في الوقت الذي تقدم غيرهم؛ نتيجة لإرهاب الدولة لهم، أو من زلت أقدامهم طمعاً في دنيا فانية، تقدموا ليضفوا الشرعية على هذه الخيانة العظمى والمصيبة الكبرى على احتلال بلاد الحرمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولا غرو ولا عجب من هذا الإقدام، وهل كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا شباباً، وهؤلاء الشباب هم خير خلف لخير سلف، وهل قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل إلا الشباب؟.
يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إني لفي الصف يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل، فقلت: فما تصنع به، قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منّا، فتعجبتُ لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه.
الله أكبر.. هكذا كانت همم الفتيان رضي الله عنهم، وهكذا كانت همم آبائنا، فهذان فَتَيان صغيرا السن كبيرا الهمة والجرأة والعقل والغيرة على دين الله، يسأل كل واحد منهما عن أهم مقتل للعدو ألا وهو قتل فرعون هذه الأمة وقائد المشركين في بدر أبي جهل، وكان دور عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو دلالتهما على أبي جهل، وهذا هو الدور المطلوب من أهل المعرفة والخبرة بمقاتل العدو، بأن يرشدوا أبناءهم وإخوانهم إليها، وبعد ذلك سيقول الشباب كما قال سلفهم: “والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منّا”.
وفي قصة عبد الرحمن بن عوف مع أمية بن خلف يظهر مدى إصرار بلال رضي الله عنه على قتل رأس الكفر، حيث قال: “رأس الكفر أمية بن خلف.. لا نجوت إن نجا”.
وقبل أيام.. نقلت وكالات الأنباء تصريحاً لوزير الدفاع الأمريكي الصليبي المحتل، قال فيه إنه تعلم درساً واحداً من انفجاري الرياض والخبر، وهذا الدرس هو عدم الانسحاب أمام الإرهابيين الجبناء.
فنقول لوزير الدفاع إن هذا الكلام يضحك الثكلى التي مات وحيدها، وظاهر منه حجم الخوف الذي يعتريكم، فأين هذه الشجاعة الزائفة في بيروت بعد حوادث التفجير عام 1403 هـ الموافق لعام 1983 م والتي جعلتكم شذر مذر وقطعاً وأشلاءً بمقتل 241 جندياً أغلبهم من المارينز، وأين هذه الشجاعة الزائفة في عدن بعد حادثي انفجار جعلاكم تخرجون لا تلوون على شيء في أقل من أربع وعشرين ساعة.
ولكن فضيحتكم الكبرى كانت في الصومال، فبعد ضجيج إعلامي عنيفٍ لعدة أشهر عن قوة أمريكا بعد الحرب الباردة، وتزعمها للنظام العالمي الجديد، دفعتم بعشرات الألوف من القوات الدولية منها ثمانية وعشرون ألف جندي أمريكي إلى الصومال.
ولكن بعد معارك صغيرة، قُتل فيها بضع عشرات من جنودكم، وسُحِلَ طيار أمريكي في أحد شوارع مقديشو، خرجتم منها مهزومين مدحورين تحملون قتلاكم، وتجرون أذيال الخيبة والخسران والهوان، ولقد ظهر كلينتون أمام العالم يتهدد ويتوعد بأنه سينتقم، بينما كان ذلك التهديد تمهيداً للانسحاب، وقد أخزاكم الله وانسحبتم، وظهر جلياً مدى عجزكم وضعفكم، ولقد كان منظركم وأنتم تنهزمون في هذه المدن الإسلامية الثلاث [بيروت، وعدن ومقديشو] يدخل السرور على قلب كل مسلم، ويشفي صدور قومٍ مؤمنين.
وأقول: لئن كان أبناء بلاد الحرمين قد خرجوا لقتال الروس في أفغانستان والصرب في البوسنة والهرسك، وهم يجاهدون اليوم في الشيشان وقد فتح الله عليهم ونصرهم على الروس المتحالفين معكم، ويقاتلون بفضل الله أيضاً في طاجكستان.. أقول: “لئن كان أبناء الحرمين عندهم شعورٌ وإيمانٌ بضرورة الجهاد ضد الكفر في كل مكان، فهم أكثر ما يكونون عدداً وقوةً وحماسةً على أرضهم التي ولدوا عليها للدفاع عن أعظم مقدساتهم – الكعبة المشرفة، قبلة المسلمين أجمعين- ويعلمون أن المسلمين في العالم أجمع، سينصرونهم ويؤازرونهم في قضيتهم الكبرى، قضية كل المسلمين، ألا وهي تحرير مقدساتهم، وأن هذا هو واجبُ كل مسلم في العالم”.
وأقول لك يا وليام: “إن هؤلاء الشباب يحبون الموت كما تحبون الحياة، وقد ورثوا العزة والإباء والشجاعة والكرم والصدق والإقدام والتضحية كابراً عن كابر، وإنهم لصبرٌ في الحرب صدقٌ عند اللقاء، وقد ورثوا هذه الصفات عن أجدادهم في الجاهلية وجاء الإسلام فأقر تلك الأخلاق وكم لها”، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتمم صالحَ الأخلاق( [صحيح الجامع الصغير]، وعندما أراد الملك عمرو بن هند أن يذلّ عمرو بن كلثوم أخذ عمرو بن كلثوم السيف وقطع رأس الملك، رافضاً للذل والهوان والضيم، وأنشد قصيدة منها:
إذا ما المَلْكُ سَامَ الناسَ خسفاً أبينا أن نُقِرَّ الذلَ فيـنا
بأي مشيئة عمـرو بنَ هنـدٍ تريدُ بأن نكون الأرذلينا
بأي مشيئة عمـرو بنَ هنـدٍ تطيعُ بنا الوُشَاةَ وتزدْرينا
فإن قناتنا يـا عمـرو أعـيت على الأعداء قبلك أن تلينا
هؤلاء الشباب يؤمنون بالجنة بعد الموت، ويؤمنون بأن الأجل لا يقدمه إقدامهم على القتال ولا يؤخره تأخرهم، كما قال تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً..} الآية[آل عمران: 145]، ويؤمنون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف( [صحيح الجامع الصغير].
ويتمثلون قول الشاعر :
إذا لم يكن من الموت بدٌ فمن العجز أن تموت جباناً
هؤلاء الشباب يؤمنون بما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم عن عظيم أجر المجاهد والشهيد، حيث يقول الله عز وجل: {والذين قُتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويُصلح بالهم، ويُدخلهم الجنة عرفها لهم} [محمد: 4- 6]، ويقول تعالى أيضاً: {ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون} [البقرة: 154]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماءِ والأرض( [صحيح الجامع الصغير]، ويقول أيضاً: (أفضل الشهداء الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلبطون في الغرف العلا من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حساب عليه) [أخرجه أحمد بسندٍ صحيح]، ويقول أيضاً: (الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم مسّ القرصة( [صحيح الجامع الصغير]، ويقول أيضاً: (إن للشهيد عند الله خصالاً: أن يُغْفَرَ له من أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُحلى حلية الإيمان، ويُزوج من الحور العين، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويُشفع في سبعين إنساناً من أقاربه) [أخرجه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح].
هؤلاء الشباب يعلمون أن أجرهم في قتالكم مضاعفٌ عن أجرهم في قتالِ غيركم من غير أهل الكتاب، ولا همّ لهم إلا دخول الجنة بقتلكم، لا يجتمع الكافرُ وقاتلُه في النار.
وهم يرددون ويرتلون قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفِ صدور قومٍ مؤمنين} [التوبة: 14].وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحرض المسلمين في بدر (والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يقاتلهم اليوم رجلٌ فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة(، وقوله لهم بعد ذلك: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض).
وهم يرتلون أيضاً قوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب…} الآية [محمد: 4].وهؤلاء الشباب لا يحبون الكلام معكم، والعتاب لكم، لسانُ كل واحدٍ منهم يقول لكم:
ليس بيني وبينكم من عتابِ سوى طعن الكلى وضرب الرقابِ
وهم يقولون لك ما قال جدهم أمير المؤمنين هارون الرشيد لجدك نقفور عندما تهدد وتوعد المسلمين في رسالته إلى هارون الرشيد، فرد عليه هارون الرشيد برسالته التي جاء فيها “من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما ترى لا ما تسمع”، ثم سار بجيوش الإسلام إلى ملاقاة نقفور وجيشه، فهزم الله نقفور هزيمة منكرة.
فهؤلاء الشباب الذين تقول عنهم إنهم جبناء، يقولون لك: “لا يُقَعْقَعُ لنا بالشِّنان ولا يُلَوَّحُ لنا بالسِّنان، والجواب ما ترى لا ما تسمع” فهم يتنافسون على قتلكم وقتالكم، كتنافس الأوس والخزرج في قتال المشركين.
اذا إن إرهابنا للامريكان وهم يحملون السلاح على أرضنا هو أمرٌ واجبٌ شرعاً ومطلوبٌ عقلاً، وهو حقٌ مشروعٌ في أعراف جميع البشر، بل والكائنات الحية، ومثلكم ومثلنا كمثل أفعى دخلت دار رجلٍ فقتلها، وإن الجبان من يترككم تمشون على أرضه بسلاحكم آمنين مطمئنين.
وهؤلاء الشباب يختلفون عن جنودكم، فمشكلتكم هي كيفية إقناع جنودكم بالإقدامِ إلى الحرب، أما مشكلتنا فهي كيفية إقناع شبابنا بانتظار دورهم في العمليات والقتال.
فلله درُ هؤلاء الشباب، فهم أهلٌ للمدح والثناء، حيث وقفوا لنصرة الدين يوم أضلت الدولة كبار الناس، واستزلتهم لإصدار فتاوى ليس لها سندٌ في كتاب الله، ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليم اليهود المسجد الأقصى وإباحة بلاد الحرمين لجيوش النصارى، وقد قال جدهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه عندما طلب منه الكفار المفاوضة وعدم القتال :
ما علَّتِي وأنا جَلْدٌ نابلُ والقوس فيها وَتَرٌ عنابلُ
الموت حقٌ والحياةُ باطلُ إن لم أقاتلكم فأمي هابلُ
إن الشباب يعتبرونكم مسؤولين عن كل ما يقوم به إخوانكم اليهود في فلسطين ولبنان من قتلٍ وتشريدٍ وانتهاكٍ لحرمات المسلمين، حيث إنكم تمدونهم بالمال والسلاح جهاراً نهاراً، وإن أطفال العراق والذين قد مات منهم أكثر من ستمائة ألف بسبب نقص الغذاء والدواء نتيجة حصاركم الظالم على العراق وشعبه هم أطفالنا، فأنتم تتحملون بذلك مع النظام السعودي دماء هؤلاء الأبرياء، كل ذلك يجعل كل عهد لكم معنا منقوضاً، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام اعتبر صلح الحديبية لاغياً بعد أن ساعدت قريشٌ بني بكرٍ على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتل قريشاً وفتح مكة، وقد اعتُبِرَ العهدُ مع بني قينقاع منقوضاً؛ لأن يهودياً منهم آذى امرأة في السوق، فكيف بقتلكم مئات الألوف من المسلمين، واستباحتكم لمقدساتهم، وبذلك يظهر أن الذين يزعمون أن دماء جنود هذا العدو الأمريكي المحتل لبلاد المسلمين معصومة، إنما يرددون مُكرهين ما يمليه النظام عليهم خوفاً من بطشه وطمعاً في السلامة، والواجب على كل قبيلة في جزيرة العرب أن تجاهد في سبيل الله وتطهر أرضها من هؤلاء المحتلين، وعَلِمَ اللهُ أن دماءهم مهدورة وأموالهم غنيمة، ومن قتل قتيلاً فله سَلَبُه . وقد قال تعالى في آية السيف: {فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد… } الآية[التوبة: 5].والشباب يعلمون أن هذه المهانة التي لحقت بالمسلمين باحتلال مقدساتهم لا تزول ولا تدك بغير الجهاد والمتفجرات، وهم يرددون قول الشاعر:
جُدُرُ المذلة لا تُـــدَك بغير زخات الرصـــاصِ
والحر لا يُلْقِى القيــادَ لكل كَفَّارٍ وعــــاصي
وبغير نَضْحِ الــــدم لا يُمْحَى الهوانُ من النواصي
وأقول لشباب العالم الإسلامي الذين جاهدوا في أفغانستان, والبوسنة والهرسك بأموالهم وأنفسهم وألسنتهم وأقلامهم، بأن المعركة لم تنتهِ بعد، وأذكرهم بحديث جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب (فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يكن إلا أن وضع سلاحه، فجاءه جبريل، فقال: أوضعت السلاح؟ والله إن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائرٌ أمامك أُزلزلُ بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكبه من الملائكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على أثره في موكبه من المهاجرين والأنصار…} [رواه البخاري].
وهؤلاء الشباب يعلمون أن من لم يُقتلَ يموت، وإن أشرف ميتة عندنا هي القتل في سبيل الله، ويرددون قول جدهم الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وخاصة بعد قُتْلِ الأبطال الأربعة الذين فجروا الأمريكيين في الرياض، أولئك الشباب الذين رفعوا رأس الأمة شامخاً، وأذلوا أعداءها من الأمريكيين المحتلين بعمليتهم الشجاعة تلك:
وأما عن أمهاتنا وأخواتنا ونسائنا وبناتنا فهن يتخذنّ من الصحابيات الجليلات رضي الله عنهنّ قدوة لهنّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتبسن من سيرتهنّ الجرأة والتضحية والإنفاق لنصرة دين الله عز وجل، ويتذكرنّ جرأة وصلابة فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها في الحق أمام أخيها عمر بن الخطاب قبل أن يسلم، وتحديها له بعدما علم بإسلامها بقولها له: “أرأيت إن كان الحق في غير دينك يا عمر” ويتذكرن موقف أسماء بنت أبي بكر يوم الهجرة، حيث شقّت طاقها نصفين وعلقت بأحدهما السفرة التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معهما في رحلتهما إلى المدينة، وسُميت بذلك ذات النطاقين، ويتذكرنّ موقف نسيبة بنت كعب وهي تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد حتى أصابها اثنا عشر جرحاً بينها جرحٌ أجوفٌ في عاتقها، ويتذكرنّ بذل الصحابيات وإنفاقهنّ لحليهنّ لتجهيز جيوش المسلمين الغازية في سبيل الله، وقد ضربت نساؤنا في هذا العصر مثلاً رائعاً في الانفاق في سبيل الله، وفي تحريض أبنائهنّ وإخوانهنّ وأزواجهنّ على الجهاد في سبيل الله، وذلك في أفغانستان، وفي البوسنة والهرسك، والشيشان… وغيرها. فنسأل الله أن يتقبل منهنّ ويفرج عن أبنائهنّ وآبائهنّ وأزواجهنّ وإخوانهنّ، وأن يزيدهنّ إيماناً ويثبتهنّ على هذا الطريق، طريق التضحية والفداء لتكون كلمة الله هي العليا.
إن إخوانكم في بلاد الحرمين وفلسطين يستنصرونكم، ويطلبون منكم مشاركتهم في جهادهم ضد أعدائهم وأعدائكم من الإسرائيليين والأمريكيين بالنكاية فيهم بكل ما من شأنه أن يخرجهم مهزومين مدحورين من المقدسات الإسلامية، كلٌ بحسب استطاعته، قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر…} الآية [الأنفال: 72].
فيا خيل الله اركبي.. وهذا أوان الشّدِّ فاشتدُّوا، اعلموا أن اجتماعكم وتعاونكم من أجل تحرير مقدسات الإسلام هو خطوة صحيحة نحو توحيد كلمة الأمة تحت راية كلمة التوحيد .
ولا يسعنا ونحن في هذا المقام إلا أن نرفع أكف الضراعة، سائلين المولى عز وجل أن يرزقنا السداد والتوفيق في الأمر كله.
تحميل PDF (أخطر بيان للحركة الجهادية العربية الحديثة) كامل .. اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد ) .. نشر في تاريخ 17/03/2021