الدوحة تصنع لأفغانستان الحرب .. والسلام الملغوم .
{ التبعية لأمريكا ـ التسول الإقتصادى ـ الخضوع الثقافى }
هذا ما تحمله لأفغانستان إتفاقية السلام ومكتب الدوحة .
– بدأت بالفعل/ وحتى قبل أن تبدأ مباحثات السلام فى الدوحة/ الموجة الثانية من الحرب على أفغانستان ، بقيادة CIA والموساد، وبإسناد مالى من قطر. بهدف وضع مناطق الأفيون فى أيدى صديقة تعمل مستقبلا على حصر التعامل السيادى فى محصول الأفيون بالجانب الأمريكى وحده ، فى مقابل مزايا للمتعاونين تشمل أسعار مجزية للأفيون وتسليح جيد ، وتمثيل سياسى فى النظام القادم ، وعقود غاية فى السخاء فى مجالات الإنشاءات وإعادة الإعمار، والسمسرة وتوكيلات تجارية تم توزيع العديد منها بالفعل على متعاونين أقوياء فى أفغانستان وباكستان والدوحة ومناطق أخرى) .
– قبل التوقيع على بيان السلام فى الدوحة كانت تهديدات هى الأشد قد وصلت إلى حركة طالبان ، ومفادها أن أمريكا ستحصل على المخدرات التى تريد وإلا محت كابل من الوجود . ثم هدد ترامب بضربة تبيد عشرة ملايين أفغانى وتنهى الحرب خلال أيام .
– المعادلة الأمريكية تجاه أفغانستان فى غاية البساطة وهى : (الأفيون أو الحرب) ــ (الأفيون فى مقابل السلام) ــ و بمعنى آخر: (الأفيون لنا أو الموت والدمار لكم) .
– الدولارات القذرة تبنى مدناً ومشاريعاً إستثمارية وسياحية عظمى ، وتشترى موانئ على ممرات المياه الإستراتيجية ، وتدعم أنظمة وتهدم دولاً .
– الدولار الأفيونى ــ بعد غسيلة ـ أصبح أكثر بياضا ، وإنتصر على الدولار النفطى القديم ، ويدعم نظام أحادى القطبية ، ترعاه الولايات المتحدة وتدير به العالم .
– بعد إحتلالها لأفغانستان قفزت أمريكا بمحصول الأفيون إلى أكثر من 40 ضعفا . وأدخلت إلى الزراعة بذور مُعَدَّلة وراثيا لتعطى إنتاجاً مضاعفاً ومحتوى مُخَدِّر أعلى . كما أدخلت تحسينات فى تكنولوجيا تحضير الهيروين ، فصارت نقاوته تامة 100% بعد أن كانت عالميا فى حدود 52% قبل الإحتلال .
– الأفيون مشكلة عالمية عظمى، تفوق طاقة أى حكومة تتولى أمر أفغانستان. وهو موضوع يمس مصالح الدول الكبرى، ويؤثر مباشرة فى النظام المالى والبنكى العالمى . فالأفيون شأن عالمى تماما ، وليس محلياً بأى حال .
– من خلال المصالح المشتركة ، والحاجة الجماعية إلى الإستقرار والأمن والتنمية ، يمكن للإمارة أن تبنى أفغانستان كدولة قوية وغنية ، ذات إقتصاد إنتاجى ، متكامل مع المحيط الأسيوى، ويحقق أكبر قدر من الإكتفاء الذاتى الزراعى والصناعى للشعب الأفغانى . بهذا الترابط والتفاعل الإيجابى مع المحيط الأسيوى العملاق تعيد الإمارة إعمار أفغانستان ـ بتعاون إقليمى متكافئ .
– إستقلال أفغانستان وهويتها الحقيقية سوف يحددها دورها الفعال مع عمالقة الإقليم الأربعة : الصين ـ روسيا ـ إيران ـ الهند ، وسياستها الذكية فى إدارة دورها الفعال لبناء أفغانستان بالتفاعل مع تلك الدول بعيدا عن الصدامات . أما البعد الدولي (الأمريكى ــ الأوروبى) فلن تحصل أفغانستان منه سوى على الحصار والعقوبات ، والتخريب والحرب النفسية.
– مكتب الدوحة خرج عن مهمته الأصلية التى من أجلها أسسته الإمارة. فبعد أن كان مكتبا تابعاً للإمارة ، أخذ يتصرف كطرف بديل عنها . ويقرر فى مسائل جوهرية للغاية لا يمكن مناقشتها خارج نطاق القيادة العليا للإمارة (مثل مسألة شكل نظام الحكم القادم ).
– يتمنى الأمريكيون وسماسرة الإحتلال، التخلص من الإمارة الإسلامية بإزاحتها جانباً، كخطوة أولى، ثم إلغائها فى خطوة لاحقة ، بطريقة تبدو ديموقراطية جذابة للغرب وجالبة لمعوناته.
مقدمة :
بالتعاون مع مؤسسة إعلامية فرنسية قدمت قناة الجزيرة فيلماً “إستقصائيا” بعنوان {أفغانستان الحرب والسلام } . خلال 40 دقيقة إستعرض “الإستقصاء” ذلك الموضوع الخطير برؤية فرنسية قطرية . فأدلى العديد من الشخصيات الفاعلة بآراء تتناسب مع أهمية أدوارهم . وكان الأهم من بينهم السيد “سهيل شاهين” الذى تم تقديمة على أنه “المتحدث بإسم حركة طالبان منذ فترة طويلة” ، وأنه “دبلوماسى محنك شارك فى رسم إتفاق السلام مع الأمريكيين” .
إذن هو شخصية محورية ليس فقط فى عقد ذلك الإتفاق التاريخى ، ولكن أيضا شخصية محورية ( أو أحد الشحصيات المحورية القليلة ) التى ترسم مستقبل أفغانستان فى مكتب الدوحة . فأطْلَعَنا على المستقبل القادم لأفغانستان، وكذلك فعل السيد “جون سبوكر” المفتش الأمريكى العام لإعادة إعمار أفغانستان. وبنفس القَدْرْ أطلعتنا الصحفية “آشلى جاكسون” على ما هو مطلوب من طالبان حتى“نسمح لهم بالمشاركة فى الحكم“ وأن “يحصلوا على معونات“ وأن “يقيموا علاقات دبلوماسية طبيعية“. فكان ما قالته متطابقا مع الإستراتيجية المستقبلية التى أوضحها جون سبوكر، والسيد سهيل شاهين . مذيعة البرنامج فى تعليقها المستدام مع الفيلم”الإستقصائى” أضافت أبعاداً غاية الأهمية خاصة فيما يتعلق بالنساء والموسيقى وركوب النساء للدراجات والجلوس فى مقاعد الدراسة مع الشباب. ثم هناك جيل جديد “يناضل” من أجل الحريات على الطريقة الأوروبية، ويرسم لَوْحات ضخمة على الجدران فى كابل، مطالباً بحرية التقبيل “كنوع من الإحتجاج السياسى”.
– ولأن التقرير “الإستقصائى” كان “متوازنا” فقد قابل مجموعة من مجاهدى طالبان فى إقليم وردك المجاور للعاصمة . وزار مستشفى للأطفال فى مدينة جلال آباد ـ فكان ما ظهر فى المستشفى من ومضات الواقع ، يهدم بدون قصد كل ما سعى لإقراره الفيلم الإستقصائى ،
ألا وهو المستقبل المبهر للسلام ، كما يتصوره السيدان “سبوكر” و”شاهين” .
سلام ثلاثى الأبعاد :
الفيلم إستقصى عملية السلام ورؤيته المستقبلية من المنظور الأمريكى و الأوروبى ، والجانب الأفغانى الذى يمثله ” مكتب الدوحة” . وطاف التقرير على ثلاثة معالم :
الأول: رؤية إتفاق السلام وهى أربعة ” أجزاء ” ذكرها شاهين ، وسوف نمر عليها لاحقا.
الثانى: رؤية الجانب الأمريكى / بتأييد من مكتب الدوحة / لأفغانستان كدولة تعيش على المعونات الأمريكية والغربية ، وستظل كذلك فى المستقبل .
الثالث : حرية المرأة الأفغانية كما يفهمها الغرب. وهى ميدان صراع بين الغرب ونظام أفغانستان القادم، الذى قد تكون حركة طالبان واحدا من مكوناته. وتلك الحقوق شرط أساسى لحصول أفغانستان على المعونات الغربية .
إنها رؤية ثلاثية الأبعاد لأفغانستان المستقبل، كما استشرفها الفيلم ، عبر وجهات نظر لخبراء وأصحاب قرار من المشاركين . ثلاث جوانب مترابطة ومتكاملة ، هى :
الجانب السياسى : تلخصه عبارة شاهين : “طي صفحة الحرب وفتح صفحة جديدة من العلاقات الحسنة مع الغرب” .
الجانب الإقتصادى : تلخصه حصراً وتحديداً عبارة “المعونات التى يقدمها المانحون الدوليون”. وهو مبدأ مقدس أجمع علية كل المشاركين فى البرنامج .
الجانب الإجتماعى : ويعنى حصرا حسب الإستقصاء ، توفير”الحريات” بالمفهوم الغربى/ للنساء بشكل خاص ، وللشباب عموما .
وبتعبيرات أكثر تركيزاً فإن أفغانستان المستقبل ، حسب الإستقصاء هى دولة تتمتع بمزايا : التبعية السياسية ، وتسول المعونات الغربية المشروطة ، والتحلل الإجتماعى .
إتفاق الدوحة لإرساء السلام هو إطار تلك الرؤية وحارسها الأمين . لهذا يحاط ذكر الإتفاق بالتاكيد الجازم على أنه : إتفاق نهائى ، ومشروع شهدت عليه الأمم المتحدة ، وحضر حفل زفافه فى الدوحة مندوبون عن ثلاثين دولة دعتهم أمريكا وحركة طالبان “!!”.
ذلك التهويل والتعظيم ما كان ليحدث لو لم يكن ذلك الإتفاق هو إعادة صياغة للمطالب الأمريكية ، أشرف عليها مجموعة من مخضرمى الطرفين : الأمريكى برئاسة خليل زاد ، وبومبيو . وفى مقابلهم المخضرمان من مكتب التفاوض “شاهين” و”ستانكزاى” . فجاء إتفاقاً بكل ذلك القدر من العبقرية، حتى كاد أن يتم (تعميده) فى كامب ديفد لولا الخشية من أن تتسرب الروائح العفنة من قاع القِدْر .
الإتفاقية قد لا تأتى بالسلام حسب الصحفية “المخضرمة” آشلى جاكسون، كما قالت فى “الإستقصاء” . كونها ترى أن حركة طالبان عليها تقديم “ضمانات”. لأن طالبان حسب نص قول الصحفية {{ يريدون أن ينظر لهم كحكومة منتظرة وليس حركة تمرد أو جماعة إرهابية. ومن هنا تنبع أهمية الشرعية لأننا سنسمح لهم بالمشاركة فى الحكم (!!) . فلا تقتصر أهميتهم على قوتهم العسكرية فى ميدان المعارك ، فالكيفية التى يتلاءمون بها مع المجتمع هى التى ستضمن أيضا تمكنهم من أن يكونوا جزءاً من الحكومة (!!) ، وأن يحصلوا على معونات (!!) وأن يقيموا علاقات طبيعية (!!).}}
باللغة العربية الفصحى تقول المخضرمة آشلى جاكسون ما يلى :
– “نحن” ــ تقصد الأمريكيين والغرب ــ الذين سنسمح لطالبان بالمشاركة فى الحكم .
– يجب على طالبان التصالح مع القيم الغربية التى ظهرت فى المجتمع الأفغانى .
– بتلك الإشتراطات يمكن ان يحظى طالبان بمعونات الغرب (إقتصاديا ) والتمتع بعلاقات طبيعية معه (سياسيا) .
– قوة طالبان العسكرية غير ذات قيمة فى كل ذلك .
وهكذا كشفت آشلى عن محتويات (قِدْرْ السلام الملغوم ) وليس فقط قاعة المتعفن .
الإمارة الإسلامية : أول وأكبر ضحايا إتفاقية الدوحة “للسلام” !!.
المخضرم سهيل شاهين يحدد أربعة أجزاء ” لإتفاق إرساء السلام” . الذى لا نعلم له وثيقة رسمية ، أو نصوص ثابتة . فأمام كل حادث يتم ذكرجزء من الإتفاق ، بما يوحى بأنه إما فضفاض للغاية ، أو أنه يحتوى على الكثير من الأسرار والنصوص المخفية ، أو المتفق عليها شفويا .
الأجزاء التى أعلنها “شاهين ” رغم خطورتها ـ وسوف نمُرُّ عليها سريعاً فيما بعد ـ لكن الأخطر هو مالم يتم الإعلان عنه كتابة فى الإتفاق ، ولكن ذُكِر بكل وضوح فى المداولات التى سبقت صياغة الإتفاق “التاريخى” عن رغبة أمريكية أكيدة بإلغاء الإمارة الإسلامية . فقد صرح بومبيو بوقاحته المعتادة أن بلاده لا تعترف بالإمارة الإسلامية . لكنها تعترف بحركة طالبان ، وتعترف بمكتب الدوحة كممثل لحركة طالبان ( وليس ممثلاً للإمارة الإسلامية ) !! .
لهذا لم يُذكَر مطلقاً إسم الإمارة الإسلامية فى نصوص إتفاق الدوحة . كما لم يتم الإشارة إليها ولو بحرف جر فى الفيلم الإستقصائى . وكأنها شبح غير مرئى لا يمكن رصده . أو أنها كانت مجرد خطأ تم التراجع عنه أوالتوبة منه. والذى قيل بعد ذلك من أقطاب الدوحة ومشاركيهم ، أن شكل النظام القادم فى أفغانستان سيجرى التباحث بشأنه لاحقا. أى أن “الإمارة الإسلامية” مستقبلها مهزوز إلى هذه الدرجة . والثابت الوحيد هو مكتب الدوحة ـ وما ينتج عنه من إتفاقات ورؤية مستقبلية لأفغانستان القادمة التى تناولها الفيلم الإستقصائى، والتى أبعادها : التبعية السياسية ، والتسول الإقتصادى ، والتحلل الإجتماعى.
“الإمارة الإسلامية” أعربت بشدة عن الإلتزام بإتفاقية الدوحة للسلام ، ربما حتى لا تبدو فى تضاد مع مكتب الدوحة الذى من المفترض أنه تابع لها، فأصبح يمتلك صلاحيات الإمارة دوليا ويسعى لإزاحتها داخليا. فالواقع الجديد الذى رسمه “خليل زاد” إستبعد الإمارة عمليا لصالح (مكتب الدوحة) الممثل الشرعى (عالميا)، والذى /حسب خليل زاد/ يعبر عن حركة طالبان كقوة عسكرية تبحث عن إعتراف دولى ومشاركة سياسية مع نظام كابول الحالى .
مكتب الدوحة أصبح يمتلك أوراق السيادة بعيدا عن السلطة الفعلية للإمارة ـ رغم الإعتراف النظرى بها كنوع من الإحترام المؤقت ـ فالمكتب يمتلك الإعتراف الأمريكى والغربى والدولى ، واعتراف ضمنى من الأمم المتحدة التى إعترفت بإتفاقية “السلام” التى عقدها مع أمريكا بإسم حركة طالبان (وليس الإمارة الإسلامية) .
لاتجرؤ الدوحة الآن على إزاحة الإمارة إلا بعد إتفاق نهائى مع نظام كابل. تنشط الدوحة بأموالها المتدفقة بعنف على الداخل الأفغانى، وبإتصالات مُوجَّهة من بعض المخضرمين داخل مكتب التفاوض، بهدف إزاحة الإمارة عن التأثير على الأحداث الداخلية ، فيصبح الإستغناء عنها مستقبلا أمراً لا يمكن التغاضى عنه .
– منذ إعلان إتفاقية مكتب الدوحة ، إتضح عالميا أن ذلك المنظور لمستقبل أفغانستان هو القادم الحقيقى ، وأن ذلك المكتب هو جهه الإختصاص للحديث مع العالم بدعم أمريكى وتمويل قطرى وإسناد أوروبى . وأن الإمارة / وكما أرادت لها أمريكا / إنزوت إلى مجرد ضيف على المشهد له قيمة شكلية مؤقتة ، إلى أن يتم إقصائها بتسوية نهائية بين حركة طالبان(يمثلهم مكتب الدوحة، كما أرادت أمريكا أيضا) وبين حكومة كابول”العميلة”.
ليس مكتب الدوحة منعزل داخل أفغانستان ، خاصة بعد إنفاق قطر لمئات ملايين الدولارات: لإحداث فتنة داخلية / لتفتيت صفوف المجاهدين/ وشراء من هو قابل للشراء من بين القبائل / وحتى محاولات لتفتيت النظام الداخلى للإمارة الإسلامية نفسها / ومن أجل مزيد من الإضعاف ومزيد من الفتن الداخلية .
الإمارة تتراجع .. ومكتب الدوحة يتقدم :
منذ توقيع إتفاق الدوحة “للسلام” والإمارة الإسلامية يتراجع رصيدها من إعتمادية دول العالم عليها ، كما تراجعت ثقة دول الإقليم فى قدرتها على صنع واقع جديد لأفغانستان غير ما يرسمه لها بومبيو وخليل زاد ومعهما مخضرمى مكتب الدوحة للسلام.
ولعل البند الوحيد الذى نفذته الولايات المتحدة فى الإتفاق المذكور كان إقناع دول الجوار بدعم رؤية السلام كما حددها إتفاق الدوحة . وهو البند الذى كان نصه ما يلى:{ تدعم واشنطن خلق بيئة داعمة لإحلال السلام النهائى بأفغانستان من خلال دول الجوار}. وهو سلام قائم على مشاركة بين حكومة كابول ومكتب قطر ممثلاً لحركة طالبان (حسب الرغبة الأمريكية).
– وهنا تحذير يقول أن الإمارة منذ إتفاق الدوحة للسلام خسرت الكثير من سمعتها الدولية والإقليمية . ويجرى سحب البساط من تحت أقدامها فى الداخل . وسوف تستبعد نهائيا من المشهد الأفغانى إذا سار مخطط التآمر الأمريكى المسمى (إقرار السلام) حتى نهاية الشوط المقرر له .
رباعية السلام كما ينشدها مكتب الدوحة للسلام :
سبق التعليق على إتفاق الدوحة ــ فى مقال على هذا الموقع تحت عنوان “السلام المراوغ..وإتفاقية إحلال السراب” ــ وفيه تعليق حول أحد عشر بندا أذيعت وقتها فى إعلام قطر . والآن يذكرالسيد شاهين ما أسماه (أربعة أجزاء). سنعلق عليها بإيجاز، حيث علقنا سابقا بالتفصيل فى المقال المشار إليه .
فى الجزء الأول من الرباعية يقول شاهين :
{ سحب جميع الجنود الأمريكيين من أفغانستان ومما حولها!!.} . “سألته المذيعه : كلهم ؟. فأجاب بسرعة : كلهم “. ولعل التعبير خانه فى جملة “ومما حولها” ، فليس لها محل من الإعراب. أو أنه يقصد أن الإنسحاب هو من مدينة “كابل” وما حولها ، وليس من أفغانستان .
السيد شاهين سقط متعمدا فى تدليسات خليل زاد . فليس لأمريكا جيش يقاتل فى أفغانستان ولم يَعُدْ لها غير قوة من الإداريين وحُرَّاس القواعد العسكرية (خاصة قاعدة بجرام). فالإتحاد الإستخبارى بين CIA والموساد هو من يدير الحرب ويختار القوات التى تناسب المهمة، ومنها:
ــ قوة ضاربة من الشركات الدولية للمرتزقة (بلاك ووتر/ بن زايد ــ برنس) .
ــ قوات محلية أسستها المخابرات الأمريكية وتتبعها مباشرة.
ــ فرق الموت التى تديرها إسرائيل ضد المدنيين فى القرى .
ــ ميليشيات محلية ، خاصة ما يدعى (الأربكية)، التى تمولها وتسلحها المخابرات الأمريكية وتديرها عبر الأمن الوطنى الأفغانى .
ــ وهناك الميليشيات بأنواعها القبلية والعرقية .
ــ وهناك (بلاك ووتر الداعشية ) والتى تديرها CIA مع مجموعة من الأمن الوطنى الأفغانى .
(( وبعد ذلك يقول جون سبوكر فى التقرير الإستقصائى أن بلاده أنفقت على “إعادة الإعمار” وحده مبلغ 132 مليار دولار. ويقول أنه مبلغ أكبر مما أنفقته على إعادة إعمار أوروبا فى مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية. ويَدَّعى سبوكر أن السبب يعود إلى الفساد الحكومى.
ولكن رغم ضخامة الفساد إلا أن الإنفاق على تدمير أفغانستان وإنشاء الكثير من الأجهزة المسلحة التابعة للمخابرات الأمريكية هو الذى إستنفذ أموال أمريكا ، متحالفاً مع الفساد المحلى فى إهدار 2 ترليون دولار هى تكلفة الحرب. والجدير بالذكر أن الفساد فى الجانب الأمريكى تزيد كلفته بمراحل عن الفساد فى الجانب الحكومى الأفغانى )) .
لم يتحدث شاهين، كما لم تذكر إتفاقية السلام شيئا عن مستقبل كل تلك القوات . ولا المرتزقة الذين بدأوا يتعاقدون مع حكومة كابل .
ولم يتكلم شاهين عن مصير إتفاقية الدفاع المشترك “أو التعاون الإستراتيجى” بين الولايات المتحدة وحكومة كابول التى سيصبح “مكتب الدوحة للسلام” شريكا معها فى الحكم ، إما بشكل مباشر أو بواسطة أفراد موثوقين لديه.
ولم يتكلم عن جيش المخابرات الذى يدير الحرب ، منCIA والموساد . وهم غير تابعين رسميا للجيش الأمريكى ولا يرتدون ملابسه الرسمية . ويمكنهم بسهولة إستخدام ملابس الجيش الأفغانى ، تحت إسم خبراء أجانب أو مدربين أو حتى (أصدقاء فوق العادة للدولة الأفغانية !!) .
فى الجزء الثانى من الرباعية ، يقول شاهين :
{عدم السماح لأحد بأن يستخدم الأراضى الأفغانية لشن عدوان على أمريكا أو أحد من حلفائها}. السيد الدبلوماسى المحنك (حسب وصف التقرير) أسقط بذلك أفغانستان فى بئر لا خروج منه .
فهو أولا وضعها سياسيا تحت مراقبة الولايات المتحدة ، لرصد إتصالات الحكومة الأفغانية بالجهات الخارجية . والإعتراض على أي منها .
الإتهامات لن تتوقف، والعقوبات والحصار والتشنيع ومحسابة السياسة الخارجية للإمارة، ومصادرة سيادتها فوق أراضيها، والسيطرة على حركة الدخول والخروج إلا بموافقة أمريكية.
وأيضا رقابة أمريكية على النشاط المالى للإمارة مع البنوك الداخلية والخارجية . والعلاقات الإقتصادية والصفقات الإقتصادية ، بحجة منع أى دعم مالى لإرهابيين معادين للولايات المتحدة وأصدقائها (الذين هم إسرائيل على وجه الخصوص)، ومعاقبة أى شخصيات أفغانية لا تروق للسياسة أمريكية . والتوسع فى القوائم السوداء، التى كافح المفاوض الأفغانى لإعفائه منها، أكثر مما كافح لأجل إستقلال بلاده ، كما هو واضح من الإتفاقية التى فرَّطَت فى سيادة واستقلال أفغانستان . وحتى الآن لم يحصل المفاوض المستميت على إلغاء القوائم الأمريكية بالمنع من السفر، ولن يحصل عليها إلا بعد موافقة إسرائيل وتطبيع العلاقات الأفغانية الإسرائيلية.
– من مخاطر ذلك “الجزء” من الإتفاقية أنه يقر ضمناً بمسئولية الإمارة الإسلامية عن هجمات 11سبتمبر . ويفتح الباب أمام أمريكا لتطالب مستقبلا بتعويضات فلكية. فى نفس الوقت الذى تَحْرِم فيه الجانب الأفغانى / بصفته المُعتَدى/ من المطالبة مستقبلا بتعويضات حرب أو حتى بإعتذار أمريكى عن جرائمه فى تلك الحرب.
نلاحظ تهديد أمريكا للسعودية بدفع غرامات عن حادث سبتمبر. ومع تهاوى أسعار النفط ربما لا يكفى ثمن بيع شركة (أرامكو) العملاقة لسداد تلك الغرامات إذا تم إقرارها . أى أن نفط السعودية وهو المخزون الأعظم فى العالم ، سيكون مرتهنا بقضية عقوبات 11 سبتمبر ، فأى شئ سوف تَرْهَنهُ أفغانستان فى مقابل مسئولية أقرتها ضمنا عن حادث سبتمبر؟؟. مع ملاحظة أن السعودية لم تقر بمسئوليتها لا ضمنا ولا صراحة .
بدون التوسع فى تفاصيل الثروات الأفغانية التى تريد أمريكا أن تصادرها ، نقول أن فى صدارتها يأتى محصول الأفيون، بأن تفرض أمريكا نفسها كمحتكر له ومتصرف وحيد فيه . ليس ذلك إفتراضا، بل هو ما تمهد له أمريكا الآن عسكريا وسياسيا .
فقد بدأت بالفعل/ وحتى قبل أن تبدأ مباحثات السلام فى الدوحة/ الموجة الثانية من الحرب على أفغانستان ، بقيادة CIA والموساد، وبإسناد مالى من قطر. بهدف حصر مناطق الأفيون فى أيدى صديقة تعمل مستقبلا على حصر التعامل السيادى فى محصول الأفيون بالجانب الأمريكى وحده ، فى مقابل مزايا للمتعاونين تشمل أسعار مجزية للأفيون وتسليح جيد ، وتمثيل سياسى فى النظام القادم ، وعقود غاية فى السخاء فى مجالات الإنشاءات وإعادة الإعمار والسمسرة وتوكيلات تجارية تم توزيع العديد منها بالفعل على متعاونين أقوياء فى أفغانستان وباكستان والدوحة ومناطق أخرى).
– من مخاطر ذلك الجزء من الإتفاقية أنه لا يقود فقط إلى الإعتراف بإسرائيل ، بل يجعل الطرف الأفغانى مسئولا عن الدفاع عن أمنها. ويستلزم ذلك تنسيقاً أمنيا ، بل تبعية أمنية لإسرائيل التى هى القوة الإحتلالية الثانية من حيث الفعالية والقوة فى أفغانستان .
أى أن إعتراف النظام القادم بإسرئيل ، لن يكون سوى كشف لجزء من الأمر الواقع ، وجعله قانونياً . وقتها تسفر الوجوه القبيحة عن حقيقتها اليهودية ، كما حدث فى العديد من بلاد العرب.
يقول السيد شاهين فى الجزء الثالث من الرباعية : {الشروع فى مفاوضات بين الأفغان} .
ويقول فى الجزء الرابع منها: {إجراء مباحثات بشأن إطلاق النار} .
وبما أن المفاوضات بين الأفغان هى شئ آخر غير مباحثات “وقف” إطلاق النار، فإن المفاوضات بين الأفغان تعنى الإتفاق على تقاسم السلطه بين”الجميع”. لتكون طالبان مجرد جزء من هذا “الجميع” . ولكنها الجزء سئ السمعة (دوليا) ، ومتهم بالعنف والتطرف والتجاوز على حقوق النساء وحريات الشعب التى حصل عليها خلال سنوات الإحتلال السعيدة . أو كما جاء فى الإستقصاء (حقوق الناس فى سماع الموسيقى وحرية البنات فى ركوب الدراجات ، والجلوس على مقاعد الدراسة الجامعية مع الشباب) .
الحرية الغربية بديلا عن تحرير الوطن .. وثقافة القبلات بديلا عن الشريعة :
وحسب رؤية راسم لَوْحات جدارية فى كابل، وزميله مؤلف أشعار تلك اللوحات، فإن تبادل القبلات فى أفغانستان هو تعبير عن موقف سياسى “!!”. ويقول فى أشعاره بالحرف (سأقبِّلُكِ أمام طالبان ، لإننى لست خائفاً منهم ). ونسأله لماذا لم يفعل ذلك حتى الآن بينما هو ينعم بحماية قوات الإحتلال؟.
لقد أدار الغرب دفة الصراع ضد المستعمر بهدف تحرير الوطن، إلى “نضال تحررى” من أجل إباحة القبلات فى الشوارع . فزمن التحرير قد ولى بعد أن تم إستبدال المصطلحات والتوصيفات. فصار المحتل حليفاً وشريكاً استراتيجياً وممولاً للشعب الفقير، ومعيلاً لدولة التسول والفساد ، وحاميا لأكبر عملية تحول ثقافى وتحلل إجتماعى فى كل تاريخ أفغانستان.
وكما أخفوا ذِكْر الإمارة الإسلامية، تكتموا على ذِكْر الجهاد ، ونسوا لماذا كان منذ البداية ؟؟.
– ستكون حركة طالبان فى الزاوية الأضعف من الحكم المشترك. ولابد لممثليها فى الحكومة والبرلمان وأجهزة الدولة (ممثلى مكتب الدوحة فى حقيقة الأمر) ، أن يتبرأوا من ذلك الماضى {{ وأن يتكيفوا مع الأوضاع الجديدة لأن صفحة من التاريخ قد قُلِبَت وزمن الظلام قد ولَّى ، وأن شمس قضيتنا المشروعة قد أشرقت على العالم كله ) .. ( وآن الأوان بأن تَخْرُج جميع الجهات الداخلية والخارجية من عالم الدعايات والتبليغات الكاذبة التى مارسوها طيلة السنوات الثمانية عشر الماضية }} ــ حسب إقتباسات من بيان منشور على موقع الإمارة الإسلامية بعد الإعلان عن إتفاقية مكتب الدوحة للسلام .
بيان يحتفل فيه مكتب السلام الملغوم ، بما قدمه من تنازل لأمريكا عن القضايا الجوهرية وبكل سهولة . بل ومساعدتها فى التغطية والتضليل خاصة فيما يتعلق بإنسحاب القوات المحتلة ، وما يتعلق بحتمية الإعتماد على الغرب فى الحصول على المساعدات التى لا حياة لأفغانستان بدونها (حسب التقرير الإستقصائى والمشاركين فيه) . وما يستدعيه ذلك من علاقات وثيقة مع الغرب، وضمانات حسن سير وسلوك فيما يتعلق بالحريات التى حصل عليها الشعب الأفغانى تحت ظلال الإحتلال . خاصة حريات المرأة فى (ركوب الدراجات ، التقبيل فى الشوارع ، ومقاعد دراسية مختلطة فى الجامعات). مع تأجيل إقرار بند الحريات فى وثيقة رسمية إلى مرحلة لاحقة ، تجنباً للإحراج الذى قد يعرقل باقى التنازلات المتعلقة بالتبعية الإقتصادية والسياسية .
التسول الإقتصادى ضرورة إنسانية ( حسب الإستقصاء) !!
محور آخر خطير إقتحمه التقرير الإستقصائى المشترك (فرنسى/ قطرى)، حول ضرورة المعونات الخارجية ، وأن حياة الشعب الأفغانى وصحته ستكون فى خطر إذا ما حُرِمَ من ذلك الإحسان الوفير.
تلك الفقرة من الإستقصاء لا تقل أهمية وخطورة عن الفقرات التى تناولت السياسة والإقتصاد . بل تدعم تلك المحاور من جانب عاطفى وإنسانى للتأكيد على أن التبعية للغرب والخضوع لشروط المحتل هى ضرورة إنسانية ، وأن من يعارضها مجرم فى حق شعبه ، وحق الأطفال المرضى والأمهات الجوعى الذين لا عائل لهم غيرالغرب الرحيم وتبرعاته الإنسانية الخالصة لوجه الله.
تقول مذيعة البرنامج فى مقدمة تلك الفقرة (الإنسانية / السياسية ) :
{{ دورة العنف تُشْعِر الدول المانحة بالإحباط . وأفغانستان دولة تعيش على المعونات الخارجية فمنذ عام 2014 خففت الحكومة الأمريكية معوناتها لأفغانستان بمقدار النصف.
نموذج على حاجة أفغانستان (للمعونات الخارجية) نتوجه إلى جلال آباد، المستشفى العام بالمدينة وحدة طب الأطفال . الأطفال يعانون من سؤ التغذية الشديد. تعتمد الوحدة كليا على اليونيسيف فى الأجهزة والعلاج وحتى الطعام ـ وقد تنضب مواردها قريبا جدا }}.
طبيب أفغانى يقول فى”الإستقصاء”: { إن يونيسيف إستصرخت العالم كى يمول برنامج الطعام لكن لسؤ الحظ لم تتلق معونات تذكر} .
وفى موضع آخر يقول : { الناس فقراء. تعانى الأم من سؤ التغذية أثناء الحمل ، وعند الولادة لا تستطيع إرضاع طفلها . قالت لى والدة الطفلة : كيف نطعمها ونحن أنفسنا لا طعام لنا ؟.}
ثم تقول المذيعة : { إن 2 مليون طفل يعانون من سؤ التغذية فى أفغانستان }.
((ونحن نضيف الى معلوماتها أن هناك 800,000 أمرأة أدمنت على المخدرات ــ إضافة إلى ثلاثة ملايين شاب أدمنوا على الهيروين )) .
وفى نهاية تلك الفقرة الإنسانية / السياسية ، تقول المذيعة الفرنسية :
{ بعيدا عن الصفقات الدولية مازال الأفغان الأكثر ضعفاً يدفعون ثمن الحرب . ويَرْجُحْ اليأس ، وضرورة وضع حد للمعاناة ، فى أذهانهم ، على المحرمات القديمة (!!) . ولديهم رغبة بسيطة واحدة، هى أن تنتهى معاناتهم ، حتى وإن إستدعى ذلك تقديم تنازلات إلى أعدى أعدائهم(!!) }
الكثير يمكن أن يقال حول تلك الفقرة ، التى تفتح المزيد من الجراح النازفة . لهذا نكتفى الآن بالإشارة إلى أن (المحرمات القديمة) يقصد بها المحرمات الدينية. وأن تقديم التنازلات لأعدى أعدائهم تتعدى التنازلات السياسة . وهذا يكفى الآن على الأقل .
هل أفغانستان دولة فقيرة .. و متسوِّلَة ؟
هذا ما يؤكده شاهين فى الإستقصاء التلفزيونى ، بما يؤكد تلك الإهانة المتعمدة التى يقدمها الإستقصاء على أنها حقيقة غير قابلة للنقاش . كما أكد الأمريكى (جون سبوكر) ــ المفوض الأمريكى لمراقبة إعمار أفغانستان ــ وزميله الأوروبى “رولاند كوبيا” المبعوث الخاص للإتحاد الأوروبى فى أفغانستان الذى يرى أن : { من يريد أن يعقد صلحاً فعليه أن يصافح حتى الشيطان} ويقول كوبيا أن : { الفقر إنتشر فى أفغانستان نتيجة للحرب وأن بلد مضطرب كأفغانستان ممكن أن يصبح أرضية خصبة للجماعات الإرهابية التى تخطط وتشن عمليات فى بلدان بعيدة ، وما يهمنا هو الأمن فى أفغانستان لكى نضمن الأمن لأوروبا كلها }} ـــ وهكذا يرى الغرب فى أفغانستان ، مجرد فقر واقع وإرهاب محتمل .
– المفوض الأمريكى ( جون سبوكر) قال فى الإستقصاء:
{ لا تستطيع الدولة فى أفغانستان بمفردها أن تحصل على أموال تكفى للإنفاق الحكومى . فهى تحصل سنويا على ما يتراوح ما بين 2 إلى 2,5 مليار دولار من العائدات والضرائب . وإنفاقها على الجيش والشرطة يتراوح ما بين 4 إلى 5 مليارات . فضلا عن مليارات أخرى تنفق على القطاعات المدنية . وإذا ما حجب ذلك الدعم الإقتصادى فسوف تدور مشكلة تؤثرعلى ديمومتها ، وهى لا تستطيع أصلا أن تنفق على جيشها }.
إذن حسب سبوكر يجب أن تعيش أفغانستان مستعبدة للغرب نظرا لحاجاتها إلى أموالة .
شاهين يؤكد ذلك مع المذيعة الفرنسية ـ فى آخر فقرة من الإستقصاء والتى دارت كالتالى :
المذيعة : { أتخشى أن يسحب بعض المانحين الدوليين ـ مثل الإتحاد الأوروبى ـ أموالهم من البلاد إن عادت طالبان إلى السلطة ؟؟} .
شاهين : { نعم بالطبع ـ لذلك فإننا نريد أن نغلق هذا الفصل من الحرب ، ونبدأ فصلا من التعاون والعلاقات الطيبة معهم . عليهم ان يدفعوا تلك الأموال لشعب أفغانستان وإلى البلد نفسه لتنميته وإعماره}.
السيد شاهين يخشى أن يقطع الغرب “مساعداته” المالية لأفغانستان . لهذا يريد طي صفحة الحرب .(التى كانت تسمى جهادا فى الزمن القديم ، زمن الظلام ، قبل أن تشرق شمس مكتب الدوحة للسلام) وبدء صفحة من التعاون والعلاقات الطيبة . أموال الغرب يجب ـ فى رأيه ـ أن تأخذ مساراً آخر إلى البلد لتنميتة وإعماره . فهناك أيدى جديدة جاهزة لتلقى المعونات لتنفقها بشكل أفضل . ومعلوم دوليا أن المعونات الخارجية يترافق معها الفساد. إذن كلام السيد شاهين يعنى إعطاء خريطة جديدة للفساد وعنوان جديد للفاسدين.
ولعله يرى بذلك { أن صفحة التاريخ قد قُلِبَت ، وزمن الظلام قد ولى، وشمس قضيتنا المشروعة قد أشرق فى العالم كله}. فالمشكلة كما يراها مكتب الدوحة للسلام، هى فى نوع اليد التى تستلم المعونات، ومن ثمَّ تمارس نفس الفساد . ويظل مبدأ التسول ثابتأً ، وكذلك مبدأ التبعية السياسية لأمريكا والغرب، بضمانات القبول بالإذلال الثقافى والتنازل عن ثوابت الدين والتقاليد.
التحقيقات حول حقوق المرأة .. وليس عن حادثة سبتمبر
الجيش الأمريكى وقوات حلف الناتو لم يهاجموا أفغانستان لتوزيع الحلوى على الأطفال ، أو لإطعام الجوعى، أو لبناء ما دمرته الحرب السوفيتية وحروب الفتنة التى أشعلها الغرب فى أفغانستان . أو من أجل أن تركب الفتيات الدراجات وتتبادل القبل فى الشوارع مع الشباب.
فأحداث 11 سبتمبر لا علاقة لطالبان أو الأمارة الإسلامية بها من قريب أو من بعيد . ومعلوم على نطاق واسع أنها من ترتيب المخابرات الأمريكية وشقيقتها الموساد . وأن الولايات المتحدة لم تكشف عن النتائج الفعلية للتحقيقات ، ولم تسمح بتحقيق دولى مستقل . ولكنها دخلت فى حرب صليبية ضد المسلمين ، أعلنها بوش من كتدرائية فى واشنطن . وحتى أنها لم تسمح بأى تغطية إعلامية مستقلة لأحداث سبتمبر ، ولا لحربها فى أفغانستان . ولكن المذيعة الإستقصائية تعترض على السيد شاهين ، بحماس قائلة فى تعليقها على موقف طالبان من المرأة : { فى عهد طالبان اُغْلِقَتْ أفغانستان فى وجه التحقيقات الخارجية ، ولم تُدْلِ أى منظمات غير حكوميه بشهادة عن العنف ضد النساء ، ولم تبين أى إحصاءات ما عانينه} .
ولعل أحداً آخر يسألها: وهل سمحت الولايات المتحدة بإجراء مثل تلك التحقيقات الخارجية غير الحكومية عن أحداث 11 سبتمبر التى نتج عنها حربا طاحنة ما زالت مستمر فى أفغانستان منذ 20 عاما ، وامتدت نيرانها فطالت العراق ودول عربية عديدة ؟؟.
ولماذا رفضت أن يُحاكم جيشها على جرائم حرب أرتكبها فى أفغانستان وتوفرت حولها دلائل تتيح رفع قضايا جنائية ضده؟ . وبدلا عن ذلك عاقبت أمريكا المحكمة الجنائية الدولية واتهمتها بالتحيز ضدها وضد شقيقتها إسرائيل التى تواجه إتهامات مماثلة إرتكبتها فى فلسطين المحتلة.
مكتب الدوحة للسلام وحرصا منه على بناء الثقة مع أمريكا، لم يقدم كلمة تأييد أو شكر للمحكمة الدولية، وكأن الأمر لايخصه فى شئ ، رغم أن تسميته فى البداية كانت هى (المكتب السياسى للإمارة الإسلامية)، فأسقط المكتب السياسة من إعتباره، كما أسقط الإمارة الإسلامية نفسها، ولم يعد يذكر غير كلمة واحدة هى “السلام” وما يتعلق به من “بناء الثقة” و”المعونات الغربية”.
ثروات أفغانستان : الأفيون أولا .
ليس من المبالغة القول بأن أفغانستان واحدة من أغنى دول العالم . وأن ذلك ما جلب لها الغزو الأمريكى مدعوما بحلف شمال الأطلنطى”الناتو” . فأرض أفغانستان تحتوى على ثروات تزيد قيمتها عن 2000 مليار دولار. من ضمنها خامات نادرة وحيوية بالنسبة للصناعات التكنولوجية عالية التطور. ومواد خام تتيح لها إنشاء صناعات ضخمة تقليدية أو متطورة ، بل وأن تكون دولة رائدة فى الصناعات النووية السلمية . فلديها مخزون هائل من اليورانيوم الذى تنهبه بريطانيا العظمى يوميا من منطقة سنجين فى لاية هلمند ، الغنية باليورانيوم والأولى عالميا فى إنتاج الأفيون.
فأفغانستان تنتج أكبر محصول للأفيون فى العالم (حوالى 90 % من الإنتاج العالمى فى المتوسط). ومئات مليارات الدولارات المتولدة سنويا من الأفيون ومنتجاته تصب فى خزائن البنوك الأمريكية والإسرائيلية والأوربية . وعندما أوقفت الإمارة الإسلامية زراعة الأفيون ، تعجلت أمريكا بقرار الغزو ، بذريعة أحداث سبتمبر التى رتبتها مع الإسرائيليين .
سابقة وقف زراعة الأفيون تعتبر سبباً رئيسياً فى إصرار أمريكا على إستبعاد الإمارة الإسلامية من مستقبل أفغانستان ، وإستبدالها بمكتب قطر للتفاوض والسلام ، خشية أن تُكَرِّر الإمارة “خطئها” السابق بوقف زراعة الأفيون ، الذى يعنى كارثة مالية تصيب الولايات المتحدة وإسرائيل وغرب أوروبا ، وبالتالى النظام البنكى والمالى العالمى ، والأهم توجيه ضربة قاضية للدولار الذى تبنى عليه أمريكا عظمتها الورقية فوق عالمنا المتهافت.
أما مكتب قطر فهو المفضل أمريكيا لأن طموحاته تتوقف عند تلقى المعونات الأمريكية، فى مقابل تقديم التنازلات المناسبة فى مجالات الإستقلال والسيادة والثروات والثقافة الأفغانية .
الولايات المتحدة جادة بالنسبة لثروات الهيروين التى تصب فى بنوكها . فمن أجلها إحتلت أفغانستان ـ ولأجلها تستمر فى حرب لا أمل فى ربحها .
وقبل التوقيع على بيان السلام فى الدوحة كانت تهديدات هى الأشد من نوعها قد وصلت إلى حركة طالبان ، ومفادها : أن أمريكا ستحصل على المخدرات التى تريد ، وإلا محت كابل من الوجود . ثم وهدد ترامب بضربة تبيد عشرة ملايين أفغانى وتنهى الحرب خلال أيام . ثم إدعى أنه لا يريد ذلك !! .
فالقضية الحقيقية إذن هى أفيون أفغانستان وليس النفاق الغربى عن حقوق المرأة وركوبها الدراجات وتبادل القبلات فى الشوارع ، والجلوس مع الشباب فى مقاعد الدراسة .
القضية هى الهيروين الذى تنتجه المخابرات الأمريكية فى قاعدة بجرام الجوية ويُدِر فى تجارة عالمية دخلاً سنويا يشارف الألف مليار دولار ـ تتضاعف مع توالى عمليات الغسيل (!!) .
القضية تمس أيضا دول أوروبا الغربية ـ وتصل إلى أعصاب النظام الدولى الذى تديره أمريكا ، وتلتصق بالعمود الفقرى للبنوك اليهودية العظمى .
المعادلة الأمريكية تجاه أفغانستان فى غاية البساطة وهى : (الأفيون أو الحرب) ــ (الأفيون فى مقابل السلام) ــ و بمعنى آخر: (الأفيون لنا أو الموت والدمار لكم) .
بعد إحتلالها لأفغانستان قفزت أمريكا بمحصول الأفيون إلى أكثر من 40 ضعفا . وأدخلت إلى الزراعة بذور مُعَدَّلة وراثيا لتعطى إنتاجاً مضاعفاً ومحتوى مُخَدِّر أعلى . كما أدخلت تحسينات فى تكنولوجيا تحضير الهيروين فصارت نقاوته تامة 100% بعد أن كانت عالميا فى حدود 52% قبل الإحتلال.
تضاعفت كميات الهيروين وصارت نوعيتة مثالية . وتوزيعه صار دوليا وفى غاية السهولة عبر سلاح الجو الأمريكى الذى يُقلِع من أفغانستان فى أجواء الكون الشاسعة المفتوحة أمامه. ولو أن هناك كائنات فى الكواكب الأخرى لوصلها الهيروين الأمريكى محمولا فى سفن الفضاء. بينما الأساطيل الأمريكية فى البحار ــ والتى تكافح القرصنة “!!” ــ توزع الهيروين فى موانئ المحيطات جميعاً. والصراع على حيازة وبناء موانئ على سواحل أفريقيا (على سبيل المثال لا الحصر) هو تنافس على حيازة محطات بحرية دولية لتوزيع المخدرات بأنواعها.
وعندما خسرت أمريكا المزيد من حقول الأفيون التى حررتها حركة طالبان ، وتعَثَّر إنتاج الهيروين فى القواعد الجوية (خاصة بجرام) نتيجة الحصار والضغط والإختراقات والتخريب ، إزدحمت أفغانستان بزبائن الهيروين ، الذين جاءوا فزعين لضمان حقوق (شركاتهم) عابرة القارات . ليأخذوا ما يستطيعون الحصول عليه ، بأى وسيلة ممكنة . لا يهم كيف ولكن المهم أن تكون الوسيلة مجدية !!.
بازار للهيرويين .. وبنوك تغسل الدولار أكثر بياضا :
من السوق السوداء حصل الوافدون غير القانونيين إلى أفغانستان على مبتغاهم من المسحوق الأبيض أو البلورات كاملة النقاء . فأنعقدت الأسواق فى مدن شتى ، والتجارة التى كان يحتكرها الجيش الامريكى تولاها ضباط فى CIA والموساد ، مع كبار موظفى الأجهزة المحلية “الوطنية” من جيش ومخابرات وسياسيين وزعماء ميليشيات .
أما بنك كابول فبالكاد يكفى وقته لغسيل الشلال القذر من دولارات الهيروين . ومنه تتدفق أفرعاً كثيفة إلى دولة الإمارات وفقاعات الخليج الأخرى ، وإلى أصدقاء أمريكا فى شرق آسيا وأراضى فلسطين المحتلة .
حول العالم ، الدولارات القذرة تبنى مدناً ومشاريعاً إستثمارية وسياحية عظمى ، وتشترى موانئ على ممرات المياه الإستراتيجية ، وتدعم أنظمة .. وتهدم دولاً .
بإختصار.. الدولار الأفيونى ــ بعد غسيلة ـ أصبح أكثر بياضا ، وإنتصر على الدولار النفطى القديم ، ويدعم نظام أحادى القطبية ، ترعاه الولايات المتحدة وتدير به العالم .
عندما لاحظ البعض ذلك الإنتعاش الهائل ـ أو ثورة الهيروين العظمى ـ التى أشعلها الإحتلال الأمريكى لأفغانستان ، إمتعضوا على إستحياء . ولكن الرد الأمريكى كان واضحا ومتبجحا : (إننا لم نذهب إلى أفغانستان من أجل مكافحة المخدرات ) ــ وأخيرا صدق الكذوب .
وظن الأمريكى أنه كسب ملايين المزارعين الأفغان فى صفه ، بعد أن ساعدهم فى زراعة الأفيون ، ورفع أسعاره بالنسبة للسابق بعد أن كانت الإمارة الإسلامية قد أوقفت زراعته فوقع المزارعون فى أزمة إقتصادية وإجتماعية هائلة .
رصدت أجهزة الأمم المتحدة إنتاجاً قدره 185 طن فى عام 2001 الذى توقفت فيه الزراعة، فى مقابل 3600 طن قبل ذلك . ثم تصاعد الإنتاج إلى أكثر من 10000 طن فى سنوات الإحتلال ـ فى المتوسط الفعلى ـ وليس بأرقام الإحتلال الذى يخشى من الحسد ومن المنافسين .
الخلاصة هى أن الأفيون مشكلة عالمية عظمى، تفوق طاقة أى حكومة تتولى أمر أفغانستان. وهو موضوع يمس أمن ومصالح الدول الكبرى . ويؤثر مباشرة فى النظام المالى والبنكى العالمى . فالأفيون شأن عالمى تماما ، وليس محليا بأى حال .
– إنطلاقاً من تلك الحقيقة فإن الإمارة الإسلامية فى عهد حكمها القادم يجب أن تتحمل تلك المسئولية العالمية . ولكن بإدارة مركزية قوية واعية حتى لا يختل الأمن داخل أفغانستان أو فى الدول المحيطة بها . وحتى لا تتعرض أفغانستان لغزو عسكرى جديد من الدول العظمى ــ والقوى العالمية المتحكمة ــ إذا أضيرت مصالحها المالية نتيجة حظر الإمارة زراعة الأفيون.
الإمارة الإسلامية أمام تحدى داخلى ومسئولية دولية :
ستكون أفغانستان ( الإمارة الإسلامية ) فى وضع مالى وإنسانى يمكِّنها من إقامة جهاز إدارى جيد ، وقدرة عسكرية وإستخبارية للإضطلاع بتلك المهمة ، وضمان أمن وسلامة أراضيها، وأمن وسلامة الجيران والعالم ، بتنظيم دور تلك السلعة “المالية” الحيوية للنظام العالمى.
من نتائج ذلك على الدولة الأفغانية ما يلى :
إحباط الحرب الأمريكية المضادة التى سوف تجابه الإمارة الإسلامية فى حال نجاحها فى تصفية الوضع الإستعمارى الحالى ، وطرد قواته الأجنبية وقواته المحلية وقوات المرتزقة، و طرد عملائه فى النظام الحاكم ، كما طُرِدَ من قبل نظام نجيب الله الشيوعى.
ومن إجراءات الحرب الأمريكية ضد الشعوب التى تريد الإستقلال بإدارة شئونها :
1 ـ ضرب العملة المحلية ، فترتفع الأسعار بجنون .
2 ـ حصار مالى ، وحظر التعامل التجارى مع الخارج .
3 ـ عمليات تخريب وإغتيال ، وإشعال فتن داخلية وحركات إنفصالية وحرب نفسية ودعائية.
كل ذلك ـ أو أكثر منه ـ سوف يحدث ضد الإمارة الإسلامية عند عودتها ، بعد تحرير البلاد وطرد المحتل.
ولن يكون أيا من تلك الأساليب مجدياً للأسباب التالية :
1 ـ قوة الإمارة داخلياً، والإجماع الشعبى حولها، والذى تجلى فى دعم شعبى لجهادها ضد جيوش الإحتلال طوال عقدين من الزمان . وقبل ذلك دَعَمَها الشعب ضد نظام أحزاب الفساد الذى أقامته أمريكا وأعوانها فى كابول بعد سقوط النظام الشيوعى .
2 ـ تتوسط أفغانستان مجموعة من أقوى دول آسيا والعالم ، وتمثل أفغانستان حلقة الإتصال البرى والجوى فيما بينها . بما يُشَكِّل مصالح إستراتيجية وأمنيه وإقتصادية لتلك الدول جميعاً. ونخص بالذكر الصين (عملاق العالم) وروسيا وإيران والهند .
3 ـ فأى ضرب لإستقرار أفغانستان أو تهديد لأمنها ، أو عرقلة لدورها فى النظام الأسيوى الكبير كرابط برى وجوى بين (الصين و إيران) من جهة ، وبين (روسيا و الهند) من جهة ثانية ، سيكون ذو تأثير خطير على أمن القارة الأسيوية والعالم أجمع .
ومن خلال المصالح المشتركة والحاجة الجماعية إلى الإستقرار والأمن والتنمية ، يمكن للإمارة ان تبنى أفغانستان كدولة قوية وغنية ، ذات إقتصاد إنتاجى ، متكامل مع المحيط الأسيوى، ويحقق أكبر قدر من الإكتفاء الذاتى الزراعى والصناعى للشعب الأفغانى . بهذا الترابط والتفاعل الإيجابى مع المحيط الأسيوى العملاق تعيد الإمارة إعمار أفغانستان ـ بتعاون إقليمى متكافئ .
– وغنى عن القول أن إستقلال أفغانستان وهويتها الحقيقية سوف يحددها دورها الفعال مع عمالقة الإقليم الأربعة : الصين ـ روسيا ـ إيران ـ الهند . وسياستها الذكية فى إدارة دورها الفعال لبناء أفغانستان بالتفاعل مع تلك الدول بعيدا عن الصدامات . أما البعد الدولى (الأمريكى ــ الأوروبى) فلن تحصل أفغانستان منه ، سوى على الحصار والعقوبات ، والتخريب والحرب النفسية ، إلا إذا إنصاعت للرؤية التى أقرتها الولايات المتحدة ومكتب الدوحة.
– إذن أفغانستان لن تكون فى حاجة إلى الولايات المتحدة، ونظامها للإستعباد الدولى، وما يرافقه من حروب وحصار إقتصادى وعقوبات أرهقت العالم .
فى مثل ذلك الترابط بين أفغانستان مع محيطها الأسيوى ، فإن الولايات المتحدة ، إذا عاقبت أفغانستان ستكون قد عاقبت نفسها فى حقيقة الأمر.
وستكون أمريكا ــ ودول حلف الناتو ــ مجبرة على إقامة علاقات طيبة مع أفغانستان كأفضل وسيلة للحصول على مبتغاها من محصول الأفيون ـ ولكن طبقا لشروط وإشراف حازم من الإمارة الإسلامية.
ولن يطول الأمر كثيرا حتى يأتى نظام عالمى جديد ، بلا ولايات متحدة، وبلا معادلتها القاتلة : ( الأفيون لنا .. أو الموت والخراب لكم ) .
تجديد البيعة للإمارة الإسلامية :
( نستفيد هنا بعدد من الأفكار التى وردت فى مقال بمجلة الصمود، عدد رقم 174 ، تحت عنوان إستفتاء البقاء واستفتاء الإلهاء) .
– رؤية الإمارة الإسلامية للحكم الإسلامى إتضحت خلال فترة حكمها الأولى (1996 ــ2001)، بأن أهم واجبات النظام الإسلامى هى تطبيق العدالة بين الجميع ، ومكافحة الفقر.
وفى الحقيقة فإن تطبيق الشريعة لا يمكن أن يكون كاملا بدون توفير عيش كريم لجميع الناس وإلا فلا يمكن تطبيق أكثر الحدود الإسلامية فى ظل الفقر المدقع أو المجاعات التى تشكل شبهة مُخَفْفِة أو حتى مانعة لتطبيق الحدود.
إذن تنمية الإقتصاد هى العمود الفقرى لإقامة شرع الله. فلا شرع يقام بمعزل عن مكافحة الفقر فيجب منع إحتكار الثروات، وتنظيم الزكاة ، والتصدى لناهبى ثروات المسلمين.
فالمسلمون ليسوا فقراء، أو فى حاجة لمن يعولهم ، بينما ثروات البلاد منهوبة وتصب فى خزائن الكافرين أموالا طائلة.
– يعمل الأمريكيون ، ومعهم سماسرة الإحتلال الأجنبى ، على التخلص من الإمارة الإسلامية وإزاحتها جانباً، كخطوة أولى ، ثم إلغائها فى خطوة لاحقة ، بطريقة تبدو ديموقراطية جذابة للغرب وجالبة لرضاه ومعوناته.
متخطين بذلك أصحاب الحق الشرعى فى إقرار نظام الحكم ، الذين أقاموا الإمارة الإسلامية واختاروا لها الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين . ويمتلك ذلك الحق القوى التى جاهدت لإزاحة نظام البغى والفساد فى كابول منذ عام 1994 إلى عام 1996 حين أعيد فتح كابول وطُرِدَ منها المنافقون والمرتدون الذين عملوا داخل النظام .
بعد رحيل الإحتلال الأمريكى وملحقاته ، فإن الإمارة الإسلامية هى من سيتولى سلطة الحكم ، بناءً على شرعية إستفتاء جهاد شعبى ، إستمر عقدين من الزمن ، مؤيداً لها ولمبادئها الإسلامية. وهذا هو الإستفتاء الحقيقى للأمم المجاهدة . وليس واحدا من إستفتاءات النفاق الغربى، لتسويق الفاسدين بقوة المال الأجنبى وأجهزة الدعاية.
إختيار الإمارة الإسلامية كنظام لحكم أفغانستان قد تم بالفعل خلال عشرين عاما من الجهاد الصعب والقتال المرير . فمن كان خارج ذلك الجهاد فلن يشارك فى النظام القادم ، وعليه إما البقاء تحت قوانين النظام الإسلامى ، أو الرحيل مع قوات الإحتلال ليقيم مع سادته فى بلادهم.
– بعد تحرير كابول ، وخروج الإحتلال الأمريكى وأعوانه ، يحين الوقت لتجديد البيعة لحكم الإمارة فى مرحلة الجهاد القادمة لإعاة بناء أفغانستان وإزالة آثار الإحتلال ثقافيا واقتصاديا. عبر مؤتمر جهادى عام من المجاهدين والعلماء وقادة القبائل من كل أفغانستان / مثل ذلك المؤتمر الذى أسس لقيام الإمارة / يجتمع فى مدينة أفغانية ، وليس أى مكان خارج أفغانستان ، لتجديد البيعة للإمارة ، ولزعيمها أمير المؤمنين . وطبقا لمبادئ الإمارة وأميرها المؤسس : فإن الصدارة محجوزة لمن رفع السلاح وجاهد بالنفس والمال. والأفضلية هى للتقوى والجهاد وليس للأموال الخارجية أو الدعم الأمريكى. وأن من يتصدرلإمارة المؤمنين ، يختاره المؤمنون وليس المنافقون ، وعليه أن يدخل إلى الحكم فقيرا ويخرج منه فقيرا، كما فعل الملا عمر رحمه الله . دخل بردائه القديم وبه خرج من الدنيا الفانية . رحم الله الملا محمد عمر، فقد أتعب من بعده .
مكتب الدوحة خارج المسار الشرعى :
إن مكتب الدوحة قد خرج عن مهمته الأصلية التى من أجلها أسسته الإمارة. فبعد أن كان مكتبا تابعاً للإمارة ، أخذ يتصرف كطرف بديل عنها ، ويقرر فى مسائل جوهرية للغاية لا يمكن مناقشتها خارج نطاق القيادة العليا للإمارة (مثل مسألة شكل نظام الحكم القادم ).
لقد تصورت وزارة الخارجية الأمريكية ـ التى إختطفت مكتب قطر ، وغيرت من طبيعة مهامه من مكتب سياسى إلى مفاوض دائم للسلام ، ثم إلى بديل عن الإمارة وشريك مستقبلى فى حكم أفغانستان بصفته ممثلا لحركة طالبان ، التى لم تفوِّض مكتب الدوحة بشئ ، بل فوضت الإمارة الإسلامية وزعيمها أمير المؤمنين.
والمعلوم أن الإمارة الإسلامية قائمة على دعامتين أساسيتين :
الأولى : تفويض عام من حركة طالبان ، وقادة المجاهدين الذين ساندوها ، وقادة القبائل الذين فتحوا لها أراضيهم . وذلك فى مؤتمر عام ضم أربعة آلاف من القياديين ، قرروا نوع النظام (الإمارة الإسلامية ) وإختاروا الأمير (الملا محمد عمر) .
الثانية : تفويض شعبى واسع يدعم الإمارة ، وقوتها الضاربة الممثلة بحركة طالبان، فأمدوها بالرجال والمال والسلاح ، وتحملوا معها أفدح الخسائر فى قتال الإحتلال الأمريكى وأعوانه الداخليين والخارجين ، طوال عشرين عاما وإلى الآن . وفى ذلك تفويض وإنتخاب وتجديد بيعه لا جدال فيهما.
هاتان الركيزتان لا يمكن للخارجية الأمريكية ـ وصبيانها فى الخارجية القطرية ، أو عدد محدود جدا من المنحرفين فى مكتب الدوحة { للتفاوض والمعونات وعقود إعادة الإعمار} ـ لا يمكن لذلك الليل المظلم أن يغير الحقيقة الساطعة ، وهى أن الإمارة الإسلامية وزعيمها المنتخب ـ أمير المؤمينين الملا هبة الله ـ هما القوة الرئيسية فوق كامل التراب الأفغانى بتفويض ودعم من شعب أفغانستان . وأن التوجه الإسلامى الحقيقى للدولة، وقرار الحرب والسلام ، هى من صلاحيات الإمارة وأميرها ـ حصريا ـ منذ أن أنشأ الشعب إمارته ـ وحتى يوم التحرير والنصر القريب بإذن الله .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
06-08-2020