من نيوزيلاندا إلى أفغانستان و فلسطين و اليمن.. دماء مسفوحة بالمجان
هجوم إرهابى على مسجدين فى نيوزيلاندا ، قتل فيهما 50 شهيداً ومثلهم تقريبا من الجرحى .
حجر آخر ألقى فى بركة شعوب إسلامية راكدة ، تسمع وتثرثر تاركة الفعل للقطاع الإسلامى الحكومى ، أو ذلك القطاع الخاص المحترف من جماعات مسلحة ودعوية “!!” .
كالعادة أسهم الصحفيون والكتاب بغزارة فى شرح وتحليل مأساة نيوزيلاندا . فالموضوع مثير وتفاصيله المتاحة كثيرة ، والكتابة فيه سهلة ومأمونة .
التحليلات غطت معظم الجوانب ، بحيث لم يعد هناك مكانا للمزيد سوى تكرار لا يضيف جديدا ، إلى أن يتوفر حادث آخر تنتقل إليه الأضواء ويلهث خلفه المتابعون وفرسان الإنترنت.
– من السهل رؤية ترابط بين حادث نيوزيلاندا والموقف الإسلامى العام ، من فلسطين إلى اليمن ، وهزيمة داعش وإفلاس أخواتها فى العراق والشام . ويأس الشعوب العربية ، وتراجع قضاياها الأساسية ، وإنتكاسة محاولاتها للحركة والإنفلات من كوابيس الحياة اليومية وعلى رأسها أنظمة تحكم بالشرطة السرية والبيادة العسكرية .
والغرب الذى يرأسه ترامب ، يوقظ الروح الصليبية مناديا بحذف المسلمين والمهاجرين من الغرب المسيحي ، فى عنصرية دينية وعرقية ينفق عليها نظام إقتصادى وصل إلى نهاية الطريق بإفلاس العولمة ، إذ شعرت شعوب الغرب المدللة بفداحة نتائجها متمثلة فى تراجع كبير فى مستوى حياة الأغلبية، لصالح تراكم الثروات بشكل غير مسبوق لثلة من كبار الأثرياء من أعمدة نظام(الرأسمالية المتوحشة) وشركاتها العظمى العابرة للقارات وللإنسانية كلها .
تلك الرأسمالية ترى أنها مهدَّدَة بثورة شعبية لا تبقى ولا تذر، تتراكم نذرها التى بزغت فى فرنسا وهى ترتدى سترات صفراء . والحل ؟؟ .. ليس سوى نظام فاشى يسيطر على كل أوروبا فيحول مسار الثورة المتجهة صوب رأسمالية الكوارث لينحرف بها صوب فقراء المهاجرين والمسلمين . فأعطوا اليمن المتطرف حقن منشطة ليزحف تدريجيا وثبات ليس فقط على المجال الشعبى الجماهيرى ، ولكن أيضا على مؤسسات الحكم فى أكثر من بلد محورى فى أوروبا من شرقها إلى غربها .
المسلمون أول الضحايا ، فهم أصحاب الديانة الأولى بعد المسيحية فى أوروبا ، ثم أنهم أغنام شاردة لا راعى لها ، بحثوا عن ملاذ آمن فى(ديموقراطية) الغرب ، فرارا من أنظمة حكم (إسلامية) ترعى شعوبها بالمعتقلات والمشانق والإخفاء القسرى ، وتزود سفاراتها فى الخارج (بالمناشير الألكترونية) ويسكن سفرائها فى فيلات مزودة(بأفران ضغط عالى) تصهر جماجم وعظام رعاياها الذين تم “نشرهم” فى سفارات بلادهم.
– حادث نيوزيلاندا حقنة حياة لمرضى الإنعاش من تنظيمات إسلامية مسلحة وغير مسلحة . وحقنة منشطة لصفقة القرن التى حولت فلسطين من (قضية العرب المركزية) إلى بورصة مساومة إقتصادية لتحسين مستوى معيشة اللاجئين، وصفقات عظمى تسيطر بها إسرائيل على بلاد العرب من المحيط إلى الخليج ، بمقايضة الوطن الفلسطينى (بل الوطن العربى كله بمقدساته الإسلامية والمسيحية) بالدولار الأمريكى وشطائر الهمبورجر.
صفقة تقتحم بعدها إسرائيل الحرم المقدس لجزيرة العرب ، من الحجاز إلى اليمن السعيد بالغزو السعودى الإماراتى ، وإلى عمان المنطوى على نفسه القانع بأحوالة السرى منها والعلنى ، والذى تحاول الإمارات “إستكشافه” وغزوه بالجواسيس بدعم تكنولوجى إسرائيلى .
– بشكل عام تحظى الحوادث الفاقعة التى تجد طريقها إلى الإعلام بالصدفة البحته ، أو بالصدفة التى تم التخطيط لها جيدا ، تحظى بإهتمام فوق العادة يصل أغلبه إلى درجة النفاق والتصنع ، وغسل الأوجه القذرة والأيدى الملوثة بالدم . فهذا يستنكر والثانى يشجب والثالث يدين ورابع يطالب بأشد العقوبات .
إسلاموفوبيا أم هولوكوست ؟؟ .
أما الكوارث الحقيقية فهى تمارس على مدار الساعة على أيدى أجهزة رسمية لدول عظمى (أو حتى شرق أوسطية حقيرة) . القتلى فيها ليسوا صحفيين لامعين تم(نشرهم) فى قنصليات بلادهم ، بل مُصَلِّين أبرياء فى نيوزيلاندا عاث فى صفوفهم قاتل هادئ الأعصاب أمِنَ على سلامته ، وتم منحه الوقت الكافى لقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين الذين قَدِمُوا من العالم الثالث لغزو العالم المسيحى الأبيض فى عقر بلاده التى إستعارها من ملايين جثث السكان الأصليين .
نشط القاتل (برينتون هاريسون تارنت) فى مسجدين مختلفين وقت صلاة الجمعة ، حيث أجهزة الدولة “مُعْتَكِفَة” ، تفكر فى أى شئ سوى حماية أرواح أناس لا قيمة لهم .. فقط لأنهم مسلمون من دول متخلفة نجوا بجلدهم من حكومات بلادهم . شاب أسترالى مسلح بترسانة كاملة من البنادق والمسدسات والعبوات الناسفة ـ { كل ذلك وتقول السلطات أنه إرتكب الحادثة وحيدا} ـ ذلك السوبرمان ، أو رامبو أستراليا يذكرنا بالأمريكى(باروخ جولدشتاين) الذى إقتحم عام 1994 الحرم الإبراهيمى فى فلسطين المحتلة ، عند صلاة الفجر ليقتل ويجرح العشرات فقتله المصلون بعد أن فقدوا 19 شهيدا وجرح منهم 15 آخرين . وأسترالى آخر (دنيس مايكل روهان)، فى عام 1969 أشعل النيران فى المصلى القبلى للمسجد الأقصى ليحرق أجزاء منه بما فيها المنبر التاريخى الذى أحضره صلاح الدين الأيوبى بعد فتح القدس . المحاكمة فى واحة الديموقراطية فى الشرق الأوسط أثبتت أن الجانى الأسترالى كان مختل عقليا فأطلقوا سراحه .
زميلَةُ (تارنت) فى نيوزيلاندا سيكون فى الغالب مجنوناً أيضا .. ليس هو فقط بل كل المصلين الذين ظنوا أن هناك بلدا آمنا لمسلم . أو أن هناك جبل يعصمه من أسماك القرش التى يستثيرها الدم المسلم أينما كان ، فى موطنه أو فى المهجر، أو فى قارب فى عرض البحر يبحث عن بر للأمان ، فلا يجد غير ذئاب أوروبا فى الإنتظار. يسمون ذلك إسما لطيفا هو “إسلاموفوبيا” ، فكيف يكون “الهولوكوست”؟؟.
دماء فى الظلام :
– بعيدا عن الأضواء هناك أفغانستان . حيث أطفأ الإحتلال الأمريكى جمع الأضواء وأخمد جميع الأصوات ، سوى صوته هو فقط ، وصدى صوته فى الإعلام المحلى والدولى .
على ذكر أبطال أستراليا، فإن لهم فى أفغانستان باع طويل فى جرائم (الكراهية والعنف) على أساس دينى بحت، وعنصرى أحيانا، حيث “هولوكوست” يحرق شعبا كاملا بلا تمييز.
فى ولاية أرزجان { مسقط رأس الملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان وأمير أول دولة لها} قناصة الجيش الإسترالى يمارسون /عندما تسنح لهم الفرصة/ رياضة قنص الأهالى السائرون فى الطرقات وفى الأسواق . وتتعالى ضحكات الجنود ، ويتصايحون بالرهان على أصابة أنواع مختلفة من خلق الله الأفغان .{يهاجر بعض الأفغان إلى أستراليا ونيوزيلاندا بحثا عن الأمان ولقمة العيش!!}. لم يكن ذلك حادثا منفردا أو وحيدا بل مكررا . لن نتكلم عما فعله فى الشعب الأفغانى أبطال أمريكا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا .. إلى آخر جيوش قلاع الحرية والديموقراطية الأوربية .
فهناك سُحِلَ الأحياء بالسيارات حتى الموت ، وأُحْرِقَت الجثث ، وتبول الغزاة على أجساد الشهداء ، وقطعوا أجزاء من أجسادهم لإرسالها كتذكارات إلى الأصدقاء فى أرض الوطن لطمأنتهم أن كل شئ فى أفغانستان يسير على ما يرام حسب رؤية جورج بوش قائد الحملة الصليبية على أفغانستان . وهناك حفلات الهجوم الليلى على سكان القرى وإخراجهم إلى الساحات ، وإطلاق الكلاب المتوحشة على النساء والأطفال تنهش أجسادهم ، وتأكل من جثث القتلى منهم ، قبل نسف بعض المنازل ومدرسة القرية ومسجدها. فهناك تركيز خاص على المساجد والمدارس الدينية ، بقتل علمائها ومدرسيها وطلابها واعتقالهم وإخفائهم (قسريا) إلى الأبد، حيث تتراوح مصائرهم بين القتل تحت التعذيب إلى تفكيكهم إلى قطع غيار بشرية تباع فى الأسواق ، لتمنح أثرياء العالم فرصة لحياة أطول . حيث الفقراء تكون فائدتهم “للإنسانية” وهم موتى أكثر من فائدتهم أحياء.
{بالمناسبة : قال الهنود عن الطائرة التى أسقطتها باكستان فى كشمير أنها كانت تستهدف مسجدا ومدرسة دينية ــ تأمل!! ــ نفس الهدف يتوخاه الباكستانيون والأمريكان عند قصف المناطق القبلية فى وزيرستان الحدودية مع أفغانستان ــ تأمل!! ــ. لهذا لم يستنكر أحد وجود المساجد والمدارس الدينية كهدف يحظى بإجماع الأصدقاء والأعداء على حد سواء} .
– مع بداية العام الحالى ، الأستراليون / من زملاء بطل جريمة مسجدى نيوزيلاندا، وتحديدا فى 26 يناير الماضى، هاجموا عدة قرى أفغانية فى ولاية أرزجان ، ونتائج غزوتهم كانت : تخريب مسجد واحد ، تدمير عدة منازل للقرويين ، تدمير20 سيارة ، 8 قتلى من المدنيين ، وإختطاف 6 من الأهالى وإصطحابهم فى المروحيات حيث المصير المجهول .
وخلال عام 2018 دمرت الحملة الأمريكية وحلفاؤها من الديموقراطيات الغربية 85 مسجدا للأفغان ، وفجرت 15 مدرسة دينية مع أعتقال المشايخ والطلاب وحرق الكتب ، وعدم السماح للطلاب بإخراج كتبهم من فصولهم المحترقة ، وتدمير606 منزلا ـ بعضهم بكامل سكانه بواسطة ضربات جوية ومدفعية ، إحراق 58 سيارة و 8 شاحنات ، تدمير 398 دراجة نارية ، إحراق كامل لسبعة أسواق تجارية ، إقتلاع وإحراق 4210 شجرة مثمرة وكأننا فى فلسطين أو فى سيناء .
تم تتويج عام 2018 فى شهر إبريل ، بضربة جوية لمدرسة دينية فى ولاية قندز الشمالية أثناء إحتفال كبير لتكريم أطفال من حافظى القرآن الكريم . حضر الإحتفال أولياء الأمور وأهالى المنطقة ، ولم يستشهد فى الحادث سوى100 طفل من حافظى القرآن الكريم مع عدد من آبائهم ، لهذا لم يهتم أحد فى العالم العربى .
ولعل الحكام العرب والمسلمين يتنفسون الصعداء عند كل حادث مماثل لما حدث فى قندوز أو نيوزيلاندا إذ خفف عنهم معاناة قتل عدة عشرات من المسلمين ، هم بلا شك (مشاريع لإرهاب إسلامى مستقبلى) يجب سفك دمه الآن .. الآن .. وليس غدا .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )