ماذا وراء مجازر المدارس الدينية فى أفغانستان ؟؟
بينما ولى العهد السعودى يتمرغ على أعتاب البيت الأبيض كما تفعل دواب البادية ، معلنا البراءة من كل ما يغضب الولايات المتحدة ويهود إسرائيل ، وقعت جريمة أمريكية تمارس مثلها الطائرات السعودية فى اليمن بشكل روتينى ، إذ قصفت الطائرات الهيليكوبتر الأمريكية إحدى المدارس الدينية فى ولاية قندوز شمال أفغانستان ، فاستشهد 150 من حافظى القرآن الكريم ـ معظمهم من الأطفال ـ وعدد من العلماء و أولياء الأمور والآباء وأهالى المنطقة .
لم تكن تلك هى الجريمة الأولى من نوعها فى أفغانستان ، حيث أنها سياسة ثابتة للإحتلال الأمريكى منذ أيامه الأولى ـ ولكنها فى عهد الرئيس الحالى “ترامب” أصبحت محور السياسة العسكرية ، بل هى معظم تلك السياسة ، حيث أن الإحتلال وصل إلى طريق مغلق فى أفغانستان ويأس من إمكانية القضاء على الحركة الجهادية بقيادة طالبان ، التى تتقدم على جميع الأرض الأفغانية ، إما فى سيطرة تامة أو فى تغلغل عميق كما فى العاصمة والمدن الكبرى .
ولكن لماذا التركيز على ضرب المدارس الدينية ؟. ذلك الهدف من العدوان حاول الإحتلال الأمريكى أن يجعله مستوراً عن جميع العيون ، حتى عيون الأفغان أنفسهم . فيدعى أن ما وقع هو حادث أو مجرد خطأ فى المعلومات ، أو أن الهدف لم يكن مدرسة دينية بل مقراً لقيادات حركة طالبان !! .
فالمسألة مرتبطة مباشرة بهدفين استراتيجيين للإحتلال :
الأول : هو التركيز على ضرب المدنيين وإحداث أكبر قدر من الخسائر فى صفوفهم سواء فى الأرواح أو فى الممتلكات . وذلك لإحباط روحهم المعنوية ودفعهم إلى اليأس والإستسلام فيتحولون إلى عائق أمام المجاهدين وليس عونا لهم .
ومعلوم أن حالة الحصار المفروضة على أفغانستان وحركتها الجهادية ـ إحتراماً لأوامر أمريكا وخوفا منها ـ جعلت الشعب الأفغانى هو الظهير الأول والأساسى لمجاهديه .
لذا فمعنويات ذلك الشعب هى الهدف الجوهرى للإحتلال حتى تكتمل سيطرته الفعلية على البلاد ـ ولكن النتائج كانت عكسية وشدة التنكيل بالشعب أدت إلى إندفاعه نحو المقاومة وإمدادها بكل ما يلزم للنصر ، ضمن إمكاناته .
الهدف الثانى والأهم : وقد كان واضحا فى ذهن المحتلين ، حتى قبل نشوب الحرب ، وهو ضرورة تغيير الفطرة الدينية للشعب الأفغانى . بتغيير ثقافته بالكامل وإستبدال روافدها التاريخية ، بروافد غربية . والوسيلة الأخطر إلى ذلك هى تغيير نظام التعليم . فوضع الإحتلال المناهج الجديدة وعين المدرسين ، وبنى المدارس . وجعل الإسلام مهمشا أو مغلوطاً داخلها تعليماً وسلوكاً . مركزا بشكل خاص على مدارس البنات هادفا ليس فقط إلى إخراج المرأه إلى الشوارع والمكاتب ، بل تغيير عاداتها الإسلامية وسلوكياتها المحافظة ، وإخراجها من الإسلام نفسه ، مع خلق نماذج جديدة للمرأة الأفغانية ، منقولة عن النموذج الأمريكى ـ وإحاطة تلك النماذج بالتبجيل والشهرة وإغراقهن بالجوائز، وجعلهن نجوما على المستوى المحلى والدولى.
كما فى نموذج المراهقة (ملاله يوسف زاى) فى منطقة القبائل الباكستانية ـ والتى حصلت وهى طفلة على جائزة نوبل التى لم بحصل عليها “ستيفن هوكينج” أشهر عالم فيزياء بعد أينشتاين ـ وفتحوا لها أبواب البيت الأبيض وقابلها كبار الملوك والرؤساء فى أوروبا ـ وفى ذلك شرح كاف لذلك الأسلوب الفج لتصنيع(بطلات) لكسر قوانين الإسلام والإرتماء على أعتاب الثقافة الغربية .
وهكذا لا يصبح الأجنبى محتلاً .. بل رائداً ومعلماً .. ويصبح الإحتلال أملاً وحدثاً عادياً غير مستفز ، وكأن الجيوش المحتلة هى مجرد وفود سياحية جاءت للترويح وبعثرة الدولارات على الشعب . أى أن الإحتلال الأمريكى من هذا الجانب تحديدا يسعى إلى (تعريب) أفغانستان .
– الطائرات الأمريكية فى أفغانستان تطارد المدارس الدينية وطلبتها على جانبى الحدود مع باكستان . لأن طلبة العلوم الشرعية ومشايخها وعلمائها ، كانوا على مر الأزمان هم حماة الدين والبلاد ، وطلائع الجهاد ضد غزوات المستعمر ، من أى إتجاه جاءت .
– لا شك أن الإحتلال الأمريكى أشد خبثاً من زميله السوفيتى ، فلا يصطدم فى مناهج تعليمه مع الإسلام بشكل مباشر . بل يعتمد على الإلتفاف حول النقاط الشائكة ، والطعن الخفى فى المفاهيم الثابتة ، وتركها والتوجه نحو مفاهيم غربية ، خاصة فى السلوكيات الإجتماعية، والعلاقات بين الجنسين .
إن مشكلة أفغانستان بعد زوال الإحتلال ستكون فى مواجهة الآثار الثقافية والدينية التى زرعها الإحتلال وكانت هى مجهوده الأساسى بالتوازى مع نهب الثروات الطبيعية . فهو يعتمد على أجيال تربت على مناهجه وفى مدارسه ، وتآلفت معه ثقافيا. فيتصور أنها ستحمى مصالحه بعد رحيله ، وستكمل رسالته فى تغريب أفغانستان أو (تعريبها) ثقافيا وأخلاقيا ونفسيا. فيرحل الإحتلال تاركا نخبة حاكمة ، تحتل بلادها وتنكل بشعبها وتسرق ثرواته لصالح الغرب، وتبقى حاكمة بفضل دعم الغرب وتأييده وبفضل فسادها وقسوتها . فيرحل الإحتلال عن أفغانستان ليحكمها أمثال كرزاى وأشرف غنى . وعندما تظهر ثروات البلاد النفطية يظهر معها أمراء غلاظ شداد يجيدون فن التمرغ والذل والمهانة على أعتاب البيت الأبيض ، الذى لا يرى فيهم سوى أبقار لاتصلح إلا للحلب أوالذبح .
وفى الأخير ، فإن دماء هؤلاء الأطفال حافظى كتاب الله هى فى رقبة المسلمين الذين يمتلكون ويقدرون ، ولكنهم جبنوا عن تزويد مجاهدى الأفغان بالصواريخ الضرورية لإسقاط المروحيات ومنعها من الطيران وإخراجها من المعركة كما فعلوا مع الطيران السوفيتى . مئات المليارات يدفعها حكام السوء لشراء الأسلحة لقتل شعوبهم خدمة لليهود وللقضاء على الإسلام والمسلمين فى شتى المناطق والبلاد . حتى ظهرت الردة عن الدين متحدية متبجحة فى جميع أراضينا المقدسة ، الأسيرة عند صهاينة جزيرة العرب وصهاينة اليهود .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )