الحديبية والجولاني والأمن القومي ونهاية السلفية الجهادية

الحديبية والجولاني والأمن القومي
ونهاية السلفية الجهادية
كأن الأمة العربية فكت ارتباطها بالإسلام وأكثرهم تطرفا اكتفي بالتعصب لليزيدية متفاخرا بأن الإسلام اليزيدي هو الذي أنتصر في الشام.
وفى الواقع فإن الإسلام اليزيدي أنتصر في معظم العالم الإسلامي وذلك سر مصيبتنا ووقوع الجميع في براثن الإستعمار العسكري ثم الإقتصادي والثقافى حاليا.
أما يزيد وجرائمه فقد تحولت انحرافته إلي نصوص وطقوس دينية وصراع إسلامي لا يريد له اليهود ولا أبناء تيمية أن ينتهي إلا ينتهى الإسلام.
ونذكِّر بقول الرسول (صلي الله عليه وسلم ): (من رضي بعمل قوم حُشِر معهم) وهناك من يتسابقون وهم الأغلبية على الإنضمام إلي موكب يزيد يوم القيامة حيث يقود فريقه كما يقود فرعون فريقه يوم القيامه.
فقتل سيد شباب أهل الجنة ليس عملا هيناً أو مجرد رأي ورأي آخر أو مهاترة علي تأثير التواصل الإجتماعي. إنه أمر جاد منذ بدايته وحتي قيام الساعة .
في سبعينات القرن الماضي خدعونا بالقول أن هناك صحوة إسلامية وفي الحقيقة كانت صحوة الموت حيث كثرت الخلافات وأصبح سوء الخلق والشراسة في التعامل والنقاش دليل علي صحة التدين.
و كان هناك ميل إلى الإطلاع علي الكتب الدينية وهذا شيء جيد لولا أن الشباب كلما قرأ أحدهم كتابا أصبح يري في نفسه أهلية للإفتاء وتكوين جماعة جهادية سلفية فزادت الفوضى في العلاقات الإجتماعية والثقافة الدينية التي كان معظمها معتمدا علي المنهج السلفي الذي فاقم التوترات بين الشباب المسلم وشعوبهم، وأكد أن الإسلام فيه بند واحد ولا يعرف غيره وهو يكفيه في حياته وهو أن العداء للشيعة بشكل خالي من أي علم شرعي أو منطق سليم، مع الإصرار على استمرار الخصومة وتطويرها إلي حرب تمتد إلي يوم القيامة إذا أمكن ذلك.
تطورت الأمور كثيراً منذ الثمانينات حيث كان الجهاد في أفغانستان هو القضية الأولي في العالم الإسلامي.
والآن أصبحت إقامة الشرق الأوسط اليهودي الجديد (أى شرق أوسط بلاعرب وبلا إسلام) هو الشغل الشاغل لأمريكا والغرب واليهود والعالم أجمع. وهو مشروع يبدأ بإخراج الفلسطينيين من كامل بلادهم ، من الضفة والقطاع يليهم أهل مصر ثم جزيرة العرب .. وهكذا في السابع من أكتوبر 2023 وقعت عملية طوفان الأقصى التي أشعلت حرباً لإبادة شعب غزة بدأتها إسرائيل ومولتها الولايات المتحدة بالذخائر والأسلحة الفتاكة.
ونتيجة لهول العمليات وعدد القتلى الكبير بين المدنيين والتدمير واسع النطاق في قطاع غزة ومنع الطعام والدواء عن أهلها وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد تحرك الشعور العالمي ولكن العرب لم يتحركوا وكأن الحرب لا تعنيهم بشئ والعلماء صمتوا الا إذا تكلم أحدهم بأمر من السلطة ليروج لفكرة تخدم الحكومة مثل وقف القتال واللجوء إلي السلم والتفاوض وعدم الإنجرار الى الفوضى يقصدون بالفوضي (الجهاد).
أكثر العلماء كانوا يعبرون عن وجهات نظر تتفق مع حكام الخليج وتدين المقاومة صراحة أو تلميحاً.
نسي العلماء وظيفتهم في ذلك الوقت الحساس ولم يوضحوا للناس الصلة الوثيقة بين قضية فلسطين والدين الإسلامي.
لم يكلموا الناس عن فريضة الجهاد وأحكامها ومتي تتعين علي الفرد المسلم وهل هي عمل مستحب وتطوعي أم أنها أحيانا تصبح فريضة مثل باقي فرائض الإسلام من صوم وحج وصلاة.
كان العلماء غير مبالين أو يعملون للتعمية علي المسلمين وإخفاء الأحكام الشرعية عنهم حتي أعتقد أغلب الناس أن بلادهم لا شأن لها بما يحدث في فلسطين وأنها في حالة سلام يجب الحفاظ عليه مع إسرائيل.
وكان المشهد مخجلا فيما تري مظاهرات في أرجاء العالم وفي أوربا بينما في الدول العربية لا شيء البته.
وكأنما يقولون للأوربيين: أهدأوا فالأمر أبسط مما تتصورون ولكن أثبتت معظم الشعوب خلال حرب غزة أنهم أكثر حساسية من المسلمين أنفسهم وأن قيم العدل والرحمة لها اعتبار لديهم أكثر بكثير من المسلمين.
قتل أو جرح في غزة حوالي مئتي ألف إنسان فقد واجهت غزة تحالفا دوليا يحركه اليهود ويشمل أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو. وحتي مشيخات الخليج ساهمت بدعم إسرائيل بالسلاح والأمدادات ومتطوعين عسكريين خاصة من سلاح الطيران إلي جانب إخوانهم اليهود.
وفي آخر التطورات فأن قضية الهجرة أو التهجير الطوعي أو القسري لأهالي قطاع غزة مطروحة بقوة وتبنتها الولايات المتحدة التي تريد أن تحتل القطاع وتنفذ فيه مشاريع إسرائيل أي تطرد السكان وتحويلة إلي شيء آخر مثل أن يكون شواطئ للترفيه علي النمط الفرنسي.
وطرد الفلسطينيين من غزة إلي سيناء في مصر وتهجيرهم من الضفة إلي الأردن حتي تصبح إسرائيل دولة خالية من الفلسطنيين والمسلمين وتبقي دولة يهودية صرفة.
السادة العلماء خرسوا أيضا وكتموا حقائق العلم الشرعي فلا يتنفسون إلا بأمر من شرطة السلطان وتوجيهاته.
عندما كان اليهود يبيدون شعب غزة بالطائرات بمساندة جبهة الحلفاء العريضة التي تقف معهم وكأن غزة قوة عظمي وليس قطاع محاصر وجائع ولا يجد مكانا في الأرض لدفن الموتي.
لم يطلعنا السادة العلماء ما يجب فعله في تلك الحالة والمسلمون فعلوا ما يفعله العلماء وأكتفوا بالتلفزيون لمشاهدة الدمار وجثث القتلى التي لا تتوقف عن الدخول إلي المستشفيات رغم عدم وجود أدوية أو معدات أو تيار كهربائي.
ومات عدد كبير من الأهالي نتيجة تلك الظروف ومات عدد أكبير من الأطفال حديثي الولادة لتعطل الأجهزة وعدم وجود كهرباء.
ماذا كان ينبغي للمسلم أن يفعل في ذلك الوقت تلك كانت مهمة العلماء هل المشاهدة والإستمتاع بمشاهدة الدمار التي تأتي من غزة ومناظر الموتي والجنازات التي لا تتوقف.
ماذا كان ينبغي علي المسلم العادي أو الحاكم علي رقاب المسلمين ما واجب كل منهم وهل هي تطوعية أم جبرية.
إذا كان الفلسطينيون يواجهون العالم كله وهم غير قادرين علي وقفة بل يموتون بكل كرم ويبذلون حياتهم بترحاب حتي لا يتركون بلادهم ويقذفون إلي الشتات والمهانة في كل مكان خاصة في بلاد العرب.
هل صحيح أنه في تلك الحالة يكون الجهاد فرض عيني علي جميع الفلسطنيين؟
وهل صحيح أنه إذا فشلوا في رد العدوان ولم يستطيعوا دفعه يصبح الجهاد فريضة علي الدول المحيطة بفلسطين ؟
وهل إذا فشل هؤلاء أيضا ينتقل الجهاد كفريضة إلي من يليهم من المسلمين حتي يشمل الأمة كلها إذا كان ذلك ضروريا ولم يندفع العدوان ؟
هل كل ذلك صحيح شرعاً أم أنه من الخيال العلمي ؟
وما هو الفرق بين العالم والشيطان الأخرس أفيدونا ؟
وبالنسبة للهجرة توقف الجميع عن الحديث عن دور الهجرة في الحفاظ على الإسلام منذ بداية ظهوره وحتى الآن ؟ لقد هاجر المسلمين في بداية ظهور الإسلام إلي الحبشة ثم إلي المدينة المنورة وكانت قريش تريد القضاء عليهم.
هل يجب علي الفلسطينيين البقاء فى أرضهم ليموتوا جميعا فوقها أم يغادروا بلادهم ويتركوها لليهود؟. وما هو واجب العرب والمسلمين وقتها ؟ وقد توقف التلفاز عن بث مشاهد دمار غزة وتمزيق جثث الفلسطينيين وهل ستكون صلاة العرب مقبولة إذا هجروا مشاهدة الحرب على التلفاز؟.
أن القضاء علي الفلسطينيين في غزة يعني تسليم فلسطين كلها لليهود. فبعد غزة ليس هناك فلسطين ولا أقصي، وسيعود العرب إلي أعمالهم ويواصلون العيش بكل نذالة في انتظار أن يطردهم اليهود من الشرق الأوسط كله.
ليصبح العرب واحدة من الأمم البائدة التي فرَّطت في دينها وأرضها وإنسانيتها وكرامتها فلم تعد تستحق إلا الفناء.
أو أن يأتي الله بقوم يحبهم وحبونة يجاهدون في سبيل الله لا يخافون في الله لومة لائم ويوقفوا تلك المهزلة.
إن الهجرة كانت سبباً في بقاء الإسلام والحفاظ علي حياة المسلمين. هذا عندما كان المسلمون يدنون بالإسلام التي جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وليس ديانة يزيد التي بدأت بعد قضائه على الخلافة الراشدة وأعاد الحكم لغير الله والدين أيضا لغير الله بل وسيلة لإكتساب الرزق لأنه تجارة رائجة أحيانا وبائرة أحيانا آخري .
الآن الحفاظ علي حياة أهل غزة أولوية قصوى وفي نفس الوقت مواصلة الواجب الإسلامي وفريضة الجهاد لطرد اليهود من كل أنحاء فلسطين وجميع الشرق الأوسط.
وذلك الواجب فرض علي جميع المسلمين كأصحاب ديانة تأمرهم بذلك وليس فرض محصور علي الفلسطينيين فقط كأصحاب أرض .
ولا يشترط أن تكون الحركة الجهادية لفلسطين تحت قيادة فلسطينية فجميع الامة مسؤولة عن القيام الجهاد لتحرير فلسطين طبقا للإمكانيات المتاحة مهما كانت قليلة.
وفي الحقيقة انها كثيرة جدا ولكن الكارثة أن يصبح شعار عسكر مصر شعارا للحركة الإسلامية ونقصد شعار (عيش ندل تموت مستور).
والأليق بالمسلم أن يردد شعار الحسين (رضي الله عنه) حفيد رسول الإسلام حين قالها في وجه طواغيت ابن زياد يزيد وأبناء أميه: (هيهات منا الذلة) .
ولهذا فإن أتباع الحسين هم الوحيدون في ساحة المواجهة ضد إسرائيل وتركزالمجهود العالمي والعربي لتحطيمهم إلى أن وصل إلي سدة الحكم في دمشق المدعو جولانسكي صديق اليهود الحميم. فأغلق سوريا فى وجه المسلمين الشيعة وفتح الشام على مصراعيه أمام اليهود وجيشهم ينزل في الشام حيث يشاء.
لأنه يتفرع منه قضايا خطيره للغاية منها أبادة شعب غزة كوسيلة للتخلص من حماس وكتائب القسام الجهادية.
ويرتبط أيضا به إخراج جميع الفلسطينيين لتصبح فلسطين دولة يهودية خالصة يبني فيها اليهود هيكل سليمان علي أنقاض الأقصى المبارك .
ويتصل به أيضا قضية طرد شعب مصر خارج أراضيه حيث اشتري اليهود جميع مصادر الثروة في مصر واغتصبوا ماء النيل بالتعاون مع الأحباش من وراء ستار الإمارات وقطر.
ويرتبط أيضا بهذه السلسلة الشيطانية إعادة العرب إلي الصحراء وإخراجهم من أوطانهم الحالية.
أي أعادتهم من حيث جاءوا حسب أدبيات الصهيونية المعاصرة .
المطلوب إخراج جميع العرب من الشرق الأوسط الجديد واستبدالهم بهجرات أخري قد تكون من الهند وهي أقوي المرشحين في الوقت الراهن. فيأتي الهنود في عدة ملايين لخدمة اليهود في جزيرة العرب والشرق الأوسط الجديد حيث يدفن العرب في رمال الصحراء الكبرى أو يغرقون في مياه البحر المتوسط.
ليس هذا كل شيء ولكن الأكثر مأساوية هو تشكيل تحالف عسكري بقيادة إسرائيل ويضم إسرائيل وتركيا ومشيخات النفط وأهل السنة والجماعة ويتوجه إلي قتال الشيعة وإيران تحديدا.
وبهذا يكون اليهود قد صادروا فريضة الجهاد وحوَّلوا المجاهدين المسلمين إلى بغال تحميل تحارب لأجل إسرائيل في أي مكان على الكرة الأرضية. وضمن التحالف اليهودى السني يتصدر سفرديم الشام بقدرة كبيرة على التجنيد العقائد لصالح إسرائيل وضد الشيعة وإيران وحزب الله وأنصار الله وضد دين الله.
ومجموعة السفاحين من قادة التنظيمات الشبيهة بتنظيم هيئة تحرير الشام (هتش) وهم على صداقة تامة مع إسرائيل وعداء ثابت لا يتزحزح مع الشيعة وفلسطين والأقصى.
حلف الناتو اليهودي/ السني لا يقتصر فقط على الجولاني والجماعات الإجرامية بل يضم بشكل علني عدد من الحكومات العربية والإسلامية وقد تجلي ذلك في الاشتباكات التي حدثت بين محور المقاومة التي تدعمه إيران ضد إسرائيل بسبب حرب غزة حيث تصدي الجيش الأردني للصواريخ الإيرانية وكذلك فعلت السعودية أي تصدت للصواريخ الإيرانية الذاهبة صوب إسرائيل.
باكستان تعتبر أقرب الدول الإسلامية إلي ذلك التحالف أما تركيا فهي عضو أساسي فيه وأيضا عضو أساسي في حلف الشمال الأطلنطي.
مصر والأردن تعتبران أعضاء أساسيين في ذلك الحلف غير المعلن خاصة وأنهما وقعتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
خرافة الأمن القومي
تتصرف أمريكا في العهد الجديد لترامب، كزعيم أوحد مستهتر ومجنون يهدد العالم بشكل لم يسبق له مثيل بحيث أنها تصدر أوامر وتعلن عن نواياها للإستيلاء علي بعض الدول هنا وهناك.
وفى الأخير أعلن ترامب عن خطة لاستلاء بلاده على غزة وتفريغها من السكان وتحويلها إلى منطقة شواطئ سياحية.
وأعربت عن نوايا عدوانية لابتلاع جارتيها كندا والمكسيك وترامب يعتبر مشروع الشرق الأوسط الجديد مشروعه الشخصي الذى سوف يسجل اسمه في التاريخ اليهودي.
حتي أن إسرائيل عندما تريد شيئا من الدول العربية فإنها تطلبه أولاً من أمريكا وتأخذ منها الأذن فبل أن تضرب أي هدف أو تقتل أي شخص.
وبعد نجاح انقلاب جولانسكي في سوريا بدا وكأن موقف إيران في المنطقة قد تزعزع وأن محور المقاومة قد ضعف وانكمش كثيرا خاصة في الموسم الحالي لتبادل الأسرى.
حزب الله أيضا انقطعت امداداته القادمة من إيران وتبذل أمريكا وإسرائيل كل جهد لتصفية الحزب بأيدي لبنانية وعربية على أساس طائفي.
وبناء علي طلب إسرائيل فإن ترامب يدفع في اتجاه إخراج الفلسطينيين من كامل الأراضي الفلسطينية أي إخراجهم من غزة والضفة الغربية وتوطينهم في الأردن ومصر.
وتظاهرت الدولتان أنهما ترفضان الهجرة الفلسطينية ولكن ترامب واثق من أنهما سيقبلان في النهاية برحيل الفلسطينيين إليهما.
وأن التشدد الأردني المصري ليس موقف مبدئي ولكنه موقف تساومي للحصول علي مبالغ أكثر للزعيمين في عمان والقاهرة ومن أجل الضغط علي أمريكا لرفع نسبة العمولة حرك الرئيس المصري مظاهرات في معبر رفح تعلن رفض مصر توطين الفلسطينيين في سيناء.
هذا في الوقت الذي لم تخرج في مصر أي مظاهرة لمساندة أهل غزة ضد الإبادة التي تشنها عليهم إسرائيل حتي أفنت ما يقارب مائتي ألف فلسطيني ما بين شهيد أو جريح في طريقه إلي الشهادة أو مفقود بالأسر أو مطحون تحت الأنقاض.
لم يشير رئيس مصر بكلمة واحدة عن خطورة حرب الإبادة في غزة علي الأمن القومي المصري ولكنه انتفض عندما انتقل الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة إلي سيناء.
وكأن قتل الفلسطينيين في غزة هو دعم للأمن القومي المصري أما تهجيرهم إلي سيناء فهو خطر على الأمن المصري.
لم يشرح رئيس مصر وأجهزته الحاكمة أوجه الخطورة التي قد يشكلها الفلسطينيون وكأنهم وباء أو أنهم في غزة يقتلون اليهود للتسلية ولمجرد الإرهاب وليس للدفاع عن النفس ضد حملة إبادة تقودها إسرائيل وحلف الناتو ضد قطاع غزة المحاصر والجائع.
يسوق الأردن نفس الأعذار المصرية لعدم قبوله هجرة الفلسطينيين وخطرها علي (الأمن القومي).
هذا التعبير الفاقد للمعني القابل للتأويل إلي عدد كبير من المعاني غير المترابطة.
يطلق عادة عندما يكون للدولة أعداء من الخارج قد يكون لهم مناصرون في الداخل يهدفون إلي التأثير علي سياسة النظام القائم أو إسقاطه.
هنا يظهر مصطلح الأمن القومي للإيهام بأن التهديد يشمل جميع البلد التي يحكمها النظام المهدد.
ولكن إذا كان الأعداء هم صفوة الأصدقاء بمعني أن اليهود والأمريكان هم صفوة أصدقاء مصر والأردن ودول الخليج فمن أين يأتى التهديد؟
وما معني تهديد الأمن القومي؟ فحاولوا أن ينسبوا إلى إيران مسؤولية تهديد الشرق الأوسط في تنافس معترض مع إسرائيل وعرب النفط.
لهذا طرح ترامب فكرة حلف الناتو الإسرائيلي السني.
حرب غزة التي هي شبه متوقفة حاليا قد تندلع بشكل أكثر شدة ووحشية في أي وقت.
تنبهت الأنظمة العربية بأن الخطر الحقيقي عليها هو فلسطين والمسجد الأقصى وكتائب القسام والمقاومة الفلسطينية.
وأن أعداء إسرائيل في الداخل العربي هم أعداء للنظام الحاكم مباشرة وتهديد للأمن القومي.
لهذا يصبح إنهاء قضية فلسطين بأي شكل بالتهجير أو الإبادة لا فرق عند الأنظمة المهم أن تنتهي.
بعدها يشعرون بالأمان وراحة البال ولكن طالما أن هناك فلسطين فإن العناصر الإسلامية ستظل قابلة للإشتعال وكذلك العناصر العربية في الشرق الأوسط.
الخشية الحقيقية للأنظمة من أنتقال الروح الجهادية من الفلسطينيين إلي الشعوب العاطلة في الشرق الأوسط التي آمنت بلا حدود بمقولة العسكر المصريين (عيش ندل تموت مستور) وذلك شعار الأمن القومي المصري وشعار المواطن العربي الصالح.
الخطر علي الأنظمة وعلي الناتو هو الروح الفلسطينية العنيدة التي لا تقهر والتي سطرت أروع الملاحم في حرب الإبادة التي شنتها عليهم إسرائيل وأمريكا والناتو وأعراب النفط.
الأنظمة العربية لا تعادي فقط الفلسطينيين بل تعادي الإسلام نفسه لأن القرآن الكريم يدفع المسلمين دفعا إلي رفض الظلم والعدوان ويأمر بالعدل بالقتال في سبيل الله لإنقاذ المستضعفين والدفاع عن حرية العقيدة وذلك في آيات واضحات لا تحتاج إلي فلسفة المشايخ الكبار من خدم السلاطين فلننظر إلى تلك الآية (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) 75 سورة النساء.
أو الآية الكريمة: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 39 سوره توبه.
أو الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 54 سورة المائدة.
إنتهت الحرب علي جماعات الوهابية الجهادية
وبدأت الحرب علي القرآن الكريم
سيرة المارشال جولانسكي توضح بشكل كامل مسيرة تيار السلفية الجهادية والفكر الوهابي السعودي الذي انقرض من السعودية وتحول إلي صناعة الترفيه وترويج المنكرات.
وجميع ذلك التيار لم يتكلم كلمة حسنة عن مجاهدي غزة وشعب غزة وحرب استمرت 15 شهرا كما لم يطلق طلقة واحدة صوب الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأتهم حماس بأنها منظمة شيعية لأنها تسلمت مساعدات من إيران.
في وقت ما (من أجل الوصول إلى الشام تحت مظلة الطيران الأسرائيلي تسلمت منظمة “هتش” وزعيمها جولانسكي كميات من الأسلحة التقليدية والمسيرات والمرتزقة) وحسب فقهاء هتش فإن تلك المنظمة يهودية سلحها يهود أوكرانيا وحرسها طيران إسرائيل حتى اطمأن إلى وصولها دمشق بسلام آمنين.
وكانوا يهتفون ضد حماس “الشيعية” وخرجوا في مظاهرات لتأييد نتنياهو قائلين شكرا نتناهو عندما أغتال حسن نصر الله زعيم حزب الله. سفرديم أدلب كانوا يوزعون الحلوى أذا أحرز الأسرائيليون مايشبه الأنتصار فى غزة وصمتوا على استحياء أمام اقتحام إسرائيل للأراضي السورية لاستكمال انتصارات جولانسكي والأربعين حرامي.
بدأت السلفية في دمشق على يد بن تيمية وماتت في دمشق عل يد جولانسكى الذي كشف العلاقة التاريخية بين الصهيونية والسلفية بأنواعها من التكفيري إلى “الجهادي”.
وانطلق اليهود مثل الضباع الجائعة في أنحاء سوريا بما فيها دمشق وضموا مياه وأراضي وقري وفرضوا سيادتهم علي الناس بالإبعاد والاعتقال والقتل ولم يدافع جولانسكي عن مواطنيه ولو بالإحتجاج اللفظي.
توسعت إسرائيل في سوريا كما لم تحلم بذلك من قبل ولكن السلفية الجهادية وقائدهم جولانسكي اعتبروا ذلك إنتصارا لهم لأن القوات الإيرانية وحزب الله غادروا سوريا فاعتبر جولاىنسكي ذلك نصرا سلفيا، لأن إسرائيل أصبحت في مأمن.
أما القوات الإسرائيلية وتوغلها وإقامة قواعد عسكرية فيها فإن ذلك لا يعتبرونه احتلالا معيبا لبلادهم.
لقد انضمت السلفية الجهادية الأكثر تطرفا في الشام إلي إسرائيل جهارا نهارا وحظيت بتمويل مشيخات النفط ومنحتهم إسرائيل حكم الشام ولكن إلى حين.
ولم يتبق لمسلمي يزيد من الأعداء عدو غير إيران ومحور المقاومة الذي تجرأ وقصف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات.
وهكذا أصبحت الصهيونية والسلفية (إيد واحدة) علي المسلمين وهم عمليا يقاتلون لصالح إسرائيل في مصر وليبيا وسوريا ولم يعد هناك عداء سوى بعض المشاحنات الكلامية للتمويه.
إن الصفوف السلفية واليهودية موحدة تماما و زيارة جولانسكي للسعودية توضح ذلك. والمرجح انه سوف يحصل على عقود عسكرية لرجاله لحماية موسم الحج من “مؤامرات الشيعة” ومقتل الحجاج/ خاصة المصريين الذين يتوفون بسرعة بضربات الشمس وعطشا كما حدث لهم في موسم الحج الذي مضى.
لم تعد هناك معركة حقيقية بين الأنظمة والجماعات “الجهادية” بل العكس هناك تحالف كامل بين الجانبين (حلف الناتو اليهودى السنى) بقيادة إسرائيل وإشراف أمريكي لمحاربة الشيعة وإيران ودعم أنظمة الحكم المطيعة لإسرائيل.
وجود عدو ومعركة ساخنة شيء ضروري لإسرائيل حتي تثبت وجودها.
هناك حرب إذن هناك إسرائيل ، فلا إسرائيل بلا حرب ولاحرب ليس لإسرائيل يد فيها.
وبغال التحميل السلفية وجيوش العرب المنضمون إلي التحالف الصهيوني السني عليهم أن يقدموا الدم في معارك إسرائيل.
فإسرائيل تخصصها في المعارك الآن هو الإغتيالات النوعية وتشغيل التكنولجيا الاحدث في العالم وتخطيط الحرب النفسية ضد المسلمين وعلي الحكومات أن تكون في الشق العسكري الذي يتمثل في قتال الشيعة أينما كانوا وتحريف القرآن الكريم بتغير بعض النصوص الذي لا توافق عليها إسرائيل وهكذا تفعل السعودية الآن. والعناية بالتفسير المنحرف لآيات القرآن لصرفها الي غير مقصدها.
أما السنة النبوية فقد تعاملوا معها منذ زمن طويل إما بالحذف أو بإخفاء الأحاديث التي لا يوافق عليها اليهود أو إظهار وترويج الأحاديث الموضوعة منذ زمن طويل وتلك خزينة يستطعون أخراج ما يريدونه منها في الوقت المناسب.
وسيقسم علماء السلاطين أنها أحاديث صحيحة لا شك فيها .
أما الأحاديث النبوية التي لا توافق مصالحهم فسوف يشككون فيها ويثيرون حولها الأكاذيب أو يزعمون أنها من تأليف الشيعة وليست أحاديث حقيقية .
صلح الحديبية
كثر فجأة الحديث عن صلح الحديبية، خاصة بعد وصول المارشال جولانسكي إلي قصر رئاسة الجمهورية في سوريا وإصراره علي أن يكون صديقاً لإسرائيل التي تعامله باستعلاء واحتقار.
حيث أنه لم يعد يمتلك أي شيء أو قدرات عسكرية أو مصداقية سياسية تمكنه من مساعدة إسرائيل في المجال السياسي.
فهو بالنسبة لإسرائيل “صفر” بكل معني الكلمة فهي تفعل في سوريا كل ما تشاء تحت ناظري المرشال جولانسكى والأربعين حرامي الذين حوله من قادة العصابات الإجرامية.
جولانسكي يزور السعودية ويؤدي العمرة كما أداها جميع الحكام المنحرفون خلال نصف قرن من الزمان برعاية الأسرة الحاكمة لبلاد الحرمين حتي يغسلوا ماضيهم الدموي وحاضرهم الأكثر دموية (كما أن هناك غسيل للأموال ذات المنبع القذر، هناك غسيل للحكام الملوثين ، تحتكره السعودية).
لا يوجد حاكم منحرف أو رئيس تنظيم عميل لم تتكرم عليه السعودية بدعوة لعمرة أو الحج وإغراقه بالكرم السعودي.
أوشك جولانسكي علي عقد اتفاق سلام مع إسرائيل ولكنه فضل أن ينسق ذلك مع السعودية أولاً حتي يحظى بالمكافئة المالية والدعم السعودي ورضا تيار الإسلام الصهيوني أو الإسلام اليزيدي الذي يشكل أغلبية منتشية بالانتصار علي يد جولانسكي زعيم سفرديم الشام والإسلام الصهيوني الجديد الذى يجرى استكماله حتى يتم فرضه عل الشرق الأوسط بقرار أمريكي مُزيَّن بتوقيع ترامب الملتوى مثل ديدان الأرض.
نشط الحديث بهذه المناسبة عن صلح الحديبية لتشبيه الصلح الذي قام به الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع قريش، بالصلح الذي يعقده العرب مع الصهاينة المحتلين لفلسطين والمسجد الاقصي. في حوارات علي وسائل التواصل الاجتماعي تكلم بعض الشباب وكأن صلح الحديبية هو نوع من أنواع الصلح ويقول المؤيدون منهم لجولانسكي أنه سيعقد “صلح حديبية” مع إسرائيل.
إن مصر والأردن سبقت جولانسكي وعقدت اتفاقات سلام ولكن ليس في الحديبية لأن الحديبية منطقة في السعودية بالقرب من مكة.
مصر عقدت إتفاق في (كامب ديفيد) الأمريكية مع اليهود. والأردن عقدت سلامها في وادي عربة في الأردن.
من الواضح في أكثر الحوارت التي تدور علي وسائل التواصل الاجتماعي عن صلح الحديبية أن هناك الكثير من النقاط الهامة مجهولة لدي المتحاورين.
فكثير منهم يتصور أن الفكرة طرأت في ذهن المسلمين في المدينة المنورة ورأوا أن يطبقوها فورا في صلح (مع اليهود) (لاحظ أنه لا يوجد أي إتفاق في الحديبية كان مع اليهود. الاتفاق كان مع قريش فقط وحلفائها من بني بكر).
وكان مع النبي قبائل خزاعة كحلفاء ضمن هذه المعاهدة وشروطها (لاحظ أن غزوة فتح مكة قام بها الرسول (صلي الله عليه وسلم) بسبب اعتداء قبيلة بني بكر علي حلفاء الرسول من قبيلة خزاعة وجاء فتح مكة ولم يمض علي توقيع إتفاق الحديبية غير حوالي عامين فقط) كانت مدة الاتفاق رسمياً عشر سنوات ولكنه إنهار بسبب عدوان حلفاء قريش علي حلفاء النبي في مكة.
وفي فتح مكة تحرك الرسول (صلي الله عليه وسلم ) من المدينة في جيش كثيف العدد (عشرة آلاف مقاتل) وافي التجهيزات لدرجة أرعبت قريش وفضلت تسليم مكة بدون مقاومة طلباً للسلامة.
وهذا يثبت أن فترة المهادنة هي فترة تجهيز للحرب وتنمية القوة العسكرية وليست فترة راحة ولعب ينتشر فيها الإسلام تلقائيا بكل سهولة.
ولم يكن صلح الحديبية من أجل وقف دائم الحرب بل وقف العمليات العسكرية لمدة عشر سنين بين قريش والمسلمين في المدينة المنورة وكانت إدارة المعركة بين الإسلام وقريش وباقي المشركين في جزيرة العرب عملاً في غاية الإتقان والدقة ولا عجب أنه عمل من ترتيب الله أوحي به الي الرسول الكريم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). من المهم ان نلاحظ ان قريش و حلفائها لم يكونوا يحتلون أي شبر من أراضى المسلمين وإلا فأي تفاوض سيعتبر تسليما بالأمر الواقع وقبولا بالإحتلال فالتفاوض لايعيد حقا ولا يحرر أرضا ولكن الحرب هي من يفعل ذلك.
اليهود أكبر المتضررين من صلح الحديبية
كان الرسول (صلي الله عليه وسلم ) يدرك مدي خطورة اليهود علي الإسلام والمسلمين وأنهم لم يتوقفوا لحظة عن التآمر علي الدين الإسلامي والمدينة المنورة وكان آخر مؤامراتهم غزوة الأحزاب التي حشد اليهود لها أكثر من عشر آلاف مقاتل من قريش وحلفائها من بدو الحجاز وقبائل منطقة نجد.
وفشلت تلك الحملة التي كان اليهود خلفها من أجل تصفية وجود الإسلام نهائياً وكانت الموازين المادية تشير إلى أن انتصار الأحزاب يبدو حتميا.
لولا أن حفر الخندق حول المدينة المنورة عرقل تقدم هذا الجيش بشكل كاسح داخل المدينة بل توقف عند حافة الخندق في جو بارد سيئ وقفز فارس جزيرة العرب (عمرو بن عبد ود العامري) داخل الخندق بالفرس وبارز علي أبن ابي طالب ولكن علي الشاب الصغير قتل ذلك الفارس المخيف فتزعزت معنويات جيش الأحزاب ثم أرسل الله ريحا شديدة قلعت الخيام وقلبت قدور الطعام وتشتت الجيش فطلب أبو سفيان منهم الرحيل فرحلوا ولم يحققوا شيئا سوي أنهم كشفوا عن وجود تنسيق بين الأحزاب ويهود بني قريظة من أجل توحيد الهجوم علي جيش المسلمين فقرر الرسول مهاجمتهم علي الفور بعد أن رحل جيش الأحزاب وأعدم منهم 800 مقاتل وطرد الباقين من المدينة المنورة فذهبوا إلي منطقة خيبر التي يسكنها اليهود وهي منطقة محصنة جيداً.
غزوة الأحزاب أسفرت عن مكاسب هامة جدا بالنسبة للمسلمين أهمها تخريب التحالف بين يهود المدينة وقريش والأعراب من انصار قريش في نجد والحجاز.
فاليهود لم يتحركوا بالهجوم في وقت وصول الأحزاب لأنهم شكوا بأن الأحزاب لن يعبروا الخندق وبالتالي ستكون المعركة بين اليهود والرسول مباشرة.
خسر اليهود ثقة قريش وثقة الأعراب وتلك الخسارة تحتاج إلي وقت لإعادة بنائها من جديد.
وقبل أن يعود اليهود إلي بناء علاقاتهم الجديدة مع قريش والعرب كان الرسول (صلي الله عليه وسلم) قد توصل إلى اتفاق هدنة (صلح) مع قريش وبتوقيع الإتفاقية لم تعد قريش في تحالف مع اليهود ولم تعد قادرة علي التدخل لمناصرتهم في الحرب.
وباقي اعراب الحجاز ونجد لا يمكنهم العمل بشكل منفصل عن قريش رغم أنهم لم يكونوا جزء من صلح الحديبية ولكن قريش هي قائدهم في الحرب والسلم.
لهذا انعدمت فرصة مساندة اليهود من طرف الأعراب فأصبح اليهود بالكامل منفردين في مواجهة المسلمين وهذا رعب قاتل بالنسبة لهم رغم أن قواتهم وحصونهم في خيبر أكبر بكثير مما يمتلكه المسلمين في المدينة.
ولكن اليهود لا يمكنهم القتال بدون حلفاء أو بمعني أصح بدون من يحارب من أجلهم ويدفع عنهم ضريبة الدم.
هاجم الرسول (صلى الله عليه وسلم) خيبر بعد انقضاء حوالي شهرين من توقيع صلح الحديبية الذي جعل قريش بعيدة عن ساحة الصراع بين الإسلام واليهود في خيبر.
وهذا يثبت أن نظرة النبي إلي الصلح أنه ليس وضعا للسلاح أو إبطالاً لفريضة الجهاد بل فرصة لمراكمة القوة لجولات حرب قادمة حتما فاليهود لن يقبلوا بظهور الإسلام في جزيرة العرب فلن يستطيع أحد بعد ذاك من إعادة المارد إلى قمقمه (عرب قريش المسلمون هم من استطاع فعل ذلك بأنفسهم).
عند عقد اتفاق الحديبية كما لم يكن هناك شبر واحد محتل من أراضي المسلمين ولاحتى عنزة ضائعة فى الصحراء ولا ذئب مدين لهم بدم شاه.
صلح الحديبية عمل سياسي رائع أبعد قريش عن ساحة صراع المسلمين مع اليهود.. وفي نفس الوقت عجز اليهود عن الوقيعة بين العرب والمسلمين باستخدام سلاح المال.
سفراء اليهود توقفوا عن الوقيعة والاتصال بالقبائل كما توقفوا عن دفع المال فليس هناك فرصة لتكرار حرب الخندق خاصة وأن قريش دخلت في صلح مع المسلمين والعرب لن يقاتلوا بدون أموال اليهود ووساطتهم لبناء التحالف بين رؤساء قبائل الأعراب النافرين والطامعين.
من المزايا التي وفرتها واقعة الخندق هو ترسيخ فكرة أنه من المستحيل اقتلاع الإسلام من الجزيرة وأن هزيمة المسلمين أصبحت غير ممكنة نتيجة زيادة العدد والعدة .
وأدركت قريش حقيقة أن الإسلام أصبح أمرا واقعا لابد من التعايش معه. وخفف عليهم وقع المأساة أن الرسول (صلي الله عليه وسلم) من قريش وهو حريص علي أموالهم ودمائهم ويتمني وقف الحرب معهم.
وأنه يوفي بالعهود ولا يغدر فكانوا مطمئنين لعدم الحرب ضده وكان من السهل عليهم عدم مقاومة دخوله إلى مكة.
ولنقرأ تلك الفقرة من كتاب صلح الحديبية للكاتب أحمد باشميل:
كانت العشائر النجدية من أجرأ العناصر البدوية الوثنية علي المسلمين، لأن النجديين أهل قوة وبأس وعدد غامر، وقد رأينا كيف أن العمود الفقري لقوات الأحزاب الضاربة وكان من هذه القبائل النجدية حيث كان رجال هذه القبائل الشرسة يشكلون الأغلبية الساحقة من تلك القوة الضاربة، ستة آلاف مقاتل من غطفان وأشجع وأسلم وفزارة وأسد، كانت ضمن الجيوش التي قادها أبو سفيان لحرب المسلمين في موقعة الخندق.
صلح الحديبية ونتائج غير متوقعة
يحدث أحيانا في الحروب مفارقات عجيبة غير متوقعة أي أنها لم تكن في الحسبان ولم تكن مقصودة لذاتها.
أحيانا يكون الأثر غير المستهدف أكثر أهمية من الأهداف الأصلية وأقرب مثال لنا هو ما حدث من نتائج فرعية لعملية طوفان الأقصى الشهيرة على المستوي العالمي. وأثر عميقاً ولكنه غير ملموس في نفسية المسلمين تجاه فلسطين والمسجد الأقصى.
وكانت تلك القضايا علي وشك أن تضيع من ذاكرة المسلم المعاصر الغارق في شبكات التواصل وثقافة الإسلام الجديد المتصهين والمتخفي خلف شعارات سلفية متعصبة كما رأينا هيئة تحرير الشام كم كانت حركة منافقة تعمل مع إسرائيل لتحقيق أهداف يهودية بحتة وسمحت لإسرائيل بالتمدد في سوريا بشكل لم يكن متخيلا في وقت من الأوقات. حتي أن سوريا ضاعت كما ضاعت فلسطين مع اختلاف في التفاصيل مع اتحاد في الجوهر وبات واضحاً عمق الفجوة التي تفصل بين الشعوب العربية وحكوماتها.
في صلح الحديبية اشترطت قريش أن من يهرب من عندها ليدخل في المدينة المنورة فإن المسلمين يعيدونه إلي مكة مرة أخري.
وحدث في أثناء توقيع هذا البند أن دخل علي المسلمين وفد قريش في الحديبية شاب يدعي أبو جندل هرب من قريش لينضم إلي المسلمين فأحتج وفد قريش لأن الاتفاقية قد وقعت وأصبحت سارية المفعول ولا يجوز أن يبقي أبو جندل في المدينة ولابد من عودته إلي مكة.
في نفس الوقت فإن الإتفاقية لا تلزم قريش بإعادة أي مسلم ينضم إليها من المدينة المنورة ويتخلي عن دينة.
ذلك الشرط الخاص بالتسليم أو عدم التسليم أثار موجة من الاعتراض وبعضهم جادل النبي جدالا شديدا وحمل كلامه التشكيك والشك في الرسالة.
ثم تابوا بعد ذلك وندموا علي ما فعلوا وكان أبرزهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
هذا البند الملتبس نتج عنه أعظم مكسب للمسلمين فجعل قريش بنفسها تطالب بتعديل الإتفاقية الخاصة بتسليم الهاربين من الطرفين.
لقد كانت الإتفاقية تمنع أي مسلم الانضمام إلي المدينة لهذا ظل المستضعفون في مكة يخفون إيمانهم في انتظار أن يأتي فرج من عند الله.
تمكن أحد الشباب المسلم الهروب من مكة والوصول إلي المدينة بعد توقيع الإتفاقية وكان يدعي أبو البصير فأحتجت قريش واراد الوفد القرشى أن يأخذه معه ويعيده إلي مكة.
ولكن أبو البصير فضل ان يبقي بعيدا عن مكة وعن المدينة حتي لا يسبب أحراجا للمسلمين أو أن يقع أسيرا عند مشركي قريش. وفى الطريق فرَّ من حرسه القرشيين وقتل منهم اثنان.
فأخذ نفسه وسار حتي شاطئ البحر وجلس هناك يترصد قوافل قريش وتمكن من قتل بعضهم وغنم بعض القوافل.
وكان ذلك لا يلزم المسلمين بشئ حسب الاتفاقية وذهب أبو البصير وأخبر النبي بما يفعله ، فأعجب به النبي كثيرا. وعندما غادرهم قال النبي (ويح أمه مُسَعِّر حرب لو معه رجال) .
فهم المسلمون أن تلك دعوة من الرسول لمن يريد الالتحاق بأبو بصير وكذلك المستضعفين في مكة سمعوا بنشاط أبو البصير فهرب بعضهم اليه علي شاطئ البحر وصاروا يترصدون للقوافل ويأخذون الغنائم والأسري حتي ضجت قريش فذهبوا إلي الرسول يترجونه إسقاط البند الخاص بتبادل الهاربين.
وأن يأخذ أبو البصير وجماعته إلي المدينة ليكف عن مهاجمة قوافل قريش. أدي ذلك بالطبع إلي اهتزاز صورة قريش لعجزها عن إيقاف مجموعة صغيرة تقطع طريق القوافل إلي الشام.
فضعفت صورة قريش عند قبائل البدو كما ضعفت الثقة في الاتفاقية نفسها وأن قريش لم تستطيع الاحتفاظ بالاتفاقية بل طالبت بتعديلها رغم أنها هي التي طالبت بتلك النصوص. وبعد فشل قريش في موقعة الخندق جاء فشلها في تنفيذ اتفاق الحديبية فلا هي نجحت في حرب ولا في دبلوماسية.
بينما المسلمون بقيادة الرسول نجحوا في جميع المواقع الحربية والاتفاقات السياسية.
فشعرت قريش والأعراب وكل سكان الجزيرة بأن الإسلام قادم لا محالة وسوف يحكم جزيرة العرب بالكامل ويزحف إلي الشام.
من هذا نري أن اتفاقية الحديبية لم تكن تهدف لوقف الجهاد أو تعطيله ولكنها حرصت علي تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين حتي لو ظهر أن ذلك ليس لمصلحة المسلمين. ونتج عن إجحاف الإتفاقبة نشوء ظاهرة أبو بصير وصديقة أبوجندل وإنشائهما حركة مقاومة ضد قريش تقطع عليها طريق التجارة الإستراتجي مع الشام.
فهؤلاء ليسوا محاربين بالوكالة ولايمكن القول بأنهم كانوا أدوات للمدينة. بل مجموعات تربطهم عقيدة مشتركة مع مركز قيادة العقيدة ودولتها ويقاتلون نفس المعركة ولكن بطريقتهم وحسب ظروفهم. العقيدة والإيمان هما الرابط الذى يجمعهم مع المدينة.. وفي تجربة أبو بصير توضيح هام للعلاقة بين مجموعات حرب العصابات الصغيرة التي تعمل بعيداً عن القيادة المركزية وتأخذ معظم قرارتها بنفسها وتستمد العون من القائد والمركز الرئيسي عند الضرورة ولكن في الغالب كانت غنية بالموارد والطعام والأموال من غنائم القوافل.
وكلما نجحت بمرور الزمن ينضم إليها كثير من المتطوعين القادمين من مكة الذين يرغبون في القتال في سبيل الله.
هذا رغم أن الفترة التي فصلت ما بين توقيع صلح الحديبية وفتح مكة وهما سنتان شهدتا مائتي اشتباك بين المسلمين والبدو في الصحراء من الذين شاركوا في موقعة الخندق.
الأتفاقية وإنتشار الأسلام
يتصور البعض أن توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل سوف يؤدي إلي إنتشار كبير للإسلام متصورين أن ذلك ما حدث في صلح الحديبية.
وذلك غير صحيح حيث أن اتفاق صلح الحديبية كان بين المسلمين في المدينة والمشركين في مكة ولامكان فبه لليهود كما لم يكن هناك شبر واحد محتل من أراضى المسلمين.
أما انتشار الإسلام فكان نتيجة فرعية للبند الخاص بحرية التجول والتجارة بأمان وبدون ممانعة.
فتمكن المسلمون من دخول مناطق أعدائهم القدماء حتي ممن شارك في موقعة الخندق.
ولا ننسي أن منذ توقيع قريش علي الاتفاق وأسهُمها بدأت تنخفض في جزيرة العرب نتيجة فشلها العسكري في الخندق وفشلها الدبلوماسي عندما طالبت تعديل الشروط التي وضعتها بنفسها في اتفاقية صلح الحديبية.
في نفس الوقت حقق المسلمون انتصارات عسكرية كبيرة عندما طردوا يهود بني قريظة من المدينة ثم طردوا يهود خيبر من حصونهم المنيعة.
هذا إلى جانب عشرات الإشتباكات وقوة حرب العصابات التابعة لأبو البصير وأبو جندل علي طريق القوافل علي شاطئ البحر فأكسب ذلك المسلمين هيبة عسكرية حتي في نفوس القرشيين. فبدأ يتسرب إليهم الإحساس بالهزيمة وزوال مكانتهم الرفيعة في جزيرة العرب.
إن ترك القوة العسكرية للجيش بلا عمل لفترة طويلة يفسد معنويات الجيش ويقلل من فاعليته القتالية.
لهذا يجب عند الدخول في اتفاقات صلح الاهتمام كثيرا بالجيش وإشراكه في عمليات عسكرية اما بشكل مباشر أو غير مباشر أو فرز مجموعات قتالية لحرب العصابات علي طريقة أبو بصير وأبو جندل.
وعدم قطع المبارزات العسكرية الصغيرة أو المتوسطة مع العدو الذي لم يدخل معنا في اتفاقيات صلح.
لقد خاض المسلمون خلال سنتين مائتي إشتباك عسكري قبل فتح مكة.
نذكِّر أننا تكلمن هنا عن نقطتين تتعلقان بالهدنة المؤقته مع العدو.
الأولي انتشار الإسلام نتيجة الهدوء وتوقف الحرب .
والثانية : تنمية القدرات العسكرية في الحروب التقليدية (الهجوم علي القبائل المعادية أو تطوير الممارسة بحروب العصابات وهي أساليب تفيد جدا حتي في أطار الحروب التقليدية). أحيانا استخدم قادة مسلمين أساليب حرب العصابات ولو بشكل محدود وأحيانا علي نطاق أوسع خلال معارك كبرى. فنلاحظ في الغزوات التالية لفتح مكة إن قادة عسكريون حققوا بذلك المفاجأة والنصر.
بقلم : مصطفي حامد (ابوالوليد المصري)
المصدر : موقع مافا السياسي