سوريا في قبضة إسرائيل

0

سوريا في قبضة إسرائيل

الذين خططوا لإنقلاب إدلب وإسقاط النظام في دمشق خططوا للعملية كلها بعناية شديدة وأحترافية علي كافة المستويات الأقليمية والمحلية والدولية وكذلك علي مستويات الفكري العقائدي .

حتي أن المصطلحات الدعائية التي استخدمت في المجال الديني صيغت بعناية حتي لا تصطدم مع معتقدات النظام الجديد خاصة تلك المعتقدات المتوارثة عن عصر ابن تيمية وتجربة الاحتلال المغولي للشام.

ومحاولة المغول مع ملوك الشام الأيوبيين هناك ترتيب حملة مشتركة بهدف إحتلال مصر وضمها إلي التحالف التتري /العربي .

ولما فشلوا في ذلك فشل البرنامج كله إلي أن تمكن جيش مصر بقيادة المماليك من تحرير الشام من الاحتلال الصليبي ومن التتار الذين حاولوا الإستيطان بالأراضي التركية في هضبة الأناضول التي كان يحكمها السلاجقة الأتراك .

العقبة الأولي التي تخطتها الحملة الدعائية لتجنب محظور شرعي أساسي في الديانة اليزيدية واجتهادات ابن تيمية بتحريم الخروج علي الحاكم واعتبار ذلك جريمة عظمي تخرج من الدين .

وهذا يتكامل مع الإجتهاد القائل بجواز إمارة المتغلب بسيفه وبالتالي فتح المجال أمام الفرنجة والتتار بأن يصبح ملكهم خليفة علي المسلمين إذا أخضعهم بسيفه فيصير سلطانا علي المسلمين متملِّكا بسيفه .

هذه السقطة الكبرى التي ألصقت بالفقه الإسلامي مازالت تشكل أحد أركان الديانة اليزيدية ومن بعدها الوهابية وصولا إلي الأدلبية التي جاء بها المرشال جولانسكي قائد ثورة سفرديم إدلب التي تحكم الشام الآن.

الحملة الدعائية التي صممها اليهود لإسناد ثورة سفرديم إدلب تجنبت الصدام مع الفقه اليزيدي .

وتخلصوا بسرعة من كلمة “ثورة “وأعلن جولانسكي أن الثورة قد أنتهت بإسقاط النظام وأنه بصدد بناء دوله ومؤسسات وأنه لن يعمل علي تصدير ثورته لبلاد أخري.

ثم أكد علي ضرورة إقامة علاقات سلمية مع إسرائيل وأن سبب العداوة قد زال بزوال الوجود الإيراني وقوات حزب الله من سوريا. وأعتبر أنهم سبب المشكلة وليس إسرائيل .

وقلل من أهمية تقدم الجيش الإسرائيلي في الجولان والأرياف السورية وضم مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي السورية. وقال ببساطة أن ذلك توتر لا لزوم له خاصة بعد رحيل الإيرانيين وحزب الله. معتبراً أن إحتلال إسرائيل للأراضي السورية هو مجرد توتر لا ضروره له كما لو كان سوء تفاهم عابر بين أصدقاء قدماء .

ما أن دخلت قوات السفرديم بقيادة جولانسكي إلي دمشق وتأكدت من إنسحاب القوات الإيرانية وقوات حزب الله من المنطقة حتي إندفعت إسرائيل لضم الأراضي السورية وإمتلاك المناطق الفاصلة بين سوريا وإسرائيل .

سمحت إسرائيل للمرشال بإستخدام القصر الجمهوري في المقابلات الرسمية ولكنها لم تسمح له باستلام السلطة .

فتعلل الجنرال المزيف بإنه يريد استلام السلطة بطريقة سلمية وهو بذلك يفترض جهاله جميع العرب وجميع أمم الأرض.

فهو خرج من ادلب باسم الثورة والتي تعني إنتزاع الحكم بالقوة لتنفيذ برامج ثوري يتفادي أخطاء الحكم السابق التي أهمها الاستبداد والظلم .

المارشال قال أنه يسعي إلي إستلام سلمي للسلطة والحقيقة هي أن الدول الخارجية التي دعمته منعته من استلام السلطة إلي أن تتفاهم فيما بينها علي شكل النظام وطريقة تشكيل المؤسسات وحصص النفوذ بين تلك الدول وتقاسم سوريا فيما بينها وجعل المارشال شاهد زور برتبة “زعيم” كما يسمي نفسه فتزداد قوة العرب بإنضمام زعيم لا قيمة له إلي باقي الزعماء الحاكمين.

تخلي جولانسكي عن الثورة وتمسك ببناء الدولة والمؤسسات حتي يسلم تلك المؤسسات لأقرب أعوانه كما فعل الذين من قبله وتخلي عن اصطلاح الثورة لان ذلك يعني تحديد طريقة الحكم بالقوة التي سوف توجه الدولة إلي المسار الجديد .

لهذا أطلقت إسرائيل علي ثورة جولانسكي وصف “ثورة تحرر وطني” بينما هي في الحقيقة كانت شبه انقلاب علي نظام حكم مستبد. مؤامرة خارجية بأيدى عملاء من المغامرين المحليين والمجرمين السابقين ومرتزقة دوليون.

فإذا قال جولانسكي وأعوانه أنهم أسقطوا حاكم ظالم، فسيغضبون جميع حكام العرب الذين لايتمسكون بأى شيء من الإسلام سوى بتلك الفتوى الشامية. لهذا من أول خطوة له داخل دمشق أسقط جولانسكي تعبير الثورة كما أسقطت إسرائيل إتفاق الحدود لعام 1974 فسقطت الثورة والسيادة السورية في لحظة واحدة بيد سفرديم الشام وإخوانهم الاشكناز في تل أبيب .

 

تحرير السجناء

ليس لدي نظام جولانسكي شيء يقدمه للشعب السوري فهو نفسه مستبد وظالم وسافك للدماء ربما أشد من النظام السابق لهذا أمتنع الإعلام الدولي عن الذهاب إلي إدلب التي جاء منها نظام السفرديم. حيث أن شعبية جولانسكي ورجاله وقادة العصابات الذين حوله هي في أدني أحوالها ويعاني الناس من أنواع الظلم والاختطاف والقتل وتلد النساء المعتقلات/ زوجات المجاهدين/ داخل الزنازين وليس المستشفيات. وتعاونت تلك العصابات الثورية مع إسرائيل وتركيا ودول آخري للعمل المشترك ضد الشعب السوري الذي يطالب بالحرية الحقيقية والإسلام الحقيقي .

وبالتالي لا يري نظام ثورة السفرديم بقيادة جولانسكي أي أمل لتحسين الأوضاع بل وربما جاء بأوضاع أسوأ بكثير مما كانت عليه أيام الأسد، حيث بات تقسيم سوريا وكأنه امرا مقضيا ويشكل أهم واجبا جولانسكى وعصابته.

لهذا أمتنع المراسلون عن الغوص في أدلب حتي لا تنكشف الحقائق .

ولكن ما كتبته وسائل الإعلام قبل أشهر قليلة من الإنقلاب يحمل الكثير من الحقيقة ويمكننا الرجوع إليه في أي وقت .

بدلا عن البحث عن الحقيقة انخرطت قناة تلفزيون خليجية في البحث والعثورعلى المقابر الجماعية التي تدعي أن النظام قد قتل من فيها ودليلها على شهادة أحد حفاري القبور.  

وبما أن التاريخ يكتبه المنتصرون الذين هم قطر وتركيا وسفرديم الشام فإن هؤلاء هم الآن يكتبون تاريخ سوريا في العهدين البعثي واليهودي في تلك العهود مارس الطرفان نفس التجاوزات وتميزت بنفس الوحشية ولا يمكن قبول أن يتبرأ طرف من الأعمال التي أرتكبها خلال تلك المرحلة. لقد خسر نظام الأسد نظام الحكم وبالتالي عليه أن يتحمل كافة الأوزار والأخطاء التي أرتكبها مع تلك التى ارتكبها ثوار السفرديم أيضا .

كل ما يقوله الإعلام تأيدا لثورة السفرديم لا يوجد عليه أي إثبات قاطع بل العكس حوله الكثير من علامات الاستفهام والشكوك .

ويذكرنا ببداية الإعلام الموجهة لمساندة السفرديم والمبالغة كثيرا في جرائم النظام وأعداد القتلى والمهاجرين .

نفس الفجاجه تعاد مرة آخري بما يناسب مرحلة الإنتصار الإسرائيلي في سوريا هل يوجد أسخف من القول بأن مراسل قناة فضائية يعثر علي مقبرة جماعية يوجد بها أكثر من ألف جثة وكأنه عالم آثار.

كان يبحث عن التاريخ القديم في سوريا فتعثر في آخر مراحلة التي تدين النظام الذي مضي وتشيد بعصابة جولانسكي والأربعين حرامي التي تحاول أن تحكم سوريا الآن .

ليس هناك أي مشكلة في تفريغ السجون فيمكن تفريغ سجون أي دولة خلال يوم واحد كما يمكن إعادة  ملئها مرة أخري في عضون عدة أيام .

ولكن ببضاعة بشرية مختلفة وبنفس أساليب التعذيب الوحشية لأن المعدات موجودة والخبراء دائمون.

ولا ننسي أن أمريكا بكل عظمتها كانت تستعين بسوريا في تعذيب المجاهدين بعد أحداث 11 سبتمبر .

نفس السجون التي يتباهون بإخراج المساجين منها الآن هي التي قدمت خدمات التعذيب لمن يشتبه أنهم كانوا في أفغانستان يجاهدون ضد السوفييت بدعى أنهم من تنظيم القاعدة .

والكثير من الدول العربية فعلت نفس الشئ تحت إشراف المخابرات الأمريكية والمسألة هنا أن الأسد لم يكن أكبر الطغاة العرب وربما كان أهونهم شراً .

فقد أبقي بنفسه وببلاده بعيداً عن إسرائيل بعدة خطوات وتمادي بأن يكون صديقاً لإعداء إسرائيل والولايات المتحدة مثل روسيا وإيران .

فاستهدفته إسرائيل وحلفائها من الغربيين والعرب وشيطنوه دعائيا وحشدوا ضده التيارات الإسلامية الصديقة للولايات المتحدة والمتعاطفة مع إسرائيل وشنوا حربا إسلامياً صليبية ضد نظام الأسد .

وحتي لا يصطدموا مع فقه أبن تيمية تخلوا عن مصطلح ثورة ووضعوا إستطلاح “حركة تحرر وطني” حتي يتجنبوا القول أنهم ثائرون ضد حاكم ظالم فليس هناك حاكم ظالم فجميعهم حكام شرعيون يمتلكون السيوف ويحكمون بها وهذا يجعل الخروج عن طاعتهم جريمة شرعية .

واضح مدي العناية والدقة في الأعداد الفكري والدعائي لثورة السفرديم كما كانت الدقة في الأعداد للإنقلاب نفسه وتنفيذه السلس. ينبغي القول أن العبره ليست بفتح أبواب السجون بل العبرة بعدم ملئها مرة آخري وإعادة الظلم الذي من مظاهره الإعتقال والتعذيب والاختفاء القصري وتسليم المجاهدين إلي دول معادية للإسلام ولكن ثورة السفرديم لأنها لا تمتلك شيء تقدمه لشعب سوريا فإنها تستعيض عن ذلك بتضخيم إخطاء النظام وافتعال المزيد منها مستفيدين من التغطية السياسية والإعلامية التي وفرها لهم اليهود. حتي المراسلين الإعلاميين تحولوا ألى فرق للدعاية وليس الإعلام. فلا يكتفون بتكرار القصص المزورة والصور المفبركة عن جرائم النظام ولكنهم هم أنفسهم يشتغلون في البحث والتنقيب لاكتشاف المقابر الجماعية، وكأنهم مخبرين للشرطة والمباحث الجنائية وليسوا صحفيين .

 

بقلم : مصطفي حامد (ابوالوليد المصري)

المصدر : موقع مافا السياسي

www.mafa.world

سوريا في قبضة إسرائيل



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا