التاريخ لايفيد (14) ..شمايل بطل من حماة
التاريخ لايفيد (14)
شمايل بطل من حماة
– اخترق حصار الفرنجة في دمياط ودعم صمود أهلها
– مصر: الإفراج عن ابن تيمية وطرده منها و سُجِنْ فى قلعة دمشق عند عدوه أرجواش أمير القلعة.
– السلطان قلاوون يبيد الدولة العميقة التي أسسها التاتار لاحتلال مصر و الشام. ويقودها نائب السلطنة الأمير سلار من قصر السلطان في القاهرة وابن تيمية يقود فرع الشام.
– متعصب ولكن (بي غيرت). فالأغلبية أصبحوا “بي غيرت” ويتباهون بذلك على وسائل الإعلام وبلا خجل و بكل فخر.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
سلار قًتل جوعا في سجن القلعة في القاهرة
وابن تيمية مات في سجن قلعة دمشق.
المصائب تكشف معادن الرجال
للأزمات الكبرى التي تمر بالأمم فائدة عظيمة في كشف المعادن الحقيقية للناس ، وبغير تلك المواقف الصعبة كان من المستحيل التوصل إلي حقيقتهم.
علي سبيل المثال: خروج جيش مصر والشام بقيادة السلطان المنصور محمد بن قلاوون في مواجهة جيوش التتار بالقرب من حماة وهي المعركة التي ذكرناها وإنتهت بهزيمة جيوش قلاوون وزحف التتار واستيلائهم علي حمص ودمشق.
وقد تكشفت في تلك المعركة حقائق بعض الكبار مثل السلطان قلاوون نفسه الذي هم بالفرار من المعركة بعد أن انكسرت ميمنة جيشة لولا أن مُساعده ” الحسام” ثببته ومنعه من الفرار. ولكن المعركة انتهت لصالح التتار في النهاية.
وظهرت حقيقة ان السلطان قلاوون لم يصل بعد إلي درجة من النضج تؤهله لحكم مصر، فبدأت تدور مؤامرة لخلعة، لصالح أميران منهما الأمير بيبرس (وهو غير بيبرس البندقداري الذي تسلطن علي مصر659 هـ وكان حاكماً عملاقا).
المنافس الآخر كان الأمير سالار وسوف نتحدث عنه، وكان هو رأس مؤامرة تترية ترمي إلي الاستيلاء علي مصر والشام معا كما سيظهر معنا.
ظهرت أيضا حقيقة علماء الشام الكبار مثل محمود نظام الدين شيخ المشايخ الذي أسماه الناس الشيخ قازان، تمنيا باسم الحاكم التتري للشام “قازان”.
ومثل شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان يصول ويجول في دمشق مشعلاً الفتن والمعارك مدَّعياً أنه (يميت البدعة ويحي السنة) وظهر بعد نهاية الأحداث أنه كان يُضْعِف دمشق ويفتت الصفوف تمهيداً لاحتلال التتار للبلاد فأبقاه قلاوون مسجونا في قلعة دمشق حتى مات.
وظهر حقيقة تَدَيُّن أهل دمشق الذين أرتموا أمام التتار مستسلمين بل ومتعاونين مع أوجه الفساد والانحراف التي فتحها أمامهم الاحتلال التتري.
فكانوا سريعو الاستجابة لأوامر التتار ودفع الأموال لاسترضائهم بأوامر من العلماء وشيوخ الإسلام، واندفاعهم إلي معادة المجاهدين الذين قادهم الأمير أرجواش قائد قلعة دمشق المحاصرة.
أما الأمير أرجواش فلم تكن هناك أي أضواء في السابق مسلطة عليه. ولا تسلطت عليه أضواء بعد انتهاء دوره المجيد في مقاومة التتار والنتائج المبهرة لمقاومته في إحباط مخططهم في دمشق وبالتالي في الشام كله.
أرجواش تجاهله السلطان قلاوون، وتجاهله سلار نائب السلطان حتى مات هو الآخر في قلعة دمشق (أي عاملوا البطل المجاهد كما عملوا الخائن المتآمر)، كما تجاهله كتاب التاريخ الإسلامي الذى زَوَّرَه مؤرخو يهود الدونَمَة المسلمين أنصار الطواغيت في كل مكان وزمان.
متعصب ولكن (بي غيرت)
وكشفت أيضا حقيقة الدعوة إلي “إحياء السنة وإماتة البدعة” بينما الإسم الأقرب إلى الحقيقة ينبغي أن يكن (إحياء الجاهلية وإماتة الدين). وهى الدعوة التي جذبت الغوغاء في دمشق إلى حروب داخلية لم تكن تسع إلى رضاء الله تعالي. فمن تحركوا بدعوى “نصرة السنة” لم تحركهم جرائم التتار في المسجد الأموي الذي حولوه إلى بيت للفحشاء والمنكر وتناول الخمور. فظهر أن ذلك النهج الفوضوى المتطفر يسعى إلى عكس ما يدعيه فهو يهدف إلى جعل المسلم منعدم الغيرة على دينة مستسلما للغزاة، قابلا لكل ما يرضى الحاكم ولو عارض أمر الله والسنة النبوية التى يموتون “حماسة ” من أجل إحيائها، ولا يرون ما يحدث في أعظم مساجدهم من شرب خمر وزنا ولواط شيئا مخالفا للدين ذلك أن الملك قازان أصبح وليا للأمر، وهو من أمر بذلك، ومن الواجب طاعته وما أشبه الليلة بالبارحة. فهم اليوم بقبلون أن يحدث بالقرب من الحرمين الشريفين مثل ما كان يحدث في المسجد الأموي. والأفدح من كل ذلك قبولهم بما يحدث للمسلمين في غزة على أيدى اليهود بمعونة صليبية أوربية. لقد أوصل ذلك النهج أتباعة إلى نموذج المواطن “بى غيرت” الذى وصف به الملا محمد عمر رحمه الله وزير المخابرات السعودي الذى ذهب إليه في قندهار طالبا منه تسليم أسامة بن لادن ومن معه كي تحاكمهم أمريكا. فسأله امير المؤمنين بدهشة وهل أنت وزير سعودى أم وزير أمريكى؟؟. هل أنت بى غيرت؟؟ (يعنى ديوثا). ألست مسلما؟؟. رحم الله الملا عمر، أنه لم يشاهد ما صار إليه الحال. فالأغلبية أصبحوا “بي غيرت” ويتباهون بذلك على وسائل الإعلام وبلا خجل بل بكل فخر.
ومن النتائج الإيجابية للحملة التترية على دمشق كان انكشاف المخطط التتري والعاملين فيه للإستيلاء علي الدولة المملوكية في مصر والشام وتسليمها إلي التتار.
أزمة معركة دمياط وميزاتها
معركة دمياط (616هـ) كشفت الكثير من الأوضاع والمواقف داخل مصر، فكما جبن قلاوون وقت المعركة قرب حلب مع التاتار، جبن السلطان الكامل الأيوبي وحاول الهروب من مصر إلي الشام تاركاً أرضي المعركة في دمياط .
كان السبب هو قسوة المعركة من جانب وتآمر الأمراء الأيوبيين الذين قَدِموا من الشام لمساعدته ، فتآمروا علي خلعة وتولية أحد أخوته. ولكن (ابن المشطوب) وهو أحد الأمراء الأقوياء شجعه ووقف إلي جانبه في إحباط المؤامرة ولكن نتيجتها قد وقعت بالفعل إذ أضطرب جيش المسلمين لغياب السلطان فتركوا مواقعهم هاربين بدون هدف.
فتمكن الفرنجة من إكمال حصارهم علي دمياط من البر والبحر وضيقوا علي أهلها ومنعوا عنها الأقوات. و حفروا حول معسكرهم المحيط بدمياط خندق وبنوا عليه سورا وأهل دمياط يقاتلونهم أشد قتال و ثبتوا مع قلة الأقوات وشدة غلاء الأسعار.
وأخذ السلطان الكامل في محاربة الفرنجة الذين حالوا بينه وبين دمياط .( ص315-ج 1) السلوك .
ظهور البطل شمايل
616 هــ (ص216-ج1) السلوك.
في تلك المحنة الحالكة لم يتمكن أحد من الوصول إلي دمياط سوي رجل واحد من الجاندارية (الفدائيين التابعين للسلطان)، وكان هذا الرجل قد قُدم إلي القاهرة من بعض قرى حماة ويسمي شمايل، فتوصل إلى أن صار يخدم في الركاب السلطاني جاندارا، وكان يخاطر بنفسه، ويسبح في النيل ومراكب الفرنجة محيطة به ، والنيل قد أمتلأ بشواني (سفن حربية) الفرنج ، فيدخل إلي مدينة دمياط، ويأتي للسلطان بأخبار أهلها، فإذا دخل إليها قوي قلوب أهلها، ووعدهم بقرب وصول النجدات فحظي بذلك عند السلطان الكامل، وتقدم تقدما كثيرا، فجعله أمير جانداره (قائد الحرس والفدائيين)، وسيف نقمته و ولاه القاهرة، وإليه تنسب خزانة شمايل. ثم اختفى شمايل (الأمير شمايل قائد الجاندارية في السلطنة) من صفحات تاريخ المقاومة الإسلامية ضد الفرنجة كما اختفى من بعده الأمير أرجواش بطل المقاومة الإسلامية صد التاتار.. فتاريخنا الذي سطره صهاينة مسلمون يكرهون الأبطال وسيرتم، لأنهم يبحثون عن أشياء أخرى توقظ الفتنة النائمة وليس إحياء فريضة الجهاد الغائبة. فإذا ركزوا الأضواء على بطل فينبغي التشكك في حقيقته وفحص حالته بعناية وحرص، فالتاريخ الشعبي غير المكتوب هو أقرب إلى الصدق والحقيقة. فالأمة لا تكذب على نفسها.
بين أرجواش وابن العلقمي
تمكن رجل واحد من هزيمة التتار في دمشق وسلبهم نشوة الانتصار العسكري في الشام.
ذلك هو البطل الأمير أرجواش بطل قلعة دمشق الذي أضج مضاجع التتار في دمشق حتي تزلزلت الأرض من تحت أقدامهم في كل الشام.
أنه رجل واحد فقط كان معه عدد قليل من الأبطال علي شاكلته محاصرون معه في القلعة ولكن ليس حصارا سلبياً بل كانوا يتابعون ما يحدث في دمشق بدقة ويعرفون ما يجري فيها وشنوا غارات عجيبة تبدو مستحيلة لجرأتها وقوة تأثيرها.
فمنعوا التتار من بناء منجنيق يهاجمون به القلعة من ساحة مسجد دمشق، فهاجموا ساحة المسجد وقتلوا المهندس التتري وحطموا المنجنيق وانسحبوا سالمين إلى القلعة.
حاول التتار تكرار التجربة في نفس المكان بالمسجد ولكن باحتياطات أكبر وحراسات أشد، فهاجمهم رجال أرجواش مرة أخري وأحرقوا المنجنيق وقتلوا عددا من التتار ثم عادوا إلي القلعة سالمين .(وإن عدتم عدنا).
تلك البطولات الخارقة لم تجد لها مكاناً في التاريخ الإسلامي لأن أرجواش نفسه لا تنطبق عليه المواصفات السلفية. ولا يحظى برضي نظام السلاطين الحاكم، فهو يحارب الظلم وهذا غير مسموح به لأن من يحارب أى ظلم هو عدو لجميع أنظمة الحكم الظالمة علي مر الأزمنة.
ليس هناك من مسلم لا يحفظ اسم ابن العلقمي ذلك الشيعي الذي ينسبون اليه هدم الإمبراطورية العباسية واستيلاء التتار علي بغداد، ولا تمل أجهزة الدعاية لأنظمة التجبر والظلم عن تكرار تلك القصة التي فرضوها بالقوة استخداما طائفيا يليق بهم ودعوة المسلمين إلى الكراهية الأبدية والقتال وفتنة لا تتوقف.
ولكنهم تجاهلوا البطل المحاصر وأصحابه الأبطال الذين من قلعة دمشق التي حاصرها التتار، حاصروا التتار ودمشق بما فيها من فساد، بل حاصروا الوجود التتري كله في الشام .أبطال دمشق لا أحد يعرف أسماءهم ولا تاريخهم ولا ما حدث لهم بعد ذلك.
لا أحد يعرف من هو أرجواش وكيف كان مصيره، ولكن لا أحد يجهل من هو ابن العلقمي الذي أسقط الخلافة العباسية كما يدَّعون.
لأن ابن العلقمي له استخدام طائفي يخدم النظام اليزيدي الحاكم. فلماذا نذكر(الخائن المفترض) ولا نذكر البطل المؤكد أرجواش وقد نجد من ينكر وجوده أصلاً وقد نجد من يقول أنه قصة من نسج الشيعة لأنه لا يوجد أحد من أهل السنة، ولا يصح أن يوجد من يقاوم ولي الأمر الحاكم حتي لو كان من التتار وبالتالي فإن أرجواش منشق وربما كان متشيع فهو في حد ذاته بدعة لا يعترف بها أهل السنة والجماعة.
المستعصم خليفة ربته قهرمانة وقتل في سبيل الراقصات:
الطيورعلى اشكالها تقع. حزن صهاينة الإسلام على الخليفة الداعر المستعصم. فلا يملأون من التفجع عليه ويلطمون على زوال ملكه على يد التاتار. وكان المفروض لو أن هناك مسلمين أن يخلعوه ويعاقبوة ويضعون مكانه مسلما جدير بالمنصب الخطير. فالمسلمون أمة رسالتها ليست الرقص والترفيه داخل القصور أو مساجد الضرار. ثم أن الخليفة العباسي المستعصم بالله الذي قتلة التتار عندما دخلوا بغداد كان لديه قوات لحراسته وجيش وإن كان جيشا ضعيفا ملئ بالتتار المرتزقة العاملين فيه .
هذا الخليفة ماذا كان يمنعه من أن يدافع عن مُلْكِه وقصر الخلافة كما دافع أرجواش عن قلعة دمشق؟ .
الفارق هو بين شخصية خليفة المسلمين المستعصم الذى ربته مدرسة القهرمانة ثمل، وشخصية الأمير أرجواش المجاهد في سبيل الله الذى تربى في ساحات القتال.
وكان حول أرجواش ثلة من المجاهدين الأقوياء الذي لا يهابون الموت.
أما حول خليفة المسلمين المستعصم بالله فكان حوله مجموعات من الراقصات والمغنيات. فذلك المتهتك لا وقت لديه حتى يعي ما يجري خارج صالات الترفيه.
إلى أن داهمه التتار وهو يبكي علي مغنيته الشهيدة، التي أصابها سهم طائش.
من كان أحق بأن يجلس علي كرسي الخلافة. أرجواش أم ذلك المستعصم ؟.
ومن كان أولي أن يكون قدوة للمسلمين ومثالاً لشبابهم؟ المستعصم المتهتك ، أم أرجواش البطل ؟.
ولماذا لا يحتفل الجهاز الإعلامي اليزيدي بانتصار دمشق وقلعتها علي التاتار كما يحتفلون “بخيانة” العلقمي “لأمير المؤمنين” المستعصم بالله .
وهل كان في بغداد رجل يستطيع أن يتصدى للتاتار كما تصدي لهم أرجواش في دمشق؟.
لقد استنجد بأهالي بغداد خليفة آخر( المهتدي بالله) الذي أمسك سيفه وراح يدافع عن نفسه ضد جنود أتراك يحاولون قتلة وراح يصيح: (يامعشر المسلمين أنا أمير المؤمنين قاتلوا لأجل خليفتكم)، ولكن لا أحد اهتم به.
فهو رجل لا وزن له تربي في قصور تشرف عليها القهرمانة ثُمْلْ وتلاميذها من الراقصات والخصيان. فهو لا يستطيع أن يحكم ولا يستطيع أن يقاتل ولكن يستطيع أن يستأجر من يزيفون له تاريخ عن بطولاته وأعماله الصالحة التي يفعلها ليمحوا بها سيئات برامج الترفيه الغارق فيها ليلا ونهارا. وبذلك سيدخل الجنة بشهادات الزور التي كتبوها بأيديهم للتاريخ. قبل أن يصل سكان دمشق إلى نفس النتيبجة التي وصل إليها المسلمون في بغدلد بأنه لا فرق بين أن يحكمهم هولاكو كخليفة أو أن يحكمهم المستعصم ربيب الراقصات.
الخليفة المستعصم هو من الحكام المثاليين في مدرسة الهرقلية الإسلامية التي أسسها يزيد. كذلك كان الملك التتري غازان الذي كان يحكم الشام باسم إمبراطور التتار.
وقد أعترف به كبار مشايخ الشام من ابن تيمية إلي نظام الدين محمود الذي يحمل لقب شيخ الشيوخ.
وخطبوا له يوم جمعة في المسجد الأموي التاريخي ودعوا له بصفته: (السلطان الأعظم) سلطان الإسلام والمسلمين (ومظفر الدنيا والدين) محمود بن غازان.
فليس هنا في تلك المدرسة الهرقلية أي فرق بين الظلَّمة طالما تجمعهم صفة الظلم والخروج عن الدين سواء كانوا عرباً أو أتراكاً أو تاتار. فطاعة الطاغوت واجبة طالما هو يجلس علي صدر المسلمين ممسكا برقابهم متحكما في حياتهم وأرزاقهم.
مصر: الإفراج عن ابن تيمية وطرده منها
وسجنه عند أرجواش أمير قلعة دمشق
ابن تيمية في مصر سجين غير مرغوب فيه
و في مناسبة اخري وفجأة رأينا ابن تيمية يظهر علي سطح الأحداث مرة أخري عندما روي المقريزي أن أحد مشايخ عرب الشام (مهنا عيسى) جاء إلي القاهرة وقابل السلطان قلاوون وتوسط لديه ليخرج شيخ الإسلام ابن تيمية من محبسة، فأجابه السلطان مجاملا إياه وخرج بنفسه إلي الجب في القلعة وأخرجه. يقول المقريزي: (ونزل ابن تيمية بدار الأمير سلار نائب السلطان ) وتلك النقطة خطيرة جدا لأن الأمير سلار كان شخصية خطيرة في أحداث مصر في ذلك الوقت وهو من أصل تتري وكاد أن يتولى السلطنة في مصر، وكان قريبا جدا من السلطة خلال حكم عدة سلاطين حكموا البلد وأوشك هو نفسه أن يصبح سلطانا لمصر.
وعقد العلماء بمصر مجلسا مع ابن تيمية حضره عدد من مشاهير العلماء وجماعة من الفقهاء ولم يحضره القضاة .
وفيها قدم الأمير مهنا عيسي ، فأكرمه السلطان قلاوون وأخلع عليه فتحدث في خلاص شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية فأجيب، وخرج بنفسه إلي الجب بالقلعة وأخرجه منه ونزل ابن تيمية بدار الأمير سلار النائب(!!)، وعقد له مجلس حضره ابن الرفعة والتاجي وابن عدلان والنمراوي وجماعة الفقهاء، ولم تحضره القضاة، وناظروا ابن تيمية ثم أنفضوا، ثم عقد له بعد سفر “مهنا بن عيسي” مجلس آخر بالصالحية. ثم قام تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء وشيخ سعيد السعداء، وجمعوا فوق الخمسمائة رجل، وساروا إلي القلعة وتبعهم العامة، وشكوا من ابن تيمية أنه يتكلم في مشايخ الطريقة، فرد أمرهم إلي القاضي الشافعي، فدفعه إلي تقي الدين علي ابن الزواوي المالكي، فحكم بسفر ابن تيمية إلي الشام ، فسار علي البريد وحبس بها. (ص417- ج2) السلوك.
لم يكن السلطان ورجاله مستريحون لذلك الرجل ودعوته ولا لقدومه إلي مصر فربما ينشر الفتنة بين العلماء ويكتسب منهم أنصارا لطريقته.
وبعد ما حدث في دمشق كانت حركة ابن تيمية محسوبة لصالح التتار وبالتالي خشي المماليك، بأن يكون ابن تيمية جزء من محور تتري داخل الشام ليساعد التتار علي احتلال الشام ومصر. خاصة وأن هولاكو كان له اتفاق مع حكام دمشق الأيوبيين في هذا الموضوع. (الملك الناصر الإيوبى أرسل ابنه إلى هولاكو ليفاوضه حول تحالف مشترك لاستعادة مصر من المماليك وإعادة الحكم الأيوبي. (انظر ص500 ج1 السلوك).
عندما وصل ابن تيمية إلي الشام مطرودا من مصر بحكم قضائي كانت توصية السلطان قلاوون قد وصلت إلي دمشق بوضعه في السجن.
تطهير دمشق
699هـ (ص330-ج2) السلوك.
تتبع الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب السلطة المملوكية بالشام، من كان في دمشق من المفسدين دلوا “التاتار” علي عورات الناس.
فسمَّر بعضهم (علقهم بالمسامير على أخشاب او صلبان). وشنق بعضهم وقطع أبري جماعة وأرحلهم . ومن المفسدين من قطع لسانه وكُحِّل (فقأ عينيه) فمات من يومه.
الأمير سلار (نائب السلطنة وهومن كبار مخِّربي الدولة لصالح التاتار) خلع علي (أهدى ثيابا من السلطان) للأمير أرجواش نائب القلعة (وطل دمشق وبلاد الشام) وأنعم عليه بعشرة آلاف درهم. واضح أن العقوبات لم تطال عِليّة القوم من أعيان ومشيخ إسلام حتى لا تضطرب الأمور أو كما يقول عوام المصريين (المياه لا تسير إلى الأعلى). وكذلك سيف العدالة فهو متجه (نحو الناس اللي تحت) دوما.
الشخصيات الهامة مثل ابن تتيمية كانت تسجن عادة في قلعة دمشق أي أن ابن تيمية عاد مؤخرا إلي أحضان غريمه أرجواش حاكم القلعة وقتها ولا نعرف ماذا حدث حيث أن أرجواش من الشخصيات المحظورة تاريخيا ، بينما أبن تيمية بفضل إنتصار السلفية في العالم الإسلامي بقوة إقناع الدولار النفطي السعودي، أصبح أهم شخصية في تاريخ المسلمين وحاضرهم. واستولت السلفية الوهابية علي علماء مصر والأزهر ولم يتركوا الساحة لأحد. فنجح ابن عبد الوهاب مدعوما بقوة الدولارالنفطى السعودي، فيما لم ينجح فيه بن تيمية مدعوما بقوة الذهب التتري.
وقال أحد المتابعين أن المذاهب السُنيَّة في مصر لم تعد موجودة إلا بالإسم فقط فالجميع انضموا إلي السلفية الوهابية التي أسسها محمد ابن عبد الوهاب (تلميذ بن تيمية) لتكون الواجهة الدينية للحكم السعودي وهو حكم يزيدي متطرف واكثر وقاحة وتبجحا في خروجه عن الدين.
الأمير سلار .. “قارون” الذى مات جوعا
أغني الأغنياء قتلوه جوعا في سجن القلعة
710 هـ ( ص464- ج2) السلوك
ومات الأمير سيف سلار في ليلة الرابع والعشرين من جمادي الأول وكان من التتار الأويراتية، وصار إلي الملك الصالح علي بن قلاوون وبقي بعد موته في خدمة الملك المنصور قلاوون حتي مات، ثم دخل في خدمة الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وحظي عنده، فلما قتل حظي عند لاشين لمودَّة كانت بينهما، وترقي إلي أن صار نائب السلطنة بديار مصر، إلي أن قدم من الشوبك (باستدعاء من السلطان بيبرس )، فتُرِك في السجن حتي مات جوعا، وتولي الأمير علم الدين سنجر الجاولي دفنه بتربته علي جبل يشكر بجوار مناظر الكبش، وكان سلار أسمر لطيف القد أسيل الخد ، لحيته في حِنْكَة سوداء ، ظريفا في لبسه.
سلار نائب السلطنة : قارون التتري
جاء في السلوك: وبلغ سلار من السعادة فكان يدخل اليه من أجر أملاكه في كل يوم الف دينار مصرية، ومن إقطاعاته وضماناته وحماياته تتمة مائة ألف درهم في اليوم، عنها حينئذ زيادة علي خمسة الآلف دينار مصرية وكان إقطاعه أربعين إمرة طبلخاناه، وكان عاقلا متأنيا داهيا قليل الظلم، واشتملت تركته علي ثلاثمائة ألف ألف دينار وزيادة. فوجد له في يوم ياقوت أحمر زنته رطلين ونصف، وبلخش زنة رطلين ونصف، وزمرد تسعة عشر رطلا، وستة صناديق فيها جواهر، ومن الماس وعين الهِر ثلاثمائة قطعة، ولؤلؤ زنة مابين مثقال كل حبة إلي درهم عدة الف ومائة وخمسين حبة، عين مبلغ مائي ألف وأربعة وأربعين ألف دينار مصري، وفضة دراهم مبلغ أربع مائة ألف واحد وسبعين ألف درهم، ووجد له أيضا في يوم فصوص مختلفة زنة رطلين، وذهب مصري عين مبلغ خمسة وخمسين ألف دينار ودراهم فضة ألف ألف درهم، وحلي وذهب أربع قناطير، وآلات ما بين طاسات ونحوها ستة قناطير فضة ، ووجد في يوم ذهب مصري مبلغ خمسة وأربعين الف دينار ، ودراهم فضة مبلغ ثلاثمائة الف وثلاثين الف درهم وفضيات ثلاثة قناطير، ووجد في يوم ذهب عين ألف ألف دينار، وفضة ثلاثمائة الف درهم، ووجد له ثلاثمائة قباء من حرير بفرو قاتم وثلاثمائة قباء حرير بسنجاب وأربعمائة قباء بغير فرو، وسروج ذهب مائة سرج، ووجد له ثمانية صناديق لم يعلم ما فيها، وحملت مع ما تقدم إلي السلطان، ووجد له ألف تفصيله ما بين طرد وحش وعمل الدار ووجد له خام ست عشر نوبة، ووصل معه من الشوبك مبلغ خمسين الف دينار ذهباً، وأربعمائة ألف درهم وسبعين الف درهم ، وثلاثمائة خلعة ملونة وخركاه (خرقة) بغشاء حرير أحمر معدني مبطن بحرير أزرق مروي، وستر بابها زركش، ووجد له ثلاثمائة فرس ومائة وعشرون قطار بغال، وعشرون قطار جمال، ومن الغنم والبقر والجواري والمماليك والعقار شيء كثير جدا ووجد له موضع بين حائطين عدة أكياس لم يدر ما فيها ولا كم عدتها، ووجد له في المرحاض شبة فسقية، كشف عنها فإذا هي مملوءة ذهبا ووجد له من القمح والشعير والفول ونحوها ثلاثمائة ألف أردب، وذلك سوي ما أخذ من أخوته ومباشريه وحواشيه وأسبابه وجباة أملاكه، فإجتمع من ذلك ما لا يدخل تحت حصر لكثرته، والله يؤتي ملكه من يشاء. (ص 465- ج2) السلوك
وفا ة صامته للبطل أرجواش.. وصمت تاريخي مطبق
عثرنا فجأة علي خبر موت البطل أرجواش عندما كان المقريزي يعدد أسماء الذين ماتوا في سنة701هـ فذكر بمنتهي الأيجاز خبر موت أرجواش ذاكرا اسمه ولقبه ووظيفته كحاكم في قلعة دمشق وهذا كل شيء. وبعده بعام وفى قلعة دمشق أيضا مات شيخ الإسلام بن تيمية فجمع الموت بين النقيضين في نفس المكان. و ترجمته كانت عبارة مقال طويل عريض من الإشادة والتمجيد بعلمه وتقواه وغزارة مؤلفاته وخروج سكان دمشق بأجمعهم في تشييع جنازته. رغم أن دمشق كان يحكمها المماليك أعداء شيخ الإسلام بعد رحيل صديقه قازان التترى.
ولسبب غير مفهوم ورد خبر وفاة شيخ الإسلام ضمن أحداث عام652 هـ. أى قبل تاريخ وفاته الحقيقي (702 هــ ) بحوالي نصف قرن!!.
هذا الموت المفاجئ للبطل أرجواش كان متوقعا وحتى وسيلة القتل لم تخرج عن كونها نوعا من أنواع السموم (الكيماء السياسية لحكام المسلمين).
وذلك إيجاز يثير الريبة، فإن المقريزي مغرم بالتفاصيل رغم حذره فقد أورد الكثير من المسائل التي تبدوا هامشية بتفصيل شديد حتي انتقد بعص المؤرخين ذلك. ولكن أتضح أن تلك التفاصيل أفادت في دراسة بعض النواحي المهمة في تلك العصور لم يهتم بها أحد وليس لها مصادر غيره، ونعتقد أن المقريزي كتب عن ارجواش بتوسع أكثر مما هو موجود بين يدينا الآن في كتابه السلوك.
ولكن يبدو أنه جرت مراجعة لذلك الكتاب بحذف أوتعديل مواضع منه كما هي عادة الحكام الطواغيت في مراجعة التراث الثقافي الوارد اليهم من العصور السابقة بالحذف والإضافة والتعديل بما يرضي الذوق الطاغوتي المعاصر، حتي ان التراث الديني نفسه تجري مراجعته بنفس الطريقة، لأن حكام البلاد “الإسلامية” منذ العصر اليزيدي الأول حريصون علي ان يظهروا أنفسهم كحكام يمتلكون شرعية دينية.
لهذا يراجعون التراث الديني من وسنة وتفسير وتاريخ حتي لا تتسرب أي أفكار لا تناسب النظام الحاكم.
المهم أن أرجواش لم يفوز بغير سطر واحد عند المقريزي في حالة وفاتة وسطر آخر عندم ظهوره علي مسرح الأحداث بدخول التتار إلي دمشق.
سطران فقط يتكلمان عن البطل العظيم في مرجع تاريخي ضخم مثل كتاب السلوك للمقريزي.
أرجواش: خطأ غير متعمد
هذا البطل وبدون قصد عندما أعلن الجهاد علي التتار من قلعة دمشق المحاصرة، تراصت أمامه جبهة معادية تبدأ بالتتار وتنتهي عند مشايخ الإسلام الكبار من أبن تيمية إلي شيخ المشايخ محمود إلي العوام في دمشق.
وصورة دمشق في ذلك الوقت تلخص لمن يريد أن يعرف مدى تدهور مفهوم الحكم الإسلامي وما وصل اليه في ذلك الوقت حتي أصبح احتلال التتار شيء مقبول وقابل للتعايش معه بل والترحيب به، بينما الجهاد ضده هو الجريمة التي يكافحها التتار وكل ذلك الجيش الذي يدعمه من علماء وعوام. ولولا صمود ذلك البطل لضاعت أشياء كثيرة من الإسلام نفسه.
إضافة إلي ما ضاع من أراضي المسلمين باحتلال التتار لدمشق ومعظم أراضي الشام وتهديدهم لمصر التي كانت قاب قوسين أو أدني أن تصبح غنيمة للتتار كما سنأتي علي ذكره.
بعد المعركة الفاشلة للسلطان قلاوون والتي انتهت بهزيمة أو عدم انتصار، ودخول الجيش التتري إلي دمشق بعد احتلاله حماة وحمص.
ظهرت أشياء كثيرة بفضل المقاومة البطولية لأرجواش وجند الله المجهولين الذين قاتلوا إلي جانبه في قلعة دمشق.
لقد اكتمل وضوح الدور الذي قام به رجال الدين الكبار من شيخ الشيوخ إلي ابن تيمية الذي حاول القفز من سفينة التتار التي غرقت بفضل جهاد أرجواش وجماعتة وحاول أن يقفز عائداً إلي سفينة الحكم المملوكي الذي كان في طريق العودة إلي دمشق.
في حملة يجهزها السلطان محمد بن قلاوون ويجمع لها الأموال من المصريين الفقراء وعظامهم حيث لم يعد فيهم لحم يؤكل. وقف ابن تيمية إلي جانب أرجواش في اللقطة التاريخية في تحطيم أواني الخمر ليقول أنا هنا في ساعة الانتصار وأنا من صانعيه.
ونتيجة الدور الذي لعبه ابن تيمية في الشام بإدعائه (إحياء السنة وأماته البدعة)، كان واضحا نتيجة ذلك المجهود التخريبي الذي وضع له الاسم المخادع الذي ذكرناه.
تجلت نتيجة دعوة ابن تيمية في المشهد الأخير للمسجد الأموي الذي اتخذ التتار من ساحته ساحة لصنع المنجنيق ليقذفوا قلعة دمشق الصامدة ومجاهديها، من داخل المسجد الأموي ولكن أرجواش لم يمكنهم من ذلك .
ولكن التتار نجحوا في تحويل المسجد التاريخي إلي مستقر كبير للجرائم الأخلاقية ابتداء من شرب الخمر إلي الزنا واللواط، ومنع إقامة الصلاة وقتما يشاء التاتار أو تعارض وقت الصلاة مع وقت الترفيه التتري “البرئ” ، ولم يقف علماء الشام الكبار أي موقف يستنكرون فيهه ما يحدث في مسجدهم الجامع، ولكن في صلاة الجمعة خطب منهم من خطب داعيا لملك التتار غازان “سلطان الإسلام والمسلمين” معتبرينه ولياً للأمر وواجب الطاعة، وتلك عندهم أهم واجبات المسلم في الإسلام اليزيدي حتي ولو حوَّل أكبر مساجد المسلمين إلي ما صار عليه الحال في المسجد الأموي.
وأصبح العلماء وأكابر دمشق يعملون في جباية الأموال لرشوة المسؤولين التتار لتخفيف قبضتهم علي منطقة هنا أوهناك. فيكتسب العلماء وعلي رأسهم ابن تيمية وزميله شيخ قازان “شيخ الشيوخ” محمود نظام الدين وجاهة لدي الشعب ولدي التتار.
أما الأوباش والأراذل الذين يمثلون جمهور ابن تيمية في حملاته علي (أصحاب البدع) فهم لا يتحركون الا بأوامر من شيخ الإسلام الذي يتقدمهم بكل جرأه في بدء معارك الفتن في دمشق حيث تزهق الأرواح وتسال الدماء وتسلب الأموال، كغنائم حرب ضد البدع وبالتالي فإن حاكم دمشق المملوكي كان يتجنب شره ويرجو رضاه حتي لا يفلت الأمن فيلقى معاقبة السلطان بالعزل أو السجن. فصار لأبن تيمية نفوذا سياسيا ضاغطا علي حكام دمشق ونفوذا دينيا علي الرعاع وأوباش دمشق، الذين هم عدَّته ورأس ماله الديني والسياسي وعصاته الغليظة لتهديد منافسيه وأعدائه. وتكفي إشارة منه إلي أحد أعدائه، ووصفه بأنه مبتدع حتي تنتهي قصته .
بعد ظهوره الأخير في اللقطة الدعائية في تحطيم الخمر ووقوفه إلي جانب البطل أرجواش في لحظة الانتصار في صورة واحدة تجمع البطل المجاهد مع قائد الفتنة ابن تيمية الداعم الأول للتاتار في بلاد الشام.
هذا الموقف لإبن تيمية لم تخف حقيقته علي السلطان قلاوون ورجاله المقربين ولا علماء القاهرة الذين اقلقتهم دعوة أبن تيمية وادعائه “إقامة السنة وإماتة البدعة “، ومن الأشياء التي أعتبرها ابن تيمية بدعا يعتبرها علماء القاهرة من المستحبات أو علي الأقل من المباحات، مثل التبرك بأثار النبي والأولياء الصالحين، ولم يتقبلوا تهجم ابن تيمية والرعاع الذين معه على معتقدات وأفكار أقطاب الصوفية الكبار وكان معظم علماء مصر من الصوفية.
الدولة العميقة في حكم آل قلاوون
يقودها الأمير التتري سلار من قصر السلطان في القاهرة.
وابن تيمية يقود فرع الشام
كما أسس الحكم بن العاص أول دولة عميقة في الإسلام بإحتلاله مقعد دائم إلي جانب الخليفة الراشد عثمان ابن عفان (رضي الله عنه) في منصب شبه معاون أو سكرتير، فتمكن من معرفة كل شيء عن أمور الدولة الإسلامية. ودبركافة المؤامرات والفتن التي أدت في النهاية إلي اغتيال الخليفة عثمان أبن عفان(رضى الله عته) ثم علي أبن ابي طالب كرَّم الله وجهه. و اشعل الحروب التي واجهها إلي ان وصل آل أبي سفيان إلي الحكم بداية من معاوية (رضى الله عنه) أول خلفاء الحكم الجبري في الإسلام.
ثم تلاه أبنه يزيد بوصية منه فواجه يزيد تحديات خطيرة جدا من الحسين أبن علي (رضى الله عنه) ومن الأنصار في المدينة ومن عبد الله ابن الزبير وأنصاره في مكة.
وفهم الحَكَم بن العاص ان بني سفيان لن يستطيعوا الاستمرار وقرر ان يضرب ضربته ويتولي الخلافة بنفسه ونقلها من بني سفيان إلي بني مروان.
الأمير سلار التتري أتَّبع تقريبا نفس الطريق ولكنه لم يصل لنفس النتيجة.
الأمير سيف الدين سلار كان من التتار وصار إلي الملك الصالح علي ابن قلاوون وبقي بعد موته في خدمة الملك المنصور قلاوون حتي مات، ثم دخل في خدمة الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وحظي عنده، وترقي إلي أن صار نائب السلطان بديار مصر (في عهد السلطان محمد بن قلاوون ثم السلطان المظفر بيبرس).
إلي ان قدم من الشوبك، فترك في السجن حتي مات جوعا، ودفن بجوار مناظر الكبش.
صراع لوراثة السلطان الحي
عندما تولي محمد ابن قلاوون الحكم وكان في التاسعة وقد جلس علي سرير السلطنة بعد عام واحد من ختانه.
فطمع الأمراء الأقوياء في استخدمه مؤقتا إلي أن يتولى أحدهم الحكم ودار تنافس كبير بينهم خاصة بين: الأمير بيبرس والأمير سالار.
وفي الأخير أتفق معظم الأمراء علي ان يتولى بيبرس الحكم بعد ان تنازل محمد أبن قلاوون عن السلطنة طلبا للسلامة. وخوفا من غدر الأمراء المتنافسين على العرش وهما بيبرس وسالار.
فزاد خوف الأمراء الكبار من حول بيبرس الذي أسمى نفسة السلطان المظفر خافوا من سطوة سلار وقوته التي تكمن في شيئين يفتقدهما معظم الأمراء وهي: المعرفة الطويلة والمعمقة بأمور الحكم في مصر.
إذ بدأ في وقت مبكر في خدمة السلاطين كما رأينا من موقع متقدم جدا كأحد الخواص المقربين من السلطان وأصحاب القرار.
كانت تلك الخبرة لا تقدر بثمن كما أنه شارك في الحملة العسكرية الأخيرة ضد التتار في الشام، ولم يذكر له التاريخ فيها مواقف بطولية غير أنه أصطحب القراء ليعظ والجنود بالثبات في الجهاد في سبيل الله حتي بكوا من فرط الحماس والتأثر.
ويبدو أنه كان من أول المنهزمين الذين توجهوا إلي مصر عندما أتضح ان التتار قد كسبوا الجولة، ودخلوا حمص ثم دمشق.
نقطة القوة الثانية لدي سلار كانت ثروته الخرافية (وهي مذكورة ضمن هذا البحث كما وردت في كتاب السلوك للمقريزي وهي ثروة هائلة لم يمتلك مثلها أي سلطان مملوكي ممن سبقوه حسب التقدير .
والسؤال هو: من أين جمع هذا المال الذي يتعدي المليارات من الدولارات بأسعار اليوم وكيف جمعه، ولماذا ؟. فلا يمكن لأي حاكم لمصر ان يجمع كل تلك الأموال في حياته.
حتي كنوز الفاطميين التى راكموها خلال 200 عام من الحكم مضافه لما أحضروه معهم من ثروات بلاد المغرب. عندما صادرها صلاح الدين لا تعتبر شيئا بالنسبة لثروة الأمير سلار.
والأغلب ان تلك الأموال جاءته من التتار حتي يمول عملية أستيلائه علي السلطة في مصر برشوة الأمراء والقادة .
فجميع الطبقة المؤثرة في مصر وأصحاب الحل والعقد كانوا قابلين للبيع والكثير منهم بدلوا مواقفهم عدة مرات خلال حياتهم فانتقلوا من طرف إلي طرف آخر مثل ان ينقل ولاءه من دولة أيوبية إلى مملوكية أو ينتقل من أحدهما إلي الفرنجة.
وممكن جدا أن يعود إلي نقطتة الأولي وذلك صحيح بالنسبة للقادة السياسيين والعسكريين والدينيين مثل ابن تيمية الذي قفز من معسكر المملوكي إلي المعسكر التتري ثم حاول ان يعود إلي المعسكر المملوكي ولكن شكوك المماليك عرقلت مناورته في القفز من قارب إلي قارب، فسقط في سجن القلعة في دمشق عند عدوه أرجواش.
إختصارا كان سلار قاب قوسين أو أدني بأن يصبح سلطان مصر والشام وان يرث الدولة قلاوون ويققز بها إلي الجانب التتري.
والأغلب أن التتار مولوا ذلك المشروع الطموح الذي سيغير وجهة المنطقة وربما العالم، بوصل التتار إلي أى شواطئ البحر الأبيض ويجاوروا بيزنطة بشكل مباشر.
ويصبح الحرمين الشرفين تابعان لسلطان المسلمين وحامي الأمة والدين هولاكو أمبراطور التتار، وهناك علماء الشام بالكامل سيباركون ويؤيدون ذلك ويبررونه شرعاً ويفتون بأن من يخالف ذلك أنما يخالف الإسلام بعصيان ولي الأمر.
كان مشروع سلار قويا ويسير بخطوات ثابتة لولا أن قدر الله لم يساعده في ذلك وحبط المشروع لأوهى الأسباب.
ومات أغني رجل في العالم وقتها جوعاً وهو سجين في قلعة الجبل في القاهرة عند غريمة السلطان محمد ابن قلاوون الذي رباه سلار طفلا، وبينما رفيقة الآخر في بلاد الشام ابن تيمية قائد الجناح الآخر في الخطة المفترضة سجينا في قلعة دمشق عند غريمة أرجواش.
روما تستيقظ علي حركة التتار في مصر والشام
لم تكن تلك الفترة التاريخية التي نتحدث عنها بسيطة ومسطحة كما يتصورها البعض بل كان تمثل عمق الحضارات اليونانية وقتها فالقادة التتار لم يكونوا هؤلاء الهمج الدمويين كما يتصور الكثيرون ولكنهم أستولوا علي الصين وورثوا حضارتها العميقة وتاريخ طويل من الحضارة والثقافة والخبره والعلوم.
كان التتار يتقدمون ليس فقط بالتوسع الأمبراطوري بل بالتوسع العلمي ومحاولة إكتشاف الحضارات الأسلامية والغربية عن قرب عن طريق التبادل التجاري والصدام العسكري معا.
ووجد الإمبراطورية الإسلامية تحت ضغوط وبدأت تنكمش بسرعة بٌدوم التتار من الشرق وهجوم الفرنجة علي الأندلس وتساقط الممالك العربية هناك، ثم الضعف الشديد الذي وقع فيه الإمبراطورية العباسية لولا التقديس الديني الذي فرضة الأمويين ثم العباسيين ومازال قائما حتي الآن علي كل ما ابتدعه الخلفاء والسلاطين والملوك الذين حكموا البلاد الإسلامية ولكن بلا إسلام أي بلا تطبيق الشريعة بأي قدر سوي في بعض شؤون الاسرة من زواج وطلاق وميراث.
وخلت الساحة الإجتماعية من مفاهيم العدل والمساوة والتكافل وزادت الأخلاق الجاهلية بأسوأ ما توصل اليه البشر في الحضارات الأخرى أغرم به المسلمون وتمادو فيه من انحطاط أخلاقي وسلوكي والاكتفاء من الدين بشئ واحد هو التعصب المذهبي الجاهل الذي أصبح هو الدين، الذي يخدم الاستيداد السياسي والحاكم باع نفسه مرارا لقوة غير الإسلامية غزت بلاد المسلمين، خاصة ان الإسلام اليزيدي الذي يقدس الحاكم ألغى الفارق ما بين الحاكم المسلم وبين أي حاكم يستولي علي بلاد المسلمين حيث تجمعهم صفه واحدة هي صفة ولي الأمر الذي تجب طاعته وعدم الخروج عليه، والجميع لا يطبقون شيئا من الأسلام.
(تعليق: وكما جعلوا غازان شخصية مقدسة في دمشق نادي علماء أشاوس بأن يصبح حاكم إسرائيل شخصية واجبة الطاعة ويحرم على أهل فلسطين الخروج عليه.)
وهكذا تحول الإسلام من حقيقة ٌإلي سراب لا أصل لها فلا أثر إطلاقا لتطبيق قرآن أو سنة. فلا طابع إسلامي للمجتمع الا ما ندر من ملامح خافتة مشوشة لأصول إسلامية بعيدة.
وكما أن التتار ورثوا إمبراطورية صينية وحضارة عريقية فإن روما أيضا هي وارثة لحضارة عريقة ومتطورة.
ومن شأن تلك القوة الدولية مراقبة كل ما يحدث في العالم ويمكن أن يؤثر فيها بشكل ما، لهذا أهتموا بشؤن الإسلام منذ ظهوره لأول لحظة، وكان لليهود دول لتنبهم وأخافتهم من الإسلام وتأثيره عليهم وعلي مصالحهم وجذور حضارتهم.
فبدء اليهود والرومان بالتدخل في شؤون المسلمين والكيد لهم منذ أول لحظة في ظهور الإسلام، وكما ذكرنا كان لهم تأثير أساسي في تحويل الإسلام من الخلافة القائمة علي النص الشرعي إلي نظام توريث والاجبار علي البيعة، وتحويل الحاكم إلي نسخة من الإمبراطور الروماني الذي بيده أمور الدين والدنيا معاً.
وكا ن للرومان وجود في البلاط العباسي أتضح من المكاسب الهائلة التي حققوها في أيام الأجيال الضعيفة من الخلفاء الذين ربتهم مدرسة القهرمانة ثمل من جواري وراقصات وغلمان فحققوا انتصارا تاريخيا في أراضي الشام وأقاموا مستعمرات قوية.
وكان شريكا في حكم تلك المنطقة مع الأمويين ثم العباسيين والأيوبيين ولكنهم لحسن الحظ فشلوا مع سلاطيين المماليك من آل قلاوون نتيجة لخاصية مملوكية عجيبة سوف نتكلم عنها وتتعلق بنظرية يمكن تسميتها نظرية الحاكم العابر والحاكم المقيم.
فالحاكم العابر يعلم أنه موجود لفترة مؤقتة مهما طالت وسوف يعود إلي منطقته في نهاية المطاف.
فالامويون اعتبروا الأراضي المفتوحة مجرد غنائم وثروات هائلة من بركات الإسلام الذي يحاربونه.
وكذلك فعل العباسيو ن وهم يعلمون أيضا ان مقرهم الأخير هو جزيرة العرب والأيوبيون جاءوا كغزاة مثل جنود التتار قادميين من مناطق جبلية لم تعرف الحضارة كعصابات للنهب والسطو يقودهم مغامرون محاربون مثل الثلاثي الأيوبي، صلاح الدين وعمه وأبيه. الذين نزلوا إلي الشام وصر بلاد الخيرات وكانوا مثل الضياع الجائعة المتحفزة للقتال فأفترسوا أولا الدولة الفاطمية في مصر ثم واصلوا الضغط علي دولة آل زنكي ثم استولوا علي الشام فصارت لهم دولة قوية يحسب حسابها.
ولكنهم كانوا يدركون أن أصلهم مناطق الأكراد فكان همهم جمع الثروات وتوسيع رقعة الحكم بإعادة فتح بلاد المسلمين مرة أخري واعتبار الأراضي المفتوحة أملاك كردية خاصة لآل أيوب وأن تلك الشعوب قد خلقها الله حميرا ليركبوها تحرث لهم الأراضي وتخوض لهم الحروب والفتوحات.
أما شعب مصر فهم عبيد فقط وتلك قاعدة من القواعد الراسخة التي أسسها الحكم الأموي باعتبار العلاقة الطيبة بين شعب مصر والرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي أوصي بهم خيرا وتزوج أحد أميراتهم وأنجب منها إبنة إبراهيم.
قبرص تهدد مصر
وصل الخبر إلي السلطان قلاوون أن حاكم جزيرة قبرص قد أتفق مع حكام أوربا علي بناء أسطول حربي مشترك لغزو دمياط والإستيلاء عليها، أي تكرار ما حاول لويس التاسع فعله في الحملة الصليبة السابعة أي أنهم كانوا ينون الزحف من دمياط إلي القاهرة ويستولوا علي مصر، فيقطعوا الطريق علي التتار الذين أستولوا علي الشام وبدئو يحمون علي مصر متخذين الشام منصة للقفز علي مصر وكان بالطبع يراقبون الأحداث عن كثب ولا يكتفون بمجرد سماع الأخبار والأشاعات فهم يحلمون ان صراعهم مع المشرق الإسلامي هو صراع مصيري لن ينتهي الا بزوال أحدهما.
شرع قلاوون باتخاذ إجراءات جادة للتصدي لهم وهي خطوات تستحق الدراسة المعمقة. لان كل ما حدث من صراع بين الصليبين والمسلمين في مصر والشام والأناضول مازال فاعلا ومؤثرا حتي اليوم. وكان المماليك قد وصلوا إلي درجة كبيرة من التطور في الفكر العسكري وقيادة الجيوش بأفضل مما وصلته اوربا في ذلك الوقت وأمتلك سلطان مصر عددا كبيرا من أمراء الحرب الأقوياء والمتمرسين في الحروب.
قد مر بنا الحديث من سيرة السلطان أشرف خليل ابن قلوون كيف أنه أستغل الأمراء لاحراز إنتصارات كبيره في بلاد الشام ونسبها إلي نفسه وأخذ يبطش بالأبطال الحقيقين وادي ذلك إلي ضعف حكمه ثم اغتياله بطريقة قبيحة جدا فقد كان شخصا سيئا رغم تصدي كتاب الطواغيت لتلميع صورته ونسبه أشياء لم يفعلها اليه وتصويره بصورة البطل الفاتح ولم يكن غير سلطان شاب متهتك.
ولكن الشيخ الذهبي رحمة الله عليه كتب أن السلطان أشرف خليل قد عمل أعمالا طيبة سوف تدخله الجنة لأنه كان منكبا علي الصليبيين ولا ندري كيف كان هذا المتهتك منكبا ولذلك حديث آخر في موضع آخر.
الخطوة الاسفزازية من قيرص وحاكمها أدت الي تطور الفكر العسكري لدي المماليك.
في البداية كان السلطان بيبرس البندقداري وهو أهم وأفضل المماليك الذين حكموا مصر بل أفضل من حكموا مصر علي الأطلاق بإستثناء الأنبياء، أنشأ الصناعات العسكرية وبنى أسطولا قويا لأنه أدرك الثغرة التي كانت سبب ضعف الدولة الأيوبية في مواجهة الصليبيين.
والمهارة التي أبداها الالمان في حملتهم الأخيرة علي الشام مستخدمين أسطولا قوياً بمهارة تكتيكية عالية ومليون جندي علي الأرض. وأهتم بيبرس بالحفاظ علي الحصون وتقويتها، أما السلطان محمد بن قلاوون قد أهتم بتقوية الحصون والمدن الساحلية التي في أيدي المسلمين وشحنها بالرجال والسلاح والطعام حتي صارت مواقع إستراتجية منيعة.
فلم يتمكن الصليبيين من أخذها كما كانوا يفعلون في السابق مع الأيوبيين فاجتمعت ثلاث عناصر قوية في يد ابن قلاوون وباقي آل قلاوون الذين حكموا بعده وهي :
1ـ أمراء الحرب المقاتلين ذوي الخبره في المعارك الكبيرة.
2ـ أسطول مصري أنشأه بيبرس وظل يتطور حتي سد الثغرة التي تتمثل في ضعف الأسطول المصري في البحر الأبيض.
3ـ تقوية المدن والقلاع الساحلية بحيث يصعب أقتحامها وممارسة اللعب بها بينا الطرفين طرف أيوبي ينهب المدن ويحرق الحصون ثم يهرب وكانوا يخربون المدن ويأخذون الأهالي أسري و سبايا بما فيهم المسلمين والمسلمات.. وطرف صليبي يعمر القلاع والحصون ويهاجم أراضى المسلمين التي حولها حتي يأتي الأيوبيين لتكرار القصة، فينهبون المدن ويأسرون السكان.
تلك العناصر الثلاث أدت في النهاية إلي تمكين حكام مصر المماليك من تطهير الشام وطرد الصلبيين منها بعد تواجد دام مائتي عام.
المسيرة المملوكية في مصر
مماليك مصر طبقا لهذه النظرة اعتبروا مصر وطنهم الوحيد الذي يعرفونه فقد جاءوا إليه صغارا وتلقوا تعليم الدين والتدريب العسكري فكان كل مجموعة تابعة لأمير كبير في مدارس خاصة وكانت تربطهم رابطة الأنتماء إلي أمير واحد والعمل في خدمته تلك الرابطة كان اسمها خشداشيه وهي الزمالة المملوكية في خدمة نفس الأمير وهي رابطة مملوكية لها أعتبار أنها تمثل درجة تشبه القرابة.
هؤلاء المماليك أول من جعل منهم قوة عسكرية واحدة كبيرة كان هو السلطان الصالح نجم الدين أيوب وترتيبه قبل الأخير في ملوك الأيوبيين. وهو مؤسس المماليك البحرية واسكنهم جزيرة الروضة مقلبل القاهرة.
وجاء من بعده أبنه تورانشاه الذي كان السلطان الأخير للمماليك في مصر.
قتله المماليك خوفا منه لأنه كان يسئ معاملتهم ويعتمد علي مجموعة من حصن سميساط وأعاطهم المناصب العالية ورقاهم إلي أمراء بدون أن يتمتعوا بأي كفاءة.
وتكلمنا عن إتخاذه الطواشي صبيح في منصب عال وهو “أمير جاندار” وكان طوشيا يحرس ملك فرنسا الأسير، وكل مؤهلاته أنه كان فحلا قويا أعجب به وبخدماته السلطان تورانشاة.
المهم أن الضربة الأولي في قتل آخر سلاطيين الأيوبيين كانت من نصيب بيبرس البطل المغوار الشهير وهو من مماليك البحرية أيضا.
قلنا أن المماليك علي قسوتهم في تعاملهم مع شعب مصر إلا أن الأمراء الذين تولوا القيادة ووصلوا إلي كرسي السلطنة تميزوا بالحكمة والحرص علي مصر ومحاولة أصلاح شئونها والاهتمام جديا بالدفاع عنها من أي أخطار خارجية، وكانوا جادين للغاية في مواجهة الصلبيين ومواجهة التتار، وأدرك الصلبيين والتتار الذين كانوا في حالة سباق للسيطرة على مصر والشام أن المماليك الذين هم أغراب عن المنطقة كانوا ينظرون لمصر على أنها وطنهم الأخير فليس لديهم وطن غيرها تجلي ذلك في المواجهة الحادة بين المماليك والتتار والصليبين. علي عكس ما فعل الأيوبيين الذين تميزوا بالمساومة وكأنهم في سباق مع القوتين المتنافستين علي احتلال المنطقة وهما التتار والصليبين.
فكان الثلاثة يشكلون ثلاثية تشبه الكراسي الموسيقية يتحالفون ويتآمرون ويتعاونون مع بعضهم البعض.
واستفاد الأكراد الأيوبيين بأن يناورا بالتحالف مع طرف ضد الطرف الأيوبي المنافس، أي استخدموا التتار والصليبين في التنافس الأيوبي الذي لم يتوقف لحظة وكانت الشام مسرح لقتال الأيوبيين مع بعضهم البعض ضمن تحالفات صليبية أو تتارية.
وكانت نقطة الانطلاق هي تلك الرشوة التي قدمها صلاح الدين الصليبيين مدعيا انه ذاهب لقتالهم في الشوبك وايلات والكرك وهوالحادث الذي تكلمنا عنه في موضعه من سيرة صلاح الدين الأيوبي الذي قدَّم رشوة من مئات الدواب محمله بالكنوز الفاطمية رشوة للصليبيين حتي لا يتدخلوا في شؤون مصر وينصروا أي طرف ضد صلاح الدين وأن يمنعوا مرور جيوش زنكي من الشام إلي مصر.
حيث أنه كان السلطان زنكى يتوعد صلاح الدين بطرده من مصر فكان بداية الحكم الأيوبي منذ لحظته الأولي قائما علي التنافس علي الاحتلال المنطقة وليس العداوة المطلقة.
و مع التتار، مارس الأيوبيين نفس اللعبة أيضا ولكن التتار كانوا مشغولين في بغداد واخضاع باقي العراق خاصة المناطق المتاخمة للقبائل التركية والسلاجقة.
إما المماليك فبدأوا من أول لحظة في صدام دامٍ مع الصليبيين في حرب دمياط وكانوا أحد العوامل الرئيسية في هزيمتهم.
خاصة الصدام التاريخي أمام قصر السلطان في مدينة المنصورة حين تمكنت القوات الفرنسية من الوصول إلي قصر السلطان وكادوا أن يدخلوه فيحسموا المعركة.
لولا أن هاجمتهم قوة من المماليك البحرية بقيادة أبطال مشهورين علي رأسهم بيبرس وقطز وقلاوون وثلاثتهم تولوا كرسي السلطنة في مصر، فكانت عداوتهم للصليبيين هي نقطة الاطلاق بعكس الأيوبيين الذين بدأت علاقتهم بدفع رشوه من صلاح الدين لحكام الكرك والشوبك لشراء حيادهم وتأمين المدخل إلي مصر من جهتهم. ولكن المماليك بدأوا بقتال عنيف في المنصورة كان يقوده ملك فرنسا لويس التاسع شخصيا وأخيه، ثم تابع المماليك الضغط علي الصليبيين حتي في أثناء إنسحابهم من دمياط والمنصورة وأوقعوا فيهم خسائر فادحة. وتكلمن عن دور المقاومة الشعبية المصرية وكان لهم دور محوري في الإنتصار الذي تحقق في معارك دمياط والمنصورة.
هذا بالنسبة لموقف المماليك مع الفرنجة وأن عدائهم كان جديا وهم الذين خلعهم من الشام طردوهم نهائيا بعد احتلال استمر قرنين من الزمن.
نفس هذا الثلاثي الذهبي من سلاطين المماليك أي قطز وبيبرس وقلاوون كانوا أبطال معركة عين جالوت التي قادها وكان نجمها الأشهر السلطان قطز فأوقعوا بالتتار هزيمة كبيرة في عين جالوت. وكانت أول هزيمة لهولاكو منذ خروجه للحرب.
ولكن المماليك حطموا أمالهم وأصابوا هولاكو باليأس بعد أن هزموا قواته الضخمة في عين جالوت.
تماما كما فعل البطل أرجواش الذي صمد في قلعة دمشق وأفشل محاولات قازان ملك التتار في إحتلال مصر والشام فإصيب قازان باليأس وغادر المنطقة كما غادرها هولاكو من قبل علي يد المماليك.
ليس هذا فقط ولكن معركة عين جالوت أسفرت عن نتائج لم تحظ بالكثير من أهتمام. وهي أثبات أن باقي مناطق الشام كانت آمنة وأن التواجد الصليبي لم يكن محكما إلي هذه الدرجة التي يصورها الأيوبيين.
فالحروب والاضطربات كانت أيوبية داخلية والصليبيين كانوا عنصر مساعد أو مشاهد.
أثبت بيبرس ذلك عندما ذهب في عملية استطلاعية وصل فيها إلي حدود تركيا ووصل إلي حلب ثم عاد إلي دمشق بدون أن يواجه قوات صليبية.
وعاد إلي دمشق وطلب من السلطان قطز أن يوليه حكم حلب. ولكن قطز رفض لسبب ما، فحقد عليه بيبرس وظن أن قطز قد يقتله عندما يعودون إلي مصر، خوفا من سمعة بيبرس وبطولاته فقام بيبرس بقتلة عندما دخلوا إلي الأراضي المصرية في منطقة الصالحية بالقرب من بلبيس، وتولي هو السلطنة والحكم.
فكان كما ذكرنا من أفضل من حكموا مصر علي طول تاريخها وهو المؤسس الحقيقي لعوامل طرد الصليبيين من المنطقة. والجدير بالذكر أن إنتصار عين جالوت أفسد التحالف الذي كان يجري توثيقة بين الحاكم الأيوبي في دمشق وبين هولاكو. الذي كان قرب حلب ينتظر نتائج معركة عين جالوت الذي كان يعتقد أنها ستنتهي بإنتصاره ودخوله مصر التي كانت غير مستقرة سياسيا بعد تولى قطز السلطنة بعد اغتيال السلطان ايبك وزوجته شجر الدر وانقسام المماليك بسبب ذلك.
وافق هولاكو علي الإتحاد وجهز هدية عظيمة للملك الأيوبي في دمشق ليأخذها الأمير الأيوبي معه عند عودته إلى والده ملك دمشق، ووعده هولاكو بإرسال قوة كبيرة لمساعدتهم في استعادة مصر من المماليك.
ولكن ما أن تحرك الأمير الأيوبي ومعه الهدايا والوعود حتي وصل الخبر إلي هولاكو بهزيمة جنوده في عين جالوت.
فأمر رجاله بإعادة الأمير الأيوبي والهدايا، ثم قتل الأمير الأيوبي بعد أن كانا صديقين قريبين أثناء مدة زيارة الأمير، ويشربان الخمر سويا.
فخرب الاتفاق ما بين ملك دمشق وهولاكو نتيجة انتصار عين جالوت.
ليس هذا فقط بل ترسخت عداوة ما بين المماليك والتتار وهكذا خسر المماليك أمكانية أي مناورة تعاون أو تحالف مع التتار فكلاهما أصبح في عداء محكم وأصرت القوتان الكبيرتان للتتار والصلبيين على إنهاء حكم المماليك في المنطقة بأعتبارهم عقبة لا يمكن إزاحتها بغير التحطيم. فبدا السباق بينهما لحتلال مصر والشام.
وما فشل فيه التاتار والصليبيين نجح فيه السلطان العثمانى سليم الذى اسقط حكم المماليك ونهب مصر وخرَّبها.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )