التاريخ لايفيد (13) ..بطل مقاومة التاتار فى دمشق..خذله بن تيمية وخانه شيخ الشيوخ
التاريخ لايفيد (13)
(صفحات من كتاب مصطفى حامد “التاريخ لايفيد”)
بطل مقاومة التاتار فى دمشق
الأمير أرجواش بطل أفضل من كل المشايخ والجيوش
خذله بن تيمية وخانه شيخ الشيوخ
– لم يكن شيعيا ولكن عدوه الأول كان مسجد الضرار الأموي فى دمشق.
بن تيمية لم يعترض على التاتار عنما حولوا المسجد الأموى فى دمشق إلى مُحَمَّع للزنا واللواط وشرب الخمور.
– العلماء والمسجد الأموي يحاصرون أبطال قلعة دمشق؟.
– في ساحة المسجد الأموي : منجنيق وزنا ولواط وخمر. لكن لم توجد بدع، لهذا هدأ مشايخ الإسلام وتجنبوا الفتنة وتعاونوا مع التاتار.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
يعتبر ابن تيمية من أشهر فقهاء المسلمين نظرا لدوره السلبي الكبير في تشتيت كلمة المسلمين وتبديد جمعهم وتأيد الحكومات الظالمة ودعم المنهج الوراثي المستبد (الهرقلية الإسلامية) .
ووضع ولي الأمر في المكانة التي أرادها يزيد مؤسس الهرقلية الإسلامية بأن جعل نفسه رب الناس وهم عبيد له ولا يخضع لقرآن ولا سنة. وإن الدين عنده مجرد لعبة سياسية لتثبيت الحاكم المستبد وقد مر بنا الدستور الذي وضعه يزيد في بداية توليه الحكم وقتله للحسين وأصحابه في كربلاء وانتهاك حرمات مدينة رسول الله ومسجده وقتل الصحابة في مسجده وادخال الخيل فيه والإعتداء علي أعراض النساء في المدينة وقتل الآلف من سكانها لإرغامهم علي بيعته وفقاً لشروطة.
وتجاهل ابن تيمية ذلك كله ثم تلامذته من بعدة مستهينين بما حدث وكان ذلك حقا شرعياً منحه الإسلام للحاكم وعلي الجميع السمع والطاعة مهما فعل بهم الحاكم الظالم من جرائم عظمي حرّمها القرآن والرسول (صلي الله عليه وسلم) .
ليس أفضل من التاريخ لتبيان حقيقة (المنهج السلفي) الذي أبتدعه ابن تيمية ومعني ذلك المنهج كما طبقه عملياً في حياتة التي كانت في فترة اضطربت فيها بلاد الشام ومصر. وسقطت الخلافة العباسية بيد التاتار.
وبلاد المسلمين تمر بفترة حرجة من الاضطراب الداخلي وفساد أنظمة الحكم واستبدادها خاصة النظام المملوكي وقبله الأيوبي وقبل الجميع نظام الخلافة العباسي الفاسد القائم علي الحكم المطلق والاستئثار بالأموال وتجاهل الشريعة الإسلامية .
سنقوم بجولة تاريخية بقليل من التفصيل حول حياة أبن تيمية في تلك الفترة بما يوضح منهجه الفكري وموقفة العملي من مشاكل المسلمين وقتها.
حيث كان معاصراً للغزو التتري لبلاد الشام بعد أن أسقط الخلافة العباسية واستولي علي بغداد.
كان ابن تيمية في دمشق وقت أن دخلها التتار وأقاموا فيها حكمهم الباطش وسفكوا الدماء واستباحوا الأعراض واغتصبوا الأموال رغم أن هؤلاء التتار الذين دخلوا دمشق كانوا يدَّعون الإسلام. وهم فعلوا مايفعله باقى حكام المسلمين بدعم شرعي من العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام كما رأينا كثيرا في أحداث مصر والشام.
قبل وصول التتار إلي دمشق دارت بينهم وبين الجيوش المصرية والشامية معركة عنيفة تواجد فيها السلطان الناصر محمد بن قلاوون. وكان مازال شاباً صغيراً عديم التجربة تغلَّب عليه معاونوه الأمراء حتي أن نائبة الأمير كتبغا و أعلن نفسه سلطانا لفترة قصيرة قبل أن يزيحه باقي الأمراء ويعيدوا السلطان الناصر.
شيخ الإسلام قراقوش
حادث له دلاله كبيرة هو ذهاب شيخ الإسلام ابن تيمية ليدعو سكان جبال كسروان ” الدروز” وحاكمهم (نجل صلاح الدين الأيوبى) إلي الدخول في طاعة حاكم دمشق المُعيَّن من قِبَل سلطان مصر المملوكي قلاوون.
وكان يمثل الدولة في تلك المهمة الأمير بهاء الدين قراقوش المنصوري الوزير الطاغية المشهور بالقسوة والفساد وكان وزيرا لصلاح الدين الأيوبي ومنفِّذا للمهام القذرة التي يكلفه بها، من إغتصاب الأموال والتنكيل بالخصوم وإجبار الناس على العمل المجانى بالسخرة. وحتي القيام بعمليات عسكرية بغرض السلب والنهب خاصة في بلاد المغرب العربي.
طبعا إرسال مثل هذه الشخصية في مهمة يقوم فيها ابن تيمية بدور الداعية يشير إلي أن المطلوب من سكان كسروان ليس الدخول في الطاعة بل الإستسلام بلا قيد أو شرط لقراقوش الأيوبي الذي لا يفهم الا القتل وسبي النساء وخطف الأطفال. ووجود ابن تيمية معه لا يخفف من تلك الحقيقة بل يثبت أن أبن تيمية هو أحد أدوات النظام الباطش الذي يخادع الناس باسم الدين.
رفض أهالي كسروان عرض قراقوش ولم يقبلوا خداع ابن تيمية الذي لم يكن وسيطا بل كان طرفاً يعمل ضدهم ويخادعهم عن حقيقة نوايا قراقوش.
وبالفعل وصلت الجنود بعد أشهر إلي جبالهم بخمسين ألف رجل بقيادة الأمير جمال الدين قراقوش الذي كما يقول المقريزي (نازلهم وخرَّب ضياعهم وقطع كرومهم ومزقهم بعد ما قاتلهم أحد عشر يوماً قتل فيها الملك الأوحد شادي ابن الملك داود ووضع فيهم السيف وأسر ستمائة رجل وغنمت العساكر منهم مالا عظيما وعاد إلي دمشق.
(ترجمة: الملك الزاهر داود ابن يوسف ابن أيوب أبو سليمان ، الملقب بالملك الزاهر أمير من الأيوبيين ، وهو ابن السلطان صلاح الدين كان صاحب قلعة البيرة مولده في القاهرة ، ووفاته في البيرة).
قراقوش الأيوبى، و شيخ الإسلام قراقوش
تلك المهمة في كسروان ضد ابن صلاح الدين محرر القدس تسئ لأي عالم أو فقيه، بأن يشارك طاغية فاسد سافك للدماء هو قراقوش الذي يمثل الجانب المظلم لحكم صلاح الدين الأيوبي .
فكان ابن تيمية هو الجانب المظلم الذي شارك قراقوش في مهمة لصالح حاكم دمشق الظالم ولكن ابن تيمية تحرك باسم الدين بينما قراقوش تحرك باسم السلطان قلاوون.
قراقوش يتحرك باسم السلطة الجديدة لدولة المماليك الذين نكلوا بكل قسوة بالأيوبيين الذين أسس نظامهم صلاح الدين الأيوبي سيده السابق وهو في تلك المهمة تحديدا تسبب فى مقتل حفيد سيده صلاح الدين متملقا النظام المملوكي المتغلِّب. تماما كما يعمل ابن تيمية في خدمة نفس السلطان المملوكي متوخيا رضاه وجوائزه وليس رضي الله وجنَّتة. وقد خدم التاتار بنفس العقيدة التى تتقرب إلى الله بمعاونة الطغاة.
فالرجلان كلاهما منافق وغير مخلص الا لنفسه ومصالحه كلاهما (شيخ الإسلام قراقوش).
الفتنة لعلاج البدعة
الموقف الثاني: الذي يسجله التاريخ لشيخ الإسلام مؤسس المنهج السلفي هو الموقف التالي: في مقاومته للبدعة استبدل البدعة بالفتنة نتيجة الهَوَج الفقهي والرغبة في الظهور الشعبي وفرض زعامته الدينية وآراؤه علي الجميع بدون أي دليل شرعي.
يقول المقريزي: (ص 380- ج2) من السلوك: وقدم البريد من دمشق – إلى السلطان في القاهرة – بأن تقي الدين أحمد ابن تيمية تنازع مع أهل دمشق في الصخرة التي بمسجد النارنج، بجوار مصلى دمشق، وأن الأثر الذي بها هو قدم الرسول (صلي الله عليه وسلم) وأن ما يفعلة الناس من التبرك به وتقبيلة لا يجوز، وأنه مضي بالحجارين وقطع الصخرة في سادس عشر رجب، وقد أنكر عليه الناس ما فعله.
تلك صورة لموقف تكرر مالا يحصي من المرات علي مر الزمان منذ 704 هـ حين وقع ذلك الحادث والي اليوم و الغد. فهكذا يكون التصرف السلفي المثالي الذي أسسه شيخ الإسلام قراقوش.
وما يهمنا التأكيد عليه هو أن نقارنه بما سيأتي من مواقف شيخ الإسلام في مسجد دمشق الأموي عندما أحتله التتار وحولوه إلي مركز لتصنيع المنجانيق وحانة لتناول الخمور وممارسة الفحشاء والشذوذ. ومنعوا صلاة العشاء حين تبدأ حفلات الترفيه. وفي تلك الحالة لم يتكلم أبن تيمية ولم يظهر له صوت وكأنه لبس طاقية الإخفاء التي يلبسها الآن تابعوه بإحسان، عندما تحين لحظة الجهاد ضد الأمريكان أو اليهود.
وبالنسبة للبدعة التي يتكلم عنها قراقوش الإسلام فهذا هو رأيه الشخصي الذي لم يتشاور فيه مع أحد من علماء الإسلام في دمشق أوغيرها ولم يقدم دليلا شرعيا على ذلك.
فإن كان هذا الأثر للرسول (صلي الله عليه وسلم) فإن “المبتدعة” لم يقدموا أي دليل علي صحة ذلك.
كما أنه هو نفسه لم يقدم دليلا علي أن هذا الأثر ليس لرسول الله. أما عدم جواز التبرك بأثر للرسول الله وتقبيله فإن ذلك موضع خلاف شديد بين المسلمين. وساهم قراقوش الإسلام في تقسيم الأمة ونشر الكراهية والعداوة بين كافة المذاهب بسبب الفتنة التي اثارها حول ذلك الموضوع والتي يتعهدها أعوانه طوال الوقت حرصا منهم على إضعاف الأمة لصالح اليهود طبعا.
وأكثر علماء الإسلام، الأبعد عن موائد سلاطين الترك و التاتار، هم على خلاف ما ذهب إليه شيخ الإسلام قراقوش.
غضنفر على الفقراء ومنبطح أمام غازان
حادث آخر يوضح منهج ابن تيمية في اختلاق فتنة لمعالجة ما يرى أنه بدعة.
فمثلا: من أحداث 705هـ يقول المقريزي .. وفيها: أظهر ابن تيمية الإنكار علي الفقراء الأحمدية فيما يفعلونة: من دخولهم في النيران المشتعلة وأكلهم الحيات ولبسهم الأطواق الحديد في أعناقهم، وتقلدهم بالسلاسل علي مناكبهم، وعمل الأساور الحديد في أيديهم ، ولفهم شعورهم وتلبيدها. وقام في ذلك قياما عظيما بدمشق ، وحضر في جماعة إلي النائب (نائب السلطان قلاوون على الشام)، وعرَّفه أن هذه الطائفة مبتدعة، فجمع له ولهم الناس من أهل العلم، فكان يوما مشهوداً كادت أن تقوم فيه الفتنة.
شيخ الإسلام لم يوضح مفهومة لمعني البدعة. والمفروض أن البدعة هو ما يعارض السنة الصحيحة فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأخلاق.
اما ما يتعلق بالذوق العام ومخالفته فليس ذلك من البدع الدينية، بل هو مجرد أمر مستهجن غير مقبول إجتماعيا.
ولكن المنهج السلفي يحدد البدعة اعتباطا حسب المزاج الشخصي أو متطلبات الظروف السياسية لولي ألأمر ، أو مصلحة الصراع المذهبي. فيحكم علي شيء علي أنه بدعه ثم يتصدي مباشرة في الميدان لقمعها. فيتحول الخلاف حول مفهوم البدعة إلي واقع الفتنة التى لعن الله من أيقظها. ويعرف المنهج السلفي علي أنه المشعل الأول للفتن بين المسلمين بدون أي أسباب شرعية أو عقلية قابلة للنقاش.
في أثناء فترة احتلال التاتار لدمشق لم يتصدَّ ابن تيمية للبدع التي ظهرت بين المسلمين في دمشق من تناول الخمور والتعايش مع الفساد والإرتزاق منه، والتعاون مع المحتل ضد المسلمين بل وتحويل المسجد الأموي إلي ساحة للمعاصي والمنكرات والكبائر عندها لم تظهر غيرة شيخ الإسلام وباقي الفقهاء في التصدي لتلك المنكرات والبدع فلبسوا جميعا طاقية الإخفاء وتحولوا إلي شياطين خرس ساكتين عن الحق.
إنتهازية شيخ الإسلام قراقوش وعمله لصالح الكفار من التتار وكبار الظلمة الحاكمين فى للنظام المملوكي ومن قبلة النظام الأيوبي لم تكسبة إحترام احد منهم مع إعترافهم بأن عمله يفيدهم ويثبِّت سلطانهم ويصبغ عليه قدسية الدين ويسكِّن مشاعر المسلمين ويخدرهم.
وفي أثناء الاحتلال التتري فان نائب أمبراطور التتار في الشام وكان أسمه (غازان) لم يعامل ابن تيمية بإحترام ، قاد ابن تيمية وفداً من العلماء والأعيان للتوسط لدي غازان لصلح سكان دمشق وعندما قابلوا غزان في الطريق نزلوا عن دوابهم ومنهم من قبل له الأرض.
( تعليق: سؤالين هنا – الأول: هل كان شخ الإسلام قراقوش من بين الساجدين للطاغوت التترى. وثانيا-هل أنكر الشيخ عليهم ذلك السجود أم كان شيطانا أخرس جبانا وليس أسدا فاتكا. كما هو مع فقراء المسلمين عندما ينهاهم عن منكر يتوهمه؟؟)
ولم يوضح المؤرخ إذا ما كان شيخ الإسلام قرا قوش من الساجدين. علي أي حال فإنه عمليا قام في أثناء الاحتلال التتاري بما هو أكثر من تقبيل الأرض أمام ملكهم غازان .
عامل غازان وفد العلماء الساجدين باستهانة ولم يقبل هديتهم وقال أنه أرسل بالفعل أمانا لسكان دمشق وكان ذلك صحيحا.
وفي مرة أخري حاول أبن تيمية مقابلة غازان الذي رفض مقابلتة “لأنه مشغول بتناول الخمر”، فانصرف أبن تيمية يجر أذيال الخيبة خجلاً من هذا التجاهل.
التاتار يزحفون نحو دمشق
دارت معركة في أعمال منطقة حماه تدعي سلمية: (هي بليدة في ناحية البرية من أعمال حماة بينهما مسيرة يومين).
وصل الخبر إلي حلب بأن جيش غازان وصل إلي نهر الفرات وأنه في عسكر عظيم للغاية ، فهرب الناس من القري والضياع وارتفعت الأسعار.
فلما كان فجر يوم الأربعاء الثامن عشرية: ركب السلطان محمد بن قلاوون بالعساكر وجد في السير إلي أن ظهرت له طلائع التتار وكان السلطان صغير السن عديم التجربة (تولي الحكم في التاسعة من عمره بعد عام واحد من ختانه).
وكانت المعركة فيما يبدو من الوصف ضعيفة النظم من جانب المسلمين وتميزت بشئ من العشوائية والفوضى والمفاجئات العجيبة التي ضربت جيش السلطان وجيش التتار ولكن خسائر المسلمين كانت أكثر بكثير.
وفي وقت ترتيب الصفوف تجوَّل الأمير نائب السلطان ومعه الفقهاء ودار علي العساكر كلها والفقهاء تعظ الناس وتقوي عزائهم علي الثبات حتي كثر البكاء (ومازال شيخ الإسلام غائباً عن المشهد رغم قول أتباعة أنه كان يقف في طليعة الصفوف أمام التتار هذا مالم يذكره التاريخ إطلاقا في أي مشهد سوي المشاهد الضعيفة المرتجفة التي سنمر علي بعضها.
خلال المعركة تمكن التتار من هزيمة ميمنة جيش السلطان أما ميسره جيش السلطان فتمكنت من تدمير ميمنة جيش التتار وفرقتهم عن آخرهم وقتلت منهم خمس الآلف وكاد غازان أن يهرب من ميدان المعركة، لولا أن شجعة نائبة في دمشق ويدعي قبجق الذي سيكون له دور كبير فيما يلي من أحداث.
ميسرة جيش السلطان بعد أن حققت النصر إنصرفت عائدة صوب مدينة حماة بدون أن تنتظر النتيجة النهائية للمعركة ظناً منها أن جيش غازان قد إنتهي أمره ، ولكن الذي حصل أن التتار جمعوا أمرهم وهاجموا قلب جيش السلطان وشتتوه.
هذا والسلطان معتزل وهو يبكي ويبتهل ويقول: (يارب لا تجعلني كعباً نحساً علي المسلمين) .
لقد كان شابا صغيرا عديم الخبره كما قلنا ، ولكن مساعده ويسمي الحسام منعه من الفرار ولم يتبق معه غير أثنا عشر مملوكا.
الميسرة الإسلامية المنتصرة عادت إلي حمص ومعها الغنائم وفي ظنهم أن السلطان كسب المعركة ، ولكن فوجئوا بالأمراء البرجية من أهل قلب الجيش قد انكسروا والمغول في أعقابهم فبهتوا، ولكن غازان خشي من الكمائن وتوقف عن مطاردتهم وقد غنم التتار سائر ما كان معهم مما لا يدخل تحت الحصر.
فأشتد صراخ أهل حمص وصاحوا بالعسكر: (الله الله بالمسلمين) وذهب بعضهم إلي دمشق وأخرون إلي مصر، وما أن دخلوا دمشق حتي وقع الصارخ بمجئ غازان وخرجوا بعد نحو ساعة من قدومهم فتركوا سائر مالهم وجَفَل أهل دمشق وتشتتوا في سائر الجهات. ومرَّ بالعسكر من العشير والعربان أهوال ، وأخذوا أكثر ما معهم نهبا وسرقة.
669هـ (ص 321- ج 2) السلوك: هذا وأهل دمشق قد وقع بينهم في وقت الظهر من يوم السبت أول ربيع الآخر ضجة عظيمة ، فخرجت النساء باديات الوجوه ، وترك الناس حوانيتهم وأموالهم ، وخرجوا من المدينة ، فمات من الزحام في الأبواب خلق كثير ، وانتشرت الناس برؤوس الجبال وفي القري ، وتوجه كثير منهم إلي جهة مصر.
وأما غازان فإنه نزل بعد هزيمة العسكر إلي حمص وقت العشاء الآخرة وبها الخزائن السلطانية وأثقال العسكر ، فأخذها من الأمير ناصر الدين محمد بن الصارم ، وسار إلي دمشق بعد ما أمتلأت أيدي أصحابة بأموال جليلة القدر.
وفي ليلة الأحد : خرج أرباب السجون ، وإمتدت الأيدي، لعدم من يحمي البلد (دمشق). وأصبح من بقي بالمدينة وقد أجتمعوا بمشهد على الجامع الأموي وبعثوا الي غازان يسألون الأمان لأهل البلد ، فتوجه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة وشيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية (الذي يظهر في المشاهد الهادئة عند الحاجة إلي وساطات مع التاتار أما إذا كانت هناك أزمة عنيفة أو قتال بين المسلمين والتتار فأنه يلبس طاقية الإخفاء فلا يشاهده أحد).
وتحرك إبن تيمية مع الوفد الذي سجد أمام غازان فعاملهم باستهانة شديدة . وكان قد وصل إلي دمشق يوم الخميس سادس الشهر أربعة من التتار من جهة غازان ، ومعهم الشريف القمي ، وكان قد توجه هو وثلاث من أهل دمشق إلي غازان ، فعاد وبيده أمان لأهل دمشق(ص 322- ج2) السلوك.
وفي يوم الأحد: أخذ أهل دمشق في جَمْع الخيل والبغال والأموال ، فنزل غازان علي دمشق يوم الأثنين عاشره ، وعاثت عساكره في الغوطة وظاهر المدينة تنهب وتفسد ، وامتدت التتار إلي القدس والكرك تنهب وتأسر.(ص 322- ج2) السلوك
وكالعادة اختفي ابن تيمية في وقت الضرورة حين يحتاج المسلمون إلي عالم مجاهد يقودهم وليس إلي عالم منافق يثير الفتن مدَّعيا أنه يتصدي للبدع. ليبنى لنفسه شعبية بين الغوغاء ونجومية تقرِّبه من السلاطين.
الأمير أرجواش
بطل مقاومة التاتارفى دمشق
خذله بن تيمية وخانه شيخ الشيوخ
لم يكن شيعيا ولكن عدوه الأول كان مسجد الضرار الأموي فى دمشق
وامتنع الأمير سنجر المنصوري المعروف باسم أرجواش بقلعة دمشق ، وسبَّ قبحق (حاكم دمشق التتري) و بكتمر السلاح دار (وهو أحد أمراء المماليك الذين يتعاونون مع قبجق ومعه مجموعة من الجند) وسبهما سبا قبيحا عندما تقدما إليه طالبين منه الاستسلام والخروج من القلعة.
وفي بكرة يوم الثلاثاء حادي عشرة: تقدم الأمير إسماعيل التتري إلي القضاة والأعيان (ومنهم بالطبع شيخ الإسلام إبن تيمية مندوب المساعي الحميدة وحمامة السلام بين المسلمين والتاتار. الذى يوقف بين الرعية وبين ولي الأمرغازان .
اتباع قراقوش الإسلام داعية التوحيد وعدو البدعة يدعون الفلسطينيين إلى طاعة الحاكم اليهودى، كونه ولي الأمر. مقصدهم من كل هذا الضجيج واللف والدوران هو القول بأن الإله مؤسس المذهب ” يزيد” الخليفة الذى اشترط على من يبايعه أن يعترف بأنه عبد ليزيد).
وفى طريقهم هذا حرفوا معاني آيات القرآن عن مقاصدها. واخفوا الكثير من الأحاديث النبوية التى تحض على مقاومة الظالمين، والتحذير ليس فقط اتباعهم بل من مجرد الرضى بأفعالهم وإلا شاركوهم نفس المصير في جهنم. لهذا اصر خلفاء بنى أمية والعباس بمنع أخذ الروايات و الأحاديث من خارج سلسلة الرواة المعتمدين رسميا من دوائر الدولة . وبالكاد تجد شئ من هذه الأحاديث.
وطلب منهم قبجق الحديث مع أرجواش لتسليم القلعة وأنه إذا أمتنع نهب المدينة ووضع السيف في الكافة. فإجتمع عالم كبير وبعثوا إلي أرجواش في ذلك فلم يجب ، وتكررت الرسل بينهم وبينه إلي أن سبهم وجبههم ، وقال: قد وقعت إليَّ بطاقة (رسالة) بأن السلطان قد جمع الجيوش في غزة وهو واصل عن قريب.
وفي ثاني عشرة : دخل الأمير قبجق إلي المدينة ، وبعث إلي أرجواش في التسليم فلم يجب وفيه كتبت عدة فرمانات إلي أرجواش من قبجق ، ومن مقدم من مقدمي التتار ذكر أنه رضيع الملك غازان ، ومن شيخ الشيوخ نظام الدين محمود ابن علي الشيباني وغيره ، فلم يجبهم ارجواش ، وأخذ الناس في تحصين الدروب وقد أشتد خوفهم.
الدعاء في خطبة الجمعة في مسجد دمشق
للتتري غازان ” سلطان الإسلام والمسلمين”
وفي يوم الجمعة رابع عشرة: خُطِب لغازان علي منبر دمشق بألقابة ، وهي: السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود غازان.
وصلي جماعة من المغل الجمعة (ص 323- ج2) السلوك
قراقوش الإسلام كان حاضرا في الصف الأول كما تقتضى مكانته الدينية الرفيعة. وربما هو من ألقى الخطبة تقرُّبا إلى قازان ونائبه على حكم الشام قبجق، ربما كان الخطيب هو شيخ الشوخ نظام الدين محمود بن علي الشيباني.
لم يرى الإمام قراقوش في الدعاء للسلطان غازان أي بدعه، بل يراه متماشيا مع طاعة ولي الأمر، الفريضة الأولى في الإسلام الأموي خاصة وأن الصلاة والدعاء للسفاحين تجري تقليديا في الجامع الأموي في دمشق عاصمة الأمويين.
سنة 649 هــ ( ص393-ج2)السلوك: فلما قضي صلاة الجمعة صعد الأمير قبجق والأمير إسماعيل التتري سدة المؤذنين ، وقرأ علي الناس تقليد قبجق بلاد الشام كلها وهي مدينة دمشق وحلب وحماة وحمص وسائر الأعمال وجعل إليه ولاية القضاة والخطباء وغيرهم (تعليق: أي ان قبجق التتري صار شيخا للإسلام كما هو ابن تيمية الذي صار أحد رعايا قبجق وموظفيه) .
ثم نثرت الدنانير والدراهم علي الناس وفرحوا بذلك فرحا كثيراً .
تعليق : (الناس عبيد الدنيا والدين لعق ألسنتهم ).. في جلسة واحدة وبضعة دراهم ودنانير باعوا بلادهم ودينهم وهم مازلوا في ساحة صلاة الجمعة في المسجد الأموي العتيد. ولو أمرهم قبجق أن يطردوا شيخ إلإسلام وشيخ المشايخ من الجامع لفعلوا. فهكذا تعلموا أن الدين هو طاعة ولي الأمر. الذي هوالملك التتري غازان في وقتهم الراهن و دعوا له في صلاة الجمعة منذ دقائق.
( ص323-ج2) السلوك: جلس شيخ الشيوخ نظام الدين بالمدرسة العادية ، وعتب علي الناس لعدم ترددهم إليه، ووعد بالدخول في صلح أمورهم مع غازان (نائب إمبراطور التتار علي حملة الشام ) .
شيخ الشيوخ طلب الأموال وتعاظم إلي الغاية ، واستخف بقبجق وقال: خمسمائة من قبجق ما يكونون في خاتمي، وصار نظام الدين يضع “يستهزئ” من قلعة دمشق ويستهين بها (يقصد الاستهانة بعصيان الأمير أرجواش الذي مازال معتصماً بالقلعة ويرفض التسليم للتتار) فقد أستسلم مسجد دمشق الأموي ولم يستسلم الأمير أرجواش بطل الشام وقلعة دمشق، رغم أن التتار بالتعاون مع علماء دمشق نجحوا في عزلة عن القاعدة الشعبية في دمشق التي أصبحت عموما تراه خطراً يهددها لأنه يزعج الاحتلال التتري فينتقم منهم ، وما أشبه الليلة بالبارحة نفس العلماء ونفس المساجد ولكن هذه المرة وعلي غير العادة. وقف بطل من اهل السنة وليس رافضيا حاقدا، ومعه ثلة من المؤمنين فقاوم التتر أصحاب أكبر امبراطورية في التاريخ ويرفض النفاق الدينى من أصحاب الألقاب الدينية الفخمة كاشفا نفاقهم وزيف الإسلام الذى يدعون إليه فصار البطل المسلم أرجواش هو العدو الأول للمشايخ والشعب المنخدع بهم. وصار الوثنيون التاتار هم أقرب الأصدقاء وأميرهم غازان هو أمير أمة الإسلام كما وصفه علماء دمشق المنافقين “أعداء البدعة” وجنود الطاغوت الكافر. وهذا هو نفس موقف مشايخ السلفية والوهابية وأتباعهم إزاء مجاهدي فلسطين (أعداء السلفيين) وفى مقابلهم اليهود وضباع حاف الناتو (اقرب الأحباب والحلفاء للسلفية والسلفيين) أعداء البدعة والمبتدعة.
و لأن البطل هذه المرَّة هو من أهل السنة والجماعة فلم يجرؤ أحد من علماء السوء أو من مشايخ الإسلام أو أي قراقوش أوقبجق من عبيد غازان لم يجرؤ أحد علي وصف أرجواش بأنه شيعي أو متبدع كاره لخلفاء المسلمين إلي آخر تلك الأسطوانة الخالدة وأكتفوا فقط بطمس سيرته والتكتم علي بطولتة ودوره غير العادي في هزيمة التتار وإنسحابهم من دمشق والشام. وهذا إنجاز غير مسبوق ولا ملحوق. خاصة بالإمكنيات المتواضعة التي كانت تحت تصرف أرجواش صاحب العزيمة الفولاذية والأيمان الذي لا يتزعزع وهو شخصية تذكرنا بشخصية استثنائية في مصر هو(سيدي المتولي، طومان باي) .
وهو أيضا من أهل السنَّة ولكن كونه مصريا فهو مشكوك في إسلامة وأنه موالي لأهل بيت النبي والدولة الفاطمية التي أنقضي زمانها.
ثم أن الأتراك خاصة سليم الذميم تجرأ علي قتل “سيدي المتولي (متحصنا بجيوش الإنكشارية التي كانت من أقوي جيوش العالم وقتها).
فلم يستطع فقراء مصر الغيارى من الدفاع عن سلطانهم وزميلهم في القتال في حواري القاهرة .
تمادي شيخ الشيوخ في استعراض قوتة وتكلم وكأنه “هولاكو”. فقال لمن حوله من الناس: لو أردنا أخذها لأخذناها من أول يوم متكلما باسم التتار وكأنه واحد منهم.
يقول المقريزي: أن الدبوس (هراوة قتالية) كان لا يزال علي كتفه. أي ان شيخ مشايخ الإسلام فى دمشق مقاتل في “جيش الدفاع التتري” الكافر.
وحسب قول المقريزي (ص 323- ج2). لم يكن فيه من أخلاق المشايخ ما يُمدَح به. بل أخذ نحو الثلاثين ألف دينار برطيلا (رشوة).
وأطلق عليه الشاعر علاء الدين ابن مظفر ابن الكندي الوداعي لقب (شيخ غازان) وكتب البيتين التاليين:
شيخ غازان ما خلا أحد من تجرده (نهبه)
وغدا الكل لابس خرقة الفقر من يده
وفي خامس عشري : بدأ التتر في نهب الصالحية .( وهي قرية كبيرة مطلة علي دمشق في خلف جبال قاسيون) تم ذلك بنوع من التنافس بين قبجق والمتملك التتري علي مدينة سيس.
لقد ترك له قبجق مهمة نهب وإحراق الصالحية مقابل رشوة !! فأحراق المساجد والمدارس وسبي وقتل وأخرب الصالحية ، فبلغت عدة من قتل وأسر منها تسعة آلاف وتسعمائة نفس.(ص323- ج2) السلوك
فلما فرغوا من الصالحية صار التتار إلي الَمزَّة (وهي قرية كبيرة بينها وبين دمشق نصف فرسخ) وداريا. (وهي: قرية كبيرة مشهورة بقري دمشق بالغوطة).
ونهبوهما وقتلوا جماعة من أهليهما ، فخرج ابن تيمية في يوم الخميس عشرية إلي غازان بتل راهِط ليشكو له ما جري من التتار بعد أمانة ، فلم يمكنه الاجتماع به لاشتغاله بالسُكر!!. دعوا له في صلاة الجمعة في الاموي قائلين عنه: سلطان الدنيا والدين.
تعليق: (كان غازان كما هو واضح شديد الإستهانة بشيخ الإسلام لحقارة الدور الذي يقوم به. وكونه زعيما دينيا شعبويا، لا يخدم شعبه ولا يخدم دينة بل يخدم المحتل ويحل المشاكل سلمياً بينه وبين المسلمين بصفتة الدينية ويحظي برضي الطرفين، ولم يعرف عنه أبداً أنه حرض الناس علي دعم الأبطال المحاصرين في قلعة دمشق بقيادة الأمير أرجواش.
كما لم يحرض أحد في دمشق أو يقف في المسجد تلك الوقفات الضارية التي وقفها في مسجد دمشق ومسجد نارنج القريب منه حول ما أدعي أنه بدعه التبرك بأثر قدم الرسول (صلي الله عليه وسلم).
لم تأخذه الغيرة علي الإسلام بقدر ما أخذته علي هذه الفتنة الركيكة والتي كادت أن تسيل فيها الدماء، ولم يحرِّض المسلمين علي التتار، أو دعم الأبطال المحاصرون في قلعة دمشق. وإيصال الطعام أو الذخائر لهم ولم يكن ذلك مستحيلا كما أنه لم يكن سهلا ولكنه كان ممكنا علي أي حال خاصة علي أهل المدينة وسكان المنطقة المجاورة للقلعة. ويقول فريق الكذب علي الله ورسوله وتزييف تاريخ المسلمين أن شيخ الإسلام قراقوش كان يقف في مقدمة الصفوف لقتال التتار.
عندما تجاهل غازان شيخ الإسلام توجه الأخير الوزيرين سعد الدين ورشيد الدين فقال لابد من المال فأنصرفا. وأشتد الطلب علي المال علي أهل دمشق. (ص323- ج2) السلوك
بالطبع يتولى العلماء والمشايخ تجميع الأموال من الناس كرشوة لغازان حتي يكون أكثر لطفا معهم .
يقول المقريزي: وتعين (تقرر) نصب منجانيق بالجامع علي القلعة (لضربها) (تأمل!!) وهيئوا أخشابه ولم يبق الا نصبه.
فلنتخيل ذلك!! ساحة المسجد الأموي الفسيحة تتحول إلي مصنع للمنجانيق الذي سيقصف القلعة ومن فيها من مجاهدين أبطال .
ابطال أرجواش يدمرون منجنيق مسجد الضرار الأموي
أي أن الجامع الأموي في دمشق بإشراف مشايخ الإسلام من ابن تيمية إلي شيخ الشيوخ نظام الدين وغيرهم كثير من القضاة والمفتين لا ينكرون ذلك ولا يحرضون الناس عليه كما يحرضون علي فقراء الأحمدية والمتبركين بأثر الرسول في جامع “نارانج” .
وصل إلي أرجواش في القلعة، خبر المنجنيق في مسجد الضرار الأموي.
جاء في كتاب السلوك (ص 324ج2): فبعث أرجواش طائفة هجمت علي الجامع الأموي (في مهمة استشهادية خاصة) على حمية (بشجاعة وحماس) وأفسدوا ما تهيأ في مسجد الضرار الأموي وأفسدوا المنجنيق الذي تجهز.
في ساحة مسجد الضرار الأموي : منجنيق وزنا ولواط وخمر. لكن لم توجد بِدَع لهذا هدأ مشايخ الإسلام وتجنبوا الفتنة. وتعاونوا مع التاتار.
بعد أن دمر رجال ارجواش المنجنيق الأول. أقام التتار منجنيقا آخر بالجامع واحترزوا عليه (أي عينوا عليه حراسات) وأثناء صناعة المنجنيق اتخذوا الجامع الأموي العتيد حانة يزنون ويلوطون ويشربون الخمر فيه ، ولم تقم فيه صلاة العشاء في بعض الليالي.
ونهب التتار ما حول الجامع من السوق ، فأرسل الأمير أرجواش أحد الرجال من القلعة لقتل الرجل المنجنيقي (الذي يصنع ويستخدم المنجنيق) فدخل الفدائي إلي المسجد الأموي بينما المنجنيقي منشغل في عمله والتتار حوله.
فهجم عليه وضربه بسكين فقتله ، وكان مع الفدائي مجموعة إسناد تفرقوا بين التتار وهاجموهم يريدون قتلهم وفرَّ التتار. وعاد القائد ومجموعته الفدائية إلى قلعتهم سالمين.
أرجواش يحصن قلعة دمشق ويحرق ما حولها.
(324ص- ج2) السلوك: وأخذ أراجواش في هدم ما حول القلعة والبيوت وصيرها دكاً لئلا يستتر العدو في المنازلة (الحرب) بجدرانها ، فأحرق ذلك كله وهدمه من باب النصر إلي باب الفرج ، وشمل الحرق دار الحديث الأشرفية وعدة مدارس إلي العادلية، وأحرق أيضا بظاهر البلد شيء كثير وأحرق جامع التوبة بالعقيبة وعدة قصور وجواسق وبساتين.
غلاء الأسعار
وأشتد الأمر في طلب المال ، وغلت الأسعار حتي أبيع القمح بثلاثمائة وستين درهما الغرارة ، والشعير بمائة وثمانين درهما ، ورطل الزيت بستة دراهم ، وكل أربع بيضات بدرهم ، ووزعت الأموال (الضرائب) ، فتقرر علي سوق الخوَّاصين مائة ألف درهم ، وعلي سوق النحَّاسين ستون ألف درهم وعلي قيسارية الشُرب مائة ألف درهم ، وعلي سوق الذهبيين ألف وخمسمائة دينار وقرر علي أعيان البلد تكملة ثلاثمائة ألف دينار جبيت من حساب أربعمائة ألف ، ورسم (تقرر) علي كل طائفة جماعة من المغل (لجمع الأموال) فضربوا الناس وعصروهم ، وأذاقوهم الخزي والذل .
(تعليق : فى ذلك مصداق للحديث الشريف ” ما ترك قوم الجهاد إلا ذلُّوا” ولكن ابن تيمية وأبناؤه قديما وحديثا اقتصروا على دعاء (اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وإخرجنا من بينهم سالمين).
فمجاهدو أرجواش ظالمون ، وكذلك التتار. ومجاهدو حماس ظالمون وكذلك جيش الدفاع التتري أما أصحاب العقيدة السمحة والتوحيد الخالص فهم دائما وجميع أشياعهم في العالم سالمون لانهم يحاربون البدعة وينصرون السنة (!!). ولا شأن لهم بالكفار أو الظالمين إلا بحسابات المنفعة من الربح والخسار أي بالمنطق التجاري وليس بالحكم الشرعي).
وكثر مع ذلك القتل والنهب في ضواحي دمشق ، حتي يقال إنه قتل من الجند والفلاحين والعامة نحو المائة ألف إنسان، هذه حرب أهلية وليس فلتان أمنى. لكن المصادر التاريخية لا تساعد دوما في معرفة الحقيقة. فقال في ذلك كمال الدين ابن قاضي شهبة :
رمتنا صروف الدهر منها بسبع فما أحد منا من السبع سالم
غلاء ، وغازان ، وغزو ، وغارة وغدر ، وإغبان ، وغم ملازم
وكان ما حمل لخزانة غازان وحده علي يد وجيه الدين المنجا مبلغ ثلاثة آلاف وستمائة الف درهم ، سوي السلاح والثياب والدواب والغلال ، سوي ما نهبتة التتار.
فإنه كان يخرج إليهم من باب شرقي كل يوم أربعمائة غرارة ، ورسم غازان بأخذ الخيول والجمال، فاخرج من المدينة زيادة علي عشرين ألف حيوان وأخذ الأصل بن النصير الطوسي، منجم غازان وناظر أوقاف التتار عن أجرة النظر بدمشق مائتي ألف درهم ، وأخذ الصفي السنجاري الذي تولي الاستخراج – التحصيل – لنفسه ، مائة ألف درهم ، وهذا سوي ما إستخرج للأمير قبجق والأمراء المُغل وسوي المرتب لغازان في كل يوم. (325ص- ج2) السلوك
فلما انتهت الجباية أقر غازان في نيابة دمشق الأمير قبجق وفي نيابة حلب وحماة وحمص الأمير بكتمر السلاح دار(من مماليك مصر) ، وفي نيابة صفد وطرابلس والساحل الأمير الألبكي. وجعل مع كل واحد عدة (إمراء) من المغل وأقام مقدماً (قائد عام) عليهم لحماية الشام “قطلوشاه” ، وجرد عشرين ألف من عسكره مع أربعة (أمراء) من المغل بالأغوار.
ورحل غازان في يوم الجمعة ثاني عشر جمادي الأول ، وترك علي دمشق نائبة قطلوشاه نازلا بالقصر ، وأخذ وزيره من أعيان دمشق بدر الدين مجد ابن الفضل الله ، و علاء الدين علي ابن شرف الدين محمد ابن القلانسي وشرف الدين محمد ابن شمس الدين ابن محمد سعيد ابن الأثير.
فلما كان يوم السبت ثالث عشرة: بعد رحيل غازان، أمر التتار الذين بدمشق أن يخرجوا من كان في المدرسة العادلية ، فكان إذا خرج أحد أخذوا منه ما يقع أختيارهم عليه بعد التفتيش، ثم دخلوا فكسروا أبواب البيوت ونهبوا ما فيها ووقع النهب في المدينة فأخذوا نحو مما استخرج من الأموال أولا، وأحرقوا كثيرا من الدور والمدارس.
فإحترقت دار الحديث الأشرفية وحولها ، ودار الحديث النورية ، والعادلية الصغري وما جاورها والقيمرية وما جاورها إلي دار السعادة والي البيمارستان النوري ، ومن المدرسة الدماغية إلي باب الفرج .
وأخذ التاتار ما حول القلعة ، وركبوا الأسطحة ليرموا بالنشاب علي القلعة ، فاحرق عند ذلك أرجواش ما حول القلعة وخرَّبه كما تقدم ، واستمر قطلوشاة مقدم التتار يحاصر القلعة. (لم يكن سهلا إحراق تلك الأماكن بينما جنود التاتار يشغلونها بل ويقاتلون منها ضد القلعة. ما يبرهن أن أرجواش لم يكن قائدا عاديا وأن جنوده كانوا ذوى قدرات فائقة ومعنويات استعصى عل التتار والمشايخ تحطيمها. يلاحظ أن من يتولى قتال القلعة هو قطلوشاه القائد العام لجيوش التاتار في الشام أى أنه استخدم في حملته أقصى مايمتلكة من قوة في الشام ومع ذلك لم ينجح. ويحسب ذلك لقوة وبراعة البطل أرجواش ورجاله الأشاوس).
وفي تاسع عشرة: قرئ بالجامع كتاب تولية قبجق نيابة الشام وكتاب بتوليه الأمير ناصر الدين يحي بن جلال الدين الختني الوزراة. (الختن: نسبة إلي بلدة ختن القريبة من كاشاغر بالتركستان).
وفي الحادي عشر: إحترقت المدرسة العادلية فلما عدي غازان الفرات أشار قبجق. وبكتمر السلاح دار علي قطلوشاة أن يتحول عن دمشق إلي حلب بمن معه من التتار، وجمع قبجق له مالا من الناس .
(تعليق : كان هدف قبجق وبكتمر هو إبعاد قطلوشاه حتي يتخلصان من رقابته ومشاركته لهما في النهب ، فدفعوا له رشوة من أموال الناس حتي يترك دمشق ويذهب بعيدا إلى حلب).
وسار قطلوشاه في يوم الأثنين ثاني عشري جمادي الأول ، وترك طائفة من التتار بدمشق ، وخرج قبجق لوداعه ، وعاد في خامس عشرية ونزل بالقصر الأبلق.
وفي تاسع عشري تحول قبجق إلي المدينة ” دمشق” وأقام بها .
وفي يوم الثلاثاء جمادي الأخرة : نودي بخروج الناس إلي الصالحية وغيرها فخرجوا إلي أماكنهم وفتحت الأسواق وأبواب المدينة .
وفي يوم الجمعة رابعة : دقت البشائر بالقلعة (يلاحظ أنها مازالت محاصر) ولكنها تشارك الناس فرحتهم بالإنفراج الحاصل في دمشق برحيل الملك غازان نائب الإمبراطور الى خارج سوريا. ثم خروج قطلوشاة القائد العسكرى العام من دمشق قاصدا حلب.
عودة الخمور و”توابعها “إلي دمشق
وفي سابعة: أمر قبجق حاكم دمشق جماعة من أصحابه ، بإدارة الخمارة بدار ابن جرادة فظهرت الخمور والفواحش، وضمنت في كل يوم بألف درهم (ولم ينكر عليهم شيخ الإسلام قراقوش شيء من ذلك. باعتبار تعاطى الخمر ولوازمها من الموبقات هي سنة يزيدية مؤكدة واظب عليها أغلب الحكام والسلاطين، على مر الزمان).
جاء في كتاب السلوك (326ص- ج2): هذا وقد نهبت التتار الأغوار حتي بلغوا إلي القدس ، وعبروا غزة وقتلوا بجامعها خمسة عشر رجلا وعادوا إلي دمشق وقد أسروا خلقا كثيرا ، فخرج اليهم ابن تيمية .
وما زال يحدثهم حتي افرجوا عن الأسري ، ورحلوا عن دمشق يريدون بلادهم في ثاني رجب .
(تعليق: في الواقع لم يكن ذلك تلطفا من التتار ولا فاعلية لدور ابن تيمية ، بل لأن لا أحد في دمشق لديه القدرة على شراء السبايا والعبيد من الأسري المسلمين لدى التتار كما كانوا يفعلون من قبل، فقد نفذت الأموال من بين أيدي الناس. والوقت غير مناسب للعودة إلى الاتجار بالعبيد من أسرى المسلمين الذين يجلبهم التاتار إلى دمشق).
بعد هزيمة السلطان الظاهر محمد ابن قلاوون ، فإن العساكر تفرقت عنه ولم يبق معه الا بعض خواصه.
ثم أخذ السلطان الناصر قلاوون فى التجهيز للمسير إلي الشام ثانية (وفي ذلك حديث يطول نؤجله إلي مناسبة أخري. فهو يتعلق بتجهيز تلك الحملة وجمع الأموال من الناس في مصر والشام ، حتي ساءت الأحوال إلي درجة ظهرت فيها بوادر تمرد شعبي علي السلطة).
ورفض الشيخ تقي الدين محمد بن دقيق العيد جمع الأموال من الناس في موقف فريد لعالم مصري يطيع الله قبل أن يطيع السلطان الجائر، وذلك مخالف لمبدأ الحكم الجائر في بلاد الإسلام منذ عهد يزيد.
وحدثت مظاهر إقتصادية عجيبة تكلم عنها المقريزي ويصعب تفسيرها مثل هبوط الأسعار في القاهرة ومصر رغم تدفق أعداد كبيرة من جنود السلطان وأعداد كبيرة من مهاجرى الشام حتي ضاقت بهم المساكن ونزلوا بالقرافة. ووقع رخاء في أسعار الحبوب وسائر المأكولات ولا تفسير لذلك. كما هبطت أسعار الذهب .
وأول مره يأمر سلطان مصر أمراء القلاع بإن يدافعوا عنها ولم يتبع سياسة الإحراق والهدم التي كان يتبعها الأيوبيون. والنتيجة أن أصحاب غازان ملك التتار لم يتمكنوا من اخذ شيء منها.
ملاحظة هامة : كان ذلك بداية انقلاب الموقف العسكرى في بلاد الشام إلى أن تمكن المماليك من آل قلاوون من طرد الصليبين بالكامل من أراضي الشام بعد احتلال استمر 200 عام.
وكتب السلطان قلاوون إلي قبجق وبكتمر السلاح دار يدعوهما إلي الطاعة فأجابوا بالإمتثال. أي أن دمشق أصبحت تابعة للسلطان الناصر قلاوون.
الأمير أراجوش يستولي علي دمشق
(329ص-ج2) السلوك: خرج الأمير قبجق والي دمشق وبلاد الشام ومن معه من الجنود متوجها إلي مصر في منتصف رجب ، (وكان قد أبدي الطاعة للسلطان قلاوون) وذهب لمقابلته ، وعلي الفور تحرك الأمير أرجواش واستولي علي مدينة دمشق مع القلعة .
وأعاد الخطبة في المسجد الأموي باسم السلطان قلاوون في يوم الجمعة السابع عشر بعد إنقطاعها مائة يوم. وأبطل أراجواش ما أحدثة التتار من منكرات في المسجد (أي أن أرجواش أصبح عمليا هو حاكم دمشق) وأغلق الخمارات وأراق الخمور وشق ظروفها (اوانيها) علي يد ابن تيمية.
(تعليق: شيخ الإسلام الذي يظهر في المناسبات الجماهرية لاكتساب مزيد من الشعبوية وكأنه هو الذي حرر دمشق من التتار. ولم يكن داعية لولي الأمر قزان، وداعية لتسليم قلعة دمشق إليه).
وفي الرابع عشرة : قدم الأمير أرجواش نائب القلعة ، وأنعم عليه بعشرة الالف درهم.(!!!!)
كانت تلك هدية وأنعام من الذين هربوا من المعركة مهزومين لتكريم الرجل الوحيد الصامد المنتصر من بين تلك الجيوش الإسلامية لمصر والشام وهو الأمير أرجواش الذي قاوم التتار وناجزهم القتال ولم يستطيعوا أن يكسبوا منه مكسباً واحداً، بل هو تمكن من ضربهم في معاقلهم داخل المسجد الأموي والأحياء التي حول القلعة التي حاول التتر من أسطح بنياتها ضرب القلعة بالسهام .
طبيعي أن يكره الجميع الأمير أرجواش سواء شعب دمشق الذي ألِف المعيشة بين إذلال التتار وخداع العلماء والمكاسب السهلة من الرذيلة.
وحقد عليه علماء السوء الذين لم يروا فرقا بين ولي الأمر التتري الكافر وبين ولي الأمر المملوكي أو الأيوبي، فالجميع أولياء أمور يجب طاعتهم. وأن أراجوش وأمثاله يمثلون تهديدا وجوديا ليس للإحتلال فقط ، بل لدين ابن تيمية الذى يعبد ولي الأمر ويعاضد الظلم والظالمين.
وعندما أستقر الأمراء ، سأل الأمير قبجق أن ينعم عليه بنيابة الشوبك فإجيب إلي ذلك وخلع عليه (أعطيت له ملابس وهدايا) وأنعم على الأمير بكتمر سلاح دار بإمره مائة (فارس) – رتبة عسكرية – بديار مصر. وعلي الأمير فارس الدين البكي الساقي بأمرة مائة فارس.
واضح الفرق الكبير في الهدايا والإنعامات التي أنعم بها السلطان محمد بن قلاوون، على السفاح التتري قبجق والخائن بكتمر سلاح دار الذي كان يعاونه في قتل الناس بدمشق بينما البطل الوحيد في المعركة كلها (أرجواش) أنعم عليه نائب السلطان في دمشق بعشرة آلاف درهم فقط ، لمجرد رفع العتب وإلا فإن جميع الخونة والهاربين يحسدونه ويكرهونه كمنتصر قاوم ببسالة. والسلاطين لايحبون الابطال ولا يثقون فيهم بل بفضلون الأزلام الميالين الي الفساد بدون تعقيدات أخلاقية.
أرجواش علي أي حال سيظل معرَّضا للإغتيال علي يد السفلة الحاكمين والأمراء ناهبي الثروات وقناصة الأقطاعات وسُرَّاق المال العام .
تلك هي سُنة الحياة ولم أعثر حتي الآن علي ذِكْر لأرجواش قبل تلك المعارك أو بعد الأنعامات السلطانية .
وعلي الأغلب فأنه لاقي المصير المعهود من فتك الظالمين بالصالحين أمثال أرجواش الذي خرج عن طاعة سلطانه غازان التتري فلن يأتمنه السلطان المملوكي قلاوون من ان يتمرد عليه أيضا.
فأرجواش كما هو واضح كان يبحث عن الحق والصدق والإخلاص لدينه ووطنه فهو بذلك عدو لجميع سلاطين المسلمين في زمانة وجميع الأزمنة السابقة واللاحقة .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )