حرب العواطف الجياشة: استدراج خطر

حرب العواطف الجياشة: استدراج خطر

لا يصلح دخول الحرب بدافع العواطف وحدها وإتخاذ القرار يجب أن يكون مبنياً علي محاكمة عقلية صلبة لا تحركها العواطف وأن كانت العاطفة والعقيدة هما دليلان أساسيان لتحديد ماهية العدو أما قرار الحرب و خوضها فمسألة آخري يجب أن تؤخذ بأعصاب باردة .

قلنا سابقا أن حرب طوفان الأقصى كانت مجرد عملية بارك الله في نتائجها ولكن تلك النتائج المدهشة لم تكن مقصودة أو مخطط لها. وأظن أنها كانت عونا من الله لفلسطين وللأبطال الذين ضحوا بأرواحهم نصرة للإسلام وأنقاذا للمسجد الأقصى ودفاعا عن شعب غزة المظلوم.

ولكن لابد أن نعترف أنه لم يكن هناك تخطيط لأي طوفان ولا لحرب مع إسرائيل مجرد مجموعة من الأبطال الموهوبين وفروا لأنفسهم أدوات مناسبة لتنفيذ عملية تكتيكية مبهرة ولكن ليس لخوض حرب، فلم تكن حماس أو أي منظمة جاهزة لحرب غزة ولم يكن ذلك ممكنا أو معقولاً ولم يكن هناك أي تجهيز لمثل تلك الحرب حتي في الحدود الدنيا وما كان متاحا قبل سبعة أكتوبر هو خوض اشتباكات محدودة لتحريك القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى ولكن ليس بمستوي حرب ولو قصيرة.

وعندما بدأت آله الدمار الإسرائيلية تعمل في إبادة شعب غزة دخلت جبهة المقاومة بدوافع عاطفية ليس لتحرير فلسطين وليس لإنقاذ المسجد الأقصى فتلك أهداف خارج القدرة بكثير ولكن الهدف كان نصرة شعب غزة المطحون وإجبار إسرائيل علي تخفيف وتيرة الإبادة وفي الحقيقة أن ذلك لم يحدث فإسرائيل زادت من وتيرة حرب الإبادة بمعونة كاملة واشتراك مباشر من الولايات المتحدة والغرب.

محور الإسناد تسبب لإسرائيل في خسائر اقتصادية كبيرة ولكنه لم يحقق الهدف العاطفي الذي دخل لأجله الحرب وهو إسناد شعب غزة وبات الجميع يدرك أنه بدون تكبيد إسرائيليين خسائر مدنية كبيرة فإنها لن تتزحزح عن هدف إبادة شعب غزة بالتدريج وجعل القطاع منطقة يستحيل المعيشة فيها إلي أجل غير مسمي  وربما ينشئون فيها قناة تربط البحرين الأبيض والأحمر حتي تندثر غزة وتزول من الجغرافيا وتبقي مجرد ذكري غارقة تحت الماء مثل قارة اطلانطس المفقودة .

ويبدو هناك تشابها بين إشعال حرب طوفان الأقصى وإشعال حرب الحادي عشر من سبتمبر 2001 وأن العملية المبهرة التي قام بها أسامة بن لادن وجماعته ضد مركز التجارة العالمية كانت مجرد كمين لإصطياد أفغانستان وليس لإصطياد بن لادن وتنظيم القاعدة .

ولأن أفغانستان كانت سمكة كبيرة فإن الطعم الذي قدمته أمريكا كان كبيراً وهو برجي مانهاتن وراح في الحادث حوالي ألفين وخمسمئة قتيل. لهذا القدر كانت أمريكا مستعدة للتضحية لتقتنص أفغانستان لأهدافها المعروفة التى من بينها السيطرة علي تجارة المخدرات في العالم .

كانت عملية طوفان الأقصى بدون اتهام لاي أحد أو تشكيك في أحد. فربما لم يكن أحد يدري أنه  قد استخدم فى تلك الحرب لإصطياد السمكة الإيرانية الكبيرة.

وكانت أمريكا وإسرائيل تتوقعان أن تندفع إيران إلي مشاركة أعمق في عملية طوفان الأقصى للدفاع عن شعب غزة وتعرضه المتواصل لقصف وحشي تقوده أمريكا بشكل مباشر تحت العلم الإسرائيلي.

ولكن أيران تماسكت وتدخلت بحرص مع باقي محور الإسناد خاصة وأن حماس تجاهلتها وتصرفت بشئ من الغطرسة وأندفاع أكبر نحو أمريكا كوسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل .

أتضح بعد مدة قصيرة أنه ليس لحماس أي خطة أو هدف واضح من تلك الحرب وأن طريقها هو المفاوضات كوسيلة لحل مشكلة غزة. بينما شعب غزة يموت في كل لحظة وفي النهاية سينتهي ماديا أو يستسلم وهذه ما تراهن عليه إسرائيل .

الشعوب العربية تمر بفترة مظلمة لم يحدث لها مثيل في تاريخها الطويل وتلك الشعوب/ فيما عدا شعب اليمن/ غير مستعدة لدفع أي ثمن لأي شيء و عندهم خوف من اي معركة لأي سبب كان. ولن تتحمل تبعات استهداف المستوطنين اليهود في فلسطين.

وكان يمكن لتلك الشعوب لو أنها خرجت إلي الشوارع فقط لمجرد التظاهر بشكل متواصل كما فعلت الشعوب الأوربية التي ظهر أنها أكثر إسلاما وعروبة من العرب. فساندوا شعب فلسطين وبعضهم دفع أثمانا غاليا من مستقبله كما حدث مع طلاب الجامعات في أمريكا .

فماذا لو أن أحد من المسلمين خاصة إذا كانت إيران حاولت التصدي لجذور المشكلة وهي حماية مدنيين في غزة عبر الضغط علي المدنيين في إسرائيل عسكرياً .

هذا ما تنتظره إسرائيل والولايات المتحدة والتحالف الغربي والعربي معهم. فالمحور الأمريكي الإسرائيلي قد جهز العدة كاملة منذ بداية عمليات طوفان الأقصى لتدمير البنية التحتية لإيران وحزب الله وأنصار الله في اليمن.

سيقدمون ذلك كله بإسم طائفي يستقطب أغلبية المسلمين في العالم وهو الدفاع عن أهل السنة والجماعة في الشرق الأوسط ضد الخطر الإيراني والشيعي وهو كلام ذو جاذبية خاصة مع سيادة التيار الإسلامي الماسوني في المنطقة وقوة الدعم الدولي والإقليمي الذي يحظى به.

في نفس الوقت فإن إيران تتحمل أعباء المواجهة مع إسرائيل وجميع نفقات التنظيمات التي تقاوم إسرائيل سواء داخل فلسطين أو خارجها وهذا ما وضع الشعب الإيراني في وضع اقتصادي لا يحسد عليه وشجع تيارات سياسية منحرفة للنهوض ضد النظام بشعارات انفصالية أو مذهبية أو ليبرالية ناهيك عن الشكوي من الضغط الاقتصادي الذي يعانى منه الجميع.

وكلما ذاد الضغط الاقتصادي والتحريض الخارجي قلت كمية الملابس التي ترتديها النساء وتقلصت كمية الأقمشة التي يستخدمنها ليس بسبب الفقر بل بدافع التحدي للنظام وتوثيق العلاقات مع الممولين الخارجيين .

وما أن تفتح إيران معركة الثأر لكرامتها الوطنية بسبب الإهانة التي لحقتها بإغتيال هنية في طهران. ستقود أمريكا حرب جوية شاملة لتدمير البنية التحتية لإيران، و لبنان بشكل عام حتي تنشب فيه حرب الطائفية بين جميع الطوائف ضد الطائفة الشيعية التي تحتضن حزب الله والمقاومة الفلسطينية. ذلك هو الهدف الحقيقي لتلك الحرب فهي منذ البداية مجرد طُعْم لإقتناص إيران وحزب الله.

فلما تجنبت إيران الحرب زادوا كمية الطُعْم لجذبها بل وإجبارها علي دخول الحرب بصفع كرامتها الوطنية واستفزوها إلي أقصي حد والآن تنتظر أمريكا الرد الإيراني. والتيار الإسلامي الماسوني يعلم مدي الاستعدادات التي جهزتها أمريكا لإحراق أيران وهو يتمني أن تدخل إيران الحرب كي يتخلص منها.

أما إذا لم تدخل إيران حرب الثأر فسوف يضاعف الماسون جرعات الوقاحة والتهجم عليها وعلي المقاومة الفلسطنية.

التراجع الآن يبدو صعباً وربما متأخر ولكن إذا كان في الوقت فرصة فإن أعادة النظر إلي المشكلة من جديد هو الأولي.

فإيران يجب أن تحافظ علي بقاء مخزونات قوتها سليمة وبقاء محور المقاومة حتي تظل قضية فلسطين باقية كمعركة للأمة الإسلامية في فلسطين وليس مجرد قضية وطنية فلسطينية .

يجب إعادة صياغة القضية الفلسطينية نظرياً وعمليا ودينياً وإعادة تنظيم القدرات المتاحة وتنميتها ومواصلة الجهاد بأفضل وسيلة ممكنة وفرض تحديات جديدة علي العدو أهمها الدخول معه في حرب الإغتيالات طبقا لإستراتيجية تناسبنا وتناسب قدراتنا  التى لا يستطيع العدو أن ينافسنا فيها.

ان إسرائيل قد توسعت كثيرا في المنطقة العربية الإسلامية بما لا يتناسب مع قدرتها البشرية حتي لو تسلحت بأفضل قدرات تكنولوجية فهي في أراضي العرب وتعيش علي ثرواتهم ولا تدعمها سوي مجموعة ماسونية تدعي الأسلام ومجموعة من الصهاينة يحكمون باسم الوطنية أو القبلية .

والشعوب الإسلامية أصبحت تتمتع بقدر من الوعي ويمكنها أن تفهم الأوضاع الحقيقية لواقعها كما تغير الوعي العربي وتطور عن السابق. ويرجع الفضل في ذلك إلي حد كبير إلي عملية طوفان الأقصى.

أوقفوا عملية حروب الثأر القبلية فليس هذا هو العصر المناسب ليكون الثأر قبليا وعاطفياً، دافعا لخوض حروب مصيرية.

أرسموا خريطة جديدة للصراع وجهزوا المسلمين لها.

ذلك أولي من الدخول في حرب استُدرِجنا اليها منذ اندلاع عملية الأقصى التي كانت مجرد طعم لإصطياد سمكة المقاومة الكبيرة .

ومهما تطورت أسلحة الجو والفضاء فإن الجندى على الأرض هوالذى يحسم المعركة. والإنتصار فى الحرب ترجمته منذ الأزل هو السيطرة على الأرض.  وجنودنا على امتداد التاريخ هم سادة القتال على الأرض. وغزة خير شاهد على ذلك. وفى حروبنا مع إسرائيل ينبغي الإستفادة من تفوق مجاهدينا فى القتال الأرضي.  والنظر إلى قدراتنا في الجو والفضاء على أنها قدرات لإسناد القتال الأرضي.

ليس معنى ذلك أن فكرة الثأر للشهداء قد الغيت بل أنها حتمية ولا بد منها. ولكن طبقا لشروط المجاهدين بعد تجديد خططهم الاستراتيجة ، وتفادى الكمائن.. فالخيارات لاحصر لها

 

بقلم : مصطفي حامد (ابوالوليد المصري)

المصدر : موقع مافا السياسي

www.mafa.world