العرب: إلي الصحراء من جديد
العرب: إلي الصحراء من جديد
أخيرا وافق هنية علي مقترح الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار بغزة. ولكن قتل الفلسطينيين لن يتوقف إلا بإفنائهم أو طردهم بالقوة المسلحة بمشاركة ومباركة الأشقاء الوسطاء وهم قطر ومصر و بالطبع الولايات المتحدة التي يعتبرها قادة حماس وسيطا.
بينما يعتبرها طلاب الولايات المتحدة الذين تظاهروا ضد حكومة بلادهم كونها شريكا أساسيا في حرب الإبادة علي غزة، وهي بديهية يعلمها العالم كله ما عادا القيادة السياسية لحماس، بما يضعف القضية الفلسطينية العادلة.
علي أي حال منذ أكثر من شهر والمرحلة التالية لحرب غزة قد تم إنجاز عدد من مفاصلها الرئيسية. ولم تمض أيام منذ علم البعض في سيناء بأن المنطقة صارت جاهزة للخطوات الإسرائيلية التالية لِما بعد غزة. حتى أتى مدير المخابرات الأمريكية إلي القاهرة ليجتمع مع حماس وإسرائيل. ثم ينتقل إلي الدوحة لكي يبشر العالم بموافقة حماس علي وقف إطلاق النار في غزة، وهو يعلم أنه لن يتوقف حتى تتوقف الحياة في قلوب أهل غزة.
يقول محللون سياسيون قريبون من حركة حماس أن الحركة قد أعادت الكرة إلي ملعب نتنياهو. وكأن الحرب كانت مباراة بين رئيس حماس ورئيس وزراء إسرائيل كما كانت حرب 1973 مباراة بين أنور السادات وجولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، ولمجرد تحريك عملية تفاوض تحددت نتائجها قبل سنوات بواسطة وزير الخارجية الأمريكى الصهيوني هنري كيسنجر.
السادات وجد تعادلا في عدد الأهداف على أرض المعركة. بينما الذي خسر الشعب المصري والجيش المصري والأمتين العربية والإسلامية .
نتائج المباراة بين هنية ونتنياهو لم تبتعد كثيرا عن تلك المأساة الهزلية، مباراة ضمن دوري لعبة الأمم، بين لاعبين مستأجرين .
تعددت زيارات مدير المخابرات الأمريكية إلي مصر والعديد من قادة أجهزة المخابرات في المنطقة بما فيها إسرائيل والسعودية ودول الخليج .
وكان البحث طويلاً ومكثفاً حول منطقة أساسية ليست هي فلسطين بل مصر .
فلم تكن حرب غزة سوي طلقة البداية التي حملت إشارات ورسائل مازالت غامضة علي سكان المنطقة الذين هم الضحايا المستهدفين في اللعبة القائمة في المنطقة .
مصر أولا
غزة كانت طلقة إشارة أما نتائج معركة مصر فهي علامة الانتصار، فمن يكسب معركة مصر يسيطر علي المنطقة العربية كلها كما كانت الحروب الصليبية كما فهمها الأوربيون والأيوبيون والأتراك .
وذكرنا في مواضيع سابقة أن لويس التاسع ملك فرنسا قد وصل في نهاية الأمر عندما خسر معركته في المنصورة إلى حقيقة أنه يواجه الشعب المصري وليس الأكراد الأيوبيين ومماليكهم الأتراك.
من وجهة نظر عسكرية فإن الأكراد الأيوبيين ، مناطقهم السكانية الأساسية موجودة في كردستان ومؤمنه بشكل جيد، كما أنهم في معركة مع شعب مصر كامتداد لمعركة الخلافة العباسية مع المصريين.
التي احتفلت بانتصار صلاح الدين الأيوبي علي الدولة الفاطمية بأن أصدر ناطقها الرسمي (إبن الجوزي) كتابه المسمى (النصر علي مصر) علي إعتبار أن المعركة ليست مع الفاطميين الشيعة بل مع شعب مصر وصلته الخاصة برسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم). وقد شرحنا ذلك في مواضع أخري .
وليست مشكلة العباسيين مع الفاطميين لأنهم شيعة بل لأنهم عاملوا شعب مصر بطريقة إنسانية محترمة يشهد بها التاريخ، وذلك ما كان يفتقده اليه المصريون ولأجله استنجدوا بالمسلمين كي يدخلوا إلي مصر لينشروا فيها العدل. ولكن ذلك لم يحدث الا نادرا (حتي قال الخليفة عمر ضي الله عنه لوالي مصر عمرو ابن العاص: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟؟). والحادث مشهور في التاريخ.
ولكن الخليفة عمر أكد مبدأ في الحكم تجاهلته، بل وحاربته، الدولة الهرقلية فيها بعد من بني أميه وبني العباس.
فهم لويس التاسع أن الشعب المصري هو العدو وأن خط امداده المادي والأدبي والأخلاقي ممتد إلي المغرب العربي وليس إلي المشرق الذي صار مقطوعا بفعل التواجد الصليبي والأيوبي.
لذا حاول لويس أن يحتل تونس لقطع الاتصال بين مصر وعمقها في المغرب.
وذكرنا أن ذلك ما تكرره الحملة الصليبية الأمريكية/ الإسرائيلية لإقامة كيان سياسي في ليبيا معادي لمصر، ليقطع اتصالها مع الغرب العربي كما تقطع إسرائيل اتصال مصر مع المشرق العربي، ويقطع نظام الجنجويد ومن قبله نظام البشير القائم علي تحالف الجيش والإخوان المسلمين، بقطع اتصال مصر مع السودان وباقي أفريقيا.
وبهذا يتم حصار مصر بالكامل تمهيداً لإسقاطها كما كان يتم إسقاط القلاع في حروب القرون الوسطي، بالحصار والقصف.
ذكرنا أن الحملة التي قادها إمبراطور ألمانيا منفردا في مواجهة صلاح الدين الأيوبي نجحت في البداية ثم انتهت بفشل ذريع، نتيجة التهور والغرور الذي ميز إمبراطور ألمانيا الذي تجاهل وربما لم يتأمل الدروس المستخلصة من الحروب الصليبية في الشام .
كان التصور الصليبي في بداية الحملات الصليبية علي الشام قائم على منظور تجاري ومنظور ديني ممتزجان معاً.
– المنظور التجاري هو الاستيلاء علي موانئ الشام كمدخل إلي الطرق التجارية الواصلة إلي الصين والهند للحصول علي الحرير والتوابل. و كانا يعادلان أهمية الثروة الناتجة الآن من الغاز والنفط .
– أما النظرة الدينية فهي الاستيلاء علي القدس وطرد المسلمين منها وذلك الهدف يضمن تدفق المتطوعين من العوام في أوروبا وفتح خزائن الكنيسة للتمويل الحملات العسكرية .
لويس التاسع أنتبه إلي أوجه القصور في النظرة الإستراتيجية لأوروبا فبدأ بتعديلها بداية من حصار مصر بقطع اتصالها مع المغرب العربي وتلك كانت خطوة أولي .
الخطوة الثانية وقد ذكرها لويس بطريقة بدت عفوية في رسالة أرسلها للسلطان الملك الصالح أيوب يهدده فيها بأنه قادم اليه وسيقتله في أقوي معاقله ولن يقبل منه أي استرحام مهما كان حتي لو ترك الإسلام واعتنق المسيحية.
ثم لفت نظره إلي التنكيل الذي حدث علي يد الفرنسيين ضد المسلمين في الأندلس وكيف طردوهم من المدن وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال وأنهم يدفعون الجزية لهم .
واستخدم لويس التنكيل المبالغ فيه بالمسلمين في الأندلس بنفس الطريقة التي يستخدمها نتنياهو في التنكيل بالمسلمين في غزة لإرعاب باقي العرب والمسلمين وإرغامهم علي الخضوع لإسرائيل ( وهى استراتيجية نفسية مأخوذة من حملات التاتار).
رسالة لويس التاسع إلى السلطان نجم الدين أيوب تشير إلي أن الحملة علي المسلمين هدفها إما الإبادة أو طرد المسلمين خارج البلاد .
وذلك هو شعار الحملة الصليبية التي تخوضها إسرائيل والمعسكر الغربي كله ضد الفلسطينيين في غزة وينتقلون بها الآن إلى مصر .
خيار من أثنين لا ثالث لهما: إما القتل أو الرحيل الإجباري. بنفس الروح الصليبية الإسرائيلية يتعامل النظام المصري مع الشعب فتصرخ كلابة الإعلامية (لسنا هنا في أمريكا وأي كلب يخرج للتظاهر لن يجد إلا القتل أو السجن) .
القتـــل أو الطـــرد
ذلك هو شعار الحملة الصليبية لإسرائيل والولايات المتحدة علي مصر وفلسطين والعالم العربي أجمع. فلا يظن أي أحد أو أي شعب مهما كانت درجة خضوعه ونذالته وانبطاحه أمام اليهود أنه في مأمن من هذين الخيارين .
فإما أن يغادر بلاده أو أن يُقتل فيها. وحدد الفلسطينيون في غزة خيارهم قبل أن يقرر هنية الانتقال إلي مرحلة ما بعد المقاومة. فقالوا مرارا أمام الإعلام (لن نرحل من غزة وسنموت علي هذه الأرض) هكذا قال الأهالي ولأجل هذا حمل الشباب السلاح ونزلوا إلي الخنادق وبين ركام البيوت المهدمة في غزة يتلقون صواريخ الطائرات بصدورهم ويقتلون مشاة العدو.
إن أي نذل لن يموت مستورا كما يمينه عسكر مصر، فالذي يريد أن يعيش يجب أن يحمل بندقيته ويقاتل علي الطريقة الغزاوية فإما ان يقتل أو ينتصر. و لن يتركه اليهود حتي لو أنسحب إلي خارج الكرة الأرضية فالأفضل له أن يموت حيث هو، كما يموت أهل غزة تحت أنقاض بيوتهم أو في طرقات مدينتهم المحطمة .
سيناء: تمام يافندم
ما أن تأكدت الولايات المتحدة أن سيناء جاهزة لدخول مرحلة ما بعد غزة حتي أسرع مدير استخباراتها (وليم بيرنز) ليدشن مرحلة ما بعد غزة وهنية الجاهز للتوقيع لدخول مرحلة ما بعد غزة ، والشيكات القطرية لإعادة أعمار غزة جاهزة وكذلك عقود الإعمار. وإدارة غزة وفلسطين وضع مخططها اليمين الإسرائيلي وحدد أسماء الأحزاب والزعماء من جميع الأطراف.
ومن يريد وضع اسمه في تلك الكشوفات يعرف الأثمان المطلوبة لذلك .
الحدود الجديدة لسيناء أصبحت واضحة وكذلك تركيبتها السكانية ونظامها الأمني وحتي قياداتها الأمنية وتقسيماتها الداخلية .
لا داعي لذكر ان سيناء كلها ستكون خاضعة تماما للسيادة الإسرائيلية حتي فى أدق التفاصيل .
جميع الحدود حول سيناء ستكون في يد إسرائيل، خاصة البحار مع عمق مناسب علي الشاطئ تماما كما كانت المستعمرات الصليبية في العصور الوسطي.
هذه المرة لن تكون مجرد حصون متناثرة كما كانت قديما ولكن الخط البحري من حيفا إلى آخر نقطة لسواحل تونس مؤقتا (وجبل طارق لاحقا) ستكون تحت السيادة الإسرائيلية المباشرة والمراقبة الدائمة والتدخل برا وبحرا وجوا حسب التقديرات الإسرائيلية .
أما على خليج العقبة، فأنه علي طول ذلك الخليج من إيلات وحتي بداية خليج السويس وبعمق عدة كيلومترات في سيناء سيكون أرضا ليس عليها أي سلطة غير السلطة الإسرائيلية.
حدود سيناء مع إسرائيل هي بالطبع في يد إسرائيلية بحتة بدون أي تواجد فلسطيني أو دولي. و مصر لن يكون لها حدود مع فلسطين حتي ولو علي شبر واحد من الأرض .
أما مشروع القناة ما بين غزة وإيلات. فمن الأرجح أن تقرر إسرائيل حفرها بهدف إغراق آثار جريمتها في غزة الي الأبد وتصبح غزة مثل القارة المفقودة تحت مياه البحر. فتمحى من ذاكرة العرب والمسلمين والعالم.
القوة البشرية علي أرض سيناء لحفظ المشروع الإسرائيلي والسيطرة علي الحركة البشرية في سيناء خاصة حركة الفلسطينيين وعشائر سيناء ستوفرها قوات عملية تنشئها إسرائيل علي نمط قوات أنطوان لحد الذي أقامت له إسرائيل دولة علي الحدود مع لبنان ومليشيات سلحتها ودربتها لحمايتها من ضربات حزب الله .
أما شخصية سيناء فهو شيخ العرب (عرجاني) فقد كلفت إسرائيل الجيش المصري بتدريب مليشياته وتسليحهم بالأسلحة الثقيلة. وكلفت مشايخ النفط بإغراقه بأطنان من الذهب والدولارات حتي أنه يعتبر من أغنياء مصر المعدودين .
ليس هذا هو الدور الوحيد للمال الخليجي في مصر بل أن دوره أكبر بكثير. فبراميل النفط انخرطت فعليا في التخريب علي الأرض نيابة عن إسرائيل وطبقا لبرنامج الذي حددته لها خاصة في التجسس علي اي مقاومة ومحاولة شراء الأفراد والقيادات المحلية وتجنيد العملاء لصالح إسرائيل .
حتي أن إسرائيل تكلمت عنه كحلم تحقق هذا الحلم الذي حققته إسرائيل هو كابوس يعاني منه الشعب المصري في الحرب التي تشنها إسرائيل في مجالات كثيرة ليست مقتصرة علي الجانب العسكري فقط بل أن الجانب الاقتصادي أهم منه. وعمليات التخريب الفكري والأخلاقي لشعب مصر يقوم بها النفطيون العرب أكثر من إسرائيل بكثير .
تعـــــويم النظــام المصري
رغم أهمية سيناء من الناحية الإستراتيجية الا أن المشكلة العاجلة هي مشكلة تعويم النظام وإنقاذه من السقوط، وهو مجهود مستمر منذ عامين تقريبا.
وتبذل فيه إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج ومؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصناديق السيادية لدول النفط كلها تحاول تعويم النظام اقتصاديا وتسديد نفقاته المتضخمة للغاية بفعل الفساد والرشاوي وابتزاز العملاء المحليين لسادتهم الأجانب. حيث أنهم أدركوا خطورة الدور الذي يلعبه النظام المصري لصالح إسرائيل. وأنه لا بديل عن نظام السيسي لأن القادم سيكون أسوأ بكثير على المصالح الأوروبية والإسرائيلية إذا استطاعت المقاومة الشعبية فرض إراداتها واستعادت مصر من الاحتلال الأجنبي المباشر وغير المباشر .
يشير اتجاه الأحداث في مصر الى أن القرار الإسرائيلي الأمريكي هو تقسيم مصر الي عدة أجزاء أهمها سيكون نظام السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة التي ستكون هي مركز الدولة وشعارها ووجهها العالمي والراية الجامعة لعملاء إسرائيل في مصر .
فطالما هي موجودة فيستمرون في خدمتها أما إذا سقطت فسوف يتفرقون .
دولة العاصمة الإدارية يحاولون توسيع نطاقها الجغرافي علي قدر الإمكان حتي تبدو مقنعة، ولا تكون مضحكة لشعب مصر وباقي شعوب العالم.
فالعاصمة الإدارية الحالية صغيرة جدا يحاول السيسي تضخيمها بمشاريع تافهة تنبئ عن إفلاس وسخافة تفكير، مثل بناء مجمع إديان يحتوي علي أكبر مسجد وأكبر كنيسة ومعبد يهودي، وأكبر سارية علم و يبني ثاني أكبر ملعب كرة قدم في أفريقيا. ولا ندري إذا كانت مساحة العاصمة ستكفي لذلك.
فالعاصمة ليس فيها مطار ولا ميناء بحري. وكل ما تحتويه من تكنولوجيا هو غابة ضخمة من أجهزة الكمبيوتر تحتوي علي معلومات عن أفراد الشعب المصري وأسرار مصر ، وتلك أهم مقتنيات العاصمة .
القناة وحدود مصر
منذ عام تقريبا تجري عملية كبيرة لتأمين قناة السويس من بورسعيد وحتي السويس بعمق عدة كيلوا مترات داخل الأراضي المصرية علي الضفة الغربية. ويقال أن هناك مشروع لإقامة سور وحواجز تمنع الوصول إلي القناة .
في الحقيقة سيكون ذلك السور هو آخر حدود مصر الشرقية وستكون القناة في هذه الحالة تابعة لسيناء أي لإسرائيل.
ويتولي إدارة سيناء شكليا حكومة العميل “عرجاني” وتحرسها مليشياته في استحكامات. أي “خط الشیخ عرجاني” كبديل لخط بارليف القديم .
الشيخ عرجاني سيكون رئيسا لجمهورية عشائر سيناء الموالية لنظام السيسي وبهذا تتسع رقعة الجمهورية الانفصالية الجديدة، لتشمل سيناء وقناة السويس في ثوبها الجديد فتتسع بذلك دولة السيسي أضعاف كثيرة وبالتالي تزداد أهميتها الجيوسياسية ما يبرر الاعتراف الدولي بها كحكومة شرعية لمصر و مسؤولة عن كل شئ فيما عدا الدیون الخارجية ومشاكل شعب مصر.
سيتم دعم الجمهورية الإنفصالية الجديدة بشريط إسرائيلي بطول النيل يأخذ ذلك الحيز الجديد من الضفة الغربية للقناة لتدفعة إسرائيل إلي جنوب مصر وصولا إلي أقصي مدي ممكن من جهة الصعيد.
القطاع التوراتى للجمهورية الإنفصالية
ويكون لذلك الشريط متسع في إتجاه النيل أو يكون ملاصقا له إذا أمكن حسب الظروف السكانية وطبيعة مقاومته.
أهمية هذا الشريط في شرق النيل ولنسميه مثلا “القطاع التوراتي للجمهورية الأنفصالية الجديدة” أنه من أراضي إسرائيل الكبرى التي نصت عليها التوراه من النيل إلي الفرات.
يتبقي لشعب مصر والذي بلغ تعداده مائة وعشرة ملايين أو أكثر خمسة في المائة من أجمالي أرض مصر وهو ما سمح به العسكر حيث أن أراضي مصر كلها تحت إشراف الجيش ولا يمكن لاي شخص أو جهة أن تتصرف فيها بدون إذنه.
ولكن عمليا فإن الجيش هو الوحيد الذي يبيع أراضي مصر المتبقية لصالح دول وجهات أجنبنيه بدون علم الشعب أو مراقبته أو تحويل هذه المبالغ إلي ميزانية الدولة. أو بمعني ثالث أن خمس وتسعين في المائة من أراضي مصر هي ملك للعصابة العسكرية الحاكمة .
وقد بيعت بالفعل حسب مصادر موثقة. أن أراضي مصر قد بيعت لجهات أجنبية إما كتمليك أو لإقامة مشروعات اقتصادية غير معلومة أو لإقامة مقابر للنفايات النووية والبيولوجية حتي أصبحت مصر حرفيا أكبر مقبرة في العالم لنفايات أسلحة الدمار الشامل، التي لا تمتلك مصر منها شيء، وهذا يشمل الصحراء الغربية وصحراء سيناء .
نبدأ أولا بصحراء سيناء لأنها علي وشك أن تستخدم كمنفى إجباري للفلسطينيين سواء من غزة أو الضفة أو أراضي 48 .
قامت إسرائيل بتجهيزها ليس فقط لتلبية احتياجاتها لدفن نفايات البيولوجية والنووية بل أيضا لتلغيم الأراضي للمهاجرين وقتلهم علي مدي معقول لا يثير الشبهات.
لن يجد الفلسطينيون في غزة أرضا تصلح للسكنى أو الاستغلال الاقتصادي بدون اصابة المدنيين بإصابات قاتلة بالإشاعات والنفايات البيولوجية.
بل أيضا فإن إسرائيل كانت تعمل بنشاط لسحب المياه الجوفية من سيناء إلي داخل صحراء النقب في قنوات تحت الأرض وهي كميات كبيرة من أجود الأنواع. وربما أتمت ذلك المشروع وأوصلت المياه إلي صحراء النقب وبالتالي لن يبقي أمام رعايا جمهورية ” العرجاني” الجديدة التابعة لنظام الجمهورية الانفصالية برئاسة السيسي الا أن يعتمدوا علي ترعة السلام التي تنقل مياه النيل إلي إسرائيل.
تخصص “مياه السلام” هذه لسكان سيناء من الفلسطينيين وأهالي سيناء ونوعية المياه سيئة وكمياتها قليلة لن تكفي تلك الأعداد التي سوف تزدحم بها سيناء .
باستغلال سد النهضة ستتمكن إسرائيل من التحكم بكمية الماء الذي ستسمح بدخولها إلي مصر بسعر مناسب وتقسيمها داخل مصر بين المناطق الإدارية وهي العاصمة الإدارية وسيناء وباقي مصر وذلك طبقا لشروط سياسية تحددها إسرائيل تسلب الاستقلالية من جميع المصريين.
أراضي لا تصلح للحياة
يقول الخبراء بعد حرب غزة أن ذلك القطاع لم يعد قابلاً للحياة البشرية. ومهما كان الأمر فأن ذلك الوضع مؤقت ويحتاج إلي عدة سنوات وعدة مليارات من قطر لإعادة الحياة إلي ما كانت عليه من فقر ولكنها حياة علي أي حال، وقطر قادرة علي دفع التكاليف.
أما مصر فهي غير قابلة للإصلاح بالمرة لأن الفساد والتخريب طال جميع الجزئيات والتفاصيل فلم تعد الزراعة قابلة للإصلاح والأرض مليئة بالنفايات الكيميائية وليس ممكنا نقل السكان إلي أماكن صحراوية. فالموارد المائية غير كافية وجميع مصادر الثروة من معادن ونفط وغاز تم بيعها لجهات أجنبية من دول وشركات والصناعة لم تعد موجودة، وحتي الحرف اليدوية باتت شبه منقرضة. والتعليم مستواه تحت الصفر، والشعب المتدين أصبح غير متدين.
وتمكنت إسرائيل من تهويد الاسلام بواسطة الحركة الماسونية الإسلامية الجديدة التي أصبحت هي التيار الغالب والمسيطر بدلا عن السلفية والوهابية التي استمرت لحوالي قرن حتي سلمت الراية إلي الصهيونية الإسلامية بكل سلاسة بل وانصاعت لها بحماس. والثقافة العامة اختفت لصالح الإسفاف.
وكما يريدون تهجير الفلسطينيين إلي صحراء سيناء يخططون لتهجير كامل العرب إلي الصحاري. وقالوها مرارا “سوف نعيد العرب إلي الصحراء التى جاءوا منها”
بما يعني طرد العرب من المنطقة ويبدو أن الإسلام خرج منها قبلهم كما ظهر في أحداث غزة حيث تفاعلت جميع الأمم ما عدا العرب.
أما المسلمين الصهاينة فقد أكتفوا بالسلبية، والدعاء بأن يخرجوا من “الفتنة بين الظالمين” سالمين.
من المفترض أن يهاجر عرب الشمال الأفريقي حاملين خيامهم إلي جنوب الصحراء الكبرى ليعيشوا بين الشعوب المسلمة هناك.
وقد سبقتهم جيوش فرنسا وأمريكا وبريطانيا إلي هناك لتهيئة البيئة لاستقبال المهاجرين العرب وشل فاعليتهم. وحصرهم في مجال البؤس الأفريقي والصراع العرقي مع الباقين علي الموارد الشحيحة للغاية .
اهل مصر عليهم الإختيار بين أن يعبروا الصحراء الكبرى ويدخلوا أفريقيا مع اخوانهم في المغرب أو أن يعبروا إلي السودان ولن تتركهم إسرائيل هناك طويلا، لأن المطلوب تفريغ السودان أيضا من العرب حتي يصبح العالم العربي عالما غير عربي، بعد أن أصبح عالما غير إسلامي .
سمحت السعودية بمقدار لا بأس به من هجرة المصريين إليها حيث عملوا هناك طبقا للشروط الإسرائيلية ورؤية 2030 للأمير منشار الدين (بن سلمان).
فآلاف النساء والبنات يعملن هناك في مشاريع الترفيه. وأعداد ضخمة المهاجرين المصريين وجدوا لأنفسهم مكانا في الصناعات الترفيهية التي ينفق عليها المال النفطي السعودي بكل سخاء .
يظن سكان السعودية أنهم حصلوا علي طبقة من العبيد والجواري والغلمان نتيجة الغزوات الصليبية الإسرائيلية. وسوف تتلوها هجرات أخري من فلسطين ولبنان وسوريا، كما حدث عندما غزا التاتار المسلمين وفرار الملايين منهم ليباعوا كعبيد فى بلاد إسلامية أخري مثل بغداد ودمشق والقاهرة.
فنحن الآن أمام أكبر هجرة بشرية تعرضت لها بلاد المسلمين منذ الغزو التتاري بعض العبيد هذه المرة يفرون إلي دول النفط الإسلامية.
لعمل في صناعة الدعارة والخدمة الإجبارية. ولكن حتي سكان الخليج هم في قائمة المطلوب تهجرهم إلي الصحراء بمطالب صريحة من أمريكيين وإسرائيليين كبار.
فإسرائيل تري أن الجزيرة العربية هي أرض يهودية وقد أحضروا الملايين من الهنود لاستعمار السواحل والمدن والقيام بالأعمال الإدارية والإنشائية تمهيدا لطرد العرب من تلك البلاد وإخلائها من الإسلام تماما وإقامة حكم هندوسي مؤقت تحت السيطرة اليهودية الإسرائيلية .
وعلي أهل سوريا اختيار صحراء مناسبة لهم. فلن تسمح لهم تركيا بالمرور إلي أوروبا ولن ترضي أوروبا. فتركيا منذ عهد السلطان سليم الأول قد حددت وجهتها الحضارية كخط دفاع متقدم للحضارة الغربية ضد أى بوادر لتحرك إسلامى قد يهدد أوروبا من جهة المشرق الإسلامي .
هذا الجدار الدفاعي الأوروبي ضد العرب والمسلمين يصبح أكثر مناعة كلما تمدد على الشواطئ العربية حتى يكتمل الطوق ويغلق القفص على قطعان الدجاج العربي وتلتحم شواطئ تركيا مع فلسطين ومصر وحتى مضيق جبل طارق، عندها تصبح أوروبا أكثر أمنا وتستعيد مجدها الروماني القديم.
وهكذا توجه التوسع التركي إلي الشرق والجنوب وليس إلى الغرب. وتوقف الزحف التركي على أوروبا، وانقلب إلي الشرق لمحاربة المسلمين : سواء العرب السنة أو الشيعة الإيرانيين.
طلب العرب العز في غير الإسلام فأذلهم الله، وتداعت عليهم الأمم كما تتداعى على القصعة أكلتها.
بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، فطوبي للغرباء ـ حديث شريف .
الرسائل بين الملك الفرنسي لويس التاسع والسلطان الملك الصالح أيوب سنة
(647 هــ / ص437 ) السلوك.
من لويس إلى السلطان :
وأنه غير خاف عنك أن أهل جزائر الأندلس يحملون إلينا الأموال والهدايا ، ونحن نسوقهم سوق البقر ونقتل منهم الرجال ونرمل النساء ، ونستأسر البنات والصبيان ، ونخلي منهم الديار ، وقد أبديت لك ما فيه الكفاية ، وبذلت لك النصح إلي النهاية ، فلو حلفت لي بكل الأيمان ، ودخلت على القسوس والرهبان ، وحملت قُدَّامي الشمع طاعة للصلبان ، ما ردني ذلك عن الوصول إليك ، وقتلك في أعز البقاع عليك ، فإن كانت البلاد لي ، فيا هدية حصلت في يدي ، وإن كانت البلاد لك والغلبة علي، فيدك العليا ممتدة إلي. وقد عرَّفتك وحذرتك من عساكر قد حضرت في طاعتي ، تملأ السهل والجبل ، وعددهم كعدد الحصي ، وهم مرسلون إليك بأسياف القضاء.
فلما وصل الكتاب إلي السلطان وقرئ عليه ، أغرقت عيناه بالدموع واسترجع ــ قال إنا لله و إنا إليه راجعون.
من السلطان إلى لويس:
فكُتِب الجواب بخط القاضي بهاء الدين زهير ابن محمد ، كاتب الإنشاء ونسخته بعد البسملة وصلواته علي سيدنا محمد رسول الله وله وصحبة وسلم أجمعين :
أما بعد فإنه وصل كتابك ، وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك. فنحن أرباب السيوف، وما قتل منا قرن إلا جددناه ، ولا بغي علينا عاد إلا دمرناه ، فلو رأيت عيناك ـ أيها المغرور ـ حد سيوفنا وعظم حروبنا وفتحنا منكم الحصون والسواحل، وأخربنا منكم ديار الأواخر والأوائل، لكان لك أن تعض على أنا ملك بالندم ، ولابد أن تزل بك القدم ، في يوم أوله لنا وآخره عليك. فهناك تسئ بك الظنون .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )