وحدة الدفاع الجوي بعد وحدة الدفاع عن المضائق (2)
وحدة الدفاع الجوي بعد وحدة الدفاع عن المضائق (2)
سحب الوحدات السوفيتية وأثره علي الدفاع الجوي المصرى
يقول الفريق سعد الشاذلي:
بحلول منتصف عام 1972 كان من الممكن القول أن الدفاع الجوي قد وصل إلى مستوى مقبول ، وفجأة وقع ما لم يكن في الحسبان عندما قرر الرئيس السادات دون أن يستشير أحدا من رجال القوات المسلحة طرد جميع الوحدات السوفيتية الموجودة في مصر في يوليو73 .
كانت جميع الوحدات الروسية التي في مصر هي وحدات تقوم بواجب الدفاع الجوي ، حيث كان السوفييت يقومون بتشغيل 30 %من الطائرات ميج 21 التي تقوم بواجب الدفاع الجوي، وكانوا يقومون بتشغيل 20 %من كتائب الصواريخ أرض جو SAM كما كانوا يقومون بتشغيل الغالبية العظمي من الوحدات الألكترونية وكانت بعض المعدات الالكترونية ممتلكات سوفيتية متطورة، لم يوافق السوفييت علي بيعها لنا علي اعتبار أنها درجة عالية من السرية .
وهكذا غادرت هذه المعدات الالكترونية مصر مع الوحدات السوفيتية ، وقد أثر قرار سحب هذه القوات السوفيتية علي قدراتنا في الدفاع الجوي تأثيرا كبيرا ، ومع ذلك كان من الواجب علينا أن نعمل بجد لتخفيف هذا الأثر بقدر المستطاع. لقد استطاعت قوات الدفاع الجوي (أقصد وحدات الصواريخ أرض جو SAM ) أن تهيئ الأفراد المُدَرَبين اللازمين لتشغيل كتائب الصواريخ التي كان يقوم الروس بتشغيلها وذلك بحلول نهاية 72 أما القوات الجوية فقد عانت مرة أخري من المشكلة القديمة، وهي زيادة عدد الطائرات علي عدد الطيارين، وقد دفعني هذا الموقف لأن أطلب من كوريا الشمالية أن تمدنا بعدد من الطيارين المدربين علي قيادة طائرات الميح 21 فاستجابت لهذا الطلب وأرسلت لنا 20 طيارا وصلوا إلي مصر في شهر يوليو 73 ، ولهذا الموضوع قصة .
الطيارون الكوريون في مصر :
في خلال مارس 73 كان نائب رئيس جمهورية كوريا الديمقراطية في زيارة رسمية لمصر ، وكان يرافقه في الزيارة الجنرال زانج زونج (zang zong) نائب وزير الدفاع الكوري الذي أبدى رغبته في أن يزور جبهة قناة السويس، وفي يوم 6 من مارس توجهت معه الي الجبهة وفي خلال الرحلة أخذنا نتناقش ونتبادل الرأي في الموضوعات العسكرية، وقد تحدثت له عن متاعبنا بخصوص إعداد الطيارين وأن لدينا ميج 21 أكثر مما نستطيع تشغيله، ولا سيما بعد أن سحب السوفييت حوالي 100 طيار كانوا يقومون بتشغيل 70 طائرة ، ثم انتهزت الفرصة وقلت له (تري هل يمكنكم أن تمدونا بعدد من طياري الميج 21 ؟ أن ذلك سيكون ذا فائدة مشتركة للطرفين. من ناحيتنا فإنكم ستحلون لنا مشكلة النقص في الطيارين وتساهمون في الدفاع الجوي، ومن ناحيتكم فإن طياريكم سيكتسبون خبرة قتالية ميدانية. لأن الإسرائيليون يستخدمون نفس الطائرات ويتبعون نفس التكتيكات التي ينتظر من عدوكم المنتظر في المنطقة أن يستخدمها ويتبعها. سألني عن عدد الطيارين الذين نحتاج اليهم ، فقلت له : إننا لا نتوقع منكم أن تملأوا الفراغ الذي تركه السوفييت ولو أنكم أرسلتم سربا واحد لكان كافياً . وإذا احتاج الأمر مستقبلا لإرسال سرب آخر، فأنه يمكن بحث ذلك فيما بعد . كنا نتناقش كعسكريين ولكن كنا نعلم جيدا أن هذا الموضوع يحتاج إلي قرار سياسي من الطرفين، وقد وعد كل منا الآخر يبذل جهده في إقناع الجانب السياسي عنده لاتخاذ القرار المطلوب.
لم أجد أنا أي صعوبة في إقناع وزير الحربية، ولكنه أخبرني بأنه سوف يستأذن أولا الرئيس الجمهورية، وبعد ذلك بعدة أيام وافق الرئيس السادات علي الفكرة وجلست أنتظر الرد الكوري بعد حوالي أسبوعين من رحيل الوفد الكوري عاد الجنرال زانج زونج مرة أخري إلي مصر وأخبرني بأن الرئيس الكوري كيم إيل سونج (Kimil song) وافق هو الآخر ولكنهم يدعونني إلي زيارة رسمية إلي كوريا لمعاينة الطيارين بنفسي قبل أرسالهم إلي مصر، وفي يوم 2 من إبريل 73 رحلتي إلي بيونج يانج (piong yang ) عاصمة كوريا الشمالية .
كانت رحلتي تمر بشنغهاي في الصين نظرا لعدم وجود أية خطوط جوية مباشرة إلي بيونج يانج ولذلك قررت الحكومة الصينية مشكورة أن تستضيفني لمدة ثلاث أيام قبل أن أصل بيونج يانج يوم 6 من إبريل. لم تكن زيارتي للصين رسمية ومع ذلك فقد احتفي الجانب الصيني وبالوفد المرافق لي إحتفاء كبيراً ، فقد أقام رئيس أركان حرب القوات المسلحة الصينية حفل عشاء علي شرفي تبادلنا خلاله الأراء حول بعض الموضوعات العسكرية والسياسية، كما نظمت لي بعض الرحلات الترفيهية فقمت بزيارة سور الصين العظيم في أقصي الشمال، وزرت الملاجئ العديدة التي أعدتها الصين لمقاومة أي هجوم نووي، كما زرت مترو أنفاق بكين الجديد والعديد من المتاحف .
أن البساطة والاعتماد علي النفس وإنكار الذات التي لمستها في الشعب الصيني وفي قيادتة السياسية خلال إقامتي القصيرة في الصين ستبقي دائما من الذكريات الحية التي لا يستطيع الزمن أن يمحوها من الذاكرة .
استقبلت في بيونج يانج إستقبالا حماسيا وأحيطت الزيارة بهالة كبيرة من التكريم والتشريف كنت أينما ذهبت سواء كان مؤسسة عسكرية أو مصنعا في مغارة داخل الجبل.. الخ ـ أقابل بالآلاف من الناس يرحبون ويغنون ويلوحون بالأعلام، وبعد هذا الاستقبال الحار يبدأ الأفراد في استعراض خبراتهم وفنهم الذي كان يزيدني إثارة وفي إحدي الزيارات حضرت بيانا عمليا عن ضرب النار تقوم به وحدة من الشابات الصغيرات ، كن صغيرات الحجم حتي اعتقدت إنهن دون الخامسة عشرة ولكن قيل إنهن في الثامنة عشرة أو أكثر ، كانت نتائج تدريبهن ممتازة وعندما قمت بتفقدهن بعد إنتهاء المشروع التدريبي قلت لهن إني أشكركن علي ما أظهرتنة من كفاءة في ضرب النار وليس عندي ما أستطيع أن أعبر به عن تقديري سوي أن أهديكن تلك (البيريه) التي ألبسها ثم خلعت (البيريه) القرمزية الخاصة برجال المظلات والتي كنت ألبسها أثناء الزيارة وسلمتها إلي قائد الوحدة .
القوة ضروية لفك الحصار عن غزة وإنقاذ أهلها
وانهاء جولة الحرب الحالية
تمخضت محكمة العدل الدولية فولدت فأرا ميتا علي صورة قرار لا يفيد الفلسطينيين بشئ .
فهمته إسرائيل علي أنه تفويض لها باستمرار العدوان، وكذلك فهمته أمريكا وزادت عليه أن أرسلت شحنات جديدة من الطائرات الأحدث والأشد فتكاً في العالم من طراز إف 35، وإف 15، ومروحيت الأباتشي .
كما أوصت إسرائيل بألا تستخدم في غزة قنابل ثقيلة بل تكتفي بالقنابل الأقل حجما وتبدو تلك مجاملة لطيفة منها لمحكمة العدل الدولية و مشاركة في رفع المعاناة عن شعب غزة في حرب هي تقودها وتشعل نارها.
العدل الدولية طلبت من إسرائيل تقديم تقرير بعد شهر عن الإجراءات التي اتخذتها بخصوص وقف الإبادة الجماعية. أي بعد أربعة أشهر من بدء الحصار والقصف الهمجي والإبادة الجماعية. وعلي شعب غزة أن يصبر وينتظر التقرير اليهودي الذى يراه بعينه فى كل دقيقة.
لن تنجو غزة من الهلاك ، طالما أن كتائب القسام وسرايا القدس تحكمهما قطر بقرار سياسي من قيادة حماس (حمامة السلام وإسهال المبادرات الإنسانية والمسالمة)، بعدم استهداف (ديمونا) أو (ميناء حيفا) وهي الأهداف تؤدي إلي وقف سريع للحرب. تاركين تلك المهمة ليقوم بها الجناح (الشيعي الشرير)، أي إيران و اليمن وحزب الله. حتي تقصفهم أمريكا وإسرائيل بأسلحة دمار شامل أو بالسلاح النووي كما كان الإسرائيليون يهددون قطاع غزة في بداية الحرب .
ولكنهم قرروا إبادة غزة بطريقة “رحيمة” كالتي تجري الآن وهي طريقة “الموت بالتنقيط”، بوسائل متعددة هي القصف والتجويع والأمراض والأوبئة المجهزة في المعامل العسكرية ) .
أن الأسلحة التي أرسلتها أمريكا في صفقة الطائرات الأخيرة والذخائر التي تتطور يوماً بعد يوم ولم يشهدها العالم من قبل ولم يسبق استخدامها في أي مكان هي استعدادات للحروب القادمة بعد حرب غزة .
أولها حرب ضد حزب الله في لبنان، يليها حرب ضد سوريا، ثم إيران والعراق هذا إلي جانب حرب تدور منذ سنوات وأشهر، تشارك فيها تركيا ودول من حلف الناتو ضد مصر وليبيا والسودان والصومال، بشكل غير معلن ولأهداف لا يعلمها إلا قادة الحركة الصهيونية العالمية .
وعليه، إما أن يلزم محور المقاومة (الشيعي) جانب الحذر، فلا يتورط في ضرب الأهداف الحساسة في إسرائيل من أجل أن تتوقف الحرب فورا في غزة. وفي هذه الحالة /علي الأغلب/ فإن غزة سوف تسقط بفعل المجاعة والظروب المعيشية، وليس بفعل الحرب. فتلك المقاومة البطولية والصمود الأسطوري قد يتوقفان فجأة نتيجة السكته المرضية أو المجاعية.
عندها سينقل الصهاينة في (تل أبيب) غزة كنموذج للدمار يرعب كل قرية عربية وإيرانية .
الحل الآخر هو أن يغامر محور “المقاومة الشريرة” بوضع استراتيجيتة الخاصة، بعيدا عن قادة حماس، وفك الحصار عن غزة والتي لا تعني بالضرورة إجتياحهم إسرائيل، بل فقط ضرب مواقعها الحساسة وكما ذكرنا فهي: مفاعل ديمونا وميناء حيفا .
والذي سيحدث نتيجة لذلك هو انتقام أمريكي بشع، وهو أمر سوف يحدث علي أي حال إما بالجملة أو “بالتنقيط” قبل أن تسحب قواتها من المنطقة، إذ يجب عليها سداد متأخرات ديونها لليهود. وأن يكون الدفع على حساب المسلمين ومن دمهم وثروات بلادهم ومصير شعوبهم ودينهم.
الفارق هو الموت الرحيم كما يحدث في غزة أو الموت بقنابل ثقيلة العيار موتا سريعا وربما نوويا .
تعددت الأسباب والموت واحد ولكن الموت البطئ سوف يصاحبه إذلال ثقيل للغاية، وطويل المدى وربما أبدي.
ولكن النظام في إيران، ليس كمثل النظام العسكري المصري الذي فرض علي شعبه شعار(عيش ندل، تموت مستور) أي عش نذلا تموت ذليلا. وهو الأنسب ليكون شعارا لجامعة الدول العربية. وفى المستقبل القريب لمنظمة التعاون الإسلامي، إلا إذا نقلوا مقرها من السعودية إلى جنوب أفريقيا الأكثر قربا من الإسلام وهموم المسلمين وقضاياهم.
ولكن شعار النظام والشعب في إيران هو الشعار الحسيني الشهير/ المجهول والمرفوض عقائديا من العرب / (هيهات منا الذِلَّة).
– بهذه الطريقة وبالقيادة السياسية لحماس فإن خسارة المسلمين لمعركة غزة تبدو مؤكدة إلا أن يُحْدِث الله معجزة ما .
فالسقف السياسي لحماس تحدده قطر وتحالف حماس الإستراتيجي ومحورها الأساسي يتمثل في قطر ومصر وتركيا وتنظيم “زعران الشام” .
ذلك هو بالتحديد معسكر الهزيمة والخيانة.. وقل ماشئت .
– الخيانة الحقيقية هي أن يَترُك المسلمون للقادة السياسيين في حماس زمام قيادة القضية الفلسطينية، بل مصير الإسلام والمسلمين في اليوم التالى لحرب غزة. فهم ليسوا أكفاء ولا مؤتمنون على تلك المهمة.
فلسطين قضية إسلامية تتعلق بكل مسلم وليست فقط قضية وطنية. وإن كنا نتمنى أن يقودها شخصية فلسطينية مجاهدة قوية مثل قادة “الطوفان” العسكريين.
– يكفي المسلمين جريمتهم العظمى بتركهم مكة والمدينة وجزيرة العرب أجمعها فى يد عملاء الاستعمار الذين حولوا الجزيرة وبلاد الحرمين إلى مركز عالمي لليهود والموبقات الأخلاقية . فالجزيرة وما بها من مقدسات في مكة والمدبنة ليست مسائل سيادة وطنية لأنظمة خائنة مرتدة عن الدين، ودول بلا سيادة، ينتهكها الأعداء على مدار الساعة منذ عقود ولأكثر من قرن.
كل مسلم بعينه مسؤول عن تلك الجريمة واستمرارها. فليس المسؤول ملكاً بعينه أو ولي عهد محدد، فجميعهم مسئولون وتجب معاقبتهم بحدود الشريعة. وإلا فجميع المسلمين شركاء معهم في نفس الجريمة. وسوف يشرب الجميع من كأس غزة ولكن بلا بطولة أو أبطال.
– محور المقاومة لا ينبغي أن يترك القوى العالمية الموازية والبديلة تقف موقفا متفرجاً من أحداث الشرق الأوسط. فإذا غرق محور المقاومة غرقت تلك القوى بالضرورة.
فهي منطقة حساسة تؤثر علي أمن روسيا والصين أيضاً.
فالمعركة القادمة المتوقعة بين محور المقاومة وأمريكا بأسلحتها التي تنتمي إلي الخيال العلمي وحرب النجوم مضاف إليها عجائب الحرب السيبرانية .
والتطور المذهل في الذكاء الاصطناعي كل ذلك يهدد الأمن القومي لروسيا والصين ولا مناص لهما من الانخراط في صراع الشرق الأوسط ودعم الفلسطينيين عبر محور المقاومة .
وحتي لا يسقط الشرق الأوسط بشكل سريع عليهم دعم الدفاعات الجوية لمحور المقاومة ليصل إلي مستوي معقول في مواجهة الإجتياح الأمريكي/ الإسرائيلي المتفوق تكنولوجيا .
بغير ذلك فإن سقوط غزة سيعقبه سقوط محور المقاومة. وسيعاد إحياء حرب أوكرانيا بوتيرة أشد وتكنولجيا متطورة للغاية .
أما الصين فستكون قد تخلفت تكنلوجيا في المجال العسكري وفي إختبار الحروب الحديثة المعقدة للغاية وبالتالي ستكون فقدت تايوان إلي الأبد بل سيكون التحدي بعد ذلك هو الدفاع عن البَرْ الصيني ضد الإجتياح الأمريكي القادم من تايوان، او مدعوم من التحالف الذي تقوده أمريكا ضد الصين عالمياً خاصة في منطقة المحيط الهادي .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )