السجلّ الأسود لجيش باكستان وواجبُ العلماء
السجلّ الأسود لجيش باكستان وواجبُ العلماء
أسستْ باكستان بعدما ضحّتِ الآلاف من المسلمين بأرواحهم، وساهم في تأسيسها كبارُ العلماء الذين كانوا يحلمون أنْ يكون للمسلمين بلدٌ مستقل يُطبّق فيه العدلُ والإنصاف، ويسود فيه الشرعُ، وتعلو فيه كلمةُ الله، ويكون فيه المسلمُ حرًّا آمنًا، متمتّعا بحقوقه في ظلّ رأية واحدة وغاية واحدة.
والآن بعد مرور أكثر من سبعة عقود من تأسيسها إنْ سأل سائل: هل يُطبُق العدل والإنصاف في كافّة مناطق باكستان؟ هل تسود فيها القيمُ السامية للشرع؟ هل يتمتع جميع مكوّنات الشعب بحقوق متساوية؟ هل المواطن المسلم في هذا البلد آمنٌ في مدنه وأقاليمه؟ هل الثروات توزّع بعدل وإنصاف بين مختلف مكوّنات الشعب؟
لا شك أنّ الأجوبة ليست إيجابية. لأنّ باكستان التي أسستْ لأجل غاية عظيمة وقعتْ منذ بداية أيامها بيد جنرالات لا يستسلمون لعدل الشرع، ولا يخضعون لقيم الجمهورية التي يدّعون اتباعها؛ جنرالات لم يُنصفوا أهل بنغلاديش؛ فانفصلتْ بين ليلة وضحاها، ولا شك أنّ انفصال بنغلاديش كان ورائه غيابُ العدل والانصاف، حيث شعر أهلها أن الجيش يستولي على خيراتهم وثرواتهم ثم يُحرمهم من أبسط حقوقهم المشروعة!
وليس خافيًا على أحد أنّ هؤلاء الجنرالات هم الذين مهّدوا الطريق في عصرنا للإمريكان وحلفائهم لاحتلال أفغانستان وتدميرها خلال العقدين الماضيين، كما ساعدوا على اعتقال أمراء الجهاد ضدّ الاحتلال الصليبي وتسليمهم إلى أعداء الأمّة من أجل مكاسب عاجلة؛ وشاركوا أيضا في قصف المناطق القبائلية شمال باكستان وقتلوا الأطفال والنّساء والأبرياء هناك امتثالا لأوامر الغرب، وليس خافيًا على أحد أيضا أنّ هؤلاء الجنرالات يحملون في سجلّهم الأسود من عهد الطاغية الجنرال برفيز مشرّف جرائم بشعة أبشعُها كارثة جامعة حفصة والمسجد الأحمر في إسلام آباد التي راحتْ ضحيتها المئات من الطالبات البريئات بغير ذنب، ولا يخفى على الشعب الباكستاني والعلماء والإعلاميين أنّ بأوامر هؤلاء الجنرالات يتمّ اختطاف المئات بل الآلاف من المواطنين منذ عقود في بلوشستان، ولا يُعلم مصيرُهم، بحيث لا تعرف زوجةُ أحدهم متى تنتهي عدّته؟ ولا يدري الولد متى يعود والده المخطوف، ولا تدري الأمّ متى يعود ابنه المفقود، وهل هو حي أو ميت؟
المؤسف أنّ هؤلاء الجنرالات المتسلّطين على السلطة وعلى رقاب البلد اليوم مثل دأب أسلافهم لا يسيرون بسفينة باكستان نحو اتجاه صحيح، فهم لا يُنصفون، ولا يعدلون، أمّا الشرع فهم بعيدون عن تعاليمه وقيمه الراقية بُعد المشرقين، ولا يعرفون لحلّ المشكلات والشكاوي الاجتماعية للشعب إلا طريقة واحدة وهي القمع والاختطاف بدل العدل والحوار والإنصاف، وهم في عصرنا – والعدو القديم لباكستان متربص بها- يريدون حل مشكلات بلوشستان وشكاوي أهلها بنفس الطريقة التي كانوا أرادوا حل شكاوي الشعب البنغالي بالأمس البعيد، وهي القمع والاختطاف والاغتصاب بدل العدل والحوار والانصاف، ولا شك أنّ هذا هو السبب في لجوء الكثير من الشباب الغاضبين الساخطين من الفقر والحرمان والجور في بلوشستان إلى الجماعات الانفصالية المسلحة؛ فماذا يُتوقّعُ من شابّ يشاهد أنّ ثروة الغاز تنتج من منطقته ويتمتع بها سكّان أبعد قرية في المناطق الأخرى في باكستان، بينما لم يزلْ غالب سكان منطقته محرومين من هذه النعمة، وإذا رفعوا شكواهم حُبسوا واختطفوا وقتلوا من غير محكمة!
ثم في هذه الواقعة الأخيرة التي قام الجيش الباكستاني والمحللون التابعون له بدعايات واسعة النطاق بأنّه استهدف مسلحين مخالفين في هجومه الصّاروخي على مدينة سراوان/ إيران، لم يكشف الجيش للمواطنين داخل البلاد ولا للمجتمع الدولي عن تفاصيل القتلى، ولم يذكر أنّ هذا القصف الأعمى قتلَ ثلاث نسوةٍ وأربعة أطفال أيضًا، ولا شك أن قتل الأطفال والنّساء جريمة شرعّا وعرفًا.
لسنا مع العصبية القوميّة ولسنا مع حمْل السلاح ضد حكومة باكستان، لكن إنْ كان هناك متهمون كما يروّج جنرالات الجيش، فالحلّ ليس اختطافُهم وقتلُهم خارج دائرة المحكمة، وإنْ كان هناك معترضون فالحلّ ليس قصفُهم وسجنهم وحبسهم أو قتلهم ورمي جثثهم في البوادي والبراري، وإن كان هناك مسلحون فليس من العدل والإنصاف قتل أطفالهم ونسائهم عند استهدافهم.
لا شك أنّ واجب العلماء في هذا البلد يكون عظيمًا وأن مسؤوليتَهم تكون ثقيلة نظرا إلى هذا السجلّ الأسود من سلسلة الجرائم والأعمال المغايرة للقيم الشرعية التي يحملها جنرالات جيش باكستان معهم في تاريخهم القديم والجديد، وأن أدنى ما يرجوه الشعب من العلماء أن يكونوا على الأقلّ ناصحين ينصحون هذا الجيش بالعدل والإنصاف، وأنْ يكونوا آمرين يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن الجور والجرائم التي يفعلونها، وإلا تفعلوه تكنْ فتنة وفسادٌ كبير
بقلم :
أبو عبدالله البلوشي
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )