التاريخ لايفيد (2) .. طوفان دمياط و تبادل الأسرى
التاريخ لايفيد (2)
(صفحات من كتاب مصطفى حامد “التاريخ لايفيد” – قيد الإعداد)
طوفان دمياط و تبادل الأسرى
“في عام 617 هــ”
نتكلم عن معارك الفرنجة مع المصريين في دمياط في الحملة الصليبية السابعة الذي قادها الملك الفرنسي (لويس التاسع). ذكر(المقريزي) في كتابة المسمي (السلوك في معرفة الدول والملوك ).
أنه في ذلك العام (616) هجري قاتل الفرنجة أهل دمياط وسيطروا عليهم وحولوا جامع دمياط الي كنيسة. تم ذلك في ظل أسوأ ظروف مرت بالأمة الإسلامية حتي ذلك الوقت وربما حتي الآن. فقد هوجمت من جميع الأطراف.
– الفرنجة في أقصي الغرب يلتهمون ممالك الأندلس الإسلامية .
– وفي أقصي الشرق ظهر التتار ونشبت معارك بينهم وبين مملكة خوارزم الواقعة في آسيا الوسطي (حاليا أوزبكستان ـ تركمستان ـ قرغيستان و شمال أفغانستان) وكانت مملكة خوارزم من أقوي ممالك المسلمين. بعد أن ضعفت الخلافة العباسية وتقسمت الإمبراطورية العباسية إلي ممالك لا سلطة للخليفة العباسي عليها بل أن بعضهم صار أقوي منه ومن الخلافة نفسها .
مثل مملكة خوارزم والدولة الفاطمية في مصر وبعدها الدولة الأيوبية فالجميع كانوا أقوي من دولة الخلافة التي انتهي أمرها علي يد(هولاكو) ملك التتار الذي إقتحم رجاله قصر الخليفة العباسي وهو منغمس في حفلة للرقص والغناء. وكان يبكي علي راقصته المفضلة التي قتلت بسهم أطلقه جنود التتار المهاجمين الذين انتزعوا الخليفة وهو يبكي علي المغنية الشهيدة وليس على أمجاد المسلمين الضائعة. وقد عاشت الخلافة العباسية أكثر قليلا من خمسة قرون حتى سقطت بهذه الطريقة المهينة.
هولاكو وصف ذلك الخليفة بأنه “خسيس النفس حريص علي جمع الأموال” وبالفعل كان الخليفة يطرد الجنود لتوفير الرواتب حتي يصرفها على (الترفيه والجواري) و كان سفيها ودنئ النفس.
لم تقف الكوارث علي الأمة الإسلامية عند حد سقوط الخلافة العباسية والزحف الفرنجي علي الممالك الإسلامية في الأندلس .
فقد زحف الفرنجة علي الشام و أقاموا عدة مستعمرات صليبية علي الشواطئ يرأس كل واحدة منها ملك له جيشه الخاص ويأتيه متطوعون من أوروبا لاستكمال البرنامج الصليبي المعلن وهو تحرير القدس من المسلمين واستعادة قبر المسيح منهم . ولكن ظهر بعد عقود استعمارية صليبية أن الهدف كان إقتلاع الإسلام نفسه كدين والمسلمين كأمة .
فامتدت الحروب الصليبية وانتشرت الإمارات الصليبية في الشام حتي وصلت إلي حدود العراق ومدينة دمياط في مصر.
فأنبعث الشعور الجهادي بين المسلمين فظهر الأيوبيون في العراق. وتمكن صلاح الدين من توحيد مصر والشام ومن ثم فتح القدس.
وقام المسلمون في شمال أفريقيا الذين هزموا بعد سقوط الإمارات الإسلامية في الأندلس علي أيدي الفرنجة فانبعثت بينهم حركة جهادية أصولية علي يد الفاطميين الشيعة وصلت بهم إلي تأسيس مملكة قوية شملت المغرب العربي ومصر التي أصبحت قلب الخلافة الفاطمية ومخزن قوتها البشرية والمالية. وامتدت الدولة الفاطمية حتي أخذت جزءا كبيرا من بلاد الشام و جزيرة العرب واليمن بكاملة .
تنبه الفرنجة (الفرنسيون) وباقي أمم أوروبا إلي خطورة مصر وضرورة احتلالها حتي لا تصبح وبالا عليهم وتهدد وجودهم الاستعماري في الشام .
وأول من أخذ الأمور بجدية كبيرة كانوا الفرنسيون “الفرنجة” الذين هاجموا دمياط واستولوا عليها بعد معارك شديدة مع جيوش مصر التي كان يحكمها ا الأيوبيون من أبناء صلاح الدين بعد وفاته عام (589 هجرية). وكان صلاح الدين قد حرر القدس في عام (583 هجرية ) فأكسب حكم الأيوبيين مشروعية دينية مكنتهم من منافسة الخلافة العباسية بل استوعبوا الخلافة باستدعاء الخليفة إلى القاهرة مما دعم مشروعية حكمهم في الشام ومصر بل وأبعد من ذلك إن أمكن.
فكلن الحكم الأيوبى (الكردي) هو أكبر المستفيدين من سقوط خلافة العباسيين في بغداد ومن بعدهم استفاد المماليك (من أصول شركسية) من غياب الخلافة (العربية) فاقاموا لهم دولة في مصر على أنقاض الدولة الأيوبية و ورثوا منها الخليفة العباسي كمجرد رمز يثبت مشروعية حكمهم. وتك نقطة حساسة ضربت المجتمع المصري في الصميم وسالت لأجلها الدماء أنهارا.. وقد نتحدث عن ذك في “التاريخ لايفيد” آخر إذا ظل في العمر بقية.
رغم ما حققه صلاح الدين من أمجاد فى تحريره القدس. بعد جهود مضنية وصراع مرير مع الدولة الفاطمية حتي استولي على مصر. وبنى الدولة الأيوبية بديلا ًعنها سنة 567 هجرية. ولكن أبناؤه واخوته فرَّطوا في القدس، بسبب صراعاتهم على الحكم، فأعادوها إلي الصلبيين بدون قتال، في مقابل أن يقوم ملك الفرنجة ومعه الإمبراطور (فريدرك) الألماني بمناصرة الممالك الأيوبية في الشام ضد الملك الأيوبي في مصر .
(طوفان دمياط)
يقول المقريزي أن عام 617 هجرية قد بدأ وانتهى بينما المسلمون والصليبيون في حرب مستمرة في دمياط وما حولها براً وبحراً .وكان يحكم مصر وقتها الملك الأيوبي (الكامل ناصر الدين) ــ إبن الملك العادل.
ويبدو من كلام المؤرخين أن موقفه العسكري أمام الصليبيبن فى دمياط ، كان ضعيفاً لولا أن هب المصريون في صحوة جهادية قوية زلزلت جيوش الفرنجة في دمياط حتي قال المقريزي عن ذلك أن العامة أي (المصريين العوام) كانوا أشد نُكراً علي الفرنجة من جيوش العسكر ” أي عسكر السلطان ” رغم أن الفرنجة والمصريين حشدوا أعدادا هائلة من الجنود. وأن قوة الفرنجة قد اشتدت بعد أن تلقوا تعزيزات من البحر فأشتد القتال بينهم وبين المصريين براً وبحراً. (فقد أجتمع من الفرنجة والمسلمين مالم يعلم حصره إلا الله) حسب قول المقريزي .
أضطر الفرنجة في النهاية إلي طلب الصلح من المسلمين ولكنهم وضعوا شروطاً تعجيزية مثل أن يستعيد الفرنجة ما أخذه صلاح الدين منهم بما فيه القدس وبلاد الساحل في الشام.
ومنَّ الله على المسلمين بأن فاض النيل في ذلك الوقت وأغرق معظم الأرض التي دخلت عليها جيوش الفرنجة وعزلتهم عن دمياط .
فحاصرهم المسلمون وقامت القوات البحرية للمسلمين بإغراق سفن الفرنجة فانهارت معنوياتهم. فكانت هزيمتهم العسكرية كاملة ولا مجال أمامهم لفرض أي شروط على المسلمين.
وحضر القساوسة الفرنجة ومعهم الرهبان إلي دمياط لتسليمها إلي المسلمين، فسلموها ( يوم الأربعاء في التاسع عشر من رجب الموافق 28 أغسطس 1221 ميلادي ).
الرهائن: ضمان لتنفيذ الاتفاق
تبادل المسلمون والفرنجة الرهائن لضمان تنفيذ الاتفاق. ورهن الفرنجة عشرين ملكاً من ملوكهم. فقد أشترط عليهم المسلمون أن يكون رهائن الفرنجة من الملوك. فكان من الرهائن يوحنا صاحب عكا ونائب البابا. بما يدل علي أن الكنيسة كانت طرفاً في الحرب في نظر المسلمين. الكنيسة كانت هي الطرف المقابل في الحرب علي المسلمين أكثر من دول أوروبا .
(كما هو الحال في حرب غزة حاليا فأمريكا هي الطرف المحارب للمسلمين أكثر من اليهود أنفسهم).
في المقابل أرسل الملك الكامل حاكم مصر إليهم كرهينة، إبن الملك الصالح نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين). ويبدو أنه كان منافساً للملك الكامل وكان ينوي التخلص منه علي أي حال.
فكانت تلك اول بادرة للصراع الأيوبى المريرعلى الحكم ما أدى إلى ضياع القدس عل مذبح عداوتهم .
تقررت الهدنة لمدة ثمانية سنين علي أن يطلق كل طرف جميع مالديه من أسري وكانت مدة استيلاء الفرنجة علي دمياط سنة وعشر أشهر.
وما عجز الفرنجة على أخذه من الملك (الكامل الأيوبي) أعطاه لهم بنفسه عندما صار ملكا علي الشام ضمن (عملية إعادة تموضع) داخل البيت الأيوبى الكبير الذى يحكم مصر وعدة ممالك في الشام. بصفته ” الملك الكامل” عميداً للبيت الأيوبي كله فى سنة 1636 .
وصل الإمبراطور الألماني (فريدرك) ومعه ملك الفرنجة إلي عكا. وقام باستدعاء الملك الكامل لمطالبته بتنفيذ وعده بتسليم القدس لفريدرك. ولكن الملك الكامل مات وتولي مصر من بعده أبنه الملك العادل أبوبكر بن أيوب ، وأضطر ” العادل” في ظل تحالف العائلة الأيوبية في الشام مع الإمبراطور فريدرك وملك الفرنجة .
مقابل أن يسلمهم ملوك الشام القدس بلا قتال ومن مصر أرسل الملك العادل إلي الخوارزميين طالبا منهم أن، يتحالفوا معه ضد ملوك الشام المتحالفين مع الصلبيين وأن يدافع المصريين مع الخوارزميين عن القدس.
فكان لذلك قصص أخري وقعت التاريخ لايفيد آخر .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )