ذات يوم (29)
صاروخنا الحبيب وذكاءه الاصطناعي
كانوا مجموعة من الشباب في بداية العشرينات من العمر لم يحضروا حرباً قبل ذلك، ولكن شاهدوا بعض من حضر الحرب السوفيتية من أبائهم وإخوانهم الكبار .
وكما هي عادة الأفغان كان هؤلاء الشباب يتحرقون شوقا إلى الجهاد وطرد جيوش الكافرين من البلد .
فتطوعوا في كتيبة الاستشهاديين وهي كتيبة لصفوة المقاتلين تتلقي أعلي التدريبات المتوفرة لدي المجاهدين تحت رعاية (خليفة صاحب) وزير الداخلية الحالي ونجل العالم والقائد العظيم (مولوي جلال الدين حقاني).
وشارك في العمليات الإستشهاية وقضي فيها شهيدا (نجل أمير المؤمنين مولوي (هبة الله ) .
كان التسابق هائلا نحو الشهادة والتطوع في تلك الكتيبة فخراً للمتطوع و لأسرته وقبيلته كلها وتكون جنازتة عرساً للولاية وفخراً لها وحافزاً إضافيا للشباب بأن يتطوعوا في تلك الكتيبة .
وفي الحقيقة كانت أعمالهم التكتيكية غاية في الدقة والقوة فلم تقتصر علي العمل الإستشهادي بل رافقها هجمات صاعقة علي أهداف العدو العسكرية وحطموا مراكز منيعة للاستخبارات كانت مخفيه وعالية الحراسة ، مثل القرية الخضراء في كابل .
واقتحموا قاعدة (شوراب) الجوية البريطانية في هلمند والتي من المستحيل مجرد الاقتراب منها .
فهي محمية بوسائل تكنولوجية متطورة جداً، وطبيعة جغرافية منيعة عبارة عن صحراء جرداء لا يمكن إيجاد ساتر فيها لمسافات طويلة .
فدخلوها وحطموا الطائرات وقتلوا الطياريين والفنيين. وصادف أحد الإستشهاديين “الأمير هاري” ولي عهد بريطانيا وهو خارج من دورة المياة مرتبكاً وغير مستعد لالتقاط صور عارية كعادته في بلده، أو رؤية أحد من المهاجمين بعد أن سمع إطلاق النار عن مسافة قريبة. وقد ذكرنا ذلك الحادث في مناسبة سابقة .
هؤلاء كانوا نفس الشباب الاستشهادي الذين هم في بداية العشرينات من العمر وليس لديهم تجربة قتالية سابقة .
كانت المجموعة الاستشهادية كالعادة في مثل تلك المجموعات القتالية تربطهم علاقات صادقة قوية للغاية، ولا يتنافسون في شيء إلا التنافس فيما بينهم لأجل الخروج إلى العمليات الأخطر ، حتي خطرت لأحدهم فكرة عجيبة. وهي أن العديد من العمليات الاستشهادية يمكن إنجازها بدون تعريض هؤلاء الشباب إلي الاستشهاد .
وكانت فكرته هي استخدام الصواريخ في الهجمات المعقدة لضرب الأسوار أو تدمير نقاط الحراسة، أو حتي رمي شحنات كبيرة من المتفجرات داخل المعسكرات والمخازن التي تحتوي ذخائر وأفراد.
تفجير تلك الصواريخ إن لم يكن كافيا لإنجاز المهمة كلها فسيكون بداية لشن هجوم صاعق بعد التفجير لاستكمال المهمة المطلوبة .
عرض الشاب فكرتة الجريئة علي قائد كتيبة الإستشهاديين فأعجب بها وأمره بتنفيذها علي الفور، رغم علمه بالحاجة إلى الإجابة عن كثير من المعضلات الفنية والعلمية.
ولكن الشباب في ذلك السن، ومثل تلك الظروف ،لا يعتقدون أن هناك شيء مستحيل لأن أصعب الإحتمالات هى الشئ الذي يبحثون عنه تماما وهو الموت والشهادة في سبيل الله .
فبدأوا عملا لا يهدأ لعدة أشهر واستعانوا بكل من يمكنه مد يد العون من بين المجاهدين أو الأفراد العاديين من ذوي الخلفية في فنون الصناعة والعلوم.
ولم تبخل عليهم كتيبة الإستشهاديين بالدعم اللازم والمعرفة .
– ولكن أفراد الكتيبة من الشباب جعلوا من صاحب الفكرة الذي هو مدير المشروع الحالي اتخذوه عدوا لهم وإعتبروه عائقا في طريقهم نحو الشهادة ودخول الجنة .
قال له أحدهم في أحد الأيام : سوف أشكوك إلي الله لأنك عطلت طريقي إلي دخول الجنة . وظهر أنه يُعبِّرعن رأي عدد كبير من أفراد كتيبة الإستشهاديين الذين لاحظوا أن العمليات الإستشهادية قد هدأت منذ أن ظهرت فكرة إستخدام الصواريخ بديلا عنهم .
قرروا في النهاية أن يرفعوا الأمر إلي المستويات العليا في شكوي ضد فكرة الصواريخ والاستغناء عن الإستشهادين .
وعند إصداره للحكم قال لهم: أنه يؤيد فكرة الصواريخ ، فلا داعي لأن يغضبوا منها، فمن كتبت لهم الشهادة منهم فسوف يلاقيها علي أي حال. ورغم أن الحكم أصابهم بصدمة وخيبة أمل الا أنهم تقبلوه منتظرين ما سوف تأتي به الأيام .
– إنتهي مدير المشروع من أعداد النسخة الأولي من الصاروخ للتجربة ونقلوا الصاروخ في سيارة (بيك اب) وهو مفكك إلي أجزاء .
ويقول المخترع أنه في البداية كانت تلك الأجزاء ثقيلة جدا وخطيرة وحساسة وقابلة للإنفجار عند الإصطدام .
لأجل هذا جلس هو وصديقة في السيارة (البيك اب) وكل منهم يحمل جزءا خطيرا من الصاروخ ويحيطها بذراعيه حتي إذا اصطدمت السيارة بشئ فتتلقي ذراعيه الصدمة وتحمي الصاروخ من الإنفجار .
يقول عن ذلك اليوم: أنه كان يحمل تلك الأجزاء الكبيرة المتفجرة وهو يخشي علي سلامة الصاروخ ولا يخشي منه على سلامته الشخصة.
– قال “كنت أشعر أننى أحمل إبنى الصغير حديث الولادة “. نزل الجميع لتجربة الصاروخ. قائد المشرع تحرك إلى منطقة التجربة ومعه مساعده فقط وبقي الآخرون علي مسافة بعيدة يترقبون النتائج بفارغ الصبر.
ضغط مدير المشروع علي زر الإطلاق فتململ الصاروخ وتحرك إلي أعلي وأرتفع لعدة أمتار وكأنه صاروخ حقيقي .
مساعد القائد قفز فرحا وهو يكبر ويقول: ( الله أكبر.. كأنه صاروخ اس 400).
وما كادا يكمل جملته حتي أمسك قائد المشروع بيده وقال له أجري بسرعة أنه عائد إلينا مرة أخري.
فنظر المساعد بسرعة فوجد أن الصاروخ يعود إليهم . بعد أن قرر الا يغادر أصحابه الأعزاء . نجي الشابان بمعجزة من الحادث وهما يتدحرجان بعيداً عن موقع الإطلاق، وأصيبا بخدوش وأسرع باقي الزملاء اليهما للأطمئنان فوجدوهما بخير. ولكن شعورا مخفياً بالشماتة والسعادة بفشل التجربة ساد بين صفوف الإستشهاديين وصافح بعضهم بعضا.
ولكن قائد المشروع لم ييأس و واصل إدخال التحسينات العلمية والفنية حتي وصل إلي صناعة النسخة الجديدة من الصاروخ الذي أسماه (عمر1)
كان مظهر الصاروخ لا يوحي بالجدية، فشكله الخارجي أشبه بخزانة الملابس الشعبية وليس الصاروخ. ويفتقد إلي الأناقة المعهودة والشكل الإنسيابي الذي تتميز به الصواريخ في العادة .
هذه المرة نجحت التجربة وأرتفع الصاروخ بشكل معقول وقطع مسافة ظنوا أنها تكفي لإنجاز أي مهمة معروضه عليهم.
كان في تفكير المجموعة موقع معادي محصن داخل أسوار كانوا يفكرون في إقتحامه وتفجيره وكان جزء من سلسة مواقع منتشرة على هضاب متتالية. بحيث تشكل تحديا خطيرا أمام المجاهدين يعرقل جميع أمالهم في عبور المنطقة والتقدم فيها .
في اليوم المحدد للعملية أخذوا الصاروخ ونصبوه تحت الحصن مباشرة. واتخذت باقي المجموعة مواضع للهجوم بعد أن ينفجر الصاروخ داخل الحصن طبقاً لخطة موضوعة سلفاً .
قائد سلاح الصواريخ الشاب المخترع أطلق صاروخ (عمر1) الذي قام بأداء مذهل إذ طار إلي مستوي أعلي من السور بقليل ثم مال على جانبه داخلا إلي ساحة الحصن حاملا في مقدمته مائتين وخمسين كيلو جرام من المواد شديدة الإنفجار.
والذي حدث بعد ذلك كان سلسلة متتابعة من المعجزات الحقيقية. أولا لأن تحليق الصاروخ الإنتحاري لم يكن يشبه في شيء تحليق الصاروخ العادي. بل يشبه ضفدع آلي ضخم يققز ولا يطير.
فقفز فوق السور ودخل إلي الموقع العسكري وسقط فيما يبدو فوق أكداس ضخمة من الذخائر . وحدث انفجار كانه انفجار نووي إستمر متتابعا فيما يقرب من نصف ساعة وفي الحال إنفتحت أبواب الحصن ليخرج مئات الجنود المذعورين تسبقهم سيارات عسكرية تحمل الضباط الكبار.
ثم شاحنات تحمل الجنود والجميع يفرون بأقصى سرعة، وسط صيحات من الرعب والفوضي التي يصعب تصويرها. لم يعد هناك حاجة إلي شن هجوم علي الموقع فقد تم تدميره تماما وسقط عدد كبير من الجنود قتلي وجرحي وفرَّ الباقون. الشئ السيئ أنه لم يتبق أي غنائم فقد تم تدمير كل شيء. جميع المعدات والذخائر والغرف ، فكانت تجربة مكررة لتفجير (هيروشيما) النووي فى اليابان.
المفاجأة الآخري كانت من النوع المُرَكَّب وغير المعقول فسلسلة الحصون المتناثرة فوق التلال، وهى علي درجة القوة والتحصين مثل القلعة الأولى ، جميعهم فتحوا الأبواب وخرجوا بالشاحنات والسيارات في فرار كبير دفعة واحدة وبلا إتفاق مسبق خوفا من يصيبهم صاروخ مماثل.
فوقعت جميع الحصون سليمة بغنائمها كاملة في يد الاستشهاديين الذين لم يجرح منهم أحد. وبهذا أصبح قائدنا المخترع هو أول قائد كبير لسلاح الصواريخ في حركة طالبان وواصل تطوير صواريخ عمر وتزايدت الأرقام من واحد إلي أثنين إلي ثلاثة …إلي ماشاء الله .
– أن صاروخ (بركان) الذي طوره حزب الله في لبنان وضر به تحصينات إسرائيلية على الحدود كان مشابها لصاروخ عمر الذي إبتكره صاحبنا في أفغانستان فهو ذو رأس متفجر ضخم وشكل يفتقر إلي التجانس ويشبه خزانة ملابس شعبية، ولكنه أقل حجما من زميله الأفغاني. فظننت لوهلة أن صاحبنا ذهب إلى هناك خاصة وأنه كان قد حزم أمتعته (أو صواريخه) وكان يعتزم الذهاب إلى جنوب لبنان ليذيق الإسرائيليين ويلات صواريخه الإستشهادية.
وظهر من تأثير”بركان” أنه كان فعالاً، ولكن ليس إلي الدرجة الإعجازية التي وقعت في أفغانستان .
المجموعة المرحة التي إبتكرت الصاروخ عمر وجربتة ثم طوروه سجلوا عن الإفتتاحية الإعجازية لصاروخهم الإستشهادي .
فيقول أحدهم : أن الصاروخ الأول كان يتميز بالذكاء الاصطناعي الذي لم يكن معروفاً لأحد في ذلك الوقت .
وأنه إرتبط بنا عاطفياً كثيرا حتي أنه في المرة الأولي لم يطق البعد عنا وقرر العودة إلينا. وكأنه شعر بخيبة أملنا فيه فقرر في المرة الثانية أن يعوض ما سببه لنا من حرج فقفز من فوق السور ولم يحلق كثيراً في الفضاء ونزل علي أكداس الذخيرة بشكل مباشر وكأنه فهم أن الذخائر هي المقصودة بالعملية وتوجه اليها وفجَّر نفسه فيها نيابة عن إخوانة الإستشهاديين .
لقد أحببنا الصاروخ عمر كثيرا . وهو أيضا أحبنا ولم يخذلنا وحقق معنا نتائج عظيمة خاصة في عمليتنا الأولي .
حيث تمكنا بصاروخ واحد من فتح سلسلة حصون منيعة بدون أن نخسر فرداً واحداً. وكان ذلك العمل قد يستغرق منا عدة شهور وعشرات الشهداء. منذ ذلك اليوم لا نستطيع الإفتراق عن صواريخ عمر سواء في التطوير أو الاستخدام. وأزعم أن صواريخ (إس/400) الروسية لا تستطيع أن تحقق إنجازا مشابها لما حققه صاروخنا الحبيب.
إن الارتباط العاطفي والمحبة بين المجاهد وسلاحه هو حقيقية واقعية ذات تأثير عملي يعرفه المجاهدون.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )