استراتيجية أفران الخبز في غزة
استراتيجية أفران الخبز في غزة
دور الحصار في خنق المقاومة
وأخيراً توقفت أفران الخبز في غزة ولم يعد في استطاعة أحد أن يحصل علي رغيف واحد . فقد أعلنت المخابز أن الوقود قد نفذ لديها وقبل ذلك كانت تحذر من قرب نفاذ الدقيق .
حاولت إسرائيل بواسائل عسكرية منع سكان غزة من تناول الخبز وقصفت تجمعات المواطنين أمام المخابز . وحولتهم إلي عجين من اللحم البشري اختلط مع الخبز الساخن ، ولكن المخابز مع ذلك لم تتوقف ولم يتوقف المواطنون عن التجمع أمامها بحثاً عن لقمة خبز للأطفال.
ولكن نجحت إسرائيل فى إقفال المخابز بواسطة الحصار ومنع الوقود عن القطاع بعد أن فشلت وسائلها العسكرية في ذلك .
فلا وقود يعني لا خبز ولا علاج ولا برادات للموتي ولا تشغيل غرف العناية المركزة في المستشفيات التي تفتقد حتي إلي أدوات التخدير فتجري العمليات الجراحية الخطرة وعمليات البتر بدون مخدر .
– لا يدرك أحد مثل سكان غزة مدي قوة الإرتباط بين شعب غزة ومجاهديها فكلاهما يعيش في نفس الظروف ونفس المشكلات لهذا قد يتعرض المجاهدون لمخاطر ضخمة بأن تستعمل إسرائيل ضدهم إستراتيجية أفران الخبز أى إسقاط مقاومتهم بالحصار بإعتبار أن غزة تحولت إلي محرقة كبيرة وفرن واسع الأرجاء .
فشلت الآله العسكرية اليهودية في كسر مقاومة المجاهدين كما فشلت في كسر عزيمة شعب غزة ودفعه إلي الإستسلام أو الفرار من مدينتة المهدمة والمحترقة .
لهذا فإنها تشدد الحصار حتي تنهار غزة وتتوقف عن المقاومة كما إنهارت أفران الخبز. فنفس المشكلات التي تحدث فوق سطح الأرض في غزة يحدث مثلها وأشد في خنادق المجاهدين تحت الأرض .
فهم أيضا يفتقرون إلي الطعام والماء والخبز والدواء و يعانون من نفس المشاكل الصحية التي يعاني منها السكان فوق سطح الأرض.
– تراهن إسرائيل أن تصل قدرة الإحتمال لدي المجاهدين والمواطنين في غزة إلي نقطة الإنكسار . قد وصلوا إلي نقطة من الألم يصعب تخيلها ومن المستحيل أن يتحملها شعب آخر .
لهذا فإن إطالة مدة معركة غزة هي هدف للإسرائيلين الآن وليس كما يعتقد البعض أن الجيش الإسرائيلي يسعي دوما إلي معركة سريعة حاسمة .
فهذه المرة الأولي في تاريخهم التي يعتبرون فيها طول مدة الحرب تخدم أهدافهم وليست لصالح العرب .
التحدي الآن هو أن لا يستيقظ العرب والمسلمون ذات صباح فيجدون أن غزة قد توقفت عن الحياة ومات سكانها أو إستسلموا بفعل الحصار أكثر من تأثير الأسلحة الأمريكية المدمرة .
أن معالجة هذا الموقف الحرج هو مسئولية القيادة السياسية العليا منعدمة الكفاءة و الضمير .
والتي تركت شعبها في تلك الظروف القاسية وقعدت في قطر تستجم وتستمتع بالقاء بيانات باردة مثل خطب الجمعة التي يلقيها علماء السعودية ومشيخات النفط . وسلمت أوراق القضية الفلسطينية ومعركة غزة إلى يد قطر التي أجهضت أحلام الشعوب العربية في التغير عام 2011 في أحداث الربيع العربي. فحولت الربيع من محاولة للتغيير إلي إنتكاسة وخيبة أمل كاملة للشعوب غطاها باليأس والخراب .
– أن القيادة السياسية التي تتكلم باسم المجاهدين وثورة طوفان الأقصى والمستقرة الآن في قطر فعلت كل شيء الا الشئ الصحيح الذي هو من صميم إختصاصها في القيادة السياسية . لهذا يجب أعفاء إسماعيل هنية من منصبة تمهيداً لمحاكمتة بعد أن تضع الحرب أوزارها .
فهو لم يقم بواجباتة المفترضة كزعيم سياسي لا قبل الحرب ولا بعدها بل ترك قطر تعبث بمصير الشعب الفلسطيني كما عبثت قبلا بمصير الشعبين المصري والسوري بل سلم قطر و”الإخوة في مصر” أهم مكتسبات عملية الأقصى وهي ورقة الأسرى ما دفع اسرائيل إلى التشدد أكثر في ذلك الملف إدراكا منها ان القيادة الفلسطينية أعجز من أن تتعامل معه فالقيادة “هنية” و التنظيم “حماس” اعتبروها قضية إعلامية وعلاقات عامة تفتح أمامهم طريق الشراكة السياسية في أي تسوية قادمة والذى حدث هو العكس فقد تشددت أمريكا معهم أكثر وتطلب استبعاد حماس من أي تواجد في غزة ويقال أن النوايا تتجه صوب تسليم محمد دحلان وعصابته حكم غزة (أى عمليا تسليم ـ الموساد حكم الفلسطينيين عبر عميلهم دحلان كما فعلوا في حكم الضفة عبر أبو مازن وأجهزتة الأمنية الكثيرة والمرتبطة بالموساد.
– سابقا حاولت قطر التواطؤ مع أمريكا في مفاوضات الدوحة لتحويل مسار القضية الأفغانية من قضية تحرير إلي قضية مصالحة بين الحكومة و حركة طالبان. لولا الموقف الحاسم من الأمارة الإسلامية وتغييرها للوفد المفاوض ودعمه بعناصر أكثر صلابة ووعياً وأقل تجاوباً مع قطر والولايات المتحدة .
– التقصير الثاني لإسماعيل هنية كان أثناء عمليات السابع من أكتوبر التي ظهر فيها الإفتقار إلي الرؤية الإستراتيجية رغم تفوقها الإعجازي في التكتيك وروعة التنفيذ ودقة الأعداد. فعملية طوفان الاقصى كانت عملية من حركة واجدة بلا تكملة لا بالتقدم في العمق ولا بالعودة إلى القطاع بل ترك أمر للاجتهاد الشخصي للمقاتلين بلا خطة مسبقة أو إستراتيجية عمليات مترابطة وما تلى ذلك كانت مبادرات لحظية من القادة الميدانيين في القطاع حتى أن القصف الصاروخى كان يحتاج إلى رؤية سياسية أعمق وإلا فإن الكثير من القصف الصاروخى لم يكن حيويا. خاصة وأن الصواريخ لا يمكن تعويضها إلا بعد وقت طويل جدا من نهاية العمليات.
– قال قائد شهير (أن الحرب أكثر جدية من تترك للجنرالات وحدهم )، ويقصد أن السياسيين لهم دور في المعارك علي الأقل لتحديد المجال الإستراتيجي وتحمل مسؤولية إصدار الأوامر للقوات في الأوقات الحرجة التي تستدعي قرارات مصيرية غير عادية .
مثل المدي التي يمكن أن تذهب إليه الجيوش في تقدمها أو في تراجعها ومثل استخدام أنواع معينة من الأسلحة أو استهداف العدو في بعض الأماكن ذات الحساسية الكبيرة إقليمياً أو دولياً .
في الحرب العالمية الثانية كان قرار لجوء القوات الألمانية إلي الدفاع الثابت علي الجبهة الشرقية أمام روسيا (الاتحاد السوفيتي) سببا فى خسارة ألمانيا الحرب لأن الجيش فقد مرونتة وقدرته علي الحركة السريعة وهو قرار خطير اتخذه هتلر رغم اعترض الجنرالات. كما أن قرار قصف اليابان بالقنابل النووية لم يكن له أي ضرورة عسكرية فهو قرار سياسي أتخده الرئيس الأمريكي (ترومان) بنفسه متوخياً أهدافا نفسية و جيوسياسية لإرعاب العالم من القوة الأمريكية وإجبار الشعوب علي الخضوع لها .
كما أن قرار تدمير البنية الصناعية لألمانيا بعد إستسلامها كان قرارا سياسياً من قادة بريطانيا وأمريكا وليس قرارا عسكريا فقاموا باختراع إستراتيجية القصف الجوي المساحي الذي لا يترك شبراً بدون قصف مثل ما يحدث في غزة الآن. وكان الهدف نفسياً حتي لا يرفع الألمان رؤوسهم مرة أخري ويسلموا بلادهم لاحتلال الحلفاء .
– والآن فإن مصير غزة شعباً ومجاهدين متوقف علي قرار سياسي بقصف مفاعل ديمونة وهو القصف الذي سيوقف الحرب علي الفور بل سيدفع اليهود إلي الهجرة ويوقف كافة إخطارهم المسلطة علي المنطقة العربية.
وهذا قرار لا يمكن أن تتخذه قطر ولا إسماعيل هنية الذي سلم أوراق اللعبة كلها لواحدة من أسوأ الحكومات في العالم العربي . والتي لها علاقات وطيدة مع إسرائيل وأمريكا بل ومتورطة معهما في حرب غزة بشكل مباشر .
التقصير الأول لإسماعيل هنية
– من أكبر جرائم هنية هو عدم التجهيز لعمليات (طوفان الأقصى) بشكل مناسب قبل أن تبدأ بفترة كافية.
من المعروف أن إسرائيل كانت ستلجأ إلي ما تفعله الآن بالضبط فليس في الأمر مفاجأة وبالتالي فإن حصار غزة كان متوقعاً وأن الحرب ستكون طويلة وبالتالي فإن حصار غزة ومنع وسائل الحياة عنها لوفت طويل كان عملاً متوقعاً .
والحل كان قراراً تتخذه القيادة السياسية بإعتبار سيناء عمقاً إستراتيجيا ولوجستيا للجهاد في غزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام .
وبالتالى كان يجب التدخل في مسار الأحداث التي تجري في سيناء وعرضت سكانها إلي إبادة جماعية بأيدى الجيش المصرى وتهجيرهم من سيناء إلي مصر. وكل ذلك كان مقدمة لما سوف يحدث في غزة وطرد سكانها إلى سيناء .
والنظام المصري يصفه هنية علي أنه (الإخوة في مصر) الذين “قرارنا قرارهم” ، فإذا كانت القيادة السياسية علي هذه الدرجة من العمي وعدم فهم الوقائع الكبرى التي تؤثر جذرياً في مصير شعبها .
فكيف يمكن أن تترك في موقع القيادة وهي تري أخطر الأعداء أنهم إخوة سواء كانوا في القاهرة أو الدوحة وبالطبع باقي المشيخات الصهيونية في السعودية ودويلات الخليج العربي. ثم تترك شعب سيناء فريسه لهمجية الجيش المصري و مستشاروه الصهاينة. فمعركة تفريغ سيناء من السكان كان يجب أن تكون معركة فلسطينية في الأساس والنتيجة ما نراه الآن من حصار قاتل هو سلاح للإبادة الجماعية في غزة. بل والخطر الأول لإفشال جهادها وإحباط عملية طوفان الأقصى المجيدة. وتلك ضريبة تسلق القيادات العاجزة إلي المواقع العليا في أوقات التحولات التاريخية العظمي.
إن الدور الذى يقوم به العرب في حصار غزه هو أخطر من دور أساطيل وجنرالات أمريكا و فسفورها الأبيض و صواريخها الثقيلة أو الذكية في تدمير غزة واستهداف مجاهديها.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )