مؤتمر موسكو إنجاز دبلوماسي كبير للإمارة الإسلامية
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة الثامنة عشرة – العدد 214 | ربيع الآخر 1445 ھ – أكتوبر 2023 م .
24-10-2023
مؤتمر موسكو إنجاز دبلوماسي كبير للإمارة الإسلامية
– في حديث مع وكالة الأنباء الروسية، حذر الممثل الخاص للصين في أفغانستان من أي نوع من التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان وقال يوشياو وانغ : إن أفغانستان تتبع سياسة داخلية مستقلة وفقاً لظروفها الوطنية، ولا ينبغي أن يكون أي شيء ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة.
– إن كل المجرمين يحاولون التستر على جرائمهم من خلال اتهام أفغانستان أو توجيه النصائح والأوامر لها أو حتى سرقة أموال الأفغان الفقراء وتجميدها لدى أغنى دول العالم.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
تحميل مجلة الصمود عدد 214 : اضغط هنا
اجتماعات صيغة موسكو للمشاورات بشأن أفغانستان التي عقدت في 29 سبتمبر تحققت فيها قفزة كبرى لدبلوماسية الإمارة الإسلامية.
أداء وزير خارجية الإمارة السيد (مولوي امير خان متقي) كان إستثنائياً وفعالاً؛ سواء في كلمته التي ألقاها في المؤتمر، أو في تصريحاته على هامش الاجتماعات، أو تحركاته بين الوفود المشاركة ورجال الإعلام، أو زيارتة السريعة التي قام بها خلال تلك الرحلة.
وكانت كلمته في المؤتمر -رغم إيجازها- شاملة للوضع في أفغانستان خلال الخمسين عاماً الماضية، وكاملة في توصيف المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد.
الواقع يقول أن أفغانستان كانت هي الضحية على الدوام من أعمال إرهابية أرضاً وجواً أحدثت الكثير من الخراب وأوقعت العشرات من الشهداء بدون رد فعل عالمي، بل ظلت على الدوام هي الجهة التي توجه إليها الاتهامات، رغم أن بعض الدول جاهرت بأنها تدخلت بالفعل في أفغانستان، والبعض الآخر لم يخفف دعمه لجماعات إرهابية تقيم على أراضيها وتتجول بحرية في الدول الغربية الديمقراطية، مهددين شعب أفغانستان بحرب عصابات تطيح بالحكم القائم وتعيد حكومة العملاء الذين فروا مع قوات الاحتلال.
كما لم يضمن اتفاق الدوحة حق أفغانستان في ضمان سلامة أراضيها وأمن سكانها ولم يقدم أي ضمانات لذلك. حتى لم يقدم أي ضمانات لعودة الأموال التي جمدتها الولايات المتحدة واستولت عليها بدون وجه حق وتوزعها على مواطنيها تحت اسم تعويضات عن أضرار حادث الحادي عشر من سبتمبر.
ولم تضمن اتفاقية الدوحة أي تعويضات عن الخراب الذي أحدثته حرب استمرت عشرين عاما وقتلت ما يقارب من خمسين ألف شهيد أفغاني، وإضافة إلى ذلك الآلاف من المعوقين والمصابين، ناهيك عن الدمار الكبير الذي لحق بالقرى والمدارس والمستشفيات والمعتقلين من الرجال والنساء والأطفال الذين تعرضوا للتعذيب وأصيبوا بالصدمات النفسية والعاهات الجسمانية. لم تتكلم الاتفاقية عن هؤلاء كما أنها لم تضمن فصل المعونات الإنسانية عن الضغوط السياسية حيث تتعرض أفغانستان باستمرار لضغوط سياسية باستخدام المعونات الغذائية كأداة للضغط الثقافي ولتغيير شرائعه الدينية المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية والأسرية.
وقد أوجز وزير الخارجية تلك المشكلة بشكل واضح ومختصر حين قال: “واجهتْ أفغانستان خلال نصف القرن الماضي أزمةً سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، وخاصة أزمة الشرعية الداخلية، مما أدّى إلى تحديات عديدة؛ وأثبتت التجارب العلمية والعملية أنّ الجذور الرئيسة لهذه الأزمة هو تطبيق نسخ ونماذج وأوامر خارجية في الشؤون الداخلية، تجاهلتْ جغرافيتنا وتاريخنا وثقافتنا وقيمنا الدينية والاجتماعية”.
وفي إيجاز الوضع الأمني قال الوزير (متقي) في كلمته: “قمنا خلال العامين الماضيين بتسريع وتيرة مكافحة مجموعات الفتنة التي تدربت تحت مظلة المحتلين مع أحياء الأسس السياسية والأمنية والاقتصادية لحكومتنا، وتمكنا من العثور على مخابئ داعش في كامل البلاد. وتحييد آخر محاولات التآمر الكبرى ضد أمن المنطقة بما فيها أفغانستان”.
بالطبع كان ذلك موجزاً طبقا لما يسمح به وقت المؤتمر، وإلا فإن هناك الكثير جداً من أنواع العدوان التي تعرضت له البلاد من الأرض والجو؛ أخطرها تم من جيوش نظامية خاصة من الجارتين باكستان طاجكستان.
إضافة إلى المظلة الجوية من طائرات الدرونز الأمريكية التي لم تنقطع من سماء أفغانستان، ويضاف إليها أحيانا مناطيد التجسس، وهناك تغيير الحدود الدولية التي يقوم بها الجيش الباكستاني مع أفغانستان وإقامته لحواجز حديدية لتثبيت حدود ذلك العدوان.
كل ذلك ولا ضمانات دولية ولاضمانات اتفاقية الدوحة.
وأفغانستان هي دائما المتهم بتهديد جيرانها والعالم وتصدير الإرهاب…
وفي نظره إلى العلاقات الإقليمية قال مولوي (متقي): “لقد حان الوقت لتنفيذ مشاريع الربط الإقليمية التي تركز على أفغانستان. استنادا إلى سياستنا الخارجية الموجهة نحو الاقتصاد، فإننا على استعداد لتقديم جميع التسهيلات اللازمة”.
وأضاف قائلاً: “لقد أصبحت الظروف الآن مواتية لتنفيذ الممر التجاري بين الشمال والجنوب”. وهنا تأتي تصريحات رئيس وزراء الاتحاد الروسي الذي قال: إن روسيا مستعدة للتركيز على توسيع طرق التجارة الأوربية الآسيوية بما في ذلك أفغانستان وجنوب آسيا، ويجب أن يكون من المهم أيضا بالنسبة للدول المجاورة كيفية تأمين مصالحها واستغلال الفرص. ومن الطبيعي أن هذا التعاون الاقتصادي الكبير يحتاج إلى الأمن والثقة بين دول الإقليم وحكومة الإمارة الإسلامية.
وإلى ذلك أشار الوزير متقي قائلا: “لقد شهدت أفغانستان خلال العامين الماضيين بداية علاقات سياسية ودبلوماسية واسعة خاصة مع دول المنطقة، وفي هذا المجال كانت دول المنطقة رائدة جداً ونشكرها عليها”.
وأضاف قائلا: “على سبيل المثال قدمت جمهورية الصين الشعبية رسميا سفيراً جديداً إلى إمارة أفغانستان الإسلامية”.
على الجانب الصيني وفي حديث مع وكالة الأنباء الروسية حذر الممثل الخاص للصين في أفغانستان من أي نوع من التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان وقال يوشياو وانغ: إن أفغانستان تتبع سياسة داخلية مستقلة وفقاً لظروفها الوطنية، ولا ينبغي أن يكون أي شيء ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة.
وقال: أعتقد أن مفتاح حل مشاكل أفغانستان هو التعاون الدولي والإقليمي البناء دون تدخلات أجنبية، وهذه هي النقطة الأساسية.
– وكمثال صارخ على التدخل الأجنبي والذي تمثله السياسة الأمريكية في أفغانستان جاء تصريح في بداية شهر سبتمبر لعضو في الكونغرس الأمريكي ويدعى مايك والتز: “أنه سيتعين على الجنود الأمريكيين العودة إلى أفغانستان في المستقبل ومحاربة الإرهاب”. وزعم أن السبب في ذلك هو نمو الجماعات الإرهابية في أفغانستان.
وفي مؤتمر موسكو قال (زمير كابولوف) الممثل الخاص للرئيس الروسي في أفغانستان: “إنه يتعين على الدول الغربية أن تتحمل العبء الرئيسي لإعادة بناء أفغانستان”. مضيفاً: “أنه لا يمكن السماح لها بالتهرب من المسؤولية عن تدمير هذا البلد الذي أستمر 20عاما”.
– هذا المطلب المنطقي والعادل ينبغي أن تتبناه على الدوام وزارة خارجية الإمارة عند حديثها مع الدول الغربية التي لا تمل من مطالبة أفغانستان بما لا يحصى من المطالب غير المنطقية التي تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية والاجتماعية والدينية لهذا البلد.
– وينبغي أن يكون تعويضات الحرب جزء أساسي من اتفاقية الدوحة التي يجب استبدالها باتفاقية جديدة أكثر عدلاً وتوازناً…
وأفادت وكالة تاس الروسية أن صيغة مؤتمر موسكو التي أعلنت بعد اجتماع الجمعة في قازان بروسيا: أن الأطراف أخذت بعين الاعتبار اقتراح إيران لتعزيز التعاون الإقليمي، فيما يتعلق بأفغانستان من خلال إنشاء مجموعة اتصال لمناقشة القضايا المشتركة.
هذا وكان الممثل الخاص لجمهورية إيران الإسلامية بشأن أفغانستان قد انتقد خلال الاجتماع مواقف بعض الدول بشأن أفغانستان وانتقد في كلمته التدخلات الأمريكية في المنطقة ووصف سياسات الولايات المتحدة في شؤون أفغانستان بأنها خاطئة.
وشدد على الحاجة إلى مزيد من التعاون بين الدول المجاورة للمساعدة في حل مشاكل أفغانستان دون الاعتماد على جهات أجنبية.
وقال زامير كابلوف الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأفغانستان والذي حضر الاجتماع : إن روسيا تميل إلى الاستمرار في مساعدة أفغانستان بشكل مستقل، ومن خلال برنامج الأغذية العالمي.
وقال كابلوف في غمرة حماس مندفع غير متعقل وكأنه مندوب سامي لدولة استعمارية: “إن الإعتراف الدولي لطالبان سيتوقف على شمولية حكومتهم وسجلهم في مجال حقوق الإنسان”.
ومن جانبه قال وزير الخارجية أمير خان متقي: إن الدول الأخرى يجب أن تتوقف عن إخبار الأفغان بما يجب عليهم فعله.
وبالطبع فإن كلام (متقي) يشمل روسيا كما يشمل الولايات المتحدة أو أي دول أخرى؛ فالصداقة مطلوبة ولكن الإملاءات والوصاية مرفوضة. ولكن وزير الخارجية الروسي كان أكثر موضعية من السيد كابلوف وقال في رسالة مكتوبة إلى المشاركين في الاجتماع الخامس لصيغة موسكو للمشاورات بشأن أفغانستان: “أن توحيد جهود دول المنطقة وأعضاء منظمة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) لن يكون ممكناً إلا إذا اعترفت كتلة الناتو بمسؤوليتها كاملة عن النتيجة المدمرة لوجودها العسكري الذي دام 20عاماً في أفغانستان والذي انتهى بفشل ذريع”.
وأضاف لافروف: “إن الدول الغربية التي ألحقت ضرراً لا يمكن إصلاحة بالشعب الأفغاني، يجب أن تتحمل العبء الرئيسي لإعادة إعمار البلاد بعد الصراع”؛ بحسب بيان نشرته وزارة الخارجية.
وأشار إلى أن قرار واشنطن تجميد احتياطات البنوك الأفغانية غير بناء ويؤدي إلى تفاقم الوضع الحالي ويزيد من تعقيد معيشة ورفاه الشعب الأفغاني. كما أكد أن عودة البنية التحتية العسكرية للولايات المتحدة والناتو إلى أفغانستان والدول المجاورة (أمر غير مقبول) تحت أي ظروف.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الدول الغربية ألحقت بالشعب الأفغاني أضراراً لا يمكن إصلاحها. وأكد على أنه يجب على الدول الغربية أن تتحمل العبء الرئيسي لإعادة إعمار أفغانستان التي مزقتها الحرب.
وبدلاً من ذلك جمدت الولايات المتحدة الأصول الأفغانية التي تحتاجها البلاد.
تأتي تصريحات لافروف بعد أيام من ترحيب أوزبكستان بتعزيز تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة.
وقالت وزارة الدفاع في أوزبكستان بعد اجتماع وزير الدفاع مع قائد القيادة الوسطى للجيش الأمريكي (سنتكوم مايكل كوريلا) في طاشقند أن العلاقات الودية بين البلدين في مجال الدفاع (تتعزز) كل يوم.
وأكد بيان الوزارة أن الطرفين بحثا الإنجازات في المجال العسكري وإمكان مواصلة التعاون.
وجدير بالذكر أن قائمة ضيوف المؤتمر تثير الكثير من التساؤل والارتباك وتتعارض مع مواقف وتصريحات عالية لبعض كبار أعضاء المؤتمر. فمثلاً كان من الضيوف ممثلون لم يعرف سبب حضورهم ولم يصدر منهم تعليق مفيد يتعلق بالمؤتمر مثل ممثلوا المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر.
وحضور باكستان إلى المؤتمر وتحريضها الدائم في البيانات الرسمية والتصريحات الصحافية على موضوع الإرهاب القادم من أفغانستان، لكي تغطي على حقيقة أنها أكبر الموردين للدواعش إلى أفغانستان هي والجارة طاجكستان، كما أنها تقيم أمام الحدود (سياجات حديدية) غير شرعية.
وهكذا فإن كل المجرمين يحاولون التستر على جرائمهم من خلال اتهام أفغانستان أو توجيه النصائح والأوامر لها أو حتى سرقة أموال الأفغان الفقراء وتجميدها لدى أغنى دول العالم.
تحميل مجلة الصمود عدد 214 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )