حتي لا يكرر التاريخ نفسه
حتي لا يكرر التاريخ نفسه
تمكنت الولايات المتحدة من إحباط مشروع قرار روسي في مجلس الأمن لفرض هدنة إنسانية تتيح الفرصة لتموين قطاع غزة ببعض مستلزمات الحياة التي يفتقر إليها القطاع الذى أصبح مهدداً بموت جميع سكانه إما بالقصف أو بالأمراض أو بالجوع وهكذا وفرت الولايات المتحدة غطاء دبلوماسيا لإسرائيل حتي تتمكن من إجتياح القطاع عسكريا وإبادة سكانه . و قد أمدتها بما يلزم من ذخائر هي الأشد فتكاً في العالم ليس أشدها الفسفور الأبيض بل هناك أنواع جديدة لم يسمع عنها أحد من قبل في أي حرب والآثار علي الجثث حيَّرت الأطباء وخبراء الأسلحة ولم يجدوا مرجعا للتعرف عليها .
كما أرسلت أمريكا حاملات الطائرات إلي الشواطئ الإسرائيلية لحماية إسرائيل وتغطية عملية إبادة سكان غزة بالقوة العسكرية الأمريكية ومنع أي تدخل ضد إسرائيل من جانب حزب الله أو إيران أو سوريا .
– أي إنها جمدتهم حتي تتيح لإسرائيل الفرصة الكاملة لإبادة غزة بكل حرية بدون خشية علي خاصرتها الرخوة في شمال إسرائيل المهددة بإجتياح حزب الله .
وقد ساهم الطيران الأمريكي في قصف غزة بالذخائر الأمريكية الحديثة كما أرسلت أمريكا 2000 من جنودها لدعم القوات الإسرائيلية التي تتجهز لإجتياح غزة برياً .
والجدير بالذكر أن حاملات الطائرات الأمريكية لم تساهم بشكل مباشر حتى الآن في قصف غزة من الجو ولا في نقل الأسلحة إلي إسرائيل ولكن كل ذلك تم من القواعد الأمريكية في منطقة الخليج وكان لقاعدة العديد دوراً بارزاً في هذا النشاط والمعروف أنها مقر القيادة المركزية الأمريكية .
– في بداية عملية الأقصى، فرَّ الإسرائيليون بطائرات وسفن تركية بدون تأشيرات دخول مع تصريح بالأقامة لمدة ثلاثة أشهر.
ولكن دول الخليج والجزيرة كانوا أكثر نشاطاً في المساهمة في دعم إسرائيل عسكرياً ، فجميع الذخائر الأمريكية الحديثة نقلت بواسطة جسر جوي من القواعد الأمريكية في الخليج العربي إلي مطارات اسرائيل مباشرة.
كما أن الطائرات الأمريكية التي قصفت غزة تحركت أيضاً من تلك القواعد ومعروف أن تركيا لها دور سياسي كبير في هذه الحرب وتتجهز لدور أكبر في قادم الأيام لرسم نهايتها .
– وعلي سبيل المثال عقدت مصالحة بين نظام السيسي وقطاع من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأعادوا جزء منهم إلى مصر تلك المصالحة تعتبر نوعا من تسهيل الإتصال وتقريب وجهات النظر بين نظام السيسي وحركة حماس في غزة .
وقد أنعكس ذلك في خطاب إسماعيل هنية قائد حماس إذ وصف النظام السيسي بأنهم (الإخوة في مصر و موجهاً كلامه إلى(الإخوة في مصر) بأن خيارنا (حركة حماس) هو خياركم (أي خيار نظام السيسي).
وذلك يعطي إشارات مبكرة إلى إتجاه الأحداث لإجمالي القضية الفلسطنية وغزة تحديدا. فعبور السابع من اكتوبر فى غزة ربما ينجرف ليصح في مسيرته السياسية شبيها بعبور السادس من أكتوبر أي أنه ذلك العبور العظيم الذي سيقود إلي اتفاق للسلام كخيار إستراتيجي وهو سلام لن يستدعي نزوحاً لسكان غزة لأنه إذا حدث فسيكون مجرد إستبدال للأرض مقابل المليارات الخليجية والتنمية الاقتصادية وتحويل غزة إلي (هونج كونج) بدون تهجير أحد ، بل سبقي الجميع للحياة في عصر إنفتاح شبيه بما عاشته مصر في بداية عصر السادات الذي أسمي نفسه (بطل الحرب والسلام) وجاء من بعده حسني مبارك الذي أخترع لنفسه لقب بطل (الضربة الجوية) والجيش الذي باع مصر لإسرائيل مازال/ كلما ضاق به الشعب ذرعا / يتغني بأمجاد عبور خط (بارليف) في السادس من أكتوبر رغم أن إسرائيل استبعدت من جيش مصر أي ضابط أو جندي شارك في عبورا القناة وابقت فقط بعض الخونة ممن تواطأوا لإحداث الثغرة التي قلبت مسيرة الحرب لصالح اسرائيل .
لو أنهم كانوا يهوداً
– إفتقدنا كثيراً مشهد علماء الهلوكوست الذين صلوا في مقابر اليهود الذين قيل أنهم قتلوا علي أيدي النازيين في الحرب العالمية الثانية في أفران الغاز المزعومة و الحادث كله مفبرك وقد حذر اليهود الأكادميين والصحفيين من الإقتراب من ذلك الموضوع ومناقشته علنا وفرضوا عقوبات غير معلنة ولكنها رادعة على أي شخص بتشويه سمعته ومصادرة مصدر رزقة ومستقبله المهني .
ولكن مشايخنا الكبار ذهبوا إلي مقابر يهود الهولوكوست و مرغوا جباههم على المقابر تحت تغطية الإعلام الصهيوني وفرحة غامرة وتأيد من منظمة التعاون الإسلامي وإجمالي علماء الماسونية الإسلامية الذين يشكلون التيار الرئيسي للحركة الإسلامية هم الأعلى صوتاً والأكثر قدرة على الحركة والتعبير عن أرائهم المتطابقة مع أراء إسرائيل .
علماء الهولوكوست أفتقدنا مظهرهم الكئيب في غزة، أنهم لم يذهبوا فهم رجس من عمل الشيطان .
لا يحتملة ذلك المكان الجهادي المقدس في غزة ولا شعبها المجاهد الذي لا يماثل باقي الشعوب التي ترحب بالتيار الماسوني الإسلامي وتتفاعل معه.
لأجل هذا لم يظهر منهم أي رد فعل شعبى يحسب له حساب علي ما يجري في غزة وذلك بسبب تأثيرات الماسونية الإسلامية سواء في المستويات الحكومية أو المستويات الشعبية .
مشايخ الهولوكوست لم يشاهدوا ما حدث لليهود في معسكرات الإعتقال النازية فما حدث ليس موثقاً سوي في أفلام (هوليوود).
– لكنهم شاهدوا بلا شك ما يجري في غزة وكيف أن مستشفياتها قد تحولت إلي مقابر جماعية لا يمكنها تقديم أي خدمات لطوفان الضحايا والشهداء الذين يتدفقون عليها طوال اليوم وحتي طواقم الطبية الكثير منهم خسروا حياتهم نتيجة القصف والإستهداف المتعمد .
وشهداء غزة جميعاً دفنوا في مقابر جماعية ومعظمهم لم يتعرف أحد علي هويتهم لأن الوجوه قد تشوهت أو أحترقت وحتي الأجساد تمزقت والأعضاء الداخلية من الجسم قد أحترقت أيضا بفعل الفسفور وقنابلهم الجديدة التي يبدو أنها صممت خصيصاً للفلسطنين وكانت مخزنة في ( دول الخليج ) وهم (دول الخليج) لتغطية جريمة تطبيعهم مع إسرائيل زعموا أنهم ينادون بحق الفلسطيين في دولة مستقلة ويبدو أنهم يريدون دولة فلسطية ولكن بعد إبادة الفلسطينيين .
– يصنع اليهود هولوكوست خاص للفلسطينيين في غزة فأين مشايخ الماسونية الإسلامية الذين سجدوا علي مقابر اليهود ترحماً علي ضحايا هولوكوست المزعزم لليهود. يبدو أن المشايخ الماسون يرون ان جريمة غزة الكبرى هي أن أهلها ليسوا يهوداً.
– يمتد تنظيم هؤلاء المشايخ الماسون من موريتانيا إلي شرق إيران. في موريتانيا إكتشف أحد عباقرة الماسون و أفتي بأن المسلمين يجب الا يلتفتوا إلي الأقصى تاركين شمال سوريا والمنطقة المحررة هناك .
هذا الشيخ يري أن (إدلب أهم من المسجد الأقصى وكائن الأسراء والمعراج تم ليلا من المسجد الحرام إلى (إدلب) وليس من المسجد الحرام إلى (المسجدالأقصي) وأن ثوار إدلب و منذ 11 عاما عندما بدأوا ثورتهم كانوا حلفاء لإسرائيل (جهاراً ونهاراً) وحلفاء لمشيخات الخليج (وحلف الناتو) الذي دعمهم بالمال والسلاح ويغطون خيانتهم للإسلام وفلسطين والمسجد الأقصى بهوس العداء الجنونى للشيعة .
في حين أنهم كانوا ماضون منذ البداية لحرب مذهبية ودينية في سوريا ولبنان بين الشيعة والسنة وبين المسلمين والمسحيين .
لقد توفرت للماسونية الإسلامية حركة جهادية ومناطق محررة بفضل الدعم الأمريكي و الإسرائيلي لهم علي حساب القضية الفلسطنية علي إعتبار أن فلسطين والأقصي هى من البدع الشيعية التي يجب الإبتعاد عنها لأسباب عقائدية. ذلك الإعتقاد الذي جعل من أدلب بديلاً لفلسطين والمسجد الأقصى .
– وفي إيران ظهر شيخ ماسوني آخر يدعو إلي السلام والتطبيع مع إسرائيل وحل الدولتين بين اليهود والفلسطينيين متقمصاً دور حمامة السلام ولكن في وقت متأخر، إذ داهمه طوفان الأقصى فأغرق دعوته الساذجة وخسر إحترام جمهوره وعموم الشعب الإيراني الذي حاول الرجل أن يصور نفسه قائدا لثورة جديدة علي النظام القائم بإعتباره نظاماً متطرفاً ومسئولاً عن تردي الأوضاع الإقتصادية وإنتهاك حقوق المرأة وإجبار الناس علي التدين .
نهاية العرب
إن ما يحدث في غزة الآن من إبادة لن يكون أبدا نهاية الشعب الفلسطيني أو نهاية سكان غزة .
فإن فلسطين وغزة والأقصي أصبحوا رموزاً وعقائد في قلوب المسلمين لن تزول حتي تعود فلسطين إلي المسلمين ويعود معها الأقصى. إن كل شهيد يسقط في غزة هو نعي للشعب العربي كله . ليس فقط نعي لرجولتهم ودينهم بل نعياً لوجودهم البشري نفسه فالجميع مرشحون لإبادة شبيهة لما يحدث في غزة .
نقول هذا بشكل خاص لشعب مصر وشعب السودان وشعب ليبيا وشعوب الخليج والجزيرة فهؤلاء في صدارة القائمة .
من غير المفهوم كيف يدعي أحد الا إذا كان عديم الشعور بأنه عربي أو أنه مسلم أو كيف يدعي أكثر البشر نفاقاً أن هناك ما هو أهم من القدس والمسجد الأقصى أو أرض حتي لو كان ذلك الشخص حاخام يهودياً .
طوفان عسكري بسياسات خجولة
قليلون لاحظوا أن القيادة السياسية في غزة لم تكن في المستوي العسكري الذي حدث . وللأسف فإن ذلك سيؤثر في النتائج النهائية للمعركة التاريخية الجارية حالياً .
فالعمل العسكري مهما كان عملاقاً لا يستطيع أن يتخطي قامة القيادة السياسية العليا مهما كانت متواضعة.
كان ذلك واضحا في حرب 6 أكتوبر في مصر حيث لم يستطع الجنرال الشاذلي بعظمته العسكرية أن يتخطي جهل وغرور ثم خيانة الرئيس السادات وتصوراته عن حل سياسي دائم بالتفاوض مع إسرائيل .
ولم يستطع أن يتخطي الشاذلي جمود قائد الجيش أحمد إسماعيل ولا ذيلية وزير الطيران(حسني مبارك) .
والجميع يذكر كيف بدأ السادات أول خطواته الخيانية بالتخلي عن حليفه السوري والتصرف سياسيا بشكل منفرد بعد الهجوم الذي خاضوه معاً في السادس من أكتوبر.
ومن يومها حتي حين إغتياله ظل السادات فاقدا للمصداقية علي المستوي العالمي حتي بين حلفائه اليهود فلا أحد يصدقه أو يثق فيه .
ولاحظ البعض كيف أن قيادة حماس في غزة تخلت بسرعة عن حلفائها في جنوب لبنان وإيران بشكل مهين لهؤلاء الحلفاء ومتماشياً مع شعارات الماسونية الإسلامية الشهيرة المعادية للشيعة كما أن خطاب هنية المتزلف “للأخوة في مصر” أكد إنطباعا بأن قيادة حماس السياسية تعتبر حليفاً غير موثوق.
وبلا شك أن ذلك سيكون له تأثير حتي علي المستوي الدولي عندما قام إسماعيل هنية بأول ظهور إعلامي له بعد طوفان الأقصى من قطر التي (تستضيف) القيادة المركزية الأمريكية والتي خرج منها الأسطول الجوي الذي يحمل قنابل الفسفور والصواريخ الحديثة لقصف غزة .
لم يقم هنية بزيارة إيران بما يؤكد إتجاه سياسي جديد لحركة حماس التي إعترفت سابقا بافضال إيران ومعوناتها المالية والعسكرية وكان من المفترض أن يطير هنية من الدوحة إلي طهران ثم بكين ثم إلي موسكو للحصول علي دعم دولي من الصين وروسيا للفلسطنيين في معركتهم ضد إسرائيل وأمريكا .
كان يمكنه أن يطالب في بكين وموسكو بالمزيد من تشدد الدولتين إتجاه أمريكا وإسرائيل ولكن الوقت قد فات والثقة في السياسة الفلسطنية قد إهتزت والذي باع أقرب الأصدقاء اليه وأقربهم جغرافيا قادر علي أن يتخلي عن أي حليف آخر .
كان يمكن أن يراهن هنية بضغط فلسطيني فيعرض علي بكين فكرة التلويح بالإستيلاء علي (تايوان) في حال أقدم الإسرائيليون علي إقتحام غزة وكان يمكنه اقتراح أن يلجأ الروس إلي إجتياح (كييف) عاصمة أوكرانيا في حال تجرؤ اليهود والأمريكان علي إجتياح غزة .
بدون تصعيد دراماتيكي للموقف الدولي بواسطة حلفاء دوليون أو بواسطة ضربات المقاومة الفلسطنية نفسها مثل تدمير مفاعل (ديمونه) أو الهجوم غرباً في إتجاه قناة السويس للإستيلاء علي شاحنات المعونات المصرية المنتظرة لأوامر إسرائيل. فتلك الشاحنات هي من حق شعب غزة ولا يمكن تركها في يد نظام السيسي و(الإخوة في مصر) ولا حسابات سياسية بين التنظيم الدولي لإخوان المسلمين ونظام السيسي الذي تحالفوا معه في بداية ثورة 25 يناير وصولا إلي مجزرة رابعة لشباب الإخوان المسلمين وإعتقال عشرات الالوف منهم .
تعطيل الملاحة في قناة السويس أحد التصعيدات الدولية الممكنة كما أن ضرب منشأت الغاز علي أراضي سيناء وفى البحر يعتبر ضغطاً دوليا في مجال الطاقة، كما أن إستيلاء المجاهدين علي العريش يعتبر أجهاضاً لمشروع توطين الفلسطينين لسيناء .
أن طوفان الأقصى هو أسطورة عسكرية ولكنه مثالاً للعجز السياسي (وقصور التصور الإستراتيجي) الذي يجب ألا يحتذي به أحد.
ليس حرصا علي فلسطين بل خوفاً منها
رفضت الدول العربية خاصة مصر والأردن ودول الخليج والسعودية فكرة توطين الفلسطينيين فيها .
وليس ذلك بالطبع حرصاً علي عروبة فلسطين أو حفاظاً علي القضية الفلسطنية بل تحديداً خوفاً من الفكر الجهادي الذي تقدم بسرعة الضوء مع عملية طوفان الأقصى المجيدة .
فقد أصبحت فلسطين والمسجد الأقصى حاضره أمام عيون العرب بعد أن كانوا غائبين عنها ومغيبين بفعل الضغوط الحكومية وإنحراف الحركة الإسلامية .
تخشي الحكومات من أن يأتي الفلسطينيون للعيش بين الشعوب العربية الداجنة، حاملين معهم الأفكار الإسلامية وحب فلسطين والتضحية من أجل المسجد الأقصى وهي أفكار تعني نهاية أنظمتهم وهم مستعدون للتحالف مع الشيطان من أجل القضاء علي تلك الأفكار في عقل الشعب ناهيك عن أن يقوم بنشرها من قاتل وبذل الدماء والأرواح والأموال من أجلها.
لن تقبل الأنظمة العربية ولو بمهاجر فلسطيني واحد من غزة خوفاً مما يحمله من أفكار سياسية ومعتقدات دينية وعشق للجهاد والشهادة في سبيل الله .
ولكنهم يسمحون للآلاف من الجنود الأمريكيين واليهود من دخول بلادهم بكامل العتاد والسلاح تمهيدا لغزو غزة وإستكمال أبادة سكانها .
القوات الأمريكية بلغت حوالي 2000 جندي وصلوا إلي السعودية بهدف حماية منطقة (نيوم) التي يعتقد أن بها مخزونات لمواد عالية السرية والخطورة قد تكون أسلحة نووية ولحماية الجالية اليهودية التي استوطنت السعودية وساحل الخليج العربي.
وصار لهم حاخام عينه الجيش الإسرائيلي وقد ذهب الآن تحت تغطية إعلامية للقتال في غزة ولا ندري إذا كان الجيش الإسرائيلي قد أرسل حاخاما بديلاً عنه.ولعلهم ينتظرون طلبا رسميا من الحكومة السعودية
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )