العنقودي والفراشة والسوخوي .. من باكتيكا إلي أوكرانيا
– الإجراءات التي اتخذها الجيش الأحمر في معركة الأرجون عام1983 والإجراءات التي اتخذها الجيش الأوكراني ضد الجيش الروسي عام2023 .
– طائرات (سوخوي 25) أذهلت المجاهدين في معركة الأرجون بقدرتها غير المتخيلة على المناورة.
– ألغام الفراشة كانت سلاحاً هشاً للغاية، فقد اكتشف المجاهدون أن قذفها بأحجار ، أو تحريكها بعصا طويلة، كافياً لتفجيرها .
– الحرب البرية يكسبها جنود المشاة وبنادقهم الشخصية، وليس السلاح مهما كان متطورا.
– يقال أن الذخائر العنقودية محرمة دولياً. وفي تلك الأيام تصورنا أن هناك جائزة دولية لمن يستخدمها بجنون، وأن روسيا هي التي ستفوز.
– كنت مع أسامة بن لادن ونائبه أبو حفص المصري، وقد حاصرتنا القنابل العنقودية، ولكن أحد منا لم يصب. وكنا جنوب مطار جلال آباد للاستطلاع.
– انقضت علينا الطائرات بالقذائف العنقودية، فأحرقت الجبل. وكان حقاني يسعل من الدخان ويقول أن بيننا جاسوس .
– نظام كييف لم يسقط ، ليس بسبب قوته ولا بسبب الأسلحة الحديثة ، بل لأنه بلا بديل معقول . وعلى هذا قد تستمر الحرب إلى مدى غير معلوم.
– إغراق أوكرانيا بالأسلحة الحديثة يعني اقترابها من الهزيمة.
– الناتو يشتري أوكرانيا مقابل ديون التسليح. فهي محتلة بالقروض الغربية وليس بالجيوش الروسية.
– روسيا قد تقع في مصيدة الديون بعد نهاية الحرب. وتضطر إلى الذهاب زحفاً إلي البنوك اليهودية لاستجداء آلاف المليارات لإعادة البناء .
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
في الحرب السوفيتية ضد أفغانستان(1980ــ 1989) لاحظنا أن إدخال نوعيات جديدة من الأسلحة و الذخائر كان مرتبطا بتحولات كبرى علي أرض المعركة، وغالباً كانت في غير مصلحة الجيش الأحمر وحليفة الجيش المحلي .
– بدا ذلك واضحا للمجاهدين لأول مرة في معركة الأرجون1983 في ولاية باكتيكا . في ذلك العام ظهر الدرس واضحاً للغاية، من حيث الارتباط بين القتال وبين العمل السياسي الداخلي والخارجي . ثم طرف ثالث حساس هو إدخال السوفييت ذخائر وأسلحة جديدة إلي أرض المعركة . وتضاعف التأثير بإدخال عنصر الخيانة على أرض المعركة، في توقيت متناغم مع باقي العناصر القتالية والسياسية .
تلك المبادرات كانت من جانب الجيش الأحمر، وإقحامها في المعركة كان بسبب تهديد يشكل منعطفا بين الانتصار والهزيمة، في صراع كان يجب حسمه في معركة (الارجون).
– وقتها لم نكن نحن الأفراد العاديون ندرك الأمر بوضوح ، كما تدركه القيادات الميدانية العليا وعلي رأسهم القائد العملاق مولوي جلال الدين حقاني ،الذي كان يقود المعركة ميدانياً، خاصة في نصفها الثاني الذي بدأ في فصل الخريف . وفى نفس التوقيت تقريبا أدخل الجيش الأحمر احتياطي القوة التكنولوجية لديه ، فقد كان مُهَدَداً بخسارة إنجاز ضخم وتاريخي بأن يكسب الحرب في ذلك العام ،إذ نجح في عقد اتفاق سلام مع القائد الشمالي (أحمد شاه مسعود). فأدى ذلك إلى انهيار كبير في معنويات المجاهدين في طول البلاد وعرضها نتيجة السمعة الدولية الكبيرة التي كان يحظى بها مسعود .
– وأشيع أن هناك عدد من القادة الكبار داخل أفغانستان علي وشك أن يعقدوا اتفاقات مماثلة مع حكومة كابل والسوفييت. وفي باكستان علي المستوي الإعلامي راجت فكرة إنهاء الحرب وعقد اتفاق مع السوفييت .
كان مولوي جلال الدين حقاني علي رأس الذين شعروا بالخطر وأن البلاد قد تسقط في يد الشيوعيين في ظل اتفاق دولي، سوف يدفع المجاهدون حياتهم ثمناً له. فإما أن يُقْتَلوا أو يُطْرَدوا من أفغانستان التي ستبقي جمهورية شيوعية بلا إسلام . هذا كان رأي حقاني وزملائه من العلماء المجاهدين من أمثال مولوي يونس خالص ومولوي أحمد جول ومولوي فتح الله حقاني ومولوي نظام الدين وغيرهم كثيرون . كان الاتفاق على أن الحل يجب أن يكون في الميدان، بتحقيق نصر عسكري كبير يعيد أجواء الثقة ، ويرفع الروح المعنوية للمجاهدين. واتفقوا علي مجموعة إجراءات تَنْصَبْ علي الابتعاد بالعمل الجهادي عن باكستان والأحزاب “الجهادية” في بيشاور.
– اختار القادة أن تكون المعركة في مدينة ارجون عاصمة ولاية باكتيكا في الجنوب الشرقي من البلاد . وهكذا كان يتقاتل المجاهدون مع الجيش الأحمر علي مفترق طريق بين مسارين أحدهما للهزيمة والآخر للنصر، حسب رؤية الطرفين المتحاربين .
– تحركت الأحزاب “الجهادية” في بيشاور، ومن خلفها حكومة باكستان ، من أجل إفشال معركة الأرجون وصرف المجاهدين عنها، أو تأخيرها حتي يدخل الشتاء وتهطل الثلوج قبل أن يتمكن حقاني من فتح الأرجون، فتفشل حملته وتنهار خطته من أساسها .
– نقفز الآن مباشرة إلي النتائج النهائية قبل أن نعود إلي المعركة مرة أخري فنقول: أن النتيجة النهائية كانت نصف انتصار لمولوي حقاني الذي تمكن من تحطيم دفاعات العدو حول الأرجون والتقدم نحو المدينة حتي بلغ منتصفها تقريباً. وعندها تدَّخَل العدو بثلاث إجراءات سوف نستعرضها فيما بعد .
وأنهي العدو المعركة علي الأرض لمصلحته . فأعاد احتلال المدينة كاملة وبنى خطوط الدفاع مرة أخري، ثم طارد المجاهدين في أجواء البرد القارص الذي هبط علي المنطقة. وتشتت المجاهدون في الجبال وبين أشجار الغابات . ونجى مولوي حقاني بأعجوبة.
– على الجانب السياسي كانت الحسابات مختلفة. إذ أن “نصف انتصار” الذي حققه مولوي حقاني كان كافياً لإقناع المجاهدين في باقي المناطق بأن فتح المدن (الذى هو أصعب أهداف الحرب) هو أمر ممكن حتي بإمكانات المجاهدين الحالية، مع القليل من الغنائم والأسلحة السوفيتية الثقيلة قديمة الطراز. من بينها عدد من الدبابات، ومدفع ميدان واحد كانوا قد بدأوا به المعركة، ولم يكن لديهم أطقم مدفعية كافية ، حتى الدبابات التي غنموها كان يقودها شيوعيون، لذا لم تستخدم تقريباً في أعمال قتالية ، ثم فقدوها كلها.
والنتيجة كانت توقف هرولة قيادات الداخل صوب عقد اتفاقات سلام مع الاحتلال السوفيتي وحكومة كابل . وكان ذلك مكسباً كبيراً، وإفلات من طوق هزيمة بدت مؤكدة عندما وَقَّعْ مسعود اتفاق السلام الخاص به.
إجراءات الجيش الأحمر لقلب الموازين في (الأرجون)
ثلاث إجراءات هامة اتخذها الجيش الأحمر في ميدان المعركة لتحويل هزيمته إلي انتصار. أو بمعني أصح انتزاع الانتصار المنقوص (نصف انتصار) من يد مولوي حقاني قبل أن يُحَوِّلَه إلي انتصار كامل بسقوط النظام الشيوعي في كابل ، كما حدث عندما فتح حقاني مدينة خوست عام(1991) .
– والطريف في الأمر أن تلك الإجراءات الثلاث التي اتخذها الجيش الأحمر في معركة الأرجون عام1983 كانت متشابهة في جوهرها مع الإجراءات التي إتخذها الجيش الأوكراني في هجومه الربيعي ضد الجيش الروسي عام2023، عندما تعثر ذلك الهجوم بما يهدد فقدان الجيش الأوكراني لروحه الهجومية وفقدان النظام لشرعيته وفقدان أروبا وحلف الناتو لحماسهم “الصليبي” ضد موسكو .
نعود إلى المفاجاءات التكنلوجية التى قدمها الجيش الأحمر في(الأرجون)
أولا: طائرات السوخوي 25
أهم تلك المفاجآت كانت طائرات (سوخوي 25) التي أذهلت المجاهدين في تلك المعركة بقدرتها غير المتخيلة على المناورة.
فكان تأثيرها النفسي أشد من تأثيرها المادي. وقد وصف المجاهدون بعد المعركة ما شاهدوه من تلك الطائرات وهم في ذهول ،حتي ظن المستمعون أنهم يبالغون أو أنهم وقعوا تحت تأثير الصدمة .
فقالوا أن تلك الطائرات (لا يعرفون نوعها) تطير بسرعة كبيرة جدا، وأحيانا بطيئة جداً حتي تكاد تقف في الهواء ، وقالوا أيضا أنها تتقدم وتتراجع علي نفس الخط بدون اِلتفاف “تقريبا”ـ
لم يصدق أحد ذلك. ولكن الجميع أيقنوا أن هناك مشكلة جديدة قد أتت إليهم من الجو، رغم أن الخسائر من ذلك السلاح لم تكن ملفتة للنظر بقدر ما كانت إمكانيات الطائرة نفسها جاذبة للاهتمام (تعَرَّفَ المجاهدون علي تلك الطائرات بشكل أفضل في معركة جاور عام 1986 بقيادة مولوي حقاني أيضا) .
يمكن القول أن تأثير طائرات سوخوي25 كان قليلا من الناحية المادية الصرفة ولكنه كان كبيراً من الناحية المعنوية ، وهي الناحية الأهم في تلك الحروب .
{ هناك إلتباس في رقم السوخوي، وهل كانت 25 أو 34 ــ وفى أواخر عام 1991 كان لدينا نبأ يقول : جَرَّبَ الإتحاد السوفيتي بعد انسحابه أحدث طائراته فى معارك أفغانستان، ومنها طائرته(سوخوى34) . صرح بذلك فى دبى مصمم تلك الطائرة فلاديمير بابك أثناء معرض دبى91 للدفاع والطيران. وقال إنها طائرة صائدة للدبابات أثبتت فعالية في أفغانستان وهي قادرة على تدمير 17 هدفا ثابتا ومتحركا. وقال أيضا أن لها قدرة هائلة على المناورة ويمكنها القيام بخمسة وعشرين مهمة يوميا. وأن ثمن الطائرة الواحدة هو 25 مليون دولار}.
ثانيا ــ ألغام الفراشة .
وهي ألغام بلاستيكية صغيرة على شكل فراشات خضراء أو بُنّيَّة ــ حسب طبيعة الأرض ــ تنثرها الطائرات بكميات كبيرة. وكانت معبأة بسائل شديد الانفجار قادر علي بتر القدم وليس قتل الإنسان. حيث فلسفة جديدة بدأنا نسمع عنها، وتهدف إلي تشويه الإنسان وخلق أكبر مشاكل اجتماعية للمجاهدين بوقوعهم في العجز وبتر الأطراف .
لحسن الحظ أن ألغام الفراشة كانت سلاحاً هشاً للغاية، فقد اكتشف المجاهدون أن مجرد قذفها بالأحجار ، أو تحريكها بعصا طويلة ، كافياً لتفجيرها . ليس هذا فقط بل أن الألغام التي رمتها الطائرات ليلاً كانت تنفجر نتيجة ثقل الثلج النازل من السماء أو نتيجة حرارة الشمس عندما تشرق من جديد . فكان السائل داخل اللغم يتمدد وينفجر.
ومع ذلك حدثت العديد من الإصابات للمجاهدين من تلك الألغام ، خاصة في بداية استخدامها. والقليل منها أحدث أصابات بين المجاهدين في فترات لاحقة.
ثالثاً ــ خيانة المرتزقة.
كان هجوم مولوي حقاني علي مدينة الأرجون مبنيا علي فكرة عزل المدينة برياً ومنع الإمدادات التي يمكن أن يدفعها العدو للإنقاذ .
لهذا لغَّم حقاني الطريق الوحيد الواصل إلي المدينة قادما من جرديز عاصمة ولاية باكتيا. وكان طريقاً ترابيا سيئ الحال سهل التلغيم وصعب الاستخدام في الشتاء. وقد خصصوا لحماية حقول الألغام على الطريق أحد وحدات المجاهدين تقودها شخصية متقلبة ومزدوجة الولاء، يدعي (فاروقي)،وكان تابعا لأحد أحزاب بيشاور (حزب إسلامي حكمتيار).
وكان فاروقي معروفاً باتصالاته مع الشيوعيين و حكومة كابل . ولكنه كان يحظى بتأييد وحماية وتسليح من حزبه في بيشاور .
مع اقتراب قوات الجيش الأحمر من حقول الألغام في الطريق الترابي سحب فاروقي رجاله وغادر المنطقة تاركاً كافة الأسلحة الثقيلة وتجهيزات معسكراته لتقع غنيمة باردة في يد الجيش الأحمر. فتقدمت القوات السوفيتية إلي الأرجون لتواجه قوات حقاني في منتصف المدينة .[ تكرر مشهد قريب من ذلك في مدينة جرديز في خريف عام 1991 . وكان بطل الخيانة من جماعة سياف ويدعى موسى خان. وأدت الخيانة إلى انسحاب حقاني من المدينة قبل أن تقع قواته في الحصار ، فتأجل فتح جرديز حتى ابريل 1992].
– كان حقاني في معركة الأرجون يعاني من مشاكل لوجستية مستعصية ،إضافة إلي مشاكله مع أحزاب بيشاور ومؤامراتهم التي لا تنقطع لإفشال حملته العسكرية على الأرجون. والمعضلة الأوضح والأكثر صخبا كانت غارات طائرات سوخوي25 التي لا تنقطع، والسيول الهابطة من السماء من ألغام الفراشة التي ملأت الطرقات الجبلية والمزارع وأعشاب الطرق.
– انسحب حقاني بسرعة قبل أن يقع في الحصار ، ولكن قوات الجيش الأحمر بجنود المشاة واسراب من شتى أنواع الطائرات واصلت الضغط عليه حتي تشتت المجاهدون في الجبال والغابات مع نقص في الطعام والملابس والذخائر وضعف الاتصالات، ومجموعات صغيرة من الرجال محاصرون بين الثلوج والطرق المغلقة.
(فاجنر) في الأرجون
من ناحية النتائج كان ما فعله فاروقي في الأرجون عام1983 مشابهاً لما كان مطلوبا أن يفعله (يفغيني بريغوجين) قائد قوات المرتزقة “فاجنر” في أوكرانيا عندما تمرد علي الجيش الروسي في يونيو2023 .
وكان ذلك مرتبطا (بالعمد أو بالمصادفة) بمعارك الربيع التي كان يتعثر فيها الجيش الأوكراني، وكان من الواضح فشلها بما يجعل تمرد “فاجنر” وانقلابهم علي الجيش الروسي خلال تلك المعركة عملاً يهدف إلي التأثير علي نتيجة هجوم الربيع وإنقاذه من الفشل .
علي أي حال نقطة المقارنة هي ارتباط الخيانة الأرضية مع التصعيد التكنولوجي والتسليحي من أجل التأثير علي معركة ذات قيمة إستراتيجية عالية. من هنا نقول بالتشابه بين مجموعة فاروقي في الأرجون عام 1983 ومجموعة فاجنر في أوكرانيا عام 2023 .
التكنولوجيا في المعركتين
– يذهب التماثل بين المعركتين في الارجون وأوكرانيا إلي أبعد من ذلك حيث دفع التحالف الغربي المكون من أمريكا وحلف الناتو بخلاصة التطور التكنلوجي لأسلحتهم وشتي أنواع الذخائر والصواريخ وصولاً إلي ألغام الفراشة التي تحدثنا عنها.
يكاد المسار أن يكون متطابقاً، لشدة التشابه بين النقاط الثلاث سالفة الذكر.
{ ترددت أمريكا في إرسال طائراتها إف 16 خوفا من المضادات الروسية، خاصة بعد افتضاح دبابات ليوبارد الألمانية التي صفقوا لها كثيرا قبل أن تنهار أمام المضادات الروسية}.
القنابل العنقودية .. وعناقيد الذكريات
تدفق الأسلحة الحديثة والذخائر على ميدان المعركة هو إجراء وقائي لمنع وقوع هزيمة كبرى، خاصة بعد انسحاب طرف أساسي من المعركة وترك الساحة للوكلاء كي يكملوا الحرب .
كما حصل عندما غادر الإتحاد السوفيتي أرض المعركة في أفغانستان تاركا النظام العميل كي يكمل الحرب، لتحقيق الأهداف التي فشل فيها السوفييت. وسرعان ما سقط النظام السوفيتي نفسه، لترث دولة الإتحاد الروسي بقايا حرب أفغانستان وتقودها لعدة سنوات (1989ـ 1992 ) ليتحقق علي يدها الهزيمة الكاملة للأهداف السوفيتية في أفغانستان.
{ بالمثل هرب حلف الناتو من المواجهة البرية مع الجيش الروسي تاركا المهمة الانتحارية للجيش الأوكراني المدلل ، وقد عوضوه بكنوز من تكنولوجيا الأسلحة المتطورة كي يحارب بها الروس . ولكن الحرب البرية يكسبها جنود المشاة وبنادقهم الشخصية، وليس السلاح مهما كان متطورا}.
– منذ أن انسحب السوفييت وحتي نهاية الحرب ،شهدت الساحة الأفغانية تدفقاً للأسلحة المتطورة والذخائر الفتاكة . وكان من أشهرها طائرات السوخوي 25 ، ويعتقد أن هناك طائرات أخري حديثة شاركت في الحرب.
– أما الذخائر فكما ذكرنا فقد بدأت حسب مشاهدتنا الميدانية بألغام الفراشة(1983)ثم صواريخ سكود التي استخدمت بكثافة منذ معركة جلال آباد 1989 ثم معارك خوست بعد ذلك ،خاصة في أوقاتها الحرجة مثل سقوط جبل تورغار1990 ومرحلة الهجوم النهائي لفتح المدينة1991 وهو الهجوم الذي أدي بشكل مباشر إلي إنهاء الحرب وسقوط النظام في إبريل1992 . في تلك المرحلة كان مجاهدو خوست يتندرون بأن العدو يستخدم صواريخ سكود بنفس الكثافة التي يستخدم بها الهاونات عيار 82 مم.(حسب أسعار ذلك الوقت : سعر صاروخ سكود مليون دولار ، وسعر قذيفة الهاون دولارين تقريبا).
ثم جاءت القنابل العنقودية لتشكل مساحة هامة جداً في معارك خوست لأكثر من عامين متتالين(1990ـ 1991). وكانت مشهداً لا غني عنه في المعارك. يقال أن الذخائر العنقودية محرمة دولياً ولكن في تلك الأيام تصورنا أن هناك جائزة دولية لمن يستخدمها بجنون، وأن روسيا ستفوز بالجائزة.
انشطاري أمريكي في خوست ، عام ،1991 .. لماذا ؟؟.
(إقتباس من كتاب “فتح خوست”. ص 68 ــ للكاتب ــ ):
{ طوال مدة الحرب كان هناك عمليات تجريبية لأسلحة أمريكية كنا نسمع عن بعضها ، ونجهل ماهية بعضها الآخر. بعض تلك التجارب تم فى مناطق كنا فيها . وبعضها الآخر سمعنا عنه من أماكن بعيدة .
– تحرك استعراضي آخر بالأسلحة الأمريكية شاهدته في منطقتنا الشرقية وكان عرضا مضحكا. سيارة بيك أب على ظهرها قاذف صاروخي دائري مثل الذى تستخدمه طائرات الهليكوبتر ، يقف خلفه شاب أفغاني في العشرينات ، يلبس ملابس عسكرية مُرَقَّطَة ويتصرف مثل بطل أبطال العالم “رامبو”. سائق السيارة أيضا يتصرف بطريقة سينمائية تماما، فينطلق بسرعة ويتلوى بسيارته كأنه فى مشهد من مشاهد أفلام “الأكشن” . كان الوقت ضُحَى ورموا عدة صواريخ “صغيرة العيار” في اتجاه العدو. بعد التحري علمنا أنها صواريخ انشطارية مخصصة لضرب المطارات وكنا قد سمعنا عن ذلك النوع بعد عمليتنا على المطار القديم. كان تقديري وقتها أنها محاولة أمريكية لسرقة انتصار عملية المطار القديم والإيهام بأن السبب كان سلاحهم الانشطاري الجديد الذى لم نشاهد له أي أثر في المعركة ، لا فى المطار القديم ولا المطار الجديد . وها هم يظهرون مجددا في عملية المطار الجديد ـ في استعراض يتيم لم يتكرر. وقد تم المشهد في وقت كان المطار فيه خاليا كعادة المطار في النهار فلم يكن من الممكن أن يعمل سوى في الليل وتحت ستار إجراءات معقدة كما رأينا . كنا نسمع دوما عن أن أمريكا تُكَوِّن جيشاً أفغانيا خاصا بها عماده هؤلاء الشباب الذين هاجروا إليها ، كي تستخدمهم في وقت ما لمشاريعها الخاصة جدا داخل أفغانستان. كنا نرى بعضهم ضمن “هيئات إغاثة إنسانية” يلبسون ملابس عسكرية ويضعون خناجر كبيرة على خاصرتهم وقبعات رعاة بقر فوق رؤوسهم. كان شكلهم استفزازيا لدرجة كبيرة }.
روسيا : ضجة انشطارية .
أثارت روسيا ضجة كبرى هذا الصيف(2023)، لأن أمريكا تعتزم تزويد أوكرانيا بصفقة من الذخائر العنقودية. العديد من المنظمات الدولية وحقوق الإنسان وحتي بعض الأصوات من داخل أمريكا نفسها احتجت علي تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية .
بعض المحللين تمادوا كثيرا حين قالوا أن تلك الخطوة تجعل العالم أقرب إلي حرب نووية كون الذخائر العنقودية شديدة الخطورة والفتك .
– فإذا كانت القنابل العنقودية مازالت علي نفس المستوي الذي كانت عليه في أيام الحرب الأفغانية في التسعينات فإن ما يقوله هؤلاء المحللون هو مبالغة كبيرة . فحسب مشاهدات شخصية في خوست فإن الإصابات بالعنقودي كانت نادرة بين المجموعات التي أعرفها والأفراد الذي كانوا في صدارة المشهد القتالي، فلم أسمع عن أي إصابات بالذخائر العنقودية .
رغم الكميات المهولة التي ألقِيَّت علي ميادين القتال في خوست. و ربما هناك إصابات لم أسمع عنها. ولكن المؤكد أن ذلك النوع من الذخائر ترك تأثيرا معنوياً ، وكانت موضع خشية وحذر بطبيعة الحال .
ومع ذلك شاهدت بعض المجاهدين والأهالي من البدو يتعاملون مع بقايا القذائف العنقودية غير المنفجرة بشئ من عدم الحرص وأحيانا الاستخفاف. وفي ذلك قصص كثيرة يمكن روايتها.
كنت شغوفاً بمتابعة الأنواع الجديدة التي كانت تظهر تباعاً من تلك الذخائر، التي تطورت بسرعة عجيبة. وكنت علي الدوام أتصرف بحرص شديد وأُجْبِر من معي علي ذلك، لأن المتفجرات لا تعرف المزاح .وأحترم القول الذي ينص علي(الخطأ الأول هو الخطأ الأخير). ومع ذلك شاهدت أن الكثير من المجاهدين وحتي أطفال البدو في منطقة القتال كانوا يتصرفون عكس ذلك تماماً .
– حدثت لي ثلاث مواقف خطيرة مع القنابل العنقودية . بدأت في عام 1989 في جلال آباد وكنت مع أسامة بن لادن ونائبة أبو حفص المصري، وقد حاصرتنا القنابل العنقودية من جميع الاتجاهات ولكن أحد منا لم يصب. وكنا إلى الجنوب من مطار المدينة للاستطلاع.
– ولمرتين كنت مع حقاني عندما استهدفتنا الطائرات بضربة من القذائف العنقودية. المرة الأولي: كنا في وادي خوست ، برفقة عدد كبير من المجاهدين وعدة سيارات. كنا بالنسبة للطائرات هدفا مغرياً وسهلا فهاجمتنا . ويبدو أنهم اسقطوا قنابلهم مبكرا نتيجة حماسهم لهذا النصر المفاجئ والكبير .. ولكن خبرة المجاهدين كانت أيضا كبيرة، فاستطاعوا الإفلات من الضربة. وأختبأتُ بالقرب من أحد بيوت قرية مهجورة ،وإلي جانبي الصديق أبو الحارث الأردني. وكانت كمية القنابل العنقودية كبيرة للغاية ، حوَّلت الوادي إلي كتلة من الدخان والتراب والنيران والتفجيرات المتلاحقة بلا عدد . وكانت تلك أول تجربة لي بهذا الشكل. وكان خوفي الأكبر هو على سلامة حقاني، نظراً لأهميته المركزية في معارك خوست والموقف العسكري في أفغانستان .
– في التجربة الثالثة كنت بصحبة حقاني. وكنا نسير على سفح (جبل القيادة) الذي يشرف منه حقاني علي المجموعات كلها ويوجه التعليمات . وفجأة انقضت علينا الطائرات بالقذائف العنقودية، فأحرقت الجبل الذي كان مليئاً بالأعشاب الجافة وبعض الشجيرات القصيرة . فكان حقاني يسعل من الدخان ويقول أن بيننا جاسوس أرشد الطائرات علي مكاننا . وأنهمك المجاهدون في إطفاء النيران التي تشكل خطورة علي المخازن والمعدات فوق الجبل .
وكانت تلك التجربة سبباً في شعوري بقدر أكبر من التقدير لخطورة القنابل العنقودية . فكنت موضوعيا لأنني كنت “موضوعا” في وسط نيرانها تماماً.
عناقيد الأوِز البري :
– هناك عدة تجارب أخري أثناء معارك فتح خوست عام1991 سأذكر الأخيرة منها لأنها كانت خاتمة الاحتكاك المباشر بيني وبين القنابل العنقودية.
فعندما سمعت ليلا أصوات تصدر من القنابل العنقودية أثناء هبوطها من السماء، ولم أكن سمعت مثلها من قبل، توقعت وجود نوع جديد منها، فذهبت صباحا للبحث عن قنابل غير منفجرة لأري هذا النوع الجديد .
وفي أحد الشعاب الذي ارتفعت فيه الأعشاب البرية، وجدت ضالتي وكانت نصف كرة من الصلب وليس سبيكة من الألمنيوم كما هي العادة، وقطرها حوالى خمسة بوصات محشوة بالمتفجرات التي تعبرها أسلاك وقطع معدنية لامعة ومتشابكة في هندسة دقيقة. اقتربت منها جداً بدون أن ألمسها، وكانت بالفعل تَطَوُّرا لم أشاهد مثله ، ولكنها جاءت متأخرة لأن المدينة قد استسلمت بعد ذلك بفترة وجيزة ولم تنفعها تلك الذخائر الحديثة. فجنود الجيش الحكومي كانوا يفرون ويستسلمون بأعداد كبيرة. وكانت المقاومة الأخيرة تدور علي يد مليشيات دوستم (الشيوعية وقتها والأمريكية فيما بعد)، وكانوا يقاتلون خوفاً من انتقام المجاهدين.
وبينما كنت منحنيا أتفحص نصف الكرة الفولاذية، خرج فجأة من بين الأعشاب زوج من البط البري المهاجر، كانا قد تخلفا عن أحد الأسراب التي كانت تعبر سماء المنطقة ليلاً. صاحت البطتان في رعب شديد ، وتقدمتا نحوي بسرعة كبيرة وكأنهما تهاجمانني . مرا من جانبي وهما يحركان أجنحتهما الطويلة بعنف مبتعدتان عن المكان. كانت مفاجأة غير متوقعة، رأيت أنها لا تخلو من سخرية مريرة . ليس لأنها أربكتنى لأول وهلة ، ولكن لأن تلك الطيور البرية الوديعة كانت تلتمس الأمن والراحة بين الأعشاب الطويلة إلى جانب بقايا القنابل العنقودية التي لم تنفجر. ولكنها شعرت بالخطر عند اقترابي منها. شعرت بالأسي عندما ترجمت لنفسي رسالة هذه الطيور على النحو التالي: (أيها الإنسان أنت الأخطر في هذه الطبيعة. ابتعد و اتركنا نعيش بسلام).
إغراق أوكرانيا بالأسلحة الحديثة يعني اقترابها من الهزيمة.
تبدأ الهزيمة من العنصر الإنساني نفسه عندما يفقد الحافز المعنوي للقتال ويضيع منه الإيمان بالقضية التي حركته إلى ميدان المعركة .
وعندها لا تنفع أسلحة العالم كلها في إعادة ذلك الإنسان إلي أرض المعركة فقد تمت هزيمته بالفعل وهو وسط الميدان. فالدول التي تخسر الحرب قد تبالغ في تزويد الجنود بالسلاح النوعي الفتاك كما يحدث الآن في أوكرانيا .
فجميع دول الناتو إلي جانب أمريكا فتحت مخازنها لضخ جميع أنواع الأسلحة إلي الجيش الأوكراني والمليشيات التي استأجرها. ومع ذلك لم يتمكن ذلك الجيش من حسم معركته أو استرداد ما فقده من أراضي، أو حتي اكتساب احترام أي جهة كانت، من داخل أوكرانيا أو حول العالم .
وكلما زادت الأسلحة المتطورة في يديه زاد ضعفاً وقل تأثيره في ميدان المعركة وفقد المزيد من الاحترام لنفسه واحترام المواطنين والعالم . نفهم ذلك في أوكرانيا علي ضوء تجربة حرب أفغانستان مع السوفييت ثم مع الأمريكيين بعد ذلك ، ولكن لماذا لم ينهار النظام في(كييف) المدعوم بقوة دولية عظمي؟
السبب نعرفه من أفغانستان أيضا وهو أن العدو يكون مهزوماً ولكن يتم الاحتفاظ به لفترة إلي حين تجهيز بديل مناسب، وتهيئة الأوضاع لاستقبال ترتيبات جديدة. وعلي سبيل المثال كانت الحامية المدافعة عن مدينة جرديز قبل فتح المدينة قد فقدت روحها القتالية وتهيأت للاستسلام. وكان ضباطها الكبار يتفاوضون لأجل تحقيق بعض المصالح الثانوية لهم .
ولكنهم أيقنوا أن النظام ساقط لا محالة بعد وقت قصير .
مولوي حقاني الذي كان يقود الهجوم علي المدينة لم يتعجل في إسقاطها رغم يقينه إنها منتهية، وذلك حتي يجمع المجاهدين حول تصور واحد لإدارة المدينة واستئناف الضغط إلي حين فتح كابل . والأهم كان منع أي اقتتال بين المجاهدين بسبب الصراع علي الغنائم أو حكم بعض المناطق في المدينة وما حولها .
وكانت المباحثات بين المجاهدين أنفسهم نشطة للغاية لتجنب وقوع قتال. وكانت حكومة المدينة قائمة في انتظار المجاهدين حتي يتفقوا علي برنامج مستقبلي فيما بينهم .
الخلاصة هي أن نظام كييف لم يسقط، ليس بسبب قوته ولا بسبب الأسلحة الحديثة التي يحصل عليها، بل بسبب أنه بلا بديل معقول ،لا بالنسبة للأوربيين حلفائه ولا بالنسبة للروس أعدائه. وعلى هذا قد تستمر الحرب إلى مدى غير معلوم .
الناتو يشتري أوكرانيا مقابل ديون التسليح
وهذا أيضا من عجائب حرب أوكرانيا، بسبب أنها ظهرت للعيان وكان من المفروض أن تظل بعيداً عن ملاحظة العامة.
فأمريكا والدول الغريبة تجتهد في إرسال الأسلحة حتي لو لم تكن أوكرانيا في حاجة إليها. ولكن أمريكا في حاجة إلي إرسال الأسلحة إلى كييف لتضخيم فاتورة الديون التي سيتقاضون في مقابلها أصولاً اقتصادية من الدولة الأوكرانية . بمعني أنهم يشترون أوكرانيا نفسها مقابل ثمن تلك الأسلحة التي يرسلونها بلا أي اعتبار للضروريات الميدانية للنظام الأوكراني .
لقد بات مستقبل أوكرانيا مضمونا بهذه الطريقة وأنها ستصبح بالفعل أرضا مملوكة لحلف الناتو. ليس (احتلالا بالجيوش) بل (احتلال بالقروض).
– {من غرائب غابة حيوانات الناتو أن حكومة أوكرانيا لا رأي لها في نوع الأسلحة أو كمياتها أو أسعارها أو شروط سداد أثمانها ، فقط رئيس العصابة يطالب بالمزيد من السلاح بجميع أنواعه وبأكبر كميات ممكنة وبأسرع ما يمكن قبل أن ينهار الملعب وينصرف الزبائن الأوربيون. فذلك مورد ربحه الذي سوف يعتاش عليه بعد تقاعده . فهو ليس رئيس دولة بل رئيس عصابة للسمسرة وتهريب السلاح، وتاجر نشط في السوق السوداء لكافة الأسلحة التي بحوزة بلاده . إنه مجرد “أشرف غني” لدولة أوكرانيا}.
هل تحتل البنوك اليهودية روسيا؟
من المحتمل أن تلاقي روسيا نفس المصير ، إذا لم تستفد بشكل إيجابي من تجربتها في حرب أفغانستان في ثمانيات القرن الماضي، وتدرك أن الحرب يمكن خسارتها ماليا قبل خسارتها عسكريا وسياسيا. فلا تقابل التصعيد التسليحي لحلف الناتو في أوكرانيا بتصعيد تسليحي روسي. أي أن كل سلاح ترسله أمريكا وحلف الناتو إلى أوكرانيا تقوم روسيا باستخدام نظير له. فذلك خطأ لأن احتياجات المعركة بالنسبة لنظام كييف مبنية علي معايير أمريكا وحلف الناتو السياسية والمالية وليس العسكرية .
– فالأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا لم تؤد إلى نتائج عملية توازي المبالغات التي تحويها نشرات الدعاية في أروبا وأمريكا. (تماماً كما لم تعط سوخوي25 والقنابل العنقودية وصواريخ “سكود بي” أي تأثير جذري في مسيرة الحرب بين الروس والأفغان .وكذلك جميع الأسلحة التي يرسلها الغرب إلي كييف لم تعط أي تغيير في موازين الحرب في أوكرانيا) .
والشرط هنا أن يكون الجانب الروسي مؤمناً بالفعل بأن له قضية تتعلق بمصيره ومعتقداته في تلك الحرب. فذلك هو السبب الذي جعل الأفغان ينتصرون علي السوفييت والأمريكان خلال أربع عقود، بسبب إيمانهم العميق بقيمهم الدينية وحرصهم علي مصالح الشعب الأفغاني والبلاد الأفغانية .
– ان الوتيرة الهادئة والمتحفظة التي يقود بها الروس الحرب في أوكرانيا منذ بدايتها وحتى الآن، هي إستراتيجية تتوافق مع ما هو مفهوم من أهداف الروس من الحرب. وأي خروج عنها بلا مبرر سوف يجر روسيا إلي تكاليف اقتصادية عالية جداً لإنتاج السلاح وتضخيم الجيوش والتطاول التكنولوجي مع الغرب لأسباب نفسية ودعائية، وبلا مردود عملي.
والنتيجة ان روسيا قد تقع في مصيدة الديون بعد نهاية الحرب وتضطر إلى الذهاب زحفاً إلي البنوك اليهودية لاستجداء آلاف المليارات من الدولارات لإعادة بناء روسيا .
– ونتصور المرابي اليهودي جالساً علي كرسيه الخشبي خلف طاولته الحقيرة منتظرا غرق “الفراشة ـ اللغم ” الروسي في طبق العسل اليهودي .
فيشتري اليهود الأصول الروسية من أراضي ومناجم ومصادر طاقة في مقابل الديون، كما يفعلون في أوكرانيا ودول كثيرة أخري حول العالم. (هناك أخبار أن الأوربيين قد استلموا بالفعل العديد من الأصول الاقتصادية الأوكرانية ، هذا بينما الحرب بعيدة عن أي نهاية قريبة ).
استخدام المرتزقة دليل علي فقدان الإيمان وخسران الحرب.
– منذ عهد الإمبراطوريات القديمة ظهر المرتزقة في ميادين الحروب ، ولكن في العقود الأخيرة خاصة بعد حرب فيتنام عام1975 بدأ الغرب يتبنى سياسة خصخصة الحرب وتحويلها إلي شركات عسكرية تتعاقد مع الدولة لأداء مهام في حروب خارجية ، إما بشكل منفرد أو بالمشاركة مع جيش الدولة .
وذلك مرتبط بتحول عميق في توجه الحضارة الغربية نحو فلسفة الاستمتاع بالحياة والحصول علي أكبر قدر من الرفاهية والترفيه وتهميش القضايا الاعتقادية والأديان عموماً .
في أفغانستان استخدم الأمريكان شركات المرتزقة بشكل موسع في القتال الأرضي وسائر الأنشطة العسكرية. فكانت شركات المرتزقة في أفغانستان نقطة ضعف لدي الاحتلال كونها قابلة للاختراق، واستخدامها في ضرب النظام بأكمله. ويبدو أن شيئا شبيها بذلك حدث لروسيا في حرب أوكرانيا. إذ حاولت شركة “فاجنر” الشهيرة الانقلاب علي الدولة ودخلت في صدام مع الجيش .
وهذا مثال آخر علي فساد فكرة الارتزاق في العمل العسكري وتحويله إلي عمل استثماري لشركات. وهو دليل أيضا على أن روسيا تتبع خطوات الحضارة الغربية في مسيرتها نحو عالم متعدد الأقطاب. ولكن تراجُع الروس عن نظام الارتزاق إذا كان حقيقياً، فإنه مؤشر جيد على تصحيح فى المسار.
– فكرة تحويل الحرب إلى مقاولات تقوم بها شركات، ضرب فكرة الدين والوطنية في الصميم. ولم يعد ممكناً في تلك المجتمعات أن تصبح الحروب قضية شعبية الا بقدر المصالح الاقتصادية التي تطال كل شخص بعينه. فإذا كان مستفيداً انخرط فيها ،وإلا فإنه يراقبها من بعيد كما يتابع مباريات كرة القدم أو منافسة حامية بين الشركات، فيتحاشى التورط ، ويبتعد عنها .
حتي عنصر الوطنية بدأ يختفي من المجتمعات، لأن الوطن أصبح ملكاً للشركات، فهي التي تتحكم في النظام السياسي ولقمة عيش المواطنين الذين يرون أنه من الحماقة الانخراط في الحروب التي أصبحت صراعا بين الشركات عابرة القارات، ولا موقع فيها لدين أو لوطن إلا في المظاهر والشعارات . لهذا تسعى روسيا إلي إحياء مفهوم الوطن وبعث الحياة من جديد في دين الدولة وديانات الأقليات الأخرى .
فالحروب المصيرية تكسبها الشعوب. فإذا وقفت الشعوب موقفاً محايداً من الحرب فإن الدولة سوف تسيطر عليها الشركات:
إما شركات المرتزقة ، أو شركات الأسلحة ، كالتي تستولي علي أوكرانيا بذريعة سداد ديون صفقات السلاح.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )