الحج للأغنياء فقط .. ولو لم يكونوا مسلمين
أغلب المسلمين هم من الفقراء ، ودولهم علي العموم فقيرة وتعرضت لإستعمار الدول الغربية والنهب الاقتصادي، ومازالت عرضة للإستغلال .
وأغلب الحجاج هم من الفقراء الذين يكافحون لسنوات طويلة لتوفير تكاليف الحج، وانتظار أن تسعدهم الظروف بالفوز بتأشيرة حج قد يستغرق انتظارها سنوات طويلة أيضا .
وحتي متوسطي الحال من بين المسلمين الذين يذهبون إلي الحج يقنعون بأقل الظروف المعيشية حرصا على مواردهم المتواضعة. أما الحجاج الأغنياء الميسورين فهم نسبة لا يعتد بها من بين المسلمين ونسبتهم بين الحجاج لا تكاد تذكر. ومع ذلك فالسعودية تعمل بنشاط على تحويل الحج إلى عملية لا يستطيع دفع تكاليفها سوي النادر من المسلمين. مما يوحي أن ذلك الإتجاه العمراني في مكة الذي يتميز برفاهية مفرطة وتكاليف معيشية في الفنادق والمطاعم لا يستطيع عليها سوى طبقة من الدول الغنية هي طبقة السياح الذين يستهدفهم المشروع العمراني الضخم في المملكة. وبالتالي فغير المسلمين هم زبائن التوجه السياحي فى مكة . ومنذ سنوات والسلطات السعودية لا تمنع غير المسلمين من دخول ما وراء حدود منطقة الإحرام. فالأعداد الضخمة من العاملين في شركات الإعمار والفنادق وباقي الخدمات ومنها الأمن، هم من غير مسلمين. والمتوقع أن النشاط السياحي الجبار يستهدف استجلاب غير المسلمين إلى مكة وباقي أجزاء المملكة ـ حيث ولي العهد مبس برؤيته 2030 يستهدف الوصول بعدد زوار البيت الحرام سنويا إلى 30 مليون شخص. وهذا العدد هو للسياح وليس للحجاج، حيث لا تستطيع الأمة الإسلامية توفير هذا العدد من زوار الكعبة في طل الظروف التي حولت المشاعر الدينية إلى معالم سياحية باهظة التكلفة وخارج قدرة غالبية المسلمين.
– يمكن القول أن الحج من الآن فصاعداً لن يقدر عليه سوي الأغنياء جداً من بين المسلمين. بينما الزيادة الهائلة في الفنادق العالمية من الطراز فوق الممتاز سوف يكون لسياح عالميين ليس هدفهم الحج بطبيعة الحال بل الاستثمار والصفقات وربما الشماتة في المسلمين بسقوط قبلتهم الأولي في أيدي شركات السياحة العالمية الخاضعة تقليديا لتأثير اليهود .
– من المتوقع أن يكون حج هذا العام صدمة كبري دينية ونفسية للأغلبية الفقيرة التي ذهبت للحج. فلن يكون بإمكان الحجاج الفقراء أو متوسطي الحال إيجاد سكن في مكة أو مطعم يناسب حالهم المتواضع .
وسوف تجد الأغلبية المسلمة نفسها مضطرة إلي السكن خارج مكة أو علي أطرافها البعيدة . ولا أحد يدري علي أي شكل سيتم ذلك ،هل في معسكرات خيام كالتي يسكنها المهاجرون؟ أم في أكواخ من الصفيح مثل باقي المشردين حول المدن الكبرى في العالم؟ .
تلك أول المشكلات المباشرة التي سيقابلها الحجاج. أي مشكلة السكن والطعام. إذ عليهم الخروج من مكة إلى أي ساحة خارجها أو علي أطرافها، ليظهر لدى المسلمين نوع مستحدث من الحج هو(حج المشردين).
الأعداد الحقيقية للحجاج تعتبر من أسرار الدولة السعودية التي لا تبوح بها، ولن يعرف أحد عددهم الحقيقي .ولكن إذا افتراضا ان عددهم من داخل وخارج المملكة مليونين، علي أقصي تقدير، فإننا نتوقع مليوني حاج متشرد علي أطراف مكة، تلاحقهم الشرطة عبر الأساور الإلكترونية التي صنعتها إسرائيل وتتابعها الأقمار الصناعية، بحيث لا يستطيع أحد أن يفلت أينما كان .
أن الإسورة الإلكترونية هي(خاتم العبودية الحديثة) والذي لا يزول طالما الحاج يتمتع بالضيافة السعودية والإسرائيلية في الديار المقدسة. وسوف يظل في أرشيفات المخابرات حتى بعد وفاته.
– المشكلة الثالثة التي ستواجه الحاج وبعد كفاح طويل في مدينة مكة السياحية المليئة بالأبراج الشاهقة التي تحاصر الحرم متعدد الطوابق والأروقة، هي الوصول إلي الكعبة المشرفة لأداء طواف القدوم فالكعبة التي أصبحت مثل يتيم ضائع وسط زحام معماري، يتعمد ألا يترك فرصة لمشاهدة الكعبة أو للصفاء الذهني الضروري لعبادة الحج .
– الطواف هو مشكلة كبيرة سوف تلغي قدرة الكثير من الحجاج علي إتمام فريضة الحج. ذلك أن المساحة المخصصة للطواف لن تكون كافية سوى لعدد ضئيل يُعْتَقَد أن الأمن سيتدخل لانتخابهم وفرضهم على الساحة، خاصة في أوقات ذروة الزحام .
فقد أبقت السلطات الحاكمة قدرا ضئيلا جداً من ساحة الطواف الأصلية، وحددتها برواق صغير يشكل حدوداً وحاجزاً حشروا فيه جيش صغير من الجالسين على الأرض تحت أقواس الرواق الذي بحمل فوق سقفة طريقا للطواف العلوى، بشكل مفتعل يخلو من المنطق أو الذوق السليم. ويبدو أن الهدف الأوحد هو تقليص ساحة الطواف وإفساد أداء فريضة الحج على معظم الزائرين، الذين سيعودون من ديار الحج .. ولكن بلا حج.
– تدير الشرطة والجيش والمخابرات ساحة الطواف الضيقة التي هي أضيق من مسارح حفلات الترفيه في المملكة .
وكل هَمْ القوة الأمنية المتحكمة هو إخراج صورة منظمة وجذابة تصلح للطباعة على صفحات المجلات والعرض علي شاشة التلفاز، ولا شأن لها بمستلزمات فريضة الحج وتيسيرها علي الحجاج بشكلها التلقائي في موسم يجمع شتات المسلمين من بلاد وعادات مختلفة. فالمهم لدى السلطات هو الصورة التي ستعرض في الأعلام، كما يتخيلها ويرغب فيها الأمير(مبس) المتحكم والحاكم من تحت جناح الإمبراطور الصهيوني(روتشليد)، صاحب الفكرة والمنفذ الأول للتدمير المعماري والثقافي للمشهد الإسلامي في مكة ومقدسات جزيرة العرب، بل المدمر لمفهوم وفلسفة الحج في الإسلام.
إبحث عن الكعبة .. وأنت في الحرم :
– ومن أجمل ما قيل عن ذلك العدوان المعماري والثقافي، ما جاء في كلام المهندس والمصمم المعماري(علي عبد الرؤوف) في حديث له علي أحد المواقع الإلكترونية، وجاء في حديثة:
(في آخر مرة زرت فيها مكة ، عندما نظرت إلي الكعبة لم أجدها بسبب تعملق البنايات حول الكعبة التي حولتها إلي مكان هامشي في المشهدية البصرية للمحيط المقدس كله) .
ملخص الفكرة التي يتحدث عنها علي عبد الرؤوف هي أن الكعبة قد ضاعت في الزحام المعماري للحرم المكي والتوسعات التي بنيت فيه منذ عهد مؤسس المملكة “عبد العزيز آل سعود”. وقد بلغت الآن ثلاث توسعات أهلكت الكعبة وأضاعتها. إلي أن تكرم الأمير منشار وحاصرها برواق إضافي صغير اختصر مساحة المطاف إلي ما يعادل ساحة لمدرسة ثانويه ،ثم جاء روتشيلد ومعه الأمير منشار أيضا لمحاصرة الحرم المكي نفسه من الخارج بقلاع هائلة الضخامة. وما زالت المشاريع مستمرة حتى تحولت مكة طبقاً للرؤية الصهيونية التي أسماها منشار “الرؤية 2030” إلي مدينة سياحية عالمية وليس مدينة إسلامية مقدسة .
تحولت مكة إلي مدينة عالمية طبقا لقالب دولي(نمطي) من المباني العملاقة والتخطيط المعقد والنشاط الرأسمالي المسعور.
– والاهم كما يقول علماء تخطيط المدن هو أن تتحول المدينة إلي مركز جذب مالي وإستسماري( وسياحي) وبيئة لجذب الأعمال والأموال.
وتلك هي مكة الجديدة التي لم تعد مدينة مقدسة للحج بل أصبح الحج أحد مفردات النشاط السياحي الدولي في مدينة مكة .
والدليل المعماري علي ذلك هو أن الكعبة المقدسة نفسها لا تكاد تكون في المشهد البصري للزائر أو الحاج، بل هي مجرد مبني ثانوي تائهة وهامشي وكأنه مجرد (نافلة القول). فالكعبة لم تعد كما كانت طول تاريخ الإسلام، وحتي ما قبل الإسلام أي منذ بناء الكعبة. فلم تعد هي مركز مدينة مكة وقلبها الديني وضميرها. وتحول الأمرعلى يد الصهاينة وآل سعود، إلى أن تصبح مكة مجرد مدينة سياحية على النمط العالمي. رمزها الأكبر هو برج الساعة (أو برج الشيطان) وهو أعلي مبني في مكة ويمكن مشاهدته من مسافة كبيرة قبل دخول المدينة . وأصبح ذلك البرج دليلا على الوضع الراهن للمدينة كمركز سياحي عالمي قائم علي التجارة والأعمال وإكتساب الأموال بشتي الوسائل غير الأخلاقية. كما هو موجود الآن في السعودية، من ترفيه وحفلات شواذ ومخدرات وخمور وشواطئ عراة .. إلخ.
وطبيعة مكة الحالية هي مدينة سياحية جاذبة للأموال وطاردة للدين. تلك هي الحقيقة المرة التي سوف تصدم عقول وقلوب حجاج هذا العام حيث اكتملت معظم مشاريع السياحية والتشويه العمراني. وسيكون عام المفاجآت الصادمة لمعظم الحجاج.
– وماذا عن سكان فنادق الأبراج السياحية التي أنفقت عليها المملكة مليارات (مائة مليار دولار لمشروع مسار مكة وثمانية مليارات لمشروع جبل عمر).
لقد نقلوا إليهم الكعبة وما حولها من حرم إلى داخل مساجدهم المعلقة على أرتفاعات شاهقة. حيث يمكنهم من داخل غرفهم متابعة ما يجري في الحرم، وأداء الصلاة خلف الإمام، ونيل نفس الثواب الذي يناله المصلي في الحرم المكي حسب قول مفتي المملكة.
فما هي الحكمة من مساجد تبني بالقرب من الحرم المكي وعلي ارتفاع أكثر من مائة وخمسين متر لتكون بديلا عن الصلاة داخل الحرم ثم يقول علماء السلطان أن الأجر في الحالتين واحد؟؟ .
ذلك الحاج الذي يصلي فوق الكعبة بعشرات الأمتار لا ندري أن كان قد حصل على فتوى بجواز الطواف حول التلفاز كبديل عن الطواف حول الكعبة، أو فتوي بالسعي في أروقة الفندق السياحي بدلاً من السعي بين الصفا والمروة، مادام الإفتاء متوفر بأسعار تنافسية مضافة على تكاليف الإقامة في الفندق السياحى.
– يقول المهندس علي عبد الرؤوف : المعني العميق للحج هو مشقة الحج. والمعاناة جزء من فلسفة الحج .وأن نشعر في ساحة الكعبة أننا واحد بلا تفرقة . لكن الآن نري أن هناك من يسكن في فندق فخم داخل نطاق المسجد ويصلي كأنه داخل المسجد بنفس الأجر كما يصرح المفتي بنفسه.
– وجاء في أحد التعليقات: (إن ماهية العمارة الجديدة ونمط الحياة الغربي يتناقض تماما مع قدسية مكة المكرمة ورمزية الكعبة) .
العودة إلي الأصول :
في يوما ما سيعود الإسلام مرة أخري إلي جزيرة العرب، ويتم تطهيرها من أرجاس الصهيونية والنفاق .
ويتم تطهير مكة المكرمة والمدينة المنورة وجميع أرجاء جزيرة العرب من أقصاها إلي أقصاها .
وبالنسبة لمكة التي ستكون هي بيت القصيد، والنموذج الأعلى للتطهير والعودة إلي الأصول، ستعود إلي ما كان عليه أمرها علي مر الزمان. بأن تكون الكعبة هي المركز الروحي المقدس والبناء العمراني فائق الاحترام، والذي لا يعلو عليه شيء آخر .
فتعود مكة مدينة للحج والعمرة والشريعة.
لقد وضع تصورها العمراني (قصي بن كلاب جد الرسول(صلي الله عليه وسلم ). بأن جعل الكعبة هي العنصر المركزي لمدينة مكة . طبقا لتصور هيكلي هو كالتالي:
1 ـ جعل ساحة فارغة حول البيت الحرام ـ وتسمى (المطاف).
2 ـ إشترط علي الناس عدم جعل باب أو سور للمطاف.
3 ـ اشترط ألا يزيد ارتفاع بيوت مكة عن ارتفاع البيت الحرام .
4 ـ جعل بين كل دارين في مكة طريق يفضي إلي الكعبة .
– بعد فتح الإسلام القادم لابد من هدم جميع الأصنام التي بناها الصهاينة والمرتدون المحليون في مكة .
وعدد الأصنام الآن [ الأبراج الفندقية الضخمة] قريب من عدد الأصنام التي هدمها الرسول (صلي الله عليه وسلم ) عندما فتح مكة، وهي 365 صنما حاصر بها المشركون مبني الكعبة . كل ذلك البنيان السياحي العالمي لابد أن يُزَال ليعود مكانه مرة أخري الطابع الديني الخالص لمدينة مكة المقدسة، علي أنقاض البنيان الذي بناه اليهود والمرتدون.
﴿… فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [ سورة الإسراء: 7]
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )