مياه للحرب (2).. الألغام المائية بين سَدَّيْن .. سد النهضة ، سد كمال خان
مياه للحرب .. (2)
الألغام المائية بين سَدَّيْن .. سد النهضة ، سد كمال خان
سد كمال خان يعتبر أحد الكمائن الجيوسياسية التي زرعتها الولايات المتحدة في المنطقة لتدمير العلاقات الأفغانية الإيرانية بشكل يستحيل إصلاحه. وهو يشبه المكائد التي كانت تزرعها بريطانيا في المستعمرات، والألغام السياسية التي حفرت لها عميقاً في أنحاء إمبراطوريتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس .
مكائد مثل زرع إسرائيل في أرض فلسطين. وفصل كشمير عن الجسد الإسلامي في شبه القارة الهندية. ودفع السودان بعيدا عن مصر. وتنشئة الوهابية وإقامة الدولة السعودية. وإسقاط الخلافة العثمانية علي يد (مجاهدي جزيرة العرب) بقيادة جاسوسها لورنس. وغير ذلك كثير ويصعب حصره .
– فضلت أمريكا أسلوب الألغام المائية لتفجير العلاقات بين إيران وأفغانستان، وكانت سبباً في توقيع اتفاق تقاسم مياه نهر هلمند بين الدولتين في 13مارس عام 1973 .
ليسقط بعدها حكم الملك ظاهر شاه بعد أربعة أشهر من توقيع الاتفاقية(بانقلاب محمد داود في 17 يوليو 1973 ).
وفي مصادفة يصعب الحكم عليها ، أتمت أمريكا بناء سد كمال خان علي مشارف الحدود الإيرانية في 24 مارس 2021 “أيضا فى شهر مارس مثل اتفاقية 1973”.
ثم سقط حكم أشرف غني في 15 أغسطس 2021 . وفي نفس اليوم هربت القوات الأمريكية من كابل. في غضون خمسة أشهر فقط من انتهاء بناء سد كمال خان.
هرب الضباط داخل الطائرات وتعلق العملاء في إطارات الطائرات، وهرب “أشرف غني” في طائرة خاصة ومعه كنوز من الجواهر والأموال . لتعود الإمارة الإسلامية إلي الحكم مرة أخرى بعد جهاد عشرين عاماً ضد الاحتلال الأمريكي الأوربي . ولكن سبقها إلى الوجود معضلة “سد كمال خان” كميراث من تِرْكَة الاستعمار الأمريكي الملعون.
“كمال خان” سد الغرائب والمكائد.
ذكرنا أن سد “كمال خان” هو لغم مائي /سياسي زرعته أمريكا في العلاقات بين الجارتين أفغانستان وإيران .
يحتوي هذا السد على غرائب تجعله أحد التحف التآمرية للاستعمار الغربي . فهو ليس بأي حال تحفة معمارية أو إنشائية كما ينبغي أن يكون. بل علي العكس فهو سيئ البناء عظيم الأخطاء المتعمدة لإحداث أشد الأضرار للبلدين المسلمين.
وأهم تلك الأضرار ضراران :
1 ـ حرمان كلا البلدين من معظم المياه التي وصلت إلي نقطة بناء السد. وهي نقطة اختيرت بعناية تخريبية استعمارية .
2 ـ إتاحة الفرصة لأكبر قدر من الإحتكاك الإستفزازي بين البلدين، والذي يمكن أن يتطور إلي اشتباك عسكري في أي لحظة، حتي لو لم يتعمد ذلك أي طرف . ذلك لأن المكان نفسه له قدرة استفزازية. فهو كما يَحْرِم الطرف الإيراني من حقة القانوني في المياه طبقاً للاتفاقية، فإن معظم مياه النهر التي تصل إلي مكان السد تضيع هباءاً بدون أن يستفيد منها الأفغان سوي بنسبة ضئيلة جداً .
حتى أصبح سد”كمال خان” يحتجز خلفه كميات من المشاعر العدائية بين الطرفين أكثر مما يختزن من مياه ضئيلة بعد أن قطع النهر مسيرة (1300) كيلومتر داخل أراضي أفغانستان، ولم يتبق أمامه إلا خمسين كيلو متر ليصل إلي حدود إيران، حيث يصب الماء في بحيرة هامون التي إذا امتلأت تمددت داخل حدود أفغانستان، ليصبح ماؤها مشتركاً مرة أخرى بين البلدين . أي تجددت عملية تقاسم نفس الماء مرة أخرى بعد دخوله الأراضي الإيرانية. (وهكذا تنبت الأزمات بشكل طبيعي، وتتجدد هندسة الفتنة المائية، بعبقرية تعاقدية من تصميم الاستعمار الأمريكي .
سد “كمال خان” أصل فكرة “سد النهضة”
من القوانين الأساسية في بناء السدود المائية هو أن يكون السد عند بداية الأراضي المراد زراعتها . و يمتلئ السد بالماء في موسم الأمطار (كما في نهر النيل) أو في موسم ذوبان الجليد (كما في نهر هلمند) الذى ينبع من المناطق الجليدية في شمال شرق أفغانستان .
ذلك القانون يسري على جميع السدود التي تُبْنَى لأجل الري. أما بالنسبة لتلك التي تستخدم كألغام (جيوسياسية) في العلاقات بين الدول، ومن أجل السيطرة علي قرار دولة أخري(دولة مَصَبْ) تنتظر وصول الماء إليها من (دولة المَنْبَع). فإن السد في هذه الحالة يعتبر وسيلة سيطرة سياسية وإرغام دولة المصب علي أن تخضع لمشيئة دولة المنبع. كما هو وضع الحبشة كدولة منبع لنهر النيل الأزرق بالنسبة لوضع مصر تحديدا كدولة مصب وبالنسبة للسودان بشكل أقل (لأنه يمتلك بديل أكبر هو النيل الأبيض) ، أما مصر فليس لديها بدائل أخري، لهذا تمت السيطرة الإسرائيلية عليها بشكل كامل عبر سد النهضة ، وعبر وسائل أخري منها الجيش “الوطني” .
ومعلوم أن سد النهضة الحبشي بُنِي بالقرب من خط الحدود مع السودان، ولا يخدم أي أهداف زراعية في الحبشة. فهو مجرد لغم جيوسياسي ضخم لإخضاع السودان والسيطرة على مصر.
– سد “كمال خان” يقع علي بُعْد يناهز الخمسين كيلوا مترا من الحدود الإيرانية. وذلك بعد أن قطع فى الأراضي الأفغانية (1300) كيلو متر. أي أن السد ليس مخصص لري الأراضي الأفغانية، بل مخصص للتحكم في إيران واحتياجها لمياه نهر هلمند، الذي يقال أنه أحد أهم مصادر المياه العذبة التي تعتمد عليها إيران (وأفغانستان أيضا).
مفترق المشاكل
البقعة التي بُنِي عندها سد “كمال خان” يمكن تسميتها “مفترق المشاكل”. وفي الأصل كان مفترقا لتوزيع المياه بشكل طبيعي بدون تدخل الإنسان. فمن تلك النقطة تندفع المياه داخل إيران مع الانحدار الطبيعي للأرض.
وفي حالة زيادة كميات المياه يوجد مسار مساعد لتسريب المياه إلي إيران بشكل طبيعي حتي تصل جميع المياه إلي بحيرة “هامون” التي يتشارك البلدان في مائها (مرة أخرى) كونها تتمدد صوب أفغانستان عنما يرتفع منسوبها.
هكذا كان ينقسم الرزق بين العباد بهدوء ويسر . ولكن كان لأمريكا رأي آخر. فصنعت في سد كمال خان مكيدتان فنيتان:
المكيدة الأولي: هي بناء السد بشكل ينحرف قليلاً عن المجري الطبيعي الذاهب إلي إيران. فتكون المياه المخزونة خلفة مواجهة بدرجة معينة لصحراء مالحة يتسرب إليها الماء المخزون خلف السد ، إما طبيعيا إن زاد إلى درجة معينة في موسم الفيضان، أو عبر قناة يسهل التحكم فيها يدويا . وبهذه الحيلة البسيطة تسربت ملايين الأمتار المكعبة من المياه العذبة إلي الصحراء المالحة، فلا يستفيد بها أي مسلم، لا في أفغانستان ولا في إيران.
ذلك هو الجزء الأول من الحيلة. وهو إهدار المياه وحرمان المسلمين منها، وتركهم عطشي يتعارك بعضهم مع بعض حول القليل من المياه التي لم تعد كافية لأي شيء أو قادرة علي عبور الحدود إلى إيران، أو حتى الوصول إلي الأراضي الأفغانية شمال السد، نحو مدينة زرانج عاصمة نيمروز.
المكيدة الثانية : مدَّدَ الأمريكيون قناة في اتجاه مدينة (زرانج) عاصمة إقليم (نيمروز) الواقعة على بعد حوالي 90 كيلو متر من سد كمال خان.
القناة تسير في أراضي سهلية، ولكن مستوي ميلها يرتفع تدريجياً كلما تقدمت صوب “زرانج”. ونظراً لعدم وجود ماكينات ضخ فإن المياه لا تصل إلي زرانج وما حولها إلا في حالة الفيضانات الكبيرة أو في حالة إغلاق باقي منافذ السد ، سواء الذاهبة إلى إيران أو إلى منفذ الإهدار المتعمد في الصحراء المالحة.(منفذ الضَرَر و الضِرار).
عندها يمكن أن يصل الماء إلى (زرانج). وعندها أيضا يصرخ الإيرانيون من إنقطاع الماء عنهم.
خبراء السد ويقال أنهم مهندسو مياه وري ، ولكن ثبت أن بعضهم أكثر براعة في صناعة الفتنة . ولهذا زَوَّد الأمريكيون السد بقناة (الضرر و الضرار) التي تأخذ الماء العذب إلى الصحراء المالحة، بدلا من إطلاقه صوب إيران، أو صوب زرانج الأفغانية.
– فإذا أدار الفنيون اتجاه المياه صوب إيران ، صرخ أهالي زارنج والمناطق المحيطة بها . فيثور الأهالي وتعمل الإشاعات المنظمة أمريكيا لإقناع الأهالي أن إيران “سرقت” مياه أفغانستان ، وأن الحكومة الأفغانية متواطئة في الأمر. فتتحول المنطقة إلي بؤرة صراع لفظي وعملي بين الأفغان أنفسهم .
والذي يبرهن علي عدم جدية الأمريكان تزويد منطقة زرانج بالماء هو أن القناة الواصلة ما بين السد والمدينة بامتداد 90 كيلومتر هي قناة غير مغطاة، ومعرضة لنسبة عالية من البخر نتيجة حرارة الشمس الشديدة في أشهر كثيرة من العام . فهي قناة للماء المغلي الذى يصلح لصناعة “الشوربة” وليس للشرب. فالاستخدام المقرر لمياه سد كمال خان هو صناعة الحرب بين أفغانستان و إيران.
فمشروع قناة زرانج غير جاد ،لأنه كان يحتاج إلي قناة ري مغطاة وإلى مضخات مياه لسحب المياه من السد إلى زرانج وما حولها، مع استخدام أسلوب الري بالتنقيط .
فالمشروع هو خداع لأهالي المنطقة واجتهاد أمريكي لحرمان الأفغان والإيرانيين معا من مياه السد. وتحويل مياه نهر هلمند إلى مادة للحرب وليس للشرب .
ولن تختار القيادات الإسلامية في أفغانستان وإيران أن يشرب المسلمون الدم من نهر هلمند بدلا من الماء العذب.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )