بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة الثامنة عشر – العدد 205 | رجب 1444 ھ – فبراير 2023 م.
26-02-2023
نحو بناء نظام إسلامي متكامل في أفغانستان
– “الاقتصاد الليبرالي” ينتعش بحدوث الكوارث، وقادة ذلك النظام يبذلون غاية جهدهم لإشعال الحروب وتوسيع رقعتها، ونشر الأمراض والأوبئة معتبرين أنها عملا اقتصاديا مربحًا.
– أهم الدروس هو أن تقوم (الإمارة الإسلامية) بقيادة الاقتصاد بشكل مركزي، على ضوء قوانين الشريعة، وعلى أسس التخطيط العلمي، مع ترك مجال مناسب للاستثمار الخاص.
– التعليم الطبي والهندسي من وسائل بناء المجتمع المسلم.
– عناصر هامة تؤثر في الاقتصاد: التعليم ـ الإعلام ـ الأمن.
– التعليم ليس عملاً منفصلا ولا يخضع لمطالب المستعمرين وسيطرتهم علينا.
– عواصم بلادنا أصبحت إساءة حضارية وقنابل موقوتة لتفجير مشاكل اجتماعية واقتصادية.
– الدفاع عن أفغانستان كان يتحمله على مر التاريخ سكان المناطق البعيدة عن المدن الكبرى والعاصمة.
– كيف نتفادى مخاطر المدن الضخمة العاجزة، ونكتسب انتشارا مفيد اجتماعيا واقتصاديا؟
بقلم: مصطفى حامد – أبو الوليد المصري
بعد أربعين عاماً من الحروب والجهاد لتحرير أفغانستان من سيطرة القوى غير الإسلامية، لا تمتلك أفغانستان قاعدة اقتصادية يُعْتَد بها، ولا تمتلك سوى قاعدة عشوائية لنشاطات غير منظمة لا تصنع كياناً اقتصادياً لدولة حقيقية.
هذا وضع سيء بالطبع، ولكن له ميزة، هي إمكانية بناء نظام اقتصادي متجانس لا يواجه مقاومة من نظام سابق عليه، سوى مقاومة عشوائية من المستفيدين من النظام العشوائي الموروث عن الاحتلال.
معلوم أنّ الاقتصاد الفعلي يقوم على ركائز اقتصادية مباشرة هي: الصناعة ـ الزراعة ـ استخراج المعادن ـ النفط والغازـ التجارة (الداخلية والخارجية) ـ الخدمات (الاتصالات والبنوك والمواصلات).
وعناصر هامة تؤثر في الاقتصاد، أبرزها ثلاث عناصر هي:
التعليم ـ الإعلام ـ الأمن.
– التعليم: لا تقوم أي دولة أو أمة إلا على نظام تعليمي قوي يرسخ القيم والمعتقدات، إلى جانب العلوم الحديثة، والتدريب المهني على المهارات الإنتاجية. فأهم استثمارات الدولة هو الاستثمار في التعليم.
– الإعلام: يقول البعض أن الإعلام قادر على بناء الدولة أو هدمها. لهذا سارعت اليهودية العالمية لشراء الإعلام أو معظمه. فكان لها إمبراطوريات عالمية مسيطرة على أهم منجزات الإعلام.
ورجال الإعلام يجب أن يمثلوا أهداف الشعب. في نشر وتقديس المعتقدات الدينية للمجتمع. وترويج العلوم الحديثة والمعلومات التي تبني ثقافة حقيقية.
– الأمن: لا يمكن إقامة أي نظام بدون توفير الأمن للمواطنين وحمايتهم من الأخطار الداخلية والخارجية. وعلى ذلك تقوم شرعية الحكم، التي تتأثر بقدرته على حفظ الأمن ودرء الأخطار والتصدي لها. وبدون ذلك يفقد النظام اعتباره.
ومن الوسائل الهامة في يد القوة اليهودية لإحباط التجارب الإسلامية هي الإخلال بالأمن كما نرى في أفغانستان بواسطة التدخل العسكري من دول الجوار ومجموعات الإرهاب القادم من الخارج، وعملاء الداخل.
– أما التعليم فيحاول اليهود توحيد المناهج الدراسية للعالم أجمع. أو على الأقل جعلها خاضعة للمفاهيم اليهودية، وإبعاد التعليم عن الدين وقيمه الأخلاقية. وأن يكون هدف التعليم تخريج عناصر معادية للدين، وصديقة للدول الاستعمارية، والحركات الماسونية العالمية.
اختصاراً:
أهم الدروس هو أن تقوم (الإمارة الإسلامية) بدورها كاملا في قيادة الاقتصاد بشكل مركزي، على ضوء قوانين الشريعة وعلى أسس التخطيط العلمي، مع ترك مجال مناسب للاستثمار الخاص، على أن تكون قيادة الاقتصاد في يد الدولة، لا في يد المستثمرين كأفراد أو شركات كبيرة.
وأن تمسك الإمارة بمفاتيح التجارة الداخلية والخارجية، حتى لا يتحكم بها أفراد، فيتحكمون في معيشة الشعب، وفي قرارات الدولة حتى في مجالات الثقافة والإعلام والتعليم و”الحقوق” والعلاقات الدولية.
– أهداف الاقتصاد الجديد للإمارة هو تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي من الطعام والسلع الأساسية التي تستخدم على نطاق واسع، وتقديم العون لصانعيها من أصحاب المشاريع الخاصة. وفرض حماية جمركية لصالح الإنتاج المحلي. ومنع استيراد السلع التي لها نظير في الإنتاج المحلي، حتى تجد المشاريع فرصة للازدهار مهما كانت نوعيتها منخفضة أو أسعارها مرتفعة، إلى أن تتحسن قدرات المنتجين المحليين بالتدريج.
– سيطرة الإمارة بالكامل على الأعمال البنكية وعدم السماح للبنوك الخارجية للعمل في الإمارة إلا من خلال البنك الرسمي للإمارة ــ مع وقف العمل بالربا في الداخل والخارج ــ واستفتاء علماء الدين المتخصصين في الاقتصاد، في أي مشاكل تتعلق بالعمل البنكي أو الاقتصادي بشكل عام، مثل مشاكل الربا والاحتكار والمشاريع المشتركة مع الدول الصديقة. ومشاكل النزاع مع الجيران حول مصادر الثروات المائية والمنجمية أو امتلاك الأراضي.
نستنتج من ذلك أن وجود كلية لتدريس الاقتصاد الإسلامي وممارسته عمليا من خلال العمل في الحكومة أو البنوك أو في لجان خبراء الإفتاء، سيكون ضرورة تعليمية واقتصادية.
ويعتبر ذلك تطبيقاً لأحد المبادئ الجوهرية لنظام التعليم في الإمارة. بأن يكون التعليم مرتبطا باحتياجات الشعب والإدارة الحكومية والاقتصاد والتطوير في كافة المجالات الضرورية لإحداث نهضة شاملة. فلا يكون التعليم عملية منفصلة عن الدين والمجتمع.
ولا يظل التعليم في بلاد المسلمين مجرد تطبيق لنظام التعليم الذي فرضه عليهم اليهود والاستعمار الغربي، لتخريج موظفين معادين للإسلام، متعاونين مع أعدائه. مؤمنين بشعارات ماسونية مثل حرية الإنسان وحرية المرأة، إلى باقي شعارات الطبل الأجوف التي يستخدمها اليهود لإثارة الفتن، وتحريك المغفلين لخدمة أهداف اليهود، وليس لخدمة الشعوب.
التعليم الطبي والتعليم الهندسي من وسائل بناء المجتمع المسلم
مبدأ الربح وتكديس الأموال هو جوهر النظام الرأسمالي في جميع نشاطاته، حتى تلك التي تبدو كأنها نشاطات إنسانية، مثل الطب وصناعة الدواء، التي تحولت من خدمة الإنسان إلى خدمة جيوب المستثمرين. فتحول الطب وصناعة الدواء إلى تجارة عالمية ضخمة تتعامل بالمليارات. وشركات صناعة الدواء تعاملت مع البشر ــ خاصة في البلدان الفقيرة في قارتي أفريقيا وآسيا وفي مجمعات المهاجرين في كل مكان ــ كفئران تجارب، لدراسة تأثير الأدوية الجديدة عليهم، أو حتى من أجل تطوير جراثيم وفيروسات تفتك بالبشر في حروب يشنها احتكاريون ويهود ضد البشرية.
– فما دام “الاقتصاد الليبرالي” ينتعش بحدوث الكوارث ، فإن قادة ذلك النظام يبذلون غاية جهدهم لإشعال الحروب وتوسيع رقعتها، ونشر الأمراض والأوبئة على اتساع العالم، معتبرين أنها عملا اقتصاديًا مربحًا، وبالتالي هي عمل أخلاقى مثل أي صناعة أخرى.
– ومن أهم التحديات في ذلك المجال هو إحياء العلوم الطبية الأصيلة لدى الحضارات غير الغربية، للتوصل في نهاية الأمر إلى استخدام طرقنا العلاجية الخاصة، وأدويتنا الخاصة، بشكل مستقل عن دائرة النهب الوحشي التي تقوم بها دول الغرب لتدمير صحة الإنسان وحياته، استغلالا لمرضه وحاجته.
وبالطبع يمكن الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي تواجه نفس المشكلة، وبعضها أحرز قدراً جيداً من الاستقلال في بناء منظومته الطبية والعلاجية المستقلة.
– النظام التعليمي في الإمارة سيواجه تحديا لإنشاء جامعات طبية قائمة على فلسفة العلاج الطبي الأصيل لشعوب المشرق.
وفي ذلك حفاظ على صحة الشعوب وثرواتها، بل وأمنها. فهي تتعرض حاليا لهجمات بأسلحة جرثومية وبيولوجية.
– ونشير أيضا إلى أنّ هذه النقطة فيها ربط نموذجي بين العملية التعليمية، التي هي قيد الإنشاء في الإمارة، وبين المطالب العلاجية المصيرية لشعب أفغانستان وشعوب المنطقة والعالم.
ونكرر القول أن التعليم ليس عملاً منفصلا، ولا يخضع لمطالب المستعمرين وسيطرتهم علينا.
فيجب أن يكون لنا تعليمنا الخاص، كما أن لنا احتياجاتنا الخاصة، ومعتقداتنا الدينية التي يعادينا الغرب من أجلها، ويشن علينا الحروب السرية بجميع الوسائل غير المشروعة ومنها الحرب بالأدوية التالفة والضارة، وبالتعليم الطبي الذي يناسب بلاده وأخلاقياته، وليس نحن.
ولنا أيضا مدناً وبيوتا تطابق معتقداتنا وتاريخنا
وكما أنّ لنا علومنا الطبية التي تناسب ظروفنا ومعتقداتنا، ينبغي أن تكون لنا مدن وقرى وبيوت تناسب طريقتنا في الحياة وتقاليدنا الاجتماعية ومعتقداتنا الدينية وحضاراتنا المتوارثة.
لا أن نكون مجرد نسخة تافهة وتقليداً مذريا للغرب في مدنه وبيوته التي ينقلها إلينا مهندسون تعلموا على الطريقة الغربية ويقدسون كل ما هو غربي، ويحتقرون أنفسهم وتاريخهم. وينظرون نظرة احتقار إلى شعوبهم ومجتمعاتهم على أنها أدنى من الغرب، الذي يرون أن اتباعه هو السبيل الوحيد إلى الرقي.
– إن المدن الإسلامية تتحول بالتدريج إلى مدن أوروبية. والبيوت التي يسكنها المسلمون هي الأخرى لا تمت إلى الحضارة الإسلامية أو الشرقية بصلة. وعواصم بلادنا أصبحت إساءة حضارية وقنابل مَوْقوتة لتفجير مشاكل اجتماعية واقتصادية. ومثالا صارخا على انفصام الشخصية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية. وبرهان على الخلل الكبير في العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة العامة، وتخصيص جزءا ضخما منها لرفاهية العاصمة والمدن الكبرى، بدون وجه حق أو فائدة مرجوة سوى استرضاء المرفهين في الداخل والمستكبرين في الخارج. مع إهمال القرى ومدن الأقاليم البعيدة عن العاصمة. هذا على الرغم من الحقيقة القائلة أن الدفاع عن أفغانستان كان يتحمله على مر التاريخ سكان المناطق البعيدة عن المدن الكبرى والعاصمة.
فتلك العشوائية والتفاوت الطبقي والظلم الواضح وتنامي الأنانية والوحشية والانفلات الأخلاقي، جميعها ثمار يانعة لا يخطئها نظر من يشاهد عواصم بلادنا.
حتى تحولت العواصم من وظيفتها كمقار للحكم والإدارة، إلى قنابل لتفجير المجتمع من الداخل، وتحطيم القيم والدين وتصنيع الفتن من أي نوع.
عواصمنا أصبحت أوراماً سرطانية تُعَقَّد حياتنا، ولا تساهم في حل أي شيء من مشكلاتنا. وحتى الإدارات الحكومية في تلك العواصم هي مجرد أمراض مستعصية استوطنت العاصمة ولا تكاد تقدم شيئا نافعا للشعب.
– بالطبع لا يريد أحد أن تكون كابل نسخة من القاهرة أو الرياض أو دبي. ولا أن تكون مجرد مخزن ضخم تتجمع فيه كافة السوءات والمخاطر، ولا تحمل أي أمل حقيقي سوى بهرجة حضارة الغرب التي تتمتع بها قشرة سطحية من المجتمع المخملي الأغنى من حيث الثروة والأعلى من حيث الصوت، والمُطالِب دوماً بأكثر الخدمات ولا يقدم للشعب سوى الاستكبار والاستغلال والتآمر مع الأعداء.
الخروج من مأزق المدن الكبرى إلى مدن أصغر وأكثر فعالية
إن عاصمة كبيرة مكدسة بالسكان بلا هدف، ومشلولة الفعالية، ليست ضرورية لأفغانستان. والأولى تقسيم الوزرات وتوزيعها حيث التركيز الأكبر لأعمالها. فوزارة الطاقة (ترافقها كلية النفط ومعهد تكنولوجيا الطاقة) ترحل حيث مناطق استخراج النفط والغاز في ولاية سمنجان مثلا. ووزارة الصناعة (ترافقها كلية الهندسة والتكنولوجيا) ترحل إلى حيث الصناعات التي تقام لها مدن بعيدة عن المدن الحالية، بحيث تكون قريبة من مصادر الخامات والطاقة واعتبارات متخصصة أخرى. ومؤسسة الطاقة الذرية لتنقية وتخصيب اليورانيوم (يرافقها أكاديمية التطبيقات المدنية للطاقة الذرية في الصناعة والزراعة والطب)، لا مكان أنسب لها من ولاية هلمند، حيث مناجم اليورانيوم. ووزارة المواصلات والنقل والطرق الحديدية (ويرافقهما معهد التدريب الصناعي) قد يناسبها مساحات مدينة غزني الواسعة التي تتحمل أيضا وبجدارة الأكاديميات العسكرية ومقار وزارة الدفاع. أما وزارة الزراعة فمقرها الأنسب يوجد حيث المشروع الزراعي العملاق الذي يبدأ من منطقة “قوش تيبة” في ولاية بلخ، وفيها أيضا لابد أن تكون كلية الزراعة والأبحاث الزراعية.
وهكذا نتفادى مخاطر المدن الضخمة العاجزة، ونكتسب انتشارا مفيد اجتماعيا واقتصاديا.
– المدن على الطراز الغربي ليست مطلوبة لنا، بل ضارة. فما هو النموذج المناسب لمدننا وعاصمتنا، والذي يتماشى مع ديننا وثقافتنا؟ فلا نستورد مدناً وأساليب حياة هي من نتاج عقائد وثقافات غربية منحرفة وملحدة.
ناطحات السحاب لا نحتاجها. فأي مباني نريد؟ وأضواء المدن المبهرجة طوال الليل، هي تبذير لا معنى له، ولا يخدمنا بشيء فلمصلحة من هي؟ ومن يدفع تكلفتها في النهاية؟
وتلك البيوت في المدن لا تناسبنا ولا تتماشى مع معتقداتنا وتاريخنا وتراثنا الثقافي. فما هو النموذج المطلوب لبيوتنا الحديثة؟
تلك تحديات مطروحة أمام مهندسينا وأمام أصحاب القرار.
وسائل الاتصال الحديثة: إما تعليم وبناء ــ أو لهو وخراب
– لسنا في حاجة إلى وسائل اللهو ذات الإمكانيات الواسعة والقدرة على الاتصال بالعالم في أي وقت. فنحن نشاهد أضرار ذلك على مجتمعنا، وفي جميع أنحاء العالم. فلماذا نخوض في نفس المستنقع العفن؟
يجب أن تقتصر الإمكانيات المتطورة، في مجال الاتصالات والإعلام، في حدود الاحتياجات الفعلية، وإلا لو زاد انتشارها عن المقدار النافع تحولت إلى ضرر كبير ووسيلة للسيطرة الثقافية وضرب المعتقدات والقيم الاجتماعية. ويصل الأمر إلى نوع من الاحتلال واتباع الشباب للعدو بلا وعي، تحت تأثير تلك المخدرات الإعلامية والثقافية.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )