الاقتصاد و الثورة و الدولة
الاقتصاد والثورة والدولة
– احتاجت “ثورة الاستقلال” الأمريكية إلى “ثورة استكمال”ـ أخذت شكل الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب، لتوحيد النظام الاقتصادي ، تحت راية الرأسمالية. وتحويل الملايين من عبيد الأرض (الأفريقيين) إلى طبقة عبيد المصانع، أي العمال المعدمين .
– نتيجة المصاعب الاقتصادية ، وتخلف السوفييت في سباقهم الاقتصادي مع المعسكر الرأسمالي. ،استلزم الأمر قيام ثورة {استكمال} قادها الرئيس جورباتشوف عام 1989 . الأمر الذي أدى إلى موت الدولة وتفكك الإمبراطورية الماركسية.
– تشهد إيران حربا معقدة (هجينة). بشعارات بعضها ذو وجه ماسوني صريح ، ينادي بحقوق المرأة وحرق الحجاب و التخلي عن الإسلام ذاته . وشعارات أخرى مائعة ذات وجه إنساني يحتمل كافة التأويلات، بهدف حشد جميع الأطياف المتناقضة خلف ثورة مضادة ، وكل اتجاه سوف يحسبها ثورته الخاصة.
– للثورة المضادة في إيران نوعان من الدوافع أحدهما ، نابع من أخطاء فعلية في النظام القائم الذي قامت لأجله “الثورة الأم”. وثغرات أخرى نتجت من الضغوط و العقوبات الاقتصادية التي أثَرَت علي الشعب، فمهدت الأرضية لقبول دعوات التمرد.
– ظهر في إيران حتمية سير الدولة في عكس مسار الاقتصاد الليبرالي (رأسمالية الكوارث). لتشرف الدولة بشكل مُعَمَق على الاقتصاد في مجالات الإنتاج والتجارة . وأن تكون (دولة خدمات) تحمى المصالح الحقيقية للمستضعفين.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
يعتبر الاقتصاد من العناصر الحاسمة في حركة المجتمعات والشعوب، ودفعها إلى الأمام في سبيل الرقي. أو دفعها إلى التوسع والحروب، لنهب ثروات الشعوب الأخرى. ويسبق ذلك في الداخل قيام ثورة تستولي فيها مجموعة قوية / قبيلة كبيرة مثلا/ علي السلطة السياسية والثروات العامة من أرض ومياه وتجارات كبرى ،علي حساب باقي الشعب. وتكون زيادة البطش الداخلي نتيجة طبيعية لذلك، إلى أن يستقر الوضع وتبدأ دورة جديدة من البناء والتطور، في ظل سلطة سياسية “ثورية”، وتنظيم جديد للعمل الاقتصادي، وتوزيع الثروة العامة، حسب رؤية الثورة.
– النظام الجائر يتسبب في قيام ثورة لرفع الظلم وإقرار العدل. فتتقدم طبقة اجتماعية أخرى أكثر حيوية من سابقتها، التي أقعدها الخمول والركون إلى القهر وتكديس الثروات بطرق غير منتجة. لتقبض القوة الاجتماعية الجديدة علي زمام الأمور، فتقيم نظاما اقتصاديا يمكنها من مصادرة سلطة الحكم لمصلحتها، وحراسة مكاسبها. أي أنها تقيم دولة جديدة على مبادئ الظلم والغلبة، وتزرع بذلك بذور ثورة جديدة وتكرار الدورة مرة أخري عندما تسنح الفرصة… وهكذا.
نماذج للثورة والدولة والنظام الاقتصادي
من أبرز النماذج التي من المفيد دراستها كحالات نموذجية لأنواع الثورات :
– الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر.
– حرب الاستقلال الأمريكية في نفس المرحلة تقريباً.
وتلتها الحرب الأهلية الأمريكية في ستينات القرن التاسع عشر ، التي يمكن اعتبارها {ثورة استكمال} جاءت لتصحيح أخطاء كبيرة في “الثورة الأم”ــ ثورة الاستقلال ــ ، واستكمال بعض النواقص والثغرات فيها .
– يرتبط الاقتصاد بالثورة وبناء سلطة سياسية جديدة(دولة)، بمنظور مختلف عن سابقتها. ويمكن أن نلاحظ ما يلي في النماذج التي اخترناها للبحث:
1 ـ أن الثورة الفرنسية كانت استغلالاً لمساوئ الحكم الملكي والاقتصاد الإقطاعي، لتحريك الشعب في ثورة تقودها الطبقة الرأسمالية (البُرجوازية)الجديدة .
ونجحت الثورة ، بعد مسار عنيف ومتعرج ، في إقامة نظام جمهوري ديمقراطي يتبني اقتصاداً رأسمالياً، وليس إقطاعياً، مستفيداً من التطورات العلمية والصناعية الحديثة. فنجحت (الجمهورية) الفرنسية الجديدة في بناء إمبراطورية عالمية ذات شأن كبير . ونتيجة لما نهبته من المستعمرات تمتعت بقدر كبير من الرفاهية والقوة العسكرية، مستفيدة من أموال المستعمرات وجنودها .
2 ـ الثورة الأمريكية ، للاستقلال عن بريطانيا سنة (1776). كانت بدافع رغبة الطبقة الرأسمالية في الاستئثار بثروات الأراضي الجديدة في أمريكا، وبناء دولتهم الخاصة، الواعدة بفرص مذهلة من الثروة والقوة والتوسع. واستفادوا من المهاجرين من الجنس الأبيض، وحقدهم علي أوروبا التي طردتهم لأسباب دينية أو قومية . فكانت الثورة الأمريكية، وكان الاستقلال ، وظهور الولايات المتحدة كأقوى امبراطورية استعمارية في التاريخ .
وكما سيطر اليهود على الثورة الفرنسية سيطروا أيضا على الثورة الأمريكية. بمعنى نجاح اليهود والحركة الماسونية العالمية في السيطرة علي ثورتين أقامتا دولتين هامتين ، وإمبراطوريتين للرجل الأبيض، في قارتين مختلفتين هما أوروبا والولايات المتحدة ، في مرحلة زمنية واحدة تقريباً.
3 ـ احتاجت “ثورة الاستقلال” الأمريكية إلى “ثورة استكمال”ــ أخذت شكل الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب ، في ستينات القرن التاسع عشرــ لتوحيد النظام الاقتصادي في البلاد ، تحت راية الرأسمالية. وإزالة حكم الإقطاع من الولايات الجنوبية ، وتحويل ملايين من عبيد الأرض (الأفريقيين) إلى نسخة حديثة من العبيد، هي طبقة عبيد المصانع، أي العمال الكادحين المعدمين (طبقة البلوريتاريا). واطلقوا على ذلك الاستعباد الجديد (حركة تحرير العبيد) وكانت في حقيقتها مجرد تحديث للنظام العبودي . وجعلوا من رئيسهم المحتال “إبراهام لنكولن” بطلا ورمزا لتلك الحرب المخادعة. (جميع الحروب الأمريكية مخادعة، بدءاً من الإسم الذي يطلقونه عليها، مرورا بتزوير الأحداث و التاريخ).
4 ــ الثورة الاشتراكية الروسية عام (1917 م).
نتيجة للمصاعب الاقتصادية ، وتخلف السوفييت في سباقهم الاقتصادي مع المعسكر الرأسمالي. وسقوط الجهاز السياسي في الجمود، والإنتاج الصناعي في التخلف ، وشيوع حالة من الإحباط واليأس في المجتمع ،استلزم الأمر قيام النظام {بثورة استكمال} قادها الرئيس جورباتشوف عام 1989 تحت اسم (الإصلاح والشفافية). فشلت ثورة الاستكمال / وكأنما أراد لها جورباتشوف أن تفشل/ الأمر الذى أدى إلى موت الدولة والنظام والأيدلوجية الشيوعية، في كارثة نادرة الحدوث في التاريخ . وتفككت الإمبراطورية الماركسية.
– فكما أن الثورة عملية اجتماعية عنيفة وخطيرة ، فإن “ثورة الاستكمال” تحمل نفس المواصفات ، ويمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية، كما حدث في الإتحاد السوفيتي، فتتحول “ثورة الاستكمال” إلى (ثورة مضادة للثورة الأم)، معاكسة في النهج الاقتصادي والاعتقادي والسياسي.
5 ــ الثورة الإسلامية في إيران عام (1979).
وقد تعرضت تلك الثورة منذ نشأتها إلي ضغوط قصوي من العالم الغربي، بهدف إسقاطها وإعادة إيران إلي معسكر التبعية الأمريكية .
كان من أقسي الحملات حرباً شنها النظام البعثي على إيران لمدة ثمانية سنوات في بداية الثورة. نجت منها الجمهورية الإسلامية بأعجوبة. إلى أن تعرضت لحرب أخطر في عام (2022)، وما زالت مستمرة. وهي من أنواع الحروب المعقدة (الهجينة) المدعومة بثورة ملونة تحميها فرق مسلحة قادمة من خلف الحدود. وبعض المجموعات المسلحة التي لها جذور محلية ، ومطالب مزمنة ، عرقية ومذهبية.
– دارت تلك الحرب تحت شعارات ساندها الإعلام الدولي. بعضها ذو وجه ماسوني صريح ، ينادي بالحريات الجنسية وحقوق المرأة وحرق الحجاب و التخلي عن الإسلام ذاته . وشعارات أخرى مائعة ذات وجه إنساني يحتمل كافة التأويلات من كافة التوجهات، بهدف حشد جميع الأطياف المتناقضة خلف ثورة مضادة للثورة الأم وأهدافها . فكل اتجاه مشارك في الثورة المضادة سوف يحسبها ثورته الخاصة. بينما المستفيد الحقيقي هو قوة كبرى وراء الحدود تتهيأ للانقضاض على البلد.
– تصدرت عدة شخصيات ماسونية لقيادة الثورة المضادة علناً، إضافة إلي جيش من القيادات العاملة في الخفاء، وأكثرهم منخرط في عمل ميداني عنيف أو دعائي، لتحويل الثورة من مُلوَّنة إلى دامية، على نمط ما حدث في سوريا أثناء فتنة (الربيع العربي).
دخان الإعتراض ، من نيران الأخطاء المختزنة بلا حل.
للثورة المضادة في إيران نوعان من الدوافع. أحدهما دافع أصلي، نابع من أخطاء فعلية في النظام القائم، الذي شيدته “الثورة الأم”.
وثغرات أخرى نتجت من الضغوط العالمية على النظام . وهو قصور مفروض من الخارج، لأسباب أهمها العقوبات الاقتصادية التي أثرت بوحشية علي الشعب، فمهدت الأرضية لقبول دعوات التمرد .
– في حالة إيران تحديداً، ظهر أن أخطر الضغوط جاءت من الداخل ، من أخطاء النظام نفسه، خاصة في عدم إقامة (نظام اقتصادي إسلامي مستقل)، ليترافق منذ البداية مع (النظام السياسي المستقل). والاستقلال هنا لا يعنى العزلة ، بل يعنى الرؤية الخاصة النابعة من الإسلام ، بدون خشية من ضغوط الأعداء أو تشنيعاتهم وحروبهم النفسية . وهى مشكلات لن تتوقف ولا يمكن تفاديها إلا بالتنازل عن الإسلام نفسه.
– كان الاستقلال السياسي للبلاد متقدم كثيرا عن النظام الاقتصادي الذى كان مرتبطاً بقوة بالنظام الاقتصادي العالمي من بنوك وحركة تجارة واتفاقات دولية تكبل التوجهات الإسلامية في الاقتصاد (وربما في السياسة أحيانا، والثقافة أيضا) أكثر مما تفيد . وعندما لجأت أمريكا إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية على إيران ، كان ارتباط الاقتصاد المحلى بالاقتصاد الدولي عاملا مدمرا للعملة المحلية، وبالتالي البناء الاقتصادي كله . وزلزل التضخم الاستقرار الاقتصادي للمجتمع، وهيأ أفضل مناخ لنشوب الثورة المضادة.
– كانت الضربات المسددة إلى كيان الدولة واستقرارها من القوى الاقتصادية المحلية ، هي الأخطر . فظهرت حتمية قيام الدولة “بثورة استكمال”، محورها الأساسي هو الاقتصاد (لجعله أكثر التزاما بقوانين الاقتصاد الإسلامي ــ وأكثر تحقيقا للعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة ــ واهتمام أكثر بالاكتفاء الذاتي ــ والابتعاد أكثر عن المصيدة اليهودية المحيطة بالاقتصاد العالمي ــ والارتباط الأوثق مع اقتصاديات دول الإقليم والدول الصديقة الأبعد عن السيطرة الأمريكية واليهودية}.
اختصارا نقول :
من الآثار الإيجابية للثورة الملونة الأخيرة في إيران ، ظهور حتمية سير الدولة في عكس مسار الاقتصاد الليبرالي (رأسمالية الكوارث والنكبات). لتشرف الدولة بشكل معمق على الاقتصاد في مجالات الإنتاج والتجارة والخدمات . وأن تتبنى بقوة أن تكون (دولة خدمات) تحمى المصالح الحقيقية للمستضعفين. ولا تضع ثقلها خلف مصالح الأقوياء الذين ظهر ولائهم للثورة المضادة وليس للثورة الإسلامية الأم .
– هدف أساسي لأي {ثورة استكمال} قادمة من داخل النظام في إيران، سيكون “استكمال” بناء اقتصاد إسلامي ، مخالف للنظم التي فرضتها الصهيونية العالمية تحت اسم (الليبرالية الاقتصادية الجديدة) والتي أطلق عليها الخبراء مصطلح “رأسمالية الكوارث”، لأنها تنتعش كثيرا في ظل الحروب والكوارث الاقتصادية والطبيعية من زلازل وبراكين وثورات .
– ومن حسن الحظ ، أن بناء اقتصاد علي طريقة مخالفة للنموذج اليهودي المسمى ( الاقتصاد الليبرالي الجديد)، هو تحدي تواجهه قوى أخري كبيرة، يمكنها إذا تعاونت معاً أن تقيم اقتصادا عالميا بديلاً ، يستغني عن التنظيم اليهودي الحالي، والذى ساهم في انتشار الفقر وسقوط الدول وانتشار الحروب والمجاعات .
الثورات المضادة، و”ثورات الإستكمال” ،
وتفشي الماسونية في أوساط التنظيمات.
يقال أن العاقل هو من يتعظ بغيره .
– فالطبقات الميسورة من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، والنشاط الاقتصادي الواسع، هم الأكثر ميلاً للارتباط بالنظام الاقتصادي العالمي الذي يسيطر عليه اليهود. وبالتالي هم الأقرب إلى المنظمات الماسونية التي يتجمع فيها الأقوياء ليتبادلوا الخدمات فيزدادون قوة . ويتجمع فيها أصحاب القوى الاقتصادية مع أصحاب النفوذ السياسي والمغامرين الباحثين عن المزيد من القوة في دنيا السياسة والمال والشهرة الاجتماعية.
وبشكل دائم يسعي الرأسماليون الأقوياء والقادة السياسيون أصحاب الأطماع العالية إلي استرضاء إسرائيل واليهود.
– من أمثال تلك الفئات تعاني إيران من هجمات ضارية، وثورة مضادة ، تهدف إلى إسقاط النظام وتغير طابعه الديني إلى طابع علماني كالذي كان يحكم في العصر الملكي وعمل شرطيا في المنطقة لصالح أمريكا وإسرائيل . لهذا يرغب “ماسون” الثورة المضادة في إيران إلى تكرار الوضعية القديمة الذليلة، ويقولون أنها “سياسة سلمية”، تنعش الاقتصاد، كونها تستغنى عن برامج التسليح والبرنامج النووي، وتبذير موارد الدولة في الخارج. وكأن التبعية لأمريكا والاستسلام لإسرائيل هما ضمانتان للازدهار ورغد العيش . وكأن شعوبا أخرى لم تقم بتلك التجربة من قبل وعقدت اتفاقات سلام مع إسرائيل. والنتائج عندهم واضحة من خلال سقوط شامل في كل شيء ، من الاقتصاد إلى الدين والأخلاق . بل أن بعضهم يبيع أصول الدولة لعجزهم عن سداد الديون التي نتجت عن “سياستهم السلمية”.. بعيدة النظر.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )