بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة السابعة عشر – العدد 201-202 | ربيع الأول- ربيع الثاني 1444 ھ – نوفمبر 2022 م.
20-11-2022
الإمارة وفقه الاقتصاد الإسلامي (الجزء الأوّل)
الشورى والاقتصاد..ضمانات سلامة المسيرة
يكاد الفقر أن يكون كفراً، فهو أساس الاضطرابات في عالم اليوم، وأداة لتوفير عناصر بشرية تشعل الفتن وتنشر الفساد بالأنشطة المدمرة، مثل التجسس والتخريب والتهريب والأعمال غير الأخلاقية مثل السرقة والإفساد في الأرض.
الاقتصاد – هو القاعدة التحتية لبنيان الدولة
الاقتصاد هو الأساس التحتي الذي فوقه يعلو بنيان الدولة، التي تبدأ بالطابق السياسي ثم الطابق القانوني والتشريعي، ثم الطابق الأخلاقي والثقافي. وإذا كانت الدولة إسلامية فيلزم أن يتمتع الأساس الاقتصادي، والطوابق التي تعلوه، أن تتمتع جميعا بالمواصفات الإسلامية التي حددتها الشريعة الغراء.
– كأن يتمتع الطابق الاقتصادي بالعدل والبعد عن الربا وتجنب كل من الاحتكار والغصب والمكاسب المحرمة، أو الإنفاق في الأشياء المحرمة أو الإسراف في المعيشة الخاصة.
– كما يتميز الطابق السياسي بمواصفات الشورى والعدل وتقوى الله.
– وأن يتميز الطابق القانوني بتطبيق القوانين الإسلامية من حدود وتعزيرات. وأن يتميز بالعدل والنزاهة والتقوى.
– وبدون توافر أساس اقتصادي إسلامي فلا يمكن تحقيق إسلامية الدولة، وتكون الطوابق العلوية من بناء الدولة مجرد وهم وسراب.
فالطابق “الأخلاقي والثقافي” في أعلى البنيان، لا وجود حقيقي له بدون الطوابق التي هي أسفل منه، أي الطابق القانوني ثم السياسي، وصولا إلى الأساس الاقتصادي.
– بدون ما هو أسفل منه من طوابق، فإن الطابق الثقافي والأخلاقي يكون إما ضعيف جدا أو مهتز للغاية. ومن هنا نفهم الكارثة الثقافية والأخلاقية التي تحياها مجتمعاتنا في لحظتنا التاريخية الراهنة. ويمكن أن نفهم ركاكة تلك المجتمعات في مواجهة أدنى الهجمات الثقافية والنفسية التي يشنها العدو، الذي ما زل أكثرنا يعجز، حتى عن مجرد تحديد هويته.
ونلاحظ في وقتنا الراهن الضعف الشديد في الأخلاق والثقافة والمعاملات الاجتماعية، نتيجة الفقر والضعف الاقتصادي. فيتمكن العدو من تجنيد من يشاء بأي كمية يشاء من الأغلبية الفقيرة، وأيضاً من الأقلية الثرية، ضعيفة الأخلاق شديدة الطمع.
– فبدون اقتصاد يتمتع بالشروط الإسلامية، فسوف يشيع الظلم والصراع في النظام السياسي، والتطاحن بين طبقات المجتمع المتصارع على القُوت، والمنقسم على نفسه. ويتحول المجتمع إلى غابة يفوز فيها الأقوى والأكثر قدرة على الخداع وظلم الآخرين. ويضيع فيها الضعفاء ويُهانون من أجل الحصول على القليل من حقوقهم. ويكون المجتمع غابة تتصارع فيها وحوش بشرية، يأكل القوى فيها الضعيف. وأكبر الضحايا هي العدالة والتراحم والاستقامة. بل يكون اكتساب العيش أمر في غاية الصعوبة بدون ممارسة أنواع من الانحراف السلوكي والأخلاقي، والمخالفات الشرعية.
وفي هذا المناخ الاجتماعي الفاسد، يكون الحديث عن تطبيق الحدود الشرعية نوع من الظلم الجسيم للشريعة وللناس. فالحدود الشرعية تتميز بالصرامة لأن منافذ الشر في الدولة الإسلامية قد أغلقت، وسبل الخير متاحة، والعدالة هي هدف ومسعى الجميع.
أما إذا تحول المجتمع إلى غابة بشرية يسيطر عليها وحوش أقوياء، فإن تطبيق الحدود لن يعني سوى حماية الأوضاع الجائرة والمخالفة للدين التي فرضوها على الناس. فقوانين الشريعة هي (قبة حديدية) تحمي المجتمع المسلم من الانحراف الذي لا مبرر له سوى الفطرة الفاسدة التي تحتاج إلى ردع، بعد أن تمردت على فرص الرحمة والعدالة التي وفرها النظام الإسلامي، بداية من أساسه الاقتصادي، وصولا إلى تكويناته السياسية والقانونية والثقافية.
البنيان السياسي ــ الطابق الأول بعد الاقتصاد
وهو يتركز أساساً على القاعدة الاقتصادية، وما توفره من إشباع للاحتياجات الأساسية للناس. والنظام السياسي مهمته إقامة الأجهزة الضرورية لتوفير العدالة والأمن والاستقرار بين الناس، وإدارة الشؤون العامة والمصالح المشتركة لهم، وحمايتهم من الأخطار التي قد تهدد أمنهم ويكون مصدرها داخلي أو خارجي.
الشورى : تؤسس نظام الحكم الإسلامي وتضمن استمراريته
(الشورى = تأسيس، واستمرارية النظام المسلم). وهي أهم مكونات البناء السياسي للدولة الإسلامية. فهي التي تؤسس للنظام، وهي ضمانة استمراريته، وهي مصدر شرعيته، وعنصر ربط الشعب بالنظام الإسلامي.
وتعتبر تجربة الإمارة الإسلامية هي الأولى في العالم الإسلامي بعد قرون متطاولة، انزوت فيها الشورى أو اختفت كلياً، أو تم تفريغها من محتواها وتحويلها على مجرد هيكل خالي من المضمون.
في مبدأ الشورى في أفغانستان، نواب الشعب هم العلماء وقادة الجهاد وقادة القبائل.
مهام نظام الشورى في أفغانستان
يقوم نظام الشورى في الإمارة الإسلامية بما يلي من مهام:
1- تحديد نوع نظام الحكم في أفغانستان. وبالشورى تقرر أن يكون النظام (إمارة إسلامية).
2- توصيف حاكم أفغانستان بأنه (أمير المؤمنين). وبذلك تحددت مواصفات الحاكم ومؤهلاته الشخصية. كما تحددت واجباته الشرعية التي سوف تكون موضع حساب أمام شعبه وأمام مجلس الشورى الذي ينوب عن الشعب.
3- الشورى في أفغانستان هي مصدر شرعية النظام، ومصدر شرعية الحاكم، وهي الرقيب على أجهزة الحكومة، وهي التي توفر الحماية للإمارة الإسلامية، وهي سبب احترام الشعب لقوانين الإمارة. والشورى تمثل الشعب وتدافع عن حقوقه وتمثل الشريعة وتدافع عنها.
لكي يكون اقتصادنا إسلامياً
من أجل أن يتمكن اقتصاد الإمارة الإسلامية من أداء دورة كأساس لبنيان المجتمع المسلم والدولة المسلمة، وأن يوفر القوة والثبات لباقي البنيان وطوابقه العلوية، التي هي: السياسة، والتشريع القانوني، والأخلاق العامة والمعاملات الاجتماعية والثقافة؛ فيجب أن يتضمن اقتصاد الإمارة المفاهيم الجوهرية للاقتصاد في الإسلام، مثل:
– أن المال مال الله، والإنسان مستخلف فيه ـ (.. وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) [الحديد:7]. فيكتسب المسلم المال من حلال وينفقه في الحلال، حسب قوانين الشريعة وبدون إضرار بالمجتمع، أو ظلم لأحد، مع أداء حق الله في المال (الزكاة).
– وعدم الإسراف في النفقة الخاصة (… كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) [الأعراف:3].
– منع السفهاء وضعاف العقول، أو المتطرفين في الفساد والمعاصي من التصرف في أموال المسلمين، فيجعلونها وبالاً على المجتمع وضياعاً للحقوق، بل وتهديدا لسلامة الدولة المسلمة وعونا لأعدائها. (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما…) [النساء:5].
– عدم الاكتناز (… والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) [التوبة:39]. فالاكتناز يعني الأنانية والاستئثار بالمال، وحرمان الفقراء من حقهم فيه، وحرمان المجتمع من حركة المال في الاقتصاد لخلق فرص عمل في الإنتاج والتجارة والخدمات.
– منع الاحتكار في أي صورة كانت، من أجل تحقيق مكاسب مالية أو للتحكم في الناس.
فالمُحْتَكِر ملعون حسب الحديث الشريف. وفي حديث رواه أبو هريرة: (من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ، منعه الله فضل رحمته يوم القيامة).
– اختصاراً، فإن الملكية في الإسلام ليست مطلقة، بحيث يفعل الفرد ما بشاء من أجل اكتساب المال، أو حين يتصرف فيه وينفقه، بل هو دوماً مقيد برؤية شرعية ووظائف اجتماعية وواجبات دينية.
علاقة الاقتصاد بالعدالة والمساوة في المجتمع
من العدل إيتاء الزكاة لأنها حق الله في أموال الأغنياء. ولها مصاريف شرعية أهمها الإنفاق على الفقراء والمحتاجين. فالزكاة ركيزة اقتصادية للأمن والترابط الاجتماعي والرقي الأخلاقي.
– ومن الإحسان: المساواة في المعيشة بين الناس، أو جعل المعاش متقارباً بين فئات المجتمع. فلا يوجد غِنَى مُفْرِط إلى جانب فقر مدقع.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء ورددتها على الفقراء). وقال أيضاً: (لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاهم).
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غَني).
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )