جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 48
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة السابعة عشر – العدد 200 | صفر 1444 ھـ – سبتمبر 2022 م.
23-09-2022
حقاني..العالم الفقيه والمجاهد المجدد (الحلقة 48)
– حسب قول مولوي حقاني فإنه لن يدخل إلى كابول إلا مع قوة كبيرة، وضمن برنامج موسع يضم الجميع لاستلام كابول.
– مولوي حقاني تمركز بجزء من قواته على طرف كابل الجنوبي في منطقة تدعى “تشهل ستون” ومعظم مجهوده كان لإطفاء نيران الفتن الأهلية.
– مع مسعود صُوَر من رسائل وجهها له حكمتيار يقول فيها: ( أنا وأنت إخوان فدعنا نقتسم الحكم ونطرد الباقين ).
– مولوي يونس خالص نصح حقاني بأن يقبل أي منصب حكومي وأن يصلح من الداخل!!. فأوضحت أن ذلك خطأ، وأن الفساد المتراكم هناك لا يمكن إصلاحه من الداخل، بل باستخدام القوة المسلحة من خارجها، أو على الأقل التهديد باستخدامها.
– الروح الجهادية الجديدة لم يكن لها أن تنبعث وتصل إلى شاطئ نهر جيحون، وتعْبُر أعنف أجواء الفتنة العمياء في كابل ، لولا رعاية الله، ثم قوة حقاني الإيمانية والقتالية، والاحترام الغامر الذي يحظى به في كل أفغانستان.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
تحميل مجلة الصمود عدد 200: اضغط هنا
حدث سعيد جدا تأخر كثيرا عن موعده حتى أصبح عديم القيمة . لقد تم الانتهاء من فتح طريق جبل ناراي وأصبح جاهزاً من طرفيه . عاد البلدوزر من زورمت وانفجر به لغم في الطريق . السائق البطل “والي خان” سيذهب معنا غدا إلى ميرانشاه لإصلاح القطع المعطوبة.
في مركزنا في جرديز سمعنا في الإذاعات أن مولوي جلال الدين حقاني ذهب إلى كابول لمقابلة أحمد شاه مسعود. ولا ندري حقيقة الأمر، فحسب قوله فإنه لن يدخل كابول إلا مع قوة كبيرة وضمن برنامج موسع يضم الجميع لاستلام كابول .
( كما علمت بعد ذلك فإن مولوي حقاني تمركز بجزء من قواته في داخل كابول على طرفها الجنوبي في منطقة تدعى”تشهل ستون” ومعظم مجهوده كان لإطفاء نيران الفتن الأهلية . لم يكن أحد مصراً على نقاء انتمائه العقائدي أو السياسي أو العرقي. ولكن الجميع مصرون على استمرار القتال الداخلي متحالفا لأجل ذلك مع أي طرف ضد أي طرف. فتأجّجت نار الاشتباكات الداخلية الدائرة بين جيع الأطراف، ضمن تحالفات تتبدل كل فترة بحيث أنّ الجميع تحالف مع الجميع ضد الجميع. وشارك فيها الجميع مجاهدون وشيوعيون وسنة وشيعة . وحلفاء اليوم هم أعداء الغد وهم أصدقاء بعد غد ..
– أتعس الأطراف وأجدرها بالرثاء كان الطرف العربي الذي استمر يقاتل إلى جانب حكمتيار من أجل إقامة “دولة إسلامية” عاصمتها كابول. فقاتل بهم حكمتيار خصومه حتى الرمق الأخير. واستشهد أفضل الكوادر العربية، بما فيهم العملاق ” أبومعاذ الخوستى” ـ الفلسطيني/ الأردني ـ الذى فوَّض أمره كاملا إلى حكمتيار قائلا له: (أنا لست عالم دين ، ولا أحب السياسة ولا أفهمها، ولكني أثق فيك وأسير خلفك وأضع المسئولية في رقبتك يوم القيامة).
فطمأنه حكمتيار ووعده خيرا !!.
– وهناك عرب من شمال أفريقيا قاتلوا إلى جانب سياف قتالا “سلفياً عقائدياً ” ضد الشيعة في كابول. وأبدعوا في قتل الأطفال والنساء بالأسلحة الثقيلة أثناء محاولتهم التزود بماء الشرب في ظل حصار مضروب على منطقتهم. والمتطوعون العرب يشاهدون سقوط القتلى ويضحكون قائلين لمن استنكر عملهم : إن ذلك إعداد للجهاد في سبيل الله.
سياف لم يمنعهم أو ينكر عليهم ، بل زودهم بكل ما يلزم من أدوات القتل، من هاونات ثقيلة ودبابات !! . هؤلاء العقائديون العرب لم يتوقفوا عن القتل إلا بعد أن وجدوا صباح ذات يوم أن سياف قد تحالف مع الشيعة الذين كان يأمر بقتلهم بالأمس، فتركوه وغادروا أفغانستان.
أما جماعة أبو معاذ الخوستي فقد استمروا في القتال متغافلين عن أن الميليشيا الشيوعية القندهارية التي أسسها القائد جبار والتي قاتلت/ضدهم تحديدا/ في جرديز، تقاتل الآن معهم جنبا إلى جنب وفي نفس الخنادق ، لصالح حكمتيار. كان ذلك غريبا حقا، ولكن العرب جادلوا المعترضين عليهم قائلين: إن ميليشيا جبار تابت إلى الله، وتبين لها الحق، فانضمت إلى حكمتيار!!.
ولكن بعد استشهاد أبو معاذ وانضمام دوستم وميليشياته إلى حكمتيار بعد انتقالهم من معسكر مسعود، تنبه هؤلاء العرب إلى أنهم قد خدعوا فتركوا أفغانستان كلها وذهبوا.
انتهى دورنا في أفغانستان:
الجمعة أول مايو1992
اليوم نغادر جرديز في طريقنا إلى ميرانشاه. لقد انتهى دورنا هنا وطويت صفحة الجهاد في أفغانستان. كنت أشعر بحزن شديد وشريط الأحداث يمر برأسي من بدايته إلى نهايته. كنا نسير فوق طريق زدران ما بين خوست وجرديز. كل شبر في هذا الطريق لنا فيه ذكريات وأصدقاء شهداء ومعارك.. ماذا سيتبقى من كل ذلك؟؟ .. أين نحن الآن؟؟.. إلى أين نسير؟؟… لماذا يبدو المستقبل ملبداً بالغيوم منذراً بالشر المستطير؟؟ .. وبأي شكل سوف نستأنف حياتنا ؟؟..
ماذا عن الأسرة والأولاد .. والوطن ؟؟ .. هل نعود إليه أم نبقى في الجبال؟؟ .. لماذا نُعاقَب؟؟… و بأي جريمة؟؟… لماذا قادتنا دائما فاسدون، وطنيون كانوا أم إسلاميون، قاعدون كانوا أم مجاهدون؟؟… لماذا الفاسدون دائما طافون على السطح والصالحون مترسبون في القاع، أو في السجون، لا يصعدون عاليا إلا على أعواد المشانق ؟؟… أين الخلل ؟؟ .. لماذا تجاربنا كلها فاشلة ؟؟… لماذا لا يفيدنا الفشل في تجربة كي نصنع نجاحا في تجربة تالية ؟؟ .. لماذا نكرر أنفسنا دومًا ؟؟ .. ويستغفلنا عدونا بنفس الأساليب دائما ؟؟… هل نحن حمقى إلى هذا الحد ؟؟ .. أين العلماء، هل ماتوا أم اندثروا ؟؟… أم أن الموجودون هم أشباح العلماء وليس حقيقتهم ؟؟.. لماذا فقدوا الاحترام والتقدير والتأثير وأصبحوا مجرد أبواق لساسة فاسدون تافهون ؟؟… ما معنى تحرك إسلامي بلا علماء ؟؟ .. هل يمكن أن ينجح جهاد بدأ متفرقا وبلا قيادة واحدة ؟؟ .. هل ينجح جهاد بتمويل غير إسلامي ؟؟… هل القادة يختارهم الناس، أم يختارهم الإعلام الدولي، أم التمويل الخارجي ؟؟.
كنت أحتضن الطريق بناظري وكلي خشية أن لا أراه مرة أخرى.
– نزل أبو الحارث من سيارتنا وذهب إلى مركزه في الخطوط الأولى تحت أقدام “ستى كندو”. هو الآخر لا يرغب في ترك المكان، ولا يدري ماذا سيحدث ولا كيف سيستأنف حياته. لقد عزله مجلس الشورى رسميًا عن قيادة المجموعة قبل استسلام جرديز وتولى أبو معاذ الخوستي القيادة. ولم يمارس أبو الحارث أي دور بعد ذلك في المجموعة. لقد طوى ذلك الإجراء صفحة أفضل مجموعة عربية في جهاد أفغانستان، الذي طويت صفحته رسميا بدخول حكومة مجددي إلى كابول فى 28/ 4 /1992، أي بعد 14 عاما بالتمام والكمال على الإنقلاب الشيوعي في 27/4/ 1978.
لقد تم إهدار أثمن ثروات العرب المكتسبة من أفغانستان، وهي كوادرهم العسكرية، سواء في جماعة أبو الحارث أو القاعدة أو العرب غير المتحزبين. كنت أتمنى بشدة أن تبقى تلك القوة متجمعة في أفغانستان وأن نبني حولها تجمعا مدنيا. فنحمي بذلك ثروتنا البشرية التي يتربص أعداء الإسلام كى يفتكوا بها. ثم نقوم بعد ذلك بدور يناسب إمكاناتنا وإمكانات الوسط الأفغاني الذي نحيا فيه. ولكن للأسف فقدنا مستودع الخبرات الذي بنيناه بالدماء الغالية التي بذلت بسخاء في المعارك.
كان ذلك مشابها تماما لموقف حقاني في مطالبته الإبقاء على الكوادر الجهادية الأفغانية وبناء جيش أفغانى حولها. ولكن كان هناك إصرار أفغاني وإقليمي ودولي على حرق تلك الثروة البشرية في حرب أهلية، أو تهجيرهم بحثا عن الرزق في دول الجوار والخليج. لقد خسر المسلمون أهم ثروات خبراتهم في أفغانستان، وكان ذلك أفدح الخسائر.
قبل أن يغادرني متوجها إلى مركزه القديم، سألني أبو الحارث إن كنت سأذهب لزيارة كابول، فأجبته بأنني سأترك كابول لأهلها.
– تابعتني هموم جماعة أبو الحارث حتى مضافة مولوي حقاني في ميرانشاه . وجدت هناك أبو محمد الحلبي، أحد أعمدة الجماعة النشطين ومن مهندسي عملية التغييرات الأخيرة في الجماعة. كان يعلم بتأثري بما حدث عندهم وعزلهم أبو الحارث. جلس يحدثني عن الأسباب التي أدت إلى ذلك فقال بأنهم أخذوا عليه عدم مشاركته في الاقتحامات، وأنه اختار المهاجمين في عمليات جرديز من بين الجدد، فحدثت فيهم خسائر عالية، وأخيرا أنه وضع في مجلس الشورى أشخاصا جدد غير جيدين، كانوا هم أنفسهم الذين أجبروه على الاعتزال. وقال الحلبي إن المجموعة متحيرة في مستقبلها وبرنامجها القادم.
كنت متحفظا على ما يقول . وكلَّمته بأن تشتت هذه المجموعة خسارة كبيرة ، لأنها أفضل المجموعات التي عملت في أفغانستان ، وأن دور أبو الحارث كان حيويا في تكوين المجموعة ونجاحها . وأن قائد المجموعة الكبيرة يضع نفسه حيث يجب أن يكون لتحقيق أفضل سيطرة على قواته ونجاحها. قد يكون ذلك في أي مكان. وغالبا ما يتنقل أثناء المعركة في أكثر من مكان، حسب تطور الموقف وليس لذلك قانون ثابت.
قلت له أن عليكم تحديد برنامج جديد وتطرحوه على الشباب، فمن يوافق عليه فهو من المجموعة في طورها الجديد، ثم تختارون مجلسا للشورى يقوم بدوره باختيار الأمير. أعجبته الفكرة وقال إنه سيعمل بمقتضاها.
الساعة الثانية عشر ليلا … استسلمنا للنوم.
تحميل مجلة الصمود عدد 200: اضغط هنا
القاعدة ترحل .. والعرب مشتتون
السبت 2 مايو1992
وصلت إلى بيشاور ظهرا . ومولوي نصر الله منصور عقد مؤتمراً صحفيا، في أحد فنادق المدينة ، وأعلن عودته إلى حزب مولوي محمدي ، (حركة إنقلاب إسلامي). لم يكن للمؤتمر صدى إعلامي يذكر.
الأحد 3 مايو1992
في الثامنة صباحا تناولت طعام الإفطار مع الأصدقاء القدماء أبو عبيدة وأبو حفص. كنا سنقابل ظهرا أبو عبد الله “أسامة بن لادن”. قضينا الوقت في مناقشة الموقف الراهن في أفغانستان والمنطقة العربية.
كانوا يعتزمون السفر إلى السودان جميعا . كان لديهم رغبة صادقة في أن أكون معهم ، ليس تنظيميا ولكن إنسانيا، بعد طول الوقت الذي قضيناه معاً في أفغانستان ، وكان وقتا غنيا بالأحداث الهائلة . ولكنني قررت البقاء، لأن هناك ما يجب إكماله ، وأن ما يحدث في كابول ليس هو نهاية الطريق ، ولا ينبغي أن يكون كذلك .
وهذا ما كتبته في مفكرتي عن ذلك اللقاء :
{{ شرحت لهم رؤيتي للمستقبل وتقييم للموقف الحالي، فقلت :
أولا ـ لقد انتصرنا عسكريا وكسبنا الحرب .
ثانيا ـ إن الخبث الذي تعلق بالجهاد طوال 14 عاما، سيحترق في كابول وتظهر قيادة إسلامية صحيحة . ( تحقق ذلك بظهور حركة طالبان في عام1994).
وثالثا: قلت إنني لا أطالب أحد بإلغاء مشروعاته ، بل أطالب بإعطاء الأولوية للعمل في بلاد ما وراء النهر.
قال أبو حفص إن “أبوعبد الله” مطلوب من السعودية ومن اليمن . كما أن معظم القضايا في العالم العربي يذكر فيها اسمه. واحتمال حدوث عمل ضده ، أمر وارد .
جلسنا بعد الظهر مع أسامة بن لادن ، ودار حديث متشعب لكنه غني بتفاصيل ما حدث أثناء تشكيل حكومة مجددي ، ودور الأموال السعودية ووزير الاستخبارات السعودية، والوفد الإخواني المرافق له . ودور الوزير السعودي فيما يحدث الآن في كابول .
– العرب في بيشاور ثائرون على سياف بسبب توليته مجددي رئاسة حكومة كابول .
– أخبار متداولة في بيشاور أن السلطات الباكستانية منعت العرب من دخول مدينة ميرانشاه الحدودية ، أو عبور منفذ تورخم الحدودي.
الإصلاح المستحيل :
الأحد10 مايو1992
ذهبت إلى المكتب السياسي لجماعة مولوي حقاني في منطقة “حياة آباد” في بيشاور. قابلت هناك نائبه مولوي عبيد الله، ومساعده الشخصي شريعتيار الذي عاد حديثا من كابول ، في إطار جهود الوساطة واستطلاع النوايا التي يجريها مولوي حقاني هناك .
أخذ شريعتيار يقص علينا جانبا من أحاديثه مع أحمد شاه مسعود ، فقال :
1 ـ يقول مسعود إن الميليشيات غادرت كابول ولم يتبق سوى ألفين وخمسمئة عنصر ، يعملون في الخط الأول في مواجهة حكمتيار .
2 ـ يقول مسعود إن معه الرسائل التي بعث بها حكمتيار إلى عبد الرشيد دوستم والجنرال مؤمن قائد الجيش في مزار شريف، وفيها يخاطبهم بالصيغة التالية :
الأخ المجاهد البطل المحترم ” فلان ” السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ….. إلخ .
ويتساءل مسعود : لماذا يقول عنهم الآن أنهم شيوعيين ؟؟.
3 ـ يقول مسعود إن ثمانمئة عنصر من ميليشيات جبار الشيوعية، يقاتلون في صفوف حكمتيار. كما يقيم معه مجموعة جنرالات شيوعيين بشتون ، منهم أسلم وطنجار، وشاه نواز تاناي ، فلماذا لا يستبعدهم؟؟.
4 ـ مع مسعود صور من رسائل وجهها له حكمتيار يقول فيها: ( أنا وأنت إخوان فدعنا نقتسم الحكم ونطرد الباقين ) .
{ مثل هذا العرض قدمه حكمتيار لحقانى عام1990 بأن يتوسط “شاه نواز تاناي” لدى حامية خوست كى تستسلم، ثم يقتسم حكمتيار المدينة مع حقانى، من دون الباقين. رفض حقاني العرض قائلا بأن معناه إشعال حرب بين المجاهدين في خوست}
في نهاية الحديث أوصيت مولوي عبيد الله أن يبلغ مولوي حقاني على لساني، أن لا يتولى أي منصب في كابول ضمن الحكومة الحالية. وأن يبقى مع المجاهدين في الجبال حول كابول إلى أن يتم تنظيفها.
قال عبيد الله أن مولوى يونس خالص قد نصح حقاني بغير ذلك، إذ طلب منه أن يقبل أي منصب حكومي وأن يصلح من الداخل!!. فأوضحت له أن ذلك خطأ، وأن الفساد المتراكم هناك لا يمكن إصلاحه من الداخل، بل باستخدام القوة المسلحة من خارجها ، أو على الأقل التهديد باستخدامها .
بذل مولوي حقاني مجهودا جبارا لأوقف الحرب بين الأحزاب والميليشيات في كابل ضمن فتنة عمياء احتوت على جميع عناصر الفتن الممكنة، من عرقيات ومذاهب وسياسية وتدخلات أجنبية لا حدود لها . كاد مولوي حقاني أن يدفع حياته ثمناً لموقفه الذي رحبت به كافة الأطراف في كابل ظاهريا ، وعملوا على إفشاله سرا ، بل وتآمروا على حياة حقاني نفسه.
ضياع الخبرات القتالية
معظم قوات مولوي حقاني كانوا قد انصرفوا لتحصيل المعاش لأسرهم التي عانت طويلا . فلم يعد حقاني يمتلك الموارد المالية لإعاشة قواته الضاربة، التي سجلت أهم إنجازات حرب أفغانستان. لم يكن عالَم الجهاد وروحانياته وآماله العريضة ينهار فوق رؤوسنا فقط ، بل اهتزت الأرض تحت أقدامنا، ولم نعد ندري ماذا نفعل أو أين نذهب ، أو ندرك حقيقة ما يحدث، ولا حقيقة ما حدث خلال السنوات الماضية.
معظم العرب كانوا قد غادروا أفغانستان بشكل عشوائي وتم القضاء على الكثير منهم بالاعتقال والقتل والتشرد العشوائي في كافة الأرجاء . حكومة باكستان تابعت مطارداتها لمن تخلف عندها من العرب، أو من حاولوا التخفي بين ملايين السكان . كان ليلاً مظلماً لفَّ الجميع، بما فيهم مولوي حقاني ذلك النجم الساطع في تاريخ جهاد أفغانستان والمسلمين.
ضوء يسطع من وراء نهر جيحون:
ولكن فجأة سطع أمل غير متوقع، جمع شمل ما تبقى من أشلاء العرب المتبقين، وبقايا المجاهدين الصامدين في أفغانستان، وعلى أطرافها بعيدا عن فتن كابل.
سطعت علينا أنوار الجهاد من وراء نهر جيحون . فقد جاء المجاهدون الطاجيك وحزب النهضة، وبرفقتهم المجاهدون الأوزبك. ولم يلبث أن جاءت طلائع الشيشان وحفيد الإمام شامل شخصيا. فتشبثنا بما تبقى من حطام معسكرات القاعدة في خوست وبعض المدربين العرب الشباب العمالقة، من القاعدة وغيرها . تجمعنا بحماس ولكن بصعوبة بالغة في أحد معسكرات تنظيم القاعدة على مسافة ليست كبيرة تفصلنا عن قاعدة جاور الأسطورية.
تلك الروح الجهادية الجديدة لم يكن لها أن تنبعث وتصل إلى شاطئ نهر جيحون وتعْبُر أثناء حركتها تلك أعنف أجواء الفتنة العمياء في كابل ، لولا رعاية الله، ثم قوة حقاني الإيمانية والقتالية، والاحترام الغامر الذي يحظى به في كل أفغانستان. وهكذا تجمعنا لتدريب الموجة الجهادية الجديدة لما وراء النهر ، ولمناطق القوقاز أيضا . إنها أضواء حقاني الساطعة والتي لم تخمدها الأدخنة السامة للفتن الحزبية في كابل.
تحميل مجلة الصمود عدد 200: اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )