أهلا وسهلاً بكم فى إتفاق الدوحة (1)
إستمرار الحرب مع تغيير أساليب القتال.
بإطلاق الصواريخ (فى يوم السبت الأخير من يوليو 2022) من طائرة بدون طيار على إحدى الشقق السكنية فى كابل، التى قيل أن الدكتور الظواهرى، أمير تنظيم القاعدة كان مقيما فيها .إفتتحت أمريكا قصة مثيرة، قد تستمر لسنوات، وقد لا تنكشف أسرارها كاملة أبداً، كما حدث لأسرار عملية نيويورك( 11 سبتمبر عام 2001) .
صواريخ كابل كشفت بوضوح عن أخطاء جسيمة وقعت فى مفاوضات الدوحة بين حركة طالبان والإحتلال الأمريكى، بوساطة غير محايدة ولا نزيهة من حكومة قطر. إحتوت تلك المفاوضات على أخطاء قلتلة (وسوف تتسبب فى مقتل الكثير من الأفغان).
بدأت الأخطاء حتى قبل أن تبدأ جلسات الدوحة. واستمرت أثناء جريانها. ونتجت عنها عاهات مستديمة فى الإتفاق الذى توصلوا إليه، فهدد مبدأ إستقلال أفغانستان، وجعل منها دولة منقوصة السيادة . لقد تناول المفاوض عن حركة طالبان مبدأ التفاوض نفسه بإستخفاف شديد، فأعطى تنازلات جوهرية بكل بساطة فى قضايا أساسية ، متصوراً أو مُدَّعِياً أنها قضايا هامشية.
من أهم الأخطاء فى عملية التفاوض كان ما يلى :
اولا : الموافقة فى الأساس على مبدأ التفاوض، فى حين أن العدو أعلن بصراحة أنه ينوى الإنسحاب من أفغانستان. وبالتالى أصبح التفاوض بلا موضوع. لأن الهدف منه هو الإنسحاب، وقد بات مضموناً وظاهراً من واقع التطورات الميدانية. فقوات الإحتلال الأمريكية وحلفاؤها باتوا فى عجز عن الإنتصار، وفى طريقهم إلى هزيمة نكراء، ستكون فضيحة تهون إلى جانبها فضيحتهم فى فيتنام.
ثانيا : موافقة المفاوض عن حركة طالبان على الشرط الأمريكى الخبيث بألا تُستَخدَم أفغانستان كقاعدة تهدد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها .
وهذا يعنى عمليا : إلغاء سيادة أفغانستان، ووضعها تحت رقابة أمريكية دائمة، وإعطاء أمريكا حق التدخل بأى شكل تراه إذا قررت بنفسها بأنها مهددة وأنها يجب أن تتدخل. مع عدم وجود آلية للتحكيم أو لتقرير ما إذا كان هناك تهديد أمنى، أو إذا كان ذلك يستدعى تدخلاً عسكرياً، وما هى درجة هذا التدخل، وهل هو محدود أو إحتلال شامل . وما هى آليه التحكيم الذى ظهر أن القرار الأمريكى، بوجود تهديد ، مبالغ فيه، أو أن البطش العسكرى الأمريكى متجاوز للحدود “المعقولة!!!” . وما هى الجهة التى ستفرض وتنفذ عقوبات على أمريكا فى هذه الحالة ؟؟. هل هو مجلس الأمن والأمم المتحدة؟ أم محكمة العدل الدولية؟ أم حكومة قطر؟ .
ثالثا: يخلو الإتفاق من التوازن فى المعاملة، بحيث أن الإجراءات العدوانية من أمريكا ضد أفغانستان ليس عليها أى حدود ولا عقوبات. أى أن الإتفاق هو إتفاق عقوبات أمريكية من جانب واحد، جعلت من أفغانستان دولة تحت الوصاية الأمريكية وتحت الرقابة حتى داخل حدودها وفى علاقتها الخارجية. وتصادر حقها فى إستضافة من تشاء وفود وأفراد. بل عليها فى كل حالة إستئذان أمريكا وأخذ موافقتها ، أو أن تنتظر ما تفرضه عليها من عقوبات أو ضربات جوية. أى أن أفغانستان تعيش حالة إحتلال طبقا لوثيقة إتفاق سياسى هو إتفاق الدوحة المشئوم. وكأن أفغانستان هى التى خسرت الحرب وليست الولايات المتحدة. و كل تجاوز أمريكى فى حق أفغانستان بإستخدام القوة المسلحة يقابله السيد “المتحدث الرسمى” قائلا [إن ما حدث من عدوان هو مخالف لإتفاق الدوحة]. وكأن متحدثنا الرسمى قد أخذ بثأر الإمارة، وأعاد السيادة الضائعة. يكفى عند كل إعتداء أن يطأطئ رأسه، ليتلوا نفس التعويذة : (إن هذا مخالف لإتفاق الدوحة) … فأهلاً وسهلاً بكم فى إتفاق الدوحة !! .
– إن إتفاق الدوحة يُلزِمُنا بتلقى الصفعات والإهانات من الولايات المتحدة، وأن تتعدى على أرواحنا وسيادتنا، بدون خشية من أى شئ أو حتى إدانة من أحد، سوى الناطق الرسمى وعبارته السحرية (إن هذا مخالف لإتفاق الدوحة) .فلماذا لا يذهب سيادته للإقامة فى الدوحة ليكون أكثر أمنا ، وموفور الكرامة أكثر، خاصة إذا سلم إحتجاجاته مباشرة إلى القيادة المركزية الأمريكية فى الدوحة ، والتى تضع أفغانستان داخل قوس إستهدافاتها وتدبر نشاط طائرات الدرونز ضدها.
إن الخطأ ليس خطأ الناطق الرسمى بل هو خطأ المفاوض الذى ذهب إلى الدوحة ناوياً تسليم كافة أوراق أفغانستان إلى الولايات المتحدة .. بمباركة قطرية .
– إن إتفاق الدوحة هو [تعاقد إحتلالى] لتغيير صيغة السيطرة الأمريكية على أفغانستان، وإظهار الإحتلال كتعاقد بين طرفين وليس غزوا قهريا كالذى حدث عام 2001 .
– إننا بين إحتلالين مختلفين من حيث الصيغه القانونية، ولكن النتيجة واحدة . هناك إحتلال عام(2001) وهناك إحتلال نتج عن إتفاق الدوحة، الذى صار نافذا منذ أغسطس عام 2021 .
المطلوب الآن هو إستمرار الجهاد لرفع تلك الغُمَّة عن أفغانستان. وقطع يد الإحتلال الأمريكى والإسرائيلى ومعهم دول الناتو. حتى لا يعود هؤلاء الغزاة المعتدين من نافذة إتفاق الدوحة بعد أن تم طردهم من أبواب أفغانستان الواسعة.
– يجب تمزيق إتفاق الدوحة، وإغلاق النوافذ والأبواب أمام العدوان الأمريكى. فالإحتلال العسكرى مرفوض. والإحتلال بإتفاق جائر مرفوض أيضاً.
الإحتلال الجديد وفق إتفاق الدوحة :
ما حدث بعد إتفاق الدوحة هو تعديل صيغة الإحتلال بما يتناسب مع ظهورعنصرين أساسيين:
اولا : فشل القوات الأرضية الأمريكية والإسرائيلية والأروبية فى مواجهه مجاهدى حركة طالبان على الأرض. لأن جيوش الإحتلال فقدت الرغبة والقدرة فى مواجهه قتالية مع المجاهدين. لهذا تتجه أمريكا وإسرائيل بشكل مكثف لإحلال التكنولوجيا بديلا عن جنود الإحتلال. لهذا صار السلاح القتالى الرئيسى هو طائرات الدرونز (المُسَيَّرات)، والأقمار الصناعية فى الفضاء الخارجى. ويدير تلك المنظومة المعقدة عدد محدودة من المختصين العاملين على بعد الآف الأميال من ميدان المعركة. يديرونها بـأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الإتصالات الحديثة .
أما على الأرض حيث لابد أن يوجد جندى مشاه لهدفين: الأول هو إستثمار نتائج ضربات الطائرات بدون طيار( وإخوانها من الصوريخ عالية الدقة) .
ثانيا : أن تتدخل تلك القوات الأرضية، وهم مرتزقة مستأجرون من شتى الأماكن، وعليهم إنجاز بعض المهام التى تحتاج إلى عنصر بشرى، و لتوجيه ضربة أرضية لتغيير الحقائق على الأرض. مثل عمليات إغتيال خاصة جداً، أو تحريك ثورات ملونة وإنتفاضات شعبية من أجل الفتنة. أو لتجميع معلومات دقيقة من على الأرض لإدخالها فى شبكة المعلومات المعقدة التى تديرها أمريكا.
– يوجد فى أفغانستان العديد من القوات الأرضية العميلة والمستأجرة، والتى تعمل بالتوافق مع منظومة الحرب (الجو فضائية من المسيرات والأقمار الصناعية والصواريخ) .
1 ـ أهم القوات الأرضية العميلة هم الدواعش. القادمين من باكستان وتركيا، ومن طاجيكستان و أوزبكستان .
2 ـ وحدات الجيش السرى الأمريكى الذين دربتهم أمريكا وإسرائيل على عمليات التخريب والتجسس والإضطرابات الشعبية وإثارة الفتن الطائفية والعرقية.
وهؤلاء يشكلون جيشاً منظمأً ــ وإن كان غير تقليدى ــ مرتبط بالقيادة المركزية فى قطر، وبالقيادة الميدانية لأمريكا وإسرائيل فى باكستان. ويتمتعون بشبكة إتصالات متطورة، مع إمكانية التنقل داخل وخارج أفغانستان مستخدمين برامج (التعاون) مع الدول التى شاركت فى إحتلال أفغانستان. وقد عادت تلك الدول من خلال الشركات، تمهيداً لتطوير صيغة إحتلال أفغانستان بالشركات، بدون وجود جيوش. إن ذلك هو هدف الحرب الأمريكية على أفغانستان، والتى أسميناها (حرب إتفاق الدوحة).
– وجدير بالذكر أن المخابرات الإسرائيلية قد عادت إلى أفغانستان لتنظيم صفوفها، وتعمل من خلال تواجد مشيخات النفط الخليجية والمشاريع التى تتولاها. وعادات إسرائيل أيضا من خلال المعونات الإنسانية. وتسعى نحو المشاركة فى تشغيل المطارات من باطن الشركات الخليجية أو التركية .
– أن كابل مازالت عاصمة لنشاط الإستخبارات العالمية فى أفغانستان. ومازال الإحتلال يحتفظ فيها بشبكات إستخبارية ، ويواصل تطويرها. ومن المتوقع أن تحدث فى كابل أهم الضربات الإستخبارية التى تستهدف الإمارة الإسلامية. وضربات فى مدن أخرى مثل جلال آباد وقندهار وهيرات ومزار شريف.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )