بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة السابعة عشر – العدد (197) | ذو القعدة 1443 هـ – يونيو 2022 م .
06-07-2022
حقاني..العالم الفقيه والمجاهد المجدد (الحلقة 45)
– مولوي جلال الدين حقاني يقول: قوة حفظ الإسلام في أفغانستان هم العلماء وقادة الميدان.
– حقاني: الانقلابات العسكرية لا تنجح في أفغانستان. فشل فيها الشيوعيون وفشل حكمتيار.
– حقاني: إن رفع الأعلام فوق المباني الحكومية في كابل، أو إصدار بيان انقلابي من الإذاعة، لا يقيم نظام حكم في أفغانستان.
– حقاني: لن ينجح حكمتيار في السيطرة على كابل متحالفا مع الضباط الشيوعيين، ولن ينجح مسعود في السيطرة عليها متحالفا مع مليشيات دوستم.
– بن لادن يروي قصة تشكيل حكومة مجددي، ودور سياف، وتركي الفيصل والإخوان المسلمين.
– اتفاق بيشاور: مدة رئاسة مجددي للدولة هي شهر واحد (!!) يعقبه بعدها برهان الدين ربانى لمدة أربعة أشهر (!!)، يعقبها انتخابات لاختيار مجلس شورى.
– المجاهدون وصلوا إلى أطراف كابول تاركين أمر حكومتهم كي تشكلها لهم عناصر غربية في بيشاور.
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
تحميل مجلة الصمود عدد 197: اضغط هنا
جاء التحرك السعودي، وقام تركي الفيصل وزير الاستخبارات بدفع مئة وخمسين مليون دولار لسياف، كي يقوم بتشكيل الحكومة وفقا للمواصفات المطلوبة، وبرئاسة مجددي.
ونظرا للخلافات والكراهية الشديدة بين قادة الأحزاب السبعة، ومهارة سياف في التفاوض والمساومة، وتليين المواقف بالدولارات، نحج في تشكيل الحكومة وإقناع القادة الباقين بها.
مناورة سياف لحكم كابل
– طبقا لمعلومات من مصادر موثوقة، منها “أسامة بن لادن” الذي قابلته في بشاور في الثالث من مايو 92 حيث قال:
– سياف جمع توقيعات القادة والمندوبين على مشروعه بتشكيل الحكومة بأن أجتمع مع كل منهم على انفراد موهما إياه أن الجميع وافقوا ولم يبق سواه خارج الاتفاق، فيوقع هو أيضا.
– اختيار مجددي رئيسا للدولة كان وراءه التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي حشد له وفدا ضم: محمد قطب والشيخ الصواف وغيرهم. الذين وقعوا بيان الموافقة على حكومة مجددي ودعوة حكمتيار لوقف القتال.
مناورات مسعود وحكمتيار لحكم كابل
مسعود لم يكن راغبًا في حل إسلامي لقضية بلاده، ولا حتى حلاً أفغانيًا. كان يعرف حدوده تمامًا كورقة صغيرة. لذا كان مسعود يخاطب بيادق بيشاور، الكسالى المتباغضون، حتى يسرعوا بالحركة طالما أنّ الزمام مازال بيده في كابول. وهو واثق من عدم قدرته على الإمساك به طويلا، خاصة إذا نقل القادة الميدانيون قواتهم إلى حوافها ـ ومعظمهم كارهون له لأسباب مختلفة إما عرقية أو سياسية أو شكًا في نواياه غير الإسلامية.
إذن مسعود هو الآخر كان متعجلًا على تشكيل حكومة من بيادق بشاور كخطوة أولى لاستبعاد حل إسلامي قريب. ثم قام بإشعال حرب أهلية طويلة الأمد لاستبعاد حل إسلامي على المدى البعيد.
– أما غريمة حكمتيار فكان يتحرك على الجانب الآخر المكمل والمتمم لعمل مسعود. وكان يدير عمله وتحركاته كلها ضباط استخبارات باكستانيون كانوا ملاصقين له طول الوقت، حتى بدأت الحرب حول كابول وبدأت أفغانستان كلها تحترق بأيدي أبنائها.
قوة حفظ الإسلام: العلماء وقادة الميدان
ظل مولوي حقاني يؤكد دوما: إن قوة حفظ الإسلام في أفغانستان هم العلماء وقادة الميدان. ويقول إن محاولات السيطرة على الحكم بالانقلاب في أفغانستان قد فشلت مع الشيوعيين وسقط حكمهم. وفشلت مع حكمتيار عندما تحالف مع “شاه نواز تاناي” رئيس الأركان الشيوعي وقت الجهاد. ولن ينجح حكمتيار في الاستيلاء على كابل برفع أعلام حزبه على المباني الحكومية وتحالفه مع ضباطها الشيوعيين. وكذلك لن يستطيع مسعود أن يحكم كابل متحالفا مع ميليشيات عبد الرشيد دوستم.
كان مولوي حقاني يثق تماما في أن القادة الميدانيين يشكلون تباراً إسلامياً قوياً، مسلحاً ومنتصراً. هؤلاء يمكن أن يغيِّروا التيار السياسي السائد، ويتولون قيادة الميدان بدعم من العلماء والقبائل. وقتها سوف يقتحمون كابول ويقضون بسهولة على مسعود وحليفه عبد الرشيد دوستم، الرجل الأكثر كراهية في كل أفغانستان، خاصة في مناطق البشتون.
أثناء حديثنا عن الوضع السياسي في أفغانستان، والحكومة الجديدة برئاسة صبغة الله مجددي، قلت لمولوي حقاني إن مجددي عار على الدولة الجديدة وأنه لم يشارك حتى بالكلمة لصالح الجهاد. وأنه أصدر فتوى ضد حقاني شخصياً بأنه ” باغي” لأنه اعترض على اتصالات مجددي بالأمم المتحدة وروسيا، ولأن حقاني يهاجم المدن، وهو عمل يصفه مجددي بأنه مناف للإسلام (!!).
((نلاحظ إلى الآن الفتاوى “الإسلامية” المتطابقة مع المصالح الأمريكية، مازالت تصول وتجول في العالم الإسلامي من “مشايخ” وقادة إسلاميون ومثقفون إسلاميون وعلمانيون وفنانون ونساء “متحررات”. إنها فوضى الفتوى التي تعصف بمصير المسلمين وتكاد أن تعصف بالدين نفسه))..
– أجابني حقاني قائلا: في دول أخرى يكفي مجرد الوصول إلى الإذاعة وتلاوة بيان، لتتم السيطرة على الدولة. أما في أفغانستان فالقدرة والسلاح في يد القادة المجاهدين، وكلهم مجمعون على تطبيق الإسلام وشرائعه.
ولن يستطيع مجددي أو غيره حكم أفغانستان بدون تطبيق الشريعة وحيازة رضى المجاهدين والعلماء.
الجمعة 24 أبريل 1992:
انتهت جلستنا مع حقاني فتركناه متوجهين إلى جولة في لوجر، وقال لنا إنه سيتبعنا إلى هناك.
أخبار الإذعات تفيد أن حكومة مجددي فوضت شئون الأمن في كابول إلى مسعود. وقالت أن القيادات الميدانية حول كابول موافقة على ذلك. لكن حكمتيار نفى ذلك وأعلن اعتزامه إسقاط طائرة حكومة مجددي إذا حاولت الهبوط في كابول.
المطر ينهمر بشدة. وشاهدنا سيارات مولوي حقاني في طريقها إلى منطقة “كلنجار”. الأسعار مشتعلة في لوجر، ولا نجد ما نأكله، فاشترينا 24 بيضة بسعر خمسمئة روبية باكستانية أي بسعر خروف صغير.
– منذ ليلة أمس نسمع أصوات طائرات في الجو. الآن لا دولة ولا جيش، ولا يدري أحد طيران من هذا. كنت أتصور أنه طيران باكستاني أو أمريكي.
أكد لنا المجاهدون في لوجر وجود قتال بين مسعود وحكمتيار في كابول، سقط فيه 14 قتيل ليلة أمس وصباح اليوم. وأن حكمتيار يدفع تعزيزات في اتجاه كابول.
كنا نتقدم في لوجر بسيارتين. لأننا كنا نرتب دوريات مستمرة لأفرادنا بهدف التعرف على الأرض ومتابعة الأحداث عن كثب.
كنا ننوي الوصول إلى مركز “محمد أغا” وهو الأقرب إلى حدود محافظة كابول. فغادرنا “كلنجار” ووصلنا إلى مضيق “تنجي”. على حافته الغربية أنشأت مجموعة من العرب المناصرين لحكمتيار معسكراً جديداً على عجل، سيكون له في الفترة القادمة دورا ملموساً في الحرب حول كابول. وأسموه معسكر اليرموك. وقام على تمويله وقيادته عرب قادمون من الولايات المتحدة. كان الرافد العربى الأهم في دعم حكمتيار هم جماعة أبومعاذ الخوستى ( جماعة أبوالحارث سابقا). فقد كانوا أكثر خبرة قتالية. قمنا بزيارة قصيرة لمعسكر اليرموك الذي كان في بدايته المبكرة.
– ما أن صرنا على الطريق العام حتى سمعنا صوت طائرات. إنها الطائرات الأفغانية ذات اللون الفضي. ظننا أنها لن تقصفنا بعد أن أصبحت “طائرتنا”. فصاح أبوالحارث بصوته الجهوري وهو يلوح لها بيديه ( طيران إسلام.. طيران إسلام ).
وسريعا جاءه رد التحية بسلسلة من القنابل الثقيلة. اثنتان قريبتان منا جدا، سقطت الأولى على الأرض الزراعية الغارقة بمياه قنوات الري المحطمة، فغطتنا بالطين والأحجار. كان عندي وقت حتى أقذف بنفسي تحت شاحنة متوقفة إلى جانب الطريق. القنبلة الثانية أكثر قربا منا، ولكن موقفي كان أفضل وكذلك معظم الباقين ماعدا الكومندان خواناى الذي أصبح تمثالا من الطين. فوقف بعدها يسب ويلعن، بالصوت الأعلى، مسعود ودوستم وباقي أقاربهما من الأعلى والأسفل. سقطت قنابل أخرى قريبة من مركز العرب ولكن بلا إصابات.
حكمتيار يوجه الرسائل باللاسلكي إلى قواته في كابول: تقدموا.. قاتلوا حتى ترتفع رايات الحزب الخضراء فوق كل كابول.
ومع هذا فأخبار كابول تفيد باستيلاء غريمه مسعود على كل ما هو مهم فيها، ولم يتبق لحكمتيار سوى الفتات، يقال أن من بينها وزارة الداخلية والضباط البشتون فيها. فريق الضباط البشتون المنضمين إلى حكمتيار شمل أسلم وطنجار بطل الانقلاب الشيوعي عام 1978، والجنرال شاه نواز تاناي رئيس الأركان السابق وبطل الانقلاب المنتظر الذي فشل عام 1990.
– اجتمع حول حكمتيار أقطاب التآمر التاريخي في أفغانستان وعزز ذلك نزعته التآمرية الانقلابية التي لم تنجح ولو لمرة واحدة في تاريخه. فرتب مع الانقلابيين الشيوعيين السابقين مؤامرة جديدة للاستيلاء على كابول ولكنه فشل كالعادة.
تحميل مجلة الصمود عدد 197: اضغط هنا
السبت 25 أبريل 1992:
أشعر بحزن شديد من التشكيل الحكومي الجديد في بشاور والتي أسميتها حكومة “بطرس غالي” سكرتير عام الأمم المتحدة، وكان وقت تشكيل تلك الحكومة موجودا في” إسلام آباد”. وصلتنا أخبار تقول بأن رئيس وزراء باكستان “نواز شريف” بذل مجهوداً كبيراً في تشكيل حكومة مجددي.. المفارقة هي أن المجاهدين قد وصلوا إلى أطراف كابول بينما تركوا أمر حكومتهم كي تشكلها لهم عناصر غربية في بشاور.
هناك اشتباكات بين مسعود وحكمتيار. الأول يستخدم الطائرات في القصف وحكمتيار يتبع أسلوب غريبا كانت نتائجه عليه سيئة جدا. كان يذيع على أجهزة اللاسلكي وعبر بيانات للإعلام بأنواعه عن معلومات مختلقة تماما عن تقدم على الأرض، وإنجازات ومعارك لا أصل لها في الواقع. كان ذلك ديدنه طوال حياته الجهادية، ولكن ليس إلى هذه الدرجة التي نشاهدها الآن. خاصة أنه يتكلم عن العاصمة وما حولها وليس عن مناطق نائية لا يصلها أحد. لذا فسرعان ما تبين زيف إدعاءاته، وبسرعة انهارت هيبته ومصداقيته داخليا وخارجيا.
اليوم أخبار اللاسلكي من طرف حكمتيار تتكلم عن تقدم للحزب في أهم منشآت كابول مثل وزارة الدفاع ودار الأمان. وتكلم أيضا عن اشتباكات عنيفة مع قوات مسعود التي تساندها الطائرات. حكمتيار هدد بقصف المطارات حتى يمنع الغارات ضد قواته، وأيضا لمنع حكومة مجددي من الوصول إلى كابول عن طريق الجو. راديو لندن شكك في جدية تلك التهديدات وعدم قدرة حكمتيار على تنفيذها.
أخبار بشاور تقول أن حكومة مجددي مكونة من خمسة عشر وزيرا وأن مدة رئاسته للدولة هي شهر واحد (!!) يعقبه بعدها برهان الدين رباني لمدة أربعة أشهر، ثم تأتي انتخابات لاختيار مجلس شورى.. الخ.
استسلمت كابول تماما هذه الليلة، علمنا ذلك في صباح الغد، وبهذا يكون تسلسل تساقط المدن الرئيسية قد تم كالتالي: استسلمت جرديز، وبعدها بثلاثة أيام استسلمت جلال آباد، وبعد ذلك بيومين استسلمت كابول.
ذهبنا ليلا إلى مركز الدبابات في جرديز لمقابلة مولوي حقاني، كان في جلسة شورى موسعة ومعه مولوي نظام الدين والجنرال صافي. بعد ذلك هناك اجتماع آخر مع جنرالات جرديز المستسلمين. فأخذنا منه موعدا للغد.
الأحد 26 أبريل 1992:
في الثامنة والنصف صباحاً جلسنا مع مولوي حقاني في غرفته في مركز الدبابات.
قال حقاني يصف ما حدث في كابول:
{البقية في الحلقة القادمة إن شاء الله}
تحميل مجلة الصمود عدد 197: اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )