ذات يوم (10)
(في الذكرى الحادية عشر لإستشهاده )
بن لادن في “حرب مياه” مع فلاحين مصر
قرية عرب خيل جنوب مطار قندهار، تعيش عذاباً في أيام الصيف الذى لا يرحم.، فتلك البيوت الإسمنتيه تشبه قِدور الضغط التى تُنْضِج لحوم البشر، ولاترحم الأطفال ، وتجعل النساء أكثر إستعداداً لقتال أزواجهن بعدوانية أكثر من المعتاد. فالأطفال أكثر بكاءاً، والأفاعي والفئران أكثر نشاطاً وعصبية.
– بعد صلاة الفجر فى أحد الأيام خرج سيف العدل من المسجد وهو يقدح زناد الفكر بحثاً عن شئ جديد يستقبل به لهيب اليوم القادم بعد قليل . خرج سيف للسَير على حواف القرية، بمحاذاة تِرعة مبطنة بالأسمنت تابعة لمشروع زراعي قديم أقامه الروس. وبصفته فلاحاً من محافظة المنوفية بمصر، خطر فى ذهنه أن يبدأ مشروعاً زراعياً في القرية يخفف من غلواء الحر، وينتج بعضاً من الخضروات التى يشتاق إليها ، خاصة “الملوخية” الخضراء الحبيبة . وشئ من الجرجير والبقدونس . وهى أشياء لا يعرفها الأفغان .
– مع البحث وجد ذلك الفلاح المنوفي (وضابط المظلات لاحقاً) أثار قناة رىّ صغيرة جداً، كانت تمتد بالقرب من القرية. فقام بعملية إنزال سريعه عليها، واستخدم أسلحة الزراعة المتوفرة لديه فى المنزل خاصة الكُريك (الجاروف). وقام بتتطهير القناة من الأتربة. ثم تحايل على التِرعة الأصلية حتى جرت المياه إلى القرية. ذكَّرَه ذلك بالفيلم المصري الشهير (الأرض) الذى كان يصوِّر صراع الفلاحين من أجل حقهم قى المياه.
– شاع في القرية أن سيف العدل صار إقطاعياً، وأنه يزرع حديقة منزله بالخضروات، ومَدَّدَ إليها قناة رى من التِرعة الرئيسية. لم يأخذ أحد الأمر على محمل الجَدْ إلى أن إخضوضرت حديقة سيف العدل ، وظهرت بشائر نباتات غامضة ، نسىّ الجميع منظرها منذ زمن.
– ولأن الشيطان شاطر، فقد دبَّت الغيرة في قلب جاره أبو حفص المصرى، الذي تسلل بعد صلاة الفجر وقطع المياه عن بيت صديقه سيف العدل، وحوَّلها إلى حديقة منزله. فوجد سيف العدل أن حديقته فارغة من المياه. فحمل “الكُريك” على كتفه ، عازما الدفاع عن حقه فى ري أرضه”!!”، وعيناه تقدح شرراً ، ” مثلما كان الفلاح عبد الهادى فى فيلم الأرض”.
– تتبع سيف العدل مجرى الماء ، فَعَلِم أن السارق هو جاره العزيز أبو حفص المصري”!!”. ولأن المياه مسألة حياة أو موت لدى الفلاح المصرى، فقد كان العتاب والنقاش حاراً بين فلاح المنوفية وفلاح البحيرة، لدرجة أيقظت عدداً من الجيران، وكان أولهم أسامة بن لادن الذى هو الجار الثالث لهما. فكان حَكماً بينهما . واقتنع بحجة أبو حفص (بأن الماء لا يمر على العطشان ). فاستجاب سيف على مضض. واستمر أبو حفص فى تقسيم حديقته وسقايتها. واستمر الأمر إلى المساء على أمل أن يكمل ريّها فى الصباح ( بالمناسبة أبو حفص هو مهندس زراعي، وضابط في سلاح الصواريخ المضادة للطائرات. وهو يجيد كل شئ فى العالم ما عدا هذين التخصصين ).
– كان دور بن لادن عظيماً في مسألة الخلاف بين الفلاحين وتقسيم المياه بالعدل بين سيف العدل (الضحية) وأبو حفص (المُتَعَدِّي) على المياه.
– المفاجأة كانت في صباح اليوم التالي عندما إكتشف أبو حفص أن المياه قد قطعت عنه. فحمل الكُريك وخرج ليقاتل دفاعاً عن حقوقه في المياه. وتتبع المجرى فوجد أن متحدياً أخر قد سرق المياه وحولها إلى منزله، وكان هذه المرة هو أسامة بن لادن شخصياً”!!” .
– وهنا تعقدت الأمور. فذهب أبو حفص إلى سيف العدل واتفقا على الذهاب إلى أسامة بن لادن للإتفاق على حل لمشكلة المياه التى تهدد أمن واستقرار القرية.
أسامة بن لادن بصفته دبلوماسي محنك إخترع حلاً سريعاً ، وقال لهما أن الحل هو تقسيم المياه وتوزيع الأيام فيما بينهم على أن تكون الأولوية للمزارع الأكثر نجاحاً في زراعته.
فاقترح سيف العدل أن يكون مقياس النجاح هو مقدار إمتداد النباتات الزاحفة التي بدأت تنبت في حديقته، لأنه كان هو السَبَّاق في زراعتها. ذهل سيف العدل لأن بن لادن وافق بسرعة على ذلك العرض رغم أنه غير منصف.
وكل يومين أو ثلاثة كانا يجتمعان لمقارنة نتائج التنافس الزراعي فيما بينهما. فإذا قال سيف العدل أن زراعته تصل إلى كذا”سانتي متر” كان أسامه بن لادن يدّعي أن زراعته تصل إلى أكثر من ذلك بسانتي متر واحد. ووصل الأمر إلى أرقام غير معقولة. فشعر سيف العدل أن هناك خديعة واتفقا على أن يقوما بمعاينة المزروعات مع أبو حفص المصري كحكم.أو يعرضا المنتجات على المصلين فى المسجد للحصول على حُكْم جماعى من سكان القرية.
– تلعثم بن لادن قليلاً وهو يقول : ( في الحقيقة أن المزروعات عندى قد ماتت منذ اليوم الأول ولكنني كنت أقول لك الأرقام التى كان من المفترض أن تكون عليها لو لم تمت).
لم ينته الأمر هنا لأن سكان القرية/ وكانوا في حدود العشرين بيتاً/ قد سمعوا بأمر المياه وزراعة الحدائق والتنافس بين القوى العظمى في القرية. وفي الصباح التالى ليوم التحكيم وجد الثلاثي المتحارب على المياه أسامة بن لادن وأبوحفص وسيف العدل أن هناك حوالي عشرين قناة رىّ أخرى تذهب إلى المنازل وتسرق المياه من الفرع الذى يتنازعون عليه.
تعقدت مشكلة الزراعه أكثر وشحت المياه وتوسعت رقعة مشاكل الري وتنظيم المواعيد. حتى فشلت جميع التجارب الزراعية فى البيوت إلا القليل منها . فتحول سكان القرية من رجال ونساء وأطفال إلى تربية الدجاج والأرانب التى أكلوها بدون ملوخية.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )