من هم مغاربة سوريا
من هم مغاربة سوريا
الحديث عن مغاربة سوريا لم يعد يرقى إلى مستوى الظاهرة التي تتطلب التحليل والاستشراف سيما بعد الاندماج الذي انتهى بأكبر ممثل للعنصر المغربي (شام الاسلام) مع هيئة تحرير الشام حيث أصبحت تسير في فلكها وتوجيهاتها، بل أصبح أولئك المسؤولون عن الحركة يستنفدون جهودهم لخدمة سياسات الهيئة سواء في قمع المخالفين أو محاربة الفصائل المناوئة للهيئة، أو جمع المعلومات حول المغاربة الذين يغردون خارج السرب. هذا التحول في تلك البنية يحيل إلى تطور برغماتي لحفظ امتيازات الصف الاول على حساب أدبيات السلفية الجهادية التي أعلنها ميثاق حركة شام التأسيسي.
الوضع الجهادي المغربي:
من المعلوم أن العقيدة القتالية التي يتمتع بها المغاربة الذين هاجروا إلى سوريا جعلت منهم رقما مهما بالنسبة للمشروع الجهادي، حيث كانت التضحيات التي يبذلونها عامل مهم في تثبيت العنصر السوري بالإضافة إلى الاستبسال في المعارك، كل هذا رفع مستوى الشعبية في الوسط السوري خصوصا في الفترة التي شهدت إمارة ابو احمد المغربي.
لم ينظو كل المغاربة تحت شام الاسلام، بسبب جملة من السلوكيات يمارسها بعض المسؤولين كانت عامل تنفير لدى البعض، في حين تطلع آخرون إلى العيش بحرية بعيدا عن الرقابة داخل الحركة التي كانت تسير وفق سياسة منح الثقة والامتيازات لذوي السوابق في السجن (إخوة السجن) باعتباره أساس التزكية بين الأفراد، وإبعاد وتهميش الوجوه الجديدة التي لم تحظ بشرف الاعتقال في السجون المغربية! أو على الأقل ابقائها في مستوى الامتثال إلى الأوامر وعدم الإعتراض بما يخدم توجهات اللوبي المسيطر تحت عباءة وعناوين الجهاد والرباط.
من المفارقات أن الحركة في فترة سابقة لم تطرح خيار الاندماج بفرع القاعدة في سوريا رغم التوافق الأيديولوجي بينهما، رغم جهود جبهة النصرة خاصة في فترة تولي ابو انس الجزراوي الإمارة مع الرمزية التي يمثلها الأخير في تاريخ تنظيم القاعدة. في حين توحدت معها في فترة لاحقة بعد إعلان الجولاني الابتعاد عن التنظيم وادبياته واختيار نهج يتعارض كليا معه، كما تزامن هذا الاندماج مع بداية اعلان حرب على الفصائل – ارتبط هذا التطور ب ابو محمد البيضاوي الذي أصبح الآن ضابطا في الكلية العسكرية- من قبل الجولاني ما جعل العنصر المغربي على الاقل جزءا مكونا لتلك الحرب باعتباره زخما عسكريا استخدمته “فتح الشام” للوصول إلى السيطرة على الموارد والمعابر التي كانت بحوزة تلك الفصائل، أثار هذا جملة من الردود والمواقف من طرف بعض المغاربة الذين تبلورت لديهم حقيقة ما يسعى إليه اللوبي المغربي مع الجولاني، بالإضافة إلى التراجعات العسكرية والمحرقة التي كان يذهب ضحيتها الشباب لتسقط المناطق رغم ذلك وتعلن الاتفاقيات التي تقسم بموجبها الحدود والخطوط.
الفسيفساء المغربية في سوريا :
يمكن القول إن المغاربة تباينت سبلهم إزاء تلك التطورات التي استجدت على المعطيات السياسية والعسكرية حيث اختار البعض أن ينأى بنفسه عن كل ذلك ويعيش بعيدا عن جو الفصائل أشبه ما يكون بشخص مدني وهؤلاء عرفوا بإسم :(المستقلين) تبقى الإشكالية التي يجب عليهم مواجهتها في إيجاد طريقة لتأمين وضعهم المعيشي حيث لا يحظى المستقل بأي امتياز أو مقابل مادي ما يجعله يعيش نوع من المعاناة على ذلك المستوى،الا اذا كان صاحب مهنة أو حرفة يمكنه العيش منها أو لديه رأس المال ليستطيع أن يخوض غمار التجارة والا مصيره العيش بين الخيام مع اللاجئين في انتظار ما تجود به المنظمات. وهناك من دخل في تجمع اخر يطلق عليه (الرابطة) يهدف إلى تجميع الساخطين على الوضع والابتعاد بهم عن الاستقلالية والاستفادة من تواجدهم لطرح أنفسهم كمنافس للحركة ونموذج بديل يتحاشى تلك الأخطاء، من جهة اهتمامه بحاجيات الإخوة ومشاكلهم والبحث عنهم في حالة فقدانهم أو غيابهم ومتابعة قضايا المعتقلين المغاربة، فهو تجمع لا ينخرط في العمل العسكري ولا يعتبر جزء من العمل الثوري وان كان العديد من المنتمين إليه في صفوف الهيئة أو فصائل أخرى.
أما من انظم لهيئة تحرير الشام فهو يمارس ما يتطلب منه من مهام عسكرية وإدارية ووو مقابل راتب شهري متواضع وسلة إغاثية ويتفاوتون في ذلك على درجة السلم الذي ينتمون اليه، كما يبدو أن المسؤولين(الحركة) الذين اهدوا للجولاني الجنود والسلاح ليسوا كغيرهم في سلم الامتيازات. من المعلوم أن الهيئة ترفض أي تجمع خارج نطاقها أو يجنح بنفسه نحو الاستقلالية لذا يبدو أن الرابطة سينتهي بها الأمر إلى الدخول في فلك الهيئة كذلك. بقي الإشارة إلى أن هناك بعض المغاربة اختاروا لأنفسهم الالتحاق بفصاىل أخرى ك جبل الاسلام والاحرار وأنصار الإسلام.
مع تشكيل نظام الالوية الذي اعتمدته هيئة تحرير الشام وتأسيس الكلية الحربية الذي يمنع بروز الكثل التي تدخل كجماعة أو فصيل نستطيع القول إن مسمى الحركة لم يعد له كيان مستقل قائم بل بات جزءا متفككا ضمن ألوية عسكرية. ومع تجميد الصراع اقتصرت المهام العسكرية حول الرباط وتخريج الدورات العسكرية هنا وهناك، احيانا يختار الجهاز الإعلامي للحركة سابقا أو بعض المتطوعين من قدامى المحاربين المغاربة أن يوثقوا ذلك مشيرا إلى ثباته على المبادئ الاولى رغم التغيرات التي طالت كل ذلك!
في ظل هذا الواقع تطفو على السطح قضية اصوات المهاجرين المغاربة الذين تراودهم مشاعر الخيبة وفقدان الأمل نتيجة تحولات طالت القضية التي هاجروا لأجلها، فإذا بهم يجدون أنفسهم غارقين في فوضى لا تكاد تهدأ ، تفاهمات سياسية وصراعات داخلية وتمزق نسيج العمل الجهادي يعكسه كثرة المسميات والفصائل ناهيك عن التراجعات في الميدان العسكري، يبقى العامل المادي حجرة عثرة أمامهم بسبب غلاء أسعار العبور الى تركيا ومنع هيئة تحرير الشام عمليات خروجهم ناهيك أيضا عن وجود أعداد من المصابين والجرحى الذين لا يسمح لهم وضعهم الحرج بخوض تجربة العبور بالتهريب.
انتهى.
بقلم : أديب أنور
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )