الجهاد وسلامة الجبهة الداخلية
الفتنة طريق مختصر إلى الفشل الجهادى السريع .
– التكفير أداة للتدمير المعنوى الشامل الذى تستخدمه السلفية العربية ضد من يخرج عن تصوراتها الفقهية.
– تمسكت الإمارة بحكم المذهب الحنفى، وفتاوى العلماء الأفغان ـ وإعتبرت أعداءها المحاربين الداخليين أنهم {مخالفون} ولم تعتبرهم {كفاراً مرتدين} سواء كانوا سنة أو شيعة أو أى قومية عرقية.
– الفتن أصبحت /هندسة وصناعة/ قامت حولها منظومة من المتربحين وخبراء هندسة الفتنة ، بهدف جمع الثروة حسب قوانين الصناعة والإقتصاد.
– الجهاد عملية معقدة وخطرة تدور داخل وعاء إجتماعى . و السلفيون العرب يبدأون بتكسير ذلك الوعاء الإجتماعى حتى قبل أن يبدأ التفاعل الجهادى بداخله.
– تبرأ الصِدِّيق رضى الله عنه من تجاوزات خالد بن الوليد. فهل جيلنا معصوم من فضيلة العودة إلى الحق والتبرؤ من الباطل ؟؟.
– أبطال الجهاد السلفى (الغرباء عن العراق ،الوافدون عليه، لم يبالوا بتدميره، كما لم يبالوا بتدمير أفغانستان الغريبة عنهم والغرباء عنها). فلولاهم ما حدثت فتنة بهذا المقدار ، ولا إستمرت طول هذه المدة ، ولا أمتد بقاء الإحتلال كل هذه السنين .
– بعض الشيعة فى العراق يطلق عليهم “وهابية الشيعة” ، يكفرون أهل السنة وارتكبوا فى حقهم جرائم شنيعة، بصرف النظر عن البادئ بالفعل ورد الفعل .
– بمثل قيادة الإمارة الإسلامية، يتحول الشيعة إلى مُكَوِّن رئيسي فى صناعة الإنتصار .. وليس حائط مبكي ، أو مشجباً لتعليق أعذار المنهزمين الفاشلين.
– الإحتلال إستخدم الأقليات العرقية والشيعة فى أجهزة الدولة العليا /الإداية والسيادية/ بهدف خلق الفتنة . وتوسع فى تقسيم السنة بتوظيف الإخوان المسلمين والمجاهدين القدماء فى قيادة أجهزة المخابرات.
– كل مواطن ـ مهما كان مذهبه أو قوميته ـ يمكنه تقديم نفع وخدمة للمجتمع والإمارة. لأجل ذلك يُعتَبر كل مواطن ثروة وقوة للإمارة وشعبها .
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
التطرف الفقهى مدخل إلى فشل الجهاد العربى :
من الدروس الهامة من الحروب الجهادية فى أفغانستان ضد السوفييت ثم الأمريكيين وقبلهما الإنجليز، كان درس يقول :
[ يحظر على المجاهدين خوض حربين فى وقت واحد . ليبقى التركيزمنصباً على معركة أساسية مع(العدو الصائل) ـ وهو العدو الكافر القادم من الخارج ـ وأى قوات “إسلامية” ترافق العدو الصائل ، يقاتلها المجاهدون ، بإعتبارها (جيش كافر صائل) ].
وتوسع الأمريكيون فى إستخدام “قوات إسلامية حليفة” أكثر مما فعل من سبقهم من غزاة كافرين.
فكان معهم مسلمون من الإمارات والأردن وتركيا ـ وهى عضو فى حلف الناتو المشارك الأصيل فى الغزو ـ وكان الأتراك المسلمون الأكثر عددا بين جنود الناتو ، وكانوا فى المرتبة الثانية بعد الجنود الأمريكيين. كل هؤلاء شملهم التعريف الشرعي {العدو الصائل} الواجب دينيا مدافعته كأولوية مطلقة بعد الإيمان بالله.
– بعد قيام الإمارة الإسلامية ، وبتحريض من أمريكا وحلف الناتو، فإن جميع دول الجوار بما فيهم إيران وباكستان وأوزبكستان وطاجيكستان، دعموا بجميع السبل طوائف داخلية على أسس عرقية أو مذهبية . وكان للإعلام الغربى دوراً هائلا فى التحريض وإثارة المخاوف والعداوات بين الشعب الأفغانى .
ومع ذلك تمسكت الإمارة بحكم المذهب الحنفى، وفتاوى العلماء الأفغان ـ وإعتبرت أعداءها المحاربين الداخليين ـ رغم العون الخارجى لهم ـ أنهم{مخالفون} ولم تعتبرهم {كفاراً مرتدين} كما كان يطالب العرب المجاهدون فى أفغانستان ـ وحتى من خارج أفغانستان. ومازال التكفير أداة للتدمير المعنوى الشامل ، تستخدمه السلفية العربية ضد من يخرج عن تصوراتها الفقهية ، حتى تلك التى تنفرد بها عن الأحناف ، وهم الغالبية العددية من بين المسلمين السنة .
– لهذا فأعداء الإمارة من داخل البلد لا يُحْسَبون كأعداء (أبديين) كما يفعل العرب مع الشيعة إذ يحولون الخلاف إلى حرب أبدية لا تنتهى إلا بإستئصال المخالف ـ لأنه صفته العرقية لا تزول وكذلك صفته المذهبية.
– لم تفعل الإمارة ذلك مع أى من أعدائها المسلحين من أى عرق أو مذهب . حتى أنها لم تفعله مع الهندوس (أو السيخ ) لأنهم لم يرفعوا السلاح ضدها ، فهم يعملون فى التجارة غالبا ، لذا يخضعون لأى حكومة متغلبة، ولا يغامرون بمصالحهم ولا يشاركون بنشاط عسكرى أو سياسى (إلا فى حالات فردية قليلة).
– حاسبت الإمارة العاملين فى صفوف النظام بشكل فردى، وأسمتهم ” المخدوعون”، ولم تحاسب القبائل أو الطوائف على أخطاء منتسبيها. بل تعاملت طبقاً لقاعدة [إستخدام السلاح ضد من إستخدم السلاح فى الميدان ضد الشعب] ، ولا يتخطى العقاب أبعد من ذلك، فيتحول عمليا إلى محاربة الشعب كله ، وذلك مستحيل. وكان تطبيق القاعدة القرآنية الكريمة [ لا تزر وازرة وزر أخرى]. وقرار الإمارة بالعفو العام عمن عملوا مع النظام ، أثَر إعجازيا فى كبح فتنة عاصفة لا تبقى ولا تذر، كان العدو يجهز لها منذ سنوات على أن تبدأ مع إتمام إنسحاب قواته ، وتولي الإمارة مقاليد الحكم.
الفتنة طريق مختصر إلى الفشل الجهادى السريع :
هناك ثلاثة نصوص تنير لنا هذا الموضوع بشكل لا بأس به .. كتبها كل من :
1 ـ محمد حسنين هيكل ـ وهى فقرة من كتاب عام من الأزمات (ص17 ـ 18) .
2 ـ د.عبد الله النفيسى ـ وهى مقال ضمن كتاب “الحركة الاسلامية ، رؤية مستقبلية” (ص 249).
3 ـ أبو مصعب الزرقاوى ــ فى رسالة إلى أسامة بن لادن .
أولا ــ هيكل وهندسة الفتنة :
يقول هيكل فى كتابه: { فى الأزمنه الحديثة فإن صناعة الفتن ، إلى جانب عوامل الفتن ، لم تعد عود ثقاب يلقى بالمصادفة أو بالعمد على حطب . بل أن صناعة الفتن تحولت إلى “هندسة” الفتن ، وأكثر من ذلك فإن البراعة فى الهندسة وصلت أحيانا إلى هندسة الماضى وتركيب تاريخ المجتمعات بما يوافق مقاصد الأقوياء } .
وكأن هيكل يتكلم عن الفتنة بين السنة والشيعة. وكان يتحدث عن عام 2000 . ومنذ ذلك الحين تراكمت لدى المسلمين خبرات عظيمة فيما أسماه هيكل(صناعة الفتنة) و(هندسة الفتنة) . تضاف تلك الخبرات الحديثة إلى تَرَاكُم ـ ربما كان الأعظم لدي الجنس البشرى ـ فى عبقرية صناعة الفتنة وهندستها ـ وأبراز مصاديقها هو الفتنة/ التى يريدونها أبدية/ بين السنة والشيعة .
عملت تلك الفتنة عمل السرطان المزمن فى جسد متهالك لا يجد سبيلاً للعلاج ولا قدرة على تغيير خلاياه المريضة . فيكون الحل الإجبارى هو الإستمرار على نفس “المنهج ” القاتل .
ــ وذلك حال الأمة ، عندما لا تمتلك علماء ذوى مؤهلات علمية وأخلاقية لإعادة الفحص والتقييم ، للخروج بتشخيص جديد للأزمة ، مع وصفة للعلاج .لأن تلك العملية فى حاجة إلى علماء مستقلين ماليا وسياسيا وغير خاضعين للإرهاب والضغط الحكومى، أو سيطرة القوى الخارجية المتحكمة بالجيوش وجبروت التحكم الإقتصادى.
علاج الفتنة المذهبية المتأصلة يلزمه علماء دين. ولا سبيل إلى ذلك لأن معاهد تخريج العلماء صادرها الإستعمار منذ قرنين أو أكثر ، وإستمرت الحكومات الوطنية فى أداء رسالة الإستعمار فى”تنقية وتصفية” المناهج العلمية ، و”تطهير” معاهد العلم من أصحاب المواهب العلمية أو الطهارة الأخلاقية ـ وفعلوا ذلك أيضا فى الجيوش وأجهزة المخابرات والأمن .
وامتلأت ساحة العلماء بأدعياء العلم ، وجهلة العلوم الشرعية حاملى أعلى الشهادات ، ثم أنطاع العلم فى بلاد شتى ، خاصة فى عواصم الحضارة الأوروبية . فظهر أن العلاج عن هذا الطريق شبه مستحيل. ومن المؤسف أنه الطريق الرئيسى.
الفتن أصبحت بالفعل/هندسة وصناعة/ قامت حولها منظومة من المتربحين وخبراء هندسة الفتنة ، بهدف جمع الثروة حسب قوانين التجارة والإقتصاد .
وبالتالى فإن أى حديث عن إصلاح أو علاج فسوف يجد على الفور قوى شرسة ،جاهزة ومدربة على المواجهة العنيفة وغير الشريفة. فتسعى إلى تحقيق نصر حاسم وسريع، لأنها قوى عالمية مترابطة رغم مظهرها المحلى أو الإقليمى . وجبهة الفتنة المحلية تحظى بدعم وتوجيه ورقابة قيادة الفتنة العالمية. بحيث تتم معاقبتها أو إستبدالها بمنحرفين جدد أكثر عبقرية وحيوية . فالهزيمة غير مسموح بها على أى مستوى مهما كان محدودا ، خوفا من أن يحدث إنهيار متسلسل حسب نظرية (أوراق الدومينو) حين ينهار البنيان كاملاً بالتتابع مع سقوط أول حجر.
– وكما يتعذر إيجاد عناصر إصلاح بين علماء الدين حاليا ـ فإن المسألة أصعب فى مجال العلوم الإنسانية، خاصة وأن التاريخ تم إستخدامه بوحشية فى تأجيج الفتنة ودواعيها . فالتلاعب بالتاريخ مستمر منذ وقت مبكر جدا من قيام الدولة الإسلامية . وأخذ يتراكم بعضه فوق بعض ، وكل حقبة من التزوير تستمد صدقيها من التزوير الأقدم ـ بإفتراض أن الأقدم أصدق .
والأخطر هو تزوير الأدلة الشرعية ، أو بتأويل بعض النصوص. فالشرعية الدينية قديماً كانت دافعاً لتحريك شعوب المسلمين أقوى بكثير مما هى عليه الآن.
صناعة الفتنة بشكل متقن ، تجعل الفتنة أكثر تدميرا . وهذا فن فى أوج تطوره حاليا . فالركام التزويرى هائل ، وكذلك أنظمة تشغيل وإدارة وصناعة الفتنة وإستثمارها إقتصاديا وإستراتيجيا وأخلاقيا وثقافيا لصالح جبهة (الكفر العالمى).
ومع ذلك يمكن إكتشاف جزء كبير من منظومة ـ هندسة وصناعة وتشغيل وإستثمار الفتنة فى حال صدامها مع أى قوة إسلامية حقيقية. وكانت إشتباكاتها مع المجاهدين الأفغان خير توضيح وكشف لإمتدادات تلك الشبكة العالمية ومدى قوتها ودرجة إختراقها للعالم الاسلامى ـ ليس فقط على المستوى الرسمى والحكومى ـ بل الأخطر إكتشاف إختراقها لمنظمات التكفير السريع، وتجمعات أشباه العلماء ضمن حِزَم وروابط صنعتها المشيخات النفطية.
ثانيا ـ النفيسى والتنظيم الدولى :
قال النفيسي فى كتاب الحركة الإسلامية ، رؤية مستقبلية فى مقال بعنوان الإخوان المسلمين فى مصر : التجربة والخطأ.
( ولنا ملاحظة على عنوان المقال : إن الحركة الإسلامية لا تكره الكفر قدر كراهيتها لأى حديث عن أخطاء الحركة ، ناهيك عن إنحرافتها أو ـ لا سمح الله ـ جرائمها . وهى حصانة مطلقة تمنحها الجماعات الإسلامية لنفسها . ولكن الحظر أشد قسوة من جانب المجموعات الجهادية نظرا لأنها تتعامل مع موضوع الحرب والدماء ، والأخطاء فيه مؤلمة ـ رغم أنها واردة جدا .
لذا ينبغى مناقشتها لأجل تجنب الأخطاء ولتطوير العمل الجهادى ، لكن ذلك عمل خطير. فأولياء أمر الجهاد ـ أى الممولون ـ يريدونه جهاداً ملئ بالأخطاء ومُفْضِى إلى كوارث وإحباطات ونكسات تحيق بشعوب وبلدان المسلمين . بينما الجماعات تُسعِدُها الشهرة والعنتريات البلهاء) .
نعود الى نص كلام النفيسى .. فيقول :
{ شكَّل التنظيم الدولي للإخوان لجنة أسموها بتسمية تدل على قصور سياسي بَيِّن ، وهكذا تشكلت لجنة فتح إيران وجعلوا عمَّان (الأردن) مقرا لها، وعينوا لها رئيساً، وأفرزوا لها العناصر ووضعوا لها الميزانية من أموال أعضاء الجماعة الذين يدفعونها ولا يعرفون كيف تُصْرف ولا فى ماذا إنفقت ، فالثقة فى القيادة مطلقة وعمياء . ومن غريب الأمور أن تكون مهمة هذه اللجنة ـ بل إحدى مهامها ـ تحويل الشعوب الإيرانية الى مذهب أهل السنة ، وكأن هذا الأمر صار من أولويات العمل الاسلامى على إفتراض إمكانيته . ألم يكن من الأولى أن يشكل التنظيم الدولى للإخوان بقيادته التى تفتقر إلى الشرعية والأهلية لجنة لفتح القدس وتحرير الأقصى ؟ لكنه القصور السياسى وسؤ تقدير الموقف الذى يجعل صاحبه يتعامل مع الأوهام وكأنها حقيقة }.
– إجتماع الإخوان الدوليين فى الأردن والذى أشار إليه النفيسى جاء متقاربا مع صدور كتاب (شمعون بيريز) ـ رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ـ عن الشرق الأوسط الجديد، ورؤيته المستقبلية الإستراتيجية لهذه المنطقة تحت السيادة الإسرائيلية ـ وتغير معادلة الصراع الذى لم يعد عربيا / إسرائيليا بل أصبح بين معسكر يجمع إسرائيل مع (العرب السنة ) ضد محور (إيران والشيعة) الذين يمثلون خطراً على المنطقة وشعوبها .
وقد أسرع ملك الأردن إلى تأكيد ذلك المعنى، بأن إيران هى الخطر الأول على الأمة العربية وليس إسرائيل ـ ثم اتبعه التنظيم الإخوانى الدولى .
وفى وقت قياسي بالنسبة لتغيير جذري وخطير بهذا الشكل، صار ذلك الطرح الإستراتيجي الذى قدمه (بيريز) هو وثيقة عمل، ومنهج إعتقاد(للسلفية العربية) الدعوى ومنها والجهادى ـ الحكومى والشعبى ـ حتى أصبح العداء للشيعة هو أعلى درجات الإيمان وأول خطوات الدخول إلى الإسلام حتى قبل شهادة التوحيد. وكأن التوحيد وحده لا يكفى إذا لم يتم دعمه بإعلان عداوة مطلقة للشيعة ممتدة ومتصلة مع جريان التاريخ والأزمان .
فأعيد تنقيح تراث الفتنة ، وهو هائل الحجم ومتراكب بعضه فوق بعض. وأعيدت صياغته بما يتناسب مع وقائع الصراعات الحالية والحروب والأزمات والكوارث بحيث يعود كل بلاء ـ مضى أو قادم أو قائم ـ إلى الشيعة وإيران .
– لم يكن الأمر كذلك مع باقى الأديان والأمم . فعندما تتشعب مذاهب الدين، يتم الإحتفاظ بمساحة للتعايش رغم الخلافات الكبرى والحروب البشعة أحياناً ـ فلا تصير الأمور إلى حتمية إستئصال فئة لأخرى كشرط لازم للإستمرار. وإذا سارت الأمور فى هذا المنحنى الخطير فسريعا ما يعود بها (عقلاء) أصحاب فكر أو دين أو مصالح أو أيا كان، إلى مبدأ التعايش رغم الإختلاف ـ بل والتعاون وربما التحالف ضد عدو خارجى . وتلك كانت من أنجح المخارج لديهم على الدوام . أى تصدير أزماتهم نحوعدو خارجى .
– كان ذلك مسموحا وممكناً لجميع الأمم ولكنه محظور على المسلمين. والحديث عنه يعنى إعلان حرب ، أو التصدى لمدفعية مستثمرى الفتنة الإسلامية على إتساع العالم . وأخطر أنواعهم هم “كوماندو التكفير السريع” من طبقة أغبياء الفتنة ، من ذلك النوع الذى قال عنه السيد المسيح :{ لم يُعْينى علاج الأكمه أو الأبرص، ولكن أعْيانى علاج الأحمق}.
– يتكلم النفيسي فى مقاله عن إنحراف الإخوان عن قضية فلسطين وتحريرها وتطهير مسجدها الأقصى إلى برنامج بديل (نابع من رؤية بيريز) هو تحرير إيران (!!) وإجبار أهلها على التحول إلى المذاهب السنية (!!) . منذ ذلك الوقت تأصل التحول التاريخى، والإنحراف العقدى والسياسى والأخلاقى، حتى صار كالآتى :
كل العداء لإيران وكل الحروب عليها، لأنها متحالفة مع أمريكا وإسرئيل . والعداء بينهم ظاهرى!!. والنتيجة هى ضرورة عقد سلام مع إسرائيل (وأمريكا ) وشن الحرب على إيران والشيعة بإعتبارهم أصل المشكلة .
أو كما قال زعيم قاعدى فى اليمن أن تنظيمه يقاتل الشيعه (الحوثيين) لأنهم صنيعة للأمريكان ويتلقون منهم الدعم (!!) بينما أهل السنة يستهدفهم الطيران الأمريكى . على الأقل تلك الرؤية تعتبر معتدلة لمن يقف على رأسه وقدميه إلى أعلى .
لأن هناك حقائق شائعة وموثقة تتكلم عن عشرات مليارات الدولارات لشراء أسلحة “للتحالف العربى” لضرب اليمن . الذى يعانى شعبه من حصار ومجاعة وأمراض معدية شملت معظم الشعب بنسبة غير موجودة فى العالم خارج اليمن .
ولكنها “عقيدة بيريز الصحيحة” فى تطبيق إبداعي مسلح . فالقاعدي الكبير لم يسمع من بلاد الحرمين إلا عن تجاوزات أخلاقية كبيرة ، ونسى أن المصيبة تخطت ذلك بمراحل، وأن السيطرة اليهودية على الحرمين الشريفين أمر واقع . وأن إسرائيل هى الحاكم الحقيقى للسعودية ومشيخات النفط . وأن حرب اليمن مجرد تأمين لتلك الإمبراطورية اليهودية فى البلاد المقدسة . وأن التحالف العربى جاء إلى اليمن ليس لقتال الحوثيين ونشر العقيدة الصحيحة ، بل لإخراج اليمنيين من جزيرة العرب/ أو إلغاء قدرتهم وفاعلياتهم/ لتأمين التواجد اليهودى فى الجزيرة . فإلى أين ستذهب قوات القاعدة والإخوان وقتها إلا أن تتحول إلى “صحوات” أو”أربكية” لدى الإحتلال الإسرائيلي؟.
ثالثا ــ من الزرقاوى إلى أسامة بن لادن
للزرقاوى أقوالا مريرة عن الشيعة، بالهجوم الشامل عليهم مذهبيا وتاريخيا وسياسيا وثقافيا . الفقرة التالية مقتطفة من أحد رسائلة إلى أسامة بن لادن ـ أميره تنظيميا ـ حول رؤية الزرقاوى وأركان حربه من كبار مجاهدى السلفية العربية ــ ومن الدعاة الوهابيين والمحاربين السابقين فى أفغانستان وغيرها . تتحدث الأوساط الدعائية لتلك السلفية بكل حماس وفخر عن مثل تلك الأدبيات خاصة ما نشر بإسم الزرقاوى من العراق ، بصفته الأكثر مصداقية خاصة بعد إستشهادة على يد القوات الأمريكية. كتب الزرقاوى فى رسالته إلى بن لادن قائلا :
{{ الرافضة : هؤلاء فى رأينا مفتاح التغيير ، أقصد إستهدافهم وضربهم فى العمق الدينى والسياسى والعسكرى سيتفزهم ليظهروا كَلَبَهم على أهل السنة ، ويكشروا عن أنياب الحقد الباطني الذى يعتمل فى صدورهم . وإذا نجحنا أمكن إيقاظ السنة الغافلين حين يشعرون بالخطر الداهم والموت الماحق على أيدى هؤلاء السبئية . وأهل السنة على ضعفهم وتشرذمهم هم أحد نصالاً ، وأمضى عزائم، وأصدق عند اللقاء، من هؤلاء الباطنية . فإنهم أهل غدر وجبن ولا يستطيلون إلا على الضعفاء ، ولا يصولون إلا على مهيضي الجناح .
وأهل السنة فى معظمهم يدركون خطر هؤلاء القوم ، ويحذرون جانبهم ، ويتخوفون عواقب التمكين لهم ، ولولا المخذِّلون من مشايخ التصوف والإخوان لكان للناس حديث أخر .
هذا الأمر على ما يرجى له من إيقاظ الهاجع وتنبيه الراقد ، فإن له تقليما لأظافر هؤلاء القوم ، وقلعا ً لأنيابهم ، قبل أن تدور المعركة المحتومة مع من يرجى له من إثارة حنق الناس على الأمريكان الذين جلبوا الدمار وكانوا سبب هذا الوبال ، حذرا من أن يمتص الناس رحيق العسل ويظفروا ببعض الملاذ التى حرموا منها قديما ، فيستنيخوا إلى الدعة ، ويخلدوا إلى الأرض ويؤثروا السلامة ، ويصدوا عن صليل السيوف وحمحمة الخيول }} . “إهـ”
– تلك الفقرة من المفروض أنها لا تدعو إلى الفخر، لو أنها قيلت فى أى وسط بشرى طبيعى ــ إسلامى أو غير إسلامى ــ فهى عبارة عن تآمر جنائى لا أكثر (مع إحترامى ومحبتى للصديق الشهيد الزرقاوى جارنا فى جبهة خوست، وكان وقتها ضمن معسكر أبو الحارث الأردنى. ولكن المحبة الشخصية شئ ، والتدقيق فى تجارب المسلمين وتقييم التجارب الجهادية شئ آخر، يتطلب موضوعية وحياداً ـ وليس حماساً متهيجاً أو تهريجاً دعائيا) .
فمن الملاحظات على تلك الفقرة المضغوطة بالمعانى الخطيرة .. ما يلى :
1 ـ أن مفتاح التغيير هو إستهداف الشيعة “وضربهم فى العمق الدينى والسياسى والعسكرى(وذلك يستفزهم ليظهروا كَلَبَهم على أهل السنة ويكشروا عن أنياب الحقد الباطنى الذى يعتمل فى صدرورهم) .
– معنى ذلك إستهداف مدنيين أبرياء، والعدوان عليهم بدون ذنب وضرب “عمقهم الدينى” ــ ربما يقصد أماكنهم المقدسه ومشاهد الأئمة فى العراق ــ وهو ما حدث فعلا أكثر من مرة . ثم حاولوا نقله إلى سوريا على مقام السيدة زينب (رضى الله عنها ) فتسببوا فى إستنفار دينى عند شيعة العالم، وجاء كثير منهم للدفاع عن شرف المرقد الذى يهدده “الوهابيون” .
ويطال إستهداف أبو مصعب العُمْقَين السياسى والعسكرى أيضا . ومن الطبيعى أن يثير ذلك رد فعل طبيعى للدفاع عن النفس ـ وقتها سيَعْتَبِرالسلفيون ذلك عدوانا شيعياً وكشفاً عن “حقد باطني يعتمل فى صدورهم” ـ فأى عدل هذا ؟؟ . وأين قوله تعالى { ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى }؟؟ . ونحن لا نرى أثراً لعدل أو تقوى هنا . فأين الإدعاءات الطويلة العريضة بسماحة الإسلام ؟.
2 ـ هذه النازية فى التعامل مع الشيعة تهدف إلى إيقاظ السنة الغافلين”!!”. تماما كما فعل اليهود بإستخدام المجازر بأنواعها ضد العدو والصديق وحتى ضد اليهود أنفسهم، لإيقاظ اليهود الغافلين، وتنظيمهم فى قوات عسكرية ضاربة .
3 ـ يصف الزرقاوى الشيعة (أو الباطنية ) بأنهم أهل غدر وجبن ولا يستطيلون إلا على الضعفاء ولا يصولون إلا على مهيضي الجناح .
وقد تحول هذا النص إلى إدانة لمجاهدى السلفية فى العراق وسوريا وشكاويهم الطويلة العريضة من مجازر إرتكبها الشيعة ضدهم. فهل ياترى تحول أبطال الجهاد ـ فجأة ـ إلى ضعفاء مهيضي الجناح حتى تطاول عليهم “الباطنية” وحصروهم فى أماكن محدودة من الأرض السورية بعد أن كانت ثلاث أرباع البلد لهم؟. وبالمثل فى العراق، فلا يكاد يوجد لهم الآن مناطق محررة ثابتة.
4 ـ يرى الزرقاوى أن إشعال فتنة طائفية ضد الشيعة وسيلة لإيقاظ السنة وإثارة غضبهم على الإحتلال الأمريكى . وكأن هناك خطر بأن يرضى الشعب بالإحتلال الأمريكى إذا لم تفتعل فتنة مع الشيعة. ويثير ذلك تساؤلات عن عقائد السلفيين وفكرهم السياسى .
5 ـ يرمى الزرقاوى بالمسئولية على الإخوان المسلمين ومشايخ الصوفية لتقاعس أهل السنة عن (جهاد) الشيعة .لأن إحياء الفتنة النائمة (التى لعن الله من أيقظها) هو مسلك أخطر من مواجهة المستعمر الأجنبى، لذلك يتردد الناس كثيراً فى الدخول إليها. ولولا أبطال الجهاد السلفى (الغرباء عن العراق والوافدين عليه ، فلم يبالوا بتدميره، كما لم يبالوا بتدمير أفغانستان الغريبة عنهم والغرباء عنها)، فلولاهم ما حدثت فتنة بهذا المقدار ، ولا إستمرت طول هذه المدة ، ولا أمتد بقاء الإحتلال كل تلك السنين، حتى بدا وكأنه لن يرحل لأن الفتنة الطائفية هى خير حماية له. فكل من يتحدث عن فتنة فهو يتحدث عن خدمة للإحتلال واستمرار بقائه.
6 ـ ويحذر الزرقاوى من أن {يمتص الناس رحيق العسل ويظفروا ببعض الملاذ التى حرموا منها قديما “فيستنيخوا” الى الدعة ، ويخلدوا إلى الأرض ويؤثروا السلامة ويصدوا عن صليل السيوف وحمحمة الخيول} .
وتلك فكرة أساسية تقول بإبقاء الناس على الدوام فى حالة حرب حتى لا يخلدوا إلى الأرض . والصحيح هو أن الجهاد تديره الدولة المسلمة وتنظمة كأحد النشاطات/ وليس كلها أو كرسالتها الوحيدة/ ويتصل بتلك النقطة تصور السلفية للدولة الإسلامية على أنها دولة وظيفتها تطبيق(أحكام الشريعة) التى يقصدون بها عقوبات الحدود، بدون أدنى حديث عن تصور لبناء الدولة التى تحقق أهداف الشريعة من عدل وإحسان وكرامة إنسانية وتطور وقوة .. الخ . مع القفز عالياً بفكرة إستئثار ولي الأمر بالسلطة والثروة ، وتحصينه دينياً حتى حولوه إلى إله يُمْنَع الإقتراب منه أو المساس به، حتى لو إنحط إلى درجة “منشار الدين” و باقى “أولي النفط” .
– عودة إلى أسامة بن لادن كقائد عام للقاعدة ، وقد وصلته رسالة كهذه من قائده فى العراق ، فماذا كان عليه أن يفعل ؟؟. لا أحد يتوقع منه أقل من عزل ذلك القائد والتبرؤ من أعماله. فقد تبرأ الصِدِّيق ـ رضى الله عنه ـ من تجاوزات خالد بن الوليد فى حروب الردة . أم أن جيلنا معصوم من فضيلة العودة إلى الحق والتبرؤ من الباطل ؟؟.
– وبشكل عام فإن السلفية ترى أن يتعامل “السنة” مع الشيعة معاملة إستئصالية لا تترك مجالا لأى تصالح أو تعايش أو حلول وسط . وقد مرت فترات تاريخية كان فيها ذلك “المنهج ” هو السائد . فكان من عوامل إنهيار “الدولة الاسلامية” وتحولها من إمبراطورية موحدة إلى عدة دول كبيرة. ثم أخذت فى التلاشى إلى ما نراه الآن ، حيث لا يوجد كيان جامع للمسلمين ، ولا كرامة لهم فى مجتمع الدول ، بل أصبحوا على هامش البشرية.
ذلك الإنحطاط ترعاه السلفية وتسهر عليه باللسان والسلاح ، وتقاتل حتى لا يخرج مسلم من تلك الشرنقة ، ويفعلون ذلك بحماسة مذهبية مثل تلك التى شرَحَتْها المقتطفات السابقة .
فالجهاد السلفى هو لرعاية الهزيمة والسهر عليها والقتال من أجل ديمومتها . وإلا فإن من يسعى إلى النصر لا يبدأ بتقسيم أمته وإغلاق أبواب التفاهم والرحمة بين مكوناتها.
لهذا نرى السلفية الجهادية العربية فاشلة على الدوام . وهى تبدأ بالوحشية الهجومية وتنتهى بالبكاء والصراخ من غدر الأعداء ( لابد أن يكونوا شيعة)، ثم تبدأ فى تلاوة منظومة الهجوم عليهم بداية من العقائد والحاضر المظلم مروراً بالتاريخ الذى لا ضوء فيه. والسؤال هو إلى متى ؟ .. ولماذا لم يكن الحال كذلك فى أفغانستان وقيادة الجهاد هناك من السنة الأحناف الصوفيين؟ . أم أن ذلك هو من أسباب نجاحهم . أى أنهم نجحوا لأنهم :
1 ـ ليسوا عربا 2 ـ ولا سلفيين 3 ـ وأنهم أحناف 4 ـ وأنهم متصوفون .؟؟
لماذا لا نبحث فى تلك الإحتمالات ، طالما أنها (تتكرر فى كل جهاد للأفغان) ضد أقوى إمبراطوريات العالم الصليبى من بريطانيا إلى روسيا ثم أمريكا ؟؟ .
وما هو السبب أن الحروب الأفغانية الكبرى ضد إمبراطوريات الكفر الصائلة لم تشهد حروبا أهلية بين السنة والشيعة؟ ، ولا بين القوميات السنية ولا بين المجموعات الشيعية؟؟.
فما هى الخاصية الأفغانية هنا ؟ .
لقد أنشأ المستعمر فى كل حرب ميليشيات طائفية وعرقية ، قاتلت ضد المجاهدين . ولكن ذلك لم ينسحب على الموقف العام بين الطوائف أو العرقيات . فلماذا فى أفغانستان وليس فى بلاد العرب؟. هل هى السلفية ، أم الجاهلية العربية فى ثوبها الإسلامى؟ الذى يبدأ بتطرف “الوهابية” ليصل بها إلى تطرف “الترفيه”.
أم أنه خطأ فى هندسة الجهاد (العربى) من ناحيته العقائدية والسكانية والتاريخية والثقافية ؟ .
حتى بدا جهاد العرب وكأنه مسرحية ساذجة ، تبدأ بالحماسة المفرطة وتنتهى بالكارثة المفجعة.
الأمر ببساطه هو أن الجهاد عملية معقدة وخطرة تدور داخل وعاء إجتماعى . والعرب يبدأون بتكسير ذلك الوعاء الإجتماعى حتى قبل أن يبدا التفاعل الجهادى بداخله.
– ومرة أخرى : لماذا الأفغان ليسوا كذلك ؟ .. وأين يكمن الفرق ؟. حتى الزرقاوى ـ رحمه الله ـ لم تكن شخصيته فى أفغانستان كما أصبحت فى العراق . رأيته فى أفغانستان شجاعا مثالياً عطوفاً. وصورته فى العراق مختلفة تماماً ، فقد إحتفظ بشجاعته ولكنه فقَدَ شمائلة الإنسانية . وأظهر نهماً للدماء ، وتدبيراً أقل من أجل النصر، وتدنِّى شديد فى الحرص على حياة المسلمين ، وإهداراً لآدمية الشيعة معتبراً ذلك (مفتاحاً للصراع) كما كتب إلى أسامة بن لادن .
– فلو طبقنا نفس المعايير الجائرة فى التعامل مع السنة لإنتهى الإسلام . ويبدو أن ذلك ما يهدف إليه السلفيون بصفتهم أحد التروس فى ماكينة صناعة الفتنة .
فهم يجعلون الشيعى دليلا على مذهبه ، فالشيعى منحرف لأن مذهبة كذلك . ونفس المعيار على أى طائفة شيعية منحرفة أو إجرامية ـ فيكون التشيع هو المسئول . وفوراً تخرج المدفعية التاريخية وأسلحة التكفير الشامل من المخازن لتقصف بكامل طاقتها .
– بعض الشيعة فى العراق يطلق عليهم “وهابية الشيعة” ، يكفرون أهل السنة، وارتكبوا فى حقهم جرائم شنيعة، بصرف النظر عن البادئ بالفعل ورد الفعل .
ومن يصب الزيت على نار الفتنة وينفخ فى لهيبها هو إعلام الفتنة (الداخلى منه والخارجى) وشيوخ الفتنة فى الطرفين. وظهر فى مرات عديدة أن جهات بعينها تدعم دعاة الفتنة على الجانبين. وبناء على تحريض هؤلاء المشايخ فإن التطرف يشتعل بتغطية مذهبية مدمرة.
– ما ظهر فى العراق من فظاعات تكرر فى سوريا ولكن فى صياغة شامية . لأن مناخ الفتنة لا ينتج عنه إلا كل ما هو سئ لدى الطرفين . لهذا (لعن الله من أيقظها). ذلك أنها مرتع للشيطان الذى صار لديه جيوش للفتنة ودعاة لها ، وحاملي حطبها وبترولها، إلى كل مكان يستطيعون النفاذ إليه ، وكلما زاد لهيبها زادت معه أرباحهم.
– لقد تكررت الفتن المذهبية والعرقية فى التاريخ الإسلامى مرات عديدة، فلم تحسم الإختلافات ، بل عانى الجميع وإنحدرت الأمة وتسلط عليها الأعداء من كل صوب ومن كل نوع . فهل تستمر تلك “اللعنة ” الأبدية ؟ .. فلماذا ؟ .. ومن المسئول ؟ .
المليشيات الطائفية قبل ظهور الإمارة
أنشأ الإحتلال السوفيتى العديد من الميلشيات، أهمها كانت الميليشيا الأوزبكية بقيادة عبد الرشيد دوستم [ شيوعى مسلم سنى .. إجتهد فأخطأ ] ، وبلغت ميليشياته درجة من القوة والهيبة فى طول البلاد وعرضها. وقاتلوا ضد بن لادن فى جلال آباد عام 1989. ثم واصلوا عملهم بعد خروج السوفييت ـ مرحلة الحرب الأهلية ـ وهى المرحلة الأشد خطورة ربما فى كل تاريخ أفغانستان الحديث. حيث كانت البلاد على وشك التقسيم إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية ، لولا فضل الله ثم حركة طالبان ، التى قاتلت لمدة خمس سنوات حتى أحبطت مخطط التقسيم الذى تزاحم عليه العالم ، فكل دولة تبحث عن موطئ قدم لها على أنقاض البنيان الأفغانى .
– فى تلك الفترة كان القتال عنيفا وداميا على أسس طائفية بين المنظمات السنية والشيعة . فكان القتال الأكثر وحشية. وأخطر ما فيه كان سلاح الإشاعات والترويج الدولي لها. حتى صار الأفغان يسمعون من أشهر إذاعات الغرب عن وحشية معاركهم ، وإنحدار بلادهم صوب التفتت وصارت أتفه الإشاعات تُتَداول كأنها حقائف ثابتة ، وجميعها يستفز نوازع الإنتقام والكراهية.
وبرزت ميليشيا حزب وحدت الشيعى [ رافضى حاقد على أهل السنة ..عليه من الله ما يستحق].
كما برزت ميليشيات من قندهار مثل العصمتيَّة وجماعة جبار [ من أهل السنة والجماعة .. إجتهدوا فأخطأوا .. غفر الله لهم ]. وكانوا الأكثر وحشية من بين كل ميليشيات أفغانستان وقاتلوا دفاعا عن جرديز ضد مولوى حقانى، مثلما قاتل دوسم وميليشياته ضد حقانى فى خوست قبلهم بعدة أشهر.
وفى عام 1994 ظهرت حركة طالبان فلم تكفر أحدا ، وكانت وسيطاً بين الجميع ، ورادعا قويا وحازماً ضد المتهورين الصائلين . وعندما أوشكت الفتنة أن تنقشع ، وقع العدوان الأمريكى فى الوقت الحرج ، ربما قبل المعركة النهائية بأسابيع قليلة . فعادت البلاد إلى نقطة الصفر وبدأ إحتلال جديد .
مع الإمارة الإسلامية : شيعة أفغانستان جزء من صناعة الإنتصار النهائى .
أنشأ الأمريكيون نظاما أكثر قوة للميليشيات المساندة لهم . ونقطة ضعف الميليشيات كان إعتمادها كاملا على الإغراءات المادية من رواتب وإمتيازات معيشية وإمدادات وفيرة.
تفَشِي الفقر كان خير داعم للإحتلال عموما ، لسهولة التجنيد فى الميليشيات وأنظمة التجسس و الجيش حيث الراتب الجيد والمعدات الإستعراضية للأفراد، والتى تنقلهم إلى دنيا جديدة.
نقطة الضعف كانت غياب الحافز القتالى والإحتقار الإجتماعى الذى أحاط بأفراد الميلشيا والجيش ، لتورطهم فى عمليات السلب والنهب وقطع الطرقات والإعتداء على القرى بهدف السرقة .
نظام الميليشيات الأمريكى كان يحمل منذ البداية عناصر فنائه . رغم إعتماده على رصيد طويل من التجارب ، بعضها نجح فى العراق ، ولكنها لم تصادف نفس النجاح فى أفغانستان لعدم توافر عناصر الفتنة الدينية والعرقية . لم تختف الدوافع القبلية والطائفية لدى الميليشيات ، ولكنها لم تكن بنفس الحدة القديمة ،التى كانت عليها وقت السوفييت أو خلال الحرب الأهلية .
– لم تكن حركة طالبان فى حاجة إلى تحفيز مشاعر الإنتقام الداخلى سواء طائفى أو عرقى من أجل الحصول على دعم الناس العاديين(كما فعل السلفيون فى العراق) . بل أنها حصلت على
الدعم الشعبى بسهولة لأسباب عديدة منها الترابط التاريخى والمعرفة المباشرة القديمة مع الناس، ونتيجة الوحشية الأمريكية فى العدوان على الناس ، وإقتحامهم للمحرمات الإجتماعية .
– من أجل تنمية الحقد الطائفى توسع الأمريكيون فى توظيف الشيعة فى أجهزة الدولة الإدارية (والسيادية) . ولأجل تقسيم السنة توسعوا فى توظيف أتباع قادة الجهاد القدماء، ومن الإخوان المسلمين، فى مراكز القيادة بأجهزة المخابرات .
– تمكنت حركة طالبان من تحويل أكثر النقاط السلبية إلى إيجابيات جهادية . فاستفادت من بعض الحزبيين أصحاب الماضى الجهادى القديم ، ومن الشيعة . إستفادت من الجميع لدرجة مكنتها من توجيه ضربات قاتلة للنظام من داخل صفوفه. فقدم الشيعة مساندات لفتح المدن بدأت من غزنى، قبل أن يُجْبِر الطيران المجاهدين على تركها .
ولايمكن وضع جميع السنة فى كفة واحدة ، وكذلك الشيعة الذين جاهد قطاع منهم إلى جانب طالبان لسنوات، وآخرون ساندوا الإحتلال منذ البداية.
فالقيادة الحقيقية/ مثل الإمارة الإسلامية فى أفغانستان/ يمكنها الإستفادة من كل مكونات المجتمع { سواء الأحرار منهم أو الواقعين تحت سيطرة النظام طوعاً أو كرهاً } من شيعة أوسنة أو من غيرالمسلمين (مثل السيخ الأفغان)، كمكونات فى صناعة الإنتصار.. وليس كما فعل البعض عندما حولوا الشيعة إلى حائط مبكي أو مشجباً لتعليق أعذار المنهزمين الفاشلين.
قواعد عامة أرستها الإمارة الإسلامية للتعامل مع المخالفين :
1 ـ التكفير عمل خطير يلزمه علم شرعى أصيل. لذا فهو من إختصاص علماء المذهب وطبقا لقواعده . ولا يسمح إطلاقا بالتلاعب بالتكفير كأداة للتراشق السياسى أو تصفية الحسابات الشخصية . لأن فتن عظيمة تنتج عن ذلك وتكون وخيمة العواقب على جميع المسلمين . فكان المنع عن إصدار أحكام التكفير لمن هم خارج دائرة التخصص العلمى فى الإمارة .
2 ـ إلتزمت طالبان طوال جهادها (25عاما) وإلى الآن بعدم التعرض للمخالفين لها مهما كان الخلاف سياسيا أو شرعياً ، طالما لم يلجأ أحد منهم إلى إستخدام السلاح . وطالما يلتزم الجميع بأدب الخلاف والحفاظ على مصالح الشعب الأفغانى. والتزمت حركة طالبان بمبدأ المسئولية الفردية ، وأن كل شخص يتحمل (منفردا) عواقب عمله ، ولا يتحمله غيره سواء قبيلة أو طائفة مذهبية أو جماعة عرقية.
4 ـ الإمارة مسئولة عن جميع رعاياها، المتفقين معها أو المخالفين لها . فهى تحمى الجميع وتقدم لهم خدماتها على قدم المساواة فى جميع النواحى من تعليم وعلاج وأمن وحريات طبيعية فى النقل والعمل والتجمع والكلام وكل ما كفله الشرع من حريات ، بلا تجاوز بالنقص أو بالزيادة.
5 ـ كل مواطن ـ مهما كان مذهبه أو قوميته ـ يمكنه تقديم نفع وخدمة للمجتمع والإمارة. لأجل ذلك يُعتَبر كل مواطن ثروة وقوة للإمارة وشعبها .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )