الإجماع على الباطل .. باطل !!.
كنا نمازح بن لادن (رحمه الله) قائلين : لقد دعونا الله كثيراً أن يرزقنا أميراً للمؤمنين، فأصبح لدينا الآن (أميران) للمؤمنين. وكنا نلمح إلى عصيانه لأوامر الملا عمر (رحمه الله).
فكان يضحك معنا بسماحة نفس نادرة .
ولكن تلك كانت صلب المشكلة ، فبدلا من أن يعود بن لادن ـ ومن بعده باقى العرب ـ إلى أفغانستان من أجل نصرة الإمارة الإسلامية، إنحرف بهم المسار إلى التصرف كأصحاب الأمر والنهى . وخالف بن لادن شروط البيعة مع (الملا عمر) ، وبدون إذن منه وخلافاً لأوامره الصريحه أشعل حربا مع الأمريكيين أكلت أفغانستان أخضرها ويابسها، وكان أمير المؤمنين ـ وإمارته الإسلامية أول ضحاياها .
تلك هى الحقيقة الكبرى التى تتهرب منها القاعدة ـ وتنكرها ـ بل ويدعى بعض كبرائها أن أمير المؤمنين كان موافقا معهم على (نظرية) الجهاد العالمى (!!) التى إبتدعوها، وعلى إستهداف أمريكا على إتساع العالم . ورفض بن لادن تحذيرات بأنه يسعى إلى حرب ، وأنه بذلك ينتزع واحداً من أهم صلاحيات الحاكم ، وأن العاقبة لن تكون خيراً لأحد .
وكان بينى وبينه حواراً مطلولاً حول هذه النقطة ، فى آخر لقاء جمعنا فى قندهار. حضر الدكتور الظواهرى أكثر من نصف الحوار وشارك فى أهم نقاطه . ثم حضر الشيخ (أبوالخير) فى النصف ساعة الأخير، مستمعاً لما دار فيه من حوار بدون مشاركة تقريبا .
– القاعدة شأن معظم التنظيمات الإسلامية (أو جميعها) تغضب كثيرا عند تذكيرها بأخطائها وتعتبر ذلك من أعمال العدوان والتآمر وربما الخروج من الدين .. أو قريبا من ذلك.
– أثناء تواجدنا فى إيران بعد سقوط الإمارة الإسلامية ـ وكنا ما بين السجون والإقامات الجبرية على شكل مجموعات صغيرة أو كأفراد ـ مع قدرة محدودة جدا على الإتصال العائلى .
خلال كتاباتى وقتها لموقع مافا ـ وَقَعْتُ فى المحظور بقولى أن المعصومين من جماعة القاعدة قد أخطأوا ـ فدمروا الإمارة الإسلامية ـ وأسقطوا أفغانستان تحت الإحتلال الأمريكى.
فى بيان أرسلوه لي على هيئة رسالة خاصة (لكنهم عمموها سراً فيما بعد) إدعى الأتباع أن اللقاء بينى وبين بن لادن لم يحدث أصلاً. رغم أن الشيخ (أبو الخير) حضر الجزء الأخير من الحوار. والزعيمان : بن لادن والظواهرى ـ وكانا كلاهما أحياء وقتها ـ قد حضرا اللقاء، وشاركا فيه بحماس. ورغم أن عددا ممن كانوا حول(إبو الخير) كاتب البيان وتعاضدوا معه على كتابته ـ كانوا قد علموا بما دار فى الإجتماع فور إنتهائه .
– أرسل أبو الخير بإسم جميع من حوله ، بيانا مطولاً يدحض فيه ما ذكرته عن اللقاء وما جاء فيه عن تعديات بن لادن على صلاحيات أمير المؤمنين ، ونقضه البيعة على السمع والطاعة.
وكان تركيز البيان على أن الإجتماع لم يحدث أصلا.أما تعديات على صلاحيات أمير المؤمنين وشعب أفغانستان ، فلم تستوقفهم كثيراً ، وببساطه قالوا أنهم حصلوا على الموافقات اللازمة.
– ولأن إنكار الخطأ يمهد لتكراره . فقد تكررت محاولاتهم للسيطرة على ميادين عمل الآخرين. فساهموا بذلك فى تمزيق الجهاد، ودفعوا فى إتجاه مسيرته المتعثرة. حدث ذلك فى العراق وسوريا ـ ولم يكونوا عنصراً جامعاً ولا مهدئا للعلاقات الجهادية.
أرسلت إلى أبو الخير(رحمه الله) ردا مطولا ثم سألته إن كانوا سينشرون ذلك الحوار الثنائى ، وأننى جاهز لنشرهما معاً على موقع مافا. فكتبوا أنهم يفضلون عدم النشر .
وكان لهم إتصال مع وزيرستان ومن فيها من قيادات القاعدة خاصة الدكتور الظواهرى. وإتصال آخر مع (أبوت آباد ) حيث بن لادن رحمه الله . وقد أرسلوا الرسالتين إليهما، ولكن لم يصدر عنهما أى تعليق علنى للنشر.
– الأمريكيون فى عام 2017 بعد هجومهم على مقر بن لادن عام 2011 / و”الوثائق” التى غنموها/ نشروا ( رسالة أبو الخير) ـ ولحكمةٍ ما ـ لم ينشروا ردى عليها. فإضطر موقع مافا الى نشر نص رسالة أبو الخير ومعها الرد الذى تغافل عنه الأمريكيون.
ورغم طلب القاعدة عدم النشر فى مافا إلا أن مضمون هجمات واتهامات (أبو الخير) ضد كاتب هذه السطور، كانت قد إنتشرت فى المواقع الإلكترونية الإسلامية بشكل واسع حتى قبل التسريب الأمريكى بسنوات. وبالطبع لم يعلم أحد بوجود دفاع أرسله المتهم إلى القضاة الجلادين.
فى عام 2021 ظهر كتاب وكأنه التاريخ الرسمى للقاعدة . أعيد فيه نشر رسالة أبو الخير نقلا عن تسريبات أبوت آباد . وبالطبع لم ينشروا فى كتابهم رد المتهم المدعى عليه ، رغم أن الرد موجود لدى القاعدة ومتاح على موقع مافا منذ أربع سنوات ـ ولكن القاعدة فعلت كما فعل الأمريكان قبلا ـ أى تجاهلوا الرد على رسالة “أبو الخير”.
وحتى لا يحدث إلتباس فى البحث ، نعيد التذكير بأننا إزاء نقطتين أحدهما هى الأصل ، والثانية مجرد فرع ثانوى من فروعها.
1 ــ أما الأصل فهو: أن (غزوة منهاتن ) لم تحدث بعلم أمير المؤمنين الملا عمر ـ وبالمثل جميع العمليات السابقة لها فى أفريقيا وعدن . وقبل ذلك، فهو لم يسمح بالنشاط الإعلامى الذى قام به بن لادن إنطلاقاً من أفغانستان، بل طلب وقفه أكثر من مرة.
كل ذلك العصيان حدث فى ظل بيعة بن لادن لأمير المؤمنين ، مُلَمِّحاً إلى أن الأمير يوقف الجهاد العيني . بل وهدده ـ وجها لوجه أثناء زيارة الأمير لمقر العرب جنوب مطار قندهار ـ برفع الأمر إلى القاضى الشرعى فى الإمارة !! .
2 ــ أما الموضوع الفرعى فهو: ذلك اللقاء بينى وبين الشيخ بن لادن ـ وشارك فى نقاطه الجوهرية الدكتور الظواهرى، وحضر الأخ أبو الخير رحمه الله ، جزءً منه.
المشكلة الحقيقية هى كثرة الشهود مع إصرار الأحياء منهم على كتمان الشهادة . والغريب هو أن الشهود على كلا الموضوعين هم عيون العمل الجهادى العربى !! .
الموضوع الأول: شهوده أكثر عدداً ـ وهم [جميع] قيادات التنظيمات الجهادية التى كانت فى أفغانستان فى بداية عام 2001 ـ أو كبار مندوبيهم ـ فالذى لم يحضر منهم سمعه من مندوبيه الذين حضروا الإجتماعات مع أمير المؤمنين فى قندهار، وما جاء فيها من قرارات تنظيمية وأمر قطعي باستشارة الإمارة فى أى عمل يقومون به خارج أفغانستان أثناء إقامتهم فيها. ومع ذلك لم يتقدم أحد منهم للشهادة فى هذا لموضوع حتى الآن، أو حتى لإبداء الرأى حوله. وكأنهم لم يكونوا هناك ، أو أنهم فقدوا الذاكرة بشكل جماعي !!.
والموضوع الثانى : شهد عليه أبطال المشهد الجهادى العالمى بلا منازع، وهما الشيخ أسامه بن لادن والدكتور الظواهرى . وكلاهما لم يعلق بشئ . واستمر صمت بن لادن حتى إخفائه عن المشهد الجهادى عام 2011 ـ ولكن الدكتور الظواهرى مازال على قيد الحياة ـ أطال الله عمره ـ وهو آخر الشهود من طرف القاعدة . ممن حضروا الإجتماعات كلها، بما فيها لقائى الأخير مع الشيخ أسامة.
لهذا فإن شهادة الدكتور الظواهرى هامة جدا وحساسة. وهو ليس فى حاجة لتذكيره بأن تلك مسئولية شرعية وأدبية وتاريخية كبيرة، وأنه بعد حرب دامت عشرين عاما فى أفغانستان ، فإن الموضوع لم يعد فى نطاق الأسرار بل يندرج تحت تصنيف (كتمان الحق). ونحن نربأ به أن يكون من كاتمى الحق وهم يعلمون.
ربما يتعذر على الدكتور الظواهرى الإدلاء بشهادته لدواعى صحية أو أمنية ـ رغم إطلالته الإعلامية الأخيرة وحديثة عن بطلان الإنضمام إلى الأمم المتحدة ـ ولكن هناك شخصيات هامة يمكنهم الإدلاء بشهادتهم . وهم مازالوا أحياء حتى الآن، وموزعون بين تركيا وقطر وسوريا ومصر وليبيا ولندن ، وأماكن أخرى لا نعلمها .
فربما يتمكن أحدهم من كسر حاجز الصمت والإدلاء بشهادة حق ستفيد شعب أفغانستان ـ أدبيا وقانونيا ـ فى معركتهم المتصلة مع الولايات المتحدة ـ بعد حرب أشعلها جهاديون عرب.
وكما أن الرجوع إلى الحق فضيلة ، فإن الإجماع على الباطل .. باطل .
تنظيمات السلفية الجهادية ـ الذين قامت عليهم الحرب الأمريكية فى أفغانستان ـ مازالوا مُجْمِعين على إخفاء حقيقة أمر أمير المؤمنين بعدم توجيه ضربات خارجية طالما هم فى الإمارة ، ولابد أن يستشيروها أولا (بمعنى الحصول على موافقتها ).
ذلك الإجماع الباطل على إخفاء الحيقة يقودهم الآن إلى موقف أعقد ضد الإمارة، بالطعن فى شرعيتها الدينية والسياسية . وإلى وقوفهم المتواطئ ـ بالصمت على الأقل ـ مع الحرب المسلحة التى تشنها داعش بدعم أمريكى /تركى/ قطرى/ باكستانى .
لقد وفر عصيان تلك التنظيمات لأمير المؤمنين ذريعة لأمريكا لتشن على أفغانستان (حرب الأفيون الثالثة) لتحويلها إلى أكبر مزرعة أفيون فى العالم ، وتحويل قاعدة بجرام إلى أكبر مصنع لبلورات الهيروين فى العالم .
وموقفهم المتواطئ الجديد ، بالطعن فى الإمارة لتقسيم صفوفها وإسقاط قيمتها بين المسلمين، يوفرون مجالا وشرعية لحرب أمريكية هم طرف فيها ـ بشكل غير مباشر حتى الآن ـ بالصمت الخائن . هؤلاء يدعمون أمريكا فى حربها الجديدة على أفغانستان للسيطرة على معادنها النادرة المتحكمة فى الصناعات المتطورة فى العالم .
لقد وفرت السلفية الجهادية ساتراً لأمريكا فى حربها ضد أفغانستان من أجل الأفيون ـ والآن يدعمونها فى حربها لأجل نهب المعادن النادرة .
لقد أكملوا دعمهم لها فى تدمير سوريا والعراق واليمن وتهويد الجزيرة .. حتى جاء دور أفغانستان مرة أخرى فى حرب جديدة .. فهل من مزيد؟؟ .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )