فقدان ” البيومترى”.. أكبر موسوعة لجواسيس أمريكا فى أفغانستان
جِنِّي المصباح وصانع الكوارث :
فقدان ” البيومترى”.. أكبر موسوعة لجواسيس أمريكا فى أفغانستان .
– سوف يعلم مواطنوا دول الغرب أنهم إستضافوا جواسيس بائسين فاقدى الإعتبار والقيمة ، ليس أمامهم سوى إحتراف الجريمة ، أوالإنضمام إلى العصابات المنظمة.
– ليس فى مشيخات الخليج فرص عمل لجواسيس (البيومترى)، لا فى الحياة المدنية ولا فى الجيش . فهم عملاء غير تقليديين تدربوا على خلق الفوضى والدمار، ولا يصلحون جنودا.
– إذا جمعت إسرائيل هؤلاء المهاجرين، وإستجلبت الآخرين من أفغانستان، فلن ينتهى هذا العام إلا ويكون تحت تصرف الموساد جيشاً يستطيع أن يقلب المشيخات رأسا على عقب.
– ملفات وزارة التجسس (واد) الشيوعية ظلت أداة فعالة للغاية فى السياسة الداخلية الأفغانية حتى بعد سقوط النظام الشيوعى. وقدمت خدمة جوهرية للحملة الأمريكية ، وبها أخضعت سادة البلد وعظماء المنظمات الجهادية والملكيين. وجمعتهم فى صف واحد تحت قيادتها.
– هدأ التشنج السياسي فى أفغانستان بسبب الرعب من عفريت (البيومترى) . فلا صراخ حول حقوق المرأة. والمطلب الأعظم لأمريكا هو فتح ممر آمن لخروج جواسيس (البيومترى).
– مولوى جلال الدين حقاني، حصل على (ملفات) المخابرات الشيوعية فى خوست. وبمجرد تلميحه إلى وجود هكذا وثائق لديه،إختبأ معارضوا الفتح، وأصبح طريقه لغزو جرديز مفتوحاً، مع أطيب التمنيات ، ومطالب حارة بالتكتم على ما فى تلك الأوراق .
مسئول المبيعات فى الجيش الأمريكى قال بأن مالا يستطيع فهمه هو وكثير من غيره هى أجهزة (بيومترى) التى تحتوى على بصمات الأصابع والعين ومعلومات السيرة الذاتية للأفغان الذين ساعدونا على مدى 20 عاما . ويقصد فقدان تلك الأجهزة .
– وتلك هى الضربة القاصمة التى تلقتها أمريكا ـ وأجهزاتها ـ فى أفغانستان. فقد ضاع مستقبل جيش كامل من الجواسيس ،متنوع عرقيا ودينيا ، ومن الجنسين.
جيش شمل قطاعاً كبيراً من خريجي التعليم الحديث الذى طال ملايين الشباب والشابات . فبحكم نوع التعليم كانت تلك الفئة هى الأقدر على التعامل مع التقنيات الحديثة ، والإرتقاء بمهنة التجسس فى بلد متخلف شديد الأمية .
للتكنولوجيا المعقدة عيوبها . كأن توضع كميات هائلة وتفصيلية ودقيقة من المعلومات فى شرائح صغيرة . فينضغط عمل عشرات السنين ، وأسرار مئات الألوف من البشر فى حيز تكنولوجى ضيق ، سهل النقل والحماية ، ولكن فقدانه أو تسربه إلى العدو، يتسبب فى كوارث هائلة يصعب حتى تخيل أبعادها .
حسب بعض التقديرات فإن فقدان (البيومترى) الأمريكى يهدد حياة معظم المتعاونين الأفغان . وهم حسب بعض التقديرات (مليونى جاسوس ـ ومتعاون) وفى تقديرات أخرى (أربع ملايين أو يزيد !!). لنا أن نتصور أن مصير هؤلاء الملايين محشور داخل قمقم تكنولوجى صغير ـ مثل جني المصباح السحرى ـ فى القصص الشعبية .
يمكن إفتراض أن المخابرات الأمريكية وتوأمها الإسرائيلى ـ قد أخرجتا عدة آلاف من جواسيس(النخب الأول) من أفغانستان قبل وقت كاف فى إنهيار النظام وسقوط العاصمة.
وحتى الآن فإن ما نقلته أمريكا وبريطانيا وفرنسا وباقى حرافيش حلف الناتو لن يتعدى بحال 200 ألف جاسوس . والباقون فى أفغانستان يخوضون صراع الأنذال من أجل موطئ قدم على جناح طائرة أمريكية تنقلهم إلى أى مكان، ماعدا أفغانستان .
فمهما كانت قرارات العفو فى الإمارة الإسلامية ، فإن أى جاسوس لن يطمئن على بقاء رأسه فى موضوعها إذا تم كشف هويته . فإن عفت عنه الإمارة فإن ألوفاً من المكلومين يبحثون عن الثأر لشهدائهم .. والثأر فى أفغانستان لا يسقط بالتقادم .
مشكلة عبرللقارات .. و لكل القارات :
هناك مشكلة لأمريكا ودول الناتو الكبرى فى أوروبا ، ثم هناك غيوم سوداء فوق مشيخات خليج النفط المتأهبة للزوال. فأمريكا والناتو لن يمكنها بحال إستيعاب مئات الألوف من الجواسيس”المحروقين أمنياً “. الذين ستنتشر/فى وقت قد لا يكون بعيدا / معلوماتهم (البيومترية) فى المطارات ومنافذ الحدود عبر العالم .
وإذا بقى هؤلاء حيث هم، فى ضيافة الدول التى تجسسوا لحسابها، فلن يوظفهم أحد. وسريعا ما سوف يعلم مواطنوا تلك الدول أنهم إستضافوا جواسيس بائسين فاقدى الإعتبار والقيمة ، مقيدو الحركة ، ليس من سبيل أمامهم سوى إحتراف الجريمة ، أوالإنضمام إلى العصابات المنظمة ، فتلك هى مهاراتهم الوحيدة . ويشهد على ذلك (البيومترى) الذى أعدته حكوماتهم وأجهزة مخابراتها.
فهل يبقى الجواسيس الأفغان حيث هم الآن، رهن الحجز الإجبارى داخل قواعد عسكرية شديدة الحراسة ؟. أم أن هناك بديل آخر خارج أمريكا وأوروبا ويؤدى نفس الغرض ؟ .
المشيخات ضحايا عفريت البيومترى :
نذهب إلى مشيخات النفط التى لا تملك من أمر نفسها شيئا . فقد فرضت عليها أمريكا وإسرائيل وعظماء الناتو أن تضع على أرضها جيش الجواسيس الأفغان ـ كمخلفات حرب ـ أو ضحايا البيوميترى الأفغانى .
– على أرض المشيخات ـ خاصة الامارات ـ عدة آلاف من الإسرائيليين حاملى الجنسية المحلية (يقولن أنهم عدة مئات فقط). من بين هؤلاء عدد لابأس به ضباط الموساد الذين عملوا فى أفغانستان لسنوات . ويمكنهم إدارة جيش جواسيس (البيومترى) الأفغان. وهو جيش مدرب ذو خبرة، جاهز لأن يخدم مرة أخرى تحت إمرة ضباطه الإسرائيليين والأمريكيين العاملين على أرض المشيخات .
الكثيرون من مهاجرى (البيومترى) دربهم الإسرائيليون والأمريكيون فى أفغانستان على جميع فنون الحروب الحديثة غير التقليدية، مثل الإغتيال والتخريب ـ والتجسس بالطبع ـ وإشعال الفتن الداخلية والإضطرابات ـ والحروب فى المدن ـ والاختطاف والتعذيب حتى الموت ـ إلى آخر قائمة طويلة ، يعرفها من عايش شيئا من الحملة الأمريكية على أفغانستان .
– ليس فى الخليج فرص عمل لمهاجرى (البيومترى)، لا فى الحياة المدنية ولا فى الجيش . فهم عملاء غير تقليديين لخلق الفوضى والدمار، ولا يصلحون جنودا فى جيش تقليدى، حتى ولو كان منحطاً مثل بعض جيوش العرب .
إذا جمعت إسرائيل هؤلاء المهاجرين، وإستجلبت الآخرين من أفغانستان، بضغط دولى لضمان حريتهم فى السفر(!!)، فلن ينتهى هذا العام إلا ويكون تحت تصرف الموساد جيشاً يستطيع/عندما يطلب منه/ أن يقلب المشيخات رأسا على عقب.
إذا إقترب ذلك الوعد ، فسوف نشاهد فى مطارات المشيخات والسعودية صورة مكررة لما حدث فى مطار كابول ،وسوف ترفرف “دشاديش”مواطنين تعلقوا بأجنحة وعجلات طائرات المغادرة إلى أى مكان به ما يكفى من الفنادق . والشباب الطموح قد يفوزون بوظيفة حّمَّال فى ميناء حيفا.
ملفات جهاز المخابرات “واد” الشيوعي ، أخضع أفغانستان للأمريكيين.
المعلومة تحمل من القوة على قدر ما تحدثه من تأثير . عندما دخل “المجاهدون” إلى كابول فى إعقاب سقوط النظام الشيوعى عام 1992 . توجه الأذكياء منهم إلى مخازن المعلومات ، فنهبوا ملفات جهاز المخابرات (واد) ـ ويقال أن أحمد شاه مسعود نقلها إلى وادى بنشير ومعها مخزون الذهب الموجودة فى بنك الدولة . تلك الأشياء ربما نقلت بعد ذلك إلى طاجيكستان ، وربما بعضها مازال فى بنشير.
– يظن البعض أن الأسرار التى إحتوتها ملفات(واد) كانت سببا فى سيطرة مسعود على التحالف الشمالى الذى ضم (جميع ) الأحزاب الجهادية التى كانت فى بيشاور وأمسك بقوة برقاب مئات الزعماء الكبار الذين قبلوا قيادته صاغرين.
حتى الأمريكان لم يكونوا فى حاجة لدفع أموالا تذكر لشراء القادة الكبار . بعضهم جاء إكراما للمعلومات التى تحتويها عنه ملفات جهاز الإستخبارات الشيوعى (واد) .(الزعيم الجهادي الكبير عبد الرسول سياف قَبَلَ خمسة ملايين دولار من المخابرات الأمريكية “هدية” مقابل الخيانة).
– ملفات وزارة التجسس (واد) كانت شاملة وتفصيلية ، وكالعادة كان للسياسيين والتنظيمات السياسية نصيبا كبيرا . وحتى التنطيمات الإجرامية والنسائية فى العاصمة . وقد إستخدم مسعود تلك المعلومات فى تشغيل نفس الشبكات لمصلحة النظام الذى كان هو رجله الأقوى المهيمن على كل شئ. إلى أن إستولت حركة طالبان على كابل.
ومن هذه الناحية يمكن القول ان ملفات وزارة التجسس (واد) ظلت أداة فعالة للغاية فى السياسة الداخلية الأفغانية حتى بعد سقوط النظام الشيوعى. وأنها قدمت خدمة جوهرية للحملة الأمريكية على أفغانستان ، وبها أخضعت سادة البلد وكبراء وعظماء المنظمات الجهادية والملكية. وجمعتهم فى صف واحد تحت قيادتها .
ولعل CIA تتواضع وتعترف بفضل جهاز التجسس الشيوعى(واد) عليها وعلى الحملة الأمريكية والنجاح السريع الحاسم الذى حققته، وإلتفاف من جميع الأطياف السياسية حولها فى وحدة نادرا ما تحدث فى أفغانستان . لم تكن وحدة قناعات ومبادئ ـ بل وحدة تقارير إستخبارات تحوى أكثر ما تحوى أسراراً شخصية ، وخبايا سياسية يحرص أصحابها على دفنها فى (سابع أرض)، لكن (واد) وجدتها وإحتفظت بها، وقدمها العملاء خدمة للإحتلال فى مقابل مراكز عالية فى الحكم وحصة فى السرقات الكبرى والعمولات. فجاء عصرCIA وعظمتها التكنولوجية التى تحولت بعد فقدان “البيومترى” إلى وكالة الإستخبارات المتسببة فى أكبر فشل يهدد العالم، خاصة أمريكا نفسها، وحلفائها فى أفغانستان ، والمشيخات والجزيرة وأوروبا .
هدؤ سياسى فى أفغانستان .. بسبب الرعب من عفريت(البيومترى) :
بات معروفا بشكل متزايد ـ خاصة بعد فتح كابول ـ أن العفريت (بيومترى) جني المصباح، بكل قوته المعلوماتية إنتقل إلى يد غير معلومة . وبالتالى فإن ما به من أسرار قد يصبح مشاعاً دولياَ فى وقت قادم . فيحطم حياة مئات الآلاف من البشر(رجالا ـ ونساء). لهذا السبب هدأت التشنجات السياسية داخل أفغانستان ، فلا صراخ حول حقوق المرأة أو “زميلها” الإنسان . ومن فهموا خطورة الموقف بلعوا ألسنتهم وأصابهم الخرس ، باحثين عن ملجأ فى كهوف “تورا بورا”، أو بئر جاف فى هلمند، لاعنين تلك “الحريات المكتسبة فى 20 عاما” من الإحتلال.
وضع الترقب والخوف من الفضيحة وإنكشاف الأسرار الكبرى ، هو وضع قاسي للغاية . والجميع يتمنى أن يخرج العفريت من القمقم ليستريحوا . ولكن المالك الجديد لمصباح البيومتري السحري .. ليس فى عَجَلَة من أمره . فكل القوة بين يديه .. لأن المعلومات كلها بين يديه .
عفريت (البيومترى) فرض هدؤا سياسياً على كابول وأفغانستان، والعروق النافرة هدأت والأصوات العالية إقتربت لأن تكون تغريدات . عمت الأخلاق الكريمة والصبر والتفاهم . وتلك بعض بركات عفريت البيومترى . ومازالنا فى أول طريق البيومترى .
حقاني والحصول على (بيومترى) ملفات المخابرات الشيوعية فى خوست.
يذكرنا ذلك بتجربة ، كان لها أثر تاريخى فى مسيرة سقوط النظام الشيوعى. فقد إنتبه مولوى جلال الدين حقانى إلى أهمية المعلومات المختزنة فى ملفات إثنى عشر مقرا للإستخبارات (واد) فى منطقة خوست . وخشي من أن يحرق المجاهدون الأوراق ظنا منهم إنها بلا فائدة. كما فعلوا مع الخرائط العسكرية فى مقرات الجيش . فأرسل حقانى رجاله ليجمعوا كل ما يجدوه من أوراق ، فملؤا السيارات بالملفات. واجتهدت عدة مجموعات وظفها حقانى فى فحص المحتويات .
– فى نفس الوقت كانت عملية تجميع الغنائم وتوزيعها دائرة . وجمع حقانى قواته ليتوجه بهم إلى جرديز. فعلم الجميع أنها هى القادمة فى جدول الفتوحات .
فتصدى له عدد من أصحاب الشوارب الضخمة المفتولة . وقالوا إنهم سيمنعونه من مغادرة خوست قبل ان يدفع لهم غنائم مستحقة لثلاثة آلاف من رجالهم قاتلوا فى فتح المدينة .
ولم يكن لهؤلاء القوم حتى مقاتل واحد . وظهر أنهم جزء من مؤامرة كبرى لحماية جرديز والإبقاء على نظام كابول الشيوعى إلى حين تشكيل حكومة بين الشيوعيين والمجاهدين .
لم يكن أمام حقانى إلا أن يقاتلهم، أو يدفع لهم ما يريدون، أو أن يلغى فكرة الهجوم على جرديز، وبالتالى القبول بحكومة مشتركة فى كابول .
جاءت لجان فحص وثائق “واد” بالحل . وهو عبارة عن ثائق وجدوها، تحتوى على يوميات الشيوعيين فى جبال خط الدفاع الأول عن خوست . وعن قوافل نسوية و”متعلمات”عقائديات قضين ليالى فى تلك الخطوط مع بعض التفاصيل إحتوتها الوثائق .
مجرد تلميح من حقانى بوجود هكذا وثائق لديه جعل طريقه لغزو جرديز مفتوحاً، مع أطيب التمنيات ، ومطالب حارة بالتكتم على ما فى تلك الأوراق .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )