12 سؤال من كابل (الجزء الثالث)
12 سؤال من كابل
(الجزء الثالث)
المشكلة هى التبعية وعدم القدرة على التفكير المستقل
السؤال ـ الثالث
أكثر كتاباتك نقدية ، تقريبا لكل الجماعات الجهادية خاصة القاعدة . وكل الأنظمة وبشكل خاص السعودية. ألا تشعر أنك تركز نقدك على الجهاديين وتحميلهم ذنوب ومصائب الحركة الجهادية. فتصفهم بالحماقة أو العمالة أو كلاهما . فلماذا لا تنظر إلى تأثير الأعداء وتفاوت القدرة التكنولوجية والعسكرية . أو قدراتهم الضعيفة فى أنها أسباب لوقوعهم أمام أعدائهم ، ولكنهم ليسوا عملاء أو حمقى . هم يقولوا أسبابا أخرى فهل سمعت أسبابهم؟. هل فكرت فيما يقولون؟.هل بحثت صحة أسبابهم التى يقولونها ؟ . ما هى النقاط التى ترضيك عنهم ؟ .
إجابة السؤال الثالث
لا أتوقع الحصول على معجزات على يد العمل الجهادى ، لأن معركة الإسلام صعبة للغاية وظروف المسلمين معقدة ، لكن من المفروض أن نحشد لمعاركنا أفضل ما عندنا سواء فى العلوم الشرعية أو العلوم الدينية والدُنيَوية .
وأهم مبادئ مواجهة العدو هو حشد قوة المسلمين (وأعدوا لهم ما ستطعتم من قوة ومن رباط الخيل..) . وملخص نشاط العمل الجهادى السلفي هو تبديد هذه القوة . فأهداف الجهاديين مختلفة عن أهداف شعوبهم . وأولوياتهم مقلوبة أو مصطنعة بالتفرقة بين الأمة على أساس المذهب فتحولوا إلى فرقة مذهبية جامحة ودموية . وبدلا من تجديد الفكر الدينى والفقه، عادوا بالفكر الدينى إلى أسوأ عصور التراجع ، حين أمْلَتْ السياسات الفاسدة على الفقهاء الآراء التى تخدم المستبد الحاكم، ثم عرضوها على الجمهور المسلم على أنها الفقه الصحيح وطريق الفرقة الناجية ـ طبعا الناجية من بطش الحاكم المستبد ، وليس من غضب الله.
ورجعوا بالمجتمع إلى زمن الذبح على الهوية المذهبية (ليست فقط بين السنة والشيعة بل بين السنة أنفسهم مثل السلفيين والصوفية ، أو حتى القتال بين الجماعات الجهادية السلفية نفسها ، وتسابقها للحصول على دعم الطواغيت) . فعندما تنطلق الفتنة من عقالها فإنها تطال حتى من أشعلوها . وعندما يتسابق المجاهدون على الرئاسة والمال والشهرة فإن أبواب جهنم تُفتَح على مصراعيها لتبتلع الشعوب ، وتبتلع تلك الجماعات نفسها . والأمثلة أمام أعيننا الآن واضحة من سوريا حتى اليمن ومن العراق حتى ليبيا .
بدلا من أن يكون الجهاد هو الحل ، والجماعات الجهادية هى الدليل والقائد نحو التحرر من الطاغوت ، رأيناهم مشكلة ضاعفت المآسى وضياع الأمة . حتى أصبح المسلمون فى حاجة إلى من يجاهد معهم لتحريرهم من هؤلاء (المجاهدين)!!.
رأينا مثلا أفغانستان عندما غزاها الدواعش . فكان لزاما أن يبدأ الشعب ومجاهديه فى التخلص من هذا الخطر العاجل. وأصبحت الحرب على داعش فى مقدمة الحروب فى أفغانستان إلى أن تم كسر شوكتهم وليس التخلص منهم تماما . حيث أنهم جزء من الإحتلال الأمريكى وقواته الضاربة ، وجهازه للحرب النفسية والدينية .
– وهذا هو دور الدواعش فى بلاد العرب . وباقى التنظيمات السلفية تدور حول نفس المعنى إجمالا . وإن تفاوتت أحيانا فى شدة الإلتزام بالفتنة وسؤ التقدير .
– عندما إختار المجاهدون منهجهم السلفى ، لم يكن ذلك عن تفكير مستقل أو إختيار حر وبصيرة نافذة، بحثاً عن مصالح الأمة ومتطلبات معركة عظمى مع أعداء الإسلام المتحكمين فى الأمة وكافة شئونها الداخلية . بل كان الخيار نابعاً من الحاجة إلى التمويل الخليجى . فمباركة علماء السؤ ومجرد رضاهم يجلب المال ويعطى البَرَكَة المقرونة تعسفاً بالحرمين الشريفين الذين يتحدث بإسمهما علماء الوهابية .
حتى توجههم إلى أفغانستان لم يكن عن تفكير مستقل، بل من تحريض وإلحاح علماء المملكة . فمن أستجاب لهم تلقى الدعم. فذهبوا إلى جبهات الجهاد ، وهناك تلقوا المزيد من الدعم عندما ساروا على طريق الإنحراف السائد فى أحزاب بيشاور.
وعندما تفشى داء التشظى والإنقسام فى مجموعات بيشاور الجهادية خاصة عندما حان مَوْسِمَه منذ آواخر1989 تلقى الجميع معونات من نفس المصادر فى المملكة والخليج .
لم يكن كل ذلك دافعا إلى يقظة السلفية الجهادية، بل أنه إستدرجها إلى مزيد من الإنحراف والفُرْقَة والصراع الداخلى ، وتقديس منهج علماء المملكة . لدرجة أن بن لادن نفسه عندما أصدر بيانه الشهير بإعلان الجهاد لإخراج المشركين من جزيرة العرب ، أضطر تحت ضغط الشيوخ وطلاب العلم فى المملكة إلى الرحيل بجهاده إلى خارج المملكة ، وجهاد الأمريكيين فى الخارج لتجنيب المملكة “الفتنة”.. أى الجهاد .
فرحل بعيدا حتى وصل إلى منهاتن التى مازال المسلمون يعيشون فى ظلالها (ظلال منهاتن) خاصة شعب أفغانستان الضحية الكبرى للسلفية السعودية الجهادية .
التيارات الجهادية السلفية مستتبعة لمشيخات النفط منذ نشأتها الأولى . لذا حفلت بكل الأخطاء التى جعلتها فى مسار معاكس لمصالح أمتها وشعوبها . وأول سبيل للإصلاح هو أن يمتلك التيار الجهادى قدرته الخاصة على تقرير مساره الفقهى وسبيله الجهادى ، ورؤاه السياسية ، وأساليبه القتالية حسب تنوع الظروف .
إن رؤية إسرائيل ومشيخات النفط للقضايا المنخرط فيها التيار الجهادى ، هو نفسها رؤية الجماعات الجهادية . وحتى المجهود الإعلامى والدعائى متطابق فى خطوطه الأساسية وفى أكثر التفاصيل . وما نراه هو نجاح كامل لعقيدة بيريز التى وضعها “لأهل السنة والجماعة” بأن يتَّحِدوا مع إسرائيل ضد إيران والشيعة ، بإعتبارهم الخطر الوحيد فى الشرق الأوسط مضافاً إليهم مجموعات أخرى إرهابية {يقصد مارقين من أهل السنة عن ذلك المنهج الشيطانى}.
فلننظر كيف يرى الجهاديون الحرب فى سوريا واليمن والعراق. ونظرتهم عموما إلى فتنة الربيع العربى ، نجد أنها متطابقة تماما مع رؤية إسرائيل ومشيخات النفط رغم الخلاف الفاضح بين ذلك التقييم وبين الواقع على الأرض . ولكنها التبعية العمياء وعدم القدرة ـ أو الخوف ـ من التفكير المستقل ، وما قد يعنيه من حرمان من التمويل والإيواء والدعم الإعلامى (الدولى) لوجهات نظرهم فى تلك القضايا .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )