سلسلة مقالات 33 استراتيجية للحرب -16- (استراتيجية الهجوم الخاطف)
سلسلة مقالات 33 استراتيجية للحرب -16- (استراتيجية الهجوم الخاطف)
بسم الله الرحمن الرحيم
16- استراتيجية الهجوم الخاطف
المعلومات: ( الاستطلاع والمخابرات ) .. الإعداد الدقيق: الخدعة ( اشباع غرور العدو ) .. جذب العدو للجهة التي يتوقع منها الهجوم لتثبيته .. المفاجأة: ( السرعة .. القوات المحمولة .. الظهور القوي من الجهة التي استبعدها العدو ) .. إنه الهجوم الخاطف ..
التردد ليس خياراً .. ولكن الإعداد الدقيق يعني: دراسة المعلومات عن العدو ومعرفة نواياه .. نشر الإشاعات في جبهة العدو وبين شعبه .. وضع الخطة لضرب العدو نفسياً وعسكرياً .. القوات المحمولة مع شؤون إدارية خفيفة .. خطة الخداع .. خطة تثبيت الجبهة الرئيسة للعدو .. المناورة الخاطفة حيث لم يتحضر لها العدو .. تعميق حالة الإرتباك وفقدان التوازن في صفوف العدو .. استثمار المفاجأة إلى أقصى قدر ممكن ..
يكمن جوهر هذا الهجوم إلى الاستخدام الجيد للقوات الناتج عن الفكر العسكري وليس التفوق العددي .. قديما قيل: من مأمنه يؤتى الحذر ..
تعرف الحرب الخاطفة بأنها: “عملية تسلل عميق وسريع وعنيف بالقوات المحمولة ( القوات المدرعة وقوات المشاة الميكانيكية مع استخدام الطيران ) لاختراق نقاط الضعف في جبهة العدو أو الالتفاف عليها .. بهدف احكام حصاره لتسريع انهيار قواته”.
الحرب الخاطفة موروث تاريخي قديم ساهمت فيه كل الأمم .. ومارسه عدد من القادة هم الأبرع في زمانهم “صن تزو .. الإسكند الأكبر .. خالد بن الوليد .. جنكيز خان .. فريدريك الثاني” وكتب عنها فولر وليدل هارت ..
من سمات الحرب الخاطفة الأساسية: “الاقتراب غير المباشر” .. “قوة الصدمة” .. “خفة الحركة” .. “سرعة الحسم” .. “تعزيز النجاح” .. “المناورة بالجهود” .. “إستراتيجية الإجهاد” .. “تجزئة العدو” .. “تدميره على التتابع” …إلخ ..
الحرب الخاطفة ليست اختراعاً ألمانيا .. لكن الألمان ( هتلر ) استخدموها بذكاء خاصة مع التطور الكبير في أسلحة عصرهم “الطائرات .. الدبابات .. المشاة الميكانيكي .. وحدات المظليين .. وسائط التواصل والتشفير …إلخ” ..
استراتيجية الحرب الخاطفة عند المغول والألمان:
1- حداثة المعلومات ونشر الإشاعات: فهي حرب استخبارات بامتياز يتولى فيها الاستطلاع والمخابرات: تأمين المعلومات وممارسة الحرب النفسية ( كان يكفي أن يقال المغول قادمون لتنهار الجبهتين الداخلية والعسكرية ) .. تحديد نقاط الضعف والثغرات في مواجهة العدو .. تحديد الجهة التي لا يتوقع منها العدو الهجوم الرئيسي ..
2- مشاغلة الجبهة بهجوم على المواجهة الرئيسية بهدف تثبيت القوات المدافعة .. وسحب بعض القوات بحيلة الهزيمة لمطاردتها إلى جهات ثانوية لخداعها عن اتجاه المجهود الرئيسي ..
3- مناورة المجهود الرئيس التي تعتمد على القوة المدرعة التي تنطلق من خلال مهاجمة الثغرات التي تم تحديدها لتحقيق اختراق عميق لخطوط العدو بهدف: قطع خطوط إمداداته .. وإرباك مراكز مواصلاته وتدمير مراكزه القيادية والإدارية .. ضرب وحدات الاحتياط .. وتطويق دفاعاته لإحكام حصار جبهته للإسراع في انهيارها .. ويتم تأمين الوحدات المدرعة باندفاع وحدات المشاة المحمولة من خلال الثغرات لتحكم الحصار ..
ملاحظة: لم يكن لدى المغول وحدات مشاة وإنما سلاح فرسان يتبع كل فارس أربعة جياد للتبديل مما منحهم سرعة تفوق سرعة أي جيش آخر في زمانهم كما ساهم تكتيكهم هذا بظهورهم المفاجئ في الأماكن غير المتوقعة .. راجع اسقاط الدولة الخوارزمية ..
تعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاثة أعمدة: مجموعات متحركة .. التنسيق الكامل بينها .. جودة منظومتي: الاتصالات التقنية والتواصل البشرية ..
دور وحدات الاستطلاع العسكري في الحرب الخاطفة:
يتبلور في تحديد مراكز ثقل العدو لتجنبها ونقاط ضعفه لاستثمارها .. وهذا يعني بالضرورة استكشاف الثغرات التي لا يتوقع العدو التقدم منها وبالتالي يهملها .. شريطة أن يكون بها طرق أو يمكن إنشاء ممرات للانتشار تساهم في سرعة التغلغل في عمق العدو أو الالتفاف عليه قبل الاندفاع من الثغرة ..
في حالة وجود محاور خطيرة يصعب عبورها ( صحراء أو مستنقعات أو تقاطع أودية أو أنهار ) فلا بد من تجنيد أدلة لتجاوزها مع الأخذ بعين الاعتبار أن وسائل الملاحة الحديثة يجب الاستفادة منها في حالة عدم تمكن العدو من تعقبها .. وقديما قيل: قتل أرض عالمها وقتلت أرض جاهلها ..
من المهام الحاسمة لوحدات الاستطلاع في المحاور الخطرة أن تقوم بتوفير مخابئ إدارية لتموين الوحدات المتقدمة أثناء عملية التسلل خاصة إذا كان المحور طويلاً ..
من المهم أيضاً أن محاور الاقتراب غير المباشرة لا تسمح للعدو باستخدام احتياطيه بل وتفاجئه بوجود قوات الهجوم على رأسهم .. وفي حال وجود ثغرات تمكن قوات الاحتياط من التسلل منها لمهاجمة وحدات الهجوم فلا بد من تأمين هذه الثغرات إما بالنيران أو الألغام أو الموانع الهندسية المناسبة لعزل احتياطي العدو ..
يفضل أن تقوم وحدات الاستطلاع بالتعاون مع وحدة الهندسة العسكرية بإنشاء ممرات عرضية جديدة ومفاجئة للعدو لتسهيل المناورة الجانية أو الالتفاف لتخدع العدو وتظهر أمامه في الزقت المناسب .. أو بحيث تظهر كأنها متجهة إلى نقطة معينة ثم تحويل اتجاه تحركها في آخر لحظة إلى الاتجاه الحقيقي ..
دور المخابرات في الحرب الخاطفة:
تقوم فلسفة المخابرات في الحرب الخاطفة على ضرب البطن الرخو للعدو نفسياً بهدف: تدمير إرادة الشعب وإجهاض رغبته في المقاومة .. وهزيمة القيادة السياسية من الداخل .. في أسرع وقت وبأقل تكاليف .. وعليه تبحث المخابرات عن نقاط الضعف لدى الشعب وتعمقها وتتسلل منها قبل اندلاع الحرب ..
فمن خلال الطابور الخامس تمارس أساليب الحرب النفسية: الشائعات .. تشويه الحقائق .. التضليل والتلاعب بذاكرة الشعب .. وبث سموم الفرقة بين شرائح المجتمع من خلال تضخيم الفتن الدينية والحروب الحزبية والثآرات العرقية والخلافات القبلية والأحقاد الطبقية وتشغل منظومة الحكم والشعب في متاهة تدمر الوحدة والانسجام السياسي أو تضعفها ..
وليس بعيداً عن التحركات العسكرية على الحدود القيام بأعمال التخريب للبنية التحتية للدولة واستنزاف قوتها الاقتصادية .. فتفجير الجسور والسدود الصغيرة وضرب شبكات الكهرباء وتلويث المياة وإشاعة حالة من الرعب تهدد الاستقرار الأمني الداخلي …إلخ ..
كل ذلك يربك القيادة السياسية ويستنزف قدرتها الاقتصادية خاصة عندما يستغل التجار الموالين للعدو والممولين منه بإضعاف العملة المحلية واحتكار السلع الرئيسية وإغراق البلد في سلسلة من الازمات .. ناهيك عن الحصار الاقتصادي الذي تمارسه بعض الدول بهدف شرخ السكينة والاستقرار الاجتماعي وإضعاف الروح المعنوية .. وانتشار الحسد والفرقة والنزاع الطبقي ..
ولتوضح هذا المجهود بجلاء تراجع الحرب المضادة على الثورة المصرية 2011 ودور المخابرات الدولية والإقليمية والمحلية واستخدامهم اللامحدود للإعلام الفاسد في الانقلاب عليها ..
مبادئ الحرب الخاطفة:
1- المفاجأة وهي تتحقق بإفشال توقعات العدو في تحديد: “الوقت أو المكان أو نوع السلاح أو الوسائط الحديثة أو أسلوب التكتيك” وبنجاح اخفاء نوايانا عن قوات استطلاعه وأجهزة مخابراته .. بهدف توجيه ضربة خاطفة تسهل إنهياره ..
2- السرعة: في المحافظة على المبادأة وسبق العدو بخطوات لاستثمار المفاجأة في تعزيز النجاح وضرب قوات العدو الاحتياطية .. وحرمان العدو من الوقت لإعادة تجميع قواته وحشدها أو إجهاض محاولة انتقاله لموقع دفاعي جديد ..
3- تحقيق التفوق المحلي: أي منح قوتنا الأفضلية بتركيز الجهود في اتجاه المجهود الرئيسي الموجه نحو أضعف نقاط العدو .. يجب أن يتم تحقيق تفوق في العدد والسرعة والنيران لتحقيق اكتساح في الثغرات واستمرارية في الضغط على العدو وإجهاده والمحافظة على المبادرة والمفاجأة ..
4- المناورة: هي الاستخدام المرن للقوات لتحقيق الانسجام بين النار والحركة والأرض .. والتقدم من خلال الالتفاف على جبهة العدو أو اختراق أضعف نقاط الجبهة لتحقيق التفوق ومن ثم إرباك العدو ووضعه في موقف غير متكافئ ..
5- تثبيت الجبهة: أي مشاغلة كامل الجبهة في المواجهة وعلى الأطراف وفي العمق القريب .. لتشتيت رؤيته وخداع فكره وتبديد جهوده واستنزاف قدراته .. ولتغطية تحركات وحدات المناورة وفسح المجال أمامها لتحقق المفاجأة بالسرعة المطلوبة والعمق المناسب لانهيار الجبهة بكاملها ..
6- الأمن ( السرية والخداع ): إخفاء نوايانا ( الاستراتيجية ) وتحركاتنا ( التعبوية ) وخططتنا ( التنفيذية “التكتيكية” ) .. لإعماء العدو عن رؤية: الحشود ( تركيز الجهود ) .. اتجاه التقدم للمناورة .. نقاط الاندفاع ..
7- العامل المعنوي: الإيجابي لوحداتنا النابع من معتقداتنا والمشبع بالحماسة وروح التضحية والفداء .. والسلبي لوحدات العدو وشعبه كما أسلفنا في دور المخابرات ..
من المفيد التنبيه على عيب يواجه الحرب الخاطفة وهو صعوبة توفير الإمدادات الإدارية والإسناد الناري المباشر .. وعلاج ذلك يكمن في السرعة والمفاجأة والتفوق المحلي والأمن ..
بقلم : عابر سبيل
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
www.mafa.world