سلسلة مقالات 33 استراتيجية للحرب -13- (الاستراتيجية الشاملة)
بسم الله الرحمن الرحيم
13- الاستراتيجية الشاملة
الانشغال بردود الفعل اليومية يلهي عن رؤية الصورة الكاملة لخارطة الصراع .. ففي الوقت الذي تشغل عدوك بالتفاصيل اليومية والمعارك الجزئية .. صف ذهنك للتركيز على الهدف الأساسي والتخطيط لتحقيقه .. عليك بالنظر لصورة مسرح الصراع من كل زواياها .. ثم .. قسمه لأجزاء تستولي عليها تباعاً .. حارماً العدو من استقراره النفسي وعناصر قوته ومصادر طاقته وإمكاناته وتحلفاته ضارباً مصالحه لإضعافه وإنهاكه ومن ثم انهياره ..
الحماسة والمبالغة فيها تقلل من قدرة القيادة للسيطرة على عاطفتها وتشوش على أفكارها .. وبالتالي تحرمها اليقظة التي تمكنهم من رؤية المشهد الكامل .. على القيادة أن تحذر من الحماسة المفرطة وتحافظ على يقظتها وحذرها لتبصر ما لا تراه رأي العين وتسمع ما ليس في نطاق سمعها .. لتكون حاضرة وجاهزة لقهر أعداء الله .. كيقظة أبي بكر الصديق t وحراسته للمدينة .. ولا تنسى القيادة أن الحماسة للجنود كالحشوة الدافعة للصاروخ ..
الإعداد الجيد للقيادة يؤهلهم لتولي مهامهم باقتدار عندما يحين وقتهم .. حينما توفي رسول الله ﷺ رمت العرب المدينة عن قوس واحدة .. ارتد من ارتد من العرب ومنع بعضهم الزكاة ونجم النفاق في جزيرة العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية .. وعلى مشارف المدينة جيش أسامة t متأهب لمهمته .. حينها أشار أهل الرأي على أبي بكر (رضي الله عنه) بالتريث وتأخير إنفاذ جيش أسامة (رضي الله عنه) .. لكن أبو بكر (رضي الله عنه) الذي استحضر المشهد كاملا عدل عن رأيهم إلى خطة محكمة: فلم يمنح وساوس المتربصين وقتا حتى أحبطهم وأجهض مخططاتهم بإنفاذ بعث أسامة (رضي الله عنه) إلى الروم فأحجمت بمسيره المناطق الشمالية عما حدثت به نفسها .. ثم أمن أبو بكر (رضي الله عنه) المدينة فجعل كبار الصحابة (رضي الله عنهم) يرابطون مع المقاتلة على منافذ المدينة وجعل بينهم وبينه مراسلين لنقل الأخبار وجمع أهل المدينة في المسجد استعداداً لأي طارئ ونفع الله بذلك؛ فعندما طرقت الغارة الأنقاب وجدت عليها المقاتلة والمراسلين الذين نقلوا الخبر لأبي بكر (رضي الله عنه) الذي سار إليهم بأهل المسجد فردوا الغارة وغنموا عدوهم .. ولما رجع جيش أسامة (رضي الله عنه) غانماً عقد أبو بكر (رضي الله عنه) أحد عشر لواءً لقتال المرتدين ومانعي الزكاة في كل أنحاء الجزيرة فهزمهم بإذن الله .. وانتهت حروب الردة .. فعاقب من استحق العقاب وعفا عمن تاب وآب ..
على الرغم من قصر مدة خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) إلا أنها مرت بمرحلتين رسمتا ملامح الاستراتيجية الاسلامية .. التزم فيها أبو بكر (رضي الله عنه) درب صاحبه ومعلمه ﷺ .. في المرحلة الأولى توجه نحو توحيد جزيرة العرب ليجعل منها قاعدة انطلاق للقوة الإسلامية التي دفعها في المرحلة التالية لفتح العالم المعروف أنذاك فوجه الجيوش إلى فارس والروم ..
والمتتبع لسير الفاتحين يجد تشابها بين انطلاقاتهم وبداية عهدهم بعد وفاة المؤسس .. نجد هذا واضحاً مع المسيرة العسكرية للإسكندر المقدوني .. لقد وحد والده الملك فيليب اليونان ( باستثناء اسبرطة ) ولما اغتيل الملك بادرت أثينا للانسحاب من الاتحاد وتبعها غيرها .. واعتلى الإسكندر الشاب العرش فنصحه الجنرالات والسياسيون أن يتحرك ببطء ليعزز وضعه في الجيش وفي البلاد ثم يعيد إصلاح الاتحاد باللجوء إلى المكر والقوة معاً .. لكن الإسكندر رفض ذلك ولم يمنح أعداءه الفرصة لينظموا قواهم فقاد الجيش بقوة وقسوة وحزم فدمر طيبة وردع أثينا وأعاد توحيد اليونان .. ثم توجه بجنوده في خطوة جريئة نحو الفرس فهزمهم في ( غرانيكوس ) ولم يتعقبهم شرقاً كما لم يمنحهم الوقت .. فسار جنوباً إلى مصر ليحرم الفرس من غلالها الوفيرة ومواردهم الأساسية ويساعد على استقرار الاقتصاد الإغريقي .. كما حرم الإسطول الفارسي من شواطئه الغربية فجعل الإسطول بلا قيمة .. وأرسى قواعد العدل مع شعوب المنطقة وأظهر رحمة أكسبته قبولاً عاماً .. وما لبث أن تحرك شرقاً ليضع الفصل الأخير من حكم داريوس الذي فقد موارده وقواته البحرية ودعم شعوب المنطقة .. لقد كانت حياة الإسكندر قصيرة مع إنجازات كبيرة ..
نلخص ذلك في عدة نقاط:
1- توحيد الجبهة الداخلية في إطار وحدتها الجغرافية وهي جزيرة العرب .. وحتى نفهم أهمية ما قام به الصديق(رضي الله عنه) في حال لم يبادر إلى تنفيذ أمر رسول الله ﷺ بإنفاذ بعث أسامة (رضي الله عنه) وإصراره على قتال المرتدين ومانعي الزكاة لعمت الفوضى ولما بقي من المسلمين إلا قلة بالمدينة ولتناقصت الشريعة ولم تصل لنا .. ولعاد العرب إلى جاهليتهم ولحرم العالم من نور الإسلام ..
2- الانطلاق بمن وحدهم إلى خارج جزيرة العرب .. في حال بقاء الإسلام محصوراً بالعرب لأكلته الصراعات الداخلية .. فدفعهم للخارج حول التنافس بينهم وقوداً لفتح العالم بدلا من التردي في الصراعات الداخلية .. ولم تخرج انطلاقة الإسكندر عن ذلك إلا لتحقيق حلم الانتصار على عدوهم التاريخي ..
3- رؤية المشهد الكامل لمسرح الصراع وبناء الاستراتيجية الشاملة .. فلم يغتر الإسكندر بالنصر الذي حققه فركض خلف داريوس؛ ولكنه فطن لخطر طول خط إدارياته والجيوب التي ستكون خلفه وعلى مجنباته ولذلك جرد عدوه من الأطراف والموانئ والجزر التي اعتمد عليها سابقاً في الهجوم على اليونان كما استولى على مصادر الدعم في مصر الغنية بالخيرات وحرم منها داريوس .. ثم انطلق شرقاً للقضاء على عدوه ..
4- مارس السياسة كما علمه أستاذه أرسطو فلم يسلب عدوه الأرض والخيرات فقط ولكن عقول وقلوب الناس أيضاً فكان كريماً رحيماً معهم فكسب ولائهم وأمن شرهم .. وأعاد بناء نظامه على الأسس الفارسية متفادياً النواحي القاسية وغير الشعبية .. وأفضل من هذا ما فعله الفاتح المسلم حيثما حل؛ فأقام العدل وملك قلوب العباد حتى أطلق على المسلمين اسم الفاتح الرحيم ..
5- القدرة النفسية الرائعة في السيطرة على الانفعالات الشخصية: فأن تعاقب وبعنف رادعاً من تسول له نفسه الردة أو التمرد أو الشح فيما فرض عليه .. كما أن تعفوا عمن تاب .. وأن تكون سمحاً كريماً مع أهل البلاد المفتوحة .. وأن تأخذ من نظامهم ما يناسب دولتك .. فهذا كله دليل على عدم التعصب أو التشنج أو الرغبة في الثأر والانتقام فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها ..
6- الرسالة التي حملها المسلمون للعالم افتقر إليها الإسكندر فقد عالجت الرسالة الوضع بعد الحرب .. أسست لمرحلة جديدة للوجود البشري على الكوكب .. أخذتهم رسالة الإسلام من تفاعلاتهم البشرية وانتماءاتهم القبلية إلى مفهوم الأمة وأعطتهم منهج يقيم حياتهم فبعد تجاربهم العديدة لمناهج صنعتها أيديهم عانو منها وابتلوا بها غيرهم .. رسالة الإسلام كانت كاملة وكانت نعمة تلبي كل متطلبات النفس البشرية .. الرسالة التي ارتضاها الخالق I للناس مهرها بقوله {… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا … {3}المائدة ..
7- لهذا أصبحت هداية سكان الكوكب الهدف السياسي الرئيس للمسلمين وهو هدف يمكن تحقيقه بجوادي الدعوة والجهاد .. فمن يقبل بالدعوة لا ترفع عليه السيوف .. ومن استحق الجهاد انطلق إليه ليرفع عنه ما يعيق رؤيته للدعوة وليحرره من اختيارات أئمة الكفر ليختار حراً لأخرته ما يقيمها أو …. عن تميم الداري t قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ( ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر ) ..
8- هجوم “تيت” لم يكن هو العامل الحاسم في إخراج القوات الأمريكية من فيتنام .. لكن آثاره غير المباشرة هي التي أتت أكلها .. لقد صدم حجم انتشار ضربات الفيتكونج في طول البلاد وعرضها الشعب الأمريكي الذي عمل على إيقاف الحرب .. الدور الإعلامي ونقل الصورة وكذلك الخطاب السياسي للعالم هو سلاح ذو حدين لا يهمل ولا يستعمل برعونة .. رسالة الحضور الشامل لهجوم “تيت” تركت انطباعاً سلبياً لدي الشعب عن قدرة قواته على حسم الحرب أو حتى الاستقرار بعدها .. ما فعلته داعش كان على النقيض فقد حملت رسائلها رعباً للعالم فتحالف عليهم .. اختيار الهدف رسالة .. والخطاب السياسي رسالة .. وما يفعل أو يقال لقوات العدو ليس عينه ما يقال لشعبه .. والفارق كبير بين من يفجر في دور العبادة وبين من يهاجم صحيفة أساءت لنبي الهدى ﷺ. لدينا قضية عادلة ندافع عنها كما لدينا دين ندعوا إليه هذه هي العناوين التي توجه للشعوب اليوم ..
9- على المسلمين اليوم أن تكون لهم رؤية شاملة ذات مراحل: المرحلة الأولى يعملوا فيها على إضعاف العدو العالمي والقضاء على عملائه في بلدانهم وفق وسائل التغيير المناسبة لكل قطر وإقليم .. والثانية أن يتفقوا على لم شمل الأمة تحت مظلة توحد قوتهم وتجعلهم قدوة فتفتح المجال أمام قوتهم الناعمة للانطلاق نحو العالم .. والثالثة أن ينطلقوا لأقاليم العالم دعاة هداة على هدي أجدادهم ومجاهدين رحماء كما كانوا في عهد نبيهم ﷺ .. إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً .. والدعوة لدين الله مستمرة قبل وأثناء وبعد كل المراحل ..
10- إن بناء الاستراتيجية المناسبة لتحقيق أهداف المراحل السايقة لا بد أن تخضع لرؤية شاملة تجمع بين العمل المباشر وغير المباشر بحسب طبيعة كل أرض وكل شعب من شعوب الأمة والخيارات أمامهم مفتوحة “الدعوة .. الثورة .. الانتفاضة المسلحة .. حرب العصابات .. العمل السري بالمدن .. وحتى الانقلابات العسكرية … الخ” .. المهم إحسان اختيار الوسيلة وإحسان استخدامها وهذا يتوقف على إحسان التحضير والإعداد الجيد للقيادة حتى إذا حان الوقت كانوا رجال زمانهم ..
11- على المسلمين ألا يقنطوا وأن يكونوا على يقين أن حكام هذا الزمان وبطانتهم وجنودهم هم جزء من العدو لهم مهمة واحدة وهي خنق الإسلام وشنق المسلمين وتسليم البلاد والعباد لأتباع الشيطان في ظل الصراع المرير منذ خلق آدم عليه السلام .. وأن القضاء على هؤلاء الحكام وبطانتهم وجنودهم ومن وراءهم؛ وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بني آدم هو جوهر مهمتنا وساعتها يتحقق النصر على إبليس وجنده فهو العدو الأول والأخير .. قال الله I {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {6} فاطر..{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً {62} الإسراء..{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا {117} لَّعَنَهُ اللّهُ م وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {119} يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا {120} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا {121}النساء ..{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {22} إبراهيم .. { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {16} الحشر ..{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {76} النساء ..
على الحكام أن يجهزوا بلادهم للاحتلال .. عليهم أن يفقروا بلادهم بسياسات زراعية واقتصادية فاشلة .. على شعوبهم أن تعيش أزمات متلاحقة لاصابتهم باليأس .. التسبب بفساد اجتماعي بالتضيق عليهم في الرزق ليعدو الزواج بعيد المنال فتداوى الشهوات بالفاحشة وتدمر مؤسسة الأسرة .. على الشعب أن يفقد قوته بعزله عن السلاح وجعل أمر القتال بيد طائفة تم برمجتها للطاعة وليس للتفكير أو الاختيار .. يجب أن تكون الصناعات استهلاكية وليست تنموية حتى يظل الشعب تابعاً للغرب وخاضعاً لتقنيته وبالتالي مبهوراً بقوته الناعمة فيسهل اعتناقه لما يعرض عليه .. القضاء على المدارس والتعليم والتربية الإسلامية وهدم مؤسسة القضاء الإسلامي ليفشو الجهل وتسلب المرجعية الشرعية منهم .. على الحكام اغتيال المرشحين للقيادة قبل أن ينضجوا لتضيع الخبرة وتظل الرعية بلا راعي ويفقد البناء أساسه .. بدون مرجعية وبلا قوة تدافع ولا قلم يعلم ولا لسان يقود معركة الوعي ومناخ مشحون بالفاقة والعوز ومجتمع ضائع في التيه بلا راعي .. بمثل هذا تخنق البلاد ويشنق العباد .. هكذا بدت استراتيجية الأعداء الشاملة بعد المقاومة الباسلة من أجدادنا لحملاتهم عبر الزمان .. لقد خرجوا وتركوا مخلفاتهم وراءهم لتنفذ ما فشلوا به .. فحرب الإسلام علانية واحتلال آراضيه بالقوة تجربة محكومة بالفشل ولن تمكن لهم في الأرض .. ولكن حصان طروادة مع تغريب المسلم عن دينه سيمنحهم لفترة ما يريدون .. ولن تدوم .. إلى أن يجدوا داءً جديداً يقتل الغيرة ويخنق الوطنية ويزيفوا به التاريخ ..
الحاكم وأهل العلم والرأي هم الدولة .. الأمة بكل أطيافها هي الجنود .. والدين هو الروح التي نفخت في بدنهم يسوسهم ويقودهم .. ولا يجب على العاملين لله اليوم أن يهملوا أي منهم ..
مبادئ الاستراتيجية الشاملة:
– واقعية الأهداف والتركيز عليها: ويمكن إيجاز أهداف الرسالة الإسلامية في خمس موضوعات: توحيد الخالق وإفراده بالعبادة .. سياسة الدنيا بإقامة العدل والتكافل بين بني آدم كافة وفق تشريع سماوي منصف رحيم سواءً للمسلمين أو من بقي على كفره من أهل الكتاب طالما هم يحيون داخل دار الإسلام وفق التشريع الإسلامي .. حراسة وجود المسلمين وحفظ أموالهم وتأمين انطلاقتهم لنشر عقيدتهم .. تحرير العقل برفع الضغوط والحجب عنه لتمكينه من الاختيار وتأمين العقول المسلمة من سلبها فكرياً أو حسياً وحفظ العقول من أي مؤثر يشوش عليها أو يضر بها أو يحجب رؤيتها .. وعمارة الأرض باستثمار نعم الله في الكوكب على أحسن وجه ممكن ..
السمة المهمة التي يجب أن تتصف بها الأهداف أن لا تكون أمنيات .. كما يجب أن تكون الأهداف واضحة واقعية متجذرة بعيدة المدى وتمنح جميع الأفعال ثبات الاتجاه .. وهي نقطة يفقدها القادة بمرور الوقت ويدورون حولها ..
– الرؤية الشاملة: ساحة الصراع كبيرة ومعقدة والنفس البشرية أكثر منها تعقيداً .. والصراع لا يكون في مسرح العمليات فقط بل يتخطاه إلى البطن الرخو للدولة ويمد أذرعه لتصل إلى الحلفاء في الإقليم وخارجه .. وليس بالضرورة تبني برنامج عسكري لهم .. فمنهم من تستوعبه السياسة .. ومنهم يغير الإعلام قراره .. ومنهم من ترده الدعوة والهداية وانشراح الصدر .. ومنهم من يقبل بمنح اقتصادية .. وكثير منهم يردعهم التهديد .. وهناك من يتعظ بغيره .. بعد احتلال العدو الأمريكي وحلفاءه العراق قام القذافي بفك مفاعله النووي دون أن يشهر أحد في وجه سكين .. من فقه التهديد أنه ليس بالضرورة أن يؤدي بالكل إلى الاستسلام بل يكفي اصابة البعض بالخوف على مصالحهم ويتم تحيدهم من الصراع ..
– قطع الجذور: أي قطع رأس الأفعى فحكام هذا الزمان تم توليتهم بإرادة خارجية ولا أوضح من أن يقول الرئيس الأمريكي أنه وضع رجلهم في سدة الحكم بالرياض .. ولله در القاعدة حينما عمدت لضرب الرأس .. لقد غزا “هنيبال” إيطاليا ولم يتمكن جنرالاتها من هزيمته .. فقط “سيسيبو أفريكانوس” نظر للصورة الكاملة وأدرك أن جذور “هنيبال” تخرج من قرطاج .. فقام بغزوها واجتاحها ودمرها فلم يكتفي برد “هنيبال” عن روما وإنما أخرج قرطاج من المنافسة معها ..
– أن تسلك الطريق المباشر أوغير المباشر للهدف رهن بعوامل كثيرة .. والمفاضلة بينهما تخضع لمناقشة عميقة .. حينما عمد الجنرال جياب للعمل المباشر في هجوم “تيت” ولد انطلاعاً سلبياً كما أسلفنا لدى الشعب الأمريكي عن الحرب فأوقفها .. في حين أن الهجوم الياباني المباشر في بيرل هاربور جاء على النقيض فقد ولد لدى الشعب موجة من الغضب لم يطفأ حرها إلا القنبلة الذرية .. ويظل الاختيار غير المباشر محمود الأثر فالحرب خدعة وتعتمد تحركاتها الحاسمة على السرية .. أن تحرم العدو من معرفة نواياك وأهدافك وقمت بخداعه فلا يعرف أين تذهب ولا أين الهدف الرئيسي وجردته من الرؤية فقد ملكت زمام المبادرة ..
تواجه الاستراتيجية الشاملة عدة مخاطر: أهمها خطر النجاح الذي يفقدنا الرؤية وتخدعنا بعض الانتصارات فلا نراجع أنفسنا أو برامجنا في حين أن عدونا يطور من نفسه .. لا بد أن نعتاد على النقد الذاتي طوال المسيرة لإصلاحها وضمان عدم سقوطها في فخ النجاح ..
خطر آخر مخيف ويكمن في حالة التردد التي تنتج من المعرفة الكثيرة .. حينما ترى كثرة الاحتمالات وتفقد القدرة على اتخاذ القرار ويصعب التحرك وتصاب بحالة من الجمود .. القائد الفذ هو الذي يخطط قدر ما يستطيع ويرى أوسع وأعمق ويتقدم في الوقت المناسب ..
سيظل الواقف فوق القمة يرى أبعد من القابع في الوادي .. وسيظل الواقف تحت الشجرة يرى بعضها حتى إذا خرج من محيطها رأى الصورة الكاملة .. هذه الأمثال هي أساس فلسفة الاستراتيجية الشاملة ..
بقلم : عابر سبيل
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
www.mafa.world