33 استراتيجية للحرب -10- (استراتيجية الهجوم المضاد)
سلسلة مقالات 33 استراتيجية للحرب -10- (استراتيجية الهجوم المضاد)
بسم الله الرحمن الرحيم
10- استراتيجية الهجوم المضاد
“الحرب لا يصلح لها إلا الرجل المكيث” عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. قمة المهارة في الدفاع حينما نتحول للهجوم المضاد بسرعة وبزخم محسوب دون أن يترك مجال للعدو ليلتقط أنفاسه ليعيد تنظيم قواته .. القائد العبقري هو الذي ينتظر بصبر وبرودة أعصاب وإرادة فولاذية [ نقطة الانقلاب ] التي تتبادل فيها كفتا الميزان الارتفاع .. من الدفاع إلى الهجوم المضاد مدمرين قوات العدو مسببين له حالة من الإرباك والإنهيار .. ولطالما كان خالد بن الوليد رضي الله عنه بارعا في اكتشاف نقطة الانقلاب .. عباقرة الحرب هم الذين يجيدون المزج بين الدفاع والهجوم والتنقل بينهما لسحب أو إغراء العدو ليندفع إلى الموضع المناسب للهجوم المضاد للقضاء عليه .. التحول من الهجوم إلى الدفاع ومنه مرة أخرى للهجوم عملية غاية في الدقة والحساسية .. الهجوم المضاد يعتمد على وجود قوات احتياط لديها قدرات حركية عالية ..
الهجوم المضاد هو أحد ركائز الخطة الدفاعية .. والهدف منه هو منع قوات العدو من أن تستغل النجاح الذي حققته في اختراق موقع دفاعي لتجعله نجاحا حاسما .. ويسهل تحقيق هذا الهدف حينما يصبح العدو مشتبكاً وعالقاً في الشبكة الدفاعية .. ولا يتم دفع قوات الاحتياط للهجوم المضاد إلا بعد التأكد من أن الخرق ناتج عن هجوم حقيقي .. لأن الهجوم المضاد آخر ورقة تحتفظ بها القوات في المعركة الدفاعية ..
يشن الهجوم المضاد بواسطة الأنساق الثانية بدفع إحتياطي الأسلحة المشتركة بهدف اعادة الوضع الدفاعي إلى ما كان عليه أو الانتقال إلى الهجوم المضاد العام إن كانت الفرصة سانحة وأسباب نجاحها قائمة..
تعتمد الخطة الدفاعية والهجوم المضاد على وجود عمق دفاعي وشبكة من الخطوط التي تعمل على امتصاص زخم الهجوم وتشل حركية العدو .. وهذا بلا شك يحتاج لعنصر الوقت ولا بد من منحه للقوات للتحضير الجيد للمعركة ..
من عناصر نجاح المعركة الدفاعية المتعلقة بالهجوم المضاد:
– تعتمد الخطة الدفاعية لتنفيذ هجوم مضاد فعال على معلومات استطلاع ميدانية دقيقة .. وكذلك معلومات استخباراتية للتأكد من نية العدو بالهجوم ( كورسك 1943 ) .. أو من خلال خطة خداع يتم فيها تسريب معلومات للعدو تغريه بالهجوم .. لابد من دراسة العدو ومعرفة قدراته وأسلوب قيادته ونفسياتهم .. كذلك لابد من جاهزية قوات الاحتياط وحسن تدريبها والمحافظة على الروح التعرضية لها بعيدا عن روح الخنادق ..
– الاختيار السليم للأرض التي توفر الحماية لقواتنا وتصعب مهام قوات العدو وتعيق تقدمه وتحصره في قطاع يحقق التفوق للقوات المنفذة للهجوم المضاد ويسهل القضاء عليه ..
– تنسيق التعاون وتوزيع الجهد بين الأسلحة المشتركة في الدفاع والهجوم المضاد لتحقق:-
– توفير إسناد ناري قوي ومحبط على قوات العدو المهاجمة ..
– استهداف قوات الاحتياط لدى العدو لحرمانها من المشاركة في المعركة ..
– القيام بإجراءات التأمين لقوات الهجوم المضاد ..
– من أهم بنود الأمن في المعركة الدفاعية إعداد خطة تخفي وتمويه غاية في السرية لأمرين:-
الأول: إخفاء نية القوات المدافعة بالترتيب لهجوم مضاد ..
الثاني: إخفاء قوات الهجوم المضاد عن عيون جواسيس العدو ..
– يجب أن يتم اتخاذ قرار تنفيذ الهجوم المضاد في الوقت المناسب بحيث تكون قوات العدو أنهكت في الشبكة الدفاعية .. ووجود قواتنا للهجوم المضاد في الأماكن المناسبة على أجناب ومؤخرة العدو ..
الهجوم فاضح .. فالذي يبادر للحركة أولا يفتح الباب لتوقع حركاته التالية .. وما قد يكون خبأه كمفاجأة يصبح محتملا في عقل القيادة المدافعة .. وبالنجاح في صد الضربة الأولى يصبح المهاجم في غاية الضعف .. وهذا يسهل مهمة الإعداد للهجوم المضاد .. سواء كان هجوم العدو حقيقي على الأرض أو محتمل فالخطة الدفاعية الجيدة تعالج فيها كافة السيناريوهات ..
العقل السياسي والعسكري المتزن والحليم يتمتع بمرونة مع عمق في فهم العمليات العسكرية ويسخرها لتحقيق النصر في المعركة .. فهو قد يمارس سلسلة من العمليات متنقلاً من الدفاع للهجوم للانسحاب للدفاع ثم العودة للهجوم ببراعة وقوة وثبات جنان ورابطة جأش .. مع مصاحبته وانسجامه مع سلسلة من القيادات الأصغر التي تمتلك الخبرة والتجربة .. وجنود تم إعدادهم لتنفيذ المهام المختلفة في أوقات متقاربة ..
وعلى مستوى أعلى من المعركة الميدانية نرى نضجه وبراعته في تحديده لنظرية الحرب المناسبة لطبيعة الصراع .. فقد يختار العمل بنظرية العصابات ويسير في مراحلها بقوة في مناطق وقد يستخدم في مناطق أخرى مبادئ الحرب النظامية .. وقدراته النفسية والذهنية تجعله يتمتع بمرونة كافية للانتقال بين المراحل أو التملص من خطأ النظرية وتصحيح المسار ..
حالة الجمود والانكماش التي تمر بها التجربة الجهادية في سوريا .. والانشغال بالقتال بين شركاء الأمس .. تجعلنا نلاحظ بُعد القيادات السياسية والعسكرية عن المرونة الذهنية التي تمنعهم حتى من التوقف لإعادة التفكير: في أسباب الانكسارات المتتالية حيث يجب اعادة النظر في استراتيجية الحرب .. أو ما يترتب على القتال بينهم من ضعف للصف الداخلي وانكسار لقلوب الأمة وتفوق لعدوهم .. أو العمل على إعادة الروح والأسباب التي ساهمت في انتصاراتهم السابقة .. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمهم رشدهم ويأخذ بأيدهم لما فيه الخير للإسلام .. قال تعالى {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {152}..
حينما يمتلك العدو قوة أو امتيازاً نفتقر إليه .. فأحد اركان خطتنا أن نعمل على تحييد هذه القوة من خلال: تهيئة مناخ يمنع العدو من استخدامها أو يحد من فاعليتها وفي نفس الوقت نعالج نقطة الضعف هذه عندنا بزيادة مهارتنا في ضوء المتاح من إمكانات ..
بشكل عام تتمثل قوة العدو ونقطة ضعفنا في الحركية .. العدو يمتلك سلاح الطيران فعلينا أن نمتلك مهارة التخفي .. السلبي والإيجابي .. عند التقدم للقتال يجب تحقيق تماس أثناء الهجوم مع سرعة اختفاء وبراعة وتشتت أثناء الانحياز .. هذه الخطة تعتمد على حساب الوقت المتاح من اتصال قوات العدو لاستدعاء الطيران من قواعده وحتى وصوله لنقطة الهجوم هذا أيضا خاضع للخبرة من خلال التجربة وحساب الزمن المرتبط بالمسافة بين موقع العدو وقواعد الطيران التي ينطلق منها .. ترتبط فاعلية الطائرات بدون طيار بسلوكنا الخاطئ على الأرض بتفلت المعلومات للجواسيس النشطين أو الاستخدام المنفلت لتقنيات الاتصال ..
أحد عناصر قوة العدو هي الاستخبارات وبالتالي يجب أن يكون عنصر القوة عندنا هو الأمن واحتراف مهاراته ..
أحد نقاط قوة العدو هو الإعلام وقدرته على خلق رأي عام موالي .. فيسعى العدو ليبرر انتهاكته واعتداءاته – التي يحاول ويجتهد في إخفائها – من خلاله بالظهور بمظهر الضحية .. وبدلا من أن يقوم إعلامنا بهذا الدور فإنه يساهم في خلق رأي عام معادي بالظهور كقاتل بلا ضمير لا يراعي مشاعر الامتدادات الاجتماعية لمن يقتلهم .. ولا يحسن خطاب شعوب الأعداء لبيان نزاهة وعدالة قضيته باللغة التي تظهر الحقيقة .. نجح الجنرالات في فيتنام في كسب الرأي العام على أرض العدو وفي بيئته وحولوا الإعلام لسلاح يخدم قضيتهم .. ما حدث في تجربة العراق صف العالم كله وحتى التيار المجاهد أيضاً ضدهم .. وبذلك خسروا معركتي السمعة والميدان ..
الاستفزاز وإثارة الخصم وتهيجبيه بالوسائل العسكرية والدعائية .. مع خطة خداع ذكية وطُعم تم إعداده بدقة .. في إطار تنوع عملياتي بين الدفاع والهجوم والانسحاب .. مع مظلة أمنية تخفي نوايانا وتستر تحركاتنا .. تمثل خطة استدراج .. تثمر عن سحب العدو للأرض التي نجيد العمل عليها لاستهلاكه واستنزافه حتى يتم القضاء عليه ..
الاستفزاز والإثارة والتهيج يجعل الخصم في حالة عدم اتزان ذهني .. ويدفعه هذا لارتكاب سلسلة من القرارات الخاطئة والتي يصعب علاجها .. وهجومهم عادة ما يكون هشاً تم التجهيز له على عجل .. بهذا الاستدراج يتم استخدام قوة العدو ضده فهو وإن تملك قوة عسكرية كبيرة إلا أنها تدار من خلال قيادة مستفزة ومتعجلة تسيئ التخطيط وتندفع بلا عقلانية لما خططنا له آنفاً .. حيث تنتظره وحدات الهجوم المضاد ..
لا يمكن تطبيق استراتيجية الهجوم المضاد تحت كافة الظروف .. فقد تلجنأ بعض الظروف للمبادرة إلى الهجوم بدلا من الانتظار .. وقد تضطرنا بعض الظروف للانحياز بدلاً من تدمير أنفسنا بصمود يفتقر للحكمة .. وهكذا نحمي أرواح جنودنا ونحافظ على قواتنا لنقاتل في يوم آخر ..
الحلم ( السكينة والرزانة والصبر ) يفسح المجال لاستثمار أخطاء العدو .. ويفتح الباب أمام العديد من الخيارات .. مفتاح النجاح على المستوى النفسي أن تتمتع ببرودة أعصاب مع خصم تغلبه طبيعته البشرية وتدفعه للانفعال ..
لازلت معجباً بالانحياز الرائع من المكلا للمجاهدين باليمن .. وأدعوا لهم بالتوفيق في معركتهم الأمنية والإعلامية .. كما أنتظر هجومهم المضاد حينما تتهيأ الأسباب ويحين الوقت .. فالإيمان يمان والحكمة يمانية ..
بقلم :
عابر سبيل
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
www.mafa.world