بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية | السنة الخامسة عشرة – العدد 180 | جمادى الآخرة 1442 ھ – يناير 2021 م .
31-01-2021
الإمارة الإسلامية في صدارة المواجهة مع “الاحتلال بالفساد” بعد مواجهة “الاحتلال بالجيوش”
الاحتلال جعل من الفساد “هندسة لبناء المجتمعات والدول” وليس إنحرافاً عابراً
الإفساد هدف وغاية الاحتلال.. والسلاح الحقيقي لإستعباد الدول
– معركة الإمارة ضد الفساد لا تتعلق فقط بالجانب الأخلاقي ـ بل تعتمد أيضا على الجوانب التشريعية والقضائية، والبناء الإداري والرقابي. فيجب أن يكون بنيان الإمارة نفسه مقاوماً للفساد ومانعاً له.
– قوات الاحتلال الأمريكي جاءت إلى أفغانستان بمرض الفساد الذي تحمله بداخلها. فالجيش والمخابرات الأمريكية مؤسسات فاسدة لدرجة تؤهلها لأن تكون مثالاً للأجهزة الأفغانية.
– بعد انتهاء المعركة مع (الاحتلال بالجيوش) تأتي المعركة مع (الاحتلال بالفساد)، والذي يحقق أهداف الاحتلال العسكري.. بدون حرب.
– لابد من تقوية الجهاز القضائي وتزويده بقوة رادعة للتنفيذ، حتى تمضي أحكامه على أصحاب المراكز العالية، والانتماءات القبلية التي قد يحتمون بها ضد أحكام القضاء.
– ليس هناك معونات اقتصادية أو إغاثية، تقبلها الإمارة، قبل أن تبحثها الأجهزة المختصة ومجلس الشورى، للتأكد من مناسبتها من النواحي الأمنية والسياسية.
– الاستثمارات المخصصة لخدمة شريحة فائقة الثراء، هي اتجاه مدمر للقيم المعنوية للإمارة وروابط الثقة بينها وبين مواطنيها الذين تحملوا الحرب والتضحيات لأكثر من أربعة عقود، ومن حقهم على الإمارة أن يكونوا محور اهتمامها، ودعمهم بالخدمات التعليمية والصحية والسكن والعمل والمواصلات، بأفضل صورة ممكنة.
– يُحْظَر تشغيل مشروعات خارجية بغير مشاركة ورقابة الإمارة، وإلا فإن أمنها واستقرارها السياسي سيكون في مهب الريح. وقد يتحول مسئولوها إلى وكلاء علنيين أو مخفيين لشركات كبرى، خاصة وأن أفغانستان تعتبر واحدة من أغنى دول العالم بالخامات الاستراتيجية.
تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا
الفساد.. هو العنوان الكبير الذي يصف الحالة الراهنة لأفغانستان في ظل الاحتلال. بل إن أول وأكبر التحديات التي سوف تواجهها الإمارة الإسلامية بعد طرد الاحتلال هومكافحة الفساد، لتأسيس حياة جديدة لأفغانستان وشعبها.
يدَّعي النظام الحاكم أنه يحاول مكافحة الفساد. وأحيانا يُلقي بتهم بالفساد على بعض الموظفين الكبار، وذلك في إطار الصراع الداخلي بين أجنحة الحكم. وإلا فإن الفساد هي المادة الخام التي بنيَّ منها النظام. فجيش الاحتلال الأمريكي وهو أكبر مؤسسة للإفساد على سطح الأرض، جاء لتأسيس الفساد بمعناه الشامل في جميع مرافق الدولة والمجتمع.
الاحتلال جعل من الفساد “هندسة لبناء المجتمعات والدول” وليس انحرافاً عابراً، بل برنامج شامل متكامل ترعاه قوة عظمى وتنفذه بكافة قدراتها الجبارة بما فيها الجيوش، وقوة شركاتها العظمى العابرة للقارات التي هي أغنى وأقوى من معظم حكومات العالم. وترعاه بقواها “الناعمة” من إعلام مرأي ومسموع ووسائل التواصل الاجتماعي. وترعاه بقوة المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة بلجانها ودعواتها المنافقة عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل، بينما هدفها إفساد كل هؤلاء.
فما كان لمن يرسل الجيوش لقتل الملايين وإهلاك الحرث والنسل أن يتكلم عن أي نوع من الحقوق. في ظل الاحتلال تصبح جميع أجهزة الدولة فاسدة، بل قائمة على الفساد. فأداة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وغيرها من المستعمرات المحتلة ليس هو الجيوش بل الفساد. فيمكن تسميته بدقة متناهية أنه (احتلال بالفساد). بل أن النفوذ الدولي للقوة الأمريكية قائم على قدرتها على نشر وتثبيت وتشريع الفساد في حياة البشر جميعا. فإذا استحكم الفساد من الدولة المستهدفة، قد يصبح الاحتلال بالقوات العسكرية غير ضروري، فإما أن تنسحب بالكامل أو أن يبقى منها أعداد قليلة. فالإفساد هو الهدف والغاية والسلاح الحقيقي لاستعباد الدول.
– لهذا يكون الفساد أكبر من مجرد انحراف أخلاقي، بل هندسة لبناء الدولة والمجتمع بحيث يقود نفسه بنفسه على طريق الانحراف، بدون الحاجة إلى جيوش ترغمه على الخضوع والاستسلام، فالمجتمع قد خضع ذاتيا للاحتلال بالفساد وانطلق في الإنحرافات بكل جموح.
– الفساد الاقتصادي هو الأكثر وضوحا في الدول (المحتلة بالفساد)،لأنه يظهر في معظم المعاملات اليومية بين الناس والأجهزة الرسمية للدولة، التي تم تركيبها بحيث لا تعمل بغير المعاملات الفاسدة، من رشاوي واستغلال.
وفي ذلك يعتبر نظام كابول هو الأكثر فسادا على مستوى العالم كله. وليس ذلك غريبا بعد كل هذا المجهود الخرافي الذي بذله الأمريكيون في بناء الفساد وتشييده بواسطة حرب دامت ما يقرب من 20عاما.
للمفتش العام ـ الأمريكي ـ لإعادة إعمار أفغانستان أقوال كثيرة تكشف عمق الفساد في البنيان الاحتلالي لأفغانستان. فيقول (الفساد لا رادع له في أفغانستان وقد راعينا نحن ذلك الفساد ).. فيالها من صراحة يحسد علها !!.
ومن المعلومات التي كشفها قوله: (الأموال التي أنفقت على الإعمار في أفغانستان تجاوزت 132 مليار دولار، وهذا أكثر مما أنفقته أمريكا على خطة مارشال لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية). فأين ذهبت كل تلك الأموال ؟؟ إنها ببساطة ذهبت في صناعة الفساد.
فقوات الاحتلال الأمريكي جاءت إلى أفغانستان بمرض الفساد الذي تحمله بداخلها. فالجيش والمخابرات الأمريكية هي مؤسسات فاسدة لدرجة تؤهلها لأن تكون مثالا يحتذى للأجهزة الأفغانية الجديدة.
فالرشاوي وتجارة المخدرات والانغماس في النشاط الإجرامي لأهداف شخصية، واتخاذ الربح غاية من كل مغامرة الغزو والاحتلال. حتى إن الفئات المتنافسة والمتصارعة داخل النظام، تلجأ إلى الأجهزة الأمريكية العسكرية والاستخبارية للبحث عن العون والحماية.
– في الجهاز الإداري المحلي تباع الوظائف في مقابل المال. وبالمثل في أجهزة الشرطة والأمن. يعترف رئيس الدولة (أشرف غني) أن بيع الوظائف موجود في وزارة الداخلية. ومقاعد البرلمان لها بورصة للبيع والشراء. والمجلس التشريعي تديرة من قَصْرِها ” السيدة الأولى”. أما الوزارة التي تمثل الجهاز التنفيذي فإن إقرار تشكيلها يستلزم دفع مبالغ خيالية من الدولارات لأعضاء البرلمان، الذين عليهم تعويض ما خسروه من مال في شراء مقاعدهم.
وجميعهم ـ تقريباـ (نواب الشعب والوزراء) منخرطون في تجارة المخدرات وغسيل الأموال. ويستخدمون عصابات إجرامية للحماية الشخصية وتهديد الخصوم، وتسهيل بعض النشاطات المخالفة لقوانين الدولة التي وضعها البرلمان نفسه.
حتى المؤسسة التعليمية التي تربي أجيال المستقبل فهي على نهج الفساد ذاته، وفيها تباع الوظائف. والدفع إلزامي مهما كانت نتيجة اختيارات التوظيف. وفي ذلك إفساد للمستقبل يضاف إلى إفساد الحاضر بكافة جوانبه.
– أموال “إعادة الإعمار” والمشاريع”الإغاثية” مجال رحب جدا للفساد والإفساد. فالهيئات الاحتلالية والأجنبية التي تحمل الأموال هي ذات طبيعة فاسدة. والأجهزة المحلية وقنوات الإنفاق هي على نفس المنوال من الفساد، وغالبا ما تتحد مسارات الفساد الخارجية والمحلية ليصبحا مسارا أعظم للإفساد، تحت العناوين البراقة للإعمار والإغاثة الإنسانية.
يقول المفتش الأمريكي العام لشئون إعادة إعمار أفغانستان أن الوكالات الفيدرالية الأمريكية، ومنذ بدء حرب أفغانستان رصدت نحو 137 مليار دولار لإعادة بناء وتأهيل مرافق عامة داخل أفغانستان. وأن إهدار تلك الأموال يبدأ بدفع الرشاوي والإتاوات، وصولا إلى إقرار عقود لمشاريع كبيرة تحصل عليها الشركات الأجنبية (!!) ثم تتولى تنفيذها شركات محلية بأسعار أرخص بكثير، وبالتالي تنهار المشاريع بعد وقت قصير من إنجازها.
– أما الإفساد الأخلاقي والفكري فيتم بوحشية عبر أجهزة الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي وجيوش المرتزقة من الإعلاميين و(الذباب) الإعلامي.
وهناك نشر شبكات الدعارة، والشبكات الكَنَسيَّة، وجماعات”المجتمع المدني”، ومؤسسات استخبارية لا حصر لها تحت عناوين تَدَّعي العمل التعليمي أو الإعلامي أو الخيري. برعاية الاحتلال صار الفساد نمط حياة ومؤسسات دولة، وتيارات إجتماعية ناشطة ومدعومة بقوة من الإحتلال ودول الغرب.
– كل ذلك الركام العفن من الفساد هو ما تسميه أمريكا وكلاب الناتو المفترسة بالإنجازات. ويهددون بعدم الإنسحاب مالم تتعهد طالبان بالحفاظ عليها. إنهم يريدون استمرار الاحتلال تحت مسمى السلام، أي وقف الحرب وإدامة “الإحتلال بالفساد” في أفغانستان.
الإمارة الإسلامية هي الحل:
لا مخرج من تلك الطامة الكبرى إلا بعون من الله، وحكم الإمارة الإسلامية بمنهجها الواضح في تحقيق العدل الذي يفتقده شعب أفغانستان وصار حلما للبشرية جميعا. كانت غاية الإمارة في فترة حكمها الأولى كما سيكون في قادم الأيام هو إتباع الآية الكريمة: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ـ 82 القصص.
بداية التحدي ستكون مع أجهزة الدولة القائمة كلها وفق هندسة الفساد. حتى يكاد إصلاحها يكون مستحيلا. ولا نستبعد وجود أقلية من غير الفاسدين داخل تلك الأجهزة.
ولكن لابد من تغيير طريقة عمل الجهاز الحكومي، واستبدال القائمين عليه بقيادات جديدة تُمَثِّل المُثُل الأخلاقية للإمارة الإسلامية، خاصة من بين هؤلاء الذين خاضوا الحرب ضد الإحتلال. فبعد انتهاء المعركة مع(الاحتلال بالجيوش) تأتي المعركة مع(الاحتلال بالفساد)الذي يحقق أهداف الإحتلال العسكري ولكن بدون حرب.
– القيادات الجهادية في معركتهم الجديدة ضد الإحتلال بالفساد سيواجهون مشاكل وتحديات أشد صعوبة، وقد لا ينجح فيها البعض. لهذا ينبغي أن تدعمهم الإمارة بالإرشاد والتأهيل الفني إضافة إلي المتابعة والرقابة المنظمة الدائمة حتي لا تجتذبهم آله الفساد القديمة وتطحنهم بين تروسها. فالمعركة ضد الفساد لها صعوباتها وضحاياها حتى من بين القادة والكوادر الذين نجحوا في معركة السلاح ضد جيوش الإحتلال.
– لاستكمال أدوات المواجهة مع الفساد لابد من تقوية الجهاز القضائي وتزويده بقوة رادعة للتنفيذ، حتي تمضي أحكامة على أصحاب المراكز العالية أو الإنتماءات القبلية التي قد يحتمون خلفها ضد أحكام القضاء.
– أما عن الفساد المصاحب لتدفق المعونات الخارجية، والهيئات الأجنبية العاملة في النشاط الإغاثي والإنساني، فإنه تحدٍ كبير لابد أن تتصدى الإمارة له بشكل حاسم ولا تترك له المجال كي ينشر المزيد من الفساد أينما ذهب وكيفما شاء.
تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا
مراقبة العمل الإغاثي والمعونات الخارجية:
المعونات الخارجية والمشروعات الإغاثية لابد أن توافق عليها الإمارة ومجلس الشورى لبحث مطابقتها للشروط الموضوعة، وأنها لا تمس أمن أو سيادة الإمارة. فليس هناك موافقة تلقائية على أي معونات قادمة من الخارج سواء من مصادر حكومية أو أهلية. فغالبا ما يأتي السم في عسل المعونات الخارجية. كما ليس هناك ضمانة لإستمرارية أي مشاريع إغاثية كانت قائمة مالم يعاد فحصها أمنيا وسياسيا، فإن تمت الموافقة عليها وإلا تُوقَف فورا. ويمنع تشغيل أي مشروعات خارجية بغير وجود رقابة من الإمارة أو مشاركة فعلية في الإدارة والتشغيل، وإلا فإن أمن الإمارة واستقرارها السياسي سيكون في مهب الريح، وقد تتحول الإمارة إلي مجرد كيان إفتراضي، ويتحول مسئولوها إلي وكلاء علنيين أومخفيين لشركات كبري، فتتولي الشركات والهيئات الخارجية التحكم في الإقتصاد وبناء شبكات تجسس وجماعات ضغط داخل الإمارة لصالح إحتكارات إقتصادية خارجية، خاصة وأن أفغانستان تعتبر واحدة من أغني دول العالم بالخامات الإستراتيجية، ومن أجل ذلك تحركت الولايات المتحدة لإحتلال أفغانستان لضمان إبتلاع شركاتها الجزء الأعظم من تلك الثروات.
– مشاريع الاستثمار الخاص، المحلي أو الخارجي، يشترط لقبولها ألا تتعارض مع خطط التنمية التي تقرها الإمارة كما لا يسمح بعمل برامج مخالفة للنظرة السياسية للإمارة، مثل إدخال مدارس أجنبية مغايرة للبرنامج الرسمي للإمارة. أو تشييد مرافق صحية باهظة التكلفة بحيث لا يتمكن من العلاج فيها إلا القلة من الأثرياء. أو بناء أحياء للصفوة، ومجمعات سكنية باهظة لا تتماشى مع متوسط حياة المواطن العادي.
فذلك الاتجاه لخدمة القلة التي تمكنت من تكوين ثروات طائلة في ظروف مشبوهة، إذا أطلق له العنان فإنه سيضر بالعلاقة بين الشعب والإمارة، ويشيع مناخ من انعدام الثقة في شعارات العدالة وتكافؤ الفرص، وأن الإمارة هي إمارة للأغنياء فقط.
إن الاستثمارات الباهظة المخصصة لخدمة شريحة فائقة الثراء، هي اتجاه مُدَمِّر للقيم المعنوية للإمارة، ولروابط الثقة بينها وبين مواطنيها الذين تحملوا الحرب والتضحيات لأكثر من أربعة عقود، ومن حقهم على الإمارة أن يكونوا هم محور اهتمامها، وتدعمهم بالخدمات التعليمية والصحية والسكن والعمل والمواصلات بأفضل صورة ممكنة، حسب طاقة الإمارة التي ستنمو باستمرار ببَرَكِة الإيمان، وبدعم ومحبة الشعب، والثروات الكامنة في الأرض الأفغانية.
الانحراف.. ومواجهة الانحراف:
من الطبيعي ظهور الإنحراف فذلك من طبيعة البشر. ولكن العبرة بالتصدي الحاسم له، من أي مستوى جاء، ثم حماية الجميع قدرالمستطاع من الوقوع فيه، وذلك بالتوجيه والمراقبة والمحاسبة العادلة والحاسمة على الجميع، مهما كانت مراكزهم أو تاريخهم أو قبائلهم. فذلك هو الفارق بين نظام الحكم في الإمارة، القائم علي شرائع الدين التي تتصدي للفساد وتتوقي منه، وبين أنظمة قائمة علي الفساد وتبذل كافة طاقتها لنشره واستشرائه بين شرائح المجتمع.
– أهم واجبات الإمارة هو تأهيل كوادرها الإدارية بالمعارف الحديثة اللازمة، ثم مراقبتهم بإستمرار، أثناء قيامهم بواجباتهم. وكبح أي إنحراف منذ بدايته المبكرة، وعدم إستثناء أي أحد مهما كانت عظمة سابقته في الجهاد.
– كتب أنس حقاني واصفا الأيام الأخيرة في حياة والده، العالم والمجاهد العظيم، مولوي جلال الدين حقاني، وكان جالساً يبكي، فسأله أولاده عمَّ يبكيه فأجابهم: {أنا أبكي لأني لا أعرف خاتمتي. وعندما أرى رفاقي السابقين في الجهاد كيف باعوا ضمائرهم وغيرتهم ووقفوا بجانب الكفار، أخاف أن تسوء عاقبة أعمالي. ياليت رفاقي يفقهون الآن ويتركون موالاة الكفار} ـ (مجلة الصمود عدد 177) ـ مولوي حقاني كان يقصد قادة من الصف الأول في الأحزاب الجهادية السابقة، الذين احترفوا العمل السياسي، ومن لحق بهم من قادة الجبهات الذين اجتذبهم قادة بيشاور لتدعيم أحزابهم، فابتلعتهم دوامة الفساد والسعي وراء المال. وعندما شاركوا في السلطة بعد سقوط النظام الشيوعي في كابول أضافوا لأنفسهم مكانة سياسية إلى جانب الثروات المالية. حتى أن أحدهم / وقد شارك في حكم العملاء لخدمة الاحتلال الأمريكي/ قال ممازحاً رفاقه: {أنا الآن أكثر غنىً من قارون، وأكثر عِلماً من إبليس} “!!”.
على حالته تلك قُتِل الرجل في معارك دارت في كابول. فمن يأمن مكر الله ؟؟.
– فليكن حرص الإمارة على استقامة من تولِّيهِم مسئوليات الإدارة أشد من حرصها عليهم في أوقات القتال ضد جيوش الكافرين. فمن المأثورات عن الصديق أبو بكر رضي الله عنه، أنه قال: ( لو أن لي قدم في القبر وأخرى خارجة، ما أمِنتُ مَكرَ الله ).
بالجهاد.. الأفغان في المقدمة:
يسير العالم صوب مصير غامض يشبه العَدْو في الظلام. ربما يقود إلى فوضى شاملة ودمار مجتمعات وتشريد ملايين البشر. فهل يكون ذلك سببا لرجوع الناس إلى رب الناس؟؟.
كان الشعب الأفغاني أسبق الجميع في السعي إلى الله، كسبيل وحيد للخلاص من الطغاة الذين أرسلوا جيوشهم لإستعباده، كما فعلوا بمعظم شعوب الأرض.
جاهد الأفغان في سبيل الله فرارا من عبودية العباد، ولإخلاص العبودية لله وحده لا شريك له.
– جهاد شعب أفغانستان ضد الطاغوت الأمريكي كانت هي التجربة الأكبر والأخطر في كل التاريخ الجهادي لذلك الشعب، الذي بدمائه إفتدى حريته وافتدى دينه، وأبقى على الإسلام الذي كاد أن يندثر بفعل الهجمات الطاغوتية على المسلمين وانحسار حقيقة الإسلام عن معظم بلادهم.
دافع شعب أفغانستان وحفظ الإسلام للبشرية جمعاء، ورسم بدماء أبنائه طريق الخلاص أمام البشرية التي قد تدخل نفق الفوضي الشاملة. ولكن الأفغان بجهادهم يرفعون مشعل الهداية في نهاية النفق المظلم.
إن طرد جيوش العدوان والحصول على الحرية والاستقلال هي بداية الطريق. ورغم صعوبة الوصول إلى تلك البداية بعد سنوات طويلة من الجهاد والتضحية وملايين الشهداء وأضْعَافِهم من المصابين. فإن طريق الخلاص الحقيقي هو طريق بناء الإنسان والمجتمع والدولة على ضوء من هدي الشريعة.
فالإنسانية في انتظار نموذج إسلامي حقيقي، يرشدها إلى سواء السبيل. فالعدالة هي السلعة المفقودة من حياة البشر منذ قرون، وذلك منبع جميع الرزايا.
فالعدالة تأتي إذا كانت شريعة الخالق هي مصدر الأحكام وليس طبقة متسلطة ولا عائلة طاغية تستأثر بالمال والسلطة، ثم تتصرف وكأنها خالق الخلق والمتحكم في مصير العباد لا راد لحكمها ولا دافع لقضائها ولا حدود لسلطانها. فذلك هو الطاغوت الذي حكم لقرون متطاولة فوق أرض الله طولا وعرضاً. حتى تأصل الفساد في البر والبحر.. وهو ينطق بلسان الحال: (أنا ربكم الأعلى).
الدولة الإسلامية مجرد وسيلة لبناء الإنسان، وتسهيل مسيرته في طريق يرضاه الخالق. فالإنسان لم يُخْلَق ليكون خادما للأشياء التي سخرها الله لخدمته.
فهو سيد الكائنات، وجُعِلَت الأشياء لخدمة مسيرته إلى الحق. فالدولة وسيلة لخدمة الناس. وهم ليسوا عبيدا لها، فالدولة ليست هي الغاية، بل هي وسيلة.
أما الغاية فهي تعبيد الناس للخالق بإقامة العدل والإحسان والمساواة في واقع حياتهم وليس فقط في الأحلام والأساطير.
الدولة.. وسيلة لخدمة الناس وليس لإستعبادهم أو إرهابهم:
بناء دولة للإسلام تكون في خدمة المسلمين ولحماية الدين، هي أصعب المعارك علي الإطلاق لأنها ليست معركة ضد معسكرين متمايزين فيسهل وقتها إتخاذ المواقف والقرارات، ولكن المعركة ستكون داخل كل إنسان وتضعه أمام حقيقة نفسه التي غالبا ما يجهلها. فالدنيا تتجاذب كل نفس. والنجاح في المعركة ضدها هو الأصعب، ولا يكون الفرد ناجحا علي طول الخط ولا يسير علي وتيره واحدة. والذي ينجح في معارك السلاح، قد ينجح أو لا ينجح في المعركة التالية عندما تخضع له الدنيا وتقبل عليه ـ أو يقبل هو عليها ـ إقبال المشتاق الجاهل بعواقب التنافس عليها. وقد كان وقت القتال يجهل أن الدنيا مغرية إلي هذا الحد. أو كما جاء في الحديث الشريف: {والله ما الفقرُ أخشي عليكم، ولكن أخشي عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَت علي من كان قبلِكُم فتنافسوها كما تنافسوها فتُهلِكَكُم كما كما أهلَكَتهم}.
– في معركة الجهاد ضد السوفييت وما أعقبها من إنتصار(وحُكْم) تغير الكثير من الأبطال واندفعوا لحيازة الدنيا بكل الطرق، حتي بمخالفة بمبادئ الدين الذي حاربوا من أجله. ومضي بعضهم في سبيل الإبقاء علي مكاسبه من أموال أو سلطة سياسية ونفوذ إجتماعي إلي الإستعانة بأعداء الدين. بل عمل إلي جانب إحتلال جديد وجيوش كفر أخري، مادامت تحافظ له علي ما هو فيه من نعيم الدنيا وزخارفها !!!.
معركة الإمارة ضد الفساد لا تتعلق فقط بالجانب الأخلاقي ـ علي أهميته المطلقة ـ بل تعتمد أيضا علي الجوانب التشريعية والقضائية والبناء الإداري والبناء الرقابي. فليست مقاومة الإمارة للفساد مجرد مجهود وعظي وتثقيفي، بل يجب أن يكون بنيان الإمارة نفسه مقاوماً للفساد ومانعا له. والقدوة التي تمثلها القيادة لها دور كبير جدا على نتائج تلك المعركة الأكبر من كل ما سبقها.
تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )