قرة باغ (مجموعة 2)
“قرة باغ” ( 7 )
الفتنة من حادث .. إلى هندسة .. إلى صناعة .. إلى شركات مرتزقة
الكاتب محمد حسنين هيكل ، كان يرى أن الفتنة فى الزمن الحديث قد تحولت من حادث عَرَضي إلى هندسة وعِلْم يَستَخدِم التاريخ والدين .
ويمكن أن نضيف فى وقتنا الراهن أن الفتنة تحولت من هندسة إلى صناعة مربحة لها أسواق تغطى العالم . وأن تلك الصناعة تقوم عليها منظمات إحترافية “شركات مرتزقة” تماشيا مع طبيعة العمل العسكرى والسياسى فى عالم اليوم ، حيث الدولار هو محور كل الأعمال ، ومقياس النجاح أوالفشل .
وحتى العقائد أصبحت تقاس بالدولار ، فالأصح منها هو الذى يجلب أرباحاً أكثر . لهذا إنتشرت مهنة الفتن الدينية وكثُر تُجَّارُها . وكما يحدث فى أى نشاط إقتصادى آخر فقد إنقرض الأضعف لصالح الأقوى . حتى لا يُشاهد على ساحاتها الآن سوى شركات الفتنة العظمى “الإحتكارات“، التى بعضها ناتج عن إندماجات بين شركات عِدَّة . ويمكن ذكر الأسماء ، ولكنها واضحة ولا تحتاج إلى تعداد . فالشرق الأوسط الجديد تحميه جيوش إسرائيل وطلائعها من “جيوش المرتزقة” ، المقتاتين على سُخام الفتنة .
“شركات الفتنة المسلحة” مثل أى نشاط إقتصادى حديث لها جهاز إعلامى(دعوى) للعلاقات العامة، هو فى الأساس جهاز لإقتناص العناصر الجديدة ، أو إعادة تشغيل العناصر المقاتلة القديمة التى أصابتها البطالة بعد هدؤ المعارك أو فشل الجولات السابقة .
– نتيجة للحصار وعدم تمكين المجاهدين من العودة إلى بلادهم بسبب تصنيفهم كإرهابيين ، يكون السبيل الوحيد المتاح أمامهم هو مواصلة حمل السلاح فى مغامرات جديدة تحددها لهم الشركة الجهادية التى تتولى التعاقد مع الحكومات والقوى الدولية. فما أن تفشل التجربة “الجهادية” التى يتورط فيها الشاب السلفى، حتى يكتشف أنه دخل فى حلقة مفرغة لا فكاك منها، تقذفه من ساحة حرب إلى أخرى، إلى أن يُقتل أو يُصاب بعاهة تقعده. ولن يعوز الشركات الجهادية الدولية تعويض نقص الأفراد بمجندين جدد يجذبهم الخطاب الدينى المشتعل، وقصص البطولات والكرامات التى لا أثر لها فى الواقع.
– معسكرات المهاجرين الذين شردتهم الحروب تشكل مَعِيناً لا ينضب من الشباب الجاهز للتجنيد، سعيا للحصول على مورد رزق . شباب لا يدقق كثيرا إلى أين يذهب ولا من سيُقاتل . لهذا لا يتم غلق أى معسكر للمهاجرين الذين أجبروا على ترك ديارهم بفعل الحروب . فى النهاية فإن أطفال تلك المعسكرات هم شباب المستقبل المقاتلين فى سبيل شركات النفط . لهذا تكافح أمريكا لإبقاء معسكرات المهاجرين مفتوحة إلى الأبد إن أمكن ، لتبقى ساحة للتجنيد وتجديد جيوش المرتزقة .
إنهما وسيلتان للإبقاء على نهر متدفق من المرتزقة :
1 ـ معسكرات المهاجرين المفتوحة إلى الأبد .
2 ـ قوائم الإرهاب التى تبقى الشباب تحت السلاح ، فى خدمة الشركات الجهادية.
الشركات الجهادية قائمة فى الأساس على التجنيد الإجبارى من هذين المصدرين ، أما المتطوعون الجدد فقد هدأ سوقهم إلى حين ، بعد ما آلت إليه الكوارث الجهادية السلفية فى ميادينها الكبرى : سوريا ـ العراق ـ ليبيا ـ اليمن .
إذ إنكشف هزال المجموعات الجهادية المحلية وعدم أهليتها أو قدرتها على خوض عمل جهادى حقيقى لتحرير بلادها أو تغيير طبيعة أنظمتها الحاكمة . فالتنظيمات المحلية ظهر أنها مجرد أدوات للحشد وتقديم القرابين البشرية لنيران الإشتباكات الميدانية .
أما إستراتيجية الحرب فهى شئ خارج إمكاناتهم أوحتى تفكيرهم . بالمثل المسار السياسي لقضايا بلادهم فلا قدرة لهم على توجيهه أو حتى مشاركة الآخرين فى قيادته. فهم شاهد زور على المسيرة السياسية لعملهم المسلح ، وفى أحسن الأحول يتابعون أخبارها من الصحف.
“قرة باغ” ( 8 )
بعيدا عن ماكينات الإفتاء .. إلى أين يذهب المُسْلِم بمشكلات حياته ؟؟.
وصلنا تعقيب على بعض ما نشرناه حول حرب (قرة باغ)، والعمل الإرتزاقى “الجهادى” الذى يتوخى الربح وليس الإلتزام بشعارات الفتنة التى يرفعها على الدوام .
وهذا هو نص التعقيب حرفيا:
{ ولما العجب وإيران الشيعية تفننت فى ذلك قبله بإرسالها ميليشيات شيعية تناصر من تكفرهم فى المذهب وهم العلويين النصيرية فى سوريا ، يا ريت تتناول قليلا الطوام الإيرانية لكي تكون على حياد لأن اليد الإيرانية ساهمت فى الفتنة وتعفين الأوضاع كله كما يفعل الترك من أجل المصالح والأطماع الدنيوية }.
– تكلمنا عن إرسال مرتزقة (جهاديين) من سوريا ـ برعاية الجيش التركى ـ للقتال إلى جانب القوات الآذرية الشيعية ـ وأن الهدف هو خطوط نقل الطاقة من آسيا الوسطى عبر أذربيجان إلى الموانئ التركية . إلى هذا الحد ، هل كان يتوجب علينا أن نعرج إلى سوريا للحديث عن { اليد الإيرانية التى ساهمت فى الفتنة وتعفين الأوضاع } ؟؟.
إن كان ذلك واجبا، وهو ليس كذلك ولا فى سياقه الصحيح ، فينبغى ذكر ما يلى :
أولا : إذا أخطأت إيران والشيعة فى سوريا ، فهل تجيب الحركة السلفية الجهادية بإرتكاب خطأ فى أذربيجان ؟ . فهل هى مباراة فى تعفين الأوضاع ؟.
معلوم أن إيران لم ترسل ميليشيات شيعية لقتال شيعة آخرين ، فلماذا تنفرد السلفية الجهادية بتلك المفخرة عندما أرسلت ميليشيات لقتال أهل السنة والجماعة فى ليبيا؟ ، وفى سوريا نفسها بقتال المنظمات السلفية الجهادية فيما بينها . بل والتصفيات الدموية داخل التنظيم الجهادى الواحد وكأننا نتكلم عن حزب البعث العراقى . ولماذا تقاتل داعش (السنية) أهل السنة من كافة المذاهب السنية الأخرى؟؟. ولماذا القدوة الشيعية مفتقدة فى كل تلك المآثر؟؟. ومَنْ المسئول عن تعفين الأوضاع ؟هل هى إيران؟ أم تركيا ؟ أم تنظيمات المرتزقة الجهاديين التى تعج بالفساد والعفن؟.
لسنا فى حاجة لتكرار ما قدمته إيران لتبرير عملها العسكرى فى كل من سوريا والعراق . فلها أهداف واضحة ومعلنة أمام المعترض والمؤيد. فهل يمكن أن نقدم تبريرا لتدخلنا “الجهادى” فى ليبيا التى لا يوجد بها شيعى واحد يبرر لنا شن حرب إبادة على الشعب الليبى كله كما فعلنا فى اليمن؟.
ثم ماذا يفعل مجاهدونا فى أذربيجان ؟ وأين العداء المستميت ضد الشيعة، بينما مجاهدونا يقاتلون معهم كتفاً بكتف؟. ولماذا شيعة أذربيجان أفضل من إخواننا الحوثيين”الزيديين”ـ الأغلبية السكانية ـ الذين حكموا اليمن قرونا عديدة ؟.
– سواء فى أذربيجان أو فى اليمن ، يتواجد مجاهدونا حيث الدفاع عن خطوط النفط والغاز التى تصب لصالح الغرب وشركاته . يتواجدون إما بوساطة تركية كما فى أذربيجان أو بوساطة سعودية إماراتية كما فى اليمن . فأى جهاد هذا الذى يرافق أنابيب النفط والغاز ويضخ دماء الشباب المجاهد لصالح الشركات الأمريكية والغربية وتحت راية دول، إما أنها عضاء فى حلف الناتو مثل تركيا، أو أنها مجرد قواعد للجيوش الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية مثل السعودية والإمارات ـ أو أبقار الخليج حسب التعبير المفضل لدى الرئيس ترامب؟؟ .
ثانيا : لم يذهب أحد إلى ساحة القتال فى سوريا بنوايا حرب مذهبية سوى تيارات السلفية الجهادية ، والأجنحة الأشد دموية وطائفية من الطراز الداعشى . أما باقى الأطراف “المعادية” فقد ذهبت لدواعى إستراتيجية وإقتصادية ، واضحة ومعلنة.
فالتعاملات الدولية قائمة على المصالح أولا، ثم تأتى الأديان والمذاهب بعد ذلك ، لتدعم المصالح لا أن تعارضها. فتصادم المصالح هو أساس السلم أوالحرب فى العالم ، فيما عدا إستثناءات قليلة جدا منها فلسطين. فما هو موقف الجهاديين السلفيين الوهابيين منها؟؟ فهى قضية دينية بحته وليست من أجل {المصالح والأطماع الدنيوية} أو خطوط النفط والغاز.
ثالثا : لا يمكن إختزال الدين فى بؤرة الفتن المذهبية وفقط . فماذا عن مصالح المسلمين فى ثرواتهم، وأراضيهم ومياههم؟ ، بل وكرامتهم وحريتهم فى ممارسة شعائر دينهم وأحكام شريعتهم المحظورة دوليا؟. أم أن ممارسة الفتنة أولى وأسهل من إستعادة الحقوق؟؟. فمن الذى فرض على المسلمين أن يقاتلوا أنفسهم بدلا من أن يقاتلوا من إحتل بلادهم وصادر ثراتهم ، وحظر شرائعهم؟؟.
وماذا عن إبتلاع إسرائيل للمقدسات الإسلامية فى الحجاز وفلسطين ؟ وتعطيل فريضة الحج فعليا بذرائع سخيفة؟ . وتحويل مكة والمدينة إلى مدن سياحية على الطراز الأمريكى؟.
وما هو الموقف من الحكام من “أهل السنة” الذى هم مثال على الفساد والظلم والخضوع للأعداء الكافرين؟ .. هل هؤلاء مغفور لهم لكونهم من (أهل السنة) وأصحاب مليارات النفط ؟؟ .
ولماذا يفضل الكثير جدا من المسلمين الهجرة إلى بلاد الكافرين هربا من طغيان الحكام المسلمين”السنة” ؟؟.
أليس ذلك دليلا على أن أى مسلم أو أى إنسان يفضل أن يعيش حيث العدل (أو الأقرب إلى العدل) من العيش فى ظل حاكم فاسد طاغى عميل، ولكنه محسوب على أتباع مذهب مُعْتَبَر؟ .
إذا كان الإختيار هو بين العيش تحت الحكم الوهابى السعودى ، وبين الحكم الكافر فى أمريكا أو أوروبا ، فماذا سيكون خيار معظم المسلمين؟؟.
فمتى نعترف بأن العدل هو أساس المُلك ، وليس المذهب؟؟. فالمُلْك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم . فقد أمرنا الله (بالعدل والإحسان)، وليس بالوحشية والعدوان.
رابعا : لا تبحث الجماعات الجهادية ـ سوى فى الفتنة وتأصيلها بإعتساف أدلة من الفقه والتاريخ، حتى فى حديثها المفضل عن الإختلافات الحزبية والصراع بين الجماعات والزعمات ، والإتهامات بنقض البيعة ، والفسق والتكفير والإبتداع .
فأين قضايا المسلمين فى حياتهم الدنيوية؟ . وأين يبحث المسلمون عنها ، طالما ليس فى إسلام تلك الجماعات متسع للبحث فيها أو إقتراح حلول عملية لها سوى بإلقاء المواعظ ؟ .
فإما أن يعيش المسلم فى الأجواء الموبؤة لجماعات “جهاد” الفتنة السلفى، أو أن يترك ذلك المجال كله باحثاً عن حل لمشاكله الدنيوية فى مكان آخر؟؟.
– لقد تغير العالم كثيرا .. وتغيرت أجيال المسلمين . ولن يقبل أحد ذلك المرض الطائفى العقيم. فهل يريدون من الشباب المسلم أن تكون قدوته الشباب السعودى والخليجى؟، بخروج الكثير منهم عن الوهابية وعن الإسلام ، سائرين خلف دجال آل سعود(بن سلمان) ؟؟.
تلك الجماعات العقيمة الضيقة، حولت الدين إلى كرب وضياع ، إنهم التكفير الحقيقى الذى يهدد أجيال المسلمين ومستقبلهم . والعقبة كبرى فى طريق نهضة الإسلام والمسلمين.
ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )