طالبان علمتنا أن المحتليين لا يحترمون إلا أصحاب الأقدام الثقيلة
بعد توقيع الاتفاق التاريخي بين طالبان و أمريكا بالدوحة في 29 فبراير الماضي، احتاج الأفغان من طالبان و سائر الأطراف الأفغانية إلى حل الخلافات والنزاعات الداخلية، فبدأ انـطـلاق المباحثات الأفغانية في 12 سبتمبر بالدوحـة بحضور دولـي كبيـر تحت غطاء إعلامي واسع.
لكن ما لفت أنظار الجميع من الإعلاميين و الكتاب و المغردين… في ذلك اليوم هو لحظة لقاء وزير الخارجية الأمريكي بومبيو مع رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادر و من كان برفقته في إطار الجلسة الابتدائية من المحادثات بين الأفغان.
نرى في الصورة التي تم تداولها بشكل سريع في مواقع التواصل الاجتماعي و حيرت العالم أن وفد طالبان كلهم ملتحون و على رؤوسهم عمائم سوداء و هم مع لباسهم الاصيل رغم أن الأعراف الدبلوماسية تدعوهم ليلبسوا الطقم الرسمي. و كذلك كان في أعضاء الوفد المتفاوض لطالبان عدد من المعتقلين الذين ساققتهم جنود أمريكا في 2002 الى غونتنامو مكبلين، و هم يشتمون سجناء طالبان و يصرخون بوجوههم و يلقبونهم بأخطر الإرهابيين في العالم، لكن اليوم هم واقفين بجانب كبار المسؤولين الأمريكين كأنداد، أما الأعجب أن رئيس الوفد المفاوض الشيخ عبد الحكيم لم يقم عن مكانه وذكّرنا فعلا بسير الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا أشداء و متبخترين في التعامل مع الأعداء و رحماء و متعاطفين فيما بينهم.. ناهيك عن وقوف الملا برادر بكل صمود و شموخ مطلقا يديه، لا صافح بومبيو و لا تبادل معه الابتسامات ، و لم يتحرك تجاهه من مكانه، بل إن برادر سارع حتى للجلوس قبله على الكرسي بمجرد انتهاء الوقوف أمام الكاميرات بينما يقف وزير الخارجية الأمريكي الدولة العظمى في العالم جنب الملا بذل و هوان رابطا يديه، بعيداً عن كرسيه ، مرتديا ربطة عنق خضراء متحدثا عن السلام.
إن طالبان بصمودهم و التزامهم بالدين فرضوا احترامهم على أعدائهم و الإعجاب بهم حتى أظهر الرئيس الأمريكي سعادته بالتحدث إلى الملا برادر خلال اتصال هاتفي جرى بينهما قبل شهور و قال أننا قاتلناكم 19 عاما و وجدناكم مقاتلين جيدين تدافعوان عن بلدكم، و لقد كان برز ترامب مرة أمام الصحافيين قائلا ” أن الجنرالات أخبرته أن الربيع قادم وستخرج طالبان من الجبال للقتال، إنهم يقاتلون هذا مايفعلونه ولقد فعلوا ذلك منذآلاف السنين، إنهم مقاتلون جيدون يستمتعون بالمعارك كما نستمتع بمشاهدة كرة القدم، فقط اسألوا روسيا عن قوتهم ” لم يكتف ترامب بكل هذا الإطراء والثناء والمدح بل وصفهم مرة أخرى قبل أيام بأن طالبان أقوياء في الحرب و أذكياء في السياسة.
نعم هؤلاء الذين لا يشبعون الآن من مدح طالبان ليلا و نهار هم كبار مسؤلي أمريكا التي اعتبرت طالبان حركة إرهابية و رفضت تكبرا أي نوع من التفاوض معها لحل المشاكل في 2000 م إلى أن هاجمت أفغانستان خلافا لجميع القوانين الدولية برفقة أكثر من أربعين دولة و أطاحت بنظام طالبان. و قال بوش الرئيس الأمريكي حينها لا مكان على وجه الأرض لطالبان إما أن يقتلوا بلا رحمة و إما ان يسجنوا في غونتنامو، فلما سئل بوش: لماذا حرمتم المعتقلين (طالبان) من جميع الحقوق الإنسانية و لماذا تعاملكم معهم وحشي للغاية فرد بوش بكل وقاحة: نعم نحن نحترم الإنسان و جميع الحقوق البشرية لكن هؤلاء السفلة الإرهابيين لا نعترف بهم كبشر أصلاً..
لكن بعد عشرين سنة من الحرب و إنفاق أكثر من تريليون دولار و قتل أكثر من 2500 جندي أمريكي طالبان العقائيدية رغم الحصار وقلة العتاد مرغت أنف أمريكا الجابرة المتكبرة و أذلتها بقتالها الشرس و نفسها الطويل، و أجبرتها على الجلوس للمفاوضات بخضوع و سحب قواتها المحتلة.
نعم إنها طالبان الأفغانية التي علمت الجميع أن الحق يتنزع لا يوهب، والأرض تلفظ أعدائها و أن ليلة الاحتلال زولها حتمي مهما تغطرس و استبد المحتل إن لم نتخلى عن قضيتنا و مقاومتنا. و علمتنا أيضاً أن الغزاة المحتليين لايركعون إلا للمقاومين الأبصال الذين يكسرون رؤوسهم في كل مكان و هم لايحترمون إلا أصحاب الأقدام الثقيلة.
بقلم :
أحمد قندوزي
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )