المسلمون الإيجور فى الصين :
فرصة سانحة لبناء تواجد إسلامى جديد فى آسيا
كيف يرى المسلمون الإيجور التطورات الأخيرة فى أفغانستان؟ كونهم يسكنون الجزء الأقرب إليها من أراضى الصين . لذا فهم القطاع السكانى الأكثر حساسية وتأثرا بما يجرى فى أفغانستان. ورغم قرب المسافة إلا أن الفاصل الجغرافى (ممر واخان) داخل أفغانستان، يعتبر ممراً جبلياً وعراً وموحشاً وشبه خالٍ من السكان .
تطورات أفغانستان جعلت شباب من الإيجور يأملون فى أن يتحول(واخان) إلى حلقة قوية ومزدهرة تربط مناطقهم فى الصين بمناطق الإمارة الإسلامية فى أفغانستان . وأن تنهى عزلة ملايين الإيجور وغربتهم عن العالم ، بفعل التدخل الأمريكى فى شئونهم والذى أدى إلى تحولهم إلى أقلية منبوذة داخل الصين ، ومتهمة بالإرهاب وتهديد الإستقرار.
فأصيب الإيجور بالعزلة وطالتهم إعتداءات وحشية من مجموعات عرقية أخرى إلى جانب إجراءات أمنية قاسية قامت بها الحكومة المركزية ضدهم ، من بينها التهجير القسرى أو (إعادة التأهيل) بهدف محو ثقافتهم ، وتحويل مناطقهم إلى سجون كبيرة معزولة عن باقى البلاد.
ولكن شباب من الإيجور يرون أن وضعهم داخل الصين ، سوف يتأثر بعمق بالتطورات الأخيرة فى أفغانستان وإندحار الإحتلال الأمريكى ، الذى أسال دماء الأفغان أنهارا سعياً للسيطرة على ثرواتهم وإستغلال أراضيهم فى تهديد دول المنطقة. ثم سعي الأمريكيين إلى إستغلال الظروف الصعبة للإيجور من أجل إضعاف الصين وتفتيتها بإشعال صراعات داخلها بين القوميات.
حاول الأمريكيون تحويل مسار إرتباط الإيجور بأفغانستان وتأثرهم بما يجرى فيها ، خاصة بعد أن إنتصر الأفغان على الإتحاد السوفييتى ، فسعى الأمريكيون إلى الإسفادة من المد الإسلامى بين الإيجور وتصاعد مشاعرهم الإسلامية ، وتوجيهها ضد الصين نفسها ، بدلا من أن تتوجه للتعاطف مع الأفغان أو دعمهم ضد الإحتلال الأمريكى لأفغانستان .
والآن بعد أن إتضحت هزيمة الأمريكيين وفرارهم من أفغانستان وتوكيلهم الحرب لشركات المرتزقة الدوليين ، وعصابات من مغامرى الإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية ، الذين تولوا تشغيل حرب أفغانستان وتحويلها إلى أكبر مصنع للهيروين فى العالم . وقاعدة للتجسس ضد دول المنطقة خاصة الصين ، إضافة إلى خطر الصواريخ النووية التى كانت متمركزة فى قاعدة بجرام الجوية قرب كابول ، ويقال أنها نُقِلَت إلى محافظة بدخشان المجاورة للصين ، والذى يعتبر ممر واخان جزءاً من أراضيها .
شَكَّل الإحتلال الأمريكى لأفغانستان إنتكاسة لأوضاع مسلمى الإيجور، خاصة مع تزايد التدخل الأمريكى لتحويلهم إلى قضية صراع إسلامى صينى ، فى تكرار لما فعلوه مع السوفييت في أفغانستان .
يرى شباب الإيجور أن إندحار الأمريكيين ، وإنتقال حدود الإمارة الإسلامية إلى جوار مناطق المسلمين الإيجور يمثل فرصة لإعادة الحياة إلى شعب الإيجور ، لتمتد جذورة الإسلامية إلى أفغانستان التى يتماثل معها فى إتباع المذهب الحنفى ، مع تأثيرات الصوفية.
عودة الإمارة الإسلامية إلى حكم أفغانستان ، وتواجدها إلى جوار الإيجور فرصة لتقوية جذورهم الإسلامية ، وتواصلهم الحر بالشعب الأفغانى . ضمن ترابط إقتصادى كبير يهدف إلى إعادة بناء أفغانستان والنهوض بها إقتصاديا .
ويرى شباب الإيجور أنهم الجسر الطبيعى للعلاقات بين البلدين، وأن بإمكانهم المشاركة الواسعة فى العمل الإقتصادى فى كلا الإتجاهين سواء من الصين نحو أفغانستان أو العكس. حيث من الطبيعى أن يؤسس الأفغان لعملهم التجارى مع الصين، ويكون الإيجور شريكا تجاريا ومناطقهم ممراً بين الصين وأفغانستان والدول الأخرى، خاصة فى إتجاه إيران والخليج الفارسى وفى إتجاه الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى . سيكون المسلمون الإيجور شريكا فاعلا فى العمل التجارى على كلا الجانبين ، وبالتالى عنصرا هاما فى البناء الإقتصادى للإمارة الإسلامية فى أفغانستان .
ومن ناحية علمية دينية ، من المتوقع أن تشهد أفغانستان نهضة كبيرة فى التعليم الدينى من حيث الإنتشار والنوعية. ويتوقع البعض إنشاء جامعة إسلامية كبرى فى شمال أفغانستان يمكنها إستقبال الطلاب من آسيا الوسطى والصين. وهناك يعيد الإيجور، مع باقى مسلمى المنطقة ترابطهم الإسلامى وتوحيد ثقافتهم الدينية ، خاصة مع توحد معظم المنطقة على المذهب الحنفى وعمق الإرتباط بالصوفية الجهادية التى كافحت حتى أبقت الإسلام ، رغم عنف حملات الإبادة.
إذن أفغانستان تمثل أملاً واعداً لمستقبل مسلمى تركستان ليكونوا جسراً ثقافيا وإقتصاديا بين الصين وكل من أفغانستان وآسيا الوسطى بل وجميع المسلمين ، ونزع فتيل الإحتقان بين المسلمين وشعوب الصين ، لتعود العلاقة بينهما كما كانت تاريخيا رمزاً للتسامح والتعاون الحضارى ، حتى أن تاريخ الإسلام فى الصين أقدم منه فى أماكن كثيرة من العالم .
وماذا عن داعش ؟؟
يرى شباب الإيجور أن داعش تمثل خطراً على مستقبلهم فى الصين وعلى دورهم فى آسيا. كما كانت الوهابية ، التى مثلت الركيزة الأيدلوجية للدواعش ، إنحرافاً عقائديا وسلوكيا مُقحَماً على تاريخ الإيجور . فكانت داعش بتفجيراتها داخل الصين، تخدم مصالح أمريكا ومحاولة لإستخدام مشاكل الإيجور كوسيلة إلى إفتعال صراع بين الإسلام والصين .
فى ظل الظروف الدولية والإقليمية الحالية، خاصة مع الإنتصار الأفغانى على الإحتلال الأمريكى، فإن فرصة جديدة قد أتيحت لمسلمى الإيجور لأن يكونوا سفراء الإسلام إلى الصين ، وسفراء الصين إلى العالم الإسلامى عبر أفغانستان ، بنموذج عملى سوف يتبلور فى أفغانستان ليكون برهاناً على أن قارة آسيا بتنوعاتها الدينية والعرقية والسياسية يمكنها العيش بسلام وإزدهار إذا ظلت بعيدة عن التدخلات الإستعمارية لكل من أمريكا وإسرائيل وأوروبا .
إن مسلمى الإيجور تنتظرهم فرصة نادرة للقيام بدور إسلامى حضارى عقائدى لجعل المسلمين مكوناً أساسيا وبناءً فى قارة آسيا جميعها . حيث يمكنهم العمل والدعوة والبناء فى ساحة تمتد من بحر الصين إلى خليج فارس ، ومن بحر البلطيق إلى المحيط الهندى. يتحركون فيها بحرية وسلام كما تحرك أجدادهم ، فى قوافل للدعوة والتبادل التجارى والتفاعل الثقافى بين الحضارات.
– ولكن ماذا تريد داعش؟؟.. إنها تريد لمسلمى الإيجور فى الصين ومسلمى شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والقوقاز أن يتجولوا فى أنحاء القارة بالأحزمة الناسفة ، يفجرون بها إستقرار وأمان المسلمين أنفسهم لصالح الولايات المتحدة وأطماعها الدولية . فيخوضون لحسابها حروبا بالوكالة ضد منافسيها وأعداءها ، وضد الإسلام نفسه بتشويه صورته وتدميرعلاقاته مع شعوب المنطقة . ثم تسارع أمريكا وإسرائيل إلى عقد تحالفات مع دول المنطقة ضد الإسلام على أنه الخطر المشترك و(الإرهاب الإسلامى) الذى يهدد العالم .
وقد نجحوا فى ذلك نجاحاً كبيراً ، خاصة مع تقديمهم جوائز وإغراءات للدول التى إستجابت لهم ، فى الهند وآسيا الوسطى، وفى الصين نفسها .
وعلاج ذلك ليس بالمزيد من الأحزمة الناسفة ، بل بالإستفادة من وضع دولى وآسيوى جديد يتيح إمكانية عظمى لمكانة إسلامية متميزة فى آسيا والعالم ، بالإرتكاز على إنتصارات حركة طالبان فى أفغانستان . فمسلمو أفغانستان المنتصرون ، مع مسلمى الإيجور الأبطال يمكنهم معاً صناعة حضارة إسلامية جديدة بعيدة عن التدخل الأمريكى/ الإسرائيلى، وسموم الوهابية/ السعودية.
هجرة داعش من بلاد العرب إلى بلاد الأفغان :
شباب الإيجور يرون فى إستدعاء الدواعش إلى أفغانستان خطرا يهدد مستقبلهم ومستقبل أفغانستان ، بل والإسلام فى قارة آسيا. فقد إستغلت أمريكا دواعش “تركستان” الذين قاتلوا فى عدة مناطق عربية وأصيبوا بالهزيمة هناك نتيجة عدم تجاوب الشعوب العربية مع ما يحملونه من إنحرافات دينية وسلوكيات وحشية منفرة .
نقل الأمريكيون هؤلاء الدواعش ، ومعظمهم من الإيجور ، ومعهم بعض الأوزبك ، نقلوهم إلى أماكن مختارة بعناية داخل أفغانستان . ولكنهم أصيبوا بضربات قاصمة من مجاهدى حركة طالبان، حتى إقتلعوهم من أكثر المناطق الحساسة فى جنوب وشرق أفغانستان . ولكنهم ما زالوا متواجدين فى بعض مناطق الشمال ويحاولون، بمساعدة أمريكية كبيرة، إيجاد ركيزة لهم فى محافظة بدخشان ليصبحوا على تماس مع أراضى الإيجور ، لممارسة أعمال القتل والتفجير .
وهكذا أصبحت ولاية بدخشان المجاورة تشكل خطراً متعدد الوجوه على الإيجور حاضرا ومستقبلا . فنظام كابل العميل لأمريكا مازال متواجدا فى العديد من مناطق بدخشان الهامة . والخطر النووى الأمريكى قد يطل برأسه من جبالها ليهدد الإيجور أولا وجميع الصين ثانيا .
إن تواجد داعش فى بدخشان وامتدادهم فى شمال أفغانستان ، يمثل تهديدا وجودياً للإيجور وحاجزا من نيران يمنعهم من الوصول إلى مستقبل أفضل . لهذا فقد يلجأ أبطال الإيجور إلى مواجهة الدواعش بالجهاد المسلح لإقتلاعهم بالقوة من حدودهم مع بدخشان، حتى يتاح للإيجور والأفغان رسم مستقبلهم بحرية، وإنفتاح دينى وثقافى مع المحيط الآسيوى الواسع .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )