إستفتاء البقاء .. وإستفتاء الإلهاء
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية / السنة الخامسة عشر – العدد ( 174) | ذو الحجة ١٤٤١ھ – أغسطس ٢٠٢٠م .
01-08-2020
إستفتاء البقاء .. وإستفتاء الإلهاء
– الجهاد هو إستفاء بالدم من أجل البقاء . ولا شراكة فى الحكم مع من خانوا وباعوا وقاتلوا إلى جانب المحتل وناصروه.
– بإقتراب الإنتصار وحسم المعركة، قفزت المصطلحات الملغومة ، ومناورات سياسية لتثبيت حكومة “التثليث” التى تجمع بين الإسلام والكفر والنفاق ، ضمن نظام مظهره إسلامى ، ولكنه غربى يهودى فى حقيقة أعماله.
– إن حقيقة الإمارة الإسلامية أكثر رسوخا من أى حقيقة أخرى على الساحة الأفغانية.
فالتنازل عن الإمارة لن يكون ثمنا لخروج المحتل أو للإتفاق مع الحكومة العميلة . كما أنه ليس من صلاحية أى مفاوض مهما كان . ولا حتى من حق الإمارة نفسها بدون العودة إلى مؤسسيها من علماء ومجاهدين .
تحميل مجلة الصمود عدد 174 : اضغط هنا
تمر بالشعوب فترات تخوض فيها صراعًا ضد تهديد خارجي يهدد البقاء المادي للشعب ويهدد معتقداته وممتلكاته وثقافته. فتكون لحظة قرار مصيري ـ نكون أو لا نكون ـ فإما أن يحافظ الشعب على كيانه المادي والمعنوي أو يستسلم لعبودية الأجنبي، يفرض عليه ما يشاء، ويقرر مصير الأجيال الحالية والمستقبلية.
تعَرَّضَ شعب أفغانستان أكثر من مرة عبر تاريخه لهذه المحنة . إذ هاجمته قوى عظمى للاستيلاء على بلاده ولاستعباده ومسخ ثقافته باستنساخ ثقافة المستعمر وإزاحة التراث الديني والأخلاقي.
النتيجة معروفة .. زالت الأمبراطوريات المعتدية، وبقي الأفغان أحرارًا في بلادهم أعزاء بدينهم حتى اكتسبت أفغانستان لقب مقبرة الغزاة . والآن في تجربة البقاء أمام الغزو الأمريكي الأوروبي، تواجه الولايات المتحدة أسوأ موقف في تاريخها سواء على المستوى الدولي أو المستوى الداخلي الممزق والموشك على الانفجار.
آن أوان ألا تبقى أفغانستان مجرد (مقبرة للغزاة) بل أن تصبح منارة للحضارة الإسلامية في آسيا والعالم . دولة متطورة وحديثة وقوية. وليست مجرد حاجز بين قوى استعمارية كبرى متصارعة ـ بل رابط اقتصادي وثقافي بين شعوب آسيا، وأملا للمسلمين في آسيا والعالم.
الاستفتاء بالجهاد .. استفتاء بقاء :
عملية الصراع من أجل البقاء الذي تخوضها الشعوب، تحمل في طياتها عملية استفتاء على نظام الحكم الذي تريده والقيادات التي تختارها.
وعندما يتكلل الصراع بالنجاح، وينتصر الشعب بكفاحه على أعدائه تكون عملية الاختيار قد حُسِمَت لصالح خيار الشعب الذي قاتل تحت راية قيادة منتصرة، وشعارات تمثل أهدافًا عليا.
لهذا فإن الجهة التي تقود كفاح شعبها ضد المستعمر هي التي تتولي مسئولية الحكم، وتقيم على أرض الواقع النظام الذي نادى به الشعب في الحياة السياسية وبناء الدولة والاقتصاد. وقبل ذلك يقوي معتقدات الشعب ويرسخها ويطهر الحياة الثقافية من السموم التي بثها الاستعمار في مظاهرالحياة الاجتماعية والتعليم خلال فترة الاحتلال.
لم يحدث في تاريخ المعارك المفصلية الناجحة، أن استدعى الشعب أعداءه لمشاركته في الحكم، أو إملاء تصوراتهم على الدولة الجديدة، سواء في نظمها السياسية أو الاقتصادية، أو مجالها الاعتقادي والثقافي.
فتلك حماقة لا يتصورها عاقل. وهو أقرب إلى القول القرآني { كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا } . فبعد هزيمة المستعمر، يأتي أحمق لكي يستدعي أعوان الاحتلال للمشاركة في الحكم، ووضع تصوراتهم ومطالبهم ـ التي هي مطالب المستعمر ـ على قدم المساواة مع مطالب من جاهدوا وقدموا أغلى التضحيات في الأرواح والأموال.
فأثناء فترة الجهاد لا يضع المحتل”جميع” سكان البلد في كفة واحدة . فهناك فئة باعت نفسها ودينها واشترت مصالحها الدنيوية وعملت في خدمة المحتل، وهناك فئة أخرى قبضت على الجمر وجاهدت في سبيل الله، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من عاش الانتصار.
والجهة التي قادت شعبها نحو الانتصار (وهي الإمارة الإسلامية في حالة أفغانستان) لا تعامل “الجميع”على قدم المساواة، من جاهد منهم وضحى، في كفة واحدة مع من خان وباع كل شيء في مقابل المال والمنصب.
تحميل مجلة الصمود عدد 174 : اضغط هنا
المشاغبة .. باستفتاء الإلهاء :
بعد هزيمة الجيش السوفيتي الأحمر في أفغانستان، وترنح النظام الشيوعي في كابل ، سارعت الولايات المتحدة ومن خلفها المعسكر الغربي وأسراب من التوابع، بالمشاغبة على المجاهدين حتى لا يصلوا إلى حكم افغانستان منفردين، فتتاح لهم فرصة تطبيق شعاراتهم في فترة الجهاد، وخاصة بناء دولة إسلامية تطبق أحكام الشريعة.
أمريكا وجبهة الأعداء طالبوا “باستفتاء عام” على نظام الحكم، الذي يريدونه مختلطاً بين “جميع المكونات الأفغانية “. أي بين المجاهدين و”الشيوعيين الطيبين” الذين لم يشاركوا في النظام الحاكم، ويضم أعوان الملك السابق، كما ويضم محايدين لا شأن لهم إلا أنفسهم. وهكذا يستوي الجميع ظاهريا ـ أي من جاهد مع من قاتل ضد الإسلام وضد الشعب. نظام حكم يستوي فيه من ضحى مع من هرب من ميدان المعركة وانشغل بأمور نفسه ومراكمة الأموال. يستوي فيه من قاتل في سبيل الله مع من قاتل في سبيل الكفر ولم يبالِ مع أي دين يمشي.
الغرب المنافق يعرض الظلم على هيئة إنصاف وعدل. إن تكريم المجرمين وإشراكهم في حكم البلاد والعباد هو ظلم كبير في حق المجاهدين وأبناء الشعب الذين صبروا وضحوا بكل شيء.
هذه ليست مساواة .. بل هي أشد أنواع الظلم.
التدخل الخارجي، وقطع الطريق علي المجاهدين :
في أعقاب الانتصار على الغزو السوفيتي، لم يتمكن المجاهدون من إقامة نظام الحكم الإسلامي الذي جاهدوا من أجله. ولذلك أسباب عديدة، أهمها التدخل الخارجي الذي فرَّق المجاهدين وجزأهم إلى أحزاب ضعيفة، وساند قادة فاسدين باعوا أنفسهم لقوى خارجية معادية للإسلام. لكن المجاهدين في الميدان رفضوا مبدأ تقاسم السلطة مع الشيوعيين، أو أطراف أخرى كانت خارج حلبة الجهاد ثم أقبلت عند الانتصار لانتهاز الفرصة وفي ظنهم أن النظام القادم سيصاحبه بناء طبقة جديدة من الأثرياء الناهبين لأقوات الشعب، والبائعين ضمائرهم لشيطان القوى الاستعمارية الغربية والشرقية.
وما أسماه الغرب “حكومة المجاهدين” التي دخلت كابول في أبريل 1992 لاستلام الحكم، قد شكلتها الأيدي الأجنبية، ورشاوي مالية كبيرة استلمها قادة الأحزاب، خاصة كبيرهم سياف، أمير الجهاد في أفغانستان حسب تصنيف أكبر الجماعات الإسلامية العربية.
الدول المعادية للإسلام تدخلت بأموالها ونفوذها السياسي، ورشاوي قدمتها لطبقة سياسية فاسدة تبيع نفسها مقابل أعلى سعر. وبهذه الوسائل تضيع نتائج الجهاد، وتذهب ثمار تضحيات المسلمين إلى أعدائهم، الذين إذا خرجوا من الباب، عادوا عبر مئات النوافذ التي فتحها المنافقون والمرتشون. فمن خان وباع وهرب من الميدان عاد شريكا في الحكم، ثم لم يلبث أن ينفرد به، بمعونة دول محتلة تدعمه، وتصفي منافسيه من المجاهدين .
تلك الطبقة السياسية الفاسدة التي دخلت إلى كابول في إبريل 1994 تحت اسم حكومة المجاهدين كانت في حقيقتها حكومة مشتركة على النمط التي أرادته الولايات المتحدة. ولم يلبث الشعب أن اكتشف الخدعة، فالحكومة الجديدة في كابول أخذت تمارس الفساد وتنشره في كامل البلد، وتشجع على اختلال الأمن وانتشار العصابات الكبيرة المسلحة، والتي ترفع كل منها علم أحد الأحزاب وترفع فوق مراكزها صور أحد الزعماء. فصار الفساد والإجرام والسلب والسرقة والعدوان على الأرواح والأعراض يتم تحت اسم نفس الأحزاب التي ادّعت أنها قادت الجهاد ضد السوفييت.
من الصعب تكرار نفس الأخطاء، لأن الظروف تغيّرت جذريا. وطول فترة جهاد امتدّت لحوالي 20 عامًا في ظل حصار للشعب والمجاهدين، وانقطاع أشكال الدعم جميعًا حتى ولو بالكلمة المنصفة.
الصمود والانتصار جاء بفضل الإيمان القوي بالله، والاعتماد الكامل على تضحيات الشعب ومساهماته بدماء شبابه وأموال الفقراء القليلة، ودعاء الضعفاء والمظلومين التي تفتح لها أبواب السماء . انتصر الجهاد إلى أن تصدعت الولايات المتحدة على أرض أفغانستان وفوق الأراضي الأمريكية نفسها. فقفزت إلى مقدمة الصفوف بنفس الخدع القديمة والمصطلحات الملغومة:
استفتاء ـ ديموقراطية ـ معونات غربية ـ حكم مشترك ـ حقوق المرأة ـ اعتراف دولي ـ شرعية دولية ـ منظمات دولية ـ قوائم سوداء ـ قوائم إرهاب ـ مقاطعة ـ عقوبات اقتصادية ـ تحالف استراتيجي مع دول الاحتلال ـ طلب العون والنفقة من المحتل السابق.
كل ذلك أنواع من المناورات لتمرير حكومة “التثليث” التي تجمع بين الإسلام والكفر والنفاق. ضمن نظام حكم إسلامي المظهر /غربي يهودي / في حقيقة أعماله.
من يمتلك الحق في تعديل نظام الإمارة الإسلامية
حقيقة الحكم هي الأساس وليس اسم النظام الحاكم . المهم أن يكون النظام إسلاميًا بالفعل، وليس فقط بالاسم . وأسوأ ما يمكن فعله هو تغيير طبيعة النظام الإسلامي مع الإبقاء على اسمه فقط . فإن في ذلك فتنة، وصد عن سبيل الله .
تغيير طبيعة النظام تأتي من رفع شعارات مخالفة لتطبيقات الحكم في الواقع. فالنظام الإسلامي يعني النظام العادل . فلا تمايز بالأعراق أو الألسنة، ولا استئثار بالثروة ، أو احتكار السلطة بتفاضل بين عناصر العصبيات الجاهلية للعرق أو اللغة أو المناطق . بينما الأفضلية في الحكم تكون للأعلم والأتقى والأسبق في التضحية والجهاد.
أهم واجبات النظام الإسلامي هي تطبيق العدالة بين الجميع، ومكافحة الفقر (لو كان الفقر رجلا لقتلته ــ من أقوال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه). وبالتالي من واجب الدولة الإسلامية قتل الفقر، لا قتل الحريات المشروعة، أو كبت التعبير عن الرأي الأصيل إذا كان مخالفاً للسلطة.
وتطبيق الشريعة لا يمكن أن يكون كاملا بدون توفير عيش كريم لجميع الناس ولو عند الحد الأدنى . وإلا فلا معنى لتطبيق أكثر الحدود الإسلامية في ظل الفقر المدقع أو المجاعات التي تشكل عذرًا مخففًا للعقوبات والحدود أو حتى مانعا لتنفيذها.
إذن تنمية الاقتصاد هي العمود الفقري لإقامة شرع الله بل هي جزء متلازم معه . فلا شرع يقام بمعزل عن مكافحة الفقر، ومكافحة احتكار الثروات، أو منع الزكاة، أو التواطؤ مع الكافرين لسرقة ثروات المسلمين تحت دعاوي كاذبة، مثل القول بأن المسلمين فقراء وفي حاجة لأن يعولهم الكافرين بمعوناتهم، في حين أن ثروات البلاد تصب في خزائن الكافرين أموالا طائلة لا حصر لها .
– نعود إلى من صاحب الحق في تعديل نظام الإمارة الإسلامية، أو إلغائه كما يتمنى الأمريكيون ومعهم سماسرة الاحتلال الأجنبي .
يمتلك ذلك الحق حصرًا القوى التي أقامته في البداية، وهي القوى التي جاهدت لإزاحة نظام البغي والفساد في كابول. جاهدت تحت قيادة الإمارة الإسلامية منذ عام 1994 إلى عام 1996 حتى أعيد فتح كابول وطرد المنافقين وبقايا المرتدين الذين عملوا داخل النظام .
يشاغب البعض بالتساؤل عن النظام القادم بعد هزيمة المحتل الأمريكي والأجنبي . وليس ذلك التساؤل بريئًا ، لأن الإمارة الإسلامية هي من سيتولي سلطة الحكم، وشرعيتها قائمة على استفتاء شعبي بالدم استمر عقدين من الزمن مؤيدا لها ولمبادئها الإسلامية. وهذا هو الاستفتاء الحقيقي من أجل بقاء الأمة. وليس واحدًا من استفتاءات النفاق الغربي، للبيع والشراء وتسويق الفساد والفاسدين بقوة المال وأجهزة الدعاية والتأييد السياسي الدولي. أو ما يمكن تسميته باستفتاء الإلهاء أو مهرجان اللغو.
– القوى الجهادية التي أنشأت الإمارة الإسلامية ، وبعد 20عامًا من الجهاد، استشهد الكثير من قادتها، ومؤسس الإمارة الملا محمد عمر قد توفاه الله . ولكن انضم إلى ركب الجهاد ، تحت راية الإمارة بقيادتها المتجددة الآلاف من الشباب والخبراء والعلماء وطلاب العلم، ورؤساء القبائل والقوميات. هؤلاء يتشكل منهم النظام الإسلامي، وهم أصحاب الحق في إدخال أي تعديلات أو تطوير عليه، بحيث يصبح أكثر قدرة على تحقيق أهدافه في ظل واقع داخلي وخارجي جديد. الواقع تغير فيستلزم ذلك تغييرات في أساليب القيادة وفي تشكيل أجهزة الحكم ثم هناك تجربة الإمارة الإسلامية التي استمرت في الحكم خمس سنوات ، وظهر فيها العديد من نقاط القوة والعديد من الأخطاء ونقاط الضعف ـ فيلزم إدخال تطوير في عمل الإمارة بما يناسب النتائج المستخلصة من تجربة حكمها الماضية .
تلك القوى التي ستشكل نظام الإمارة ـ وتطويره بما يلزم، هي القوى التي جاهدت طوال عقدين من الزمن وانتصرت ـ بتأييد من الله ـ وبدعم من الشعب الذي قدم لها كل مايملك . وذلك هو الاستفتاء الحقيقي الذي يعقب الجهاد الصحيح .
أما تدليس أعداء الإسلام باستفتاء “الجميع” ، ويقصدون جميع العملاء والجواسيس والسماسرة، فذلك خداع غير مقبول. فالاستفتاء قد تم بالفعل خلال عشرين عامًا من الجهاد الصعب والقتال المرير . فمن كان خارج ذلك الجهاد فهو خارج عن النظام القادم، ودوره هو البقاء تحت قوانين النظام الإسلامي، أو اللحاق بقوات الاحتلال ليقيم هناك مع الكفار والمنافقين، إن أراد ذلك.
تحميل مجلة الصمود عدد 174 : اضغط هنا
مؤسسوا الإمارة .. ومجددوها :
تم إعلان الإمارة الإسلامية بعد فتح كابول في أكتوبر 1996 حين اجتمع أربعة آلاف من القادة الميدانيين والعلماء وشيوخ القبائل . لإعلان نظام الإمارة الإسلامية وتكليف الملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان وقائدها بأن يتولى قيادة الإمارة تحت مسمى أمير المؤمنين .{ يومها قال رحمه الله، ما معناه ، إن اخترتوني فاعلموا أنني سأحكم بشريعة الإسلام على نفسي وعليكم . فإن لم يوافقكم ذلك خرجت من مجلسكم هذا وعلى كتفي الرداء ” الباتو” الذي دخلت به}.
بعد تحرير كابول، وخروج الاحتلال الأمريكي وأعوانه، يحين الوقت لعقد تجمع مشابه لمجلس شورى عام، مثل ذلك الذي أسس لقيام الإمارة، يجتمع في مدينة أفغانية وليس أي مكان خارج أفغانستان، لتجديد البيعة لنظام الإمارة، ولزعيمها أمير المؤمنين. ويكون دخول الجميع إلى المؤتمر بمثل “الباتو” المتواضع الذي دخل به الملا محمد عمر إلى المؤتمر (وخرج به من الدنيا)، وليس بأرصدة بنكية أو دفاتر شيكات بالعملة الصعبة.
– وإذا كانت هناك فكرة لإدخال تطويرات في نظام الإمارة، فإن لجان مختصة تقوم بتحديدها ثم إقرارها من مؤتمر الشورى العام ، الذي أقر نظام الإمارة واختار أمير المؤمنين .
أما في الوقت الحالي فذلك غير ممكن طالما الاحتلال العسكري مازال قائمًا، والنظام العميل مازال يحكم كابول . والمعركة لم تحسم بعد ولكنها على وشك الحسم. وطرح مشكلات في غير أوان حلها هي مشاغبات يقوم بها العدو وأعوانة لحرف المسيرة واستغفال الشعب ومجاهديه، ومنع الجهاد من الوصول إلي غاياته.
التفاوض مع ظل الشيطان :
حكومة كابول الحالية هي ظل لشيطان الاحتلال . ذلك الاحتلال تَعَهَد بالخروج من أفغانستان، وما عهدنا عليه إلا كذبا ـ ويشهد العالم كله عليه بمثل ما شهدنا.
– وفكرة التفاوض مع ظل الشيطان القابع في القصر الجمهوري هي فكرة غير صائبة من أساسها. والسبب هو حقيقة أن “ظل الاحتلال” يرحل تلقائيا مع الاحتلال، ولا يحتاج إلي إعادة مفاوضات، بل إلى مجرد عملية تنظيف، مثل تلك التي قام بها المجاهدون لنظام كابل الشيوعي بعد رحيل الجيش الأحمر.
– وخطأ آخر .. ليس مجرد القبول بتفاوض لا ضرورة له ، بل أن ضرره مؤكد، إذ يتم في ظل اختلال الموازين لصالح الحكومة العميلة.
فالتفاوض معركة مثل باقي معارك القتال، لموازين القوى فيها دور كبير. وبمفاوضة ظل الشيطان بينما الشيطان نفسه لم يرحل بعد ، تكون موازين القوى مختلة في صالح النظام العميل. فهو يمتلك الأجهزة المسلحة ومليارات الدولارات، وقوات كثيرة محلية وأجنبية تعمل لصالحة . فلا بد من استكمال طرد شيطان الاحتلال، وبعد ذلك لن يتبقى له ظل في كابول أو في كل أفغانستان.
– كما أن الإعلان عن قبول فكرة الاستفتاء على نوع النظام الذي سيحكم أفغانستان يعتبر في هذه الظروف تنازلاً جوهريا لصالح نظام كابل “العميل”. فالأخطاء إذا تتابعت أوحت بأنها خطة قيد التنفيذ . فالعدو كان يرحل ولا يستدعي الأمر مفاوضته أو تقديم أي شيء له. ثم لم يكن مقبولا مفاوضة النظام على أي شيء ، من واقع أنه مجرد ظل للاحتلال وهي حقيقة أكدتها الإمارة على الدوام . ولكن الآن نسمع أن هناك من يتلهف على مفاوضة النظام بينما العدو مازال متواجدا ويسانده بكامل قواه، وكأن التفاوض الحقيقي حول نوعية النظام القادم يدور مع المحتل نفسه.
إن حقيقة الإمارة الإسلامية أكثر رسوخًا من أي حقيقة أخرى على الساحة الأفغانية، وبالتالي فهي مسألة تخص الشعب الأفغاني ومجاهديه وعلمائه، وليست موضوعا للتفاض أو التصرف من أي جهة كانت، سوى الجهة التي أسست الإمارة وهي الشعب الأفغاني وعلمائه ومجاهديه حصرًا وتحديدًا. فالتنازل عن الإمارة لن يكون ثمنا لخروج المحتل أو للإتفاق مع الحكومة العميلة كما أنه ليس من صلاحية أي مفاوض مهما كان . ولا حتى من حق الإمارة نفسها بدون العودة إلى مؤسسيها من علماء ومجاهدين .
إن التفاض وقت الحروب يكون “تفاوض بقاء” .. ومن الخطورة أن يكون مجرد “تفاوض إلهاء”.
تحميل مجلة الصمود عدد 174 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )