داعش فى أفغانستان .. جزء من الحرب الجديدة
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية / السنة الخامسة عشر – العدد ( 173 ) | ذو القعدة1441هـ / يوليو 2020م .
04-07-2020
داعش فى أفغانستان..جزء من الحرب الجديدة
الولايات المتحدة لا تمنح سلاما لأحد، بل تصنع حروبا جديدة
الولايات المتحدة لا تمنح سلاماً لأحد، بل تمنح أنواعاً مستجدة من الحروب. إنها لا توقف حرباً أبدا، بل تستبدل حرباً بحرب ـ وغايتها من كل أنواع الحروب هو أخضاع الآخرين لأهدافها، بسرقة الثروات، ومحوالثقافات وتفريغ الدين من محتواه ـ وطمس هوية الشعوب، وإنهاء أى نزعة للإستقلال أو المقاومة.
وفى النهاية تريد أمريكا من عدوها الإستسلام التام لمشيئتها. فإن لم تخضعة بنوع من الحروب إستبدلته بأنواع أخرى إلى أن تحقق أهدافها.
ومنذ الإحتلال السوفيتى لأفغانستان، شنت الولايات المتحدة حروبها على الشعب الأفغانى، وتنقلت من أسلوب قتالى إلى أسلوب آخر.
1 ـ خلال الإحتلال السوفيتى كانت الإستراتيجية الأمريكية هى إخراج السوفييت من أفغانستان، مع مراعاة ألا ينتصر المجاهدون.
2 ـ فى فترة حكم مجددى وربانى كانت الحرب الأهلية والفوضى الداخلية تناسب كثيرا مصالح الولايات المتحدة ـ فتركت الفوضى على سجيتها وأخذت تقوى مصالحها فى أفغانستان (تدفق كثيف ورخيص للأفيون، التمهيد للشركات النفطية فى أفغانستان، خاصة خط انابيب تابى لنقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى الهند لتجهيزها بأقتصاد أقوى ينافس الصين).
3 ـ ظهرت حركة طالبان فأربكت المشهد الأفغانى فى وجه الأمريكان. فى أهم ثلاث نقاط:
أ ـ تمكنت الإمارة من تحجيم الحرب الأهلية والسيطرة على معظم البلد.
ب ـ رفضت تمرير خط أنابيب تابى وفق الشروط الأمريكية التى تهضم حقوق الشعب الأفغانى، ورفض أمريكا تطبيق الشروط المعمول بها فى المشاريع المشابهة حول العالم.
ج ـ حظر زراعة الأفيون فى أفغانستان، وما يعنيه ذلك من خسارة مئات المليارات من الدولارات كانت تصب فى بنوك الولايات المتحدة.
د ـ فشل “تحالف الشمال” فى تحدى الإمارة الإسلامية حتى أوشك على الإنتهاء عام 2001 حين تداركته الجيوش الأمريكية.
تحميل مجلة الصمود عدد 173 : اضغط هنا
فلم يعد أمام أمريكا أى حل آخر سوى أن تتولى إخضاع أفغانستان بقواتها المسلحة
4 ـ فى بداية حكم أوباما عام2009 تأكد الجيش الأمريكى من إستحالة الإنتصار فى حرب أفغانستان، خاصة بعد عملية “الخنجر” ضد ولاية هلمند، والتى لم تحقق أهدافها، وقد كانت السهم الأخير فى الجعبة العسكرية ألأمريكية.
خلال فترتي حكم أوباما كان بلاده ممزقة بين عجز عن الإنتصار، وبين عدم القدرة على التخلى عن موارد أفيون أفغانستان. ومشكلة أخرى واجهته ولا تقل خطورة وهى إحتياج إسرائيل إلى بقاء الجيش الأمريكى فى أفغانستان،
لأن إنسحابه منها قبل إستكمال سيطرة إسرائيل على المنطقة العربية (الشرق الأوسط !!) سوف يؤدى حتما إلى سقوط مشروعها، ويشجع شعوب المنطقة على التمرد على السيادة الإسرائيلية. فبدأت إسرائيل تتدخل بشدة فى أفغانستان، وتقاتل إلى جانب الجيش الأمريكى. وتحديدا فى مجالات الحرب الجوية والإستخبارية، وخبرات إسرائيل فى مقاومة حروب التحرير فى فلسطين ولبنان والمنطقة العربية، وفرق الموت والقوات الخاصة.
5 ـ مع بداية حكمه جاء ترامب مشبعاً بفكرة خصخصة الحرب، أى جعلها من أعمال الشركات القتالية (المرتزقة).
ومقتنعا بالفكرة الإستعمارية ” لشركة الهند الشرقية ” فى القرن الثامن عشر، والتى أخضعت الهند وأداراتها لصالح بريطانيا، وحولتها إلى مزرعة عظمى للأفيون وصدرت المحصول إلى الصين. وفى حربين عنيفتين أجبرت الإمبراطور على فتح بلاده للأفيون البريطانى القادم من الهند، واستولت على موانئ وجزر صينية لصالح بريطانيا وصالح عصابات التهريب الدوليين.
تلك التجربة الإستعمارية لبريطانيا فى الهند كانت متطاقة مع تصور ترامب لدور بلاده فى أفغانستان. ومنذ ذلك الوقت تم إعتمادها كاستراتيجية أمريكية فى أفغانستان ـ فكان معناها عسكريا هى أن حرب أمريكا فى أفغانستان هى حرب جيوش المرتزقة.
وتعتبر ” داعش” أحد العناصر الرئيسية فى (حرب المرتزقة) المطبقة حاليا فى أفغانستان ـ ولكنها ليست الوحيدة فى ذلك المجال الواسع والخطير.
داعش جزء من سياسة “عرقنة” أفغانستان:
العراق هى نموذج للتخريب الذى يعمل الإحتلال الأمريكى على تطبيقه فى أفغانستان.
فبعد حرب جهادية ناجحة، تحولت العراق إلى مستنقع للفتن من الصعب الخروج منه. ليست فقط على أساس (سنى ـ شيعى)، بل وحتى (سنى /سنى) وعلى أسس عرقية (عرب ـ أكراد ـ تركمان…). والآن يجلس الإحتلال الأمريكى بقوات محدودة من قواته وقوات الحلفاء، فى وضع مريح فى العراق، ومنها يعيث فسادا فى كامل المنطقة، بينما يتقاتل العراقيون فيما بينهم. وقيادات محلية وسياسية معظمهم يؤيد بقاء الإحتلال لخشيتة من المنافسين الآخرين، حفاظا على مكاسبه المالية التى يجنيها من التعاون مع الإحتلال ومشاريعه الإقتصادية. وتلك صورة طبق الأصل لما يسعى إليه الأمريكيون فى أفغانسستان.
ومن أسباب نجاح أمريكا فى إدارة فتنة داعش فى العراق:
أ ـ أمراض أصابت القيادة الإسلامية: فهى إما غير موجوده أصلا. أو أنها ضعيفة لا وزن لها ـ أو أنها فاسدة أتلفها المال والانخراط فى اللعبة السياسية التى أتلفت معظم القيادات الإسلامية وغير الإسلامية، فتحولت إلى التنافس على المناصب والمكاسب، وتقبيل أحذية المستعمر.
ب ـ أمراض أصابت التنظيمات الجهادية نفسها: مع ضعف القيادة ـ وغياب تأثيرها ـ تفكك التنظيم وفقد تأثيره على الشعب. وتكاثرت فيه مراكز القوى حول قيادات صغيرة طامحة إلى المال والسلطة.
– يمكن القول أن الإستراتيجية الأمريكية هى”عرقنة” أفغانستان، أى تحويلها إلى عراق أخرى، بإستخدام أهم أدواتها فى العراق وهُمْ الدواعش.
حرب الإغتيالات وفرق الموت:
وهى امتداد طبيعى، وعميق الإرتباط بحرب الدرونز وحرب داعش، وحرب المرتزقة من شركات دولية ومحلية.
وتلك سياسة إستعمارية قديمة لإخضاع الشعوب، عن طريق إغتيال قياداتها.
صادفت تلك السياسة درجات متفاوته من النجاح والفشل، وهى مؤثرة فى جميع الحالات، ليس على النتائج النهائية للحرب، ولكن ربما تسببت فى إطالة أمدها وتأخير إنتصار المجاهدين فترة من الزمن.
ــ تقوم الطائرات بدون طيار ـ فى أفغانستان ـ بدور جوهرى فى حرب الإغتيالات ضد قادة المجاهدين وكوادر المتعاونين معهم.
ـ ويقوم المرتزقة ـ غالبا بدعم من طائرات “الدرونز” بعمليات إغتيال ضد القيادات، والكوادر الجهادية.
ـ للدواعش دورهم فى حرب الإغتيالات. وإن كانت معظم أعمالهم أقرب إلى نشاطات فرق الموت التى تبث الرعب الشديد فى نفوس المدنيين. كما تستهدف إشعال فتنة مذهبية أو عرقية لحرف مسيرة الجهاد فى إتجاه الحرب الأهلية. وهو ما نجحوا فيه كثيرا فى عدد من الدول العربية.
تحميل مجلة الصمود عدد 173 : اضغط هنا
الحرب الإقتصادية:
حروب أمريكا تخدم إقتصادها فى نهاية الأمر. وبشكل أدق تخدم إقتصاد بنوك اليهود فى أمريكا، المصب النهائى لتدفق أموال تجارة المخدرات التى عمودها الفقرى أفيون أفغانستان.
ولأن الأفيون هدف إقتصادى أول. ونفط آسيا الوسطى (وأفغانستان) هدف إقتصادى ثان.
فإن مافيا المخدرات (الإسرائيلية / الأمريكية) وشركات النفط الكبرى هما الضاغط والممول للحرب الدائرة فى أفغانستان. وفى فترات الهدؤ العسكرى تتحرك خزائن المال العملاقة لتلك المؤسسات لدفع الرشاوى فى كل إتجاه لتأمين فترة إستقرار قادمة تتيح إزدهارا لأعمالها فى الأفيون والنفط.
– أما إذا تمكنت الإمارة الإسلامية من العودة منفرده لحكم أفغانستان ـ بدون شراكة مع المافيات الأمريكية السياسية ـ فإن الولايات المتحدة قد جهزت لها حقولا من الألغام الإقتصادية، تشل حركتها وتضمن عودتها مرغمة إلى السيطرة الأمريكية.
وكما فعلت أمريكا مع العديد من دول العالم ـ وحتى دول كبرى ـ
فإن أهم أسلحتها للدمار الإقتصادى الشامل هى:
أ ـ تحطيم العملة المحلية: عملة أفغانستان تحت تغطية الدولار الأمريكى، والدولار مستند فى قوته على تجارة الهيروين دوليا، وعلى تجارة النفط عالميا بالعملة الأمريكية. إذا سحبت أمريكا تغطيتها للعملة الأفغانية فسوف تنهار تلك العملة فى الحال. وقد تُغْرِق أمريكا السوق الأفغانى بمليارات من العملة المزيفة التى ستطيح بقدرة الشعب على الشراء نتيجة تضخم الأسعار.
ب ـ حصار إقتصادى: بمنع التعامل مع الدولة المستهدفة، وتهديد من يكسر ذلك الحظر بفرض حظر أمريكى عليه. وهذا ما تعانى منه دول فى الجوار الأفغانى مثل إيران. ودول عربية مثل العراق وسوريا ولبنان. ودول بعيدة مثل فنزويلا وكوبا. والقائمة طويلة، وتلك مجرد أمثلة.
ج ـ إسقاط البنوك المحلية الأفغانية: (ومعظم نشاطها قائم على غسل أموال المخدرات) ومصادرة ممتلكاتها وأرصدتها فى الخارج.
د ـ حظر وعقوبات: ضد الإمارة ومسئوليها. ومطالبتها بتعويضات عن حادث 11 سبتمبر.
وهناك إجراءات آخرى. لاداعى لذكرها طلباً للإختصار.
حرب ثقافية ودينية:
وهى أخطر التحديات أمام الإمارة الإسلامية، فى حال نجاح وصولها إلى السلطة بشكل مستقل عن شركاء المستعمر ـ والحديث عن تلك الحرب يطول ومعظم تفاصيلها واضح تماما للإمارة وللمثقفين وجمهور الشعب الأفغانى. غايتها النهائية إستبدال فرائض الإسلام وترك الجهاد ضد تسلط الكافرين على المسلمين وبلادهم، والتحول إلى ثقافة جديدة متصالحة مع المستعمر وخاضعة له ومرحبة بإعتناق كافة ما يأتى به من قيم ومبادئ وقوانين مخالفة للدين.
خلاصة ما سبق:
1 ـ داعش جزء أساسى من حروب المرتزقة التى تشنها أمريكا عبر القارات، هذا رغم أن داعش مصمم خصيصاً للمنطقة الإسلامية.
2 ـ لداعش قدرة خاصة على حرف مسيرة جهاد وثورات المسلمين.
3 ـ دور داعش فى أفغانستان أكثر أهمية فى الوقت الحالى، حيث تعمل أمريكا على حرف مسار الجهاد إلى وضع يشابه وضع العراق من حيث الفتن الدينية والعرقية، وتحول القيادات الشعبية ـ فى معظمها ـ إلى التعاون مع المحتل.
– وحيث أن داعش جزء من الإستراتيجية العسكرية والسياسية للإحتلال الأمريكى فى أفغانستان، فإن داعش تديرها القيادة العليا لتلك الحرب وهى الإستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلى، مع جهاز خاص مرتبط بحكومة كابول يرأسه حنيف أتمر، وحكمتيار، أضافة إلى عدد محدود من الأسماء.
ونظرا لأن داعش كيان دخيل وبلا جذور إجتماعية أو مذهبية فإنه غير قادر على التمدد فى التربة الإجتماعية لأفغانستان ولا يمكنه التواجد بغير إسناد الإحتلال الأمريكى.
– خطورة داعش حاليا هى أن أفغانستان تعيش المرحلة النهائية من جهاد منتصر، حيث تتكاتف جهود الأعداء مع ضعاف النفوس وأصحاب الهمم الخائرة، لإنهاء مسيرة الجهاد قبل أن يحقق حسما لا لبث فيه، بتحطيم الأصنام كافة ثم رفع الأذان فى سماء كابل.
تحميل مجلة الصمود عدد 173 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )