جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 22
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية / السنة الخامسة عشر – العدد ( 172 ) | شوال 1441هـ / يونيو 2020م .
05-06-2020
حقاني: العالم الفقيه والمجاهد المجدّد (22)
– “أبو الدرداء” الشهيد الغريب .. من الحجاز إلى جبل تورغار.
– حقاني يرتب مع مطيع الله، أكبر تقدّم عسكري يشهده وادي خوست حتى ذلك الوقت.
– خسائر المجاهدين كانت عالية لكنهم صرّحوا بمقتل ستة مجاهدين من بينهم عربي واحد، كما جرح45 شخصاً من بينهم مولوي عبد الحــليم، من وزيرستان.
– حكومة مجددي لم تحدث فارقاً، لا انتقال إلى الداخل ولا مباشرة أي أعمال، اللهم إلا مزيد من التخبط.
تحميل مجلة الصمود عدد 172 : اضغط هنا
مقدمة :
أوشك مؤتمر بندي على الفشل، وأن تتوقف محاولة تشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع الأحزاب بعد انسحاب الجيش الأحمر السوفيتي.
صدام كبير وقع بين مولوي حقاني وبين حكمتيار الذي حاول سحب أي صلاحية من العلماء والقادة الميدانين في اتخاذ أي قرار مصيري يمس أفغانستان، مدعياً أن قادة الأحزاب السبعة هم فقط أصحاب الحل والعقد، وأن مجلس الشورى عليه تنفيذ أوامرهم.
حقاني هدّد بأن يتولى المجاهدين أمرهم بأنفسهم، وأن يشكلوا حكومتهم داخل أفغانستان، بل ويقاتلوا قادة الأحزاب إن هم حاولوا إحداث فتنة داخل أفغانستان.
الحل جاء بتشكيل لجنة أسموها “الشورى القيادية” مكونة من 70عضوا / من بين مجالس شورى الأحزاب / مهمتها تشكيل حكومة، وتعهد الزعماء بتنفيذ قرارات تلك اللجنة.
اختيرت اللجنة برئاسة مولوي حقاني رغم أنه لم ينتظر منها الكثير. اتفقت اللجنة على منح المناصب الوزارية العليا لقادة الأحزاب السبعة حسب نتائج التصويت، حتى لا يحدث نزاع.
التصويت وتوزيع الحقائب الوزارية :
كانت هناك مشكلتان أمام اللجنة، الأولى هي كيفية الإدلاء بالأصوات لأن كل مجموعة سوف تصوت لزعيمها، وكان الحل هو أن يكون لكل عضو صوتان الأول لقائد حزبه والثاني لأي قائد آخر. والمشكلة الثانية هي توزيع المناصب بين المنظمات، فتم الاتفاق على تقسيم الحقائب الوزارية إلى سبعة “أكوام” متدرجة الأهمية. وتوزيع الأكوام حسب الأصوات التي فاز بها كل زعيم.
فالفائز الأول يأخذ الكوم رقم واحد الذي يشمل رئاسة الدولة مع حقيبة وزاره الصحة. والفائز الثاني يأخذ الكوم الثاني الذى يحتوي على رئاسة الوزراء مع حقيبة وزارة المواصلات… وهكذا إلى الكوم السابع. وهكذا حافظت اللجنة على ما أكد عليه حكمتيار بأن يكون الزعماء السبعة هم محور العمل كله فكانوا هم زعماء المنظمات وهم أهم الوزراء في الحكومه. وقد عين بعضهم من ينوب عنه في المنصب الهام الذي فاز به. وقد فعل ذلك حكمتيار وجيلاني. ولكن حكمتيار عاد وتولى منصب وزير الخارجية بنفسه. وقد أدى جيلاني دوراً استشهادياً لصالح محور المعتدلين عندما أعلن أنه لن يرشح نفسه لرئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء، أي أن أعضاء كتلته سوف يصوّتون لواحد من المعتدلين الآخرين الذي كان هو مجددي، لأن جماعة جيلاني قد سربوا أخباراً عن رشوة ضخمة دفعتها السعودية “لمحمدي” حتى ينضم إلى تيار المتشددين وقالوا إن هذه الرشوة تقدربملغ 200 مليون روبية باكستانية .
( وإن كنت شخصياً أرى أن المبلغ كبير والأنسب أن يكون20 مليون ). وتسعير الرشاوي كانت كالتالي حسب مصادر جيلاني :
للفرد العادي عضو الشورى (مليون روبية) للقائد الميداني وعضو الشورى ( 4 مليون روبية)، أحد قيادات الحزب البارزين وعضو في الشورى (10 مليون روبية). وأخيراً تم التصويت وأعلنت الحكومة” يوم الجمعة 24 فبراير89″ وفاز مجددي بالمنصب الأول (174 صوتاً)، ثم سياف بالمنصب الثاني (173صوتاً) أي بفارق صوت واحد، وبذلك فشلت الأموال السعودية في تنصيب سياف رئيساً للدولة كما كان هدفها آنذاك. وكان ترتيب الفائزين كالتالي: محمدي ـ حكمتيار ـ خالص ـ رباني ـ جيلاني .
أي أن الترتب سار هكذا: معتدل ـ متشدد ـ معتدل ـ متشدد … إلخ. وهذا يعكس قوة التيار المعتدل الذي حقق تلك المزاحمة الشديدة رغم الرشاوي الواسعة والكريمة من السفارة السعودية ورغم تطفيش الشيعة، وحتى بعض الغائبين عن التصويت كانوا محسوبين على الجناح المعتدل في المجلس، أو بالأحرى المضاد للأحزاب الأصولية في بشاور.
وقد كان أكثر من فوجئ بتلك النتيجة… هو مجددي نفسه، وكما هو متوقع أطلق مجددي تصريحات رنانة ومجاملات دبلوماسية، ووعد بأن تنتقل حكومته إلى داخل أفغانستان خلال شهر و أن تباشر عملها من الآن .
وبالطبع لم يحدث شيء من ذلك، لا انتقال إلى الداخل ولا مباشرة أي أعمال،اللهم إلا مزيداً من التخبط. ولم يكن واضحاً بشكل مؤكد برنامج هذه الحكومة، ولا مدة بقائها. وما صّرح به مجددي بعد الانتخابات كان مخالفاً لما أتفق عليه. أو العكس كأن يكون قد صرح بما اتفق عليه ثم كذبه باقي الزعماء. فقد قال بأن مدة حكومته عام واحد… فتصدى له حكمتيارعلى صفحات الجرائد قائلا : ( بل ستة أشهر فقط ). وفي داخل المؤتمر في مدينة الحجاج كان مفهوماً أن من مهام تلك الحكومة التجهيز لوضع سياسي دائم قائم على مجلس شورى وحكومة منتخبة. ولم يكن معروفاً كيف سيتم اختيار أعضاء الشورى والوزراء، وهل هي انتخابات عامة شاملة على نظام صوت لكل مواطن، وهو ما أيده البعض ومنهم حكمتيار، أم على أساس جركا قبلية “مجلس من زعماء القبائل”، وهو ما يؤيده أنصار الملكية الذين يعرفون أن زعماء القبائل يريدون الملك الذي ضاع نفوذهم بعد ضياع ملكه.
أم أن حرية الاختيار سوف تقصر على المجاهدين والعلماء وأنصار الجهاد مع استبعاد المعسكر المضاد بأكمله. لم يستقر الرأي على شيء من ذلك. وبذلك لم يتقدم الموقف السياسي للمجاهدين خطوة واحدة مع تشكيل تلك الحكومة، بينما الأحداث تتسارع بحدة، والنتيجة هي تقهقر شامل سريع ينذر بأوخم العواقب، ولم تلبث أن بدأت معارك جلال آباد في 6 مارس 1989، كي تؤكد أن حكومة مجددي قد ولدت ميتة كما ولدت حكومة أحمد شاه من قبل.
تحميل مجلة الصمود عدد 172 : اضغط هنا
بداية متوترة :
كانت اللحظة تاريخية، وأجواء الترقب تثير الأعصاب. والجميع يتوقع انهيارا سريعا للنظام في كابل، والآن جاء قادة المنظمات الجهادية لتشكيل حكومتهم التي ستتولى قيادة البلاد في تلك الظروف. الإعلام الدولي كان يتحدث بلهجة مثيرة عن تلك الموضوعات ويؤكد على سقوط قريب لكابل، وتجاهل كل الإشارات والدلائل على أن ذلك ليس صحيحاً، والأغلب أنه تعمد ذلك. لذا توافد على مدينة الحجاج في روالبندي حوالي50 صحفيا أجنبيا لتغطية أحداث المؤتمر.
في يوم الافتتاح… تأخرت الجلسة الأولى عدة ساعات بسبب الخلافات، والضغط الزائد على منظمي الحفل وأعصاب الحضور. كان الإشراف الكامل على كل ذلك هو للمخابرات الباكستانية ISI التي تكفلت بالأمن والإدارة السياسية للمؤتمر وتوجيه الأحداث داخله. افتتحت الجلسة وبدأت كالعادة بتلاوة من القرآن الكريم ثم سمح للمراسلين الأجانب بالبقاء عشر دقائق فقط لتبدأ بعدها جلسة سرية، وقد تم إخراجهم بغلظة. فغضبوا وقرروا مقاطعة المؤتمر.
– كانت الأجواء متوترة أكثر من اللزوم، وليس أدل على ذلك مما حدث لأحمد شاه رئيس الوزراء (في الحكومة المؤقتة السابقة). لقد وصل أحمد شاه في سيارته الفخمة من طراز “رانج روفر” وأراد أن يصل بها إلى البوابة الرئيسيه لقاعة المؤتمر ، على عادة الكبار . ولكن رئيس الحرس الأفغاني أوقفه، وطلب منه ترك سيارته في الموقف العام والقدوم مشياً حتى الباب الرئيسي. لكن أحمد شاه استنكر ذلك وصاح به: ألا تعرفني؟ … أنا أحمد شاه رئيس الحكومة. {حكومة مؤقتة سابقة تشكلت قبل الانسحاب السوفيتي}. فأجابه رئيس الحرس بغلظة: بل أنت فرد عادي، إنما عقد هذا المؤتمرلاختيار رئيس حكومة. فأجابه أحمد شاه بالسباب، فأجابه رئيس الحرس بتجهيز بندقيته للإطلاق وهو يطلق الشتائم السريعة . فتدخل الناس وفضوا الاشتباك قبل أن تسيل الدماء. وخضع أحمد شاه للقانون. لكن دماءً أخرى سالت على أعتاب قاعة المؤتمر ففي أحد الأيام فوجئ الناس بطلقات سريعة في الساحة وجثة تسقط ودماء تسيل، وارتباك وفوضى وحالة طوارئ وذعر يسود الجميع. في اليوم التالى أعلنت حكومة باكستان في بيان مقتضب أن جندياً قَتَلَ ضابطاً من الحرس وأن الدافع كان ثأراً عائلياً، ولم يهتم أحد بالحادث وتوقفت الصحف عن المتابعة.
” ولأن حقاني كان يدرك عقم كل مايحدث في بندي، وأن لا حكومة قادمة، بل شكل جديد من تلاعب أحزاب بيشاور بمصير أفغانستان وشعبها. قبل عدة أيام من إعلان تشكيل الحكومة أعطى حقاني أوامره باستئناف العمليات في خوست حسب البرنامج المقرر سلفا ” .
“أبو الدرداء” الشهيد الغريب ..
من الحجاز إلى جبل تورغار .
في يوم الثلاثاء21 فبراير كنت في زيارة لبيت جماعة حقاني في روالبندي وهو لا يبعد كثيراً عن مدينة الحجاج، حيث جاءتنا أخبار أشاعت فينا البهجة والسرور، فقد هاجم المجاهدون جبل تورغار في خوست واستولوا عليه. ولكن في اليوم التالي ضاعت الفرحة حين وصلت أخبار أن الحكومة استردت الجبل.
شعرت أن خسائر المجاهدين كانت عالية لكنهم صرحوا بمقتل ستة مجاهدين من بينهم عربي واحد، كما جرح 45 شخصاً من بينهم صديقي القديــم مولوى عبد الحليم، من وزيرستان، وقالوا إن ساقه قد بترت بانفجار لغم وأنه يعالج الآن في بيشاور. وقالوا أيضاً إن قتالا داخلياً بين جماعة حكمتيار قد حدث في باري. بعد ذلك بأشهر علمت أن محاولة الاستيلاء على تورغار قد فشلت في وقتها، ودبّت الفوضى في صفوف المهاجمين، وكان بعضهم قد صعد إلى قرب مواقع العدو فوق سطح الجبل. ثم صدرت إليهم أوامر بالعودة، وكانت تلك الجماعة تحت قيادة مولوي عبد الحليم، ومعهم عربي من السعودية يدعى أبو الدرداء، رفض أن ينسحب قبل أن يطلق على العدو قذيفة آر بي جي، ولكى يتمكن من ذلك كان عليه أن يخطوه إلى اليمين قليلاً خارج المدق الصغير جداً الذي استخدمه في الصعود. وما كاد يفعل حتى انفجر لغم تحت قدمه أطار ساقه وقذفه بعيداً وسط منطقـة ملغومــة ومكشوفة للعدو، وكان الوقت قريباً من المغرب، فتقدم مولوى عبد الحليم كي يحمله ويعود به فانفجر به هوالآخر لغم أطار ساقه. قتل أبو الدرداء بعد قليل، وكان معه بعض زملائه من العرب فدفنوه على موقع ليس ببعيد من تورغار في اتجاه الطريق الضيّق الواصل إلى بوري خيل. ومازال قبر أبو الدرداء واضحـاًعلى جانب مائل من الطريق الذي شقته بعد ذلك البولدزرات بعد فتح تورغار “بعد عام تقريباً”.
وقد ركز المجاهدون العديد من الأعواد الخشبية وعليها رايات بيض فوق القبر للتعريف بأن مجاهداً قد دفن هناك، في منطقة لم يدفن بها أحد من المجاهدين قبل أو بعد ذلك. قبر ذلك الشباب يطبع في النفس الحزن والوحشة، وسط تلك الجبال والوديان ذات الأشجار البرية وحقول الألغام المجهولة. وقد تناثرت الآن عدد من البيوت حول مجرى الماء الصغير في المنطقة، وربما وصل بعض الأطفال أو الرعـاة إلى قرب القبر، الذي تمر إلى جانبه سيارات تنقل القرويين وخلفها ساحبات كثيفة من الأتربة الناعمة تنثرها فوق القبـــر وراياته المشرعة، لكن أحداً منهم لم ير أبو الدرداء أو سمع عنه. وكان هو العربي الثاني والأخير الذى يقتل بواسطة لغم فوق جبل تورغار. بعد عام تقريباً من استشهاد صديقي عبد الرحمن فوق نفس الجبل بواسطه لغم أيضاً.
عام (1989):
تقدم في قطاع خوست الغربي
أولاً/ مسيرة حذرة تسلطت الأضواء دوماً على المكان الخاطئ، والأشخاص الخاطئين. تلك كانت (ميزة) آثمه للإعلام الذي رافق المسيرة الأفغانية خاصة الإعلام العربي، الذي لم يكن هو الآخر بعيداً عن التأثيرات الحزبية، والنزعات الشخصية وروح الإقليمية… إلخ. كانت خوست في الظل أو شبه الظل، لذا انصرف عنها العرب الأقوياء وبقي فيها ضعـفاء العرب أو منبوذيهم، لكن بقيت فيها معسكرات تدريب تابعة للأقوياء خاصة جماعة أسامة بن لادن (القاعدة). وجماعة عربية ناشئة ظهرت هناك، ونمت بالتدريج واكتسبت أهمية بمرور الوقت، وهي جماعة (أبو الحارث الأردني)، التي كان لها دور هام في العمليات الأخيرة والحاسمة خاصة فتح جبل تورغار ثم فتح مدينة خوست. جماعة يمنية تمركزت في ليجاه (مجموعة مصطفى اليمني)، تواجدهم لم يكن ثابتاً ولكنهم ساهموا بقوة في عـدة معارك دارت قريباً من ليجاه.لذا كان دورهم محدوداً في المعارك النهائية التي دارت إلى الشرق من مواقعهم.
وكانت تلك الجماعة تابعة للشيخ الزنداني في صنعاء. كان المجاهدون يتلمسون طريقهم بحذر وهم يتقدمون في الوادي بعيداً عن جبالهم الحصينة، فتقدّموا من باري، منطقتهم الأساسية من الآن فصاعداً، واتّجهوا نحو حصون (جنـداد) و(مالانج) وفشلوا في ذلك عدة مرات، فاستولوا على الحصون ثم تركـوها تحـت ضغط الهجمات المعاكسة. وكان آخر محاولاتهم التي بدأت ناجحة ثم فشلت بعد ذلك، هو هجوم يوم الإثنين 23/5/89 الذي وصفه مراسل مجلة الجهاد بأنه كان مباغتاً، وفي الحقيقة أنني كنت أول من باغته الهجوم لأنني بعد أن قضيت فترة في انتظار للمشاركة في ذلك الهجوم، ثم تركت المنطقة في صباح ذلك اليوم بعد أن تأكدت أن معظم قادة المنطقة قد صرفوا النظر عنه، بل سربوا أخبار خطط الهجوم وموعده لحكومة كابل التي نشرته في إذاعاتها، فكانت مهزلة مهينة. لذا لم تتوقع تلك الحكومة أن يقوم أحد بمثل ذلك الهجوم، وكان ذلك هو استنتاجي أيضاً. لكن إخوة جلال الدين حقاني (إبراهيم وخليل) بالاتفاق مع قيادات ميدانية من التابعين لسياف وحكمتيار قاموا بهجوم جاء وصفه في مجلة (الجهاد) كما يلي:
[خوست ، من مراسلنا أبي معاذ المغربي: شنّ المجاهدون صباح يوم الإثنين 23/5/89 هجوماً مشتركاً على مواقع ومراكز العدو في المنطقة المحيطة بخوست مباغتين العدو في ساعة لم يكن يتوقعها، مما أسفر عن سقوط بعض هذه المراكز وهي، مالانج، جنداد، باتالون، الواقعة جنوب خوست، وحاجى جول، ومركزين آخرين شمال غرب المدينة، ومركز “واليم” جنوب مدينة خوست.
وقد قام المجاهدون فجراً بالتوجه إلى هضبه تطل على السهول المنبسطة للمدنية، وقامت مجموعات أخرى بالتحرّك يمينا بموازاة جبل تورغار، وبدأ المجاهدون قصفاً مدفعياً مركزاً مباغتين العدو حيث لم يتركوا له فرصة للرد على هجومهـم مما أثـر على معنويات العدو حيث بقي المجاهدون يقصفون مراكزه مدة ساعتين متواصلتين، أو يزيد، وبعد 4 ساعات من المعارك تم فتح مركز مالانج وبعده مركزجنداد كما قام المجاهدون بقصف مواقع العدو داخل المدينة مما حدا بطائرات العدو إلى القيام بقصف لمواقع المجاهدين فأطلقت عليهم ما يزيد عن 40 قذيفة، وقد أطلق العدو 10 صواريخ سكود في محاولة منه لإيقاف المجاهدين نحو المدينة. وقد استشهد في هذه المعارك ثمانية عشر مجاهداً وجرح سبع عشر آخرين. وفي حوار مع القائد الميداني خليل (شقيق جلال الدين حقاني) قال إنّ مراكز المجاهدين تستقبل يومياً أعداداً من الجنود والميليشيا الحكومية الذين يستسلمون للمجاهدين. وقدر أعداد الشيوعيين اثني عشر ألف في مدينة خوست وأضاف إن معارك جلال آباد تستنزف كمية هائله من الذخيرة.
وأثناء لقاءنا حاولت طائرات النظام إسقاط بعض المؤن والذخيرة داخل مدينة خوست للقوات الحكومية المحاصرة. وقال لنا القائد خليل إن الطائرات نادراً ما تحط في مطار خوست لأنه يقع تحت رماية المجاهدين(العدد 56، يونيو 89)] .
ومن مكتب حقاني في بشاور علمت أن العدو استطاع استعادة حصن مالانج بعد أن مكث تحت سيطرة المجاهدين لمدة يوم كامل وقد عزّز العدوّ قوات الحصن بدبابتين. وقد سقط على منطقة ليجاه صاروخين من طراز سكود ولكن أحداً لم يصيب منها. ولكن شاب يمني استشهد. وقالوا أيضاً بأن هناك نقصاً شديداً في ذخائر الهاونات.
ثانياً ـ تقدم في القطاع الغربي:
يوم وقفة عيد الأضحى من ذلك العام، كان يوم حافلاً، فبينما العرب مستغرقون في معارك باسلة حول جبل سمر خيل في جلال آباد التي تسلطت عليها أضواء العالم كله، شهدت خوست واحدة من أجمل العمليات العسكرية للمجاهدين في مدة الحرب كلها. كانت الفكرة مبتكرة، والتنفيذ دقيق ومتقن، وتوافرت المفاجأة عدة مرات في المعركة لصالح المجاهدين، ومع ضخامة الانتصار فقد كانت المعركة سريعة جداً، بحيث لم يكن لدى العدو خيار آخر غير التسليم بالأمر الواقع، الذي هو ضياع حصن نادر شاه كوت التاريخي، ومواقع جبال (دوامندو) الحصينة والتي كان اقتحامها في هجوم جبهوي عملاً جنونياً وغير ممكن التنفيذ. الخطة في شكلها المكتمل تتمثل في فقرتين منفصلتين:
الفقرة الأولى:
أـ الاستيلاء على حصن نادر شاه كوت (وهي قلعة بناها الملك نادر شاة “929ـ1933″ والد الملك ظاهر شاه”1933ـ1973”).
ب ـ مهاجمة حصن دوامندو من الخلف.
أي من طرف الطريق الرئيسى القادم إليه من مدينة خوست.
الفقرة الثانية:
مهاجمة حصن دراجي والاستيلاء عليه بشكل دائم.
وهذا الحصن هو القاعدة العسكرية الرئيسية للطرف الغربي من الوادي. ودراجي هي قرية شهيرة في المنطقة ومسقط رأس وزير الدفاع شاه نواز تاناي. والفقرتان معاً كان من نتيجتهما فقدان القوات الحكومية جزء واسع جداً من غرب الوادى بما في ذلك المضيق الإستراتيجى عند (دوامندو) الذي ينتهي عنده طريق زدران) خوست، جرديز، كابل ( ليبدأ وادي خوست الذي يخترقه من طرفه الشمالي الغربي الطريق إلى مركز المدينة. لقد أصبحت مواصلات المجاهدين إلى جارديز أقصر وأسهل، كذلك إمكانية تموين مراكزهم في المواقع في الجبال شمال خوست في منطقة منجل أي أن طوق الحصار صار أضيـق وأقوى. كان البرنامج كله من ترتيب جلال الدين حقاني والقائد مطيع الله (من باكتيكا) والأخير هو صاحب الفكرة المبدعة في الهجوم على نادر شاه كوت وتطويره في هجوم آخر سريع على (دوامندو)، واحتوى البرنامج على استقدام دبابتين من الأورجون بشكل سري، مع تمهيد طريق لها في الجبال ثم استخدامها في هجوم مباغت على الحصن الضخم في (نادر شاه كوت)، وقطعت الدبابة مسافة تستغرق أكثر من يوم في حالة اكتمال الطريق. وبغير هذه الطريقة كان من المستحيل وصول أية دبابات للمجاهدين إلى ذلك الحصن، كما أن ظهور الدبابات المهاجمة دمّر معنويات المدافعين، وكان مفاجأة مذهلة وبالمثل كانت فكرة مهاجمة ( دوامندو) من اتجاه خط الإمدادات القادم إليها من خوست وهو أمر مستحيل أن يتوقعه أحد حتى من المجاهدين أنفسهم وكان ذلك أحد المفاجأت المذهلة للقائد الفذ مطيع الله. أما توقيت الهجوم فى وقت وقفة عيد الأضحى وبعد الإعلان الواسع عن سفر جلال الدين حقاني إلى الحج فقد كان مفاجأة أخرى. فلا هجوم يحدث عادة من طرف المجاهدين في وقت الأعياد، كما أن سفر حقاني، وهوالمحرّك الأساسي للعمليات الكبيرة في المنطقة، أشاع جواً من الراحة والأمن في صفوف القيادات العسكرية في خوست. في وقفه عيد الأضحى يوم الجمعة 12يوليو 1989، أكمل مطيع الله الجزء الخاص به من العمل على أكمل وجه، منجزاً واحدة من أفضل اللوحات الفنية في التكتيك العسكري في تلك المنطقه. ومن المؤسف أنه قتل بعد أسبوع واحد بانفجار لغم في سيارته على مسافة ليست بعيدة من الحصن الذي شهد أفضل إبداعاته العسكرية.
الفقرة الثالثة :
كانت من نصيب حقاني الذي عاد من الحج مسرعاً ليجد صديقه وشريكه في البرنامج قد استشهد. وكانت تلك الفقرة متناسبة تماماً مع طبيعـة الإسلوب العسكري لجلال الدين. فهي تحتاج إلى الشجاعة والثبات والتصميم. ولما كانت طبيعتها أقرب إلى اشتباك في حرب تقليدية فكانت تقتضي درجة عالية من النظم والسيطرة على القوات. ولابد لذلك من قائد قوي ذو هيبة.
لأن المطلوب ليس مجرد غارة على موقع قوي جداً ذو خطوط إمداد قصيرة وآمنة، بل المطلوب الثبات فيه، بينما طبيعته المفتوحة لاتوفر غطاءً ضد قصف الطيران والمدفعية وصواريخ سكود ناهيك عن الجنود النظاميين، والأدهى هم أفراد الميليشيا من أهل المنطقة، الموالية تقليدياً للحكومة الشيوعية في خوست. فالمنطقة واقعة في أرض قبيلة تاناي المنتمي إليها وزير الدفاع شاه نواز تاناي. قبل الاستيلاء على دراجي كان لابد من الاستيلاء على عدد من المواقع المتقدمة التي تحميه، ثم التقدم بالمشاة والدبابات في أرض مفتوحة في أول مجابهة من نوعهـا بهذا الشـكل في خوست أو باكتيا كلها. وكانت جلال آباد ومآسيها ماثلة في أذهان المجاهدين وفي ذهن حقاني الذي بات يفهم جيداً معنى أن يقاتل المجاهدون في أرض مفتوحة، وسماء مفتوحة لطيران قوي للغاية وصواريخ سكود المدمرة. لقد نجحت المحاولة الأولى في الاستيلاء على الحصن (24/8/89) ولكن الهجوم المعاكس للعدو خلعهم منه بقسوة(28/8/89)، ولكن حقاني أعاد الكرة مرة أخرى (5/9/89) واستولى على دراجي للمرة الثانية والأخيرة، حيث فقدها العدو إلى الأبد.
تحميل مجلة الصمود عدد 172 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )