المغرب: اشكالية الدين واللغة
تعتبر اللغة وعاء الفكر لدى البشر فكانت صياغة اي نموذج او وضع اجتماعي ثقافي سياسي رهين باالاعتماد على الية تواصل (اللغة) داخلي يتيح للتطور الاجتماعي السير تحت تاثير سقف تلك اللغة ومفرادتها.. وعليه تبدا دورة التغيير الحضاري انطلاقا من هذا المحدد(اللغة) بالنظر في تأثيره التاريخي على الشعوب التي تفاعل في محيطها..اذا تطرقنا الى عالمنا المنسوب الى تلك اللغة!!(العربي) سنظطر الى طرح جملة من التساؤلات الملحة : من الناحية التاريخية قدم الاسلام نظريته في ظل واقع عالمي مستقر على مسار اجتماعي وديني وثقافي ولغوي متنوع الى حد كبير؛ بحيث ربط مقاصده فهما وتنزيلا وسلطة بمدى استيعاب وتبني اللغة الجديدة التي حملت في بنيتها ثقافة جديدة تتمايز مع محيطها الجغرافي ناهيك عن دور التفوق العسكري للقبائل العربية حينها الذي أسهم في فرض واقع تعممت بسببه اللغة العربية عن طريق الدرس الديني والشعائر التي يمارسها المسلم في حياته كالصلاة وقراءة القران مثلا.. ادى هذا التحول الى تغييب الخصوصيات التي تتاسس عليها تلك المجتمعات الناطقة بلهجاتها المحلية، وتكريس التبعية للعنصر العربي؛ فتأثير اللغة ينسحب على المنتج الثقافي للانسان ويتحكم في منظوره للاحداث. لا يتنافى بقاء المجتمعات ناطقة بلغاتها المحلية تواصلا وتثقيفا وتعليما مع دخولهم في الاسلام ;(وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه); بل قد تكون النتيجة سلبية من الناحية الحضارية بحيث تكون حاجزا امام عملية الاستيعاب لتلك الافكار والنظريات التي يراد لها ان تكون قاعدة البناء والانطلاق؛ فلا مناص حينها من الترجمة للهجات تلك الشعوب وتركها تتفاعل مع معاني الرسالة دون ادنى حاجة للوصاية عليها…
أما من الناحية المعاصرة فنحن امام جدران سميكة يجب هدمها لتصحيح خارطة الطريق امام الشعوب المغاربية التي انا جزء من نسيجها ومتطلع لان تكون منطقة اشعاع حضاري في العالم لامتلاكها كل مؤهلات النجاح. تكمن في نظري نقطة البداية في الوعاء الحامل لبذور التغيير والذي هو اللغة التي كما ذكرنا تحمل الفكر والمشاعر وترسم المستقبل والافق؛ فالمجتمعات المغاربية ذات لهجة محلية بها تتواصل وتتفاعل وللاسف لازال العلم والادب والفكر ينتج باللغة العربية لاسباب تاريخية ودينية ما يجعله لا يصل الى كل الفئات الاجتماعية فتبقى عملية الوعي والتنوير محصورة في جزء قليل بينما الجمهور العريض في غيابات الجهل والتخلف….
في سياق هذا الواقع الثقافي وهو التعريب الذي شهدته المنطقة تولدت اشكالات عديدة حالت دون وصول المعرفة الى العمق الاجتماعي ناهيك عن التبعية التي تجعل المغرب العربي اسير الثقافة مشرقية حجازية تذوب في حضنها الخصوصية المغاربية التي تعيش في شرنقة التضارب بين لهجة الشارع والمعيش اليومي ولغة وافدة تحمل له أسس الحضارة والمستقبل الزاهر لا يستوعب خطابها ولا تبلغ الجزء النفسي منه ومشاعره؛ ناهيك عما يتسرب الى الداخل من افكار وافدة من شانها تأزيم الوضع الداخلي عن طريق اللغة العربية علما ان المشرق والحجاز بات منطقة موبوءة على مستوى الفكر والتصورات كونه لم يتعرض لتجديد فكري ونقد داخلي فلا غرو ان يقذف بكل ذلك الى الجوار الذي يتقاسم معه عاطفة دينية اتجاه الاسلام.. ولعلنا نتساءل اليوم ما هي الحصيلة التي احرزتها المنطقة من عملية تعريب المعرفة دون صياغتها بلهجة محلية تجعلها في متناول المجتمع برمته؟؟!!!
بالاضافة الى صعوبة تعليم قواعدها وتعقيدها ما يجعلها كابوس في نظر الكثير من الطلاب كما أنها اليوم ليست وسيلة لتحصيل لقمة العيش بسبب التخلف والانحطاط الذي تعيشه منطقة الجزيرة والمشرق العربي؛ وحرماننا من الاطلاع على الابحاث التي تصدر بلغات اجنبية لحضارات متفوقة حضاريا يجدر بنا الاحتكاك بها معرفيا حتى نستعيد المسار المفقود الذي يصل بنا الى ركب الدول المتحضرة . لا أعتبر هذا تحاملا على اللغة العربية ولكن في نظري يجب ان تبقى ضمن تراث ثقافي مفتوح لمن اراد الاطلاع عليه في مسارها التاريخي…
اذكر من سلبيات عدم تحرير هذا الاشكال ووضعه في سياقه الطبيعي هو النظرة التي تعتمل في داخل المغاربة ازاء اهل الجزيرة والمشرق العربي عندما يتحدثون بالفصحى نظرة تضفي نوعا من القدسية والاجلال والتسليم لهذا المتكلم وقد حدث هذا معنا لما كنا في سوريا فعندما يتحدث الينا بعض هؤلاء كأن على رؤوسنا الطير دون التركيز في المحتوى ونقده وطرح تساؤلات حوله…. مع العلم اننا في ميزان العرب الغني بالنفط لا نعدو شعوبا دونية ولسنا ف مستواهم ….ان هذه اللغة بالنسبة لهم اداة من ادوات القوة الناعمة والسيطرة الروحية على الشعوب الأخرى وتكريس التبعية … تحياتي للجميع …..
بقلم: أديب أنور
المصدر :
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
26/04/2020