جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 15
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية / السنة الرابعة عشرة – العدد ( 165 ) | ربيع الأول 1441 هـ / نوفمبر 2019 م .
08/11/2019
جلال الدين حقانى
العالم الفقية .. والمجاهد المجدد
(15)
– ملحمة حقاني في جاور عام (1986) قدمت للعرب أهم دروسهم القتالية في أفغانستان،
فكانت سببًا في انتصارهم مع بن لادن في معركة جاجي (1987).
– نكسة السوفييت في عملية الكوماندوز كادت أن تفشل برنامجهم كله، لولا كارثتان أصابتا المجاهدين وهما: انهيار مغارات في جاور، وإصابة حقاني بقنبلة نابالم.
– أبوحفص المصري: أحصيت 84 طائرة سوخوي هاجمتنا في جاور خلال فترة وجيزة، ولم أشهد مثل ذلك القصف الجوي في أفغانستان من حيث القوة والدقة.
– تصورها السوفييت معركة خاطفة، ولكنهم احتاجوا إلى أكثر من 20 يوما للوصول إلى جاور، وبقوا فيها لساعات.
– فاصل من الفكاهة الجهادية: وجاءت المقاومة الشعبية من عرب بيشاور لتحرير جاور!!.
تحميل مجلة الصمود عدد 165 : اضغط هنا
جاور مدرسة قتالية :
لم تكن مساهمة أبوحفص وأبوعبيدة مفيدة كما لم تكن من وجهة نظري حكيمة. ولكنها أفادت كثيراً في تشكيل فكرهما العسكري. فقد كانت (جاور) هي مدرستهما العسكرية الرئيسية، وما استفاداه من دروس حقاني في ملحمة جاور كان عدتهما الرئيسية في معركة (جاجي) التي دارت بعد ذلك بعام تقرياً، لتكون أول وأشهر معارك العرب في أفغانستان. ومنعطفاً في تاريخ التواجد الجهادي للعرب في تلك القضية. وكلاهما كان فارس ميدان تلك المعركة وقائداها الحقيقيان. لقد استغرقنا وقتاً طويلاً بعد ذلك في بحث ونقاش حول معركة جاور وأفادنا كثيراً التمعن في أحداثها. وقارنا بين ما أحدثه كمين واحد في المعركة أدى إلى تدمير كتيبة كوماندوز تقريباً.
وبين دفاع ثابت عن جاور أدى إلى إصابة قائد المعركة واستشهاد عدد من كبار قادة المجموعات في حادث المغارة، وعدد من أشجع أطقم المدفعية المضادة للطيران.
وكنا مقتنعين تماماً بأن ملحمة المدفعية المضادة لم يكن لها ما يبررها وأن خسائرها أكبر كثيراً من فوائدها.. وأن أسلوب الكمائن المتنقلة هو خير أسلوب في تلك الحالات. وكان ذلك الدرس هو مفتاح النجاح لهما في معركة جاجي.
انتصارات المجاهدين ضد الكوماندوز السوفييت في جاور 1986، أفادت العرب في انتصارهم على الكوماندز في جاجي 1987.
وكأن تلك النقاشات كانت تضع تصوراً مفيداً للغاية لمعارك (جاجي) التي قادها أبوحفص و أبوعبيدة وكان أروع ما فيها ذلك الكمين الذي أوقعوا فيه قوة للكوماندوزالسوفييت فأبادوها فوق إحدى القمم.(مستفيدين أيضا من تجربة كمين ناجح نفذه طلاب الشريعة في جاور).
كان الجيش الأحمر قادراً على الوصول إلى أي نقطة يريدها في البلاد، وهكذا أراد أن يثبت في معركة جاور ثم معركة فتح الطريق إلى خوست عبر مناطق قبائل زدران، وقد ساعدتهم أمريكا عبر باكستان، على إشباع حاجتهم إلى حفظ كرامتهم العسكرية. في مثل هذه الأوضاع ليس من الحكمة تبني شعار الدفاع عن كل شبر من الأرض أو الثبات حتى آخر رجل.
بل يجب أن نتبني شعاراً يقضي بإيقاع أقصى خسائر للعدو، حتى يصبح نصره نصرا زائفا وشكليا، لأن فداحة خسائره أفقدت النصر معناه، ومع ذلك فقد حدث ذلك جزئياً في جاور وكانت خسائر العدو في الأفراد والمعدات أكثر من أن تكون مقبولة، وبشكل خاص أنه لم يمكث في جاور إلا أقل من عشرين ساعة فلم يتمكن من استثمار انتصاره.
باعتبار أن جاور كانت المنفذ لحوالي 20% من إمدادات المجاهدين”حسب أقوال محمد يوسف” كما أن تأثيراتها على القبائل على جانبي الحدود هي تأثيرات عظيمة لسهولة الاتصال بهم وتهريب الأسلحة والأموال وبالتالي نقل ولائهم من باكستان إلى (كابول) أو تحييد نشاطهم المعادي على أقل تقدير.
نكسة الكوماندوز :
نعود إلى عملية الكوماندوز مرة أخرى لنجد أنها تمت في الثالث من إبريل وكانت معارك جبل رغبلي ما زالت على أشدها، وشهدت قتالاً متلاحماً على القمة عدة مرات.
ولكن المجاهدين كانوا في قمة الحماس والنشاط. وخطوط إمدادهم سليمة ومتصلة فلم يكن القصف الجوي الذي بدأ منذ نهاية مارس قد أثر على سلامة تلك الخطوط أو سلامة الروح المعنوية. لهذا فإن عملية الكوماندوز (جنوب جاور) كانت مبكرة عن موعدها المناسب وكان ينبغي الانتظار أكثر حتى يظهر تأثير القصف الجوي على معنويات المجاهدين وخطوط إمدادهم.
والاحتمال الوارد لهذا الاستعجال إما أن يكون محاولة تخفيف الضغط على الكوماندوز السوفيتي فوق جبل رغبلي أو الاستعجال في إنهاء المعركة بطريقة خاطفة، ولم يكن مرّ عليها سوى عدة أيام وهذا ينطوي على استخفاف كبير بقدرات المجاهدين وغرور زائد بالقوة السوفيتية البرية التي تشارك بهذه الكثافة لأول مرة في باكتيا، وتحت حماية لم يسبق لها مثيل من سلاح الطيران السوفيتي. نكسة الكوماندوز زلزلت البرنامج السوفيتي. وكان يمكن أن ينهار البرنامج كله على إثر ذلك لولا الكارثتان اللتان لحقتا بالمجاهدين. الأولى حادثة انهيار المغارة ومقتل عدد من القياديين بداخلها، ثم أعقب ذلك إصابة حقاني والأثرالسيء لتلك الإصابة على معنويات المجاهدين، خاصة أن إذاعات العدو والمنشورات التي أسقطتها الطائرات عملت على تضخيم آثار حادثي المغارة وإصابة حقاني. وبلا شك فإن غياب حقاني ترك فجوة كبيرة في السيطرة والقيادة.
عملية الكوماندوز كانت دليلاً على أن السوفييت تصوروا معركة خاطفة تنتهي سريعاً. ولكنها استغرقت أكثر من عشرين يوماً حتى استطاعوا الوصول إلى جاور. ومن المستبعد أن يخطط السوفييت لحرب خاطفة على جاور القريبة من باكستان بدون أن يتلقوا ضوءً أخضر يضمن مساندة باكستانية. وهذا ما تثبته شواهد عديدة.
رغم ادّعاءات (محمد يوسف) في كتابه بأنه هو صاحب فكرة تحويل جاور وجاجي إلى مراكز قوية للدفاع عن أمن باكستان من إختراق سوفيتي. والحقيقة هي أن جاور تحولت إلى (قلعة) صعبة الاختراق بسبب طبيعة (حقاني) كقائد عنيد صلب المراس، من الصعب جداً دفعه إلى الخلف، خاصة في مناطق ارتبطت به شخصياً.
لهذا قاتلت جاور بصلابة أمام أعتى حملتين سوفيتيتين على باكتيا خلال نصف عام فقط. بينما جاجي كانت تستسلم حتى قبل أن تصل إليها قوات العدو ويقوم مقاتلوها بسلب القاعدة ونهب محتوياتها والفرار إلى باكستان. ولذلك أسباب أهمها ضعف عنصر القيادة المتمثل في سياف الذي كان رجاله يصفونه بأنه (مداري) أي ممثل أو نصاب!!. ولم تتحول جاجي إلى قلعة إلا عندما قاتل فيها العرب معركتهم عام 1987 (بقيادة بن لادن( فكانت هي المرة الوحيدة في الحرب الذي تظهر فيه منطقة جاجي كقلعة حصينة أمام العدو. .. وذكرنا أن باكستان تركت مجالها الجوي مفتوحاً أمام الطيران السوفيتي كي يقصف مواقع المجاهدين في جاور لأكثر من ثلاثة أسابيع متصلة ليلاً ونهاراً بدون اعتراض عملي أو حتى شفوي.
كما قصف الطيران مراكز للمهاجرين الأفغان داخل الحدود الباكستانية ومناطق أخرى في العمق يعتقد أنها مراكز مهاجرين. أما دفاعات جاور الجوية، فقد زودها (محمد يوسف) بمدفع أرلكان واحد من عيار(20 مليمتر) وليس ثلاثة مدافع كما فعل في جاجي إضافة إلى أربعة رشاشات زيكوياك عيار 14.5 مليمتر ومدفعي دوشيكا عيار 12.7 مليمتر . وهذا الأخير ليس له أي قيمة في مواجهة الطيران فيما عدا الهليكوبتر القريب.
والغريب أيضاً أن الدفاعات الأمامية قد تدخل (يوسف) لأخذ زمامها في يده. وكان يحدث ذلك كمقدمة ضرورية لكل كارثه تحل بالمجاهدين حين تتولى المخابرات الباكستانية العمل الحيوي في معركة عسكرية. فالمجموعات الأمامية لم يزودها (يوسف) بأي جهاز اتصال لاسلكي صغير لتسهيل الاتصال بين المجموعات المتناثرة.
لأجل ذلك كان على تلك المجموعات أن تعمل بإحدى طريقتين:
إما أن تتوزع في كمائن كما هو مفروض ولكنها في هذه الحالة سوف تفقد الاتصال فيما
بينها لعدم وجود أجهزة اتصال. وبذلك تنعدم السيطرة على القوات أو أنها تتجمع وتتكدس كلها في مكان واحد فيضعف تأثيرها على العدو وتتزايد نسبة خسائرها في الأفراد.
فالعدو ما أن يحدد مكان ذلك الجيش الصغيرحتى يصب عليه حمم المدفعية والصواريخ وفي ظرف دقائق تكون الطائرات فوق رؤوسهم فتذيقهم الأمرين. وقد أشار يوسف في كتابه إشارة غامضة إلى تلك المأساة حين قال بأن: (حقاني كان يتولى قيادة القوات كلها نظرياً أما عملياً فإن كل قائد سوف يخوض معركتة مستقلاً). إن المساحة الفعالة في جاور لاتتجاوز كيلومتراً مربعاً. ولنا نتخيل تأثير هذا القصف الجوي الذي لم يسبق له مثال على تلك الرقعة الضيقة من الأرض ولمدة ثلاثة أسابيع متصلة.
صمتت جاور .. والروس لايتقدمون !!.
الإسراف المبالغ فيه في استخدام القوة هو جزء من العقيدة القتالية للسوفييت (الروس). لقد سكتت أخيراً مدفعية جاور وأصبحت القاعدة شبه خالية ولكن السوفييت لا يتقدمون؟.. لأنهم يعلمون أن عملية التقدم في الممرات الجبلية الضيقة نحو جاور هو النقطة القاتلة في العملية كلها.
وكان من المفروض أن تكون خسائرهم الرئيسية هي خلال تنفيذ تلك الجزئية. وبدلاً عن ذلك إذ مجموعات المقدمة والأجناب التي يديرها جواسيس باكستان من رجال الاستخبارات تنسحب.. ولكن السوفييت أيضاً لا يتقدمون!! فيقوم مجهول.. بتوجيه الدعوة لهم بالتقدم عبر جهاز اللاسلكي فيتقدم الجيش الأحمر نحو القاعدة.. فيستولي على ما تبقى بها من حطام..
ويدمر ما يدمر من مغارات. ويبث الألغام على عجل هنا وهناك. ثم ينسحب فجأة قبل أن يكمل يوماً في القاعدة… وهنا أيضا لا يلاحقه أحد، ولا يبث الألغام في طريقه أحد، وكان من السهل قفل الباب خلفه وإفناء تلك القوة التي احتلت جاور.. ولو تحقق ذلك لخرج السوفييت من أفغانستان بهزيمة، بل بفضيحة عسكرية.
وهو ما بذلت أمريكا وعملائها قصارى جهدها لمنع حدوثه، حفاظاً على كرامة السوفييت حتى لا يتصرفوا بعصبية زائدة فتضطر أمريكا للتورط معهم في مواجهة لا يستطيعون عليها بغير الأسلحة النووية، أمام قوة برية متماسكة وقوية مثل الجيش الأحمر. كما أن أمريكا ساعدت السوفييت خوفاً من انبعاث مارد إسلامي من القمقم الأفغاني، ومايعنيه ذلك من انتهاء السيطرة “الصليبية اليهودية” على العالم.
ـ لقد كانت معركة (جاور) أول خيانة باكستانية (أمريكية) للمجاهدين استطعتُ أن أرصدها في أفغانستان وإن كنت لم أفهمها بوضوح كامل إلا في وقت متأخر. أما الخيانة الأخرى بعد ذلك بعشرين شهراً عندما فتحت باكستان الطريق إلى خوست خلال مناطق (زدران)الجبلية فكانت الخيانة واضحة تماما حتى أن بعض المتورطين فيها قالوها لنا صراحة (هذه أوامر باكستان).
فكانت صدمة لنا أن نعرف أن (أوامر باكستان) تقضي بتدمير المجاهدين بهذه الصراحة الوقحة.
– وأخيراً دخلت القوات الشيوعية إلى جاور مساء السبت(19/4/86). كانت صدمة قاسية على الجميع، خاصة حقاني الراقد فوق فراشه بحروق النابالم . والذي يأتي إليه طبيب عربي من مستشفى ميرانشاه كي يضمد له جراحه فی غرفة ضيقة مثل خلية النحل لا تخلو معظم النهار من الوفود.
في صباح الأحد تأكد الخبر لدى الجميع. (دخلت الحكومة إلى جاور) هكذا تناقل الناس الخبر في (بازار) المدينة، وهم بين مبتئس مصدوم أو شامت يخفي مشاعره بصعوبة. ذهبنا لزيارة حقاني لمعرفة الوضع الحالي وكان قد أخبرني قبل سقوط جاور بيوم واحد أن (الوضع سيء) فما عساه أن يقول الآن؟. أنهى حقاني اجتماعه مع حوالي عشرين من رجاله الأقوياء وقادة مجموعاته وكأنه كان يجهز للعمليات القادمة لما بعد سقوط جاور. بعد ساعة من الانتظار جلست معه على انفراد كان متماسكاً وصريحاً كعادته، قال لي مباشرة: (لقد دخل الروس إلى جاور.. إنها هزيمة)..لم أوافقه على ما قال، وقلت له بتأكيد:
( بل هم هزموا لأن خسائرهم كانت كبيرة جدا وأكبر بكثير من خسائر المجاهدين. كما أن في استطاعتنا حصارهم وإبادتهم في جاور،هذا المكان سيكون بمثابة مصيدة الموت.. لن يستطيعوا إمداد قواتهم في جاور عن طريق الجبال، فالمجاهدون أقدر على القتال في تلك المناطق وإبادة أي قوة تتحرك فيها.. والإمداد بطائرات الهيلوكبتر يمكن منعه لأن الجبال عالية ويمكن ضرب الهيلوكبتر عند انخفاضها ومحاولتها الهبوط في جاور. إن حصار جاور و إبادتهم فيها أمر ممكن جداً، لقد أخذوا جاور بثمن باهظ جداً وهذا يكفينا كقوات عصابات تواجه جيش عسكري. ومعروف لدى الجميع أن من المستحيل لنا الاحتفاظ بمواقع إذا صمم الجيش على دخولها ولكن المطلوب من المجاهدين في هذه الحالة إيقاع أكبر خسائر في صفوف الجيش المتقدم وقد فعلوا ذلك. أما بقاء العدو في جاور فسوف يكون كمن حفر قبره بيديه، فيمكننا إبادتهم هناك..)
واقترحت على حقاني كتابة بيان بهذا المعنى لطمأنة المسلمين حتى لاينتابهم اليأس مما حدث. فوافق حقاني واتفقنا أن أقوم بصياغة البيان وأن أعرضه عليه عصراً لمناقشته النهائية، وإقرار صياغته قبل أن أقوم بتوزيعه على الصحف وإرساله إلى صحيفة الاتحاد التي أعمل بها.
تحميل مجلة الصمود عدد 165 : اضغط هنا
عرب يبشاور في الطريق إلى جاور :
لم يتصل بي حقاني في الوقت المتفق عليه وكان السبب هو وصول الدكتور عبد الله عزام وبصحبته 35 شاباً عربياً قدموا من بشاور لتحرير جاور!! .لقد شبهتهم وقتها بالمقاومة الشعبية التي نعرفها في مصر. وهي ذلك النوع من (القوات) التي تشكله الحكومة عندنا في مواكبة كل هزيمة في حروبها مع إسرائيل. وقوات المقاومة الشعبية تلك يتمثل أقصى مساهماتها في المجهود الحربي للدولة بتلك الصيحات المدوية والتي يطلقونها ليلاً في عبارة شهيرة تقول (طفي النور)!!.
كان الشباب العربي الذين قدموا، لا يعرفون المنطقة ومعظمهم لم يتدرب كلياً أو جزئياً، وليس لديهم أية فكرة عما يحدث هنا سوى أن جاور سقطت وأن الدكتورعبد الله عزام قد استنفرهم للقتال وأحضرهم إلى هنا.
ولا أنكر أن تلك الطريقة في العمل كانت تفقدني رشدي . كنت أعتبرها (مظاهرات لتوريد القتلى وزيادة عدد الشهداء والمصابين). لذلك لم أذهب إليهم ولم أقابل الدكتور عبدالله بل ذهب إليه أبوعبيدة العراقي وأبوصهيب المصري الذي وصل مؤخرا .
وعرضوا على الدكتور عبد الله تكوين مجموعة لمهاجمة المطار بالصواريخ، وطالبوا بسيارة
(بيك آب) يضعون عليها راجمة، ولكن مساعدو الدكتور عبد الله طالبوا (بمعلومات وافية) عن ( مجموعة خوست)، وهو اللقب الذي أطلقوه على مجموعتنا- لكنهما رفضا ذلك الشرط.
وقررنا العمل منفردين وبطريقتنا الخاصة. وفي يوم الاثنين ( 21/4/86 ) طلب الدكتور عبدالله أن يأخذ أفراد مجموعتنا ويتوجه بهم إلى جاورعلى أن يكون عبدالرحمن المصري وأبوعبيدة العراقي أمراء على مجموعتين للشباب العرب. عقدنا اجتماعاً لمجموعتنا في بيت للضيافة خصصه حقاني للعرب في ذلك الوقت. وخصصناه فقط للمجموعة العاملة في خوست. ناقشنا هناك ضرورة أن يكون عملنا ضد المطار فقط. أما الهجوم على جاور فإن هناك عشرات أو مئات من المجاهدين قادرون على أداء المهمة خير منا.. بينما المطار لا يتوجه إليه أحد رغم خطورته على سير العمليات.
كنا جاهزين للحركة ولكن لم نستطع العثور على سيارة كي تنقلنا إلى منطقة (باري) حيث مركزنا الرئيسي للعمل ضد المطار.عند العصر سمعنا انفجارا ضخما من مسافة بعيدة. صعدنا إلى سطح البيت فشاهدنا سحابة ضخمة من الدخان تتصاعد إلى السماء من اتجاه جاور.
تحيرنا في تفسير ما حدث وخمنت وقتها أن العدو قام بتدمير ذخائر عثر عليها في جاور.. ولكن لماذا لم يسحبها خارج القاعدة؟.. أو يستخدمها للدفاع عن جاور إذا كان ينوي الاحتفاظ بها؟.. وشككت وقتها في أن العدو قد لا يمكث في جاور طويلاً. أسعدتني الفكرة ولكن أزعجني أن يفلت العدو، فقد كنت على قناعة تامة بأنها مصيدة الموت، وأن القوات الشيوعية في جاور ينبغي ألا تخرج سالمة.شاعت بين الناس أنباء متضاربة حول جاور. بعضهم قال أن المجاهدين ما زالوا هناك وآخرون قالوا بأن العدو تركها.
في صباح الثلاثاء (22/4/86) أرسل الشيخ حقاني دورية استطلاع من خمسين رجلاً ومعهم جهاز لاسلكي كي يأتوا بالخبر من (جاور). اتصلت المجموعة وقالوا أنهم وصلوا إلى(جاور) وأن القوات الشيوعية قد انسحبت من هناك. وأن أفراد المجموعة خائفون من الألغام. فأمرهم حقاني باحتلال رؤوس الجبال وألا يدخلوا القاعدة حتى يتم تطهيرها من الألغام بواسطة مجموعة خاصة سوف يرسلها فيما بعد. وعلى الفور أصدر حزب إسلامي حكمتيار بياناً وزعه على وكالات الأنباء أنهم قد طردوا الجيش السوفيتي من قاعدة جاور وقاموا بتسليمها لحقاني!!. أثار الخبر حنق حقاني وثار رجاله لأن الخبر كاذب ويطعن في رجولتهم.. ولكن الأزمة مرت بسلام ولكنها أضافت نقطة سوداء أخرى لصحيفة العلاقات بين الطرفين التي بالكاد توجد فيها نقاط بيضاء.
صفحات من سجل العرب في جاور :
ـ ننقل الهوامش الثلاث التالية عن كتاب (صفحات من سجل الأنصار العرب في أفغانستان) الجزء الأول الإصدار الثاني، للأخ الزميل باسل محمد، وهو الكتاب الوحيد حسب علمي الذي حاول أن يضع تأريخاً للتواجد العربي المصاحب للجهاد الأفغاني. والكتاب طبعته لجنة البر الإسلامية السعودية عام 1991م ــ 1412هـ . وهذا بعض ما کتبه عن معرکة جاور:
(1) يقول أبو الحسن المدني ـ وائل جليدان ـ : كنت أول من شهد تلك المعركة من الإخوة العرب.. فبعد أن سمعت بالهجوم ذهبت إلى هناك فوجدت الأخوين أبا حنفي وأباعبيدة اللحام المصري في ميرانشاه فاصطحبتهما معي إلى هناك ومعنا د.عبدالقدوس الأفغاني على أمل أن ننقل الجرحى من المعركة إلى المستشفيات. لحظة وصولنا وجدنا ثلاثة كهوف دمرت على من فيها من المجاهدين وكانت الساعة الخامسة عصراً، حاولنا حفر منفذ للمحاصرين تحت الركام… مضت نصف ساعة وإذا بأحد المجاهدين يصيح من أعلى الجبل .
جاءت الطائرات فسألنا: أين نذهب؟ قالوا ادخلوا هذا الكهف. فدخلنا . وكان الرابع الذي يلي الثلاثة المتهدمة، ومن هناك رأينا سلسلة طويلة متصلة على مد النظر من طائرات سوخوي25 .. كانت الطائرة التي ترمي حمولتها لا ترجع.. تأتي ثانية غيرها.. وهكذا… وبعد القذيفة الثالثة دُمّر نفس الكهف الذي دخلناه.. كانت الساعة الخامسة والنصف، وكنا داخل الكهف سبعة ـ أنا وأبوعبيدة اللحام ود.عبدالقدوس الأفغاني والممرض سلطان الأفغاني، وثلاثة إخوة آخرين من المجاهدين الأفغان. كنا مع كل قذيفة ندفن تحت الأرض أكثر.
ولم أعرف معنى الظلام الدامس في حياتي إلا في هذا المكان. في الساعة السادسة وعشر دقائق، أي بعد أربعين دقيقة من الاحتجاز جاءت آخر طائرة وآخر قذيفة، لتفتح لنا في بوابة الكهف كوة.
فكانت لنا طريقاً إلى النور من جديد. ( ويتابع أبو الحسن ) كان أول ما فكرنا فيه بعد خروجنا هو الشيخ جلال الدين فقد كان معنا في الكهف الذي يلينا، ولكنه قبل القذيفة الثالثة التي دفنتنا، ذهب خلف جبل حجري صغير واحتمى هناك.. ذهبنا نبحث عنه فوجدناه محروقاً… والإخوة الذين معه محروقين أيضاَ. والضابط الذي معهم مصاب إصابة بليغة جداً، ظلوا أول نصف ساعة بعيداً جميعاً عن القصف. ولكن إحدى القنابل نزلت خلف هذا الجبل الصغير بالقرب منهم، فدفعت الشيخ جلال بقوتها دفعة عالية ليسقط وسط النيران، وسرعان ما رمى أحد المجاهدين نفسه داخل النار ليخرج الشيخ جلال بينما استشهد الضابط الذي كان معه.
صدمة السوخوى !!
(2) ويتابع أبو حفص المصرى (النائب الثاني لأسامة بن لادن فيما بعد ) :
.. في بداية المعركة كان القصف يستمر طوال اليوم ولكنه أصبح بعد ذلك طوال النهار وطوال الليل.. فإذا توقفت الطائرات تبدأ المدفعية. وكانوا راصدين المواقع كلها رصداً دقيقاً جداً جداً.. وكانت طائرات السوخوي والقنابل الباراشوتية تستخدم لأول مرة.. وكانت الحكومة مصممة على الوصول إلى جاور بشكل عجيب.. وفي بداية المعركة أصيب الشيخ جلال.. وردم الكهف على أبوالحسن فنزل فيما أظن إلى ميرانشاه. ونحن أتينا بعده بخمسة أيام. وأثناء المعركة جاء أسامة وشفيق رحمة الله.
– { أسامه ازمراى اختطفته امريكا من دولة أسيوية و اتهمته بالاشتراك فى عملية تفجير مبنى التجارة العالمي في عام 1993م ـ وهو سعودي الجنسية من أصل اوزبکي ـ شارك في معرکة جاجي 1987 و معرکة جلال آباد 1989.
شفيق المدني، سعودي من أصل باکستاني، استشهد في معارك جلال آباد ضمن مجموعة اسامه بن لادن}.
كان بعض الإخوة الأفغان على موقع (دوشيكا) فحصل عليهم قصف شديد تركوا المدفع بسببه. فطلع أسامة وشفيق واستلموه واشتبكوا مع الطيران.
لكن بقية الإخوة العرب الذين وجدوا لم تكن لهم مشاركة وظلوا داخل الأنفاق ومنهم أبوحنفي الونش والأخ عامر.. وكان الأفغان قد منعوا أحداً من الدخول لأن المعارك شديدة جداً.
ودمرت كل مواقع الأسلحة المضادة للطائرات تقريباً. وأصيب أبوعبيدة بعد عدة أيام من القتال إصابة لم تكن خطيرة.. فوقتها كان لدينا شبه خندق مفتوح الجانبين نختبئ فيه من الطيران والقصف.. وفي تلك المعركة كان الجيش الباكستاني يشارك مشاركة فعلية.. فأتى عقيد باكستاني ومعه نقيب مظلات وأربعة ضباط صف يريدون أن يجربوا صواريخ (بلوبايب) البريطانية لأول مرة.. فاختاروا موقعنا نفسه وجلسوا فيه.. وكانت أسوأ تجربة..ضربوا تسعة صواريخ تقريباً فما أصابوا أي طائرة, لكن الموقع قصف بسبب ذلك قصفاً مركزاً.. أصيب أبوعبيدة على إثره، فحملته وأنزلته إلى المستشفى بالأسفل، ثم صعدت مرة أخرى، واشتد القصف.. وحقيقة أنا لم أشاهد في كل أفغانستان قصف طائرات مثل ما شهدته في جاور في الدقة والكثافة. ففي يوم من الأيام جلست أحصي الطائرات فبلغت في فترة وجيزة 84 طائرة كانت تأتي وراء بعضها.. تقصف وتعود. وكانت المشكلة التي تقابلنا في طائرات السوخوي التي كانت دقيقة جداً في الرمي وقادرة على الانخفاض إلى مسافة قريبة جداً دون أن تتأثر بالمضادات.. حتى أصيب المجاهدون بحالة من اليأس.. وعلى هذه الحال حتى قبل دخول القوات إلى جاور بيوم أو يومين، ولم يصب موقعنا طوال ذلك من فضل الله إلا في هذا اليوم. حينما كان النقيب الباكستاني يصور طائرات السوخوي وهي تتحرك فوقنا.. وفجأة سقطت قذيفة في وسطنا تماماً، كنت أقرب واحد منها فدخلت في الموجة الانفجارية، ولكنني كنت مرتفع قليلاً عنها، وأحسست كأن خناجر دخلت في ظهري حتى ظننت أنني قتلت حتماً.. ولكن وجدت نفسي بعد ذلك لا أزال أتنفس.. فتحاملت ونهضت وكان القصف لا يزال مستمراً، ذهبت أبحث عن أحد يحملني… دخلت الغرفة التي نحتمي فيها فوجدت كل من فيها قد أصيبوا إصابات أشد مني. واحداً قُطِعَتْ رجله وآخر مصاب في رقبته.. وكلهم في حالة إغماء.
الأفغان والباكستانيين الأربعة الرقباء، والنقيب الباكستاني أصيب أيضاً وطار مع بداية الانفجار في الهواء.. ولم يكن غيري من يستطيع أن يتحرك ولا كان أحد يستطيع الصعود إلينا أصلاً.. مشيت إلى الخلف حيث كان لنا بغل نحمل عليه الذخائر فوجدته مقصوماً نصفين هو أيضاً.. فقلت لنفسي؟ أتوكل على الله وأعتمد على قوتي الجسمانية.. وكنت وقتها قد أصبت بحالة شديدة جداً من اللامبالاة.. فأثناء نزولي أتت بعض الطائرات وقصفت… وكنا قد أصبحنا نتيجة الخبرة في المعارك نستطيع أن نعرف مكان سقوط القذائف وهي في الجو.
فلما رأيت الطائرة تقصف أحسست أن القذائف ستأتي على نفس مكاني، وسبحان الله كانوا 6 قذائف.. فقلت لا داعي لأن أنبطح أو أتوارى فالموضوع انتهى خلاص. لكن القذيفتين اللتين نزلتا أمامي مباشرة لم تنفجرا، والأربعة الأخرى التي نزلت أعلى مني انفجرت كلها، ولكني لم أصب بأي شيء.. وتابعت النزول.. وكانت المشكلة أن تأتي سيارة لتأخذني، لكن أخاً أفغانياً لما علم أنني أصبت وكان من أعز أصدقائنا جازف بنفسه ودخل (جاور) بسيارته تحت هذا القصف ونقلني إلى مستشفى ميرانشاه..( إ هـ ) ص 176 من نفس المصدر السابق..
(3) … وفي مقر الحزب الإسلامي في ميرانشاه بايع الجميع (العرب المستنفرون) الشيخ
عبدالله عزام على القتال، فسمَّانا وقتذاك (كتيبة الغرباء…) … كانت معنويات الذين نفروا طيبة جداً، وكان الإخوة في شوق لدخول الجبهات، لكن الشيخ جلال لم يسمح لنا بذلك وكان يقول(الخطب جلل، لا تستطيعون تصور الحكاية..) هكذا يفتتح أبو هاجر أمير مكتب الخدمات وقتذاك سجل ذكرياته المرهفة عن هاتيك الأيام فيقول:
أبقونا ثلاثة أيام جالسين هناك استفدنا منها بتنظيم دروس للإخوة حتى نمتص انتظارهم. وفي ذلك اليوم سمانا الشيخ عبدالله (كتيبة الغرباء)، وقال: سميناكم كذلك لأنكم غرباء، وهذه أول مرة نخرج فيها بهذه الكثافة، وأول مرة يأتي العرب دفعة واحدة لمناصرة الأفغان. فكان للكلمة وقع في نفوس الإخوة، وأعطوا الشيخ عبدالله بيعة على الجهاد، ولكن بعض الناس فهمها على أنها بيعة على الموت فقلنا لهم:
(لا يا إخوة بيعة الموت معناها الاّ ترجعوا أبداً فإما أن يظهركم الله على عدوكم أو أن تقتلوا في سبيله…). وأخيراً قرابة العاشرة ليلاً وصلنا (جهاد وال) { معسكر تابع لجماعة حكمتيار ويقع خلف جاور على مسافة عدة كيلومترات} وابتدأ الليل فيها، وفي الصباح وصل حكمتيار وقال بأن القوات انسحبت من المنطقة وتراجعت إلى الخلف، وأن وجودكم هنا لم يعد له داع.. ( وجزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.. فارجعوا).وبالفعل قرر الشيخ عبد الله عزام أن يرجع بنا وأعلن ذلك، لكننا تضايقنا، وتضايق أبوعبدالله (أسامة بن لادن) وأبو البراء وكل الشباب وقالوا:
المفروض حتى لو انسحبوا أن نطاردهم على الأقل أو أن نتقدم قليلاً..لكن الشيخ عبدالله قال لهم ( إن شاء الله تكونوا مأجورين..وقفلة كغزوة.. ثم نصب لنا علامات وقال لنا ارموا عليها.. فجعل كل منّا يتدرب على الرمي .. عدنا بعد ذلك تنفيذاً للأوامر، ووصلنا إلى ميرانشاه.. وانحلت كتيبة الغرباء.
فوضى في كتيبة الحُمُّصْ :
وهنا لا يفوت الأخ أبا هاجر أن يسجل بعضاً من مشاهداته المتميزة أيضا .. فيقول: بعد إصرار العرب على المشاركة تقسمت المجاميع، وحمل كل واحد ما يشتهي من الأسلحة.. وملأ الإخوة جيوبهم بالزبيب والحمص على أساس أننا مقبلون على معركة.. لكن الإخوة أكلوا ما في جيوبهم خلال الطريق حتى انتهى أكثره قبل أن نصل إلى العدو. فسماها البعض كتيبة الحمص. ولما صدر الأمر بالعودة، وما أن رجع الإخوة إلى ميرانشاه حتى انتهى الجهاد كفرض عين..وسارع كل منهم نحو أقرب فلاينكوتش (باص متوسط الحجم) متجه إلى بشاور بعد أن رمى سلاحه كيفما اتفق في مضافة الشيخ حقاني، الأمر الذي ضايق الأفغان جداً.
هل هذا السلاح للاتحاد أم للحزب أم للشيخ حقاني؟ تداخلت جميعاً، وضاعت بعض قطع منها، فاضطر حكمتيار إلى كتابة كتاب يتحمل فيه ما فُقِدْ ويعفينا من المسئولية!.
ويضيف أبوهاجر.. وهكذا، وللأفعال الظريفة التي فعلها إخواننا في تجربتهم الجماعية الأولى هذه سميناها بكتيبة الظرفاء!!..”إ هـ” نفس المصدر ( كتاب سجل الانصار العرب ) .
تحميل مجلة الصمود عدد 165 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )